اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
من الأصحاح الثالث عشر إلى الأصحاح الثالث والثلاثين نبوءات مضمونها أحكام الله على الأمم واليهود ومواعيده لليهود والأصحاحان الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون هما نبوءة واحدة وخاتمة النبوءات المذكورة. وصف النبي في الأصحاح الرابع والثلاثين سخط الرب على كل الأمم ولا سيما أدوم وفي الأصحاح الخامس والثلاثين وصف البركات التي سيمنح شعبه إياها بعد انتقامه من أعدائه. وهذان الأصحاحان ممتازان عن غيرهما لما فيهما من المبالغة والتشخيص والاصطلاحات الشعرية وعظمة الأحكام في الأصحاح الواحد وعظمة البركات في الآخر.
١ «اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا ٱلأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ ٱصْغُوا. لِتَسْمَعِ ٱلأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. ٱلْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا».
مزمور ٤٩: ١ تثنية ٣٢: ١
يدعو النبي كل المسكونة وسكانها الناطقة وغير الناطقة كالبهائم والأشجار لتسمع كلامه وهذا مما يدل على أهميته (ص ١: ٢).
٢ «لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطاً عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ، وَحُمُوّاً عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى ٱلذَّبْحِ».
في تفسير هذه النبوءة نتذكر ما يأتي:
- إنها كلام الله وهو الخالق والحاكم العادل وله حق أن يُحيي ويُميت.
- إنها تبيّن لنا شر الخطية وتعلمنا أن نكرهها ونخاف منها ولا نستخف بها ولا ننظر إلى محبة الله ورحمته فقط بغض النظر عن عدله وحقه.
- إن الرب لا يسرّ بذبح الناس وسفك الدماء لأن الكتاب بأسره يعلّمنا أنه لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.
- إنه أحياناً يتألم واحد عبرة للآخرين لعلهم ينتبهون ويخلصون فيكون خراب المملكة الواحدة رحمة لغيرها وخيراً من خراب الممالك جميعها.
وقال «كل الأمم» لأن النبوءة التي في هذا الأصحاح خاتمة كل النبوءات السابقة وخلاصتها ومنها النبوءات على أشور وبابل وموآب ودمشق ومصر وصور وبلاد العرب.
٣ «فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ ٱلْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ».
يوئيل ٢: ٢٠
من كثرة قتلاهم تُطرح ولا يمكن دفنها. وتسيل الجبال بدمائهم كما تسيل بالمياه في وقت المطر الغزير.
٤ «وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ ٱلسَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَٱنْتِثَارِ ٱلْوَرَقِ مِنَ ٱلْكَرْمَةِ وَٱلسُّقَاطِ مِنَ ٱلتِّينَةِ».
مزمور ١٠٢: ٢٦ وحزقيال ٣٢: ٧و ٨ ويوئيل ٢: ٣١ و٣: ١٥ ومتّى ٢٤: ٢٩ و٢بطرس ٣: ١٠ رؤيا ٦: ١٤ ص ١٤: ١٢ رؤيا ٦: ١٣
جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ النجوم.
كَدَرْجٍ الله في البدء بسط السموات كخيمة وفي الآخر يلفها كدرج وهذه المبالغة جائزة بالشعر ومعناها بلايا عظيمة.
وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ تسقط النجوم كما تسقط أوراق الأشجار.
٥ «لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ».
إرميا ٤٦: ١٠ إرميا ٤٩: ٧ الخ وملاخي ١: ٤
قَدْ رَوِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَيْفِي قضاء الله الأزلي بوقوع هذه الضربات كأنها كانت وقعت سابقاً في السماء أي في قضاء الله.
عَلَى أَدُومَ بلاد أدوم امتدت من البحر الميت شمالاً إلى البحر الأحمر جنوباً وكلها جبال والأدوميون من نسل عيسو وكان بينهم وبين اليهود عداوة قديمة وشديدة وفي الكتاب المقدس كثير من التهديد والتعيير والدعاء عليهم (مزمور ١٣٧: ٧ وإرميا ٤٩: ٧ - ٢٢ وحزقيال ٢٥: ١٢ - ١٤ ونبوءة عوبديا). وسبب هذه التهديدات اتحاد الأدوميين بأعداء اليهود مع أنهم إخوة اليهود من نسل إبراهيم وإسحاق وافتخارهم على اليهود يوم سقوط أورشليم بيد الكلدانيين (انظر قاموس الكتاب المقدس «أدوم»). وسخط الله هو على كل الأمم وأما أدوم فذُكرت خصوصاً كنائبة عن الجميع لأنها العدو القريب والقديم والحقود وظهرت عداوتها أكثر ظهور في زمان بلايا اليهود.
٦ «لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ ٱمْتَلأَ دَماً، ٱطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحاً عَظِيماً فِي أَرْضِ أَدُومَ».
ص ٦٣: ١ وإرميا ٤٩: ١٣ وصفنيا ١: ٧
ٱمْتَلأَ دَماً إشارة إلى ذبح عظيم كأن السيف كوحش مفترس شرب دم القتلى حتى شبع منه.
خِرَافٍ وَتُيُوسٍ كناية عن الأدوميين من كل رتبهم.
بُصْرَةَ يُطلق هذا الاسم على مدينتين إحداهما في موآب (إرميا ٤٨: ٢٤) ويُظن أنها بصرة حوران والثانية بصرة أدوم واسمها اليوم بصيرة تبعد عن سالع أي بترى أو وادي موسى نحو ٣٥ ميلاً إلى الشمال منها. وكانت بصرة من أعظم مدن أدوم وهي مذكورة في (تكوين ٣٦: ٣٣) وتنبأ بعاقبتها إرميا (إرميا ٤٩: ١٣) قال «بصرة تكون دهشاً وعاراً وخراباً ولعنة».
٧ «وَيَسْقُطُ ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَٱلْعُجُولُ مَعَ ٱلثِّيرَانِ، وَتُرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ ٱلدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ ٱلشَّحْمِ يُسَمَّنُ».
ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ... ٱلْعُجُولُ... ٱلثِّيرَانِ كناية عن الأدوميين.
وَتُرَابُهُمْ مِنَ ٱلشَّحْمِ يُسَمَّنُ الجثث غير المدفونة من كثرتها تخصب الأرض كأنها الزبل الذي تُدمن به التربة للخصب. قيل إن سهل واترلو في البلجيك أخصب كثيراً بعد المعركة المشهورة التي فيها انكسر نابوليون الأول.
٨ «لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ ٱنْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ».
ص ٦٣: ٤
الرب يؤخر قصاص أعدائه لغايات (١) أن يعطيهم فرصة للتوبة فيصفح عنهم. (٢) أن يكمل تأديب شعبه بواسطتهم. ولكنه عيّن يوماً للانتقام فيكون الانتقام في الوقت المعيّن.
مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ (انظر سفر عوبديا) يظهر من هذه النبوءة المخيفة محبة الله لشعبه لأن غضبه على أعدائهم المعتدين عليهم هو بمقدار محبته لهم (زكريا ٢: ٨ «مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ»).
يَوْمَ... سَنَةَ (انظر ص ٦١: ٢ و٦٣: ٤) فيظهر من مقابلة هذه الآيات الثلاث أن للانتقام يوماً وأما الرحمة فلها سنة أي الرب يسرّ بخلاص الناس لا بهلاكهم فيغفر لنا خطايانا ولا يذكرها أيضاً ورحمته إلى الأبد. انظر الوصية الرابعة حيث قيل أن الرب يفتقد الذنوب إلى الجيل الثالث والرابع ويصنع إحساناً إلى ألوف أي إلى ألوف من الأجيال.
٩ «وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتاً، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتاً، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتاً مُشْتَعِلاً».
تثنية ٢٩: ٢٣
إشارة إلى خراب سدوم وعمورة. ليس في أدوم أنهار دائمة مدة السنة ولكن توجد أودية كثيرة تجري فيها سيول فصل الشتاء والمراد بالقول الخراب الدائم والكامل.
١٠ «لَيْلاً وَنَهَاراً لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا».
رؤيا ١٤: ١١ و١٨: ١٨ و١٩: ٣ ملاخي ١: ٤
قال ملاخي وهو بعد زمان إشعياء بنحو ٣٠٠ سنة «أَبْغَضْتُ عِيسُوَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَاباً... لأَنَّ أَدُومَ قَالَ قَدْ: هُدِمْنَا» وتحسّنت أدوم قليلاً في زمان المكابيين ثم تأخرت أيضاً حتى سقطت سقوطها النهائي في القرن السابع بعد المسيح. وإلى اليوم أدوم خربة (انظر كتاب البينة الجلية ف ٨).
١١ «وَيَرِثُهَا ٱلْقُوقُ وَٱلْقُنْفُذُ، وَٱلْكَرْكِيُّ وَٱلْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ ٱلْخَرَابِ وَمِطْمَارُ ٱلْخَلاَءِ».
ص ١٤: ٢٣ وصفنيا ٢: ١٤ ورؤيا ١٨: ٢ و٢ملوك ٢١: ١٣ ومراثي ٢: ٨
انظر قاموس الكتاب لوصف الطيور والحيوانات. والأجناس المذكورة هي التي تحب الخلوة والأماكن الخربة.
وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ ٱلْخَرَابِ الخيط مستعمل غالباً للبناء وأحياناً للخراب كأن مهندساً يمد خيطه ليعمل طريقاً فيخرب بعض البيوت للتمهيد.
١٢ «أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَماً».
أَشْرَافُهَا هذه الجملة غير كاملة. والظاهر أن النبي ابتدأ يقول شيئاً في أشراف أدوم وبعدما لفظ لفظة أشراف وقف وتذكر أنه ليس ملك في أدوم ولا أشراف.
١٣ - ١٥ «١٣ وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا ٱلشَّوْكُ. ٱلْقَرِيصُ وَٱلْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا فَتَكُونُ مَسْكَناً لِلذِّئَابِ وَدَاراً لِبَنَاتِ ٱلنَّعَامِ. ١٤ وَتُلاَقِي وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ ٱلْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَلاً. ١٥ هُنَاكَ تُحْجِرُ ٱلنَّكَّازَةُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ».
ص ٣٢: ١٣ وهوشع ٩: ٦ ص ١٣: ٢١ الخ
تُلاَقِي وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ أي لا يكون أناس هناك فالوحوش لا تلاقي إلا وحوشاً وبأصواتها تدعو بعضها.
يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ الليل كناية عن الحزن والخوف والخراب. وقيل في السماء (رؤيا ٢٢: ٥) «لا يكون ليل هناك».
ٱلنَّكَّازَةُ هي حية خبيثة جداً ذات رأس رفيع قفازة مثل الحية الطيارة.
وَتَبِيضُ بعض أجناس من الحيّات تضع صغارها أحياء وأكثرها يبيض وبعضها يحضن البيض مثل الطيور «تحت ظلها».
١٦ «فَتِّشُوا فِي سِفْرِ ٱلرَّبِّ وَٱقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هٰذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا».
ملاخي ٣: ١٦
سِفْرِ ٱلرَّبِّ أي الأسفار المقدسة التي كانت في أيام إشعياء ولا سيما نبوءة إشعياء هذه من جهة أدوم. ويظهر من هذا القول وجود سفر في أيام إشعياء معروف ومعتبر أنه سفر الرب وموحى به ويظهر أيضاً أن إشعياء عرف أنه تكلم بالوحي وكلامه سيُحفظ لإرشاد الأجيال الآتية.
وَاحِدَةٌ مِنْ هٰذِهِ ظن بعضهم أن كلمة «هذه» ترجع إلى النبوءات في سفر الرب والمعنى أن كل نبوءة ستتم. والأرجح أن «هذه» ترجع إلى الحيوانات المذكورة والمعنى أنها جميعها تكون في أدوم كما قيل ولا يغادر أحدهم رفيقه لأن الكل يكون هناك وهذا أمر الرب وهو الذي جمع في أدوم هذه الأجناس من الحيوانات والطيور والحيات.
١٧ «وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِٱلْخَيْطِ. إِلَى ٱلأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا».
أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً قسم بلاد أدوم لهذه الحيوانات كما قسم بلاداً أخرى لبني آدم.
فوائد للوعاظ
للرب سخط (ع ٢) نتعلم
- إن الانتقام أمر ضروري فلا يجوز أن الخطية تكون بلا عقاب.
- إنه لا يجوز للإنسان أن ينتقم لنفسه لأنه خاطئ وضعيف وعرضة للكبرياء والقساوة والغلط.
- إن الانتقام للرب لأنه خلق جميع الناس والجميع له وهو يعرف كل شيء وهو العادل والقدوس والمحب فلا يمكن أنه يغلط في أحكامه أو يجازي أحداً بأكثر مما يستحقه.
شهادة البلاد الخربة كأدوم وبابل وغيرهما ع ١٣ إلى ١٥
- إنها تشهد لله بأنه عادل في أحكامه وصادق في أقواله وقدير في إجراء قصده. فإن هذه البلاد لم تسقط لأسباب طبيعية فقط.
- إنها تشهد بمنافع الدين. كان لبعضهم أرض مخصبة ومياه كثيرة كسدوم وعمورة وبابل وكان للآخر حصون متينة كأدوم ولغيره مال كثير كصور وسقط جميعها لعدم الدين الحق.
- إنها تشهد على الخطية. فإن أجرتها موت الخاطئ وخراب البلاد فلا يضل أحد. الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
مضمونه:
هذا الأصحاح تتمة الأصحاح السابق لأن موضوع ذلك الأصحاح تحويل بلاد مثمرة إلى قفر وموضوع هذا الأصحاح تحويل قفر إلى بلاد مثمرة. وفي الأصحاح الواحد سخط وذبح وزفت وكبريت ووحوش وخراب وفي الأصحاح الآخر فرح وتعزية وأزهار جميلة ومياه غزيرة ومسافرون وساكنون بالراحة والأمان. ومعنى هذه التشبيهات سعادة شعب الله بعد خلاصهم من الضيقات.
١ «تَفْرَحُ ٱلْبَرِّيَّةُ وَٱلأَرْضُ ٱلْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ ٱلْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَٱلنَّرْجِسِ».
ص ٥٥: ١٢ نشيد الأنشاد ٢: ١
معنى هذه النبوءة:
- فرح اليهود برجوعهم من سبي بابل وانتقالهم من العبودية في بلاد غريبة إلى الراحة في بلادهم.
- فرح الأمم عند قبولهم المسيح وانتقالهم من عبودية الخطية إلى حرية شعب الله.
- فرح الكنيسة في كل عصر بالخلاص من الضيق.
- فرح كل إنسان عند تجديد قلبه وإيمانه بالمسيح لأنه بذلك التجديد ينتقل من قفر الأعمال المائتة إلى بلاد الأعمال المثمرة.
- فرح جميع المؤمنين من اليهود ومن الأمم بنهاية سفرهم في قفر هذا العالم ودخولهم إلى أمجاد السماء.
٢ «يُزْهِرُ إِزْهَاراً وَيَبْتَهِجُ ٱبْتِهَاجاً وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ، بَهَاءَ إِلٰهِنَا».
ص ٣٢: ١٥
يُدْفَعُ إِلَيْهِ إلى القفر. وامتازت لبنان وكرمل وشارون عن غيرها بالخصب والجمال. والمجد الموصوف هو مجد طبيعي أي مجد الأزهار الجميلة والأشجار الكبيرة والسهول المخصبة لا مجد المدن والقصور والحصون ولعل المراد به أن المجد من الله وبأعماله لا بأعمال الإنسان. والفرح الحقيقي هو بالعيشة البسيطة وبما يعطيه الله لجميع الناس بغزارة لا بالمال وعيشة الأغنياء والأكابر.
هُمْ يَرَوْنَ أي المخلصون يرون في هذه الخيرات يد الرب ويعترفون بأنه خلصهم واعتنى بهم وأرشدهم. إن مجد الرب في الطبيعة دائماً فالشمس تشرق على جميع الناس صالحين وأشراراً والأزهار والأشجار وتغريد العصافير الحلوة والروائح الطيبة في بلاد الأشرار كما في بلاد الصالحين لكن الأشرار لا يرون هذا المجد بل يرون في الطبيعة ما يحملهم على الخوف والحزن لأن جمال العالم وأفراحه للذين يرون الله فيه.
٣، ٤ «٣ شَدِّدُوا ٱلأَيَادِيَ ٱلْمُسْتَرْخِيَةَ، وَٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. ٤ قُولُوا لِخَائِفِي ٱلْقُلُوبِ: تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلٰهُكُمُ. ٱلانْتِقَامُ يَأْتِي. جَزَاءُ ٱللّٰهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ».
أيوب ٤: ٣ و٤ وعبرانيين ١٢: ١٢
وصية لشعب الله أن يشجع بعضهم بعضاً في وقت الضيقات بذكر مواعيد الله فلا شك أن هذه المواعيد ثبتت إيمانهم وعزّتهم مدة السبي. إن لكثيرين قوة كافية ولكنهم لا يعرفون قوتهم ولا يستعملونها وهم كإنسان ذي رجلين صحيحتين يظن أنه أعرج فلا يحتاج إلا إلى من يشجعه ويقول له قم وامش وهكذا لنا قوى روحية لا نعرفها وعندما نسمع صوت الرب من فم أنبيائه أو إخوتنا المؤمنين نتشجع ونقوم للحياة والخدمة بالنشاط. إن الرب أحياناً يشجعنا بتحسين أحوالنا الخارجية وكثيراً ما يشجعنا بتحسين أحوالنا القلبية فنتشجع ونتقوى ونحتمل ما لا نقدر أن نخلص منه.
هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ كان لهم هذا الوعد في ضيقاتهم مدة السبي وهو أن الله لم يزل إلههم فعرف أحوالهم وكانت لمصائبهم نهاية. فيأتيهم بالخلاص ويأتي أعداءهم بالانتقام والله يأتي كل مؤمن بروحه فيعزيه ويقويه. ونظر النبي أيضاً إلى المستقبل البعيد وإتيان المسيح الموعود به الذي يخلص شعبه من خطاياهم. والكنيسة كانت تنتظر في كل عصر عند نزول الضيقات والأهوال مجيء المسيح الثاني بالصبر والإيمان.
٥، ٦ «٥ حِينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ، وَآذَانُ ٱلصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. ٦ حِينَئِذٍ يَقْفِزُ ٱلأَعْرَجُ كَٱلإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ ٱلأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَجَرَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ وَأَنْهَارٌ فِي ٱلْقَفْرِ».
ص ٢٩: ١٨ و٣٢: ٣ و٤ و٤٢: ٧ ومتّى ٩: ٢٧ الخ و١١: ٥ و١٢: ٢٢ و٢٠: ٣٠ الخ و٢١: ١٤ ويوحنا ٩: ٦ و٧ متّى ١١: ٥ ومرقس ٧: ٣٢ الخ متّى ١١: ٥ و١٥: ٣٠ و٢١: ١٤ ويوحنا ٥: ٨ و٩ وأعمال ٣: ٢ الخ و٨: ٧ و١٤: ٨ الخ ص ٣٢: ٤ ومتّى ٩: ٣٢ و٣٣ و١٢: ٢٢ و١٥: ٣٠ ص ٤١: ١٨ و٤٣: ١٩ ويوحنا ٧: ٣٨ و٣٩
حفرت في بعض الأماكن في صحراء إفريقية آبار عميقة فنشأت منها ينابيع ماء حي وكل مكان وصل إليه الماء صار جنة خضراء جميلة كثيرة الخصب ولو كان قبل ذلك قفراً ذا رمال لا شيء فيه من الخضرة. والنبي نظر في الرؤيا إن المياه قد انفجرت في القفر فنبت فيه كل ما يسر النظر. ولم يكن التحسين مقصوراً على الأرض بل كان لأهلها أيضاً لأن عيون العمي تتفتح فينظرون هذه المناظر وتتفتح آذان الصم فيسمعون هذه الأصوات ويقفز الأعرج ويترنم الأخرس. وهذه النبوءة لا تستوفي تمامها بالرجوع من بابل ولا بعجائب المسيح بل برجوع الناس إلى الله وإقامة ملكوت المسيح حيث يفتح الرب عيون الأذهان ويفتح آذان القلوب ويحل رُبط الألسنة لتترنم للرب ويشدد الأيادي للخدمة.
٧ «وَيَصِيرُ ٱلسَّرَابُ أَجَماً، وَٱلْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَٱلْبَرْدِيِّ».
ص ٣٤: ١٣
ٱلسَّرَابُ هو منظر ماء غير موجود يُرى في نصف النهار عند اشتداد الحر. وهو كناية عن خيرات غاشة يطلبها الناس ويتبعونها ولا يحصلون عليها. والأجم أماكن يوجد فيها ماء وهي كناية عن خيرات حقيقية يعطيها الله لشعبه (يوحنا ٤: ١٣ و١٤).
فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ... دَارٌ لِلْقَصَبِ أي الأماكن التي لم يكن فيها ماء يصير فيها ماء كثير.
٨ «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا «ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ حَتَّى ٱلْجُهَّالُ لاَ يَضِلُّ».
ص ٥٢: ١ ويوئيل ٣: ١٧ ورؤيا ٢١: ٢٧
وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ السكك الجيدة من أعظم وسائط التمدن وتوجد في كل بلاد متمدنة دون البلاد المتوحشة وهي تجمع الأماكن البعيدة وتربط بعضها ببعض فتصير كبلاد واحدة وهي ما يزيد التجارة والأمان والاتحاد والمعرفة والمحبة ووجودها يشهد باتحاد السكان فإنها لا يبنيها الأفراد بل الجماعات المتفقة على عمل واحد. ولا شك في أنه عندما سمع اليهود المسبيون في بابل الوعد بالرجوع إلى بلادهم قالوا في أنفسهم أنهم لا يقدرون أن يرجعوا لعدم وجود سكة في القفر وعدم معرفتهم الطريق وعدم الأمان فالرب أراح أفكارهم بوعده أنه سيكون سكة ممهدة وواضحة ويكون في هذه السكة الأمان التام إذ لا يكون فيها وحوش ولا لصوص بل تكون السكة لشعب الله خاصة.
ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ أي الذين يسلكون فيها يكونون مقدسين لأن الخلاص هو من الخطية لا فيها.
لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ يظن البعض أن القول يشير إلى الوثنيين والأرجح أنه يشير إلى كل خاطئ من الوثنيين واليهود فإن هذه الطريق هي طريق التوبة والإيمان فلا يستطيع أحد أن يسلك فيها إن لم يكن قد ترك خطاياها وراءه.
لاَ يَضِلُّ طريق الخلاص واضحة والتعليم الجوهري مفهوم حتى عند البسطاء. قيل أنه لو شغل الإنسان بالتفتيش عن الدين الحق عُشر ما يشغله من الوقت بأعماله العالمية لحصل بسهولة على كل ما يحتاج إليه من المعرفة لخلاص نفسه.
٩، ١٠ «٩ لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ ٱلْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. ١٠ وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ٱبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ».
لاويين ٢٦: ٦ وص ١١: ٩ وحزقيال ٣٤: ٢٥ ص ٥١: ١١ ص ٢٥: ٨ و٦٥: ١٩ ورؤيا ٧: ٧ و٢١: ٤
أَسَدٌ يشير إلى الذين ضايقوا اليهود كسنحاريب ونبوخذناصر وغيرهم من الظالمين ويشير أيضاً إلى إبليس الذي هو كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو.
ٱلْمَفْدِيُّونَ هم المحررون من عبودية بابل والخالصون من عبودية إبليس والخطية وهم مفديو الرب كأن الرب اشتراهم من سادتهم البابليين فأطلقهم. والكلمة تشير إلى ما عمله المسيح إذ سفك دمه الكريم ليفتدي شعبه من عبودية الخطية.
إِلَى صِهْيَوْنَ كان الوعد أنهم يكملون سفرهم بالأمان ويصلون إلى أورشليم والوعد لجميع المؤمنين أنهم يصلون إلى أورشليم السماوية.
عَلَى رُؤُوسِهِمِ غالباً تكون علامات الفرح على الرأس كإكليل.
فوائد للوعاظ
شددوا الأيد المسترخية (ع ٣) ملاحظات
- إن في الكنيسة أقوياء وضعفاء. قال المسيح «ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ» (يوحنا ١٢: ٨) وهكذا المرضى والجهلاء. والكنيسة لا ترفض أحداً لكونه ضعيفاً أو فقيراً.
- إنه من واجبات الأقوياء أن يشفقوا على الضعفاء ويعزوهم ويشجعوهم ويعطوهم من أموالهم ويساعدوهم بحكمتهم ويخدمونهم ويحاموا عنهم ويعلموهم ويبشروهم.
- إن قوة الناس وضعفهم نسبيان فنقول إن واحداً قوي بالنسبة إلى غيره والآخر ضعيف بالنسبة إلى غيره أيضاً ولكن الجميع ضعفاء بالنسبة إلى الله فلا يجوز لأحد أن يفتخر على غيره. فإن القوة من الله وهو يعطي القوة الروحية لكل من يطلبها فيتقوى بالروح وإن كان ضعيفاً جسداً وعقلاً. والقوة الروحية هي القوة الحقيقية.
ويكون هناك سكة (ع ٨) الطريقان
- طريق السراب. وهي تؤدي بحسب الظاهر إلى الغنى والمجد والراحة غير أن أكثر السالكين فيها لا يصلون إلى نهايتها والذين يصلون لا يجدون ما يشبعهم كما كانوا يتوهمون كما لا يصل السالك فيها إلى الماء وهم الذين يفضّلون خيرات هذا العالم على ملكوت الله.
- الطريق المقدسة. والسالكون فيها يتركون خطاياهم ويعملون مشيئة الله وإن كان بخسارة زمنية وينكرون أنفسهم في عمل الخير ويرجون الحياة الأبدية.
والطريق المقدسة أفضل لأسباب (١) إنها واضحة (٢) إنها أمينة (٣) إنها لا تغش أحداً لأن كل من يقصد يرضي الله يرضيه وكل من يقصد السماء يصل إليها وكل من يقصد عمل الخير ينجح ويفرح فيه ومن يطلب أولاً ملكوت الله ينال أيضاً كل ما يحتاج إليه من الخيرات الجسدية.
مفديو الرب (ع ١٠)
- س. من أي شيء مفديون؟
ج. إنهم مفديون من الخطية وهي عبودية شر من العبودية للناس. تأمل في حال الطماع والفاسق والسكير والحقود وغيرهم من المستعبدين للخطية.
- س. بأي شيء مفديون؟
ج. إنهم مفديون بدم المسيح وهو أثمن من الذهب (١بطرس ١: ١٨ و١٩) فإن الخدمة من أحد الأغنياء مقبولة أكثر من المال منه لأنها تدل على المحبة ولا سيما الخدمة التي تكون بالخسارة لنفسه فتحقق محبته المخلصة.
- س. إلى أي شيء يصلون بالفداء؟
ج. إنهم يصلون به إلى الخلاص والاتحاد بالمسيح والتبني والحياة الأبدية والسماء.
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
إن الأربع الأصحاحات من ص ٣٦ - ص ٣٩ تتضمن ثلاث حوادث تاريخية:
- غزو سنحاريب مدن يهوذا ورجوعه عن أورشليم بعد هلاك قسم عظيم من جيشه (ص ٣٦ و٣٧).
- مرض حزقيا وشفاؤه (ص ٣٨).
- رسالة ملك بابل (ص ٣٩).
ومضمون هذه الأصحاحات كمضمون (٢ملوك ص ١٨ و١٩ و٢٠) تقريباً والأرجح أن إشعياء كتبها جميعها ولعله كتبها مرتين لأن كل سفر من الأسفار المقدسة كان مستقلاً عن غيره ولا يكفي ذكر هذه الحوادث في سفر الملوك فقط لبيان تتميم النبوءات المتضمنة في سفر إشعياء. والحوادث المذكورة في سفر إشعياء تختلف عن المذكورة في سفر الملوك (١) بترك الخبر بتسليم حزقيا ودفعه المال لملك أشور (٢ملوك ١٨: ١٤ - ١٦) (٢) بزيادة تسبيح حزقيا بعد شفائه (إشعياء ٣٨: ٩ - ٢٠).
والأرجح أن حادثة سنحاريب كانت بعد مرض حزقيا ورسالة ملك بابل وذلك بناء على ما أتى في (ص ٣٨: ٦) «وَمِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ أُنْقِذُكَ» وهذه مذكورة في الأول لعلاقاتها مع النبوءات في أشور. فيكون ترتيب الحوادث كما يأتي.
- مرض حزقيا في السنة الرابعة عشرة من ملكه ورسالة ملك بابل وكان سرجون ملكاً على أشور.
- فتنة أشدود (ص ٢٠) واتحاد الممالك المجاورة في مقاومة أشور وهي فلسطين (ص ١٤: ٢٩) وموآب (ص ١٥ و١٦) وأدوم (ص ٢١: ١١) ويهوذا ومصر (ص ٣١).
- موت سرجون وجلوس ابنه سنحاريب.
- قدوم سنحاريب ومحاربته أشقلون وانتصاره على المصريين وهجومه على يهوذا وفتح ٤٦ مدينة من مدن يهوذا وسبي مئتي ألف بينهم بنات حزقيا (حسب قول سنحاريب) وأخذه من المال ثلاث مئة شاقل من الفضة وثلاثين شاقلاً من الذهب وسلبه بيت الله (٢ملوك ١٨: ١٤ - ١٦) ورجوعه عن أورشليم وفرح اليهود (ص ٢٢).
- إرسال ربشاقي وتجديفه وهلاك قسم من جيش أشور (ص ٣٦ و٣٧).
وجميع الكتابات الأشورية تطابق أخبار الكتاب المقدس ما عدا تاريخ هجوم سنحاريب على أورشليم. فإن إشعياء يقول (ص ٣٦: ١) «فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا» وأما مجموع الكتابات الأشورية فتدل على أنه كان في أواخر ملكه. أي سرجون أخذ السامرة في السنة السادسة لحزقيا وملك بعد ذلك ١٧ سنة وخلف ابنه سنحاريب وهو في السنة الرابعة من ملكه حارب أورشليم أي في السنة ٢٧ من ملك حزقيا. وربما تُكشف كتابات جديدة تحل هذا المشكل أو نضطر أن نقول أن أحد النساخ غلط في أرقام السنة أو في اسم الملك فيكون الملك المذكور في (ص ٣٦: ١) سرجون لا سنحاريب.
١، ٢ «١ وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. ٢ وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا فِي طَرِيقِ حَقْلِ ٱلْقَصَّارِ».
٢ملوك ١٨: ١٣ و١٧ و٢أيام ٣٢: ١
رَبْشَاقَى الأرجح أن هذا ليس اسم علم بل اسم رتبة أي «رئيس السقاة» فكانت رتبته كرتبة وزير لا قائد عسكر وكان إرساله للمنابأة. وظهر من هذه الحادثة أنه كان مقتدراً في اللغة العبرانية وصاحب سياسة وحيل وغش.
لَخِيشَ مدينة للفلسطينيين على طريق مصر. إن سنحاريب قصد فتح مصر فاضطر أن يأخذ أولاً المدن الحصينة الواقعة في طريقه. وكان مع ربشاقي ترتان أي رئيس الجيش وربساريس أي رئيس الخصيان ومعهم جيش عظيم.
قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ المكان الذي فيه لاقى إشعياء وابنه آحاز (ص ٧: ٣) وهي قناة تحت الأرض فإنه أخذ الماء من خارج المدينة في الجهة الشمالية وأدخله إلى أورشليم.
٣ «فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةُ ٱلْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ ٱلْمُسَجِّلُ».
أَلِيَاقِيمُ كانت رتبته كرتبة شبنة حسب النبوءة (ص ٢٢: ١٥ - ٢٥).
شِبْنَةُ لعله شبنة المذكور الذي كان سابقاً على البيت فعُزل من هذه الرتبة ونُقل إلى رتبة أدنى منها.
ٱلْمُسَجِّلُ أمين الأوراق أو المؤرخ الذي كتب أمور المملكة بغية الحفظ.
٤ «فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ ٱلْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا هُوَ هٰذَا ٱلاتِّكَالُ ٱلَّذِي ٱتَّكَلْتَهُ؟».
٢ملوك ١٨: ١٩ الخ
رَبْشَاقَى ذكره حزقيا بلا لقب للاحتقار وأما ملك أشور فعظّمه.
مَا هُوَ هٰذَا ٱلاتِّكَالُ افتكر ربشاقي أن حزقيا وحده لا يقدر أن يقاوم ملك أشور فلا بد من اتكاله على آخر إما مصر أو الرب ثم حاول أن يبيّن أن اتكاله باطل من الجهتين فلا يقدر أن يتكل على مصر ولا على الرب.
٥ «أَقُولُ إِنَّمَا كَلاَمُ ٱلشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَٱلآنَ عَلَى مَنِ ٱتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟».
أَقُولُ أي ربشاقي ومعنى قوله مشورة اليهود وبأسهم كلام بلا فعل.
حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ تكلم ربشاقي كنائب عن ملك أشور. وكان أبو حزقيا آحاز قد خضع لملك أشور وقال له أنا عبدك وابنك (٢ملوك ١٦: ٧) وكان قد أرسل له هدية وكان حزقيا قد عصاه (٢ملوك ١٨: ٧).
٦ «إِنَّكَ قَدِ ٱتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هٰذِهِ ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، ٱلَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا. هٰكَذَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ».
حزقيال ٢٩: ٦ و٧
ظن أن اليهود كانوا متكلين على ملك مصر لأن مصر كانت مقدام الممالك المقاومة لأشور فعيّر ربشاقي ملك مصر. ومع ذلك كان ملك أشور خائفاً منه (ص ٣٧: ٩).
ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ القصبة ضعيفة في ذاتها وإن كانت مرضوضة كانت خادعة أيضاً لأنها تظهر صحيحة وتنكسر حالاً عندما يتوكأ أحد عليها.
٧ «وَإِذَا قُلْتَ لِي: عَلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ٱتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هٰذَا ٱلْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ».
لم يفهم ربشاقي أن تخصيص أورشليم مركز للعبادة هو بموجب الناموس (تثنية ١٦: ٥ و٦) وظن أن حزقيا هكذا حكم من نفسه ولغاية سياسية فيغتاظ الرب منه. وكان حزقيا قد أزال المرتفعات في أول ملكه (٢ملوك ١٨: ٤).
أَمَامَ هٰذَا ٱلْمَذْبَحِ أي مذبح المحرقة في دار الهيكل في أورشليم.
٨، ٩ «٨ فَٱلآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ! ٩ فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي ٱلصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟».
مراد ربشاقي أن اليهود لا يقدرون أن يقدموا جيشاً ولو ألفين من المحاربين الذين يحسنون ركوب الخيل وصدق في قوله لأنه لم يكن فرسان ولا خيل عند اليهود فكانوا سابقاً يقصدون أن يطلبوا الخيل من مصر (ص ٣١: ١) ولكن المصريين انكسروا في محاربة أشور فيئس من مساعدتهم وعيّر ربشاقي اليهود لمعرفته بضعفهم.
١٠ «وَٱلآنَ هَلْ بِدُونِ ٱلرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأَرْضِ لأُخْرِبَهَا؟ ٱلرَّبُّ قَالَ لِي ٱصْعَدْ: إِلَى هٰذِهِ ٱلأَرْضِ وَٱخْرِبْهَا».
كثيرون من ملوك الوثنيين اعتبروا أنفسهم رسلاً من قبل آلهتهم. كنخو ملك مصر إذ قال «وَٱللّٰهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي» (٢أيام ٣٥: ٢١) وهكذا تقول كتابات أشور وموآب وغيرهما. وكان ربشاقي يأمل أنه بهذا القول الكاذب يغش اليهود فيظنون أن الرب تركهم وصار مع أعدائهم وفي أيامنا كثيرون من المعلمين الكذبة يسندون تعليمهم الفاسد إلى أقوال الكتاب المقدس ويدعون أن الرب أرسلهم.
١١، ١٢ «١١ فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ وَشِبْنَةُ وَيُوآخُ لِرَبْشَاقَى: كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِٱلأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِٱلْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلسُّورِ. ١٢ فَقَالَ رَبْشَاقَى: هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لأَتَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى ٱلرِّجَالِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى ٱلسُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟».
الآرامي لغة الأشوريين. وكان من اللياقة أن الكلام يكون بين مرسلي ملك أشور الثلاثة ومرسلي حزقيا الثلاثة ولا على مسامع الشعب وأما ربشاقي فكانت غايته تهييج الشعب على ملكهم فيخضعون لملك أشور.
١٣ - ١٥ «١٣ ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِٱلْيَهُودِيِّ: ٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١٤ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ ١٥ وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذاً يُنْقِذُنَا ٱلرَّبُّ. لاَ تُدْفَعُ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ».
عمل ربشاقي بعكس ما طلبه اليهود منه فرفع صوته وعظّم ملك أشور وحذّر اليهود من الاتكال على حزقيا وعلى الرب. ولكن من شأن جميع الذين يحبون الرب أن يزيدوا غيرة عندما يسمعون التجديف على اسمه القدوس ويزيد رجاؤهم أيضاً بأن الرب يخلصهم من أجل اسمه.
هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ كان ربشاقي مرسلاً من قبل الملك فاعتبر أن كلامه هو كلام الملك.
قَائِلاً إِنْقَاذاً يُنْقِذُنَا ٱلرَّبُّ ولا شك كان ذلك جوهر كلام حزقيا لشعبه. وأظهر ربشاقي حذاقته الشيطانية ومعرفته بكل ما جرى عند اليهود.
١٦، ١٧ «١٦ لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هٰكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: ٱعْقِدُوا مَعِي صُلْحاً، وَٱخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَٱشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ ١٧ حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ، أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ».
زكريا ٣: ١٠
هذا القول لليهود الذين كانوا تركوا بيوتهم وكرومهم وحقولهم والتجأوا إلى أورشليم خوفاً من الأشوريين فطلب منهم ربشاقي بالنيابة عن ملك أشور أن يخضعوا له فيسمح لهم أن يخرجوا ويرجعوا إلى بيوتهم وفي النهاية يأخذهم ملك أشور إلى أرض مثل أرضهم فيها كروم وحنطة وكان القول كذباً لأنه لو سمعوا منه لأخذهم إلى أرض تختلف كثيراً عن أرضهم وعذبهم بعبودية قاسية.
وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ إن حب الذات ضد حب الوطن لأن حب الوطن كان يحملهم على الاتحاد ومقاومة العدو واحتمال الضيقات حتى الموت لأجل ملكهم ومدينتهم وأما حب الذات فيحملهم على التسليم للعدو وترك ملكهم ومدينتهم وطلب الأكل والشرب والراحة كل واحد لنفسه في بيته. وكل من يحب ذاته فيطلب ما لنفسه ويُخدع بما يوعد به من الخيرات فلو قبل اليهود نصيحة ربشاقي وخضعوا لملك أشور لخُدعوا وخسروا.
١٨ - ٢٢ «١٨ لاَ يَغُرَّكُمْ حَزَقِيَّا قَائِلاً: ٱلرَّبُّ يُنْقِذُنَا. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ ١٩ أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ؟ هَلْ أَنْقَذُوا ٱلسَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ ٢٠ مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هٰذِهِ ٱلأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ ٱلرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟ ٢١ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ لأَنَّ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ. ٢٢ فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةُ ٱلْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ ٱلْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى».
فتح سرجون مدينة حماة وغزا كل أرضها وأخذ ملكها إلى أشور وسلخه وأحرقه ونقل أهل حماة وأسكن أشوريين في مكانهم. وأرفاد قريبة من حماة وكانت متحدة معها وسفروايم مدينتان إحداهما على ضفة الفرات الواحدة والأخرى على الضفة الثانية. وكانت عادة الأشوريين أن ينقلوا أيضاً أصنام المدن المفتوحة. ولم يميز ملك أشور بين آلهة الوثنيين والإله الحقيقي. وظهر من كلام ربشاقي اعتقاده أن النصرة هي من الآلهة فتكون الحرب الحقيقية بين آلهة آشور وإله إسرائيل (٢ايام ٣٢: ١٣ - ٢٠).
فَسَكَتُوا لم يسكتوا لعدم وجود جواب بل لمعرفتهم أن تجديف ربشاقي لا يستحق جواباً والكلام معه لا ينفع.
فوائد للوعاظ
القصبة المرضوضة (ع ٦)
نتعلم من هذا:
- إنه لا يجوز الاتكال على الخيرات الجسدية كالمال والصحة والذكاء والمجد.
- إنه لا يجوز الاتكال على الناس لأن البعض يغشونا والبعض من ضعفهم لا يقدرون أن يساعدونا والجميع بشر وعرضة للضعف والخسارة والموت.
- إنه يجب الاتكال على الرب وهو كصخرة.
فسكتوا (ع ٢١)
أوقات السكوت والتكلم.
- لا تتكلم بما ستفعله. لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم. إن ملك أشور لم يأخذ أورشليم كما تكلم.
- لا تجاوب المقاومين إذا رأيتهم غير مستعدين للاستماع فالكلام يزيدهم تعصباً.
- لا تجاوب إذا رأيت نفسك غير مستعد للكلام عقلياً وروحياً لأن السكوت أولى من الجواب الركيك. لا تتكلم لتفتخر بمعرفتك ولا تخجل إذا سكت فإن المسيح سكت أمام المقاومين والمجدفين.
- تكلم مع الله في الصلاة. وانتظره واتكل عليه.
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١ «فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذٰلِكَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَدَخَلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ».
٢ملوك ١٩: ١ الخ
مَزَّقَ ثِيَابَهُ إن رسل حزقيا رجعوا إليه وثيابهم ممزقة (ص ٣٦: ٢٢). ومزق حزقيا أيضاً ثيابه وزاد على ذاك أن تغطى بمسح فدخل بيت الرب ليس كملك بل كرجل بائس ومتضع. وهكذا يعقوب مزق ثيابه ووضع مسحاً على حقويه لما سمع خبر ابنه يوسف (تكوين ٣٧: ٣٤) وداود لما قُتل أبنير (٢صموئيل ٣: ٣١). وآخاب (١ملوك ٢١: ٢٧) ومردخاي (أستير ٤: ١).
دَخَلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ دار الهيكل. إن الهيكل هو المكان الذي كان الرب يُظهر نفسه فيه نوعاً وهو مكان الصلاة أيضاً فكان يجب على كل يهودي أن يوجه صلواته إليه. وليست الصلاة من احتياجات الضعفاء والجهلاء فقط بل هي أيضاً من احتياجات الملوك. وحاجة الملك إلى الصلاة أعظم من حاجة الرعية إليها لأن عليه مسوؤلية وواجبات أعظم مما عليهم. فتجب الصلاة في الأمور السياسية والعالمية لا في الأمور الروحية فقط. ونرى فائدة الضيق لأنه ألجأ الملك وشعبه إلى الاقتراب إلى الله. ولا شك في أن أكبر سبب لشدة حزقيا هو تجديف ربشاقي على الرب لا تعييره الملك فقط.
٢ «وَأَرْسَلَ أَلِيَاقِيمَ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةَ ٱلْكَاتِبَ وَشُيُوخَ ٱلْكَهَنَةِ مُتَغَطِّينَ بِمُسُوحٍ إِلَى إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ ٱلنَّبِيِّ».
إرسال ألياقيم وغيره من العظماء إلى إشعياء مما يدل على اعتبار الملك له وذلك لكونه نبي الرب. إن أخآب الملك الشرير لما طلب النبي ميخا أرسل خصياً (١ملوك ٢٢: ٩) فاحتقر الرب. ولعل شبنة الكاتب هو الذي عيّره النبي (ص ٢٢: ١٥) فكان هذا الاعتبار لكلام الرب عوضاً عن الاحتقار المشار إليه والميل إلى الاتكال على مصر.
٣ «فَقَالُوا لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ حَزَقِيَّا: هٰذَا ٱلْيَوْمُ يَوْمُ شِدَّةٍ وَتَأْدِيبٍ وَإِهَانَةٍ، لأَنَّ ٱلأَجِنَّةَ دَنَتْ إِلَى ٱلْمَوْلِدِ وَلاَ قُوَّةَ عَلَى ٱلْوِلاَدَةِ».
الشدة والإهانة من ملك أشور والتأديب من الرب لأنه سمح للأشوريين أن يصلوا إلى أبواب أورشليم وسمح للمرسلين من قبل الملك أن يتكلموا ويجدفوا ولم يمتهم حالاً أو ردهم. وظهر لليهود أن الرب تركهم ليسقطوا ويهلكوا ولكنه لم يرفضهم رفضاً تاماً مع أنهم استحقوا تأديباً لتمردهم واتكالهم على غيره (ص ٣٠: ١).
لاَ قُوَّةَ عَلَى ٱلْوِلاَدَةِ هذا التشبيه يدل على آلام شديدة وخطر عظيم وكل الاحتياج إلى الخلاص.
٤ «لَعَلَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ يَسْمَعُ كَلاَمَ رَبْشَاقَى ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُهُ لِيُعَيِّرَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَيَّ، فَيُوَبِّخَ عَلَى ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي سَمِعَهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. فَٱرْفَعْ صَلاَةً لأَجْلِ ٱلْبَقِيَّةِ ٱلْمَوْجُودَةِ».
ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ اعترفوا في هذا القول بأن الرب مع إشعياء وإنهم خطئوا بعدم إيمانهم به.
ٱلإِلٰهَ ٱلْحَيَّ بخلاف آلهة الأمم الذين أخضعهم أشور.
فَٱرْفَعْ صَلاَةً يجوز لكل إنسان أن يصلي من أجل نفسه ويجوز لنا أيضاً أن نطلب من إخوتنا الأحياء المؤمنين أن يصلوا من أجلنا غير أن صلواتهم تُقبل إكراماً للمسيح الوسيط الوحيد لا بناء على استحقاقهم.
ٱلْبَقِيَّةِ كانت من إسرائيل بقيّة بعد سقوط السامرة ونقل الأسباط العشرة قبل تاريخ هذه الحادثة بنحو ٢١ سنة وكانت أيضاً بقية من يهوذا أي بقية البقية بعد سبي مئتي ألف من إخوتهم عن يد سنحاريب هذا.
٥، ٦ «٥ فَجَاءَ عَبِيدُ ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَاءَ. ٦ فَقَالَ لَهُمْ إِشَعْيَاءُ: هٰكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِكُمْ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ، ٱلَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ».
جَدَّفَ عَلَيَّ لا يلزمهم الخوف لأن الرب أخذ الأمر على نفسه.
غِلْمَانُ كلمة احتقار لربشاقي ورفقائه.
٧ «هَئَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً فَيَسْمَعُ خَبَراً وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِٱلسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ».
أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً أي روح الخوف فعدّوهم خائف منهم فلا يخاف منه. والخوف والأمان مع الإيمان هما من الرب فيقدر أن يجعل فينا روح الأمان والإيمان كما يجعل في أعدائنا روح الخوف. والغلبة لمن له إيمان وإن كان جيشه أقل عدداً من جيش عدوه. وكان خوف سنحاريب أولاً من ترهاقة وثانياً من اليهود أنفسهم الذين عيّرهم لأن محاربتهم عسرة لكون مدينتهم حصينة وأرضهم وعراً لا يوافق سير المركبات وهي قليلة المياه. والأرجح أن الخبر الذي سمعه هو خبر قدوم ترهاقة. ورجع سنحاريب إلى أرضه لأنه لم يقدر أن يحارب ترهاقة بعد سقوط قسم كبير من جيشه.
وَأُسْقِطُهُ بِٱلسَّيْفِ نبوءة مدققة تمت حرفياً لأن ابنيه ضرباه بالسيف وهو ساجد في بيت نسروخ إلهه (ع ٣٨).
٨، ٩ «٨ فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ ٱرْتَحَلَ عَنْ لَخِيشَ. ٩ وَسَمِعَ عَنْ تِرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشَ قَوْلاً: قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً».
لِبْنَةَ مدينة في ساحل يهوذا قريبة من لخيش وعلى طريق مصر والأرجح أن سنحاريب لم يأخذ لخيش فتركها وحارب لبنة.
تِرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشَ والأرجح أنه كان ملك مصر أيضاً في زمان هذه الحادثة وهو الملك الذي جرت المنابآت بينه وبين اليهود المشار إليها في (ص ٣٠ و٣١) فأتى لمساعدتهم عندما سمع خبر قدوم سنحاريب.
أَرْسَلَ رُسُلاً أي رسالة ثانية وغايته منها أن يقنع حزقيا فيسلم له لأنه لم يقدر أن يحارب ترهاقة وحزقيا معاً. إنه لم يكن في ذلك العصر وسائط لنشر الأخبار بسرعة كالتلغراف والبريد والجرائد والسكك الحديدية والمراكب البخارية فمن المحتمل أن الملك ترهاقة يكون قد خرج لمحاربة سنحاريب والخبر لم يصل إلى حزقيا.
١٠ - ١٣ «١٠ هٰكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا: لاَ يَخْدَعْكَ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَنْتَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْهِ، قَائِلاً: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١١ إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ ٱلأَرَاضِي لِتَحْرِيمِهَا. وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ ١٢ هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلأُمَمِ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي، جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ، ٱلَّذِينَ فِي تَلَسَّارَ؟ ١٣ أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟».
إرميا ٤٩: ٢٣
لقب حزقيا ملكاً فليس كلامه تعيير حزقيا بل تعيير الرب كأنه أحد الآلهة وأضعف من آلهة أشور وغايته أن يقنع حزقيا فلا يتكل على الرب بل يسلم نفسه لملك أشور. وكل مجرب يجتهد أولاً أن يُدخل في قلوبنا الشك في جودة الرب وقدرته فيبعدنا عنه.
قَائِلاً لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ ربما يرجع الضمير إلى الرب أو إلى حزقيا والمعنى واحد وهو أن الرب قال لحزقيا وهو قال لشعبه.
آبَائِي أسلافه ملوك أشور وأما أبوه سرجون فلم يكن من النسل الملكي بل كان قائداً للجيش فعصى سيده شلمناسر وقتله وملك عوضاً عنه.
جُوزَانَ كورة بين بحر قزيين والجبال الفاصلة بين مادي وأشور يسقيها نهر خابور.
حَارَانَ موقعها في الشمال الشرقي من ما بين النهرين حيث مات تارح أبو إبراهيم وسكن لابان. و«رصف» بقرب حاران و«عدن» كورة في ما بين النهرين.
تَلَسَّارَ أي تل أشور كان أولاً مسكن بين عدن وهو قرب حاران وأُرفا.
هَيْنَعَ يُظن أنها أتاك على الفرات على بعد ٢٠٠ ميل من بابل و«عوا» أيضاً على الفرات.
١٤ «فَأَخَذَ حَزَقِيَّا ٱلرَّسَائِلَ مِنْ يَدِ ٱلرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَنَشَرَهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».
ٱلرَّسَائِلَ كتب سنحاريب كلامه وربما كان على البابيرس أي الورق المصنوع من البردي. والكلمة العبرانية بصيغة المفرد تفيد معنى كتاب أو سفر وبصيغة الجمع تفيد معنى مكتوب أو رسالة فيكون المراد هنا مكتوب واحد فقط لا مكاتيب.
نَشَرَهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ الرب عرف الأمر كله بدون نشر المكتوب أمامه ويعرف جميع أمورنا قبلما نذكرها أمامه في صلواتنا ومقاصد الرب لا تتغير ومواعيده ثابتة ومع هذا كله نصلي والكتاب المقدس يأمرنا بالصلاة وذلك:
(١) لأن ذكر أمورنا في الصلاة مما يعبر عن إيماننا بالله ومحبتنا له وثقتنا به.
(٢) لأننا لا نحصل على البركات المطلوبة بدون صلاة. وكما نعلم أننا لا نأكل بدون عمل منا ولا نبقى أحياء إن لم نحفظ حياتنا مع أن الله سبق فعيّن كل ما يحدث هكذا نعلم أننا لا ننال كمال البركات إن لم نطلبها مع أن الله أعدها لنا منذ الأزل ووعدنا بها. فصلى حزقيا وطلب النجاة مع أن الرب كان وعده بها قبلما صلى. ودانيال صلى وطلب الرجوع من سبي بابل بعد ما فهم من النبوءات أن الرب قد وعد شعبه بذلك.
١٥، ١٦ «١٥ وَصَلَّى: ١٦ يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ، إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ ٱلْجَالِسَ فَوْقَ ٱلْكَرُوبِيمِ، أَنْتَ هُوَ ٱلإِلٰهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ».
يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ الجنود السماوية التي رآها يعقوب في محنايم ورأها أليشع وخادمه في دوثان ويراها جميع المؤمنين فلا يخافون من جنود العالم.
إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ يذكر الرب عهوده ومواعيده لإنه إله إسرائيل وإسرائيل شعبه.
ٱلْكَرُوبِيمِ جمع كروب ويقال كروبان للاثنين وبعضهم يجمع الكروب جمعاً عربياً فيقول كروبون في الرفع وكروبين في النصب والجر. وهما تمثالان على غطاء التابوت في قدس الأقداس. وكان وجود الكروبين فوق التابوت لتظليل ظهور مجد الله عن الناظر كما غطى السحاب مجده في الجبل. ولما دخل موسى إلى خيمة الاجتماع ليتكلم مع الرب كان يسمع الصوت يكلمه من على الغطاء الذي على التابوت من بين الكروبين (عدد ٧: ٨٩).
ٱلإِلٰهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلأَرْضِ بخلاف اعتقاد الوثنيين بوجود آلهة كثيرة ولكل مملكة آلهة خاصة كالحكام بين الناس.
١٧ «أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَٱسْمَعِ. ٱفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَٱنْظُرْ، وَٱسْمَعْ كُلَّ كَلاَمِ سَنْحَارِيبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ».
دانيال ٩: ١٨
أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ... ٱفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ أشار إلى صلاة سليمان (٢أيام ٦: ٤٠) ووعد الرب له (٢أيام ٧: ١٥) وهكذا صلى دانيال (دانيال ٩: ١٨).
١٨ «حَقّاً يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا كُلَّ ٱلأُمَمِ وَأَرْضَهُمْ».
حَقّاً منذ نحو ٢٠٠ سنة أخذت أشور تمتد إلى كل الجهات فجاء الملك فول على السامرة وأخذ ألف وزنة من الفضة من ملكها منحيم وجاء تغلث فلاسر وسبى سبياً عظيماً من الجليل وأخذ دمشق وسبى أهلها إلى قير وقتل ملكها. وشملناسر حاصر السامرة وسرجون أخذها وهجم سرجون أيضاً على فلسطين وفتح أشدود فلم يكن لليهود رجاء أن يخلصوا من أشور إلا بالرب.
١٩ «وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى ٱلنَّارِ، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ، خَشَبٌ وَحَجَرٌ. فَأَبَادُوهُمْ».
كان الأشوريون ينقلون المغلوبين من أرضهم ويخربون مساكنهم ويلاشون أصنامهم فينسون وطنهم وينضمون إلى الأشوريين ويصيرون شعباً واحداً. وكان الأشوريون يأخذون الأصنام الثمينة التي من الذهب والفضة إلى بلادهم ليفتخروا بها ولكن كثيراً من الأصنام كان من الخشب وبلا قيمة في نفسه وطُرح في النار.
٢٠ «وَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّكَ أَنْتَ ٱلرَّبُّ وَحْدَكَ».
وهذه غاية المؤمنين في كل صلواتهم أي تقديس اسم الرب في كل الأرض. وعلى كل تقي أن يكون غيوراً للرب كموسى (خروج ٣٢: ١٢) وداود (مزمور ٥٩: ١٣ و٨٣: ١٨) وإيليا (١ملوك ١٩: ١٤) ودانيال (دانيال ٩: ١٩). والرب يتمجد بخلاص شعبه وسقوط المجدفين عليه ولا سيما خلاص شعبه من خطاياهم وبأعماله الحسنة. وصلاة حزقيا تفيدنا أن يُطلب في الصلاة الحقيقية ما يأتي:
- الإيمان بأن الله موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه.
- الاحترام المقدس.
- الثقة بأنه هو إلهنا فيهمه كل أمورنا.
- الغيرة للرب ولمجده لا لمجد أنفسنا.
٢١ - ٢٣ «٢١ فَأَرْسَلَ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: ٢٢ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ. اِحْتَقَرَتْكَ. ٱسْتَهْزَأَتْ بِكَ ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ. نَحْوَكَ أَنْغَضَتِ ٱبْنَةُ أُورُشَلِيمَ رَأْسَهَا. ٢٣ مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ، وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتاً، وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ؟ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ!».
سمع الرب صلاة حزقيا وجاوبه بواسطة إشعياء.
ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ لقبت صيدون أيضاً «بالعذراء» (ص ٢٣: ١٢) وبابل (ص ٤٧: ١) ويُشار «بالعذراء» إلى الجمال وإلى مدينة لم تُفتح ومدينة أورشليم لم تُفتح ولا تُفتح من سنحاريب.
نَحْوَكَ أَنْغَضَتِ رَأْسَهَا علامة الاحتقار كما هزّ المجتازون رؤوسهم وجدفوا على يسوع وهو على الصليب. وربما أشار إلى النظر إلى سنحاريب وهو ذاهب مخذولاً وخائباً.
مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ لم يعيّر حزقيا فقط أو شعبه أو أحداً من الناس أو إلهاً من آلهة الأمم بل الإله الحي الحقيقي إله كل الأرض والقادر على كل شيء. فالتجديف هو خطية لا تُطاق وتستحق شر عقاب سريعاً.
عَلَّيْتَ صَوْتاً كان ربشاقي نادى بصوت عظيم (ص ٣٦: ١٣).
قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ اسم لذي الجلال الأقدس وهو مستعمل كثيراً في إشعياء.
٢٤ «عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ عَيَّرْتَ ٱلسَّيِّدَ، وَقُلْتَ: بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلُوِّ ٱلْجِبَالِ عِقَابِ لُبْنَانَ، فَأَقْطَعُ أَرْزَهُ ٱلطَّوِيلَ وَأَفْضَلَ سَرْوِهِ، وَأَدْخُلُ أَقْصَى عُلُوِّهِ وَعْرَ كَرْمَلِهِ».
قُلْتَ الرب يعرف القلوب وهنا يعبر عما كان في قلب سنحاريب من الكبرياء والافتخار. فإن سنحاريب افتخر بمركباته وقال مبالغاً إنه يقدر أن يصعد بها إلى أعلى قمم لنبان ويفتح لها طريقاً ولو بين الأرز والسرو وأشجار كرمل. استعمل الأشوريون المركبات في كل حروبهم في كل مكان حتى الجبال والكتابات الأشورية تذكر صعوبات نقل المركبات فكان الناس يحلمونها أحياناً على أكتافهم وكانوا أحياناً يقطعون الأشجار ويكسرون الصخور لتمهيد الطريق وافتخر ملوكهم بغلبتهم هذه الصعوبات. وفي الكتابات أن الأشوريين أخذوا من أرز لبنان والسرو إلى نينوى وغيرها من مدنهم للبناء وكانوا أحياناً يقطعون الأشجار لمجرد الإخراب.
٢٥ «أَنَا قَدْ حَفَرْتُ وَشَرِبْتُ مِيَاهاً، وَأُنَشِّفُ بِبَطْنِ قَدَمِي جَمِيعَ خُلْجَانِ مِصْرَ».
بعد ذكر صعوبة السفر في الجبال ذكر صعوبة السفر في القفر حيث لا ماء وافتخر بدفع هذه الصعوبة بحفر آبار. وكان أمامه أرض مصر التي فيها نهر النيل وفروعه الكثيرة التي تعيق سير الخيل والمركبات ولكنه لم يخف منها بل يقول مفتخراً أنه سينشفها ببطن قدميه أي عبور جيشه سينشف الأنهار كما ينشف إنسان قطرة ماء بكفه.
خُلْجَانِ مِصْرَ افتخار كاذب لأن جيشه لم يصل إلى مصر.
٢٦ «أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ ٱلْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ. مُنْذُ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. ٱلآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً».
٢ملوك ١٩: ٢٥
أَلَمْ تَسْمَعْ كلام الرب لسنحاريب. كان الرب قد أنبأ بفم أنبيائه بخراب ممالك بسبب خطاياهم وكان ذلك عن يد ملوك أشور كآلة بيد الرب (ص ١٠: ٥) ولا شك في أن سنحاريب كان قد سمع خبر هذه النبوءات وعرفها كما عرف ما عمله حزقيا (ص ٣٦: ٧) وما قاله حزقيا لشعبه (ص ٣٦: ١٥). ولو لم يعرف سنحاريب أقوال الأنبياء لكفاه أن العقل يشهد بوجود الله الخالق والضمير يشهد بوجوب العدل والرحمة فكان على سنحاريب أن يعرف أنه لا يجوز له أن يفتخر كأنه قادر على كل شيء ولا يجوز له أن يسلب ويغزو ويقتل إخوته بني البشر.
مُنْذُ ٱلْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ قصد الله الأزلي فهو الذي قصد وهو الذي أجرى بواسطة سنحاريب فما أعظم خطية الإنسان الذي يتخذ لنفسه المجد الذي لا يستحقه سوى الرب.
٢٧ «فَسُكَّانُهَا قِصَارُ ٱلأَيْدِي قَدِ ٱرْتَاعُوا وَخَجِلُوا. صَارُوا كَعُشْبِ ٱلْحَقْلِ وَكَالنَّبَاتِ ٱلأَخْضَرِ، كَحَشِيشِ ٱلسُّطُوحِ، وَكَالْمَلْفُوحِ قَبْلَ نُمُوِّهِ».
ليس للأشوريين أن يفتخروا لأن سكان هذه المدن كانوا ضعفاء وكان الرب قد سلّمهم للأشوريين لسبب خطاياهم فكانت غلبة الأشوريين كغلبة قوي على ضعيف أو غلبة رجل مسلح على ولد صغير.
٢٨، ٢٩ «٢٨ وَلَكِنَّنِي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ وَهَيَجَانِكَ عَلَيَّ. ٢٩ لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَشَكِيمَتِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جِئْتَ فِيهِ».
ص ٣٠: ٢٨ وحزقيال ٣٨: ٤
عرف الرب كل ما كان الأشوريون قد افتكروا فيه وقصدوه وعملوه فلم يعملوا شيئاً إلا بعلمه وإذنه وكانوا آلة بيده. ومن السرائر التي للرب فلا نقدر أن ندركها أن الأشوريين مع كونهم آلة بيد الرب كانوا أحراراً ومسوؤلين في كل ما عملوه فدانهم الله.
أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ يشبهه بوحش له قوة بلا عقل وتحت سلطة الإنسان وكان الأشوريون هكذا يفعلون بأسراهم كما يظهر من صورهم القديمة. ولا نفهم أن هذا صار لسنحاريب على سبيل الحقيقة بل أنه اضطر إلى الرجوع إلى أرضه.
٣٠ «وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ: تَأْكُلُونَ هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ زِرِّيعاً، وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ خِلْفَةً، وَأَمَّا ٱلسَّنَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَزْرَعُونَ وَتَحْصِدُونَ، وَتَغْرِسُونَ كُرُوماً وَتَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا».
كلام الرب لحزقيا. وربما كان قدوم سنحاريب في الصيف فخسر اليهود غلتهم ولم يفلحوا في الخريف فخسروا أيضاً غلال السنة التالية وأما السنة الثالثة فسيزرعون فيها ويحصدون. والوعد بأنهم يحصدون في السنة الثالثة يتضمن الوعد بأنهم يخلصون من سنحاريب في الوقت الحاضر. ولكن الحصاد في السنة الثالثة لا يكون علامة لهلاك الأشوريين في تلك الليلة والأرجح أن معنى العلامة وهو أن الأشوريين لا يرجعون فيزرع اليهود ويحصدون بلا مانع.
٣١، ٣٢ «٣١ وَيَعُودُ ٱلنَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا ٱلْبَاقُونَ يَتَأَصَّلُونَ إِلَى أَسْفَلَ، وَيَصْنَعُونَ ثَمَراً إِلَى مَا فَوْقُ. ٣٢ لأَنَّهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ بَقِيَّةٌ وَنَاجُونَ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هٰذَا».
٢ملوك ١٩: ٣١ وص ٩: ٧
قال سنحاريب في الكتابات الأشورية أنه أخذ ٤٦ مدينة من مدن يهوذا وأسر ٢٠٠١٥٠ نفساً. وشُبّه الباقون من اليهود بشجرة مقطوعة يتأصل ساقها وتصعد أغصانها من جديد. والسند على ذلك هو غيرة رب الجنود. وفي زمان يوشيا كانت اليهودية قد رجعت إلى قوتها وامتدت سلطتها في أكثر مملكة إسرائيل القديمة (٢أيام ٣٤: ٦ و٧) وكان سقوط أورشليم بعد تاريخ هذه الحادثة بنحو ١٢٠ سنة.
٣٣، ٣٤ «٣٣ لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْماً وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. ٣٤ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جَاءَ فِيهِ يَرْجِعُ، وَإِلَى هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ».
كان الأشوريون إذا حاصروا مدينة يرمون أولاً سهاماً على المحاربين الواقفين على الأسوار ثم يتقدمون على المدينة بأتراس ويصعدون بسلالم على الأسوار ويضرمون الأبواب بالنار ويحفرون تحت الأسوار وإن لم ينجحوا بهذه الوسائط يقيمون متاريس تجاه الأسوار ومنجنيقات. والنبوءة تذكر هذه الأنواع من الحرب كلها لفهم اليهود أن سنحاريب لا يرجع ولا يحارب أورشليم فيما بعد مطلقاً.
٣٥ «وَأُحَامِي عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي».
٢ملوك ٢٠: ٦ وص ٣٨: ٦
لم ينس الرب وعده لداود «كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (٢صموئيل ٧: ١٦) و كان هذا الوعد لحزقيا لكونه من نسل داود وسلك في طرقه. وأخيراً سقطت مدينة أورشليم لأن ملوكهم خالفوا عهد الرب فالرب تركهم وإن كانوا من نسل داود. وأما الوعد فتم على نوع خاص بالمسيح الذي من نسل داود حسب الجسد.
٣٦، ٣٧ «٣٦ فَخَرَجَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً. فَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحاً إِذَا هُمْ جَمِيعاً جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. ٣٧ فَٱنْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ رَاجِعاً وَأَقَامَ فِي نِينَوَى».
٢ملوك ١٩: ٣٥
قيل في (٢ملوك ١٩: ٣٥) إنه في تلك الليلة ضرب ملاك الرب الجيش. ذكر النبي بكلام وجيز ما كان أعظم الحوادث القديمة. ولا نعرف ما هي هذه الضربة أَوباء هي أم غيره. ولا نعرف مكان الجيش أَعند أورشليم كان أم قرب لبنة وهو الأرجح. إن سنحاريب لم يرسل إلى أورشليم سوى قسم من جيشه فقصد تخويف اليهود وربما كان عدد تلك الفصيلة أقل من ١٨٥٠٠٠ وكان معظم قصد سنحاريب محاربة مصر. ومن الطبع أن الكتابات الأشورية لم تذكر هذه الحادثة غير أنها ذكرت رجوع سنحاريب إلى أرضه ولم تذكر أنه رجع إلى اليهودية. ومما يزيد هذه الضربة أنها كانت بسكوت فإنهم ناموا مساء كعادتهم ولما بكروا صباحاً إذا هم جميعاً جثث ميتة أي الذين قاموا صباحاً رأوا أن جميع رفقائهم كانوا قد ماتوا ليلاً فلم يُرَ شيء ولم يُسمع صوت. وقيل في (٢أيام ٣٢: ٢١) إن ملاك الرب أباد كل جبار بأس ورئيس وقائد فأصبح الجيش بلا قوّاد وبلا نظام فلم يقدروا أن يحاربوا بعد. وقال المؤرخ هيرودتس إنه سُمع من كهنة مصر أن إلههم أرسل كثيراً من الفأر فأكل قسّي الأشوريين وأتراسهم وجعابهم. ومن الطبع أن الكهنة كانوا يحبون أن ينسبوا هلاك عدوهم العظيم إلى قوة آلهتهم.
٣٨ «وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلٰهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرْآصَرُ ٱبْنَاهُ بِٱلسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونَ ٱبْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ».
إلهه لم يقدر أن يخلصه وقتل ابنيه له شرّ مما كان لو مات من الوباء أو في الحرب. وقيل أن ابنيه قتلاه من الحسد من أخيهما أسرحدون لأنه كان محبوباً عند أبيهم أكثر منهما. وذكر قتله اثنان من المؤرخين وقال أحدهما وهو من أرض أراراط أن ابنيه «لجآ إلينا» لأنه كان حروب بين أشور وأراراط. وعاش سنحاريب نحو ٢٠ سنة بعد رجوعه.
فوائد للوعاظ
الذي أنت متوكل عليه (ع ١٠)
- الاتكال على الله أمر طبيعي لأنه القادر على كل شيء والعارف كل شيء وهو الآب المحب والحنون وهو أمين في كل مواعيده.
- الاتكال على الله نادر الوجود. لأن أكثر الناس ينظرون إلى ما يُرى ويُسمع ويُمس ولا يفتكرون في من لا يُرى وفي الروحيات. ومن فوائد المصائب أنها تنزع ما كنا متكلين عليه فنلتزم أن نتكل على الله وحده.
- الاتكال على الله واجب في كل حين. في وقت الراحة والنجاح لأن الكل منه فهو يعطي ويأخذ. وفي وقت الضيق لأن ليس آخر يقدر أن يخلص.
يتأصلون إلى أسفل ويصنعون ثمراً إلى فوق (ع ٣١).
الأصل والثمر
- إنه لا يكمل الإنسان بدونهما. للبعض معرفة وقدرة ولكنهم لا يعملون ما ينفع غيرهم فلهم أصل بلا ثمر. والبعض مجتهدون في العمل ولكنهم بلا معرفة ولا حكمة فلا يثبتون. فلهم ثمر بلا أصل. ومن أعوزه أحدهما لم يكن مقبولاً عند الله ولا عند الناس.
- إنه يجب الاجتهاد في تحصيلهما. وعلى كل إنسان أن يمتحن نفسه ليعرف حاجته كما أن البنّاء ينظر إلى المكان الضعيف في الأساس فيمكّنه والتلميذ في المدرسة يجتهد ليسد نقصه في علومه. وعلى من يرى أنه كثير المعرفة وقليل العمل أن يجتهد في زيادة أعماله.
- الأصل في المسيح (كولوسي ٢: ٧) والثمر فيه أيضاً (يوحنا ١٥: ٥).
في الطريق الذي جاء فيها يرجع (ع ٣٤).
الرجوع
- الرجوع المستحيل. وهو الرجوع إلى أمس. فإن الواجبات التي أهملناها أمس لا نقدر أن نعملها اليوم لأن لكل يوم واجبات تختص به. والرجوع من القبر إلى هذا العالم مستحيل أيضاً.
- الرجوع الذي لا نريده كرجوع كل من الطماع والظالم والمفتخر عن مقاصده الشريرة التي لا يقدر أن يدركها.
- الرجوع الواجب على كل إنسان وهو الرجوع إلى الله بالتوبة والاعتراف بالخطية وطلب الغفران من الله والناس وترك كل خطية.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ
مضمونه:
هذا الأصحاح على وفق ما قيل في (٢ملوك ٢٠: ١) بزيادة كتابة حزقيا بعد شفائه (ع ٩ - ٢٠) والباقي من الأصحاح مختصر ما جاء في سفر الملوك.
١ «فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ ٱلنَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ».
٢ملوك ٢٠: ١ الخ و٢أيام ٣٢: ٢٤ و٢صموئيل ١٧: ٢٣
فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ (انظر تفسير ص ٣٦: ١).
لِلْمَوْتِ لعل مرضه كان الطاعون (انظر ع ٢١) «الدّبل» أي نتيجة المرض الطبيعية كانت الموت لولا شفاؤه العجيب. انظر قول يونان لأهل نينوى (يونان ٣: ٤) بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى إن لم يتوبوا. أي الانقلاب نتيجة خطاياهم إن لم يتوبوا.
أَوْصِ بَيْتَكَ انظر ما فعله داود لما قربت أيام وفاته (١ملوك ٢: ١ - ٩) والظاهر أنه لم يكن لحزقيا ابن لأن منسى وُلد بعد ما شفي حزقيا من مرضه فكان على حزقيا أن يدبر أمور المملكة ويعيّن خليفته. كان النبي أميناً للملك في هذا التنبيه وهكذا يجب على كل واحد ولا سيما راعي النفوس أن يخبر المشرفين على الموت بحالتهم لكي يدبروا أمورهم الجسدية ويستعدوا للانتقال. وهذا التنبيه واجب في وقت المرض الشديد وفي وقت الصحة الكاملة أيضاً لأن حال الصحة الجسدية والعقلية توافق الاستعداد للأبدية أكثر من حال المرض.
٢، ٣ «٢ فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ وَصَلَّى: ٣ آهِ يَا رَبُّ، ٱذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِٱلأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ. وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيماً».
نحميا ١٣: ١٤
فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ لأجل البكاء والصلاة الانفرادية. جاء في المزامير «رِجَالُ ٱلدِّمَاءِ وَٱلْغِشِّ لاَ يَنْصُفُونَ أَيَّامَهُمْ» (مزمور ٥٥: ٢٣). وكان القدماء يعتقدون أن من لا ينصف أيامه يكون من الأشرار فاحتج حزقيا بأنه لم يكن من رجال الدماء والغش ولا من عبدة الأوثان فلماذا يُقطع في نصف أيامه.
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي أن قلبه كان كله للرب فلم يمل قط إلى عبادة الأصنام.
وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ لا يجوز للصالح أن يتكل على أعماله الحسنة كأنها تخلّصه بل يجوز ذكرها كدليل على الإيمان الحي. وحزقيا لم يحسب نفسه كاملاً لأنه يذكر خطاياه في (ع ١٧) غير أنه كان متكلاً على الرب وحفظ وصاياه (٢ملوك ١٨: ٣ - ٦). وقول هذا كقول المريض الذي يلتجئ إلى الطبيب ويقول له «إني حفظت كل أوامرك واتكلت عليك وحدك فأرجو الشفاء منك» أي أنه يقر بأنه مريض وأن الشفاء من الطبيب لا منه ولو حفظ أوامره واتكل عليه.
وَبَكَى حَزَقِيَّا أسباب بكائه ما يأتي:
- إنه كان ابن ٣٩ سنة فقط.
- إنه ليس له ولد.
- إنه كان آخذاً في إصلاح شؤون المملكة.
- إنه كان على المملكة أخطار عظيمة من الداخل ومن الخارج فيحتاج إلى ملك كحزقيا يخاف الرب.
- إنه ليس له ولا لغيره من القدماء معرفة جلية بحالة المؤمنين بعد الموت.
٤ «فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِشَعْيَاءَ».
فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ (انظر ٢ملوك ٢٠: ٤) حيث قيل إن إشعياء لم يخرج إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه أي استجاب لصلاة حزقيا حالاً.
٥ «ٱذْهَبْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً».
دَاوُدَ أَبِيكَ كان حزقيا ابن داود بالتناسل الجسدي وبصفاته الروحية معاً.
قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ لا شك في أن كثيرين في أيامنا يشفون من أمراض يستحيل الشفاء منها بحسب الظاهر إجابة لصلاة الإيمان وأحياناً لا يستجيب لنا الرب كما نريد نحن لعلمه أن الوفاة أفضل.
قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ دليل على محبة الله الأبوية.
خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كان له نحو ١٤ سنة ملكاً وسنه حينئذ ٣٩ سنة فتكون مدة ملكه بزيادة ١٥ سنة ٢٩ سنة ومدة حياته ٥٤ سنة فتكون حياته أطول من حياة أكثر ملوك يهوذا. والعمر الطويل ليس لأنفسنا لنستريح فيه بل لخدمة طويلة نافعة. ربما لم يعرف أحد غير حزقيا يوم موته وخير لنا أن لا نعرفه لئلا نكسل في أول المدة المعيّنة لأن الموت بعيد ونضطرب في آخرها لأن الموت قريب فالأولى بنا أن نسهر دائماً ونكون مستعدين للوفاة في كل حين.
٦ «وَمِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ أُنْقِذُكَ وَهٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ. وَأُحَامِي عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ».
ص ٣٧: ٣٥
يظهر من هذا الوعد أن مرض حزقيا كان قبل حادثة سنحاريب.
٧، ٨ «٧ وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ عَلَى أَنَّ ٱلرَّبَّ يَفْعَلُ هٰذَا ٱلأَمْرَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: ٨ هَئَنَذَا أُرَجِّعُ ظِلَّ ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّذِي نَزَلَ فِي دَرَجَاتِ آحَازَ بِٱلشَّمْسِ عَشَرَ دَرَجَاتٍ إِلَى ٱلْوَرَاءِ. فَرَجَعَتِ ٱلشَّمْسُ عَشَرَ دَرَجَاتٍ فِي ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّتِي نَزَلَتْهَا».
٢ملوك ٢٠: ٨ الخ وص ٧: ١١
وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ (٢ملوك ٢٠: ٨ - ١١) الرب وعد حزقيا أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث «وأخذوا قرص تين ووضعوه على الدّبل فبرئ» أي أضافوا إلى الصلاة استعمال الوسائط الطبيعية. آحاز لم يطلب آية (٧: ١١) لأنه لم يؤمن ولم يرد أن يعمل كما قال له الرب وحزقيا طلب آية لأنه آمن وطلب ما يزيد إيمانه والنبي خيّره في أمرين إما أن يسير الظل إلى الأمام عشر درجات أو أن يرجع إلى الوراء كذلك وحزقيا اختار رجوع الظلّ.
دَرَجَاتِ آحَازَ (انظر آحاز في قاموس الكتاب). قال هيرودتس إن المزولة (الساعة الشمسية) اختراع البابليين ويحتمل أن الأشوريين عرفوها من البابليين وآحاز رآها لما زار تغلث فلاسر في دمشق (٢ملوك ١٦: ١٠) وعمل لنفسه هذه المزولة أو الدرجات في أورشليم والظاهر أنها كانت سلّماً عملها آحاز وعلى رأس السلم عمود وللسلّم درجات نازلة من العمود إلى جهة الغرب ودرجات أخرى نازلة من العمود إلى جهة الشرق وكان يقع ظل العمود إلى جهة الغرب قبل الظهر وإلى جهة الشرق بعد الظهر ويصعد وينزل على الدرجات كما صعدت ونزلت الشمس وهكذا يعيّن الوقت. والأرجح أن هذه العجيبة تمت في انعكاس أشعة الشمس على طريقة غريبة ولا يلزم القول بأن الأرض وقفت عن دورانها والبرهان على ذلك هو أن ملك بابل أرسل ليسأل عن الأعجوبة التي كانت في الأرض (٢أيام ٣٢: ٣١) أي أنها حدثت في محل واحد فقط ومعنى الأعجوبة أنه كما رجع ظل الشمس هكذا رجعت شمس حياة حزقيا التي كانت قد اقتربت من المغيب.
٩ «كِتَابَةٌ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إِذْ مَرِضَ وَشُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ».
إن حزقيا تأثر جداً من اقتراب الموت ومن رحمة الله له وعرف قيمة الحياة وأهمية الاستعداد للأبدية وكتب هذا الكلام لإفادة غيره وخوفاً على نفسه لئلا ينسى مقاصده الصالحة. وفي هذه الكتابة أمران (١) وصف آلامه مدة المرض. و(٢) ذكر رحمة الله بشفائه.
١٠ «أَنَا قُلْتُ: فِي عِزِّ أَيَّامِي أَذْهَبُ إِلَى أَبْوَابِ ٱلْهَاوِيَةِ. قَدْ أُعْدِمْتُ بَقِيَّةَ سِنِيَّ».
عِزِّ أَيَّامِي كانت سنه ٣٩ سنة.
ٱلْهَاوِيَةِ مكان الأموات والذهاب إلى أبواب الهاوية هو الدخول إلى هذا المكان.
١١ «قُلْتُ لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. لاَ أَنْظُرُ إِنْسَاناً بَعْدُ مَعَ سُكَّانِ ٱلْفَانِيَةِ».
مزمور ٢٧: ١٣ و١١٦: ٩
لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ كان حزقيا يرى الرب بالإيمان في خدمة الهيكل وكان يلتذ بالصلوات والتسبيحات وجميع فرائض الهيكل لأنه أحب الرب ورآه في هذه الفرائض وأحب الناس أيضاً والاجتماع معهم فاستصعب ترك هذه الأفراح التي عرفها والدخول إلى ما لا يعرفه. لأن القدماء لم يعرفوا حالة المؤمنين بعد الموت كما نعرفها نحن من العهد الجديد فإن الرب يسوع المسيح هو الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.
١٢ «مَسْكَنِي قَدِ ٱنْقَلَعَ وَٱنْتَقَلَ عَنِّي كَخَيْمَةِ ٱلرَّاعِي. لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ حَيَاتِي. مِنَ ٱلنَّوْلِ يَقْطَعُنِي. ٱلنَّهَارَ وَٱللَّيْلَ تُفْنِينِي».
أيوب ٧: ٦
يشبّه حياته بخيمة الراعي التي تبقى في مكانها مدة قليلة فقط.
وَٱنْتَقَلَ عَنِّي أشار إلى موت الجسد مع بقاء النفس (٢كورنثوس ٥: ١ - ٤).
لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ شبّه نفسه بحائك وحياته بنسيج قطعه الرب من النول والنسيج لم يتم.
تُفْنِينِي يخاطب هنا الرب.
١٣، ١٤ «١٣ صَرَخْتُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ. كَٱلأَسَدِ هٰكَذَا يُهَشِّمُ جَمِيعَ عِظَامِي. ٱلنَّهَارَ وَٱلَّلَيْلَ تُفْنِينِي. ١٤ كَسُنُونةٍ مُزَقْزِقةٍ هٰكَذَا أَصِيحُ. أَهْدِرُ كَحَمَامَةٍ. قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ نَاظِرَةً إِلَى ٱلْعَلاَءِ. يَا رَبُّ قَدْ تَضَايَقْتُ. كُنْ لِي ضَامِناً».
ص ٥٩: ١١
يصف آلامه الشديدة. في الليل لم يسترح وكان ذلك من يد الرب الثقيلة عليه وكان الرب كأسد يهشم عظامه.
كَسُنُونةٍ من الآلام والضعف كان صوته كصوت السنونة أو الحمامة. قال إرميا (إرميا ٨: ٧) «وَٱلْيَمَامَةُ وَٱلسُّنُوْنَةُ ٱلْمُزَقْزِقَةُ حَفِظَتَا وَقْتَ مَجِيئِهِمَا» أي الطيور تهاجر عند إقبال أيام البرد إلى أرض الجنوب وهكذا نفس المؤمن عند الموت تترك الجسد وتصعد إلى السعادة الأبدية.
قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ أي نظر إلى الرب وطلب منه النجاة حتى ضعفت عيناه من الانتظار.
كُنْ لِي ضَامِناً شبّه نفسه بمديون محكوم عليه بالحبس ولا يرجو الخلاص من السجن إلا بمن يكفله فالتجأ إلى الرب وطلب منه أن يكفله (أيوب ١٧: ٣ ومزمور ١١٩: ١٢٢) ويسوع المسيح بموته عنا صار ضامناً لنا عند الله.
١٥ «بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي وَهُوَ قَدْ فَعَلَ. أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً كُلَّ سِنِيَّ مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي».
أيوب ٧: ١١ و١٠: ١
استجاب له الرب فأرسل إليه إشعياء (ع ٤ - ٨) قائلاً «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً» فغيّر حزقيا نفس كلامه وترك ذكر الآلام وابتدأ في الشكر والتسبيح.
بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ يكاد لا يقدر أن يعبّر عن انفعالاته.
وَهُوَ قَدْ فَعَلَ لعله شعر بأن جسمه شُفي من مرضه.
أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً بالتواضع والتسليم للرب وكمن يعرف الخطر الذي حوله وكمن نظر إلى الأبدية فلا يجري وراء لذّات هذا العالم ومجده.
مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي هذا السلوك بالتقوى والإيمان هو نتيجة تأديب الرب. وعلى كل مؤمن أن يتذكر أيام الضيق وأيام العصيان والخطية فيسلك متمهلاً كل الأيام الباقية له في هذا العالم.
١٦ «أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، بِهٰذَا يَحْيَوْنَ، وَبِهَا كُلُّ حَيَاةِ رُوحِي فَتَشْفِينِي وَتُحْيِينِي».
بِهٰذَا يَحْيَوْنَ أي بمواعيد الله ومراحمه يحيا الناس (انظر تثنية ٨: ٣) «لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ». حزقيا شكر الله على رجوعه إلى الصحة الجسدية ولكن رضا الله أفضل من الحياة للجسد وهو الحياة الحقيقية. ومن لم يختبر تأديب الرب لا يعرف الحياة الحقيقية لأنه بالتأديب يقترب الإنسان إلى الله ويشعر بمحبته ويتحرر من عبودية الخطية ويرفع نظره عن الخيرات الجسدية ويتعلم قيمة الروحيات وقيمة الحياة الحاضرة كفرصة لخدمة الله والاستعداد للأبدية.
١٧ «هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِيَ ٱلْمَرَارَةُ، وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ».
هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ (انظر عبرانيين ١٢: ٥ - ١١) «أَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي ٱلَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ».
تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ كان حزقيا عرف شيئاً من محبة الله له لما كان في حال الصحة والنجاح ولكنه لم يعرفها حق المعرفة حتى سقط في وهدة الهلاك فأحبه الرب في الضيق ونزل إلى الأعماق ورفعه وخلّصه.
طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ غُفرت خطاياه والرب لا يذكرها وهي كأنها لم تكن. قال أحد المفسرين «إذا طرحنا خطايانا وراء ظهورنا فالرب يضعها أمام وجهه وإذا وضعنا خطايانا أمام وجوهنا (أي نعترف بها) فالرب يطرحها وراء ظهره».
١٨ «لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. ٱلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو ٱلْهَابِطُونَ إِلَى ٱلْجُبِّ أَمَانَتَكَ».
مزمور ٦: ٥ و٣٠: ٩ و٨٨: ١١ و١١٥: ١٧ وجامعة ٩: ١٠
لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ كان حزقيا من أفضل الأتقياء في العهد القديم وكان إشعياء مرشداً له على أن كلامه هذا وإن دلّ على إيمانه بالرب وغيرته في عبادته يدل أيضاً على قلة معرفته بحال المؤمنين بعد الموت ولكن بولس الرسول قال «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح» وهكذا قال كثيرون من المؤمنين في كل جيل ولكنهم لم يحصلوا على هذه الثقة إلا بموت المسيح وقيامته. وحزقيا لم يعرف هذه الأمور إلا معرفة جزئية بواسطة المرموز والنبوءات. قيل «الاستعداد للموت لا يقربه بل يسهله» وليس من مستعد للحياة إن لم يكن مستعداً للموت.
١٩ «ٱلْحَيُّ ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ. ٱلأَبُ يُعَرِّفُ ٱلْبَنِينَ حَقَّكَ».
تثنية ٤: ٩ و٦: ٧ ومزمور ٧٨: ٣ و٤
الحي يحمد الرب ويعلّم أولاده أن يحمدوه أيضاً فيكون حفظ حياة التقي رحمة عظيمة لأولاده. وقول حزقيا هو في الوالدين عموماً فلا يثبّت أن له أولاداً.
٢٠ «ٱلرَّبُّ لِخَلاَصِي. فَنَعْزِفُ بِأَوْتَارِنَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِنَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ».
فَنَعْزِفُ قصد حزقيا أن يشترك مع اللاويين في تسبيحاتهم في الهيكل وربما استعملوا تسبيحة حزقيا هذه. وجميع الأتقياء إلى اليوم يعبرون عن انفعالاتهم في وقت المرض وفي وقت الشفاء بهذه التسبيحة. ويقول «أوتارنا» لأن أبوه آحاز كان قد قطع آنية بيت الله وأغلق أبواب بيت الرب (٢أيام ٢٨: ٢٤). وأما حزقيا فجدد الخدمة وقال للاويين أن يسبحوا الرب بكلام داود وآساف.
٢١، ٢٢ «٢١ وَكَانَ إِشَعْيَاءُ قَدْ قَالَ: لِيَأْخُذُوا قُرْصَ تِينٍ وَيُضَمِّدُوهُ عَلَى ٱلدَّبْلِ فَيَبْرَأَ. ٢٢ وَحَزَقِيَّا سَأَلَ: مَا هِيَ ٱلْعَلاَمَةُ أَنِّي أَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ؟».
٢ملوك ٢٠: ٧ و٢ملوك ٢٠: ٨
تكميل الحديث كأن المؤرخ كان قد نسي هذا الأمر فرجع وذكره. وليس في التين قوة الشفاء ولا سيما في مثل مرض حزقيا ولكن الله يستعمل أحياناً مع العجيبة وسائط طبيعية كما طرح أليشع الملح في النبع في أريحا (٢ملوك ٢: ٢٠) وطلى يسوع عيني الأعمى بطين (يوحنا ٩: ٦) فتعلمنا هذه الحوادث أن نطلب الشفاء من الرب ونستعمل أيضاً الوسائط الطبيعية الواجبة.
فوائد للوعاظ
وصلى الرب (ع ٢)
فوائد للصلاة السرية:
- يجب أن يكون لكل إنسان مكان وزمان للصلاة السرّية «اغلق بابك» (متّى ٦: ٦). صلى المسيح في البراري والجبال وفي الليل.
- يجب أن نطلب كل ما نحتاج إليه كبيراً وصغيراً روحياً وجسدياً.
- يجب الصدق في الصلاة فلا نخفي شيئاً ولا نخفف خطايانا.
- يجب الثقة بأن الله يسمع ويستجيب.
- تجب اللجاجة. وكثيراً ما ينتظر الله اللجاجة في صلواتنا حتى يعطينا مطلوبنا. ولا بد من الإجابة فيعطينا إما مطلوبنا أو ما هو أفضل ويعطينا في وقته لا في وقتنا.
الحي الحي هو يحمدك (ع ١٩)
للحياة قيمة عظيمة لأسباب:
- إن نهايتها غير معروفة. فلنعمل اليوم ما نريد عمله قبلما نموت.
- إنها قصيرة. إننا لا نقدر أن نعمل كل ما نريد عمله فعلينا أن نميز الأمور المتخالفة (فيلبي ١: ١٠) ونهتم أولاً بما يختص بملكوت الله فينا وحولنا.
- إنها فرصة للاستعداد للآخرة. كما يكون الإنسان هنا على الأرض هكذا يكون في الآخرة «مَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ» (رؤيا ٢٢: ١١).
- إنها فرصة لتربية أولادنا الذين سيكونون في مكاننا.
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١، ٢ «١ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلاَدَانَ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ. ٢ فَفَرِحَ بِهِمْ حَزَقِيَّا وَأَرَاهُمْ بَيْتَ ذَخَائِرِهِ: ٱلْفِضَّةَ وَٱلذَّهَبَ وَٱلأَطْيَابَ وَٱلزَّيْتَ ٱلطَّيِّبَ وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ مُلْكِهِ».
٢ملوك ٢٠: ١٢ الخ و٢أيام ٣٢: ٣١
كانت بابل تحت حكم أشور غير أن مردوخ بلادان كان قد عصى سرجون ملك أشور قبل تاريخ هذه الحادثة فملك في بابل ١٢ سنة ثم حاربه سرجون وعزله وبعد أربع سنين من ذلك مات سرجون وعصى مردوخ بلادان ابنه سنحاريب فملك ثانية في بابل ثمانية أشهر ثم عُزل ثانية وهرب إلى عيلام. وغايته في الرسائل والهدية لحزقيا أولاً التهنئة له بشفائه وثانياً الاستخبار عن عجيبة رجوع الظل لأن البابليين كانوا من الراغبين في علم الفلك وثالثاً المعاهدة مع حزقيا في محاربة سنحاريب فوبخ إشعياء حزقيا لأنه أراه ذخائره وأسلحته مما يدل على الافتخار وعلى الاتحاد بملوك الأمم. وكانت هذه الرسالة في السنة العاشرة من مردوخ بلادان.
والظاهر أن حزقيا أخطأ في قضية أخرى لأن هؤلاء الرسل أتوا من بابل ليستخبروا عن العجيبة فكان له فرصة أن يبين لهم قدرة إله إسرائيل ورحمته استجابة للصلاة وكان قد قال في كتابته (ص ٣٨: ١٩) «ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ» ولكن روح الافتخار غلبه. قيل في (٢أيام ٣٢: ٢٥) «وَلٰكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ٱرْتَفَعَ» ولعله خير له لو لم يعرف أجله تماماً. ونستفيد من أمر حزقيا أن الإنسان أحياناً يتقوى في الروحيات بواسطة الضيقات والآلام ويضعف في الروحيات في وقت الصحة والأمان غير أن الخيرات الجسدية تقدس بكلمة الله والصلاة فلا تكون للخطية. وقيل في (٢أيام ٣٢: ٣١) «تَرَكَهُ ٱللّٰهُ لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ» وربما المعنى أن الله لم يرسل إليه نبياً ليعلّمه واجباته أو يحذره من التجارب وبموجب عقله وضميره بلا إعلان خاص من الله. ولا يدل ذلك على غضب الله عليه لأن الخدمة العقلية مرضية عند الله أكثر من الطاعة بلا تمييز كعادة الأطفال. كما أن النبوءات والإعلانات كانت ضرورية في طفولية الكنيسة كان انقطاعها اليوم مما يدل على نموها.
٣ «فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ ٱلنَّبِيُّ إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَسَأَلَهُ: مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: جَاءُوا إِلَيَّ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ».
فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ لم يطلبه الملك ولكنه جاء ووبخه بلا خوف لأنه نبي ومرسل من الرب إلى الملك ومن واجبات وظيفته توبيخ الملوك باسم الرب إذا أخطأوا. وهكذا ناثان وبخ داود (٢صموئيل ١٢: ١ - ١٢). وجاد (٢صموئيل ٢٤: ١١ - ١٤). وحنان وبخ آسا (٢أيام ١٦: ٧ - ٩). وياهو وبخ يهوشافاط (٢أيام ١٩: ٢ و٣) وهم من الملوك الصالحين وكان إشعياء قد وبخ آحاز الملك الشرير (ص ٧: ١ - ١٧).
مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ يشير إلى احتقار النبي لسفراء ملك بابل. وسؤال إشعياء بيّن عدم خوفه من الملك وثقته بأنه يسمع ويقبل التوبيخ. وكان إشعياء قد حذّر اليهود من الاتكال على مصر (ص ٣١) وهنا حذر الملك من الاتكال على بابل.
مِنْ أَيْنَ جَاءُوا لم يسأل هذا السؤال ليستخبر لأنه عرف وجميع أهل أورشليم عرفوا من أين جاءوا ولكن قصده بالسؤال هو أن حزقيا يقول إنهم جاءوا من بابل فيتنبأ إشعياء بسبي بابل. والظاهر أن حزقيا افتخر بمجيء سفراء من أرض بعيدة إليه لكونه ملكاً عظيماً.
٤، ٥ «٤ فَسَأَلَ: مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ. ٥ فَقَالَ إِشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ».
ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ لم يخف النبي من الملك لكونه ملكاً ولا لكونه صديقه فكان أميناً في أمرين لا يوجد أصعب منهما وهما أنه عرفه إقبال موته (ص ٣٨: ١) وإنه وبخه على خطيته. وبما أن هذا القول من رب الجنود كان يجب على النبي أن يتكلم وعلى الملك أن يسمع.
٦، ٧ «٦ هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٧ وَمِنْ بَنِيكَ ٱلَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ ٱلَّذِينَ تَلِدُهُمْ يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَاناً فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».
إرميا ٢٠: ٥ دانيال ١: ٢ و٣ و٧
تنبأ موسى بسبي (لاويين ٢٦: ٣٣) وبرجوع (تثنية ٣٠: ٣). وقال أخيا (١ملوك ١٤: ١٥) «ويبددهم إلى عبر النهر». وقال عاموس (عاموس ٥: ٢٧) «فأسبيكم إلى ما وراء دمشق». وقال ميخا (ميخا ٤: ١٠) «وتأتين إلى بابل». وكان ميخا في عصر إشعياء ولا نعرف أيهما نطق بنبوءته أولاً. ولكن نبوءة إشعياء هذه هي أول نبوءة واضحة بسبي بابل لأنه ذكُر فيها نقل كل خزائن بيت الملك واستعباد نسله في قصر ملك بابل وفي زمن هذه النبوءة وهي قبل سبي بابل بنحو ١٢٤ سنة كانت بابل مملكة ضعيفة وبعد زمن النبوءة بنحو سنتين حارب سرجون مردوخ بلادان وأخضع بابل فرجعت إلى ما كانت عليه فصارت ولاية من مملكة أشور. فلم يكن في عصر هذه النبوءة ما يدل على عظمة بابل ورسالة ملكها إلى حزقيا مما يدل على ضعفها. فتكون نبوءة إشعياء هذه وتمامها برهاناً قاطعاً على أنه تكلم بالوحي وأعلن ما لا يعرفه أحد غير الله وحده.
نشر حزقيا أمام الرب رسائل سنحاريب وكان خيراً له نشر أمامه رسائل مردوخ بلادان أيضاً فلم يسقط بسببها ويجب علينا أن نطلب من الرب أن يعتني بنا ويحفظنا في الأمور التي تظهر لنا أنها بسيطة كما نسأله ذلك في الأمور التي تظهر أنها صعبة.
ولا نستلزم هذه النبوءة أن سبي بابل كان نتيجة خطية حزقيا لأنه كان عقاباً على خطايا كثيرة من ملوك كثيرين ولا سيما منسى (٢ملوك ٢٤: ٣ و٤) ومن عموم الشعب أيضاً. وأما ذكر سبي بابل في هذا الوقت فكان على سبيل التوبيخ لحزقيا على خطيته بالافتخار أمام الرسل من بابل. انظر ما جاء في سفر الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني في منسى ويهوياقيم ويهوياكين. وذكر دانيال (دانيال ١: ٣ و٤) إن من نسل ملوك يهوذا من عُينوا للوقوف في قصر ملك بابل والأرجح أن هؤلاء كانوا خصياناً حسب العادة القديمة. وتقضى على الملك يهوياكين نحو ٣٧ سنة أسيراً في بابل.
يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ لا يقول ما في قلبك أي الكنوز المخزونة على الأرض تفنى وتزول وأما الكنوز الروحية المخزونة في قلب المؤمن فلا تزول ولا أحد يقدر أن يأخذ من حزقيا إيمانه ورجاءه بالله.
٨ «فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَاءَ: جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ. وَقَالَ: فَإِنَّهُ يَكُونُ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي».
١صموئيل ٣: ١٨
جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ والمعنى أمران (١) أنه اعترف بخطيته وقبل التوبيخ. و(٢) أنه شكر الله إذ سمح له وللمملكة بالراحة والسلام في أيامه. ولا نستنتج أنه لم يهتم بحالة المملكة بعد موته بل أنه في هذا الأمر سلم لإرادة الرب.
والحادثة المذكورة في هذا الأصحاح خاتمة موافقة للقسم الأول من سفر إشعياء (ص ١ - ص ٣٩) ومقدمة موافقة للقسم الثاني منه (ص ٤٠ إلى آخره) الذي موضوعه التعزية للشعب في مدة السبي والمواعيد برجوعهم وإقامة ملكوت المسيح.
فوائد للوعاظ
ماذا رأوا في بيتك (ع ٤)
ما جهات رؤية الضيف في بيتنا. هي ما يأتي:
- جهة الترتيب والنظافة.
- جهة طاعة الأولاد للوالدين.
- جهة محبة كل من الوالدين للآخر ومحبتهما لأولادهما ومحبة كل من الأولاد للآخر.
- جهة محبتنا للجيران وعموم أهل المدينة.
- جهة الصلاة البيتية والتكلم في الروحيات وعدم الكلام الباطل.
تأتي أيام (ع ٦)
الهموم وعلاجها:
- إن الناس يهتمون بصحتهم فيخافون من المرض والموت وبمالهم فيخافون من الخسارة وبأولادهم ولا سيما الغائبين وبخطاياهم فيخافون من جهة الخلاص.
- إن علاج الهموم هو الإيمان بأن الله هو القادر على كل شيء وهو يحبنا ويغفر لنا خطايانا وقبول مواعيده الصالحة وبذل نفوسنا في خدمته.
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ
من ص ٤٠ إلى نهاية السفر قسم جديد من إشعياء والأرجح أنه كتبه في آخر حياته في أيام منسى بن حزقيا الذي عمل الشر وعاد فبنى المرتفعات وأقام مذابح للبعل وبنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب وسفك دماً بريئاً كثيراً جداً حتى ملأ أورشليم. وربما كانت أحوال إشعياء في آخر حياته مثل أحوال يوحنا الرسول في شيخوخته لأن يوحنا كان منفياً في جزيرة بطمس من أجل كلمة الله فرأى في رؤيا الأمور المختصة بشعب الله إلى انقضاء الدهر والكنيسة المجيدة في السماء. وهكذا اضطر إشعياء في شيخوخته أن ينفرد عن العالم ورفع نظره عن رجاسات الملك وشعب اليهود فرأى في رؤيا الأمور المذكورة في هذا القسم من نبوءاته وكتبها لإفادة الأجيال القادمة. وبسبب هذه الأحوال غير الموافقة لم يذكر الملك ولا غيره شيئاً من حوادث عصره فتكلم كأنه ليس في الجسد بل قد انتقل بالروح إلى المستقبل البعيد.
في القسم الأول من نبوءات إشعياء نبوءات متنوعة مختلفة باختلاف أحوال المكان والزمان كالنبوءات بخصوص أورشليم والسامرة وبابل وموآب الخ. وأما القسم الثاني من إشعياء فكله كلام مرتب ومتصل كأنه خطاب واحد. والكلام في ذاته لا يوجد أسمى منه وهو مفيد لكل جيل وفيه تعزية وتنشيط لشعب الله اليوم كما كان في أيام إشعياء ومواضيع هذا القسم من النبوءة ما يأتي:
- الله أي لا يوجد إلا إله واحد فقط وهو الإله الحي الحقيقي. والنبي قابل الرب بالأصنام ووصف قدرته ومعرفته وقداسته بأفصح العبارات وأبان حقارة الأصنام صنعة أيدي الناس وجهالة الذين يسجدون لها. وفي مدة السبي تأمل الشعب في هذا التعليم وانتبهوا له بسبب الضيق ولم يسجدوا بعد السبي للأصنام.
- الشعب كان منهم مؤمنون والأكثرون غير مؤمنين فللمؤمن تعزية ومواعيد بالخلاص لا من سبي بابل فقط بل من الخطية أيضاً. والرجوع من بابل مثال وعربون الخلاص الأعظم. وللأشرار إنذار ليتركوا طرقهم ويتوبوا إلى الرب فيرحمهم.
- المخلص في حال اتضاعه وفي حال ارتفاعه.
- الكنيسة أي الدين الحقيقي لا ينحصر في أورشليم ولا في الهيكل ورسومه فإنهم وجدوا الله في بابل وهناك سمع صلواتهم وقبل عبادتهم مع كونها بلا هيكل ولا ذبائح وتعلموا أن الله هو إله كل بني البشر فالكنيسة المستقبلة تعم الأمم أيضاً ويمتد خلاص الله إلى أقصى الأرض. وهذا كله تعليم جديد لليهود لأنهم قبل السبي لم يفهموا كما يجب السجود لله بالروح والحق بل نظروا إلى وسائط السجود الجسدية والوقتية كالهيكل والذبائح ولم يفهموا عموم الخلاص وانضمام الأمم.
انظر مقدمة فصل ١٢ في صدق نسبة هذه الأصحاحات إلى إشعياء.
ومضمون الأصحاح الأربعين هو أن الرب آت إلى شعبه فعليهم أن يعزوا بعضهم ويهيئوا الطريق له وهو الإله الحقيقي والقادر على كل شيء والصادق في كل أقواله.
١ «عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلٰهُكُمْ».
عَزُّوا عَزُّوا التكرار للتأكيد كقوله «لأرئيل لأرئيل» (ص ٢٩: ١) وقوله «الرب الرب الرب» (ص ٣٣: ٢٢) وقوله «الحي الحي» (ص ٣٨: ١٩) وقوله «انهضي انهضي» (ص ٥١: ١٧). والمخاطَبون معلمو الشعب أي الأنبياء والكتبة. والشعب أيضاً يعزون بعضهم بعضاً وأحسن تعزية هي كلمة «شعبي» أي لم يزل الله يقبلهم كشعبه. وكلمة «إلهكم» أي لم يزل الله إلههم. وهذه التعزية في مقدمة القسم الثاني من النبوءة توافق خاتمة القسم الأول منها وهي نبوءة صريحة بسبي بابل (ص ٣٩: ٦ و٧).
٢ «طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا».
طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ ليس الساكنون في أورشليم في تاريخ النبوءة في آخر ملك حزقيا أو في ملك منسى القساة القلوب الذين كان السبي مقبلاً عليهم لأن النبي لا يقول لهؤلاء «جهادكم قد كمل» بل شعب الله في مدة السبي وفي كل زمان. والقلب مركز الأفكار السرية والعواطف والانفعالات كالخوف والرجاء والحزن والفرح فتعزية الله ليست مقصورة على تحسين الأحوال الخارجية.
جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ رأى النبي في الرؤيا أنه قد كمل غير أن المخاطبين هم الساكنون في بابل مدة السبي وفي القول تعزية كأنه قال عن قريب يكمل جهادكم والباقي من زمان الضيق قليل وكلا شيء. وكان المسبيون في بابل محتاجين إلى التعزية لأنهم كانوا بعيدين عن وطنهم وكانت مدينتهم خربة وهيكلهم مهدوماً وكان عليهم في بابل أعمال شاقة وتعييرات الأمم وكانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.
ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا ليس المراد أن آلامهم مهما كانت شديدة تكفر عن الخطية بل هو ما يأتي:
- إن التأديب المعيّن لهم من الله قد كمل.
- إن دم المسيح يكفر خطايا المؤمنين تماماً مهما كانت عظيمة. كأن الإنسان دفع المطلوب منه مرتين لا واحدة فلا يطالب أيضاً والقول للتأكيد. والأمر المهم هنا غفران خطايا شعب الله ورجوع الله إليهم لا مجرد رجوع اليهود من بابل.
٣، ٤ «٣ صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلٰهِنَا. ٤ كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَٱلْعَرَاقِيبُ سَهْلاً».
متّى ٣: ٣ ومرقس ١: ٣ ولوقا ٣: ٤ ويوحنا ١: ٢٣ ملاخي ٣: ١ مزمور ٦٨: ٤ وص ٤٩: ١١ ص ٤٥: ٢
مثّل النبي الرب راجعاً مع شعبه إلى أورشليم كملك سائر أمام جيشه والملك يرسل أمامه سابقاً ليعد أمامه الطريق. وتمت هذه النبوءة في يوحنا المعمدان الذي كان سابقاً للمسيح.
صَوْتُ نسمع صوتاً ولا نرى أحداً. أي الأهمية للقول لا للقائل.
ٱلْقَفْرِ القفر بين بابل وأورشليم وبرية اليهودية أيضاً حيث كرز يوحنا المعمدان. وهكذا على كل من يطلب خلاص نفسه أن يؤمن بأن الله يغفر الخطايا وإنه يغفرها إكراماً للمسيح ثم عليه أن يعد طريق الرب ويدفع الكسل والفتور ويدوس الكبرياء ويقوّم أعماله المعوجّة.
٥ «فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».
أعلن مجد الرب في الرجوع من بابل وفي تجسد المسيح أيضاً وحياته على الأرض وموته وهذا الإعلان لكل بشر لا لليهود فقط. كان مجد الرب خفياً في مدة السبي كما تحجب الشمس من غيم وأُعلن في يوم الخلاص.
٦ - ٨ «٦ صَوْتُ قَائِلٍ: نَادِ. فَقَالَ: بِمَاذَا أُنَادِي؟ كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ. ٧ يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقّاً ٱلشَّعْبُ عُشْبٌ! ٨ يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلٰهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ».
أيوب ١٤: ٢ ومزمور ٩٠: ٥ و١٠٢: ١١ و١٠٣: ١٥ ويعقوب ١: ١٠ و١بطرس ١: ٢٤ مزمور ١٠٣: ١٦ يوحنا ١٢: ٣٤ و١بطرس ١: ٢٥
سمع النبي صوتاً قائلاً «ناد» ثم قال النبي «بماذا أنادي» فقال الصوت «كل جسد عشب الخ» وتشير كلمة «عشب» إلى ضعف الإنسان وقصر أيامه وربما كان في ذلك إشارة إلى أن ممالك أشور وبابل وغيرهما لا تبقى إلى الأبد والذين توفوا من بني إسرائيل في مدة السبي وهم القسم الأكبر لأن مدة السبي كانت ٧٠ سنة وقد مضى جيل وقام آخر ولكن مواعيد الله لا تتغير.
جَمَالِهِ أي جمال الإنسان الجسدي وكل ما للجسد كالملبوسات والأبنية وآلات أعماله وحروبه وكذلك علومه وقواه العقلية.
نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ كما أن العشب يبس أمام الريح الشرقية هكذا الإنسان بيد الرب فيأخذ منه حياته وخيراته متى شاء. يقصر الناس عن وفاء مواعيدهم لقصر أيامهم فيموتون قبل إتمام الوعد أو من ضعفهم أو فقرهم أو من وقوع حوادث غير منتظرة أو ضعف عقولهم فينسون المواعيد أو يندمون عليها ولكن ليس الرب كإنسان فمواعيده ثابتة إلى الأبد.
٩، ١٠ «٩ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ ٱصْعَدِي يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ. ٱرْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ٱرْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: هُوَذَا إِلٰهُكِ. ١٠ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ».
ص ٤١: ٢٧ و٥٢: ٧ ص ٥٩: ١٦ ص ٦٢: ١١ ورؤيا ٢٢: ١٢ ص ٤٩: ٤
يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ مثّل النبي مبشرة مرسلة إلى صهيون. يقول في (ص ٤١: ٢٧ وفي ص ٥٢: ٧) «مبشراً» أي التبشير أمر موافق للجنسين للرجل وللمرأة أيضاً (ففي مزمور ٦٨: ١١) «ٱلْمُبَشِّرَاتُ بِهَا جُنْدٌ كَثِيرٌ». إن مريم المجدلية كانت أول من بشر بقيامة المسيح. وعلى هذه المبشرة أن تصعد على جبل عال وترفع صوتها أي هذه البشارة مهمة وهي لجميع اليهود. وليس عليها خوف من جهة تتميم النبوءة أو صحة البشارة لأن الرب يأتي بقوة.
مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ هكذا المسيح بشر اليهود وأمر تلاميذه أن يبتدئوا من أورشليم واليهودية.
لِمُدُنِ يَهُوذَا كانت جميع مدن يهوذا خربة لا أورشليم وحدها. والمبشرة تبشر هذه المدن الخربة أنها ستُبنى وتُسكن. ومضمون هذه البشارة أن الرب يأتي.
ذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ أي أنه يحكم بالقوة.
أُجْرَتُهُ مَعَهُ رأى بعضهم أن الأجرة هي البركات التي يعطيها لشعبه عند مجيئه ولكن الأرجح أن الأجرة هي التي يأخذها الرب لا التي يعطيها فبموجب هذا التفسير أجرة الرب شعبه المفديون كما أن أجرة الراعي هي القطيع الماشي أمامه كقطعان يعقوب التي اشتراها بتعبه وخدمته في فدان آرام وأخذها إلى أرض كنعان. وهكذا المسيح يأخذ المفديين إلى كنعان السماوية (انظر أعمال ٢٠: ٢٨ كنيسة الله التي اقتناها بدمه).
١١ «كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ ٱلْحُمْلاَنَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ ٱلْمُرْضِعَاتِ».
ص ٤٩: ١٠ وحزقيال ٣٤: ٢٣ و٣٧: ٢٤ ويوحنا ١٠: ١١ وعبرانيين ١٣: ٢٠ وبطرس ٢: ٢٥ و٥: ٤ ورؤيا ٧: ١٧
كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ الرب يأتي كراع لا كملك فقط والراعي يجمع في نفسه القوة والحنو. فالقوة لكي يحامي عن القطيع. والحنو لكي يربضه في مراع خضر ويورده إلى مياه الراحة ويرحم الضعيف كالحملان والمرضعات وأحسن مثال لذلك الرب يسوع المسيح الذي تحنن على الجموع واحتضن الأولاد وبذل نفسه عن خرافه. وعلى كل راعي نفوس أن يشفق على كل الصغار كالضعفاء والفقراء والمرضى والحزانى والأولاد والضعفاء بالمعرفة والإيمان ويجمع الحملان المشتتة الضائعة أي الذين تاهوا عن الرب بالجهل والخطية.
١٢ «مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ، وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ وَٱلآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ؟».
أمثال ٣٠: ٤
من هذه الآية إلى آخر الأصحاح يصف النبي الرب القادر على كل شيء والعارف كل شيء والرحيم الرؤوف بألفاظ وتشبيهات لا يوجد أعلى منها. وغاية الكلام البيان أن الرب قارد أن يتمم كل ما وعدهم به وأنه يعطي قوة لشعبه. وأفضل شيء لإسرائيل هو أن يعرفوا الله كما هو والرجوع إليه أفضل من الرجوع إلى أرضهم. كان اليهود في بابل قد نظروا هياكل عظيمة وجميلة وأصنامها من الذهب ومن الفضة ومنه هيكل البعل وهو ثمانية أبراج الواحد فوق الآخر وفيه تمثال البعل من الذهب الخالص. ونظروا كثرة الساجدين لهذه الأصنام وعظمة مدينتهم وغناهم فكان بعض اليهود تركوا الله الذي لم يروه ولجأوا إلى الأصنام التي كانت أمامهم والنبي يكلمهم أولاً (ع ١٢ - ١٦) ثم (ع ٢٧ - ٣١) يكلم الذين لم يتركوا الرب تماماً ولكنهم شكوا في قدرته ومحبته لهم كأنه كان قد تركهم.
المكاييل المذكورة هنا كلها صغيرة «الكف والشبر والكيل» ومع ذلك كف الرب يسع البحار وشبر الرب يقيس السماوات وكيل الرب يكيل كل تراب الأرض وميزانه يزن الجبال. والمراد بهذه التشبيهات:
- إن الله هو الخالق العظيم وأعظم مخلوقاته كالبحار والجلَد والجبال كلا شيء عنده.
- إن الله ضابط الكل ولكل شيء ميزان وقياس ونظام وترتيب فلا ينسى شيئاً ولا أحداً.
والنبي يذكر ذراع الرب وكفه وشبره غير أن الرب يفوق الأصنام ويفوق بني البشر بما لا يقاس لأنه روح جسد وخالق غير مخلوق.
١٣ - ١٥ «١٣ مَنْ قَاسَ رُوحَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ ١٤ مَنِ ٱسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ ٱلْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ ٱلْفَهْمِ.؟ ١٥ هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ ٱلْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ!».
أيوب ٢١: ٢٢ و٣٦: ٢٢ و٢٣ ورومية ١١: ٣٤ و١كورنثوس ٢: ١٦
لا أحد يقدر أن يقيس قدرة الرب فيقول أنه قادر على كذا وكذا وليس قادر على كذا وكذا وهكذا لا أحد يقدر أن يقيس معرفة الرب فيذكر ما يعرفه وما لا يعرفه.
رُوحَ ٱلرَّبِّ لا يشير إلى الأقنوم الثالث باللاهوت بل إلى قوة الرب في المعرفة والإدراك كالعقل في الإنسان.
مَنْ مُشِيرُهُ أي لا أحد يقدر أن يزيد على معرفته شيئاً.
هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ الخ الذي يستقي ماء لا يشعر إذا سقطت قطرة ماء من الدلو. وكذلك الغبار لا يرجح الميزان وهكذا الأمم وهم ملايين من الناس وجيوش الأمم المسلحة للحرب جميعها كلا شيء عند الرب. غير أننا لا نستنتج من ذلك أن الرب يحتقر الإنسان لأنه أرسل ابنه إلى العالم ليخلصه وهو يسمع ويستجيب لكل فرد من المؤمنين.
ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ جاءت كلمة جزائر كثيراً في هذا السفر ومعناها جزائر البحر وشطوط البحر وممالك الأمم عبر البحر أي إلى جهة الغرب ولا شك في أن روح الرب نظر إلى أيامنا حيث امتد الإنجيل كثيراً إلى جهة الغرب أي في قارة أوربا وقارة أميركا.
١٦، ١٧ «١٦ وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِياً لِمُحْرَقَةٍ. ١٧ كُلُّ ٱلأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ ٱلْعَدَمِ وَٱلْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ».
دانيال ٤: ٣٥ مزمور ٦٢: ٩
وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ الرب كان يرضى بالمحرقات والذبائح من اليهود ولكن كان ذلك نظراً إلى قلوب الذين قدموها لا إلى قيمتها بذاته لأنه خلق كل شيء والناس لا يقدرون أن يقدموا له إلا مما له.
١٨ - ٢٠ «١٨ فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ ١٩ اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ ٱلصَّانِعُ، وَٱلصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلاَسِلَ فِضَّةٍ. ٢٠ ٱلْفَقِيرُ عَنِ ٱلتَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَباً لاَ يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعاً مَاهِراً لِيَنْصُبَ صَنَماً لاَ يَتَزَعْزَعُ!».
ع ٢٥ وص ٤٦: ٥ وأعمال ١٧: ٢٩ ص ٤١: ٦ و٧ و٤٤: ١٢ الخ وإرميا ١٠: ٣ الخ ص ٤١: ٧ وإرميا ١٠: ٤
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ سأل النبي هذه السؤال ثم ذكر جواب الوثنيين لسؤاله وأبان غباوة الذين يشبهون الله بأصنامهم. وذكر نوعين من الأصنام الواحد من معدن مغشى بالذهب والثاني من الخشب لكون صانعه فقيراً. فيظهر من المقابلة بين الرب والأصنام.
- إن الرب واحد والأصنام كثيرة.
- الرب صنع كل شيء والأصنام صنعة أيدي الناس.
- إن الرب قادر على كل شيء والأصنام تحتاج إلى أن تُنصب وتُربط بسلاسل لئلا تتزعزع.
- إن الرب منذ الأزل وإلى الأبد والصنم ولو كان من المعدن أو من الخشب لا يأكله السوس له نهاية كما له بداءة.
٢١ «أَلاَ تَعْلَمُونَ؟ أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ ٱلْبَدَاءَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ ٱلأَرْضِ؟».
مزمور ١٩: ١ وأعمال ١٤: ١٧ ورومية ١: ١٩ و٢٠
أَلاَ تَعْلَمُونَ كأن النبي لم يقدر أن يضبط نفسه فيقول لماذا نكثر الكلام في عظمة الله وبطل الأصنام فإن جميع الناس حتى الجهال يعرفون هذا الأمر. ألا تعلمون وأنتم شعب الله الخاص. ومصادر معرفتهم:
- إعلانات الرب المتضمنة في الكتب المقدسة وموضوع هذه الإعلانات أعمال الله منذ البداءة أي من حين وضع أساسات الأرض وصاعداً.
- الخليقة والوثنيون أيضاً يجب أن يعرفوا الله من المصنوعات (رومية ١: ٢٠).
٢٢ «ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ. ٱلَّذِي يَنْشُرُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ».
أيوب ٩: ٨ ومزمور ١٠٤: ٢ وص ٤٢: ٥ و٤٤: ٢٤ و٥١: ١٣ وإرميا ١٠: ١٢
كُرَةِ ٱلأَرْضِ الفلك كنصف كرة أو قبة والله جالس في أعلاه.
وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ كأصغر شيء وأضعف شيء من المخلوقات.
كَسَرَادِقَ غطاء من نسيج ناعم فوق الخيمة (وفي كتب اللغة العربية الفسطاط الذي يمد فوق صحن البيت).
كَخَيْمَةٍ أي السماوات وهي أعظم ما نراه من المخلوقات هي كخيمة عند الناس.
٢٣ - ٢٥ «٢٣ ٱلَّذِي يَجْعَلُ ٱلْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئاً، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ ٱلأَرْضِ كَٱلْبَاطِلِ. ٢٤ لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي ٱلأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضاً عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَٱلْعَاصِفُ كَٱلْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ. ٢٥ فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ ٱلْقُدُّوسُ».
أيوب ١٢: ٢١ ومزمور ١٠٧: ٤٠ تثنية ٤: ١٥ الخ وع ١٨
كان النبي قابل الرب بالخليقة والأمم والأصنام وهنا قابله بالعظماء كالملوك الذين في القديم كان لهم من السلطة والمجد أكثر ما يمكن لبني البشر.
لَمْ يُغْرَسُوا المعنى (١) أن الملوك بشر فيموتون وممالكهم أيضاً تخرب كالأشوريين والكلدانيين.
(٢) الملوك لا يقدرون أن يقاوموا الرب ولا يجروا مقاصدهم بل هم كالعصف تحمله الريح.
ٱلْقُدُّوسُ معنى هذه الكلمة الأصلي «المفروز وحده» أي لا أحد يساويه بالقدرة والمجد والقداسة.
٢٦ «ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَٱنْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هٰذِهِ؟ مَنِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ ٱلْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ ٱلْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ».
مزمور ١٤٧: ٤
ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ النجوم مشبهة بجند والرب قائدهم. وعدد النجوم ونظامها وحركاتها فوق إدراك البشر وكلما تقدم الناس في علم الفلك يزدادون عجباً من عظمة الخالق ولا شك أن المسبيين في بابل تذكروا هذا الكلام وكانوا يتعزون به كلما رفعوا عيونهم إلى العلاء. لم يروا على الأرض إلا شدة وضيقاً. لم يروا رجاء ولا تعزية ولكم كلمتهم نجوم السماء وقالت لهم إن الله موجود ولا يتغير وهو يرى كل شيء وهو القادر على كل شيء. وهذه النجوم التي كان أهل بابل يعبدونها هي خلائق الله وكلها في يده.
يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ بواسطة المرقب (النظارة الفلكية) تُرى نجوم كثيرة لا تُرى بالعين وحدها وصنع حديثاً مرقب عظيم جداً كشف عن ستين ألف نجم لم تُر سابقاً. فما أعظم عدد النجوم كلها لا يقدر أحد أن يعدها ولا يُعطي كلا منها اسماً ولكن الرب يدعوها بأسماء. فكم بالحري يعرف كل بني البشر أفراداً ويدعو كلاً منهم باسمه (يوحنا ١٠: ٣).
٢٧ «لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: قَدِ ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ ٱلرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي؟».
يَعْقُوبُ... إِسْرَائِيلُ بمعنى واحد.
ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي أي حياتهم ومصائبهم وضيقاتهم فظنوا أن الرب لا يعرف أو أنه لا يهتم بهم فيقول لهم النبي إن الذي يوقد جيوش السماء يقدر أن يخلص شعبه من جيوش بابل والذي يدعو النجوم بأسماء فلا يُفقد أحد هو يعرف أحوال شعبه ولا ينسى أحداً منهم.
وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي كانوا مظلومين في بابل ولا أحد سأل عنهم أو قضى لهم ومن ضعف إيمانهم ظنوا الرب أيضاً تركهم.
٢٨ «أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلٰهُ ٱلدَّهْرِ ٱلرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ».
مزمور ١٤٧: ٥ ورومية ١١: ٣٣
لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا الناس يكلون من طول الزمان وظهر لليهود بعد مرور سبعين سنة أن الرب كلّ فلم يحبهم ولا اعتنى بهم كما في القديم. والناس يعيون من عظمة العمل وظهر لليهود أن الخلاص من العبودية والرجوع إلى أورشليم صارا من الأمور المستحيلة.
لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ لم يقدر بنو إسرائيل أن يدركوا أعمال الله ولا أن يفهموا مقاصده في تأديبهم فلا يجب أن يشكوا في قدرته وحكمته ومحبته.
٢٩ «يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ ٱلْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً».
يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ الرب لا يخلص شعبه كمن يحمل طفلاً بلا عمل منهم بل يعطيهم قدرة وشدة فيمشون. وهكذا منتظرو الرب يجددون قوة لأن الرب لا يعمل لهم فقط بل أيضاً يعمل فيهم. إن الرب قادر على كل شيء فالذين ينتظرونه يستطيعون كل شيء بقوّته. ويجددون قوة لأن القوة الروحية تشبه القوة الجسدية لأنها إن لم تتجدد تفنى. وكما أن التجارب التي تصيب المؤمنين تتجدد يومياً كذلك يحتاجون تجديد القوة يومياً.
٣٠، ٣١ «٣٠ اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَٱلْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً. ٣١ وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ».
مزمور ١٠٣: ٥
إن الله أعلن لشعبه المستقبل البعيد فكانوا ينظرون إليه كما ينظر الناس إلى جبل بعيد عنهم بينهم وبينه أودية عميقة جداً فلا يصل إليه إلا النسور.
يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ يشير إلى إيمانهم الذي به ينظرون المواعيد ويصدقونها ويحيّونها.
يَرْكُضُونَ يدل على غيرتهم لأنهم يقدمون أنفسهم لخدمة الله من كل قلوبهم وبأعمالهم وصلواتهم يطلبون سرعة مجيء الرب. وهذه الغيرة ليست وقتية لأنهم لا يتعبون.
يَمْشُونَ يدل على الثبات لأن الإيمان الحي والغيرة الحقيقية يظهران في الأمانة والاجتهاد في تتميم الواجبات الصغيرة واليومية وذلك على الدوام. فالثبات في الإيمان والغيرة تكملة ما يُطلب من كل مسيحي.
فوائد للوعاظ
عزوا عزوا شعبي يقول الرب (ع ١)
- شروط التعزية وهي ترك الخطية والاعتراف بها والصلاة فلا يعزينا الرب إلا تحت هذه الشروط.
- وسائط التعزية. وهي أصدقاؤنا ومرشدونا في الرب ومطالعة الكتاب المقدس وفعل الروح القدس في قلوبنا.
- نتائج التعزية. وهي الفرح والشكر وزيادة الغيرة في خدمة الرب وتعزية المحزونين.
كراع يرعى قطيعه (ع ١١)
- يحب قطيعه. وهو خاصته «أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ ٱشْتِيَاقُهُ» (نشيد الأنشاد ٧: ١٠).
- يرعى قطيعه. في مراع خضر. يقدم لهم نفسه وهو خبز الحياة.
- يقود قطيعه. بتعليمه وقدوته وروحه.
- يحامي عن قطيعه. لا ينعس ولا ينام. وهو القدير.
- يطلب ويخلص الضالين.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ
مضمونه:
النبي يقوّي إيمان اليهود بالله دون الاتكال على الأصنام فيتنبأ بنهوض كورش ويبين أن الله أنهضه ونصره. والكلام على سبيل محاكمة شرعية والرب يستدعي عبدة الأصنام كأنه للمبارزة ويطلب منهم أن يخبروا بما سيعرض أو يعملوا شيئاً. والرب يؤكد لليهود أنه يكون معهم ويحفظهم ويعتني بهم.
١ «اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ وَلْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا. لِنَتَقَدَّمْ مَعاً إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ».
زكريا ٢: ١٣
اُنْصُتِي إِلَيَّ لأن الكلام في موضوع مهم وإن لم ينصتوا لا يقدرون أن يجاوبوا. قال لاهوتي إنه في كل مناظرة يُطلب أولاً إدراك موضوعها وكثيراً ما يكون الاختلاف من سوء الفهم فحين يدرك كل من الطرفين ما هو موضوع المناظرة يزول الاختلاف.
أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ البلاد البعيدة في البحر أو عبر البحر ولا سيما البلاد التي في جهة الغرب.
لْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً طلبهم الرب للمحاكمة فكان عليهم أن يثبتوا ادعاءهم أن لآلهتهم شيئاً من صفات الله كالقدرة والحكمة غير المحدودة والمعرفة بالمستقبل فقال لهم تهكماً أن يجددوا قوتهم استعداداً لهذه المحاكمة.
٢ «مَنْ أَنْهَضَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَماً وَعَلَى مُلُوكٍ سَلَّطَهُ. جَعَلَهُمْ كَٱلتُّرَابِ بِسَيْفِهِ وَكَالْقَشِّ ٱلْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ».
ص ٤٦: ١١ تكوين ١٤: ١٤ الخ وع ٢٥ وص ٤٥: ١
كورش هو الإنسان الذي أنهضه الله من المشرق. غير أن اليهود في أيامنا يقولون هو إبراهيم. ومما يدل على أن كورش هو المشار إليه هنا:
- إنه أتى من المشرق.
- إن كلام هذه النبوءة يطابق ما قيل في كورش في (ص ٤٤: ٢٨ و٤٥: ١ - ٣).
- إن كل ما ذُكر هنا يطابق صفات كورش وتاريخ حياته.
- إن كورش هو الذي أطلق اليهود من سبي بابل ولذلك ذكره هنا يناسب غاية النبي.
وكورش كان ابن كمبيس وكانت أمه بنت ملك مادي وأخت داريوس المادي وقد جمع في شخصه قوة مملكتي فارس ومادي. وافتتح مملكة ليدية في أسيا الصغرى وبابل وصار أعظم ملك في العالم. واشتهر بالشجاعة والسرعة في الحرب والحكمة والعدل والكرامة وله اعتبار خاص في الكتاب المقدس لأن الرب استعمله كآلة في إرجاع شعبه من بابل كما استخدم نبوخذنصر في سبيهم.
ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أي عند كل خطوة في سيره. قال كورش في آخر حياته إنه لم يبتدئ في عمل ما إلا نجح فيه.
٣ «طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِماً فِي طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ».
مَرَّ سَالِماً كانت حروب كورش ذات خسارة قليلة لنفسه لأنه بالحكمة كان يميز الفرصة المناسبة ويستغنمها ومثال ذلك فتوح مدينة بابل.
طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ أي دخل بلاداً لم يعرفها سابقاً واستعمل وسائط جديدة في حروبه كصعوده إلى مدينة سردس في طريق يُظن أنها لا تُعبر ولذلك كانت بلا حراس. ودخوله إلى بابل في طريق النهر وأما البعض فيفهمون أن سير كورش كان بسرعة كسير الطيور (انظر دانيال ٨: ٥) «إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ ٱلْمَعْزِ جَاءَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ ٱلأَرْضَ».
٤ «مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ مِنَ ٱلْبَدْءِ؟ أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلأَوَّلُ، وَمَعَ ٱلآخِرِينَ أَنَا هُوَ».
ع ٢٦ وص ٤٤: ٧ و٤٦: ١٠ ص ٤٣: ١٠ و٤٤: ٦ و٤٨: ١٢ ورؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣
مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ الرب هو الذي دفع الأمم أمام كورش وكورش نفسه أقر بذلك (عزرا ١: ٢).
دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ الرب سبق فعيّن كل ما يحدث فيعرف كل ما سيحدث. وعند الوثنين إن أحسن دليل على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة.
ٱلأَوَّلُ وَمَعَ ٱلآخِرِينَ الرب منذ الأزل وإلى الأبد فلم يكن أحد قبله ولا يكون أحد بعده (رؤيا ١: ٨ «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي»).
٥ «نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ. أَطْرَافُ ٱلأَرْضِ ٱرْتَعَدَتِ. ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ».
نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ قيل أن كيرسس ملك سردس وهو أول ملك في العالم في الغنى والقدرة خاف عندما سمع خبر كورش وأرسل رسلاً وامتحن أشهر الأصنام في العالم بسؤال عن حادثة مستقبلة وعند حدوث هذه الحادثة وجد أن الجواب الذي أتاه من دلفي في بلاد اليونان كان أقرب الكل فأرسل إلى دلفي هدايا ثمينة وطلب إفادة في أمر كورش وأتاه هذا الجواب «إذا حاربت تسقط مملكة. وأنت تنكسر حين يجلس بعل على عرش مادي». وفهم كيرسس أن مملكة فارس ستسقط وهو لا ينكسر أبداً. ولكن مملكته سقطت وجلس كورش على عرش مادي وهو من أصل خليط لأن أباه من فارس وأمه من مادي. فيظهر من هذه الحادثة:
- إن الأمم كانوا خائفين من كورش.
- إنهم كانوا يفتشون عن الإله الحقيقي.
- إنهم كانوا يعتبرون الخبر بالأمور المستقبلة برهاناً على صدق ادعاء الألوهية.
ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ كانت ليدية وبابل ومصر أعظم الممالك في زمان كورش فاقتربت وجاءت أي اتحدت لمقاومة كورش.
٦، ٧ «٦ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: تَشَدَّدْ. ٧ فَشَدَّدَ ٱلنَّجَّارُ ٱلصَّائِغَ. ٱلصَّاقِلُ بِٱلْمِطْرَقَةِ ٱلضَّارِبَ عَلَى ٱلسَّنْدَانِ، قَائِلاً عَنِ ٱلإِلْحَامِ: هُوَ جَيِّدٌ. فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لاَ يَتَقَلْقَلَ!».
ص ٤٠: ١٩ و٤٤: ١٢ ص ٤٠: ١٩ ص ٤٠: ٢٠
استعداد أهل الجزائر لمحاربة كورش الذي أنهضه الرب. واستعدادهم هو صنعهم أصناماً جديدة فكان دليلاً على أنهم كانوا قد امتحنوا الأصنام التي عندهم فوجدوها باطلة.
٨ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي».
تثنية ٧: ٦ و١٠: ١٥ و١٤: ٢ ومزمور ١٣٥: ٤ وص ٤٣: ١ و٤٤: ١ و٢أيام ٢٠: ٧ ويعقوب ٢: ٢٣
أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ الجزائر خافت لأن اتكالها على الأصنام وأما إسرائيل فاتكاله على الرب.
عَبْدِي لا يدل هذا اللقب على الاحتقار بل أن إسرائيل خاصة الرب فيعتني الرب به. ولما كانوا عبيداً لملك بابل تعزّوا بقول الرب أنهم بالحقيقة عبيده وعبوديتهم في بابل وقتية ويعلم الرب فيدعوهم ويأخذهم.
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي الله تكلم مع إبراهيم كما يتكلم الإنسان مع صديقه وأظهر له بعض مقاصده وباركه وأعطاه مواعيد. وإبراهيم استحق هذا الاسم نظراً إلى طاعته وإدراكه الحقائق الروحية وقبوله المواعيد بالإيمان. ونستنتج أن لنسل الأتقياء بركات خصوصية وعليهم مسؤولية خصوصية.
٩ «ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِي. ٱخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ».
ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ أولاً الرب أمسك إبراهيم ودعاه من أور الكلدانيين ثم أمسك نسله ودعاهم من مصر وهنا يعدهم بأنه يمسكهم ويدعوهم من بابل.
لَمْ أَرْفُضْكَ تعزية لليهود في بابل الذين كانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.
١٠ «لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلٰهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي».
ع ١٣ و١٤ وص ٤٣: ٥ تثنية ٣١: ٦ و٨
لاَ تَتَلَفَّتْ لا تصرف وجهك إلى آخر بل انظر إلى الرب وحده لأنه إلهك (انظر تثنية ٣١: ٨) «وَٱلرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».
قَدْ أَيَّدْتُكَ عبّر عن المستقبل بالماضي تحقيقاً وتوكيداً لأن مواعيد الله ثابتة فهي كأنها مضت.
بِيَمِينِ بِرِّي يمين الرب تشير إلى قوته الظاهرة بأعماله وبرّ الرب يشير إلى المطابقة بين أعماله ومواعيده أي كما وعد هكذا فعل.
١١ - ١٣ «١١ إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ وَيَبِيدُونَ. ١٢ تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ. ١٣ لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ».
خروج ٢٣: ٢٢ وص ٤٥: ٢٤ و٦٠: ١٢ وزكريا ١٢: ٣ ع ١٠
ذُكر أربعة أنواع من الأعداء «المغتاظون... مخاصموك... منازعوك... محاربوك» وكل نوع أقوى مما قبله فالقول يشمل جميع الأعداء ولا أحد في زمان السبي تصور أن شعباً ضعيفاً كشعب اليهود يبقى حتى يفتش عن البابليين ولا يجدهم.
ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ يدل على ضعف إسرائيل كأنه ولد صغير لا يقدر أن يمشي وحده ويدل أيضاً على محبة الله الأبوية وهو كأب حنون يمسك بيمين ابنه الصغير.
١٤ «لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ».
دُودَةَ يَعْقُوبَ عبارة تشير إلى ضعف اليهود وعدم استحقاقهم. قال الرب (حزقيال ٣٦: ٢٢) «لَيْسَ لأَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ لأَجْلِ ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ» وكلمة «شرذمة» تشير إلى قلة عددهم. وظهرت قوة الله باستعماله آلة ضعيفة لأن قوته تكمل في ضعف الإنسان.
وَفَادِيكَ معنى كلمة فادي بالعبراني «الذي يفك المبيع» (لاويين ٢٥: ٢٥) «إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ مِنْ مُلْكِهِ، يَأْتِي وَلِيُّهُ ٱلأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ» والولي هو الفادي. والكلمة تفيد أيضاً الذي يخلص من الخطية وهذا الفادي هو قدوس إسرائيل ونعرف من العهد الجديد أنه الأقنوم الثاني أي يسوع المسيح. وكل خاطئ كمبيع لإبليس فينظر إلى المسيح الفادي الإله التام والإنسان التام والقريب منه كما نظر اليهودي الفقير إلى وليه الأقرب ليخلصه.
١٥ «هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجاً مُحَدَّداً جَدِيداً ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ ٱلْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا وَتَجْعَلُ ٱلآكَامَ كَٱلْعُصَافَةِ».
ميخا ٤: ١٣ و٢كورنثوس ١: ٤ و٥
الدودة يعقوب صار نورجاً. فالوعد هو أن إسرائيل سيغلب كل الصعوبات بقوة الرب ومنها:
- الإذن من الملك بالرجوع من بابل فلا يقدر أحد أن يتصور أنه يقوم ملك مثل كورش يأذن لهم بالرجوع ويعطيهم آنية بيت الرب ومالاً للنفقة.
- السفر في القفر ومعهم هذه الآنية الثمينة وليس معهم عساكر يحامون عنهم.
- مقاومة أهل البلاد للذين بنوا الهيكل وأقاموا أسوار أورشليم ومن هذه الصعوبات التي كانت كالجبال أنقذهم الرب.
١٦ «تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا وَٱلْعَاصِفُ تُبَدِّدُهَا، وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ».
إرميا ٥١: ٢ ص ٤٥: ٢٥
تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا إسرائيل عمل والريح عملت أي لم يخلصوا من الصعوبات إلا بواسطة تعبهم وبواسطة عناية الله أيضاً.
وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ يكون الابتهاج بعد الصعوبات والضيقات ويكون بالشرط أنهم قد تمموا كل واجباتهم ويكون بالرب لأن الكل منه وهو الذي عمل فيهم ولأجلهم. وهذا الوعد يشبه وعد المسيح لجميع المؤمنين (متّى ١٧: ٢٠) «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ». ولا يطلب شعب الله وضع أعدائهم تحت نورج حديد كأعداء داود (٢صموئيل ١٢: ٣١) بل يطلبون ملاشاة الكفر والأديان الفاسدة وجميع الخطايا وخلاص جميع الخطاة.
١٧ - ٢٠ «١٧ اَلْبَائِسُونَ وَٱلْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ ٱلْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا ٱلرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. ١٨ أَفْتَحُ عَلَى ٱلْهِضَابِ أَنْهَاراً، وَفِي وَسَطِ ٱلْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ ٱلْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ، وَٱلأَرْضَ ٱلْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ. ١٩ أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلأَرْزَ وَٱلسَّنْطَ وَٱلآسَ وَشَجَرَةَ ٱلزَّيْتِ. أَضَعُ فِي ٱلْبَادِيَةِ ٱلسَّرْوَ وَٱلسِّنْدِيَانَ وَٱلشَّرْبِينَ مَعاً. ٢٠ لِيَنْظُرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَمَّلُوا مَعاً أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ فَعَلَتْ هٰذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ».
ص ٣٥: ٦ و٧ و٤٣: ١٩ و٤٤: ٣ مزمور ١٠٧: ٣٥ أيوب ١٢: ٩
البائسون والمساكين هم بنو إسرائيل والمساكين بالروح والحزانى والودعاء والجياع والعطاش إلى البر في كل عصر.
طَالِبُونَ مَاءً أي متضايقون ومذلون مدة السبي ويحتاجون إلى كل شيء وليس إلى الماء فقط. ووعد الرب لهم بينابيع ماء وأشجار متنوعة كناية عن كل الخيرات. وغايته أنهم يلتفتون إليه ويعرفون أن قدوس إسرائيل أبدعه. وما يدل على أن الكلام هنا مجاز القول في (ص ٤٤: ٣) «أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ» أي الماء كناية عن الروح. و«شجرة الزيت» غير الزيتون وغير معروفة.
٢١ - ٢٤ «٢١ قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. ٢٢ لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ. ٢٣ أَخْبِرُوا بِٱلآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً فَنَلْتَفِتَ وَنَنْظُرَ مَعاً. ٢٤ هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ ٱلْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ».
ص ٤٥: ٢١ ص ٤٢: ٩ و٤٤: ٧ و٨ و٤٥: ٣ ويوحنا ١٣: ١٩ إرميا ١٠: ٥ مزمور ١١٥: ٨ وص ٤٤: ٩ و١كورنثوس ٨: ٤
في الأول قال الرب للأوثان انصتوا فذكر من الأمور المستقبلة نهوض كورش وخلاص اليهود. وهنا يقول لهم أن يقدموا دعواهم فيخبروا هم أيضاً بما سيعرض.
مَلِكُ يَعْقُوبَ يظهر من أسماء بعض الأصنام أن عبدتها اعتبروها كملوك. مثل مولك أو ملكوم إله العمونيين وأدرملك إله لسفروايم وبعل. والرب أخذ لنفسه هذا الاسم لأنه إله يعقوب وملكه الحقيقي.
مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ المعنى على الأرجح أن الرب يطلب من عبدة الأصنام أن يدلوا على نبوءات سابقة عندهم فنقابل بالحوادث الواقعة فتُعرف صحة النبوءات أو بطلها.
أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ أي يجوز لهم أن يقدموا في الوقت الحاضر نبوءة بما سيحدث.
وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً أي الأصنام لا تقدر أن تعمل خيراً فنرجوه ولا شراً فنخاف منه ونتصور أن المتكلم توقف هنا وانتظر جواباً من عبدة الأصنام فلم يتكلموا ثم يقول (ع ٢٤) «هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ».
رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ نعرف من التواريخ ومن أحوال الوثنيين في أيامنا أن عبدة الأصنام يصيرون مثل أصنامهم. مثلاً كان لليونان القدماء إله للسكر وآلهة للزنى وللوثنيين في الهند إله القتل ومن واجبات عبدة هذه الآلهة أن يسكروا ويزنوا ويقتلوا الخ.
٢٥ «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ يَدْعُو بِٱسْمِي. يَأْتِي عَلَى ٱلْوُلاَةِ كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ ٱلطِّينَ».
عزرا ١: ٢ ع ٢
وبعدما خجل عبدة الأصنام من عدم معرفة أصنامهم وعدم قدرتها ثبت الرب ألوهيته بأمرين أولهما أنه عرف كل ما سيحدث وعنده ما سيحدث بعد مئة سنة كما سيحدث غداً. وثانيهما أنه يصنع كل ما يحدث وهو الذي سينهض كورش ويقول «أنهضته» بصيغة الماضي لأن حدوثه لا بد منه.
أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ بلاد فارس إلى جهة الشرق من بابل وبلاد مادي إلى جهة الشمال الشرقي فيجوز القولان أن كورش أتى من الشمال وإنه من الشرق يدعو باسم الرب.
يَدْعُو بِٱسْمِي (عزرا ١: ١ - ٤) اعترف كورش بأن الرب هو إله السماء وأنه دفع له جميع ممالك الأرض مع ذلك لم يزل يعبد الأصنام كما يظهر من كتابة قديمة في بابل فيها يقول كورش أن إلهه مردوخ نصره على بابل أي أن كورش اعتبر جميع الآلهة من كل الأديان.
كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ كانوا قديماً يجبلون الملاط أي الطين بأرجلهم. و«الولاة» هم استياجس ملك مادي وكيرسس ملك ليدية ونابونيدس ملك بابل. وعاملهم كورش باللطف ولكنهم انحطوا وصاروا كالطين المدوس إذ سقطوا عن سلطتهم كملوك.
٢٦ - ٢٩ «٢٦ مَنْ أَخْبَرَ مِنَ ٱلْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْلٍ حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لاَ مُخْبِرٌ وَلاَ مُسْمِعٌ وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ. ٢٧ أَنَا أَوَّلاً قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّراً. ٢٨ وَنَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ هٰؤُلاَءِ فَلَيْسَ مُشِيرٌ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ فَيَرُدُّونَ كَلِمَةً. ٢٩ هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلاَءٌ».
ص ٤٣: ٩ ع ٤ ص ٤٠: ٩ ص ٦٩: ٥ ع ٢٤
حَتَّى نَعْرِفَ المتكلمون هم الرب وشعبه.
حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ لو أخبر أحد الأصنام بالمستقبلات لكان عبدة الرب صدقوا واعترفوا بألوهيته.
وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ أي لا أحد من الأصنام يُسمع ولا يسمع أقوال عبدته.
هَا! هَا هُمْ أي الراجعون من السبي والمعنى أن الله وحده أخبر أن بني إسرائيل سيرجعون وهو وحده جُعل لهم مبشراً والمبشر هو إشعياء أو إرميا أو دانيال (دانيال ٩: ٢ وفهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي).
لَيْسَ إِنْسَانٌ ليس نبي ولا أحد من الآلهة يقول شيئاً ولعدم إجابتهم الدعوة وقع عليهم الحكم بأنهم باطل وأعمالهم عدم.
فوائد للوعاظ
ماء في القفر (ع ١٨)
- قفر الخطية. ينبوع مفتوح للخطية والنجاسة (زكريا ١٣: ١). «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧).
- قفر الحزن. انظر نبأ هاجر (تكوين ٢١: ١٩) «وَفَتَحَ ٱللّٰهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ». كانت مطرودة من الناس والله وجدها وعزاها. للحزانى تعزية من الكتاب المقدس وفي الصلاة.
- قفر الوحدة. وعد الله مواعيد خاصة للأرامل واليتيم والغريب فيقترب إلينا حين يبتعد الناس عنا.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ
مضمون هذا الأصحاح عبد الرب وخلاص شعب الله والاسم «عبد الرب» مخصص أولاً للمسيح (ع ١ - ١٧) ثم الصعوبات الواقعة في طريق هذا الخلاص منها عدم إيمان إسرائيل وهو عبد الرب في هذا القسم من الأصحاح (ع ١٨ - ٢٥).
١ «هُوَذَا عَبْدِي ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي ٱلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ».
ص ٤٣: ١٠ و٤٩: ٣ و٦ و٥٢: ١٣ و٥٣: ١١ ومتّى ١٢: ١٨ و١٩ و٢٠ وفيلبي ٢: ٧ متّى ٣: ١٧ و١٧: ٥ وأفسس ١: ٦ ص ١١: ٢ ويوحنا ٣: ٣٤
هُوَذَا عَبْدِي النبي استدعى نظر العالم من اليهود والأمم إلى الكلام الآتي فإنه كان أثبت أن آلهة الأمم كلهم باطل وأعمالهم عدم (ص ٤١: ٢٩) وهنا اجتذب النظر إلى عبد الرب الحقيقي المستحق كل العبادة والإكرام.
عَبْدِي القسم الثاني من إشعياء يذكر عبد الرب مرات كثيرة والمفسرون قد بحثوا كثيراً في معنى هذه الكلمة واتفق الأكثرون على ما يأتي:
- في بعض الآيات عبد الرب هو شعب إسرائيل كله (ع ١٩ و٤٣: ١٠).
- في بعض الآيات عبد الرب هو المختارون من شعب الله (ص ٤١: ٨ و٩ و٤٤: ١ و٢ و٢١).
- في بعض الآيات عبد الرب هو المسيح (ع ١ - ٨ و٤٩: ١ - ٩ و٥٠: ٤ - ١٠ و٥٢: ١٣ - ٥٣: ١٢). ولا منافاة بين المعاني الثلاثة لأن المسيح هو رأس الكنيسة وهي متحدة به كجسد واحد. فنقول إن المسيح نور العالم والكنيسة أيضاً نور العالم (ص ٤٢: ٦). المسيح مهان النفس مكروه الأمة عبد المتسلطين (ص ٤٩: ٧) والكنيسة كذلك. فإذاً إذا وجدنا وصفاً لا يوافق المسيح كأعمى وأصم نقول إن عبد الرب هو إسرائيل. وإذا وجدنا وصفاً لا يوافق غير المسيح كمضمون (ص ٥٣) نقول إن المسيح هو عبد الرب. وإذا رأينا ما يوافق الجهتين نقول إن عبد الرب هو الكنيسة والمسيح كرأسها وهما جسد واحد. وهنا في العدد الأول عبد الرب هو المسيح.
ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ (يوحنا ٥: ٢٦) «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذٰلِكَ أَعْطَى ٱلابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ».
سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي هكذا شهد الله للمسيح حين المعمودية وعلى جبل التجلي ومتّى خصص هذا الكلام كله بالمسيح (متّى ١٢: ٧ - ٢١) «وضعت روحي عليه» ولما اعتمد يسوع نزل روح الله عليه (انظر أيضاً يوحنا ٣: ٣٤).
فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ لا يكون المسيح لليهود فقط بل منه ومن الكنيسة كجسده يخرج الحق إلى أقصى الأرض أي التعليم والعدل والإنصاف.
٢ «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي ٱلشَّارِعِ صَوْتَهُ».
لاَ يَصِيحُ النبي يصف المسيح كأنه سمعه ورآه كأحد المبشرين والمعنى أن المسيح لا يستعمل القوة الجسدية ولا يحارب الناس كالملوك بل يُسمع صوته في التعليم فقط والتعزية. وبهذا الأمر تميز المسيح عن كل المعلمين الكذبة لأنهم بالإجمال يطلبون الشهرة وأما المسيح فكان يوصي الناس أن لا يظهروه.
٣ «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى ٱلأَمَانِ يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ».
قَصَبَةً مَرْضُوضَةً يشير إلى حنو المسيح على الضعفاء فلا يرفض المؤمن لكونه ضعيفاً بل يقوي إيمانه. ربما يوجد في كل إنسان شيء من الخير وعلى راعي النفوس أن يفتش عنه ويقويه.
يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ كأن الحق كان مخفىً والظلام غالب في العالم وأما المسيح فيخرج الحق ويثبته ويديمه. قال متّى البشير «إلى النصرة» لأنه اقتبس من الترجمة السبعينية ولا فرق جوهري في المعنى.
٤ «لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ ٱلْحَقَّ فِي ٱلأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».
تكوين ٤٩: ١٠
لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ كان المسيح حسب الظاهر ضعيفاً جداً والأشرار فعلوا به كما أرادوا مع ذلك لم يكل ولا انكسر لا من تجارب إبليس ولا من تعييرات الفريسيين ولا من الموت بل تمم مقاصده في عمل الفدى وأسس كنيسته ووضع الحق في الأرض. وكلمة «الحق» تتضمن التعليم الحقيقي والحكم الحقيقي أيضاً.
وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ أكثر الأمم لا يعرفون حالتهم التعيسة وأكثرهم لا يطلبون التبشير ولا يقبلونه ولكنهم ينتظرون شريعة المسيح بالمعنى أنهم محتاجون وهالكون ولا يمكنهم الخلاص إلا بإنجيل المسيح.
٥ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ ٱلرَّبُّ خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ ٱلأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي ٱلشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً».
ص ٤٤: ٢٤ وزكريا ١٢: ١ مزمور ١٣٦: ٦ أعمال ١٧: ٢٥
هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ الكلام الآتي كلام الرب وليس كلام النبي فقط.
خَالِقُ... نَاشِرُهَا... بَاسِطُ... مُعْطِي هذه الصفات تدل على العمل في الزمان الحاضر لا في الماضي فقط أي الرب خلق كل شيء في البداءة ولم يزل يعمل في العالم وهو الآن حامل كل الأشياء بكلمة قدرته.
٦ «أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِٱلْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ».
ص ٤٣: ١ ص ٤٩: ٨ ص ٤٩: ٦ ولوقا ٢: ٣٢ وأعمال ١٣: ٤٧
أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ الذي خلق كل شيء ويعتني بكل شيء قد دعا المسيح فيعتني به كما يعتني بالكون كله.
بِٱلْبِرِّ البر هنا بمعنى صدق الله وأمانته لأنه وفى بمواعيده للعالم بإرسال المخلص ومواعيده للمسيح بأنه يعضده ويحفظه.
إن كلمة «بر» مستعملة كثيراً في هذا القسم من النبوءة ولها معان مختلفة وهي:
- بر الله بمعنى أنه لا يبارك الأشرار ولا يعاقب الصالحين ولا يسمح للأقوياء في العالم أن يظلموا الضعفاء.
- بر الله بمعنى الصدق والأمانة في تتميم مواعيده.
- بر الناس بمعنى العدل والاستقامة والأعمال الصالحة.
- بر المؤمنين بالمسيح بمعنى الخلاص من الدينونة بغفران خطاياهم.
وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ العهد الجديد أو عهد النعمة. إن المسيح هو العهد أو وسيط العهد بين الله وبين الشعوب وبه يعاهدهم الله ويعطيهم الخلاص بشرط الإيمان به (إرميا ٣١: ٣١ - ٣٤).
لِلشَّعْبِ شعب العهد أي جميع المؤمنين بالمسيح من اليهود ومن الأمم.
وَنُوراً لِلأُمَمِ النور يشير إلى المعرفة ولا سيما المعرفة بطريق الخلاص.
٧ «لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ».
ص ٣٥: ٥ ص ٦١: ١ ولوقا ٤: ١٨ و٢تيموثاوس ٢: ٢٦ وعبرانيين ٢: ١٤ و١٥ ص ٩: ٢
لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ المسيح هو النور الخارجي والنور الداخلي أيضاً أي هو كالشمس التي تُظهر كل ما في العالم وهو يعطي الإنسان قوة البصر التي بدونها لا ينفعه نور الشمس. لأن الإنسان يفتقر إلى الوسائط الخارجية وإلى فتح عيني قلبه لكي يفهم ويستعمل هذه الوسائط ولا شك أن غاية المسيح في عجائبه كانت أولاً خلاص الناس من ضعفاتهم الجسدية وفوق ذلك أن يمثل لهم الخلاص من الخطية.
لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ المأسورين بعبودية الخطية وظلمة الهلاك لا المأسورين بالجسد فقط. والمسيح لا يقتصر على فتح الأبواب بل يخرج المأسورين أيضاً بنعمته في قلوب السامعين يميله لكي يقبلوا الخلاص والكنيسة وهي تحت رياسة المسيح نور للعالم لفتح عيون العمي وإخراج المأسورين. وعلى كل من يتبع المسيح أن يعرف قيمة المخلوق على صورة الله فيشفق على كل ضعيف.
٨ «أَنَا ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ».
ص ٤٨: ١١
أَنَا ٱلرَّبُّ كل رجاء شعب الله مبني على هذا القول ومعناه (١) الله لا يتغير ولا يغير قوله.
(٢) هو إله غيور فلا يعطي مجده للآخر. فلا بد من انتصار الحق وانحطاط كل ما يقاومه.
٩ «هُوَذَا ٱلأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَٱلْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».
ٱلأَوَّلِيَّاتُ أي النبوءات التي قد تمت كالنبوءات بخصوص سنحاريب والنبوءة بخصوص السبي في (ص ٣٩: ٥ - ٧).
ٱلْحَدِيثَاتُ حوادث مستقبلة لا يعرف أحد بها غير الله.
قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أي تاريخ هذه النبوءة كان قبل زمان كورش بمدة طويلة وفي تاريخها لم يوجد شيء يدل على حدوث الأمور المنبإ بها. أحياناً الحاذقون بالأمور السياسية يتنبأون بما سيحدث في المستقبل القريب كوقوع حرب بين مملكتين بناء على وجود اختلاف بينهما أو يتنبأون بغلبة المملكة الواحدة على الأخرى بناء على ما ظهر فيها من القوة والاستعداد وأحياناً تصدق هذه النبوءات وأحياناً لا تصدق. ولكن الرب أخبر بما سيحدث في المستقبل البعيد كنهوض كورش وتجسد المسيح وأخبر بما يفوق حذاقة أرباب السياسة كخروج اليهود من بابل بإذن الملك وبالمساعدة منه بخلاف الخروج من مصر في القديم.
نبوءة بفرح يعم كل المسكونة بسبب خلاص الرب ع ١٠ إلى ١٣
١٠ - ١٣ «١٠ غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ. أَيُّهَا ٱلْمُنْحَدِرُونَ فِي ٱلْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَٱلْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، ١١ لِتَرْفَعِ ٱلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، ٱلدِّيَارُ ٱلَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. ١٢ لِيُعْطُوا ٱلرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي ٱلْجَزَائِرِ. ١٣ ٱلرَّبُّ كَٱلْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ».
مزمور ٣٣: ٣ و٤٠: ٣ و٩٨: ١ مزمور ١٧: ٢٣ ص ٢١: ١٦ قضاة ١: ٣٦ وص ١٦: ١ ص ٣١: ٤
أُغْنِيَةً جَدِيدَةً يغنون أغنية جديدة لأن مراحم الرب جديدة وأعظم من أعماله السابقة. وتكون هذه الأغنية للأمم في كل الأرض لا لليهود فقط.
قِيدَارُ بلاد العرب.
سَالِعَ اسمها اليوم بترا وكانت عاصمة أدوم وغاية النبي أن يصف التسبيح العام فيذكر الجزائر أي البلاد البعيدة إلى جهة الغرب عبر البحر وبلاد العرب وأدوم أي البلاد الشرقية.
كَرَجُلِ حُرُوبٍ النبي يصف أعمال الله بتشابيه مأخوذة من الحروب القديمة. وعرفنا من العهد الجديد أن انتشار الإنجيل في العالم يكون بوسائط روحية وإظهار الحق والجندي الصالح للمسيح لا يضرب ولا يقتل بل يحتمل الضربات والاضطهادات حتى الموت غير أن الرب هو إله الحروب الجسدية أيضاً بمعنى أنه يحط كل قوة جسدية تقاوم الحق وإنه يجعل حروب الناس وإن كانت بذاتها شراً عظيماً تؤول إلى امتداد ملكوته.
يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ الله لا يتغير وغيرته لا تزداد ولا تنقص ولكنه ترك شعبه ليتألموا ويتضايقوا في بابل إلى مدة محدودة لسبب خطاياهم فيكون التغيير فيهم وفي الأزمنة والأوقات وليس في الرب.
١٤ «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَٱلْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنْخِرُ مَعاً».
قَدْ صَمَتُّ الله صمت بمعنى أنه لم يستجب للصلاة ولا خلّص شعبه.
مُنْذُ ٱلدَّهْرِ مدة السبي والضيقات التي قبلها. وهذه المدة وإن كانت سبعين سنة فقط كانت «كدهر» عند الرب وذلك بسب محبته لشعبه وغيرته في خلاصهم.
كَٱلْوَالِدَةِ كأنه لا يقدر أن يضبط نفسه وربما هذا التشبيه يشير إلى ولادة شعبه بعد السبي لحياة جديدة وعبادة روحية وتجديد قلوب المؤمنين في كل جيل. «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩). إننا لا نقدر أن نقول إن الله يتألم ولكنه كامل بكل صفاته. ومن صفات بني البشر الممدوحة إنكار الذات والصبر والثبات في احتمال الآلام فالجندي الذي يحارب ويبذل نفسه لأجل الوطن له مدح أكثر من الملك الذي أرسله وبقي في قصره. قال المسيح «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه». فلا بد من وجود هذه الصفات كلها في اللاهوت وهي قد ظهرت بكمالها في تجسد المسيح وآلامه فلا يجب أن ننسى أن المحبة التي ظهرت في آلام المسيح كانت في اللاهوت قبل التجسد وإن كان التوفيق بين القدرة غير المحدودة وآلام المحبة فوق إدراكنا وسبب هذه الآلام ليس ضيقات شعبه فقط بل خطاياهم بالأولى.
١٥ «أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ وَٱلآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ ٱلأَنْهَارَ يَبَساً وَأُنَشِّفُ ٱلآجَامَ».
أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ الجبال والآكام والأنهار والآجام تشير إلى ممالك وقوات وكل ما يرتفع على الله وفي القديم الجبال كانت مملكة بابل وعبادة الأصنام وفي أيامنا الكفر والطمع والتعاليم الكاذبة ولنا هذا الوعد أن الله سيخرب هذه الجبال كلها.
١٦ «وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ ٱلظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً وَٱلْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هٰذِهِ ٱلأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ».
وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ اليهود وهم عمي بسبب خطاياهم ورفضهم النور وكل بني البشر عمي بمعنى أنهم لا يعرفون المستقبل ولا يدركون مقاصد الله فيكون الوعد لجميع العمي أن الله يسيرهم. والطريق التي لا يعرفونها بل يسلكون فيها بالخوف والحزن ستظهر أخيراً أنها طريق الله وأحسن طريق. فعلينا التسليم لإرشاده والرجاء لخلاصه.
١٧ «قَدِ ٱرْتَدُّوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْياً ٱلْمُتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْمَنْحُوتَاتِ، ٱلْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا!».
مزمور ٩٧: ٧ وص ١: ٢٩ و٤٤: ١١ و٤٥: ١٦
قَدِ ٱرْتَدُّوا يخزى عبدة الأوثان عند خلاص شعب الله وإتمام مواعيده ونبوءاته.
١٨ «أَيُّهَا ٱلصُّمُّ ٱسْمَعُوا. أَيُّهَا ٱلْعُمْيُ ٱنْظُرُوا لِتُبْصِرُوا».
الرب يكلم شعبه إسرائيل وهم صمّ وعمي لأنهم لا يسمعون كلام الله ولا يفهمون وذلك من قساوة قلوبهم وولوعهم بالخطية والرب يأمرهم أن يسمعوا ويبصروا لأنهم عمي وصمّ بإرادتهم.
١٩، ٢٠ «١٩ مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَٱلْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ ٱلرَّبِّ؟ ٢٠ نَاظِرٌ كَثِيراً وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ ٱلأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ».
ص ٤٣: ٨ وحزقيال ١٢: ٢ ويوحنا ٩: ٣٩ و٤١ رومية ٢: ٢١
مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي عبد الرب هنا إسرائيل كأمة لأن الوصف لا يوافق المسيح ولا المختارون. وعبد الرب يجب أن يسمع ويفهم أكثر من كل الناس ولكنه أعمى أكثر من الكل حتى أنه يُسمى بالأعمى كأنه لا يوجد غيره.
كَرَسُولِي إسرائيل مرسل من الله لتنوير الأمم وهو نفسه محتاج إلى التنوير.
كَٱلْكَامِلِ إسرائيل كامل من جهة الدعوة والاختيار. والرب أعطاه الشريعة الكاملة والأنبياء حتى لا يوجد شيء يُصنع لإسرائيل والرب لم يصنعه وله قدرة كافية ومعرفة كافية ومواعيد ثابتة. غير أنه ناقص من جهة نفسه وغير كامل في الإيمان والسلوك.
٢١ «ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا».
ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ (رومية ٣: ٣) «فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللّٰهِ» أي الرب لا يخلصهم لأنه سر بهم كأنهم أبرار بل يخلصهم من أجل بره أي أمانته في تتميم مواعيده.
يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ ليس شريعة موسى فقط التي استلمها في جبل سيناء بل شريعة الرب الإجمال وهي الشريعة المذكورة في (ع ٤) «تنتظر الجزائر شريعته» فعظمها وأكرمها بانتشارها في العالم وخلاص النفوس ونجاح الكنيسة وإن كان شعبه اليهود غير مؤمنين.
٢٢ «وَلَكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ ٱصْطِيدَ فِي ٱلْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ ٱلْحُبُوسِ ٱخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْباً وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلْباً وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: رُدَّ!».
يذكر مشقات الشعب التي أصابتهم على سبيل التأديب ويذكرها بألفاظ تدل على حنو الرب وشفقته عليهم.
٢٣ - ٢٥ «٢٣ مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هٰذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ ٢٤ مَنْ دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلسَّلْبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلنَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. ٢٥ فَسَكَبَ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ ٱلْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ».
٢ملوك ٢٥: ٩ هوشع ٧: ٩
يكلم كل السامعين كلام الرب وهو طالب منهم الحكم من جهة إسرائيل. وإرميا (ص ٤٤: ١٧ - ١٩) يذكر قول اليهود الساكنين في مصر أنهم كانوا شبعوا من الخبز لما سجدوا لملكة السماوات أي عشتورث أو الزهرة ولما كفوا عن التبخير لها احتاجوا إلى كلٍّ وفنوا بالسيف والجوع. وقولهم هذا دليل على أنهم احتاجوا إلى هذا التعليم من إشعياء وهو أن مصائبهم هي من الرب فأصابتهم لانهم تركوه.
أَخْطَأْنَا النبي يقر بأنه اشترك معهم في خطاياهم.
فَأَوْقَدَتْهُ أي الحرب أوقدت إسرائيل ويشير إلى ما جاء في (٢ملوك ٢٥: ٨ - ١٠) حيث قيل أن الكلدانيين أحرقوا بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم.
فوائد للوعاظ
لا يصيح (ع ٢)
العمل بالهدوء
- الله يعمل بالهدوء في الطبيعة وأمثلة ذلك سيارات الأجرام السماوية والنمو في النباتات وفعل الشمس والندى.
- الله يعمل بالهدوء في الإنسان. مثلاً نمو جسمه من الطفولية إلى البلوغ ونمو قواه العقلية.
- الله يعمل بالهدوء في تخليص الإنسان فإن الكلمة تنغرس في القلب وتنمو والناس نيام (مرقس ٤: ٢٦) والحياة مقدمة للناس حتى يختاروها والوعاظ يطلبون من الناس أن يتصالحوا مع الله وأكثر نجاح التبشير يكون بالكلام الهادئ مع الناس أفراداً.
لتفتح عيون العمي (ع ٧)
العمى الروحي
- البعض يبصرون ولا ينتبهون كما أننا كثيراً ما نمشي في طريق وأعيننا مفتوحة غير أننا لا ننتبه ونكون كأننا لا نرى.
- البعض يرون ما يريدون أن يروه فقط مثلاً لا يرون في أعدائهم إلا النقائص ولا يرون في أصدقائهم إلا الفضائل غير أنه يوجد في الأعداء فضائل ويوجد في أصدقائهم نقائص وكذلك في البحث لا يرون إلا ما يثبت اعتقادهم الأصلي.
- العمى الروحي لا يكون إلا بإرادة الإنسان فيكون خطية بخلاف العمى الجسدي فيحتاج إلى فعل روح الله في قلبه.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُون
مضمونه:
لم يترك الله شعبه إسرائيل. وحين يؤدبهم يكون هو معهم وبعد التأديب يزيدهم فيكونون له شهوداً ويخلصهم من بابل وهذه البركات ليست لاستحقاق فيهم بل من نعمته ولإجراء مقاصده السامية.
١ «وَٱلآنَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. أَنْتَ لِي».
ع ٧ ع ٢١ وص ٤٤: ٢ و٢١ و٢٤ ص ٤٤: ٦ ص ٤٢: ٦ و٤٥: ٤
كلمة «الآن» تشير إلى علاقة هذا الأصحاح بالأصحاح السابق فإن الرب وإن سكب حمو غضبه على شعبه (ص ٤٢: ٢٥) قال «لا تخف لأني فديتك». كما قال بولس (رومية ٥: ٢٠) «حَيْثُ كَثُرَتِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱزْدَادَتِ ٱلنِّعْمَةُ».
خَالِقُكَ الله خلقهم كأمّة لما أخرجهم من مصر ونظمهم وعاهدهم وجعل مسكنه بينهم.
فَدَيْتُكَ يشير إلى فداء الأبكار (عدد ٣: ١١ - ١٣) فإن بني إسرائيل كانوا كأبكار جميع الشعوب وكما افتُدي إسرائيل بدمار ممالك كمصر وبابل وكما كان اللاويون مخصصين للرب بدل الأبكار (عدد ٣: ١٢) هكذا كان إسرائيل شعباً خاصاً للرب امتيازاً عن غيره من الشعوب.
دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ دعوة خصوصية لإسرائيل وهي غير الدعوة العمومية لكل الشعوب. وكانت هذه الدعوة الخصوصية لاستلام أقوال الله وحفظ الفرائض وانتشار الحق في العالم.
أَنْتَ لِي إسرائيل للرب لأنه خلقه ودعاه وفداه. وبما أنه خاصة الرب فالرب يحبه ويعتني به إلى الأبد.
٢ «إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي ٱلأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَٱللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ».
مزمور ٦٦: ١٢ و٩١: ٣ الخ تثنية ٣١: ٦ و٨ دانيال ٣: ٢٥ و٢٧
لا يقول الرب إنه يحفظهم من المياه أو من النار لأنهم احتاجوا إلى التأديب وهو يتمجد فيهم إذا احتملوا التأديب بالصبر والإيمان. بل يقول إنه يكون معهم في الضيقات. وهكذا كان العمود مع بني إسرائيل لما اجتازوا البحر الأحمر وكان التابوت معهم لما عبروا الأردن. وكان الرب مع شدرخ وميشخ وعبدنغو في أتون النار. والرب يسوع المسيح صار جسداً وأشبه إخوته في كل شيء وتألم مجرباً في كل شيء مثلهم بلا خطية.
٣ «لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ».
أمثال ١١: ٨ و٢١: ١٨
مُخَلِّصُكَ (انظر ٢صموئيل ٢٢: ٣) حيث دعا داود الرب مخلصاً ودعا إشعياء الرب بهذا الاسم كثيراً في القسم الثاني من نبوءته. وغلب استعمال هذا الاسم للأقنوم الثاني يسوع المسيح ولكن الله الآب هو مخلص أيضاً والروح القدس مخلص. والله واحد والمخلص واحد.
جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ يذكر الرب ثلاث ممالك وهي مصر وكوش وسبا وهي متجاورة كناية عن كل الشعوب والمعنى أن الله اختار إسرائيل وفضّله على كل الشعوب وجعل مسكنه في وسطه دون غيره من الشعوب. كإنسان يفك قطعة أرض مرهونة بدفع قطعة أخرى من الأرض.
والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» حادثة في الزمان الماضي أي موت أبكار المصريين واستبقاء أبكار إسرائيل وهلاك جيش المصريين في البحر الأحمر وخلاص جيش إسرائيل. والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» ما سيحدث أي أن الرب عيّن فيعطي لكورش الممالك المذكورة تعويضاً عن إطلاقه بني إسرائيل. فإن كمبيس بن كورش أخذ الممالك المذكورة. وكوش إلى جنوبي مصر وتحتوي على نوبيا وسنار وكردوفان وشمالي الحبش وكانت أحياناً تُطلق على كل أفريقية الواقعة جنوبي مصر. ويُظن أن سبا شمالي بلاد الحبش.
٤ «إِذْ صِرْتَ عَزِيزاً فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّماً، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاساً عِوَضَكَ وَشُعُوباً عِوَضَ نَفْسِكَ».
إن الله اختار إسرائيل دون غيره من الشعوب:
- لقضائه المطلق أي له حق أن يعمل كما يشاء.
- اختار إسرائيل كخادم لكل الأرض.
- لبني إسرائيل بعض صفات تؤهلهم لهذه الرتبة منها ميلهم إلى الدين وقبولهم التعليم وتمسكهم به وبجنسهم. والله ميّز إسرائيل عن كل الشعوب بأمرين وهما الفداء والإعلان.
٥، ٦ «٥ لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ ٱلْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ وَمِنَ ٱلْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. ٦ أَقُولُ لِلشِّمَالِ: أَعْطِ وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ».
ص ٤١: ١ و١٤ و٤٤: ٢ وإرميا ٣٠: ١٠ و١١ و٤٦: ٢٧ و٢٨
مِنَ ٱلْمَشْرِقِ (يوحنا ١١: ٥٢ ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد). والمعنى ليس فقط أن الله يجمع اليهود المشتتين في كل الجهات ويرده إلى بلادهم بل أيضاً أنه يجمع شعبه المختار يهوداً وأمماً من كل الجهات ومن أقصى الأرض إلى الإيمان الواحد.
اِيتِ بِبَنِيَّ شيّعهم الأمم في رجوعهم (عزرا ٨: ٢٢ و٣١ ونحميا ٢: ٧ و٨).
بَنَاتِي قال هذا إكراماً للجنس الضعيف لأن محبة الله واختياره لبناته كما لبنيه.
٧ «بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ».
ص ٦٣: ١٩ ويعقوب ٢: ٧ مزمور ١٠٠: ٣ وص ٢٩: ٢٣ ويوحنا ٣: ٣ و٥ و٢كورنثوس ٥: ١٧ وأفسس ٢: ١٠ ع ١
بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي الله اختار الناس ودعاهم أفراداً.
وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ الله اختار الناس لمجده وبحسب مشيئته لا بناء على أعمالهم.
خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ أي العمل كله لله من أوله إلى آخره.
٨ «أَخْرِجِ ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَٱلأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ».
ص ٦: ٩ و٤٢: ١٩ وحزقيال ١٢: ٢
ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى هو إسرائيل وهم عمي لعدم إدراكهم الروحي وقساوة قلوبهم (ص ٤٢: ١٩) ومع ذلك لهم عيون أي يعرفون كل ما عمله الله لأجلهم في القديم فيطلب الرب إخراجهم كشهود له بالمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويقول البعض أن المعنى هو أن إسرائيل كانوا عمياً ولكنهم سينتبهون ويبصرون فيكونون شهوداً للرب.
٩ «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ ٱلأُمَمِ مَعاً وَلْتَلْتَئِمِ ٱلْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهٰذَا وَيُعْلِمُنَا بِٱلأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ».
ص ٤١: ٢١ و٢٢ و٢٦
الرب دعا الأمم ليجتمعوا للمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويكون الامتحان بالأوليات أي بالنبوءات التي قد تمت. وطلب منهم أن يقدموا شهودهم ليشهدوا إن كانت أصنامهم تنبأت بشيء من الحوادث قبل حدوثه تبرروا أي أثبتوا ادعاءهم أنها آلهة وإلا فعليهم أن يسمعوا شهود الرب ويسلموا بأن شهادتهم صادقة.
١٠ «أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ».
ص ٤٤: ٨ ص ٤٢: ١ و٥٥: ٤ ص ٤١: ٤ و٤٤: ٦
أَنْتُمْ شُهُودِي الرب خاطب إسرائيل لأن عندهم الكتب المقدسة وكانوا يقدرون أن يثبتوا منها إتمام نبوءات قديمة كنبوءة موسى في (تثنية ٢٨: ٤٩ - ٥٧) «يَجْلِبُ ٱلرَّبُّ عَلَيْكَ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ الخ» ونبوءة النبي الذي أتى من يهوذا إلى بيت إيل «سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ٱبْنٌ ٱسْمُهُ يُوشِيَّا الخ» (١ملوك ١٣: ٢). ونبوءة ناثان (٢صموئيل ٧: ١٣) «أَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ». وكان يجب أن يشهدوا أيضاً بأعمال الله العجيبة ومحبته وعنايته بهم. وعلى جميع المؤمنين أن يشهدوا هكذا بما اختبروه من جودة الرب وشهادتهم تكون بسلوكهم الحسن لا بمجرد كلامهم.
وَعَبْدِي عبد الرب هنا بمعنى إسرائيل.
لِكَيْ تَعْرِفُوا هذه الشهادة مفيدة للشهود كما هي نافعة للسامعين. فإن الذي يعلّم غيره يعلّم نفسه أيضاً والذي يقوي إيمان غيره يقوي إيمان نفسه أيضاً. والغاية العظمى في هذه المحاكمة تقوية إيمان إسرائيل لا مجرد إقناع عبدة الأصنام.
قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ قال الكلدانيون إن الآلهة تصوروا قبلما تصور الإنسان أي سلموا بقولهم هذا أن آلهتهم ليسوا منذ الأزل.
١١ «أَنَا أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ».
ص ٤٥: ٢١ وهوشع ١٣: ٤
وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ الدليل الواحد على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة والدليل الآخر هو القدرة غير المحدودة في إجراء المقاصد. فالرب ليس المخبر فقط بأن شعبه سيخلصون بل هو المخلص أيضاً. ومعنى هذا القول الكامل ظهر في الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد.
١٢، ١٣ «١٢ أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَنَا ٱللّٰهُ. ١٣ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟»
تثنية ٣٢: ١٦ ومزمور ٨١: ٩ ص ٤٤: ٨ وع ١٠ مزمور ٩٠: ٢ ويوحنا ٨: ٥٨ أيوب ٩: ١٢ وص ١٤: ٢٧
وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ أي إله غريب. الرب أخبر بأنه سيخلّص شعبه من سنحاريب فخلصهم ولم يكن بينهم عبادة ظاهرة للأصنام فكان الخبر والخلاص من الرب وحده.
أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أي منذ الآن وصاعداً.
١٤ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَٱلْكِلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ».
أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ لا نستنتج من الفعل الماضي أن تاريخ هذه النبوءة كان بعد السبي لأن الأنبياء كثيراً ما يذكرون حادثة مستقبلة كأنها ماضية. والمرسل هو كورش.
وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ اتكل البابليون على أسوارهم العالية وظنوا أن أعداءهم لا يقدرون أن يدخلوا مدينتهم غير أن الدخول إلى المدينة يكون من الأبواب وفتح الأبواب يكون برفع المغاليق فإذاً كلمة «مغاليق» هنا كناية عن قوة المدينة.
سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ كانت بابل على نهر الفرات وكان تُرع بين الفرات ودجلة فكانت سفن بابل تسير في هذه الترع والأنهار وتصل إلى خليج العجم. قيل أنه كان للملك سميراميس الذي أسس مدينة بابل ثلاثة آلاف سفينة تسير في النهر وقيل أن الملك مردوخ بلادان أعد سفناً ليهرب فيها إذا انكسر بحروبه مع أشور وقيل أيضاً إن البابليين اشتهروا بالترنم والظاهر أنهم استعملوا سفنهم للتسلية وترنموا بها. فيكون معنى الآية أن الرب سيزيل المغاليق أي قوة المدينة وقوة أهلها معاً فيهربون في سفنهم التي كانت لهم سفن ترنم.
١٥ «أَنَا ٱلرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ مَلِكُكُمْ».
الرب إثباتاً لوعده ذكر صفاته أي القداسة والقدرة وحقه في إسرائيل كشعبه الخاص.
١٦، ١٧ «١٦ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْجَاعِلُ فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً وَفِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْقَوِيَّةِ مَسْلَكاً. ١٧ ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ وَٱلْفَرَسَ، ٱلْجَيْشَ وَٱلْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعاً لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ ٱنْطَفَأُوا».
خروج ١٤: ١٦ و٢٢ ومزمور ٧٧: ١٩ وص ٥١: ١٠ يشوع ٣: ١٣ و١٦ خروج ١٤: ٤ إلى ٩ و٢٥
الرب ذكّر إسرائيل بخلاصهم من مصر ولا سيما فتحه طريقاً لهم في البحر وهلاك المصريين فالبحر صار طريقاً لإسرائيل وقبراً لأعدائهم.
ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ المصريون خرجوا بإرادتهم ولتتميم مقاصدهم والرب أخرجهم لتتميم مقاصده.
كَفَتِيلَةٍ تنطفئ الفتيلة من نفس الإنسان عليها أو من هواء خفيف والرب يبيد أعداءه بنفخة فمه.
١٨ «لاَ تَذْكُرُوا ٱلأَوَّلِيَّاتِ، وَٱلْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا».
إرميا ١٦: ١٤ و٢٣: ٧
ثم قال لهم أن لا يذكروا الأوليات أي خلاصهم من مصر في القديم لأنه سيعمل أعمالاً أعظم منها ومن هذه الأعمال المستقبلة الرجوع من بابل (انظر إرميا ٢٣: ٧ و٨) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَلاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. بَلْ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ وَأَتَى بِنَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ». ونظر النبي أيضاً إلى الخلاص الروحي فقال (إرميا ٣١: ٣١) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً».
ويجب علينا أن نتذكر أعمال الله القديمة كخلاص شعبه من مصر ومن بابل وأعمال المسيح ورسله وحلول الروح القدس يوم الخمسين. غير أنه يجب أن لا نكتفي بها كأن أعمال الله انتهت بل أن ننتظر أعمالاً جديدة أعظم من الأعمال القديمة (يوحنا ١٤: ١٢).
١٩ «هَئَنَذَا صَانِعٌ أَمْراً جَدِيداً. ٱلآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً، فِي ٱلْقَفْرِ أَنْهَاراً».
٢كورنثوس ٥: ١٧ ورؤيا ٢١: ٥ خروج ١٧: ٢ وعدد ٢٠: ١١ وتثنية ٨: ١٥ ومزمور ٧٨: ١٦ وص ٣٥: ٦ و٤١: ١٨
ٱلآنَ يَنْبُتُ كان الرجوع من السبي بعد عصر إشعياء بمدة طويلة ولكنه يذكره كأنه قريب. وهكذا تكلم عن ولادة المسيح (ص ٧: ١٤) ها العذراء تحبل كأنه عن قريب يحدث أي هذه الأمور المستقبلة كانت قريبة للنبي في الرؤيا فرآها كأنها حاضرة.
٢٠ «يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ ٱلصَّحْرَاءِ، ٱلذِّئَابُ وَبَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي».
ص ٤٨: ٢١
أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ ليست أنهاراً حقيقية بل المعنى أن الرب سيُظهر قوته غير المحدودة لخلاص شعبه وعند الله كل شيء مستطاع. وإذا قلنا لسنا قادرين على العمل الذي أمامنا يقول الرب إنه يفتح لنا طريقاً ولو في قفر هذه الصعوبات. وإذا قلنا أمامنا قفر الضيق فماذا نأكل وبماذا نكتسي يقول الرب إنه يجعل في هذا القفر أنهار خيرات. والقول إن الحيوان غير الناطق يمجد الله دليل على كثرة الخيرات لأنها تكفي شعبه وذلك الحيوان أيضاً.
٢١ «هٰذَا ٱلشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي».
يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي (عزرا ٣: ٩ - ١١ ونحميا ١٢: ٢٧) حيث ذُكر تسبيحات بني إسرائيل بعد رجوعهم من السبي. والله اختار إسرائيل وفداه لمجده لا بناء على استحقاق إسرائيل ومن أعظم العجائب تجديد إسرائيل.
٢٢ «وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ».
ملاخي ١: ١٣
لَمْ تَدْعُنِي أي بالعبادة والسجود. والظاهر أن الأكثرين كانوا قد تركوا عادة الصلاة مدة السبي وإن كان البعض ظلوا عليها كدانيال.
٢٣، ٢٤ «٢٣ لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. ٢٤ لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَباً، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ».
عاموس ٥: ٢٥ خروج ٣٠: ٢٣ ونشيد الأنشاد ٤: ١٤ ص ١: ١٤ وملاخي ٢: ١٧
المحرقة والذبائح والتقدمة واللبان تجمع كل التقدمات الموسوية.
لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ يشير إلى زمان آحاز الذي أغلق أبواب بيت الرب وأبطل التقدمات. أو إلى تقديم تقدمات بلا عبادة قلبية فكانت كأنها لم تقدّم. والأرجح أن القول يشير إلى إبطال التقدمات في زمان السبي وكان الإسرائيليون معذورين لعدم إمكانهم فلا يلومهم الرب بل يقول «لم أستخدمك» أي لم يطلب منهم ما لا يقدرون أن يقدموه. ولكنهم عوضاً عن ذلك أن يقدموا له ذبيحة التسبيح ثمر شفاه معترفة باسمه (عبرانيين ١٣: ١٥) استخدموه بخطاياهم فكانت الخطايا عوضاً عن الخدمة وما يغيظ الرب عوضاً عما يرضيه.
قَصَباً كانوا يركبون من القصب الدهن المقدس لمسح خيمة الاجتماع وآنيتها والكهنة (خروج ٣٠: ٢٣) والقصب يُجلب من الهند وبلاد العرب فقيل «لم تشتر لي بفضة قصباً».
لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ أي أحزنوا الرب برفضهم إياه وعبادتهم للأصنام ووضعوا عليه عمل الخلاص من بابل وعمل الفداء من الخطية والأصحاح ٥٣ يُظهر لنا عبد الرب أي المسيح الذي حمل آثامنا وضُرب من أجل ذنب شعبه.
٢٥ «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا».
ص ٤٤: ٢٢ و٤٨: ٩ وإرميا ٥٠: ٢٠ وأعمال ٣: ١٩ حزقيال ٣٦: ٢٢ الخ ص ١: ١٨ وإرميا ٣١: ٣٤
الرب يذكر خطاياهم هنا ليفهموا أن اختيارهم ليس مبنياً على أعمالهم. كأن تلميذاً عمل عملاً على لوحه وقدمه لمعلمه وكله غلط فمحا المعلم الكل وقال إنك لا تستحق الجائزة ولكني أعطيك إياها كهبة. وتكرار كلمة «أنا» هو للتشديد لأنه لا يوجد غير الله يغفر هكذا. ويتضح من ص ٥٣ أن هذا الغفران التام المجاني يكون بواسطة المسيح الذي قد وضع الرب عليه إثم جميعنا.
٢٦ «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعاً. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ».
ذَكِّرْنِي الرب يعرف كل شيء فلم يقدروا أن يذكروه بشيء كان نسيه. وليس لهم عذر في خطاياهم وليس لهم أعمال صالحة فيذكرونها أمام الرب. فتكون المحاكمة قد كملت ولا يُنتظر بعد إلا الحكم النهائي. ولكنهم يقدرون أن يذكروا الرب بمواعيده وبمجد اسمه. وهكذا كانت صلاة يعقوب وموسى وداود وجميع الأتقياء.
٢٧، ٢٨ «٢٧ أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. ٢٨ فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى ٱللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلشَّتَائِمِ».
ملاخي ٢: ٧ و٨ ص ٤٧: ٦ ومراثي ٢: ٢ و٦ و٧ مزمور ٧٩: ٥ وإرميا ٢٤: ٩ ودانيال ٩: ١١ وزكريا ٨: ١٣
أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ يجوز أن يكون آدم أو إبراهيم والأرجح أنه يعقوب لأن الآب الذي أخذ اليهود اسمهم منه «إسرائيليون» أو «بنو إسرائيل». وخطية يعقوب الخصوصية هي أخذه البركة من أبيه إسحاق بالخديعة. وعواقب هذه الخطية ظهرت في كل حياته لأنه بسببها وقع عداوة بينه وبين أخيه عيسو وهرب إلى فدان آرام وخدم خاله لابان وفي شيخوخته خدعه أولاده في أمر ابنه المحبوب يوسف.
وُسَطَاؤُكَ الأنبياء والكهنة (إرميا ٢٣: ١١).
رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ الكهنة (١أيام ٢٤: ٥) والرب دنسهم لما سلمهم للسبي.
فوائد للوعاظ
أنت لي (ع ١)
نحن لله
- لأنه خلقنا وأعطانا قوانا الجسدية والعقلية.
- لأنه حفظنا واعتنى بنا ودبر حياتنا من ولادتنا إلى اليوم.
- لأنه افتدانا واشترانا بدمه.
ويكون بما أننا له
- إنه يحبنا كأولاده.
- إنه يحامي عنا كخاصته.
- إنه يطلب منا المحبة والثقة به والطاعة له.
تعزية في الضيق (ع ٢)
- الضيق لا يمنع التقدم. «اجتزت في المياه» أي المياه لا تقدر أن تردك ولا تقدر أن توقف سيرك. والضيق وقتي فقط كعبور نهر.
- الضيق يقربنا إلى المسيح. فإنه مع المجتازين في المياه وهو تجرب وتألم. ويمكننا أن نجد المسيح نوعاً في الضيقات.
- الضيق لا يميت . فإن غاية الرب في التأديب حياتنا لا موتنا وخلاصنا لا هلاكنا. والضيقات مما ينشئ ويقوي الحياة الروحية.
الشهود (ع ٨ إلى ١١)
أولاً: الشهود للرب ومنهم
- شعب الله القديم فإنهم شهدوا أن الله واحد فقط وهو خالق الكل والقادر على كل شيء والقدوس وهو روح لا يُرى.
- الكنيسة المسيحية فإنها تشهد بعمل الفداء وعمل الروح القدس وهكذا يكمل الثالوث الأقدس. وهي تشهد أيضاً لمحبة الله الظاهرة في المسيح ومحبته لكل العالم.
- المسيح فإنه شهد للآب بكلامه وسلوكه بلا خطية وطاعته.
ثانيا: الشهود على الرب ومنهم
- الوثنيون. فإنهم يمثلونه بالناس والبهائم والأصنام.
- الكفار وجميع الذين ينكرون وجود الله بكلامهم أو بسلوكهم وينكرون كتابه أو يحرّفونه.
- المسيحيون بالاسم فقط الذين لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها (٢تيموثاوس ٣: ٥).
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون
مضمونه:
نبؤة بانسكاب الروح القدس والبركات الناتجة عنه والتصريح بسمو الرب وبطل الأصنام والوعد بالغفران والخلاص والإنباء برجوع اليهود بواسطة كورش.
١، ٢ «١ وَٱلآنَ ٱسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي وَإِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ. ٢ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ وَيَا يَشُورُونُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ».
ع ٢١ وص ٤١: ٨ و٤٣: ١ وإرميا ٣٠: ١٠ و٤٦: ٢٧ و٢٨ ص ٤٣: ١ و٧ تثنية ٣٢: ١٥
عبد الرب هنا المختارون وليس جميع اليهود.
صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلرَّحِمِ الرب خالقهم أفراداً ولكنه يشير هنا إلى إفراز إسرائيل شعباً عند خروجهم من مصر. والبركات السابقة هي عربون بركات جديدة.
يَشُورُونُ دعي إسرائيل بهذا الاسم أربع مرات في الكتاب المقدس (تثنية ٣٢: ١٥ و٣٣: ٥ و٢٦) ومعناه الأصلي «المستقيم» فيشير إلى المحبة والاعتبار وأما استقامة إسرائيل فهي الاستقامة الواجبة أو الاستقامة المحسوبة لهم وليست الاستقامة بالفعل. لشعب الله ثلاثة أسماء وهي:
- يعقوب أي القائم مقام أخيه.
- إسرائيل أي الذي جاهد الله بالصلاة وقدر.
- يشورون أي المستقيم.
٣ «لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ».
ص ٣٥: ٧ ويوئيل ٢: ٢٨ ويوحنا ٧: ٣٨ وأعمال ٢: ١٨
لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً المراد بالماء هنا الروح القدس كما يظهر من الكلام الآتي «أسكب روحي». والروح يشبه الماء في أربعة أمور:
- إنه نزل من فوق كالمطر.
- إنه يطهّر القلوب كالماء للجسد.
- إنه يحيي إحياء الماء للأرض اليابسة ويُكثر الأثمار الروحية في القلوب القاسية.
- إنه يحل على البشر بالقوة والكثرة كالمطر الغزير (يوحنا ٧: ٣٧ - ٣٩) والوعد بانسكاب الروح القدس هو للذين يسألونه (يوحنا ١١: ١٣).
عَلَى نَسْلِكَ يشير إلى داوم البركة الموعود بها. وأما النسل فهو أولاد يعقوب بالإيمان لا مجرد نسله حسب الجسد. وهنا أيضاً وعد ثمين للوالدين فلا يمكنهم أن يطلبوا لأولادهم بركة أعظم من عطية الروح القدس وهي العطية التي تشمل كل العطايا الصالحة.
٤ «فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ ٱلْعُشْبِ مِثْلَ ٱلصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي ٱلْمِيَاهِ».
فَيَنْبُتُونَ يشير إلى النتائج الروحية الوافرة بفعل الروح فهي كأثمار أشجار في أرض كثيرة الماء.
٥ «هٰذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ وَهٰذَا يُكَنِّي بِٱسْمِ يَعْقُوبَ، وَهٰذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ، وَبِٱسْمِ إِسْرَائِيلَ يُلَقِّبُ».
هٰذَا يَقُولُ أَنَا لِلرَّبِّ نستنتج أنه يجب على كل مؤمن بالمسيح أولاً أنه يقف نفسه تماماً للرب ويتعاهد بأنه يعمل ويحتمل ويتكلم كما يأمره الرب. ثم يقول أمام الناس إنه للرب وإنه قاصد خدمته الكاملة. فيجب أن لا ننسى هذه العهود الخطيرة التي بينه وبين الرب وبينه وبين شعب الله.
يُكَنِّي بِٱسْمِ يَعْقُوبَ انضمام الأمم ودعوتهم باسم يعقوب يشير إلى انضمام المؤمنين إلى الكنيسة ودعوتهم باسم المسيح. فإن المؤمنين ينسون نسبتهم إلى أب أو إلى بلاد ويفتخرون بالاسم «مسيحي» أي نسبتهم إلى المسيح ونسبتهم بعضهم إلى بعض (غلاطية ٣: ٢٨).
وَهٰذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ وبالأصل كلمة «يده» بلا حرف الجر فمن المحتمل المعنى أنه يكتب على يده (ص ٤٩: ١٦) «هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ» و(غلاطية ٦: ١٧) «لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» و(رؤيا ٧: ٣) «حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلٰهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ». لاحظ صيغة المفرد «أنا للرب... يكتب بيده» أي يكون انضمام المؤمنين إلى الكنيسة أفراداً وبموجب عهد خصوصي بين كل منهم وبين ربه. واعلم أن انضمام المريض إلى جماعة الأصحاء لا يجعله صحيحاً وانضمام المذنب إلى جماعة الأبرار لا يجعله باراً.
٦ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ: أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلٰهَ غَيْرِي».
ع ٢٤ وص ٤٣: ١ و١٤ ص ٤١: ٤ و٤٨: ١٢ ورؤيا ١: ٨ و١٧ و٢٢: ١٣
ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فيحق له السجود والطاعة وهو فاديه أيضاً فصار مقتنى الرب.
رَبُّ ٱلْجُنُودِ (ص ١: ٩).
لاَ إِلٰهَ غَيْرِي هذا موضوع الكلام الآتي (ع ٦ - ٢٠).
٧ «وَمَنْ مِثْلِي يُنَادِي فَلْيُخْبِرْ بِهِ وَيَعْرِضْهُ لِي مُنْذُ وَضَعْتُ ٱلشَّعْبَ ٱلْقَدِيمَ. وَٱلْمُسْتَقْبَلاَتُ وَمَا سَيَأْتِي لِيُخْبِرُوهُمْ بِهَا».
ص ٤١: ٤ و٢٢ و٤٥: ٢١
المعنى من مثلي ينادي بما سيحدث وإذا وُجد أحد فليخبر به أي بما سيحدث ويعرضه لي وأنا أنادي بواسطة الأنبياء منذ خلق الإنسان الأول ووضع الشعوب في العالم. والمطلوب من الأصنام أن يقدموا لي نبوءات كاذبة بل نبوءات بما سيأتي.
٨ «لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلٰهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا».
ص ٤١: ٢٢ ص ٤٣: ١٠ و١٢ تثنية ٤: ٣٥ و٣٩ و٣٢: ٣٩ و١صموئيل ٢: ٢ و٢صموئيل ٢٢: ٣٢ وص ٤٥: ٥ تثنية ٣٢: ٤
لاَ تَرْتَعِبُوا من دمار الممالك الوثنية لأن هذا كله من الله وبموجب علمه السابق وقضائه.
وَلاَ صَخْرَةَ (ص ١٧: ١٠) الأصنام تغش كل من يتكل عليها لأن ليس لها قوة ولا ثبات ولا وجود.
لاَ أَعْلَمُ بِهَا التي لا يعلم الله بها ليس لها وجود.
٩ «ٱلَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَماً كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَمُشْتَهَيَاتُهُمْ لاَ تَنْفَعُ، وَشُهُودُهُمْ هِيَ. لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَعْرِفُ حَتَّى تَخْزَى».
ص ٤١: ٢٤ و٢٩ مزمور ١١٥: ٤ الخ
كُلُّهُمْ بَاطِلٌ هم بشر فقط ومحدودو القدرة والمعرفة والبقاء فكم بالحري صنعة أيديهم. الوثنيون الفاهمون والذين يستعملون الصور والتماثيل يقولون إنهم لا يعتبرون نفس الصورة أو التمثال بل هي واسطة تساعدهم في عبادة الإله غير المنظور. والوثنيون بعدما يصنعون صنماً يصلون عليه فيحل فيه روح إلههم. فلذلك أضاف الله إلى الوصية الأولى الوصية الثانية التي تنهي عن استعمال الصور والتماثيل في العبادة مطلقاً فإن ما ينظره الإنسان ويقبّله ويركع أمامه ويبخر له فهو إلهه مهما قال الفلاسفة واللاهوتيين.
مُشْتَهَيَاتُهُمْ الأصنام التي تعبوا فيها وزينوها وقدموا لها تقدمات ثمينة واتكلوا عليها فهذه الأصنام لا تنفعهم.
وَشُهُودُهُمْ هِيَ الأصنام تشهد على نفسها.
حَتَّى تَخْزَى أي عبدة الأصنام لا الأصنام نفسها لأنها لا تبصر ولا تعرف فالساجدون لها يخزون.
١٠، ١١ «١٠ مَنْ صَوَّرَ إِلٰهاً وَسَبَكَ صَنَماً لِغَيْرِ نَفْعٍ؟ ١١ هَا كُلُّ أَصْحَابِهِ يَخْزَوْنَ وَٱلصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ ٱلنَّاسِ. يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ، يَقِفُونَ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعاً».
إرميا ١٠: ٥ وحبقوق ٢: ١٨ مزمور ٩٧: ٧ وص ١: ٢٩ و٤٢: ١٧ و٤٥: ١٦
صَوَّرَ... وَسَبَكَ أولاً سكبوا الصنم من معدن كالفضة أو الذهب ثم صوروه بالإزميل (خروج ٣٢: ٤).
كُلُّ أَصْحَابِهِ أصحاب الصنم هم الساجدون له. كانوا أصحابه وهو لهم وأما الإله الحقيقي فهو صاحبنا ونحن له. كانوا يقدمون ذبيحة أو تقدمة ثم يجلسون ويأكلون مما كانوا قدموه له أي أكلوا من مائدته واشتركوا فيها (١كورنثوس ١٠: ٢٠).
١٢ «طَبَعَ ٱلْحَدِيدَ قَدُوماً، وَعَمِلَ فِي ٱلْفَحْمِ، وَبِالْمَطَارِقِ يُصَوِّرُهُ فَيَصْنَعُهُ بِذِرَاعِ قُوَّتِهِ. يَجُوعُ أَيْضاً فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ. لَمْ يَشْرَبْ مَاءً وَقَدْ تَعِبَ».
ص ٤٠: ١٩ و٤١: ٦ وإرميا ١٠: ٣ الخ
صنع الصنم أولاً عمل آلاته من الحديد وتعب في عمله وجاع وعطش أي هو إنسان ضعيف ذو جسد فانٍ فكم بالحري صنعة يديه. وعادة بعض الوثنيين أنهم حينما يصنعون صنماً لا يأكلون ولا يشربون حتى يكملوا عمله.
١٣ «نَجَّرَ خَشَباً. مَدَّ ٱلْخَيْطَ. بِٱلْمِخْرَزِ يُعَلِّمُهُ، يَصْنَعُهُ بِٱلأَزَامِيلِ، وَبِالدَّوَّارَةِ يَرْسِمُهُ. فَيَصْنَعُهُ كَشَبَهِ رَجُلٍ، كَجَمَالِ إِنْسَانٍ، لِيَسْكُنَ فِي ٱلْبَيْتِ!».
بعدما أكمل الآلة بنجر الخشب ووصف عمله بالتدقيق لبيان بطل الصنم الذي أصله من الخشب وعملته يد الإنسان كشبه رجل وكبرته على قياس الخيط وجماله من المخرز والإزميل والدوارة. صنع الله الإنسان على صورته فأكرمه وأما الإنسان فصنع الله على صورته فأهانه.
كَجَمَالِ إِنْسَانٍ بعض الوثنيين ولا سيما اليونان اشتهروا بجمال تماثيلهم فلم يوجد أجمل منها ولا مثلها إلى هذا اليوم. وأما جمال التمثال والصورة فهو جمال جسدي فقط والساجدون له هم جسديون ودنسون ومغلوبو الشهوات وفاقدو الحياة الروحية.
لِيَسْكُنَ فِي ٱلْبَيْتِ بيت الصنم أي هيكله أو بيت الإنسان فيصير إلهاً له ولعياله وهو في البيت فلا يقدر أن يخرج منه ليعمل خيراً أو شراً.
١٤ - ١٧ «١٤ قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزاً وَأَخَذَ سِنْدِيَاناً وَبَلُّوطاً، وَٱخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَشْجَارِ ٱلْوَعْرِ. غَرَسَ سَنُوبَراً وَٱلْمَطَرُ يُنْمِيهِ. ١٥ فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ لِلإِيقَادِ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضاً وَيَخْبِزُ خُبْزاً، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلٰهاً فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَماً وَخَرَّ لَهُ. ١٦ نِصْفُهُ أَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ. عَلَى نِصْفِهِ يَأْكُلُ لَحْماً. يَشْوِي مَشْوِيّاً وَيَشْبَعُ! يَتَدَفَّأُ أَيْضاً وَيَقُولُ: بَخْ! قَدْ تَدَفَّأْتُ. رَأَيْتُ نَاراً. ١٧ وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلٰهاً، صَنَماً لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلٰهِي».
غَرَسَ سَنُوبَراً الإنسان غرس الصنوبر الذي سيكون إلهاً.
وَٱلْمَطَرُ يُنْمِيهِ والمطر من الله وهو الذي خلق المواد التي منها صُنعت الأصنام. والأشرار يقاومون الله بالقوة التي نالوها منه. وأبان بعض مؤلفي الوثنيين بطل عبادة الأصنام بكلام يشبه كلام إشعياء غير أنهم لم يعرفوه ولا عرفوا الإله الحقيقي قال هورس الشاعر اللاتيني إن حطاباً قطع شجرة ثم جلس ليفتكر هل يصنع منها كرسياً أو يعمل إلهاً. وقال مرشل إن إنساناً وضع صنماً في أجمته ليحفظها من السرقة وقال للصنم «إن لم تحفظ هذه الأجمة جيداً فأنا أحرقك». ليس كل تمثال صنماً لأن التمثال لا يصير صنماً إلا بالسجود له وكل ما نسجد له غير الله فهو صنم. وأمثلة ذلك المال والمجد العالمي والعلوم وكل ما نجعله في مكان الله.
١٨، ١٩ «١٨ لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ ٱلإِبْصَارِ وَقُلُوبُهُمْ عَنِ ٱلتَّعَقُّلِ. ١٩ وَلاَ يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: نِصْفَهُ قَدْ أَحْرَقْتُ بِٱلنَّارِ، وَخَبَزْتُ أَيْضاً عَلَى جَمْرِهِ خُبْزاً، شَوَيْتُ لَحْماً وَأَكَلْتُ. أَفَأَصْنَعُ بَقِيَّتَهُ رِجْساً وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟».
ص ٤٥: ٢٠ ٢وتسالونيكي ٢: ١١ ص ٤٦: ٨
وسبب هذه الغباوة ليس ضعف العقل أو قلة المعرفة لأن بعض الوثنيين كانوا حكماء وفهماء بل قساوة القلب ومحبة الخطية لأن الناس لا يريدون أن يعرفوا الإله الطاهر القدوس الذي لا يرضى بالخطية فيغمضون عيونهم ويقسون قلوبهم بإرادتهم.
٢٠ «يَرْعَى رَمَاداً. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟».
هوشع ٤: ١٣ ورومية ١: ٢١ و٢تسالونيكي ٢: ١١
يَرْعَى رَمَاداً (هوشع ١٢: ١ «أَفْرَايِمُ رَاعِي ٱلرِّيحِ») أشار بهذا إلى من ينتظر ما يلتذ به ويشبع منه ولا يجد إلا المرارة والضيق والموت.
فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ عبادة الأصنام شر عبودية فإن الوثنيين يخافون من الأرواح الشريرة ومن الطبيعة ومن الموت ويتعذبون من الضمير ومن تسلط الشهوات ولا يقدرون أن ينجوا أنفسهم.
كَذِبٌ فِي يَمِينِي أي غلط في الأمور الجوهرية.
٢١، ٢٢ «٢١ اُذْكُرْ هٰذِهِ يَا يَعْقُوبُ، يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَى مِنِّي. ٢٢ قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ».
ع ١ و٢ ص ٤٣: ٢٥ ص ٤٣: ١ و٤٨: ٢٠ و١كورنثوس ٦: ٢٠ و١بطرس ١: ١٨ و١٩
اُذْكُرْ هٰذِهِ يَا يَعْقُوبُ على إسرائيل أن يذكر بطل الاتكال على الأصنام ويذكر أيضاً نسبته إلى الله أي أنه عبد الله. إن الإنسان لا ينسى ما له كاملاً وأولاده ويعقوب عبد الرب فلا ينساه الرب.
لاَ تُنْسَى مِنِّي وأما الشعب فظنوا أنه نسيهم وتركهم بسبب خطاياهم.
قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ الذنوب كالغيم في خمسة أمور:
- إنها كثيرة.
- إنها فاصلة بين الله والناس كالغيم بين الشمس والأرض.
- إنها من تحت ومن الأرض أي من الإنسان لا من الله.
- إنها تجلب على الإنسان غضب الله كالرعود والبروق من الغيم.
- إن الله يزيلها كما يزيل ضوء الشمس الغيم.
اِرْجِعْ إِلَيَّ عليهم أولاً أن يرجعوا إلى الله فيرجعهم إلى أرضهم. ولهم ثقة به عند رجوعهم إليه لأنه فداهم فالأولى أن يرجع الخاطئ في أيامنا إلى الله بالتوبة وله ثقة لأن المسيح مات لأجله.
٢٣ «تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ ٱلأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا ٱلْجِبَالُ تَرَنُّماً، ٱلْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ».
مزمور ٦٩: ٣٤ و٩٦: ١١ و١٢ وص ٤٢: ١٠ و٤٩: ١٣ وإرميا ٥١: ٤٨ ورؤيا ١٨: ٢٠
لا فرح كالفرح برجوع الخطأة إلى الله. يفرح الملائكة بخاطئ واحد يتوب فكم يفرحون برجوع شعب كثير.
٢٤، ٢٥ «٢٤ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلْبَطْنِ: أَنَا ٱلرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحْدِي. بَاسِطٌ ٱلأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟ ٢٥ مُبَطِّلٌ آيَاتِ ٱلْمُخَادِعِينَ وَمُحَمِّقٌ ٱلْعَرَّافِينَ. مُرَجِّعٌ ٱلْحُكَمَاءَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَمُجَهِّلٌ مَعْرِفَتَهُمْ».
ص ٤٣: ١٤ وع ٦ ص ٤٣: ١ أيوب ٩: ٨ ومزمور ١٠٤: ٢ وص ٤٠: ٢٢ و٤٢: ٥ و٤٥: ١٢ و٥١: ١٣ ص ٤٧: ١٣ إرميا ٥٠: ٣٦ و١كورنثوس ١: ٢٠
مُبَطِّلٌ آيَاتِ ٱلْمُخَادِعِينَ كلما يحدث يوافق أقوال الرب تماماً ويكذب أقوال العرافين.
مُرَجِّعٌ ٱلْحُكَمَاءَ أي المدعين الحكمة.
٢٦ - ٢٨ «٢٦ مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ، وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ. ٱلْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ، وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. ٢٧ ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: ٱنْشَفِي وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. ٢٨ ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ».
زكريا ١: ٦ إرميا ٥٠: ٣٨ و٥١: ٣٢ و٣٦ و٢أيام ٣٦: ٢٢ و٢٣ وعزرا ١: ١ الخ وص ٤٥: ١٣
مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ أي نبوءات إشعياء وغيره من الأنبياء.
رُسُلِهِ الأنبياء كإرميا (إرميا ٢٩: ١٠ - ١٤) وحزقيال (حزقيال ٣٩: ٢٥ - ٢٨) ويوئيل (يوئيل ٣: ١) وعاموس (عاموس ٩: ١٤) وعوبديا (عوبديا ٢) وميخا (ميخا ٤: ١٠) وصفنيا ٣: ١٤ - ٢٠).
ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ أي نهر الفرات الذي نشفه كورش لما أخذ بابل وهذا عمل الله لأنه أنهض كورش وأرسله.
ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ الرب ذكر كورش باسمه قبلما ملك بما ينيف على مئة سنة. يغلب أن النبوءات تكشف عن المستقبل بعبارات غامضة كما ينظر إنسان منظراً بعيداً فيميز الأمور الكبيرة فقط كالجبال والسهول والأنهر والمدن ولا يقدر أن يميز الأشياء فرداً فرداً. وشذ عن هذا القياس ذكر اسم يوشيا (١ملوك ١٣: ٢) قبلما وُلد بمدة ثلاث مئة سنة وذكر اسم كورش هنا (انظر أيضاً دانيال ص ١١). ولعل الرب ذكر اسم كورش على أنه الإله الحقيقي فلا أحد من الأصنام ولا من العرافين والحكماء يقدر أن يعمل شيئاً مثل ذلك. قال يوسيفوس إن كورش عرف هذه النبوءة وأشار إليها في ندائه بقوله «ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلسَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي الخ» (عزرا ١: ٢). وكان دانيال النبي في بابل لما أخذها كورش ولعل كورش تعرف به وسمع منه هذه النبوءات فإن دانيال كان إنساناً مشهوراً ومعتبراً ومشيراً للملوك.
كُورَشَ رَاعِيَّ قيل إن كورش أحب هذا اللقب وقال إنه يجب على الملك أن يكون راعياً صالحاً وكان كورش راعياً للرب لأنه اعتنى بشعب الله وأحسن إليهم فكان عمله هذا عكس المنتظر من ملك وثني وبخلاف ما عمله سلفاؤه ملوك بابل وأشور الظالمون.
فوائد للوعاظ
لا يعرفون ولا يفهمون (ع ١٨)
مطابقة الدين الحقيقي للعقل
- اعترض بعض العلماء على الذين بقولهم أنه يوافق البسطاء وأما العلماء والفهماء فلا يقدرون أن يصدقوه.
- جميع الذين يرفضون الدين الحق يُستعبدون للخرافات والأباطيل فيرفضون العبادة الروحية ويقبلون تعليم الناس ويرفضون شفاعة المسيح ويقبلون شفاعة بني البشر ويرفضون الخلاص بالمسيح ويطلبون الخلاص بواسطة السحر والشعوذة الخ.
- شهادة أفضل العلماء في أيامنا وفي كل جيل للدين وخضوعهم له. إنه في الدين أمور كثيرة تفوق العقل ولا شيء يخالفه.
يرعى رماداً (ع ٢٠)
رماد وخبز
- تجوع النفس كما يجوع الجسد وللجسد طعام وللنفس طعام. وجوع النفس هو إلى المعرفة والقداسة والسعادة.
- لا تتقوت النفس بما للجسد كالمأكولات والملبوسات والمال والمجد العالمي فإن هذه الخيرات وإن كانت تناسب الجسد هي رماد النفس. ولا تتقوت النفس من الكذب كالتعليم الذي ينفي وجود الله والآخرة أو عقاب الخطية أو المسيح باعتبار كونه فادياً وشفيعاً.
- الخبز الحقيقي هو المسيح الذي يحل بالإيمان في القلب. وهذا الخبز خبز مكسور أي المسيح مات ليعطينا الحياة.
لا يقول أليس كذب في يميني (ع ٢٠)
- الكذب في اليد وليس في الفم أي كثيرون يتكلمون كلاماً صالحاً ويعملون أعمالاً رديئة.
- الكذب في اليمين وهي اليد التي يتكل الناس عليها. فيكون الكذب جوهر كل ما يعملونه وأساس رجائهم.
- الكذب في اليد التي تكتب مقالات الطعن والكفر والقبائح واليد التي تضرب لمقاومة الحق.
- ليكن في اليمين سيف الروح الذي هو كلمة الله بدلاً من الكذب.