المقدمة
في الكاتب
الأدلة صريحة وكثيرة على أن كاتب هذا السفر الذي يدعو نفسه يوحنا هو يوحنا الرسول ابن زبدي التلميذ المحبوب كاتب البشارة الرابعة والرسائل الثلاث. وهذه الأدلة خارجية وداخلية. فمن الخارجية إجماع المؤرخين المسيحيين في عصور الكنيسة الأولى الذين هم أقرب الناس من عصره على أنه هو كاتب هذا السفر.
ومنها إن ما ذُكر في شأن كاتب هذا السفر على وفق تاريخ الرسول المعلوم وهو ثلاثة أمور:
- الأول: إن اسمه يوحنا.
- الثاني: إنه كان معروفاً ومعتبراً بين كنائس أسيا الصغرى.
- الثالث: إنه كان منفياً في بطمس من أجل شهادته للمسيح. فإنه معلوم من تاريخ ذلك العصر أن يوحنا الرسول تقضت عليه السنون الأخيرة من حياته في خدمة تلك الكنائس وإنه سكن مدة طويلة في قصبتها أفسس وإنه مات هناك. وعُرف من التواريخ المعاصرة إنه كان منفياً في بطمس بأمر الأمبراطور دوميتيانس.
ومن الأدلة الداخلية أن أسلوب كتابة هذا السفر كأسلوب كتابة البشارة الرابعة والرسائل الثلاث المنسوبة إلى يوحنا الرسول وذكر كلمات مختصة به منها تسمية المسيح «بالكلمة» (ص ١٩: ١٣ ويوحنا ١: ١ و١يوحنا ١: ١) ومنها استعماله مادة «الغلبة» (ص ٢: ٧ و١١ و١٧ و٢٦ و٣: ٥ و١٢ و٢١ و١٢: ١١ و١٥: ٢ و١٧: ١٤ و٢١: ٧ ويوحنا ١٦: ٣٣ و١يوحنا ٢: ١٣ و١٤ و٤: ٤ و٥: ٤). ولفظة «الحق» ذُكرت في هذا السفر عشر مرات وفي البشارة الرابعة تسع مرات وفي رسالته الأولى أربع مرات. ولفظة «خروف» ذُكرت في هذه السفر ٢٩ مرة كاسم من أسماء يسوع وذُكرت لفظة حمل كاسم ليسوع في (يوحنا ١: ٢٩ و٣٦) ولم تُذكر في غيره من أسفار العهد الجديد بهذا المعنى غير أن يسوع شُبه بحمل في (أعمال ٨: ٣٢ و١بطرس ١: ١٩). قابل ما قيل في المن (رؤيا ٢: ١٧) بما قيل في (يوحنا ٦: ٤٨ و٥٨) ولم يُذكر المن في العهد الجديد إلا في هذين السفرين وفي (عبرانيين ٩: ٤). وهكذا ما قيل في ماء الحياة (قابل رؤيا ٢١: ٦ و٢٢: ١ و١٧ بيوحنا ٧: ٣٧).
وينكر البعض أن يوحنا الذي ألّف البشارة الرابعة هو مؤلف سفر الرؤيا ويسندون قولهم على ما يظهر من الفرق بين نفس البشارة ونفس الرؤيا.
والبعض منهم يفترضون مؤلفاً اسمه يوحنا الشيخ سكن في غربي أسيا الصغرى والبعض يكتفون بالقول أن المؤلف مجهول.
وذكر يوحنا اسمه في هذا السفر ولم يذكره في البشارة والرسائل الثلاث لأسباب كافية فإن غايته من البشارة تعظيم اسم المسيح فلم يرَ من داع لذكر اسمه ووفرة الاضطهاد يوم كتب رسائله والخطر عليه وعلى الذين كتب إليهم منع من ذكر اسمه. ولكن إذا كان سفر الرؤيا نبوءة كان من الضروري أن يُذكر اسم كاتبه وأن يكون الكاتب مشهوراً لكي يثق القراء بصحته. ولما كتب سفر الرؤيا كان قد أُطلق من منفاه على ما يرجّح وبطلت الاضطهادات حتى لم يبقَ خوف.
في زمان كتابة هذا السفر ومكانها
مما ذُكر في هذا السفر (ص ١: ٩) يتضح أنه إما كُتب في بطمس أو بعد إطلاق يوحنا وإقامته بأفسس. أما بطمس فهي جزيرة في بحر الروم ومن مجموع جزائر سبوراديس وهي على أمد ٢٤ ميلاً من شاطئ أسيا الصغرى واسمها الآن باتينو محيطها نحو ٢٥ ميلاً وسكانها اليوم نحو ٦٠٠ نفس وأرضها جبلية جدبة وفي بعض جبالها كهف يقول سكان الجزيرة أنه كان مسكن يوحنا أيام نفيه إليها. واختلف المفسرون في زمان كتابة هذا السفر لأن بعضهم ذهب إلى أن يوحنا نُفي في زمن نيرون فزمن كتابتها على ذلك قبل خراب أورشليم أو نحو السنة ٦٨ ب م. ولكن ذهب الجمهور إلى أنه نفي بأمر دوميتيانس فزمن كتابتها على هذا السنة ٩٥ أو ٩٦ ب. م. وقال الذين ذهبوا إلى أنه كُتب قبل خراب أورشليم لأنه ذكر فيه مدينة أورشليم والهيكل (ص ١١: ١) والاثني عشر سبطاً كأنهم لم يزالوا ممتازين (ص ٧: ٤ - ٨) ولكن هذا الرأي مبني على فرض لا نسلم به وهو أن يوحنا قصد مدينة أورشليم الحقيقية والأسباط الحقيقيين وهذا لم يثبت بدليلٍ.
في الذين كُتب هذا السفر إليهم
يظهر من نص السفر أنه كُتب إلى السبع الكنائس في أسيا أولاً لكن الإشارات كثيرة واضحة على أنه قصد به نفع كنيسة المسيح كلها لأن المواعيد وأقوال المسيح فيها موافقة لكل الكنيسة وأن مواضيع نبوآته عامة وكذا إنذاراته وتعزياته. وتلك المواضيع متفرقة في أزمنة طويلة وهذا دليل قاطع على أن هذا الكتاب كُتب لتعزية المسيحيين في كل عصر. وإنه وُجه إلى كنائس أسيا السبع كأنها نائبة عن كل كنيسة الله في كل عصر. ولا ريب في أن كنائس أسيا التي خدمها يوحنا كانت أكثر من سبع ولكنه اختار العدد الذي هو سبعة لأنه عدد كامل يشمل كل الكنائس. واختار كنائس أسيا لأنها بأحوالها وضيقاتها وتجاربها وفضائلها وواجباتها الخ كانت أهلاً لأن تنوب في ذلك كله عن كنيسة المسيح بأسرها في كل زمان ومكان. ولم يكن من سبب لأن تكون تلك الكنائس ستاً أو ثمانياً إلا أن السابع عدد كامل ينوب عن كل الكنائس وإن الروح القدس لم يختر الكنائس المسيحية المشهورة ككنيسة اسكندرية وكنيسة أنطاكية وكنيسة رومية إلا لأن كنائس أسيا في أحوال تجعلها أهلاً لأن تكون نائبة عن كل الكنائس حتى لا تكون كنيسة في كل مستقبل تاريخ الكنيسة المسيحية في حال النمو أو الفناء عرضة لتجارب الرخاء أو تجارب الشدة إلا ولها من تلك الكنائس السبع مثال. فاختار الروح القدس كنيسة أفسس مثالاً لغيرها لأنها كانت راغبة في انتشار الإنجبل لكنها فقدت محبتها لسيدها وكنيسة سميرنا لأنها أمينة وغنية في الأعمال الصالحة مع كونها في ضيق وعرضة للموت. وكنيسة ساردس لكونها متوانية. وكنيسة لاودكية لكونها غنية ومفتخرة لكنها فاترة في حب الحق غافلة عن فقرها الروحي. وكنيسة فيلادلفيا لأنها خدمت المسيح خدمة حسنة مع كونها صغيرة وضعيفة. وكنيسة برغامس لأنها تمسكت في إيمانها مع كونها عرضة لتجارب كثيرة من مضادة اليهود لها ومن المبتدعين فيها. وكنيسة ثياتيرا لكونها مجتهدة في عمل الخير لكنها ساكتة عن الضلال الذي انتشر في الكنيسة وسوء أدب بعض أعضائها.
في الغاية من كتابة هذا السفر
إن الغاية من كتابة هذا السفر ما ذُكر في أوله وهو «إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب». وهو بيان حال الرب كما هي الآن في السماء لتعليم شعبه وتعزيتهم. وعلى هذا يكون معظم هذا السفر نبوءة بأحوال الكنيسة في المستقبل في مجاهدتها ومحاربتها قوات الشر وانتصاراتها ودينونة أعدائها أخيراً منذ أيام المسيح إلى نهاية العالم لأن هذه هي الأمور التي تختص بعبيده (ع ١). وعبّر عن ذلك برؤى تُعلن الأمور المستقبلة بطرق مختلفة وفي أثناء تلك الرؤى أقوال تعليمه للتعزية والتنشيط. وذكر فوق بيان الأمور المستقبلة بعض الأمور الماضية والحاضرة وقد تمّ بعض النبوءة وبعضها أخذ في أن يتم وبعضها سيتم في ما لم يعيّن من المستقبل. وأما قوله «لا بد أن يكون عن قريب» فيجب أن نفهمه بحسب نظر الله الذي «ألف سنة في عينيه كيوم واحد» وبمقتضى أقوال هذا السفر عينه فإنه بمقتضاها أن بعض نبوآته يقتضي تمامه ما يزيد على ألف سنة. ولعل المراد بقوله «يكون عن قريب» إنه يأخذ بعد قليل في سبيل المجاز. وأعظم حادثة أنبأ بها هذا السفر هي مجيء المسيح ثانية فكما أن أعظم مواضيع نبوءات العهد القديم مجيء المسيح الأول كذلك أعظم مواضيع هذه النبوءة مجيء المسيح الثاني. وانتصار ملكوته بالحوادث السابقة له والمقترنة به. وهذا الموضوع ذُكر في أول السفر وكُرر كثيراً فيه وخُتم السفر به.
وهذا السفر يشبه أسفار نبوءات العهد القديم فكأن روح الأنبياء القدماء حلّ فيه فحلّ فيه روح موسى لكي يترنم بنجاة شعب الله من عبودية الخطيئة التي هي أعظم من عبودية مصر. وحلّ فيه روح إشعياء وإرميا لكي يتنبأ بالضربات التي تقع على بابل الجديدة لكي يُدهش العالم بأنباء سقوطها. وحلّ فيه روح دانيال لينبئ بالمملكة الجديدة التي هي عدو الكنيسة ومضطهدتها وبانكسارها وانهدامها. وحلّ فيه روح حزقيال ليرينا مجد الهيكل الجديد السماوي الذي يُعبد الله فيه. فيصح أن يُقال إن كل تعزيات سائر أسفار الوحي ومواعيدها ونعمتها ونورها مجتمعة في هذا السفر.
ومما يستحق الاعتبار هو العلاقة الشديدة بين تعليم هذا السفر وخطاب المسيح لتلاميذه على جبل الزيتون وهو المذكور في إنجيل متّى (متّى ص ٢٤) ففي ذلك الخطاب نبوءة عظيمة هي مختصر تاريخ الكنيسة في المستبقل وإنباء بانتشار الإنجيل في العالم وما سيحدث من الموانع والمفاسد وبدينونة غير المؤمنين وضيقات المؤمنين وأمن مختاري الله في أثناء ضيقهم وفدائهم أخيراً. وعبّر عن هذه الأمور بما تم أولاً بخراب أورشليم الذي هو رمز إلى الدينونة الأخيرة. وحين كُتب هذا السفر تم ذلك الخراب ونجز أول نبوءات الرب جزئياً. وبقي في سفر الرؤيا بيان إجراء الله دينونته على كل ممالك العالم كما أجراها على أورشليم وعلى هذا تكون رسائل هذا السفر إلى الكنائس بسط كلام المسيح على جبل الزيتون لكل شعبه في الأرض من إنذار وتوبيخ.
وهذا السفر إعلان العلاقة بين الأمور السماوية والأمور الأرضية المنظورة وغير المنظورة فنصعد بواسطته إلى الديار العلوية وندخل هيكل الله مفتوحاً لنا وننظر من هناك حوادث الأرض التي مصدرها من السماء. ففك الختوم وأصوات الأبواق وسكب الجامات علّة التغيّرات التي تطرأ في الكنيسة وممالك الأرض. فننظر ونحن أمام عرش الله والخروف والشيوخ الأربعة والعشرين والحيونات الأربعة ومحفل عظيم من الملائكة الأمور الحادثة على الأرض ونسمع أقوالاً صادرة من العرش وأصوات الأرواح تحت العرش وتهاليل المجد. ويتضح من هذا أن الأرض حومة حرب بين مملكة النور ومملكة الظلام والحية العتيقة من جهة والخروف من جهة أخرى. والخروف رأس الكنيسة وفاديها والحية عدو البشر ومهلكهم.
وفي هذا السفر بيان انتصار دين المسيح على كل أعدائه ومقاوميه وتسلطه على العالم قروناً لا نهاية لها وتكليله بالمجد والسعادة. والسفر كله مملوء بكلمات الرجاء والتعزية والتنشيط وبالأنباء بانتصار الكنيسة التام الأبدي على كل أعدائها وبإكليل المجد لكل فرد من شهدائها وبالدينونة الهائلة على كل أعداء المسيح. وفيه شهادة جلية بقداسة الله وقوة المسيح والعناية الإلهية التي تسود كل الأمور بقضاء الله. وكلامه صريح في شأن الفداء بالدم. وهو أحسن إيضاح لقوة دم الكفارة ففيه يترنم القديسون والملائكة بالفداء بدم الخروف والتطهير والانتصار به. ومن أول هذا السفر إلى آخره في الجهاد والانتصار لُقب بلقب واحد من ينتصر ويدين ويملك وذلك هو «الخروف» الذي يحارب وينتصر ومن غضبه تهرب الملوك والأمم وبدمه انتصر أتباعه وطهروا ثيابهم ويقفون أمامه بثياب بيضاء وينسبون إليه خلاصهم وأسماء المفديين كُتبت في سفر حياة الخروف. والمدينة المقدسة هي العروس امرأة الخروف. والله القدير والخروف هما هيكلها ونورها. ونهر الحياة الذي فيها جار من عرش الله والخروف. وما ذُكر يعلّمنا أن دم المسيح ضروري للكنيسة كلها كما هو ضروري لكل فرد منها وإن المسيح انتصر لأجلنا ويملك علينا ولنا لأنه هو بذل نفسه عنا ولأنه هو «حمل الله الرافع خطية العالم». فالسبعات الثلاث أي سبعة الختوم وسبعة الأبواق وسبعة الجامات ليست بنبوءات متوالية بحوادث متوالية بل حوادث متعاصرة. فتجري بذلك مجرى حُلمَي فرعون اللذين فسرهما يوسف وحلم نبوخذ نصر في شأن الممالك الذي فسره دانيال وتعددت لزيادة الإيضاح وتقريرها في ذهن السامع. وفي كل من التابع ما لم يوضح في المتبوع في شأن انتصار المسيح والكنيسة على أعدائهما والدينونة وأهوالها. فالمعنى واحد في كل من الختوم والأبواق والجامات لكنه يزيد إيضاحاً على تواليها فهو في التالي أوضح مما في المقدم.
في مجاز هذا السفر ورموزه
إن أعداد هذا السفر رمزية فالسبعة رمز إلى الكمال ففيه إن الأرواح قدام العرش سبعة (ص ١: ٤ و٤: ٥). والكنائس سبع وهي تنوب عن الكنيسة كلها. وإن للخروف سبعة قرون وسبعة أعين (ص ٥: ٦) وإن عدد كل من الختوم والأبواق والرعود والجامات سبعة. والأربعة رمز للأمور الأرضية ومنها الحيوانات الأربعة وهي عبارة عن كل الخليقة (ص ٤: ٦). وأربعة الملائكة الذين يقفون على أربع زوايا الأرض ويمسكون أربع رياح الأرض (ص ٧: ١) والختوم الأربعة والأبواق الأربعة والجامات الأربعة. وهي تكمل في كل رؤيا الدينونة الأرضية. والأربعة الملائكة الذين حُلوا من الفرات ليهلكوا الذين عُينوا للهلاك (ص ٩: ١٣) وزوايا الأرض الأربع التي يضل الشيطان من فيها من الأمم (ص ٢٠: ٨). والعشرة رمز إلى دأب العالم واتساع سلطته ولهذا نُسب إلى العالم في هذا السفر وسفر نبوءة دانيال عشرة قرون. والعدد الاثنا عشر رمز إلى الكنيسة والمظاهر المتعلقة بها ومن ذلك الكواكب الاثنا عشر التي هي مادة الأكاليل (ص ١٢: ١). وأُسس المدينة السماوية الاثنا عشر وأسماء الرسل الاثني عشر التي عليها وأبوابها الاثنا عشر التي عليها اثنا عشر ملاكاً وأسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر. وعدد الشيوخ السماوية وهو مضاعف الاثني عشر. وهذا العدد مأخوذ من أسباط إسرائيل الاثني عشر ورسل المسيح الاثني عشر. وقياس محيطها وهو اثنا عشر في اثني عشر أي ١٤٤. والثمرات الاثنتا عشرة وهي ما تنتجه شجرة الحياة التي في الفردوس السماوي. ومن ذلك أجزاء تلك الأعداد فإن «الثلاثة والنصف» وذلك نصف السبعة له أهمية في الأقوال النبوية وهو عدد سني إمساك المطر بمقتضى طلب إيليا النبي انظر (يعقوب ٥: ١٧). وعدد الأيام التي بقيت فيها جثتا الشاهدَين مطروحتين (ص ١١: ٩). وعدد الأيام التي يتنبأ فيها الشاهدان ١٢٦٠ وهو يساوي ٣،٥×٣٦٠ أي ثلاث سنين ونصف سنة (ص ١١: ٣) وهذه المدة هي التي يعول الله فيها المرأة في البرية (ص ١٢: ٦) ومثلها مدة الاثنين والأربعين شهراً وهي مدة إضرار الوحش الصاعد من البحر (ص ١٣: ٥).
وليس في النبوءات من دليل كاف على أن المراد «باليوم» من هذه الأيام سنة ومما ينافي ذلك «الألف سنة» المذكورة في (ص ٢٠: ٦ و٧) وهي المدة التي يملك فيها المسيح مع شعبه. ولا دليل على أنه كاليوم العادي. فمدته مجهولة. و «الشاهدان» المذكوران في (ص ١١: ٣) مجهولان. وكذلك «عدد اسم الوحش» المذكور في ص ١٣: ١٨ وهو ٦٦٦.
ومن ذلك الألوان فالبياض رمز إلى الطهارة فذُكر في هذا السفر «ثياب بيض وعرش أبيض وفرس أبيض». والجمرة رمز إلى سفك الدم والحرب. والقرمزية رمز إلى الترفه الملكي. والخضرة رمز إلى الوبإ والموت. والسواد رمز إلى الضيقات والحزن. ومن المجاز استعارة الأحياء كالملائكة السبعة المشبّه بهم كنائس أسيا السبع في الصفات. والحيوانات الأربعة المذكرة في (ص ٤: ٦ - ٨) وهي مركبة الخلق من حيوانات مختلفة يشبّه بها خليقة الله الناطقة والمفديون وهي الكروبيم في (حزقيال ١٠: ٣) والسرافيم في (إشعياء ٦: ٢). والخروف يشبّه به المسيح في آلامه وانتصاره. والنسر ويُراد به السرعة والقوة. والخيل ويُراد بها حركات على الأرض. والوحش ويُراد به القوي القاسي الظالم. والضفادع ويُراد بها الأرواح النجسة. والجراد ويُراد به كل ما يُتلف ويؤلم. ومنها المجاز باستعارة غير الأحياء كالهواء ويراد به دائرة الحياة والتأثير العقلي. والأرض ويُراد بها مسكن الأمم. والزلزلة ويُراد بها الاضطراب فجأة. والبحر ويُراد به الحياة الاجتماعية المضطربة. والسحاب ويُراد به مظهر مجد الله. والعاصف مع البروق والرعود ويُراد بها الدينونة.
وبقي من أمثال كل ما ذُكر كثير نذكر بعضها مع ما يُراد به. فيُراد بالختوم السبعة التي لا يفكها إلا الخروف أن سياسة العالم في يد المسيح. وبالأبواق مقاومة الله لكل أنواع الشر. وبالجامات نقمة الله من أعدائه. وبأورشليم الكنيسة. وببابل قوات العالم المقاومة لله وللمسيح. وبالتنين والوحش والنبي الكذاب ثالوث الشر. وبالحصاد جمع شعب الله (ص ٤: ١٥). وبالمعصرة آلة عقاب الأعداء (ص ١٤: ١٩).
في مضمون هذا السفر
يُقسم مضمون هذا السفر إلى أربعة أقسام:
- الأول: المقدمة (ص ١: ١ - ٣).
- الثاني: الرسائل إلى السبع الكنائس (ص ١: ٤ - ٢٠ وص ٢ وص ٣). وهذا القسم يشتمل على مقدمة الرسائل (ص ١: ٤ - ٨). ورؤيا استعدادية (من ص ١: ٨ - ٢٠) والرسائل نفسها (ص ٢ و٣).
- الثالث: الجزء النبوي من (ص ٤ ص ٢٢: ٥) وهو أقسام:
- محل الرؤيا السماوي (ص ٤: ١ - ١١).
- السفر المختوم والخروف الذي يفك ختومه (ص ٥: ١ - ١٤).
- فك الختوم السبعة (ص ٦ و٧ و٨: ١ - ٥) وذُكر فيه كلامان معترضان بين الختم السادس والختم السابع وهما ختم عبيد الله (ص ٧: ١ - ٨) وعدد المختومين (ص ٧: ٩ - ١٧).
- سبعة أبواق النقمة (ص ٨: ٦ - ١٣ وص ٩ و٨: ٦ - ص ١١: ١٥ - ١٩). وفي هذا كلامان معترضان بين البوق السادس والبوق السابع وهما السفر الصغير (ص ١٠: ١ - ١١) والشاهدان (ص ١١: ١٤).
- المرأة وأعداؤها الثلاثة (ص ١٢: ١ - ص ١٣: ١٨) وفيه ذكر وصف التنين (ص ١٢: ١ - ١٨) والوحش (ص ١٣: ١ - ١٠) والوحش الذي هو النبي الكذاب (ص ٣: ١١ - ١٨).
- استعداد للانتصار الأخير والنقمة الأخيرة (ص ١٤: ١ - ٢٠) وفيه ذكر الخروف ومختاريه (ص ١٤: ١ - ٥) والملائكة الثلاثة التي تُنبئ بالأمور الآتية وهي النقمات والنوازل (ص ١٤: ٦ و٧) وسقوط بابل (ص ١٤: ٨) وعقاب الخائنين (ص ١٤: ٩ - ١٢) وصوت ينادي بغبطة الذين ماتوا في الرب (ص ١٤: ١٣) والحصاد والجمع إلى المعصرة (ص ١٤: ١٤ - ١٩).
- سكب سبع جامات غضب الله (ص ١٥).
- دينونة بابل (ص ١٧ وص ١٨).
- الانتصار الأخير (ص ١٩ - ص ٢٢: ٥). وفيه تسبيح الكنيسة (ص ١٩: ١ - ١٠) وخروج الرب وجنوده للجهاد (ص ١٩: ١١ - ١٦) وهلاك الوحش والنبي الكذاب وملوك الأرض (ص ١٩: ١٧ - ٢١).
- تقييد الشيطان وراحة ألف سنة (ص ٢٠: ١ - ٦).
- حلّ الشيطان وهلاكه أخيراً (ص ٢٠: ٧ - ١٠).
- الدينونة الأخيرة (ص ٢٠: ١١ - ١٥).
- السماء الجديدة والأرض الجديدة وأمجاد أورشليم السماوية (ص ٢١ و٢٢: ١ - ٥).
- الرابع: الخاتمة (ص ٢٢: ٦ - ٢١).
مضمون الجدول الآتي
بيان ما قيل في مقدمة السفر وهو ما يأتي
موضوع السفر والإعلان والرسائل إلى السبع الكنائس. ومقدمة عامة لكل سفر الرؤيا ذُكر فيها المرأى السماوي والذوات التي ظهرت فيه يتلوه ستة أعمدة ذُكرت فيها الرؤى المختلفة حسب ترتيبها في الذكر. وتلك الرؤى ليست متوالية في الواقع بل متوازية تزيد وضوحاً على تواليها في الذكر إلى أن يأتي يوم الرب العظيم. وفي أسفل الجدول بيان الحوادث التي بعد يوم الدين وما يكون إلى الأبد.
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
المقدمة وفيها ذكر مضمون السفر واسم كاتبه وغبطة الذين يقرأونه ع ١ إلى ٣
١ «إِعْلاَنُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ٱللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا».
ص ٥: ٨ ويوحنا ١٧: ٨ ص ٢٢: ٦ ع ١٩ دانيال ٢: ٢٨ ص ١٧: ١ و١٩: ٩ و٢١: ٩ و٢٢: ٨ و١٦ ع ٤ و٦
إِعْلاَنُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي رفع الحجاب الذي يحجب عن البشر مقاصد الله وفيه بيان الأمور في الحاضر والمستقبل التي المسيح مصدرها. فإن المسيح أمر يوحنا بمخاطبة السبع الكنائس وفتح الختوم السبعة (ص ٦: ١). وأعلن ضيقات القديسين (ص ٦: ٩). وقدم صلوات القديسين (ص ٨: ٣). فالمُعلن هو نور العالم وشهادته روح هذه النبوءة.
ٱلَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ٱللهُ الآب الذي لا يتغير و «يتكلم فيكون» أصل كل البركات كما قيل في (يوحنا ٧: ١٦ و١٤: ١٠ و١٧: ٧ و٨). والمعطى هو الإنسان يسوع المسيح فإنه مع تمجده قَبل من الآب هذا الإعلان الذي يهبه للكنيسة بروحه القدوس. وهو ليس كما كان على الأرض لأنه جاز الآلام الأرضية ودخل الأمجاد السماوية فمات وهو على الأرض والآن هو البكر من الأموات. وأتى بهذا الإعلان إلى عبده يوحنا فظهر رأساً للكنيسة وابناً أزلياً لله وكلمة الله متجسداً.
لِيُرِيَ عَبِيدَهُ أعضاء الكنيسة المسيحية جسد المسيح وكان يوحنا أحد أولئك العبيد (ص ١: ١) ومنهم الأنبياء (ص ١٠: ٧ و١١: ١٨). وسائر المؤمنين (ص ٢: ٢٠ و٧: ٣ و٩).
مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ هذه ليست آراء مخلوق قابل الخطإ بل مقاصد الإله الأزلي وقضاءه الذي لا بد من أن يتم. وقوله «ما لا بد أن يكون عن قريب» ليس معناه على ما ظن بعضهم أن كل ما في الكتاب يتم عن قريب أي في عصر الرسول بل المعنى إن ما في هذا السفر يتم على الدوام فبعضه تم وبعضه آخذ في التمام وبعضه سيتم وأنه يأخذ يتم حالاً ويتوالى تمامه على توالي الأزمنة الأرضية. وهذا اصطلاح نبوي «لمن في عينيه ألف سنة كيوم واحد» وهو يعلّمنا قصر أيامنا على الأرض وقصر زمان عالمنا.
وَبَيَّنَهُ بواسطة المناظر المذكورة في هذا الكتاب كما بين للنبيين حزقيال وزكريا وكما أشار المسيح «إلى أي ميتة يموت» بالحية النحاسية.
مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ استخدم الله الملاك وسيلة لإعلان الرؤيا ليوحنا وبعد ذكر هذا الملاك هنا عدل عن ذكره إلى الأصحاح السابع عشر (ص ٧: ١ و٧ و١٥ و١٩: ٩ و٢٢: ١ و٦). وذُكرت خدمة الملاك في رؤيا دانيال ورؤيا زكريا (دانيال ٨: ١٦ و٩: ٢١ و١٠: ١٠ وزكريا ١: ٩ و١٩).
لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا الرسول كاتب هذا السفر التلميذ «الذي أحبه الرب» ونسبته إلى المسيح أهّلته لقبول هذا الإعلان فمن هو أقرب إلى الله أقرب إلى معرفة مشيئته لأن العبد لا يعلم ماذا يصنع سيده لكن الحبيب يعرف كما عرف إبراهيم خليله عهده وعرف دانيال «الإنسان المحبوب جدا» ما سيقع. لم يذكر يوحنا اسمه في بشارته لكنه ذكره هنا لأن النبوءة تحتاج إلى الإثبات بسلطان الملهم لكي يعلنها.
٢ «ٱلَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ ٱللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِكُلِّ مَا رَآهُ».
ع ٩ وص ٦: ٩ و٢٠: ٤ و١٢: ١٧ و١كورنثوس ١: ٦ ص ١٢: ١٧
ٱلَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ ٱللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي شهد بما رآه في رؤياه وما سمعه من أقوال الله المذكورة في هذا السفر. وفي هذا بيان نسبة يوحنا إلى هذا الكتاب وهي أنه ليس سوى شاهد بما تكلم الله به وما شهد به المسيح للملاك وما شهد به الملاك ليوحنا. وذُكرت لفظة «الشهادة» في الرؤيا تسعاً وخمسين مرة.
بِكُلِّ مَا رَآهُ أي مجموع ما في هذا السفر فإن يوحنا ذكر كل ذلك بعد ما رآه وأعلنه لنفع القراء. قال هذا الرسول في آخر بشارته وما معناه أنه ذكر فيها قليلاً مما قاله يسوع ومما صنعه ولكنه قال هنا أنه ذكر كل ما رآه.
٣ «طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ ٱلنُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ».
لوقا ١١: ٢٨ وص ٢٢: ٧ و١٠ و١٢ رومية ١٣: ١١ ويعقوب ٥: ٨ و١بطرس ٤: ٧ وص ٣: ٧
طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ أراد بمن يقرأ الذي يتلوها بصوت مسموع في الكنيسة.
وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أي الذين يصغون إلى القارئ. كانت الكتب في عصر يوحنا تُكتب بالقلم فكانت قليلة وثمينة فاضطر الناس إلى أن يطلعوا على ما فيها بسمعهم لقارئها.
وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا هذا هو الأمر الجوهري الذي القراءة والإصغاء وسيلة إليه. والمراد «بما هو مكتوب فيها» ما فيها من الدعوة إلى التوبة والإيمان والصبر والطاعة والصلاة والسهر والثبات.
لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ قرب الوقت يزيد أهمية مطالعة ما في هذا السفر وسيعلم المؤمنون جميعاً في يوم الله العظيم إن ذلك اليوم كان قريباً إليهم على توالي الأيام. فيوجب الإنجيل على المسيحيين أن يكونوا مستعدين دائماً ومنتظرين مجيء الرب إما للرحمة وإما للدينونة ومجيئه الأخير (رومية ١٣: ١٢ ويعقوب ٥: ٩ و٢بطرس ٣: ٨ و٩).
مقدمة الإعلان على نسق رسائل إلى كنائس أسيا السبع ع ٤ إلى ٢٠ وص ٢ وص ٣
٤ «يُوحَنَّا، إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلأَرْوَاحِ ٱلَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ».
ع ٢٠ و١١ أعمال ٢: ٩ رومية ١: ٧ ع ٨ وص ٤: ٨ خروج ٣: ٤ وص ١١: ١٧ و١٦: ٥ وع ١٧ وعبرانيين ١٣: ٨ وإشعياء ٤١: ٤ ص ٣: ١ و٤: ٥ و٥: ٦ إشعياء ١١: ٢ وص ٨: ٢
يُوحَنَّا ذكر الرسول اسمه في أول نبوءته اقتداء بالأنبياء القدماء على خلاف ما أتى في البشارة التي أظهر فيها مجد الكلمة المتجسد على طريق الاستقلال عن الشهادة البشرية. ولأن هذا السفر نبوءة وجب أن يكون شاهداً به لأنه مشهور بأنه رسول وبشير وتلميذ محبوب وراعي الكنائس التي خاطبها. ولم يُعلن مقامه في الكنيسة كما فعل بولس في رسالته إلى الرومانيين لأن يوحنا كان معروفاً ومشهوراً لمن كتب إليهم.
ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا لم يشر بذلك إلى قارة أسيا ولا إلى القسم الغربي منها المعروف بأسيا الصغرى بل إلى القسم الجنوبي الغربي من أسيا الصغرى وهو الذي قصبته أفسس حيث تقضت على الرسول السنون الأخيرة من حياته. وهذه البلاد وهبها الملك أتالوس للدولة الرومانية وعُرفت ببروكنسلار أسيا (انظر تفسير أعمال ٢: ٩). وكانت الكنائس المسيحية في هذه البلاد أكثر من سبع ومنها كنيسة كولوسي وهيرابوليس. وكتب يوحنا كل سفر الرؤيا إلى تلك الكنائس لا الأصحاحين الأولين فقط إذ أمره المسيح أن يكتب إليها «الذي يراه» (ع ١١). والمرجح أن تلك الكنائس السبع نابت عن كل كنائس الله في كل زمان ومكان لأن السبعة عدد كامل يشار به إلى كمال الكنيسة الجامعة فقال المسيح لكل كنيسة منها «من له أذن للسمع فليسمع» وبهذا أظهر أنه قصد كل المسيحيين (انظر مقدمة هذا السفر).
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ استعمل هذا الدعاء كل من الرسل الثلاثة بولس وبطرس ويوحنا وبذلك ظهر اشتراكهم المسيحي وهو طلب الرجاء والاطمئنان بناء على نعمة الله مصدر الحياة والمحبة وهي تشتمل على كل بركة روحية (انظر تفسير رومية ١: ١ وتفسير ١كورنثوس ١: ١).
مِنَ ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي هذا وصف للأقنوم الأول من الثالوث باعتبار كونه واجب الوجود ومنزهاً عن التغيّر على وفق قوله تعالى لموسى «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ» (خروج ٣: ١٤) وقوله «أَنَا ٱلرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ» (ملاخي ٣: ٦). وكقول بولس في المسيح «هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين ١٣: ٨).
وَمِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلأَرْوَاحِ ٱلَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ هذا وصف للروح القدس بالنظر إلى صفاته الكاملة المتنوعة مع وحدة أقنومه. ويبين إن هذا هو معناه قوله «ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ» وقوله «وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ» (ص ٣: ١ و٤: ٥). ومثل هذا في العهد القديم قوله «هُوَذَا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي وَضَعْتُهُ قُدَّامَ يَهُوشَعَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ (هو المسيح) سَبْعُ أَعْيُنٍ» وقوله «مَنِ ٱزْدَرَى بِيَوْمِ ٱلأُمُورِ ٱلصَّغِيرَةِ. فَتَفْرَحُ أُولَئِكَ ٱلسَّبْعُ... إِنَّمَا هِيَ أَعْيُنُ ٱلرَّبِّ ٱلْجَائِلَةُ فِي ٱلأَرْضِ كُلِّهَا» (زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠). وهذه الأعين تشير إلى الروح القدس فإنها رموز إلى كون الله نوراً أزلياً يعلم كل شيء وتُعلن للناس الله والأمور التي شاء أن يعلموها. وهو مثل قول إشعياء في المسيح «يَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُوَّةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ١١: ٢) وكون «السبعة الأرواح» أمام العرش كناية عن أن الروح القدس مستعداً للعمل وليس في ذلك شيء يهين مقامه لأنه مثل قول المسيح فيه «أَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» وقوله «خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي، وَلٰكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ... ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٦ و١٦: ٧ و١٤). ولعل هذا مبني على المنارة الذهبية التي لها «ساق وست شُعب» وهي رمز إلى الروح القدس وكانت موضوعة أمام تابوت العهد في الخيمة والهيكل (خروج ٢٥: ٣١ - ٣٧ وزكريا ٤: ٢ - ٦).
٥ «وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلشَّاهِدِ ٱلأَمِينِ، ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ. ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ».
ص ٣: ١٤ ويوحنا ٨: ١٤ و١٨: ٣٧ و١تيموثاوس ٦: ١٣ وص ١٩: ١١ و١كورنثوس ١٥: ٢٠ وكولوسي ١: ١٨ ص ١٧: ١٤ و١٩: ١٦ و١تيموثاوس ٦: ١٥ مزمور ٨٩: ٢٧ ودانيال ٢: ٤٧ ورومية ٨: ٣٧
وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلشَّاهِدِ ٱلأَمِينِ فهو والآب والروح القدس الثالوث الموقر. ولقب «بالشاهد الأمين» لأنه شهد أمام بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن (١تيموثاوس ٦: ١٣). فإنه قال لبيلاطس «لِهٰذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ» (يوحنا ١٨: ٣٧). وكان يشهد لله وللحق كل مدة حياته وختم شهادته بدمه.
ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لأنه هو الأول الذي قام من الأموات ولن يموت (رومية ٦: ٩ و١كورنثوس ١٥: ٢٠ و٢٣). وهو «رئيس الحياة» (أعمال ٣: ١٥ انظر تفسير كولوسي ١: ١٨). قام ابن أرملة نايين والعازر من الأموات ولكنهما عاشا قليلاً وماتا أيضاً.
رَئِيسِ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ كما أُنبئ في المزمور الثاني الذي أبان إن ملوك الأرض قاموا على مسيح الرب وإن المسيح أظهر قدرته على من بقي منهم معانداً بسحقه إياهم وبقبول خضوع الذين تعقلوا وقبلوه (مزمور ٢: ١٠ - ١٢) فإنهم يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليه (ص ٢١: ٢٤). ونال هذا الإكرام بموته على الصليب بدليل قوله تعالى بلسان المرنم «أجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ» (مزمور ٨٩: ٢٧). وقوله بلسان إشعياء «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعاً لِلشُّعُوبِ، رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ» (إشعياء ٥٥: ٤). فما وعده به إبليس بشرط أن يسجد له اقتناه بموته (يوحنا ١٦: ٣٣ انظر أيضاً متّى ٢٨: ١٨). وهذه الصفات الثلاث توافق كونه نبياً وكاهناً وملكاً.
ٱلَّذِي أَحَبَّنَا محبة المسيح للمفديين دائمة (يوحنا ١٣: ١) وآية تلك المحبة ما فعله من أجلنا كما يأتي.
وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ أي بموته كفارة. قال المسيح لبطرس «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ» (يوحنا ١٣: ٨). فبموته البار بدل الأثمة بررنا أمام ابنه وهو الذي نجانا من دنس الخطيئة وتسلطها فقدسنا. والإيمان هو واسطة التطهير والتقديس لأنه به اتحدنا بذاك الذي هو روح القداسة. وهذا على وفق قوله «وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧). ووفق جواب سؤال يوحنا «هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟» وهو قول الملاك «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ» (ص ٧: ١٣ و١٤). فلو قصد التطهير فقط لم يكن الدم رمزاً إليه بل قصد علاوة على ذلك كونه ذبيحة كفارة عن الخطية (عبرانيين ٩: ٢١).
٦ «وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».
ص ٥: ١٠ و٢٠: ٦ و١بطرس ٢: ٥ و٩ خروج ١٩: ٦ وإشعياء ٦١: ٦ رومية ١٥: ٦ و١١: ٣٦
وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ أي أعضاء المملكة السماوية التي تكلم المسيح فيها كثيراً وهي التي يسكن معه فيها المؤمنون. وهذا مثل قوله «ٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ» (ص ٥: ٩ و١٠). وهذا كوعد الله لشعبه القديم إسرائيل في قوله «وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً» (خروج ١٩: ٦ أنظر أيضاً دانيال ٧: ٢٧). وبناء على كون المؤمنين كلهم كهنة صار يحق لهم أن يدخلوا إلى ما وراء الحجاب ويطلبوا البركات لأنفسهم ولغيرهم لأنهم قد تقدسوا بالدم (عبرانيين ٩: ٢١).
لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ الخ ذكره صفات المسيح وأعماله حمله على التسبيح له وإظهار وجوب التسبيح له في كل عبادة مسيحية. ومثل هذا التسبيح الذي في (١بطرس ٤: ١١) وأعظم منه ما في (ص ٤: ٩ و١١) وأعظم من هذا أيضاً ما في (ص ٧: ١١).
٧ «هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَٱلَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ».
متّى ١٦: ٢٧ و٢٤: ٣٠ دانيال ٧: ١٣ زكريا ١٢: ١٠ يوحنا ١٩: ٣٧ لوقا ٢٣: ٢٨
هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ قال المسيح أمام الحبر الأعظم على مسامع مجمع السبعين «أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٢٦: ٦٤). وهذا على وفق الإنباء به في سفر دانيال (٧: ١٣) وما أنبأ المسيح به تلاميذه على جبل الزيتون وهو قوله «حِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متّى ٢٤: ٣٠ أنظر أيضاً مرقس ١٤: ٦٢). وإتيانه في السحاب لا يدل على بهاء مجيئه ومجده بل على خوف المشاهدين لأن هذا السحاب ليس بحجاب مجده كالذي كان في التجلي بل هو آية الغضب كما في قول المرنم في مجيء الرب «ٱلسَّحَابُ وَٱلضَّبَابُ حَوْلَهُ... قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ. أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ ٱلْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَدَتْ. ذَابَتِ ٱلْجِبَالُ مِثْلَ ٱلشَّمْعِ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ، قُدَّامَ سَيِّدِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا» (مزمور ٩٧: ٢ - ٥ أنظر أيضاً ناحوم ١: ٣ وإشعياء ١٩: ١).
وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ هذا مبني على ما في (زكريا ١٢: ١٠) فنبوءة زكريا كانت أولاً للتعزية وإعلان النعمة إذ وصف بها توبة أهل أورشليم حين يرفع عن قلوبهم الحجاب فيقبلون يسوع الناصري «الذي صلبوه» باعتبار كونه ابن الله ملك إسرائيل فاتخذ يوحنا ذلك إشارة إلى يأس العالم الشرير حين يأتي الرب لينتقم من أعدائه.
وَٱلَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ هذا مبني على ما شاهده يوحنا والمسيح على الصليب من طعن جنبه وخروج ماء ودم منه (يوحنا ١٩: ٣٤ - ٣٧). والذين طعنوه هم قاتلوه وهم اليهود الذين طلبوا صلبه والرومانيون هم الذين أماتوه. فكان عليهم أن ينوحوا حين وُضع المسيح في القبر ولكنهم ينوحون يومئذ لأنه قام بعد ما مات وهو على وشك أن يدينهم فنوحهم نوح اليأس والندم اللذين لا أثر للتوبة فيهما.
نَعَمْ آمِينَ أظهر يوحنا رضاه التام بإجراء عدل الله على مقتضى حكمه وانتقامه.
٨ « أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
ص ٢١: ٦ و٢٢: ١٣ إشعياء ٤١: ٤ ص ٤: ٨ و١١: ١٧ و١٥: ٣ و١٦: ٧ و٢١: ٢٢ و١٩: ٦
أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ المتكلم هنا هو الله الآب و «الألف والياء» هما الحرف الأول والحرف الأخير من حروف الهجاء وهما في الأصل اليوناني «ألفا وأوميغا» وهما عبارة عن أزلية الله وأبديته الإله الذي ليس قبله شيء ولا يمكن أن يبقى شيء بعده.
ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ هذا ليس في أكثر النسخ وهو منقول عن (ص ٢١: ٦ و٢٢: ١٣) والمقصود به تفسير «الألف والياء».
ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي هذا تصريح بسرمدية الله وقوته غير المحدودة قصد به تعزية قلوب أصدقائه وتثبيتهم وبيان جهالة أعدائه بمقاومتهم إياه. والذي قيل في وصف الآب هنا قيل في وصف الابن لنفسه في (ع ١٧ وص ٢٢: ١٣).
٩ «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي ٱلضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ع ١ أعمال ١: ١٥ و٢كورنثوس ١: ٧ وفيلبي ٤: ١٤ ومتّى ٢٠: ٢٣ وأعمال ١٤: ٢٢ ع ٦ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ ص ٣: ١٠ و٢تسالونيكي ٣: ٥ ع ٢
أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وصف الكاتب نفسه بهذا وأبان حاله به حين أخذ يكتب هذا السفر.
وَشَرِيكُكُمْ فِي ٱلضِّيقَةِ أي أصابت كل تلك الكنائس لتمسكها بالمسيح وتعلقها بملكوته. فكرر هنا القول التي سمعته تلك الكنائس من بولس «أَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ» (أعمال ١٤: ٢٢).
وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ قال المسيح ليوحنا ولأخيه يعقوب «كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ» (متّى ٢٠: ٢٣). فهذه النبوة تمت ليعقوب حين قتله هيرودس أغريباس (أعمال ١٢: ٢) وتمت ليوحنا جزئياً في كل أيام حياته التي كانت حياة الضيقة ولا سيما ما أشار إليه بهذه الآية وسيأتي بيانه. وهذه الضيقة سبقت الدخول في ملكوت المسيح وكانت تمهيداً له كما قيل في (رومية ٨: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ و١بطرس ٤: ١٣).
وَصَبْرِهِ هذا يدل على أن الملكوت لم يكن لهم حقيقة بل كان لهم بمقتضى الرجاء ولذلك احتاجوا إلى الصبر ليحصلوا عليه على وفق قول بولس المذكور آنفاً (أعمال ١٤: ٢٢) وفيه ذكر الثلاثة «الضيقة والصبر والرجاء» وقول المسيح لتلاميذه «بِصَبْرِكُمُ ٱقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لوقا ٢١: ١٩).
كُنْتُ فِي ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ وهي جزيرة صغيرة صخرية في بحر إيجين في الجنوب الغربي من أفسس نُفي إليها الرسول أيام الأمبراطور دومتيانوس (انظر الفصل الثالث من المقدمة) وكان ذلك نحو السنة ٩٥ ب. م.
مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي الكلمة التي تكلم الله بها والشهادة التي شهدها المسيح. والخلاصة أن علة نفيه كونه مسيحياً. نادى يوحنا بتلك «الكلمة» وشهد تلك «الشهادة» وكانت نتيجة ذلك أنه نُفي إلى تلك الجزيرة التي يُرجح أن سكانها كانوا يومئذ أقل منهم اليوم.
١٠ «كُنْتُ فِي ٱلرُّوحِ فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً كَصَوْتِ بُوقٍ».
ص ٤: ٢ و١٧: ٣ و٢١: ١٠ ومتّى ٣٢: ٤٣ وأعمال ٢٠: ٧ ص ٤: ١
كُنْتُ فِي ٱلرُّوحِ قال يوحنا هذا أربع مرات في هذا السفر - في هذه الآية وفي (ص ٤: ٢ و١٧: ٣ و٢١: ١٠). وهو يبين حاله وهو مستعد لقبول الوحي فلم يكن ذلك طبيعياً ولا دائماً. وكان بالنظر إلى أفكاره منفصلاً عما حوله من الأمور المادية فكأنها كانت محجوبة عن سمعه وبصره فكانت نفسه مرتفعة بين المناظر والأصوات المختصة بعالم الأرواح فكان في مثل حال بولس حين قال على نفسه «أَفِي ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ» (٢كورنثوس ١٢: ٢). وحال بطرس حين وقعت عليه غيبة (أعمال ١٠: ١٠). وفي هذه الحال سمع أصواتاً لم يسمعها غيره ونظر أشياء لم يرها سواه لكن بقي في ذاكرته تأثيرها حتى يستطيع أن يذكرها ويكتب الأقوال التي أُمر بكتابتها.
فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ أي اليوم الذي تقدّس بقيامة الرب فيه وهو يوم الأحد. فإن المسيح بقيامته وتمجده أسس الكنيسة التي «أبواب الجحيم لا تقوى عليها». فاعتاد الرسل والتلاميذ الأولون أن يجتمعوا فيه للعبادة وكسر الخبز (أعمال ٢٠: ٧).
وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً لم يقدر يوحنا يوم الرب أن يخاطب كنيسة أفسس أو إحدى الكنائس السبع كعادته لأنه كان منفياً إلى تلك الجزيرة لكن الرب قدر أن يكلمه فقدر بكتابته ذلك أن ينفع كل الكنائس إلى نهاية الزمان كما كان بولس خادماً للمسيح بكتابته بعض رسائله من سجن رومية. وكما أن لوثيروس وهو أسير في قلعة ورتمبرغ ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الجرمانية. وكما أن يوحنا بنيان كتب وهو في سجن بدفرد «سياحة المسيحي» الكتاب الذي نفع كنائس المسيح في العالم نفعاً ثانياً لنفع الإنجيل.
كَصَوْتِ بُوقٍ (ص ٨: ٢ و٦). كان اليهود يُدعون إلى الاحتفالات ذات الشأن بصوت البوق (عدد ١٠: ١٠). وكان ذلك الصوت مقترناً بالمناظر الإلهية (خروج ١٩: ١٩ ويوئيل ٢: ١ ومتّى ٢٤: ٣١ و١تسالونيكي ٤: ١٦). ويوحنا لم يعرف المسيح من صوته (ع ١٢). ولعل المراد «بصوت البوق» هنا إن الصوت كان عالياً صريحاً كصوت البوق.
١١ «قَائِلاً: أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ. وَٱلَّذِي تَرَاهُ ٱكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ».
ع ١٩ ص ٢: ١ أعمال ١٨: ١٩ ص ٢: ٨ و١٢ و١٨ و٢٤ أعمال ١٦: ١٤ وص ٣: ١ و٤ و٧ و١٤ كولوسي ٢: ١
أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ (انظر تفسير ع ٨). هذه العبارة ليست في بعض النسخ «كما يتبين من الإنجيل ذي الشواهد».
ٱلَّذِي تَرَاهُ وهو ما سيراه.
ٱكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ الخ فبناء على هذا كتب الرسول في مقدمة كل رسالة إلى تلك الكنائس بعض ما رآه في هذه الرؤيا من جهة المسيح (وكون هذه الكنائس السبع نائبة عن كل الكنائس المسيحية ذُكر في المقدمة). وما قيل هنا في شأن رؤيا المسيح مقدمة لكل هذا السفر لا للرسائل إلى الكنائس السبع فقط (ع ١٩).
١٢ «فَٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلصَّوْتَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا ٱلْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ».
ع ٢٠ وص ٢: ١ خروج ٢٥: ٢٧ و٣٧: ٢٣ وزكريا ٤: ٢
فَٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلصَّوْتَ أي صاحب الصوت.
سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ وهي باتصالها بعضها ببعض منارة واحدة وكان بعض أثاث خيمة الاجتماع (خروج ٢٥: ٣١ - ٤٠). وذُكر هذا في (زكريا ٤: ٢). ورؤيا كل منارة على حدتها لتشير إلى كنيسة منفردة يمكن أن تثبت بنفسها ويمكن أن تُزاح بحسب أمانتها أو خيانتها.
١٣ «وَفِي وَسَطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ».
ص ٢: ١ و١٤: ١٤ وحزقيال ١: ٢٦ ودانيال ٧: ١٣ و١٠: ٥ و١٦ ص ١٥: ٦
ٱبْنِ إِنْسَانٍ هذا من أسماء المسيح والمسيح سمى نفسه به دلالة على ناسوته التام وبهذا ظهر للناس وهو على الأرض قبل الموت وبعد القيامة وحين ظهر لاستفانوس قبل موته.
مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ هذا ثوب ذي مقام رفيع كالحبر الأعظم والملك. وذُكر مثل هذا في (حزقيال ٩: ٢ و٣ و١١ ودانيال ١٠: ٥).
مُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كان يلبس مثل هذا الحبر الأعظم عند تقديم الذبيحة لكن الذي أمر الله موسى بصنعه كان منطقة من ذهب واسمانجوني وقرمز وبوص مبروم. والمنطقة التي رآها يوحنا كانت كلها من ذهب إشارة إلى سمة مقام لابسها وقيمة البركات التي يمنحها. ومن عدم ذكره بقية لبس الكاهن الأعظم من الأفود والعمامة نستنتج أن لبس المسيح لم يكن يختص بالكهنة بل مما يوافق كونه كاهناً وملكاً كما كان ملكي صادق (دانيال ١٠: ٥ وعبرانيين ٥: ٩ و١٠ و٦: ٢٠ و٧: ١ - ١٧).
١٤ «وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ».
دانيال ٧: ٩ و١٠: ٦ وص ٢: ١٨ و١٩: ١٢
رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ أشار بهذا إلى قداسته وطهارة شعبه بعد تطهيره إياه من خطاياه (مزمور ٥١: ٧ وإشعياء ١: ١٨). وهذا كقول دانيال «لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَٱلثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَٱلصُّوفِ ٱلنَّقِيِّ» (دانيال ٧: ٩).
عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ (ص ١٩: ١٢ ودانيال ١٠: ٦). فهو قادر أن يرى أعماق الظلمة ويكشف خفايا الإثم. وهذا إشارة إلى كونه «ناراً آكلة» ينقي من الخطايا الذين يتركونها ويحرق ويلاشي كل من يتمسك بها (ص ٢٠: ٩ ودانيال ٧: ٩ و١٠ ويهوذا ٧).
١٥ «وَرِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ».
ص ٢: ١٨ وحزقيال ١: ٧ ودانيال ١٠: ٦ ص ١٤: ٢ و١٩: ٦ وحزقيال ٤٣: ٢
رِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ أي رجلاه مكشوفتان كرجلي الكاهن وهو يخدم وكانتا كأنهما محميتان في أتون إظهاراً أن لا أحد من الأشرار يحتمل دوسه إياه يوم يدوسهم بغضبه (إشعياء ٦٣: ٣).
صَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ قال دانيال إنه سمع في الرؤيا «صَوْتُ كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ» (دانيال ١٠: ٦) فكان شديداً رهيباً. وهذا الوصف يدل على هيبة المسيح ويحمل الذين يأتي ليدينهم على الخوف والرعدة (مزمور ٦٥: ٧ و٩٣: ٤).
١٦ «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا».
ع ٢٠ وص ٢: ١ و٣: ١ ص ٢: ١٢ و١٦ و١٩: ١٥ وإشعياء ٤٩: ٢ عبرانيين ٤: ١٢ متّى ١٧: ٢ ص ١٠: ١ قضاة ٥: ٣١
وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ قيل بعد هذا إنها «ملائكة السبع الكنائس» (ع ٢٠). وكونها «في يده اليمنى» تدل على أنه مالكها وسائسها وحاميها ومرشدها وإنها ثمينة في عينيه وموضوع عنايته كقول المسيح في خرافه إنه «لاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا ١٠: ٢٨).
سَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ ذُكر السيف ست مرات في الرؤيا هنا وفي (ص ٢: ١٢ و١٦ و٦: ٨ و١٩: ١٥ - ٢١) وكثيراً ما ذُكر في نبوءة حزقيال وهذا السيف بموجب تعليم الإنجيل هو «سَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللهِ التي هي أَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (أفسس ٦: ١٧ وعبرانيين ٤: ١٢ انظر أيضاً إشعياء ٤٩: ٢ ويوحنا ١٢: ٤٨) وبهذا السيف يغلب أعداءه (ص ٢: ١٢ و١٦ وص ١٩: ١٥ و٢٠ و٢كورنثوس ١٠: ٤). وحدّا هذا السيف هما العهد القديم والعهد الجديد وبهما يبكت على الخطيئة والبر الذاتي وعلى الأمور الحاملة عليها. وبه يفصل بين الإنسان والخطيئة أو يقطعه به.
وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا أي كالشمس بلا غيم في وقت ارتفاعها الكامل. ووُصف المسيح بهذا لأنه بهاء مجد الآب (عبرانيين ١: ٣). وهو كالأب «سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ» (١تيموثاوس ٦: ١٦). وهذا النور بهاء الحق والقداسة ولذلك قيل إن منظر الملائكة الذين يخدمون كالبرق (متّى ٢٨: ٣). وقيل في القديسين إنهم «يُضِيئون كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ» (متّى ١٣: ٤٣). وقيل في موسى إن وجهه كان يضيء وهو يتكلم مع الله (خروج ٣٤: ٢٩). وهذا وصف ابن الإنسان باعتبار مجده السماوي وقدرته على الخلاص وملاشاة أعدائه وهكذا يظهر حين يأتي ليدين العالم على وفق قوله في (٢تسالونيكي ٦: ٦ - ١٠). وأعلن نفسه على هذه الكيفية لكي يقوي كنيسته ويعزيها لأنها كانت عرضة للاضطهاد وتحتاج إلى من يستطيع أن ينتقم من أعدائها. والإعلان هنا من جهة المسيح كالإعلان في المزمور الثاني وهو قوله تعالى «اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ ٱلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ الخ» (مزمور ٢: ٨ - ١٢).
١٧ «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي: لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ».
حزقيال ١: ٢٨ دانيال ٨: ١٧ و١٨ و١٠: ٩ و١٠ و١٢ و١٥ متّى ١٤: ٢٧ و١٧: ٧ إشعياء ٤١: ٤ و٤٤: ٦ و٤٨: ١٢
في هذه الآية بيان تأثير ذلك المنظر في يوحنا.
سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ قال الله لموسى لما طلب أن يريه مجده «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ٣٣: ٢٠). قال إشعياء وقد رأى المسيح في رؤيا «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ... لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء ٦: ٥). وقال في مثل ذلك حزقيال النبي «وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي» (حزقيال ١: ٢٨). ولما ظهر الملاك لدانيال قال «إِذْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخاً عَلَى وَجْهِي إِلَى ٱلأَرْضِ» (دانيال ٨: ١٨). والمنظر الذي رآه يوحنا كان أمجد من ذلك فكان خوفه أعظم.
فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ لكي يطمئن كما كان في (متّى ١٧: ٧ ومرقس ١٦: ٦ ولوقا ٢: ١٠).
أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ هذا بيان أزليته وأبديته باعتبار كونه إلهاً علاوة على كونه إنساناً.
١٨ «وَٱلْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ ٱلْهَاوِيَةِ وَٱلْمَوْتِ».
لوقا ٢٤: ٥ ص ٤: ٩ و٢: ٨ رومية ٦: ٩ ص ١٠: ٦ و١٥: ٧ ص ٩: ١ و٢٠: ١ وأيوب ٣٨: ١٧ متّى ١٦: ١٩ و١١: ٢٣
ٱلْحَيُّ الذي له الحياة في نفسه وهذا لقب الجلال.
وَكُنْتُ مَيْتاً أي جزت أبواب الموت.
وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ (أعمال ٢: ٣٤ ورومية ٦: ٩) فقوله (حي) وصف للمسيح باعتبار أزليته. وقوله «كنت ميتاً وها أنا حي» وصف له باعتبار تنازله لأجل خلاص البشر وهو مرفوع على الصليب وقائم من الأموات وصاعد إلى السماء.
وَلِي مَفَاتِيحُ ٱلْهَاوِيَةِ وَٱلْمَوْتِ هذا وصف ثالث للمسيح باعتبار كونه منتصراً على كل أعدائه وأعداء شعبه وهذا يدل على أنه رأس كل شيء للكنيسة. فالعمل الذي أكمله على الأرض يجريه الآن في السماء باعتبار كونه كاهناً وملكاً.
ٱلْهَاوِيَةِ مكان الأموات ولا سيما الأشرار والمفاتيح علامة السلطة فلا يخاف المؤمنون من الموت ولا من مكان العذاب لأنهما تحت سلطان المسيح الذي أحبهم وبذل نفسه لأجلهم وقال المسيح هذا القول بعد قيامته أي لم يعطِ هذا السلطان لبطرس ولا للبابا ولا لغيره بل المفاتيح لا تزال ولن تزال بيده.
١٩ «فَٱكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هٰذَا».
ع ١٢ الخ ص ٤: ١ الخ
الذي أوجب على يوحنا أن يكتبه هو الأمور الحاضرة والأمور المستقبلة المتعلقة بالكنيسة الجسد الذي المسيح رأسه في جهادها وانتصارها ومحاربتها الخطيئة والشيطان وانتصارها عليهما ومحاربة العالم والشر الذي فيه. إن حياة الكنيسة تشبه حياة المسيح في اتضاعه وارتفاعه ومجده وقيامته ونجاته من قوة الجحيم والموت وهذا يكون بمقتضى مقاصد الله والغاية نيل كمالها وسعادتها.
٢٠ «سِرُّ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْكَوَاكِبِ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ: ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ، وَٱلْمَنَايِرُ ٱلسَّبْعُ ٱلَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ ٱلسَّبْعُ ٱلْكَنَائِسِ».
رومية ١١: ١٥ ع ١٦ وص ٢: ١ و٣: ١ ع ١٢ خروج ٢٥: ٣٧ و٣٧: ٢٣ وزكريا ٤: ٢ ع ٤ و١١ متّى ١٤ و١٥
سِرُّ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْكَوَاكِبِ... وَٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ المراد «بالسر» هنا ما لا يستطيع أن يعلمه الإنسان بقواه إنما يدركه بإعلان الله. وليس السر إن معنى «الكواكب السبعة» هم «ملائكة الكنائس السبع» بل إن المسيح مزمع أن يُعلن تاريخ هذه الكنائس في المستقبل وهذا لا يمكن العالم أن يعلمه لكن أُعلن لعبيد الله. وإن يوحنا رأى تلك الكواكب في يد الرب إشارة إلى حفظه الكنائس وعنايته بها.
ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ظن بعضهم إن هؤلاء الملائكة هم رعاة الكنائس وشيوخها أي رؤساءها ورأى بعضهم أنهم الملائكة الذين يحرسونها وهم مثل الذين ذكرهم المسيح بقوله «اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي» (متّى ١٨: ١٠). ومثل الملائكة الذين يحرسون الأمم وهم الذين ذكرهم دانيال (دانيال ١٠: ٢١ و١٢: ١). والذي يمنع من أن يكون هذا هو المراد أن المسيح وبخهم على الخطايا التي ارتكبتها الكنائس وأمرهم بالتوبة وأنذرهم بالعقاب إن لم يتوبوا. فالأحسن أن نفهم أنهم نوّاب الكنائس أو أشباهها التي رآها يوحنا في السماء بدلاً من الكنائس أنفسها. واعتبرها المسيح كأنها الكنائس أنفسها فخاطبها كما يخاطب الكنائس فنصح لها وأنذرها. فرآها يوحنا في السماء نواباً عن الكنائس التي على الأرض. ونُسبت أعمال الكنائس إلى الملائكة.
وَٱلْمَنَايِرُ ٱلسَّبْعُ ٱلَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ ٱلسَّبْعُ ٱلْكَنَائِسِ ظهرت الكنائس ليوحنا بصور المناير وفي وسطها ابن الإنسان ليعطيها وسائط الحياة الإلهية لكي تضيء أمام العالم فتنيره (إشعياء ٦٠: ١ ومتّى ٥: ١٤ و١٦ ولوقا ١٢: ٣٥ وفيلبي ٢: ١٥). والمناير والكواكب هي الكنائس لكنها مثلت بالمناير باعتبار أنها متأثرة قابلة لنعمة الرب فهي تشبه المنارة الذهبية التي تضيء داخل خيمة الاجتماع. ومُثلت بالكواكب لأنها مؤثرة تضيء في القبة السماوية.
إنه ذُكر في هذا السفر لكل شيء ملاك ومن ذلك إن الله أعلن مقاصده بالملائكة (ص ٨: ٢ و١٤: ٦ و٨ و٩ و١٥: ١ و٦) وخاطب ابنه بواسطة ملاك (ص ١٤: ١٥) وأظهر الابن مشيئته بواسطة ملاك (ص ١: ١ و٢٠: ١ و٢٢: ٦). وذُكر للمياه ملاك (ص ١٦: ٥) وللنار ملاك (ص ١٤: ١٨). وللأرياح ملائكة (ص ٧: ١). وللهاوية ملاك (ص ٩: ١١).
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
رسائل إلى كنيسة أفسس ع ١ إلى ٧ وكنيسة سميرنا ع ٨ إلى ١١ وكنيسة برغامس ع ١٢ إلى ١٧ وكنيسة ثياتيرا ع ١٨ إلى ٢٩
ما قيل لكل كنيسة هنا يصح أن يقال لكل كنيسة مسيحية إلى آخر الزمان لإرشادها وإنذارها وتعزيتها. وكل رسالة تبتدئ بأمر الرسول أن يكتب إلى ملاك الكنيسة. وفي كل رسالة يُذكر لقب من ألقاب المسيح مأخوذ من مظاهر الرؤيا في الأصحاح الأول وكل منها خطاب للمسيح مبدوء بقوله «أنا عارف أعمالك» ومختوم بنبإ مجيئه وبالوعد للمنتصر مصحوب غالباً بقوله «من له أذن للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس».
١ «اُكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْمُمْسِكُ ٱلسَّبْعَةَ ٱلْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، ٱلْمَاشِي فِي وَسَطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ».
ص ١: ١١ و١٢ و١٣ و١٦
اُكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ أفسس قصبة البلاد التي فيها السبع الكنائس وهي مركز أتعاب يوحنا الرسول في الأيام الأخيرة من حياته. أسس بولس الكنيسة فيها وخدمها ثلاث سنين وكتب إليها رسالة نُسبت إليها. وخدمها أيضاً تيموثاوس (١تيموثاوس ١: ٣) وأكيلا وبرسكلا وأبلّس (أعمال ١٨: ١٩ و٢٤). واشتهرت هذه المدينة بهيكل أرطاميس الذي عُدّ من عجائب الدنيا السبع بنفاسة بنائه (انظر تفسير أعمال ١٩: ٢٧).
هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْمُمْسِكُ ٱلسَّبْعَةَ ٱلْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، ٱلْمَاشِي الخ هذا مأخوذ مما سبق من الرؤيا (ص ١: ١٢). لا شيء في هذا الخطاب يصح على كنيسة أفسس أكثر مما يصح على غيرها من تلك الكنائس أو كنائس العالم. فإنه أبان فيه إن المسيح رأس الكنيسة وحافظها ومنشطها وهو موافق لقوله لتلاميذه قبل مفارقته إياهم «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى ٢٨: ٢٠). والفرق بين ما قيل هنا في المسيح وما قيل في (ص ١: ١٦) إنه قيل هناك «في يده السبع الكواكب» وقيل هنا أنه «ممسكها بيمنيه» وهذا يفيد معنى أقوى من معنى الأول إذ يدل على اجتهاده في حفظها لكي لا يخطفها أحد من يده (يوحنا ١٠: ٢٨). وقيل هنا إنه «ماش في وسط المنائر» وقيل هناك أنه «في وسطها» (ص ١: ١٣). وهذا يدل على إنه لا يكل باعتنائه بالكنيسة وإنه معتن بحفظها أبداً وإنه لا يغفل عن شيء من زلاتها والتجارب التي تصيبها وإنه مستعدٌ دائماً لأن يعينها ويهب لها كل ما تحتاج إليه.
٢ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ ٱلأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ».
ع ١٩ وص ٣: ١ و ٨ و١٥ و١يوحنا ٤: ١ يوحنا ٦: ٦ و٢كورنثوس ١٢: ١٣
عَارِفٌ أَعْمَالَكَ هذه ليس معرفة الرضى كقوله «أعرف خاصتي» (يوحنا ١٠: ١٤). بل معرفة الاختبار وتشير إلى كونه يعرف كل شيء (مزمور ١٣٩: ٢٣ و٢٤ وعاموس ٤: ١٣ ويوحنا ٢: ٢٤ و٢٥ وعبرانيين ٤: ١٣). وقوله هذا يدل على أنه اختبر سيرة الكنيسة وصفاتها وفيه تعزية للذين يقدرون أن يقولوا قول بطرس «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ» (يوحنا ٢١: ١٧) وإنذار للخادم الخائن.
وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ هذا تفسير لقوله «أعمالك» وهو يبين شجاعة الكنيسة وغيرتها واجتهادها في خدمة المسيح وصبرها على احتمالها مقاومة العالم من أجل المسيح.
وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ ٱلأَشْرَارَ ليس المراد «بالأشرار» هنا المضطهدون الذين احتملت الكنيسة جورهم بالصبر بل الذين داخل الكنيسة ممن جلبوا العار على اسم المسيح بقبائحهم فإن الكنيسة رفضت هؤلاء بغيرة مقدسة ولذلك مدحها المسيح.
وَقَدْ جَرَّبْتَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ (٢كورنثوس ١١: ١٣). لعل هؤلاء لم يقبلوا يوحنا الرسول لكن مؤمني أفسس امتحنوهم فوجدوهم كاذبين (ص ٣: ٩ و١يوحنا ١: ٦) وقد أنبأ بولس الرسول شيوخ هذه الكنيسة بمثل هؤلاء بقوله «مِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال ٢٠: ٣٠). وقد أعطى المسيح تلاميذه ما به يمتحنون الأنبياء الكذبة وهو قوله «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متّى ٧: ١٦).
٣ «وَقَدِ ٱحْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ».
يوحنا ١٥: ٢١
وَقَدِ ٱحْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ أي ثبتّ على مقاومة الأشرار (ع ٢).
وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي مقاومة كنيسة أفسس الأشرار حمّلتها أثقالاً باهظة لكنها حملتها بالصبر لأجل اسم المسيح أي إعلان نعمة الله ومحبته الذي كان لهم بواسطة المسيح (يوحنا ١٤: ١٣ و١٤).
وَلَمْ تَكِلَّ احتملت هذه الكنيسة التعب (ع ٢) ولم تستثقله فإنه مع عظمة التعب كانت نعمة احتماله أعظم. إن الأمور التي مدح الله بها كنيسة أفسس سبعة جوهرها الرابع منها وهو «تمييز المعلمين الكاذبين ورفضهم» وقد مدح عملها وتعبها في خدمته واحتمالها الشدائد دون تزعزع وحمل صليبها في مقاومة الذئاب الخاطفة التي دخلت صيرة المسيح وخطفت الخراف وبددتها (يوحنا ١٠: ١٢) وفي كرهها كل عملة الشر وامتحان المدّعين إنهم رسل وهم ليسوا رسلاً وعدم كلالها من حمل الخدمة والاضطهاد.
٤ «لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ ٱلأُولَى».
متّى ٢٤: ١٢ إرميا ٢: ٢
لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ بعد مدحه أعمال الكنيسة الحسنة ذكر ما تستحق اللوم عليه.
أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ ٱلأُولَى أي إن تلك الكنيسة فترت «غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ» (إرميا ٢: ٢) والشوق الذي اشتاقته إلى ربها في يوم اقترانها (نشيد الأنشاد ٣: ١ - ٥). أظهر المسيح بذلك أنه فضّل محبتها له على كل شيء وأنه لم يعتبر غيرتها لإكرامه ما لم يكن مؤسساً على محبة القلب. وبولس لما كتب رسالته إلى تلك الكنيسة شكر لله على محبتها لكل القديسين (أفسس ١: ١٥) وشبّه محبتها للمسيح بمحبة الزوجة لزوجها (أفسس ٥: ٢٣ - ٣٣) فمرّ ثلاثون سنة من ذلك الوقت. «فالجيل» الذي كتب إليه بولس كان قد مات. ولعل غيرتها لتعاليم الإنجيل حملتها على الخصومات والجدال فغفلت عن أحوال قلبها فغارت «لصورة الإيمان المسلم مرة للقديسين» وفقدت جوهره الذي هو المحبة. وخمود المحبة يستلزم خمود بقية الفضائل المسيحية لأنها ليست دون المحبة شيئاً (١كورنثوس ١٣: ١ - ٣). والمحبة خلاصة الدين المسيحي والله لا يطلب أكثر منها ولا يكتفي بأقل منها.
٥ «فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلأَعْمَالَ ٱلأُولَى، وَإِلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ».
ع ١٦ و٢٢ وص ٣: ٣ و١٩ ع ٢ عبرانيين ١٠: ٣٢ ص ١: ٢ متّى ٥: ١٤ الخ وفيلبي ٢: ١٥
فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ لعل في هذا إشارة إلى ما جاء في قول النبي «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ» (إشعياء ١٤: ١٢). وهو يذكرنا مثَل المسيح في الابن الضال الذي اشتهى الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله وهو في شديد الجوع وذكر أن الخبز في بيت أبيه كان يفضل عن الخدم (لوقا ١٥: ١٧).
تُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلأَعْمَالَ ٱلأُولَى لم يقل للكنيسة ارجعي إلى شعورك الأول بل أمرها بالرجوع إلى أعمالها الأولى التي حملتها المحبة عليها وجعلت لها قيمة. وخلاصة نصيحة المسيح هنا ثلاثة أوامر «أذكر» و «تب» و «اصلح».
وَإِلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا زحزحة منارة الكنيسة يشير إلى انفصال نعمة المسيح عن الكنيسة وتركها لانطفاء نورها كما حدث لها ولأكثر كنائس الشرق فنُقلت البركة عنها إلى كنائس أُخر. فعلينا أن نفرح بأن النور الذي أشرق في موضع لم يَزُل فإن ما خسرته إحدى الكنائس ربحتها الأخرى. فإتيان المسيح الذي أنذر الكنيسة به ليس هو إتيانه لقضاء يوم الدين بل إتيانه لتأديبها على فتورها في الحياة الروحية ومحبتها للعالم. والظاهر إن الكنيسة استفادت من إنذار المسيح المذكور لأن اغناطيوس الشهيد المشهور كتب إلى الكنيسة بعد خمسين سنة من كتابة هذا السفر رسالة مدح فيها أمانتها وثباتها وإنها خلت من التعليم الفاسد. ومما يؤيد إن منارتها لم تتزحزح يومئذ وجود بعض قسوسها في المجمع الثالث سنة ٤٣١ ب. م.
٦ «وَلٰكِنْ عِنْدَكَ هٰذَا: أَنَّكَ تُبْغِضُ أَعْمَالَ ٱلنُّقُولاَوِيِّينَ ٱلَّتِي أُبْغِضُهَا أَنَا أَيْضاً».
أَنَّكَ تُبْغِضُ أَعْمَالَ ٱلنُّقُولاَوِيِّينَ الخ لم نعلم من أمر هؤلاء شيئاً بالتحقيق لكن بمقابلة ما قيل هنا بما في (ع ١٤ و١٥) نفهم إن تعاليمهم تشبه تعليم بلعام (عدد ٢٥: ١ - ٩). والظاهر إن أعمالهم كانت مثل أعمال بلعام التي أشار إليها بطرس بقوله «قَدْ تَرَكُوا ٱلطَّرِيقَ ٱلْمُسْتَقِيمَ، فَضَلُّوا تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ ٱلَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ ٱلإِثْمِ» (٢بطرس ٢: ١٥). وإنهم بدلوا حرية الإنجيل بالدعارة (يهوذا ٤). فإنهم أغروا المؤمنين بالولائم في الهياكل الوثنية وتناول لحم الذبائح المقدمة للأوثان واقتراف الفواحش المقترنة بها في تلك الهياكل وتلك الولائم. ذهب بعضهم إلى أن النقولايين تلاميذ نقولاوس الأنطاكي الذي مُدح في (أعمال ٦: ٣ - ٥) لكن لا دليل على أنه ارتدّ عن الإيمان وأنه قاد غيره إلى الضلال فالأرجح أنهم فرع من الغنوسيين الذين نشأوا في تلك الأيام. فما استحقت كنيسة أفسس المدح عليه أنها أبغضت التعاليم والأعمال التي أبغضها المسيح.
٧ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ ٱللهِ».
ع ١١ و١٧ و٢٩ وص ٣: ٦ و١٣ و٢٢ و١٣: ٩ متّى ١١: ١٥ وص ٢١: ٧ و٢٢: ٢ و١٤ وتكوين ٢: ٩ أمثال ٣: ١٨ و١١: ٣٠ و١٣: ١٢ و١٥: ٤ حزقيال ٣١: ٨ لوقا ٢٣: ٤٣
مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ هذه العبارة ذُكرت في كل من الرسائل السبع إلا أنها سبقت الوعد في ثلاث منها وتلته في أربع وهي كقول المسيح لتلاميذه وهو على الأرض في الجسد (متّى ١١: ١٥ و٩). وليس المراد «بالأذن» هنا الأذن الجسدية بل الأذن الروحية التي فتحها الله (تثنية ٢٩: ٤ وإشعياء ٥٠: ٤ و٥). وفتح هذه الأذن يشتمل على فتح القلب لكي يصغي صاحبها إلى الحق (أعمال ١٦: ١٤). «والسمع» هنا يشتمل على الإصغاء الاختياري والرغبة في إدراك المسموع وإطاعته. إن المتكلم هنا هو المسيح لكنه قال «الذي يقوله الروح» والذي قاله لم يوجه إلى كنيسة أفسس وحدها بل إلى الكنائس السبع وكنيسة المسيح الجامعة. فكأنه قال الذي يقوله الروح لواحد من المؤمنين يقوله للجميع.
مَنْ يَغْلِبُ قال المسيح لتلاميذه قيل أن بذل نفسه للموت عنهم وعن كل شعبه «أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦: ٣٣). فإنه غلب من أجلهم وهو يهب لهم القدرة ليغلبوا. وإن من مجد الأحداث الذين كانوا أمناء للمسيح أنهم «قد غلبوا الشرير» (١يوحنا ٢: ١٤ و١٥). وقيل إن المولود من الله يغلب العالم «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْغَلَبَةُ ٱلَّتِي تَغْلِبُ ٱلْعَالَمَ: إِيمَانُنَا» (١يوحنا ٥: ٤ و٥). وذكرت «الغلبة الروحية» بلفظها أو بما يشتق منها في مكتوبات يوحنا عشرين مرة. والسبيل الذي غلب فيه مؤمنو أفسس العالم عدم الانجذاب إلى لذّاته فإنهم امتنعوا عن أكل الذبائح المقدمة للأوثان واللذات المحظورة المقترنة بالعبادة الوثنية فنالوا الجزاء الموافق لذلك وهو أن يأكلوا من ثمر شجرة الحياة ويقتضي الانتصار على العالم جهاداً شديداً.
فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ الخ هذا الوعد في آخر أسفار الكتاب المقدس مبني على ما قيل في أولها (تكوين ٢: ٩) ويظهر أن البركة التي فقدها الإنسان بعصيانه لله (تكوين ٣: ٢٤) وجدها المسيح لأنه هو الذي قال «فسأعطيه». والوعد هنا يذكرنا وعد المسيح للص الذي صُلب على أحد جانبيه وهو قوله له «إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي ٱلْفِرْدَوْسِ» (لوقا ٢٣: ٤٣). ذُكرت شجرة الحياة في سفر الأمثال بقوله في الحكمة «هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ لِمُمْسِكِيهَا» (أمثال ٣: ١٨) وقوله «ثَمَرُ ٱلصِّدِّيقِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ» (أمثال ١١: ٣٠) و «هُدُوءُ ٱللِّسَانِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ» (أمثال ١٥: ٤). وهذه الشجرة رمز إلى الحياة الأبدية التي قال فيها المسيح «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا ١٧: ٣). والمراد بالأكل من تلك الشجرة هو الاشتراك في تلك الحياة.
٨ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ سِمِيرْنَا: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ، ٱلَّذِي كَانَ مَيْتاً فَعَاشَ».
ص ١: ١١ و١٧ و١٨
سِمِيرْنَا تُعرف اليوم بإزمير وكانت قديماً قصبة إيونيا وهي شمالي أفسس وكانت من أكبر مدن أسيا الصغرى وأجملها وأغناها. واشتهرت بالتجارة وبعبادة باخوس قديماً وكان أسقفها بوليكربوس الشهيد السنة ١٥٦ ب. م ولم تُذكر في سفر أعمال الرسل ولا في رسائل بولس والمرجّح أن بولس أو أحد رفقائه أسس الكنيسة فيها مدة إقامته في أفسس.
ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ، ٱلَّذِي كَانَ مَيْتاً فَعَاشَ هذا مأخوذ من (ص ١: ١٧ و١٨). كانت كنيسة أفسس عرضة لأشد الاضطهادات ولذلك أعلن المسيح نفسه لها بطريق تتعزى به ويتشدد المجربون فيها. ولم يكونوا تابعي رئيس طائفة أرضي بل الذي اسمه أعظم من أسماء كل ملوك الأرض. فالمسيح أظهر قدرته على الموت بقيامته منه وحياته بعده (عبرانيين ٧: ٣ و١٣: ٨) وإنه أهل لأن يكون مخلّصاً وملكاً لهم.
٩ «أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضِيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ (مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ) وَتَجْدِيفَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ ٱلشَّيْطَانِ».
ص ١: ٩ و٢كورنثوس ٦: ١٠ و٨: ٩ ويعقوب ٢: ٥ ص ٣: ٩ ع ١٣ و٢٤ متّى ٤: ١٠
أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ (انظر تفسير ع ٢).
وَضِيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ اضطهاد اليهود والأمم لمؤمني سميرنا منعهم من أن يعملوا لتحصيل قوام المعاش ومن ذلك الاضطهاد سجن بعضهم وسلب أموالهم فنشأ عن ذلك أن افتقروا فكان الفقر نتيجة الضيقة (أعمال ٢٠: ٢٣ و١تسالونيكي ٣: ٤ وعبرانيين ١٠: ٣٤ و١١: ٣٧).
مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ حساب المسيح في الفقر والغنى غير حساب العالم فإن مؤمني سميرنا كانوا أغنياء في النعمة (رومية ٨: ٣٢ وكولوسي ٢: ٣ و١تيموثاوس ٦: ١٨). ولهم «كُنُوزاً فِي ٱلسَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ» (متّى ٦: ٢٠ ولوقا ١٢: ٢١). وهذا يوافق قول يعقوب «ٱخْتَارَ ٱللهُ فُقَرَاءَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي ٱلإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلَّذِي وَعَدَ بِهِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟» (يعقوب ٢: ٥).
وَتَجْدِيفَ ٱلْقَائِلِينَ كان معظم هذا التجديف تعييرهم المؤمنين فإن المسيحيين حين كانوا يدخلون مجمع اليهود يسمعونهم يلقبونهم بالناصريين والجليليين وأتباع المصلوب لأنهم اعترفوا باسم المسيح ويسمعونهم يجدفون على ذلك الاسم الحسن الذي دُعي به عليهم (يعقوب ٢: ٧).
إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ ٱلشَّيْطَانِ إنهم كانوا يهوداً بمجرد الاسم والنسب لكنهم لم يكونوا آل إسرائيل بالحق فكانت شرورهم شرور الفريسيين الذين وبخهم المسيح. وأظهروا أنهم كانوا من «مجمع الشيطان» بما فيهم من روح الكبرياء والبغض والكفر. وكان مثل هؤلاء اليهود هم المتقدمون في اضطهاد المسيحيين وقيل أنه في وقت استشهاد بوليكربوس في سميرنا سبق اليهود غيرهم إلى إعداد الوقود لإحراقه حياً.
١٠ «لاَ تَخَفِ ٱلْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضاً مِنْكُمْ فِي ٱلسِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِيناً إِلَى ٱلْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ».
ص ٣: ١٠ و٣: ١٤ دانيال ١: ١٢ و١٤ ع ١٣ وص ١٧: ١٤ ص ١٢: ١١ و١كورنثوس ٩: ٢٥ وص ٣: ١١
لاَ تَخَفِ ٱلْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ هذا يدل أنه يجب عليهم أن يحتملوا الاضطهاد وموجة بعد موجة من المصائب. المسيح لم يخف عن تلاميذه المصاعب والأخطار التي تقتضيها خدمته وأنبأهم بأنهم «يكونون مبغضين من أجل اسمه» (متّى ١٠: ١٦ - ٢١ ويوحنا ١٦: ٢١). ونسب ضيقتهم إلى علتها وهي الشيطان الذي هيّج بغض الناس واضطهادهم لهم فهو أصل الافتراء والتجديف المذكور على وفق معنى اسمه «المشتكي».
هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضاً مِنْكُمْ فِي ٱلسِّجْنِ أي يتخذ الوسائل إلى أن يجعل الحكام الوثنيين يصدقون ما يُفترى به عليهم ويسجنونهم. واقتصر على السجن من كل أنواع الاضطهاد وهي كثيرة.
لِكَيْ تُجَرَّبُوا هذا ليس امتحان الرب بل ما ينشأ من اجتهاد الشيطان ليحمل المسيحيين على الارتداد عن المسيح وعلى إنكار اسمه (متّى ٤: ١ و١كورنثوس ١٠: ١٤ و١تسالونيكي ٣: ٥).
وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لم يقصد المسيح بهذه الأيام عشرة أيام حقيقية ولا عشرة سنين ولا عشرة اضطهادات. فالعدد رمزي يدل على وقت قصير محدود كما يتضح من (تكوين ٢٤: ٥٥ وعدد ١١: ١٩ و١صموئيل ١: ٨ وأيوب ١٩: ٣ ودانيال ١: ١٢ وأعمال ٢٥: ٦). ودل على قصر الوقت أيضاً تعبيره عنه بالأيام لا بالسنين.
كُنْ أَمِيناً إِلَى ٱلْمَوْتِ أي اثبت على الأمانة مستعداً أن تختم شهادتك للمسيح بدمك إذا اقتضت الحال (متّى ١٠: ٢٢ و٢٤: ١٣ وفيلبي ٢: ٨). وهذا يتضمن ما يزيد على الأمانة مدة الحياة. ومثال المعنى المقصود أمانة بوليكربوس فإنه حين أُتي به ومثل في حضرة الوالي الروماني أمره الوالي بأن ينكر المسيح فقال «ستاً وثمانين سنة اتبعته ولم أجد منه سوى الخير فهل أنكره الآن».
فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ أي الحياة الأبدية وهذا إكليل الملك لا إكليل المجاهد في الملاعب اليونانية (ص ٤: ٤ و٥: ١٠). وهو إكليل الرب يسوع نفسه (ص ١٤: ١٤). قال بولس إنه «إكليل البر» (٢تيموثاوس ٤: ٨) وقال بطرس إنه «إكليل المجد» (١بطرس ٥: ٤) وقال إشعياء إنه «إكليل جمال» و «تاج ملكي» (إشعياء ٦٢: ٣).
١١ « مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي».
ص ٢٠: ٦ و١٤ و٢١: ٨
مَنْ لَهُ أُذُنٌ (انظر تفسير ع ٧).
مَنْ يَغْلِبُ (انظر تفسير ع ٧).
فَلاَ يُؤْذِيهِ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي المراد «بالموت الثاني» الموت الذي بعد الدينونة (ص ٢٠: ٦ و١٤ و٢١: ٨). فإنه كما تكون حياة غير الحياة الجسدية كذلك يكون للأشرار موت غير الموت الجسدي. وكان الوعد لكنيسة سميرنا أن لا تكون سلطة للموت الثاني عليها وكانت هذه الكنيسة عرضة للاضطهاد وللموت الجسدي لكن المسيح أكد لها هنا أنها لا تكون عرضة للموت الذي يمكنه أن يعتري النفس وهو الانفصال عن الله أبداً.
١٢ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَرْغَامُسَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلَّذِي لَهُ ٱلسَّيْفُ ٱلْمَاضِي ذُو ٱلْحَدَّيْنِ».
ص ١: ١١ و١٦
مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَرْغَامُسَ رأى يوحنا في رؤياه المسيح يخاطب الملاك كأنه يخاطب الكنيسة. وكانت برغامس قصبة مملكة أتالوس الثاني الذي عند موته أوصى بملكه للمملكة الرومانية. واشتهرت هذه المدينة بمكتبتها العظيمة وبهياكلها هيكل زفس وهيكل مينرفا المعروفة بأثينا وهيكل أبلّو وعبادة أسكولاب إله الطب.
ٱلَّذِي لَهُ ٱلسَّيْفُ ٱلْمَاضِي ذُو ٱلْحَدَّيْنِ (انظر تفسير ص ١: ١٦).
١٣ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ ٱلشَّيْطَانِ، وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِٱسْمِي وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانِي حَتَّى فِي ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا كَانَ أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي ٱلأَمِينُ ٱلَّذِي قُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ ٱلشَّيْطَانُ يَسْكُنُ».
ص ١٤: ١٢ و١تيموثاوس ٥: ٨ ص ١: ٥ و١١: ٣ و١٧: ٦ وأعمال ٢٢: ٢٠ ع ٩
أَنَا عَارِف، أَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ ٱلشَّيْطَانِ عرف المسيح الصعوبات الخاصة والمخاطر المحيطة بكنيسة برغامس وهذه المعرفة استلزمت أنه مستعد أن يحميها من تلك المخاطر وأن يمنحها نعمة وقوة على احتمالها إذا وقعت عليها. ولا نعلم بماذا امتازت عن غيرها من المدن الوثنية حتى استحقت أن تُحسب كرسي مملكة الشيطان المظلمة. ظن بعضهم أن علة ذلك المعجزات الكاذبة المنسوبة إلى هيكل أسكولاب إله الطب لكن لم يتضح أن ذلك سبب كاف لأن تُحسب كذلك. الذي يتضح من هذا أن أهلها كانوا عبيد سلطان الظلمة اختياراً وإنهم بذلوا الجهد في مقاومة ملكوت المسيح واضطهاد تلاميذه.
وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِٱسْمِي يظهر من هذا أن كثيرين من أعضاء الكنيسة بقوا ثابتين في الإيمان إلى حد أوجب لهم المدح مع أنه لم يذكر من أسماء الذين جاهدوا حتى الموت سوى واحد.
أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي ٱلأَمِينُ هذا الشخص لم يُذكر إلا هنا ممن ختموا شهادتهم للمسيح بدمائهم ويكفي أن المسيح مدحه فحقق لنا أنه لم يكن منسياً في الجنود الإلهية.
١٤، ١٥ «١٤ وَلٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّ عِنْدَكَ هُنَاكَ قَوْماً مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ، ٱلَّذِي كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا. ١٥ هٰكَذَا عِنْدَكَ أَنْتَ أَيْضاً قَوْمٌ مُتَمَسِّكُونَ بِتَعَالِيمِ ٱلنُّقُولاَوِيِّينَ ٱلَّذِي أُبْغِضُهُ».
ع ٢٠ و٢بطرس ٢: ١٥ وأعمال ١٥: ٢٩ و١كورنثوس ١٠: ٢٠
بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ المرجح أن النقولايين المذكورين في (ع ٦ و١٥) هم الذين تمسكوا بتعليم بلعام. ويعرف نوع التجربة التي كانت في تعليمهم مما قيل في (عدد ٢٥: ١ - ٩ و٣١: ١٥ و١٦) ومن هناك نعلم أن بلعام حين منعه الله من أن يلعن إسرائيل علّم بالاق كيف يجعل الإسرائيليين يخطأون حتى يغضب الله عليهم ويهلكهم. وعدم ذكر موسى أن بلعام علم بالاق أن يجعل النساء المؤابيات عثرة للإسرائيليين لا ينفي ما قيل هنا من توسط بلعام. ولا بد من أن الشيطان كان هو المقدم في وضع المعاثر في طريق الناس ليسقطوا بها إلى الهلاك لكنه يستخدم لذلك أشرار الناس من رجال ونساء كما استخدم بلعام وبنات مؤاب ويربعام وإيزابل وأمثالهم لإجراء مقاصده الشريرة. إن متنصري اليهود في كنيسة برغامس لم يكونوا عرضة للسقوط في التجربة المذكورة هنا لأن تربيتهم علّمتهم أن يكرهوا كل ما يُستعمل في العبادة الوثنية (عدد ٢٥: ٢ ومزمور ١٠٦: ٢٨ ودانيال ١: ٨) ولكن متنصري الأمم كانوا على خلاف ذلك فاعترفوا بوجوب الامتناع عن الاشتراك في عبادة الأوثان جهاراً لكنهم لم يروا أنهم مكلفون بالامتناع عن أكل ما ذُبح للأوثان لأن ذلك يستلزم انفصالهم عن كل الولائم الجمهورية والشخصية لأنه يندر أن يُباع في السوق لحم لم يُقدم للأوثان أولاً فإن الفقراء من عبدة الأوثان كانوا بعد تقديم جزء منها على المذبح يبيعون ما بقي. وكان الكهنة يبيعون أنصبتهم من اللحم فإذا امتنع اليهود أن يبيعوا ما ذبحوه لم يبق للمتنصرين أن يأكلوا لحماً. حكم المجمع في أورشليم بضرورية امتناع متنصري الأمم عن نجاسات الأوثان أي أكل لحم ما ذُبح للأصنام (أعمال ١٥: ٢٠ و٢٩). واضطر بولس أن يكتب إلى مسيحيي كورنثوس في ما يجب عليهم في هذا الأمر (١كورنثوس ٨: ١٠ و١٠: ٢٥ و٢٧). ونرى من ذلك كيف كانت أسباب العثرات تحدث في برغامس بين الذين لم يعتبروا الوثن شيئاً ولكنهم خافوا أن يُحسبوا شركاء الشياطين إذا أكلوا ما يُباع في السوق (١كورنثوس ١٠: ٢٠) والخلاصة أنه كان في كنيسة برغامس من النقولاويين الذين أشبهوا بلعام في كونه قد جرّب بني إسرائيل لكي يخطأوا.
١٦ «فَتُبْ وَإِلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ سَرِيعاً وَأُحَارِبُهُمْ بِسَيْفِ فَمِي».
ع ٥ ص ٢٢: ٧ و٢٠ ص ١: ٢٦ و٢تسالونيكي ٢: ٨
فَتُبْ وَإِلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ سَرِيعاً هذا مثل ما أنذر به كنيسة أفسس (ع ٥).
وَأُحَارِبُهُمْ بِسَيْفِ فَمِي أي أنه يعاقب النقولاويين الذين في الكنيسة. وليس في هذا إشارة إلى السيف الذي كان في يد الملاك الذي اعترض بلعام. والأرجح أن معنى هذا السيف أن الله يقيم منهم مبشرين أمناء وأن كلامه يكون في أفواههم كسيف ماض ليفصلهم عن ضلالهم المهلك.
١٧ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى ٱلْحَصَاةِ ٱسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ٱلَّذِي يَأْخُذُ».
ع ٧ يوحنا ٦: ٤٩ و٥٠ إشعياء ٥٦: ٥ و٦٢: ٢ و٦٥: ١٥ ص ١٩: ١٢ ص ١٤: ٣
أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى سمع يوحنا من فم المسيح ما قاله في أنه «الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا ٦: ٥١) وقابل ذلك بالمن الذي أكله بنو إسرائيل في البرية ثم ماتوا. إن المسيح هو خبز الحياة المرموز إليه بالمن الذي أكله الإسرائيليون في البرية وهذا الخبز «إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هٰذَا ٱلْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ٦: ٣٣ و٥٠ و٥١). وهو مخفى عنا الآن كما أُخفي قسط المن في قدس الأقداس أمام الشهادة (خروج ١٦: ٣٤). وفي هذا إشارة إلى كون ينبوع الحياة المسيحية مخفى عن العالم (كولوسي ٣: ٣) فالمؤمنون بالمسيح يقتاتون به بالإيمان وينالون البركات غير المنظورة من النعمة والمحبة الإلهية. ولم يكن المسيح مخفى عن شعبه إلى الأبد فإنه سوف يُعلن نفسه لهم فيرونه كما هو ويتغيرون إلى صورته (١يوحنا ٣: ٢). فأكل المن السماوي هذا والتغيّر إلى صورة المسيح هو ثواب الذين يمتنعون من أكل ما ذُبح للأوثان.
وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ اللون الأبيض يُكنى به عن الطهارة ويُنسب إلى أشياء كثيرة في السماء من ذلك القول في ابن الله إن «رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ» (ص ١: ١٤). و «الثياب البيض» (ص ٣: ٥). و «السحابة البيضاء» (ص ١٤: ١٤). و «الخيل البيض والبَزّ الأبيض» (ص ١٩: ١١ و١٤). و «العرش الأبيض» (ص ٢٠: ١١).
ذهب بعضهم أنه أراد بالحصاة الحصاة البيضاء التي كان يلقيها القضاة السياسيون من الرومانيين واليونانيين في الاقتراع لتبرئة المتهم كما أن إلقاءهم الحصاة السوداء كان بياناً لتخطئته والحكم عليه. ويبطل هذا الرأي أن تلك الحصاة لم تكن تُعطى المبرّأ ولم يكن مكتوباً عليها شيء. وذهب بعضهم إلى أنها أحد الحجارة الكريمة التي كانت توضع على الأوريم والتميم في صدرة الحبر الأعظم حين يدخل قدس الأقداس (خروج ٢٨: ١٥ - ٣٠). وظن غيرهم أنها علامة الصداقة يُعطاها الصديق بياناً أن له حق الضيافة والمساعدة على تحصيل ما يحتاج إليه ويقول غيرهم أنها إشارة إلى حصاة بيضاء يعطاها الغالب في المبارزة بالسيف مكتوب عليها اسمه واسم معلمه وتاريخ المبارزة. ولا نعلم يقيناً ما المراد منها إلا أننا نعلم أنها هنا آية رضى الله ونعمته الخاصة.
وَعَلَى ٱلْحَصَاةِ ٱسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ كما وُصفت السماويات بأنها بيضاء وُصفت كذلك بأنها جديدة لأن مُعلن هذا السفر قال إنه يجدد كل ما هو عتيق وفانٍ بسببب الخطيئة وأنه يصنع كل شيء جديداً (ص ٢١: ٥). ومن ذلك «الاسم الجديد» و «أورشليم الجديدة» (ص ٣: ١٢). و «الترنيمة الجديدة» (ص ٥: ٩) و «السماء الجديدة» (ص ٢١: ١).
أٰعطاه الله اسماً جديداً للمحبوب في الكتاب المقدس علامة دخوله حياة السعادة في المستقبل. ويقترن هذا الإعطاء غالباً بوعد يتكفل له بخير جزيل. ومن أمثلة ذلك ما كان لأبرام ويعقوب بتسمية الله للأول إبراهيم وللثاني إسرائيل. ومثل ما كان لأورشليم بأن سُميت بعد أن كانت مهجورة موحشة «حفصيبة» (إشعياء ٦٢: ٤). وكما كان لسمعان بن يونا بأن سُمي «بطرس». ويوحنا ويعقوب بأن سُميا «ابني الرعد». فإعطاء الاسم الجديد يشير إلى حياة جديدة أسمى من الحياة القديمة وإلى صفات أسمى من الصفات الأولى. فالاسم الجديد هنا يدل على سمو مقام الغالب في الجهاد الروحي وصفاته المجيدة وفرحه العظيم في أورشليم الجديدة.
لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ٱلَّذِي يَأْخُذُ المراد بهذا أن المؤمن تتغير طبيعته وتكمل على وفق ذلك الاسم الجديد ولا يعرف ذلك إلا هو بواسطة شعوره على حد قول الحكيم «اَلْقَلْبُ يَعْرِفُ مَرَارَةَ نَفْسِهِ، وَبِفَرَحِهِ لاَ يُشَارِكُهُ غَرِيبٌ» (أمثال ١٤: ١٠). فيحصل المؤمن بجهاده مع العالم وانتصاره عليه على التقدم في القوة والإيمان والمحبة والنمو في الصبر والرجاء ثمر احتماله الضيقات. فكل هذه الفضائل يتصف بها روحه الباطن ولا يعرف العالم ذلك.
١٨ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي ثِيَاتِيرَا: هٰذَا يَقُولُهُ ٱبْنُ ٱللهِ، ٱلَّذِي لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلاَهُ مِثْلُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ».
ع ٢٤ ص ١: ١١ متّى ٤: ٣ ص ١: ١٤ و١٥
ثِيَاتِيرَا هي مدينة بين برغامس وساردس بناها مهاجرون مكدونيون من جنود اسكندر الكبير في نحو السنة ٣٠٠ ق. م وهي مشهورة بعبادة أبلّو إله الشمس وعُرف عندهم بتيرنُّس واشتهرت بتجارة الأرجوان ووجود ليدية بائعة الأرجوان إحدى نساء ثياتيرا في فيلبي دليل واضح على الاتصال بين المدينتين (أعمال ١٦: ١٤).
لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلاَهُ مِثْلُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ الصفات التي تُنسب إلى المسيح هنا مأخوذة من مظهره في (ص ١: ١٤ و١٥) إلا أنه دُعي هنا «ابن الله» إشارة إلى لاهوته بدلاً من دعوته هناك «ابن الإنسان» إشارة إلى ناسوته. وما قيل هنا يوافق ما قيل فيه في المزمور الثاني. والآية الثامنة هناك كالآية السادسة والعشرين هنا. والآية التاسعة هناك كالآية السابعة والعشرين هنا. وتلك الصفات مناسبة لخطابه الذي أظهر به سلطانه المطلق وشدته. فكون عينيه «كلهيب نار» يدل على أنه «فاحص الكلي والقلوب» (ع ٢٣). وكون «رجليه كنحاس نقي» يدل على أنه «يسحق أعداءه كآنية الخزف».
١٩ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَخِدْمَتَكَ وَإِيمَانَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّ أَعْمَالَكَ ٱلأَخِيرَةَ أَكْثَرُ مِنَ ٱلأُولَى».
ع ٢
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ خصّ المسيح بالمدح هنا زوجين من الفضائل وهو يصف أعمال هذه الكنيسة الزوج الأول المحبة والخدمة التي هي علامة تلك المحبة (أعمال ١١: ٢٩ و١كورنثوس ١٦: ١٥ وعبرانيين ٦: ١٠). والزوج الثاني الإيمان والصبر الذي هو دليل على صحة الإيمان. وذكر الإنجيل أن الإيمان مصدر الصبر أبداً (رومية ٢: ٧ وعبرانيين ١١: ٢٧).
وَأَنَّ أَعْمَالَكَ ٱلأَخِيرَةَ أَكْثَرُ مِنَ ٱلأُولَى تقدم مؤمنو ثياتيرا في خدمة المحبة وصبر الإيمان والأعمال التي تظهر هذه الفضائل وبهذا النمو نالوا مدح سيدهم وفي ذلك امتازوا عن كنيسة أفسس التي تركت محبتها الأولى (ع ٤) واختلفت صفاتها كل الاختلاف عما ذكره بطرس من الذين «صَارَتْ لَهُمُ ٱلأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ ٱلأَوَائِلِ» (٢بطرس ٢: ٢٠).
٢٠ «لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّكَ تُسَيِّبُ ٱلْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ ٱلَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، حَتَّى تُعَلِّمَ وَتُغْوِيَ عَبِيدِي أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ».
ع ١٤ و١ملوك ١٦: ٣١ و٢١: ٢٥ و٢ملوك ٩: ٧ وأعمال ١٥: ٢٩ و١كورنثوس ١٠: ٢٠
لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّكَ تُسَيِّبُ ٱلْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ أي تركتها تسيب حيث شاءت بلا ردع ولا تأديب. فتبيّن من هذا أنه لم يكن لتلك الكنيسة الاعتناء بحفظ التعليم الصحيح كما يجب ولا الغيرة الواجبة لإجراء التأديب فاختلفت في ذلك عن كنيسة أفسس التي غارت للحق وفترت في المحبة. وما قصده بإيزابل هنا يتضح من نبإها في (١ملوك ١٦: ٣١). كانت إيزابل بنت اثبعل ملك صيدون كاهن عشتروت. قتل الملك فيلبس وملك مكانه. وقبل أن صارت زوجة آخاب كان أسباط إسرائيل العشرة يعبدون الله بواسطة عجلين من ذهب على سنن شريعة موسى فمزجوا عبادة الله الروحية بالعبادة المصرية الوثنية ولكنها حين صارت زوجة لآخاب أظهرت أشد البغض لأنبياء الله وسعت في قتلهم جميعاً (١ملوك ١٨: ١٣) واستئصال عبادة الله من المملكة فهي نبية كاذبة كما يظهر من جواب ياهو لقول يهورام «أسلام يا ياهو» وهو قوله «أي سلام ما دام زنا إيزابل أمك وسحرها الكثير». فكما أن بلعام أدخل قبل ذلك في إسرائيل عبادة الأوثان وما يقترن بها من أعمال النجاسة كذلك فعلت إيزابل بعد خمس مئة سنة وخمسين سنة من ذلك. وكذا فعلت امرأة شريرة في كنيسة ثياتيرا إذ اقتفت خطوات إيزابل واستحقت أن تُسمى باسمها. فادعت أنها نبية وأنه يوحى إليها وهي تعلّم تعليم الشيطان وتُغري عبيد المسيح بالزنى وأكل ما ذُبح للأوثان (ع ١٤). والمرجّح أن الذين دُعوا أتباع إيزابل هنا وأتباع بلعام والنقولاويين هم واحد فإنهم نفوا وجوب حفظ الشريعة الأدبية لظنهم أن المسيح حرّرهم منها وارتكبوا أفظع الخطايا وهم يدّعون أعظم القداسة.
ويظهر لنا أنه كيف بلغت هذه المرأة مقام النبية في كنيسة ثياتيرا مما في نبوءة يوئيل وهو قوله ما معناه أن الروح القدس يُسكب على الإماء كما على العبيد وإن البنات تتنبأ كالشبان. وقول بطرس إن تلك النبوءة نجزت في أيامه. ونرى أن وثني فيلبي اعتقدوا أن المرأة التي فيها الروح النجس كان فيها روح العرافة (أعمال ١٦: ١٦). وأن بعض النساء تنبأن في كنيسة كورنثوس ورؤوسهن مكشوفة (١كورنثوس ١١: ٥ - ١٠) حتى اضطر بولس أن يسن على النساء السكوت في الكنيسة (١كورنثوس ١٤: ٣٤ و٣٥) وأمر تيموثاوس أن يجري تلك السنة في كنائس أسيا (١تيموثاوس ٢: ١١ و١٢) وورد في بعض النسخ القديمة «امرأتك إيزابل» ويقول بعض المفسرين إن الكلام مجاز والمعنى أنه كان في كنيسة ثياتيرا قوم علموا التعليم الفاسد وعملوا الأعمال الفاسدة وكانت نسبتهم إلى الكنيسة كنسبة امرأة زانية إلى رجلها الذي لا يردعها بل يسيبها وملاك الكنيسة هو الكنيسة كما ذُكر في تفسير (١: ٢٠).
٢١ «وَأَعْطَيْتُهَا زَمَاناً لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ».
رومية ٢: ٤ و٥ وص ٩: ٢٠ و١٥: ٩ و١١ و٢بطرس ٣: ٩
وَأَعْطَيْتُهَا زَمَاناً لِكَيْ تَتُوبَ الخ طلب المسيح أن تتوب وأن تُظهر صحة توبتها بإصلاح سيرتها لكنها اعتبرت بطوء الله عن عقابها دليلاً على أنه لا يعاقبها (مزمور ١٠: ٦ وجامعة ٨: ١١ وإشعياء ٢٦: ١٠) وحقق المسيح لها أن ذلك البطوء ليس إلا فرصة لها لكي تتوب (رومية ٢: ٤ و٢بطرس ٣: ٩).
٢٢ «هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَٱلَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ».
ص ١٧: ٢ و١٨: ٩
هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ كما أسلم بولس الإنسان الزاني في كورنثوس إلى الشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح (١كورنثوس ٥: ٥). وكما مرض الذين تهاونوا بالعشاء الربي وماتوا كذلك أنذر المسيح مذنبي برغامس بأنه يعاقبهم بنتائج إثمهم الطبيعية وذلك بأن يكون فراش اللذات المحظورة مضجع الآلام والأمراض والموت.
وَٱلَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ المراد «بالذين يزنون معها» شركاء آثامها الذين يؤيدونها بالفعل أو بالسكوت عنها. وأنذرهم المسيح بالبلاء الشديد.
٢٣ «وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بِٱلْمَوْتِ. فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ ٱلْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ ٱلْفَاحِصُ ٱلْكُلَى وَٱلْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ».
مزمور ٧: ٩ و٢٦: ٢ و١٣٩: ١ وإرميا ١١: ٢٠ و١٧: ١٠ لوقا ١٦: ١٥ وأعمال ١: ٢٤ ورومية ٨: ٢٧ متّى ١٦: ٢٧
وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بِٱلْمَوْتِ أنذر تابعيها وتلاميذها بالموت.
فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ ٱلْكَنَائِسِ في كل العالم إلى نهاية الزمن فتتحقق أن موتهم نتيجة خطيئتهم فيكونون عبرة لغيرهم (عدد ١٦: ٢٩) وإن «اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ» (غلاطية ٦: ٧) وأنه يفحص الكلي (باعتبار كونها مركز الشهوات الجسدية مزمور ٧: ٩ و١٣٩: ١ وإرميا ١١: ٢٠) والقلب (باعتبار كونه مركز العواطف ١صموئيل ١٦: ٧ و١ملوك ٨: ٣٩) وهذا يبرهن صحة دعوى المسيح أنه «ابن الله».
وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ (مزمور ٦٢: ١٢ وأمثال ٢٤: ١٢ ومتّى ١٦: ٢٧ ورومية ٢: ٦).
٢٤ «وَلٰكِنَّنِي أَقُولُ لَكُمْ وَلِلْبَاقِينَ فِي ثِيَاتِيرَا، كُلِّ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ هٰذَا ٱلتَّعْلِيمُ، وَٱلَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا أَعْمَاقَ ٱلشَّيْطَانِ، كَمَا يَقُولُونَ، إِنِّي لاَ أُلْقِي عَلَيْكُمْ ثِقْلاً آخَرَ».
أعمال ١٥: ٢٨ و١كورنثوس ٢: ١٠
وَلِلْبَاقِينَ فِي ثِيَاتِيرَا أي الذين اعتزلوا إيزابل ولم يشتركوا في أعمالها. المسيح حوّل نظره عن الجزء الأكبر من أعضاء الكنيسة ووجّه كلامه إلى الجزء الأصغر.
ٱلَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا أَعْمَاقَ ٱلشَّيْطَانِ، كَمَا يَقُولُونَ إن الغنوسيين المبتدعين ادعوا معرفة الأمور الإلهية أكثر من سائر المؤمنين وإنهم أدركوا أعماق أسرار الله إدراكاً خاصاً ولكن المسيح دعا إدراكهم معرفة أعماق الشيطان. زعم الغنوسيين إن الذي يستخف بلذات الجسد ويهرب منها جبان ولكن الذي ذاق تلك اللذات وشبع منها وحفظ مع ذلك طهارة روحه هو الشجاع الظافر لأنه غلب الشيطان في ملكوته. وقالوا أنه من الضروري أن يختبر الإنسان الشر كما يختبر الخير لكي يكون كاملاً. فاستندوا على بعض أقوال بولس بأن الناموس ليس بأصل التبرير ولا واسطة التقديس واستنتجوا من ذلك أن الناموس ليس بقانون حياتهم وحسبوه ثقلاً يحق للمؤمنين أن يرفضوا حمله.
لاَ أُلْقِي عَلَيْكُمْ ثِقْلاً آخَرَ سوى أن ترفضوا تلك التعاليم الفاسدة والأعمال المقترنة بها وتفندوها. وهذا ما أوجبه المجمع الرسولي في أورشليم على متنصري الأمم بقوله «لأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هٰذِهِ ٱلأَشْيَاءِ ٱلْوَاجِبَةِ: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ ٱلدَّمِ، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلزِّنَا» (أعمال ١٥: ٢٨ و٢٩). إن المسيح لم يضع الناموس الأدبي هذا حملاً ثقيلاً يعسر حمله بل حملاً خفيفاً كقوله لرسله (متّى ١١: ٣٠).
٢٥ «وَإِنَّمَا ٱلَّذِي عِنْدَكُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ إِلَى أَنْ أَجِيءَ».
ص ٣: ١١ يوحنا ٢١: ٢٢
وَإِنَّمَا ٱلَّذِي عِنْدَكُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ أي ما لكم من التعليم الصحيح في الدين وما لكم من الرجاء والبركات تمسكوا به بقوة لكي لا يسلبكم أحد إياه.
إِلَى أَنْ أَجِيءَ يرى الإنجيل إن وقت مجيء الرب نهاية الجهاد المسيحي بين الحق والباطل لا وقت موت الإنسان بناء على أن الجهاد جهاد الكنيسة لا جهاد شخصي.
٢٦ «وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى ٱلنِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأُمَمِ».
ع ٧ متّى ١٠: ٢٢ وعبرانيين ٣: ٦ مزمور ٢: ٨ ص ٣: ٢١ و٢٠: ٤
هنا ابتداء وعد المسيح للمؤمنين في الكنيسة ولم يقدم هنا قوله «من له أذن للسمع فليسمع» كما في ما مرّ من الرسائل بل تركه إلى آخر الرسالة.
مَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى ٱلنِّهَايَةِ أعمال المسيح هي ما أوصى به ويسر به فهي أثمار روحه. وهذه الأعمال مثل الأعمال التي أتاها المسيح فتدل على شدة اتحاد المسيح بشعبه. وحفظ هذه الأعمال إلى النهاية هو الأمر الممدوح لا الأخذ فيها ولا إتيانها إلى حين.
فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأُمَمِ يعتبر المسيح أن حقوقه حقوق شعبه هو يملك فهم يملكون أيضاً ويشاركونه في مقامه وسلطانه (ص ٣: ٢١ ورومية ٥: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٢) ويتضح ما هو سلطان المؤمنين على الأمم في (ص ٢٠: ٤ و٢٢: ٥ و١كورنثوس ٦: ٢) ولا سيما قول المسيح «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي ٱلتَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ» (متّى ١٩: ٢٨).
٢٧ «فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضاً مِنْ عِنْدِ أَبِي».
ص ١٢: ٥ و١٩: ١٥ إشعياء ٣٠: ١٤ وإرميا ١٩: ١١
فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ أي يسوسهم وهذا مقتبس من (مزمور ٢: ٩) وذُكر أيضاً في (ص ١٢: ٥ و١٩: ١٥). وأشار «بالقضيب من الحديد» إلى قوة العدل (١كورنثوس ٤: ٢١). وهذه العبارة إنذار لكن في الآية تلميح إلى المحبة. فإظهار القضاء تمهيد لإظهار الرحمة فيرعاهم أولاً بقضيب من حديد لكي يرعاهم بعد بقضيب من ذهب فيسحقهم ليعلموا أنهم بشر حتى يقبلوا متى فصلهم عن كبريائهم وعنادهم نير المسيح الهين «وَيَعْلَمُوا أَنَّكَ ٱسْمُكَ يَهْوَهُ، وَحْدَكَ ٱلْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ» (مزمور ٨٣: ١٨) وكثيراً ما يحدث أن يكون ضيق أمة وسيلة إلى انخفاض كبريائها فقبولها الإنجيل.
كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ استعمال المسيح «قضيباً من حديد» بدل من صولجان الملوك المعهود يدل على عظمة قوته وأنه قادر على أن يسحق كل مقاوميه كأنهم ليسوا سوى آنية من خزف. وهذا يبين سهولة انتصاره عليهم وإهلاكهم التام إذا قاوموه (إشعياء ٣٠: ١٤ وإرميا ١٩: ١١).
كَمَا أَخَذْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي وعد الشيطان المسيح أن «يعطيه كل ممالك العالم ومجدها» لكنه رفض ذلك بكره لا لأن ذلك لم يكن له بالحق والإرث بل لأنه لم يرد أن يأخذ إلا من يدي أبيه (متّى ٢٨: ١٨) فإنه أخذ ذلك الملك من أبيه ليقوم به ويهبه لعبيده. فالذي وعد به الشيطان كذباً قال المسيح حقاً أنه «يعطيه لمن يشاء» (لوقا ٢٢: ٢٩).
٢٨ «وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ ٱلصُّبْحِ».
ص ٢٢: ١٦ و١يوحنا ٣: ٢
وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ ٱلصُّبْحِ قال المسيح في نفسه أنه هو «كوكب الصبح» (ص ٢٢: ١٦) وبذلك صرّح أن أحسن منظر في الخليقة هو رسم جماله. فبوعده عبيده بأن يعطيهم «كوكب الصبح» وعدهم أن يهب لهم نفسه وأنه يكون هو فخرهم ومجدهم وأنه يجعلهم شركاء جلاله وسلطانه (ص ٣: ٢١) لأن الكوكب كناية عن الملك (متّى ٢: ٢) وكثيراً ما يقترن الكوكب بصولجان الملك بدليل قول بلعام «يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ» (عدد ٢٤: ١٧) فحلية الخليقة المنظورة تكون حلية الكنيسة إذ كانت أمينة لربها.
٢٩ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».
ع ٧
(راجع تفسير ع ٧).
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
رسائل إلى كنيسة ساردس ع ١ إلى ٦ وكنيسة فيلادلفيا ع ٧ إلى ١٣ وكنيسة لاودكية ع ١٤ إلى ٢٢
١ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي سَارْدِسَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ. أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ».
ص ١: ٤ و١١ و١٦ ع ٨ و١٥ ص ٢: ٢ و١تيموثاوس ٥: ٦
سَارْدِسَ مدينة على حضيض جبل تمولس على نهر بكتولس وكانت قصبة ليدية التي كانت مملكة عظيمة غنية كان ملكها كريسس اشتهرت بمتجرها وعبادة الإلاهة سبيلي والفجور والقحة. وخلاصة هذه الرسالة إنذار.
ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ كما في (ص ١: ٤) والمراد «بسبعة أرواح الله» هو الروح القدس الذي هو واحد في الجوهر ومتعدد باعتبار أعماله. وعدد السبعة عبارة عن كل صفاته وكمال طبيعته. ويظهر أن للمسيح سبعة أرواح الله من قوله في موضع آخر «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ» (ص ٥: ٦). قابل بهذا ما في (زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠). وللمسيح سبعة أرواح الله أي الروح القدس لأنه ابن الله كما أنها للآب. وله الروح ليمنحه لغيره ولاق أن يظهر المسيح نفسه لكنيسة ساردس ذا كمال المواهب الروحية ليُظهر أنه قادر على أن يقوّي الضعيف وينهض الساقط فيها ويرد عن أبواب الموت الذين قربوا من الهلاك لأن كنيسة سادرس كانت في حال السبات والخَدر الروحيين وكان سراج إيمانها على وشك أن ينطفئ.
وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ كما في (ص ١: ٢٠). وهذه السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس فيتبين من ذلك أن واهب الروح القدس هو أيضاً رأس خدم الكنيسة فبمحبتهم المواهب والفضائل التي تقدرهم على القيام بخدمتهم كما في (أفسس ٤: ٧ - ١٢ ويوحنا ٢٠: ٢٢ و٢٣ وأعمال ١: ٨ وأفسس ٤: ٧ - ١٢). فأكد المسيح لخدم الدين أنه لا يتركهم بلا الفضائل المتنوعة التي يحتاجون إليها لأن له الروح القدس الذي يهب تلك الفضائل كاملة.
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ (انظر تفسير ص ٢: ٢).
أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ هذا يشبه قول بولس في المرأة المتنعمة «إنها قد ماتت وهي حية» (١تيموثاوس ٥: ٦ وما قيل في متّى ٨: ٢٢ ولوقا ١٥: ٢٤ ورومية ٦: ١٣ وأفسس ٢: ١ و٥ وعبرانيين ٦: ١ و٩: ١٤). و «الاسم» هنا بمعنى الصيت ونفهم من ذلك أن كنيسة ساردس كانت معروفة بين الكنائس كأنها حية نشيطة في مظاهر الحياة الروحية وكانت ممدوحة عندها ولعلها كانت معجبة بنفسها ومفتخرة بصيتها ولا علامة على أنها مضطهدة فكان الموت تحت مظهر الحياة. ولكن تلك الحال لم تخف على الذي «عيناه كلهيب نار» الذي يعتبر الحياة الروحية أكثر مما يعتبر النجاح الظاهر مهما كان عظيماً.
٢ «كُنْ سَاهِراً وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، ٱلَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ ٱللهِ».
كُنْ سَاهِراً قابل هذا بما في (متّى ٢٤: ٤٢ و٤٣ و٢٥: ١٣ و٢٦: ٤١ ومرقس ١٣: ٣٧ وأعمال ٢٠: ٣١ و١كورنثوس ١٤: ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٦ و١بطرس ٥: ٨). غفلت كنيسة ساردس ولم تسهر وهذا كان أصل خطيئتها التي عرضتها لها كبرياؤها. وهذا التنبيه يذكرنا تنبيه بولس لكنيسة أفسس بقوله «ٱسْتَيْقِظْ أَيُّهَا ٱلنَّائِمُ وَقُمْ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أفسس ٥: ١٤) وكانت في خطر أن يكون نومها موتاً روحياً.
شَدِّدْ مَا بَقِيَ، ٱلَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ المراد «بما بقي» من لم يموتوا روحياً بل كانوا على وشك الموت الروحي فنصح لإخوتهم أن يجتهدوا في تجديد حياتهم فيكونوا كالذين تعرّضوا للقرس أو الغرق ففركوا أعضاء رفقائهم الخدرة وأحيوهم فأحيوا بذلك أنفسهم. والمراد «بتشديدهم» تثبيتهم في نعمة الله. ويتضح من هذه الآية أن «الميت» الذي ذُكر في (ع ١) لم يمت كل الموت لأن الموتى لا يقدرون إلا أن «يدفنوا موتاهم» (متّى ٨: ٢٢). ويتضح من أمر المسيح لهم بأن يشددوا غيرهم أن لهب النعمة كان ضعيفاً جداً ولكنه لم يخمد وإلا لم يقدروا أن يحيوا اللهب في قلوب غيرهم.
لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ ٱللهِ إن الذين أتوا هذه الأعمال لم يعملوها بالإيمان الحي. فالإيمان هو الذي يجعل الأعمال مقبولة عند الله إذ المؤمنون بالإيمان يتحدون بالمسيح الذي يسر الله به أبداً. فإن تلك الأعمال كانت خارجية لا روحية ولذلك رأى المسيح أنها ناقصة قد يحدث أن يكون الإنسان ممدوحاً من الناس على قيامه ببعض الواجبات ويكون الله في ذلك الوقت عينه مغتاظاً عليه للبعض الذي تركه من الواجبات.
٣ «فَٱذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ وَٱحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ».
ص ٢: ٥ و١٦: ١٥ و١تسالونيكي ٥: ٢ و٢بطرس ٣: ١ متّى ٢٤: ٤٣
فَٱذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ ذكر المسيح الكنيسة عظمة المحبة والغيرة والفرح التي قبلت بها الإنجيل في أول أمرها فأشبهت بذلك كنيسة غلاطية التي قال فيها بولس «كَمَلاَكٍ مِنَ ٱللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَمَاذَا كَانَ إِذاً تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي» (غلاطية ٤: ١٤ و١٥). وقال المسيح ذلك لكي يريهم الفرق بين غيرتهم في الماضي وفتورهم في الحاضر. وكان عليهم أن يذكروا أيضاً كيف أتى الإنجيل إليهم أي بأي البراهين من الروح والقوة أتى من شفتي سفراء المسيح الذين أتوا ساردس وكيف سلكوا بينهم من طهارة السيرة وإخلاص المحبة.
وَٱحْفَظْ وَتُبْ أي احفظ الحق الذي أرسل الله ابنه من السماء ليعلنه لك والروح القدس ليثبته بالمعجزات وهو الحق الذي سمعته من المبشرين بالإنجيل وقبلته بالمسرة فتب عما أنت عليه من الفتور في الحاضر (٢بطرس ١: ٩) وأظهر حقيقة توبتك بصلاح سيرتك.
إِنْ لَمْ تَسْهَرْ أي تنتبه.
أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ الخ لأعاقبك عقاباً شديداً. فكلمات المسيح هنا تشبه الكلمات التي قالها لتلاميذه في شأن مجيئه الأخير (متّى ٢٤: ٤٢ و٤٣) والتي كررها بولس في (١تسالونيكي ٥: ٢) وبطرس في (٢بطرس ٣: ١٠) ويوحنا في (ص ١٦: ١٥). فلا بد من أن المسيح يدين كنيسة ساردس في اليوم الأخير ولكن العقاب الذي أنذرها به هنا هو مما يقع عليها بعد قليل ولم يذكر ما هو. والذي يجعل قدوم اللص مخيفاً هو كونه غير متوقع فوق ما يأتيه من التخسير والإتلاف. اعتقد اليونان أن آلهة النقمة تأتي بأحذية من صوف لكي لا يشعر المذنبون بقدومهم.
٤ «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ».
ص ١١: ١٣ وأعمال ١: ١٥ يهوذا ٢٣ ع ٥ و١٨ وص ٤: ٤ و٦: ١١ و٧: ٩ و١٣ و١٩: ١٤
عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ المراد «بالأسماء» هنا أشخاص كما في (أعمال ٨: ١٥ وص ١١: ١٣). قيل في الآية الأولى أن لبعض أعضاء الكنيسة أسماء الأحياء وهم أموات أي أسماء من لهم صورة التقوى فقط. وأبان هنا أن الأمناء فيهم قليلون لكن الرب لم ينسهم ومدحهم. قال إبراهيم لله «حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هٰذَا ٱلأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ ٱلْبَارَّ مَعَ ٱلأَثِيمِ» (تكوين ١٨: ٢٥). فإنه «حَفِظَ نُوحاً ثَامِناً كَارِزاً لِلْبِرِّ إِذْ جَلَبَ طُوفَاناً عَلَى عَالَمِ ٱلْفُجَّارِ» (٢بطرس ٢: ٥). وأنقذ لوطاً البار مما حل بأهل سدوم وعمورة. وخطف من بيت يربعام الشرير أخيا لينقذه من الشر الآتي لأنه وُجد فيه أمر صالح نحو الرب (١ملوك ١٤: ١٣). وهكذا التفت إلى القليلين الأمناء في ساردس وحقق لهم أنه لم يغفل عنهم ولم يدنهم بذنوب غيرهم.
لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ أي لم يسقطوا في الخطايا التي دنست قلوب غيرهم. والحق أن لا أحد من البشر حفظ نفسه بلا دنس أمام الله إلا ابن الإنسان الذي هو ابن الله أيضاً. ولكن بعض المؤمنين بالقياس إلى غيرهم من الناس حفظوا أنفسهم بلا دنس من العالم (يعقوب ١: ٢٧). فهم إذا تدنسوا بالخطيئة أسرعوا إلى الينبوع المفتوح للخطية والنجاسة (زكريا ١٣: ١) وغسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الخروف (ص ٧: ١٤).
فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ هذه العبارة تشتمل على بركات كثيرة ففيها وعد بالحياة لأنه لا يمشي إلا الأحياء إذ ليس للأموات من حركة. ووعد بالحرية لأن الذين يمشون هم الأحرار لا المقيدون. ووعد بالطهارة لأن ثيابهم بيض. ووعد بوفرة الإكرام لأنهم يمشون مع المسيح في المجد السماوي (يوحنا ١٧: ٢٤ و رومية ٨: ١٧).
لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ إن الله بتنازله ونعمته يحسب طاعة المؤمن الجزئية تستحق المدح والثواب. ليس أحد من المؤمنين مستحقاً بمقتضى العدل لكن الله برحمته يحسب الذين يجتهدون أن يحبوه ويطيعوه مستحقين ثواب السماء باستحقاق المسيح المنسوب إليهم بالإيمان.
٥ «مَنْ يَغْلِبُ فَذٰلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً، وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِٱسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ».
ص ٢: ٧ و١٣: ٨ و١٧: ٨ و٢٠: ١٢ و١٥ و٢١: ٢٧ لوقا ١٠: ٢٠ متّى ١٠: ٣٢ ولوقا ١٢: ٨
مَنْ يَغْلِبُ العالم والشهوة والشيطان.
سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً هذا تكرار للوعد في (ع ٤). وفيه بيان أن الذين حفظوا أنفسهم من الدنس في ساردس سيمتازون عن غيرهم في السماء في بياض ثيابهم. وهذا يشبه وعد المسيح للأبرار بأنهم «يُضِيئون كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ» (متّى ١٣: ٤٣). وهذا وصف حال المفديين في السماء وإنهم مطهرون من كل عيب ومتغيرون إلى شبه جسد المسيح (فيلبي ٣: ٢١) وممجدون مع المسيح ومحاطون بالنور كثوب.
وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ أشار إلى هذا السفر في (خروج ٣٢: ٣٢ ومزمور ٦٩: ٢٨ ودانيال ١٢: ١ ولوقا ١٠: ٢٠ وفيلبي ٤: ٣ وعبرانيين ١٢: ٢٢ وص ١٣: ٨ و١٧: ٨ و٢٠: ١٥ و٢١: ٢٧). ومن هذا نتعلم أن الأسماء المكتوبة في هذا السفر إنما كُتبت فيه إكراماً للخروف الذي ذُبح فلم يُكتب فيه أحد باستحقاق نفسه. وعلّة كتابتها ذبيحة ذلك الخروف. وتلك الأسماء كُتبت في ذلك السفر منذ تأسيس العالم. إن الذين كُتبت أسماؤهم فيه يعترف المسيح بهم أمام عرش الله وأمام الملائكة وإنهم يدخلون المدينة السماوية وإن الله لا يمحو من ذلك السفر اسم من يغلب وإن كل من ليس اسمه في ذلك السفر يُطرح في بحيرة النار. والوعد الذي هو قوله «لن أمحو اسمه الخ» مبني على قوله «إن لك اسماً أنك حي وأنت ميت» (ع ١). ولأن ذلك السفر سفر الحياة كان بالطبع لا محل فيه إلا للأحياء فيمحى منه أسماء الموتى. وهذه العبارة تؤكد أن كل الغالبين لا تزال أسماؤهم مكتوبة في ذلك السفر فإذاً ذلك الوعد لكل المختارين المنتصرين. وهو موافق لسائر تعليم الكتاب أن الذين كتب الله أسماءهم في سفر الحياة لا يهلكون لأنهم متحدون بالمسيح بالإيمان وبالاعتراف وقد صاروا أعضاء جسده الحي فسيثبتون إلى النهاية في خدمته وفي القداسة.
وَسَأَعْتَرِفُ بِٱسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ هذا مثل قول المسيح لتلاميذه «مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٠: ٣٢). وهذا وعد بأن الديّان يعترف في محفل الناس والملائكة بأن الذين أسماؤهم في سفر الحياة هم له. وهذا يستلزم أمنهم من كل دينونة وإن لهم كل حقوق المفديين المشترين بطاعة المسيح وآلامه وشفاعته.
٦ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».
ص ٢: ٧
مَنْ لَهُ أُذُنٌ (انظر تفسير ص ٢: ٧).
٧ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلْحَقُّ، ٱلَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، ٱلَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ».
ص ١: ١١ و٦: ١٠ ع ١٤ وص ١٩: ١١ و١يوحنا ٥: ٢٠ إشعياء ٢٢: ٢٢ ومتّى ١٦: ١٩ ص ١: ١٨ وأيوب ١٢: ١٤
فِيلاَدَلْفِيَا هذه المدينة التي فيها الكنيسة السادسة من الكنائس التي خاطبها. بناها على حضيض جبل تمولس أتلس فيلادلفس ملك برغامس الذي مات سنة ١٣٨ ق. م وسماها باسمه. وعلى النقود التي ضُربت فيها اسم باخوس إله الخمر. أصابتها زلازل كثيرة فكادت تخليها من السكان ولم يبق اليوم منها سوى أعمدة لم تزل منصوبة واسمها الله شهر.
هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْقُدُّوسُ صرّح المسيح هنا بأن القداسة من صفاته كما جاء في (أعمال ٢: ٢٧ وعبرانيين ٧: ٢٦). ومعنى «القدوس» هنا بحسب الأصل اليوناني المنزه عن الخطيئة وهو ما يوصف به يهوه في العهد القديم ولا يوصف به غيره ومن وصف به أحداً من البشر كان مجدفاً.
ٱلْحَقُّ إن المسيح هو الصادق الذي يستحيل أن يكذب وهو يتكلم بالحق ويحب الحق وكل كلمة من كلامه نعم وآمين. ولكن ليس هذا المقصود هنا لكنه بيان أنه إله حق خلافاً لمعبودات الوثنيين. وهو المرموز إليه بكل رموز الكتاب القديم. «فالحق» هنا الحقيقي كما في قوله «النور الحقيقي» (يوحنا ١: ٩) و «الخبز الحقيقي» (يوحنا ٦: ٣٢) و «المسكن الحقيقي» (عبرانيين ٨: ٢).
ٱلَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ الخ هذا مفتاح السلطان لا مفتاح المعرفة الذي قال المسيح أنه أخذه الكتبة ومنعوا الشعب منه (لوقا ١١: ٥٢). ولا مفتاح سياسة الكنيسة على الأرض ولا مفتاح خزائن الملكوت السماوي وكون هذا المفتاح له يستلزم أن له سلطاناً أن يفتح بيت أبيه ليكون ملجأ من كل شر لمن شاء. وهذا موافق لقول إشعياء في الياقيم الذي هو رمز إلى المسيح «وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ» (إشعياء ٢٢: ٢١ و٢٢). والمراد «ببيت داود» البيت السماوي أي ملكوت السماء فإن داود كان رمزاً إلى المسيح وقد يُسمى المسيح باسمه (حزقيال ٣٤: ٢٣ و٢٤). والمعنى أن المسيح رب البيت السماوي وكل عبيده سكان ذلك البيت. فكأن المسيح قال في يدي مفتاح ملكوت الله. إن المسيح أعطى هذا المفتاح لبطرس وسائر الرسل لكي يفتحوا للمؤمنين من اليهود والأمم أبواب الكنيسة المسيحية ففعلوا ذلك كخدام المسيح وليس كمتسلطين بل كانوا كبوابين يفتحون ويغلقون تحت أمر رب البيت فالمفتاح للمسيح دون غيره وهو يُدخل من يريد ليرى وجه الملك ويطرد من يريد. فباطلاً يجتهد من يريد أن يُدخل إنساناً لا يريد المسيح أن يدخله. وسلطان الحل والربط الذي أعطاه كنيسته لا يصحّ لها ما لم يكن لها روحه. وسلطان المسيح فوق سلطانها لكي تصلح خطأها في الأحكام به. وهذا المفتاح للمنازل الكثيرة التي في بيت الآب ومن ذلك خزانة الحق ومخدع الراحة والقداسة والسلام وسائر البركات الروحية. وفي هذا المعنى قال المسيح «أنا الحق» و «لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي».
٨ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ ٱسْمِي».
ع ١ أعمال ١٤: ٢٧ ص ٢: ١٣
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ (انظر تفسير ص ٢: ٢).
هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً تدخل فيه إلى المجد السماوي في سعيك وخدمتك وعلاوة على ذلك أعطيتك فرصة للمنادة بالإنجيل كما يتضح من (أعمال ١٤: ٢٧ و١كورنثوس ١٦: ١٩ و٢كورنثوس ٢: ١٢ وكولوسي ٤: ٣). وأُعطيت كنيسة فيلادلفيا نعمة فعل الخير ممن له مفتاح داود مع كونها قليلة الأعضاء ومع قلة قوتها وثروتها وفتح قلوب كثيرين من الناس ليقبلوا تعليمها. وصرّح بأنه لا أحد يقدر أن يعيق سعي الإنجيل وأنه دون بركته يذهب كل تعبها باطلاً.
لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ ٱسْمِي إن كنيسة فيلادلفيا كانت صغيرة فقيرة مضطهَدة لا اعتبار لها في عيون الناس (١كورنثوس ١: ٢٦ - ٢٨) وصغرها كان فرصة لأن يتمجد الله بغيرتها ونجاحها لكي يكون كل المجد مما تصنعه له فهي بمعونة الله ثبتت في أزمنة الضيق وأظهرت إخلاص إيمانها ومحبتها وطاعتها فلم تنكر اسمه قولاً ولا فعلاً مع أن اليهود دعوا المسيح «أناثيما» (١كورنثوس ١٢: ٣). واجتهدوا في أن يجبر المؤمنين على مثل ما أتوه. وكان ثواب قوتها اليسيرة من الرب هو الباب الذي فتحه لها.
٩ «هَئَنَذَا أَجْعَلُ ٱلَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ ٱلشَّيْطَانِ، مِنَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ يَكْذِبُونَ: هَئَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ».
ص ٢: ٩ إشعياء ٤٥: ١٤ و٤٩: ٢٣ و٦٠: ١٤ و٤٣: ٤ يوحنا ١٧: ٢٣
هَئَنَذَا أَجْعَلُ ٱلَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ ٱلشَّيْطَانِ، مِنَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً في هذا أيضاً إثابة لها على أمانتها ونتيجة دخولها في الباب الذي فتحه المسيح أمامها. وهذا الوعد أعظم من وعده لكنيسة سميرنا وهو أن أعداءها لا يقدرون عليها وإنها تنتصر عليهم وتصيّرهم أصدقاءها لكي يفرح الغالبون والمغلوبون معاً. ومضمون هذا الوعد إن بعض المعلمين الكاذبين (لا كلهم) الذين ادّعوا أنهم «إسرائيليون حقيقيون لا غش فيهم» مع أنهم أعداء المسيح وإنجيله واستحقوا أن يُدعوا «مجمع الشيطان» يعترفون إن المسيح الله معهم بالحق وينظرون إلى المسيح الذي طعنوه ويتحققون بروحه أنه هو المسيح الموعود به ملك إسرائيل فيسبحون له في الكنيسة ويعترفون بأنه أحب الكنيسة. وهذا الوعد صدق على كنيسة المسيح في كل العالم مراراً كثيرة من اليهود المضطهدين كشاول فصاروا مبشرين بالإنجيل كبولس وصاروا مؤرخي الكنيسة ومعلمين في مدارسها اللاهوتية ومفسرين للأسفار المقدسة وشهداء للحق ختموا شهادتهم بدمائهم.
١٠ «لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضاً سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ ٱلتَّجْرِبَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى ٱلْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ع ٨ ويوحنا ١٧: ٦ ص ١: ٩ و٢بطرس ٢: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ ص ٢: ١٠ و١٦: ١٤ متّى ٢٤: ١٤ ص ٦: ١٠ و٨: ١٣ و ١١: ١٠ و١٣: ٨ و١٤ و١٧: ٨
لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي أي حفظ أمره لتلاميذه بأن يحتملوا الصبر والرجاء الضيقات منتظرين مجيئه (يوحنا ١٦: ٢ و٢تيموثاوس ٣: ١٢).
سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ ٱلتَّجْرِبَةِ ٱلْعَتِيدَةِ الخ هذا إثابة على وفق الخدمة لأن هذه الكنيسة حفظت كلمته فحفظها هو. والمسيح لم يعدهم بأنه يعفيها من التجارب لكنه أنبأها باضطهاد شديد قاس يصيبها ويصيب كل الكنائس (وهي الاضطهادات التي أنبأ بها أيضاً بطرس ١بطرس ٤: ١٢). وإنه لا يكل بذلك إيمانها ولا تضعف قوتها بل تكون كالعليقة التي كانت تتوقد ولا تحترق (خروج ٣: ٢). فهو على وفق وعد الله في إشعياء (إشعياء ٤٣: ٢) وهو إن أمواج التجارب والضيقات تغطي جسدها لكن رأسها يعلو الماء. والمراد «بساعة التجربة» وقت الاضطهاد الشديد الذي يقع على المؤمنين في كل العالم ليمنحهم ويغربلهم ويبين خلوص إيمانهم ومحبتهم لربهم.
١١ «هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ».
فيلبي ٤: ٥ وص ١: ٣ و٢٢: ٧ و١٢ و٢٠ ص ٢: ٢٥ وع ٣ ص ٢: ١٠
هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً كثيراً ما كُررت هذه العبارة في هذا السفر (ص ٢: ٥ و١٦ و٢٢: ٧ و١٢ و٢٠) وهي كلمة إنذار للمتوانين (متّى ٢٤: ٤٨ - ٥١ و١بطرس ٤: ٥) وكلمة تعزية للثابتين الأمناء (فيلبي ٤: ٥ ويعقوب ٥: ٧ - ٩).
تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ أي داوم كما داومت على إيمانك واجتهادك وصبرك وعملك الذي عملته بحسن السيرة. والمعنى كمّل السعي الذي شرعت فيه (١كورنثوس ٩: ٢٤).
لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ هو «إكليل البر» (٢تيموثاوس ٤: ٨) و «إكليل الحياة» (ص ٢: ١٠). وهذا لا يفيد أنه يمكن أحداً من المؤمنين أن يأخذ الجعالة التي خسرها غيره كما أخذ يعقوب بركة عيسو (تكوين ٢٥: ٣٤) وكما أخذ يهوذا بركة رأوبين (تكوين ٤٩: ٤ و٨) وكما أخذ داود بركة شاول (١صموئيل ١٦: ١ و١٣) وكما أخذ الأمم بركة اليهود (رومية ١١: ١١) بل يفيد أن الكنيسة تخسر الثواب المعد لها في السماء. فمعنى هذا كمعنى قول بولس «لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ ٱلْجِعَالَةَ» (كولوسي ٢: ١٨). و «الإكليل» هنا ليس الإكليل الذي قد نالته الكنيسة بل الإكليل الذي سوف تأخذه كما في (٢تيموثاوس ٤: ٨).
١٢ «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلٰهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ ٱسْمَ إِلٰهِي، وَٱسْمَ مَدِينَةِ إِلٰهِي أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةِ ٱلنَّازِلَةِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلٰهِي، وَٱسْمِي ٱلْجَدِيدَ».
١ملوك ٧: ٢١ وغلاطية ٢: ٩ ص ٢: ١٧ و١٤: ١ و٢٢: ٤ غلاطية ٤: ٢٦ وعبرانيين ١٢: ٢٢ وص ٢١: ٢ و١٠ ص ٢٢: ٤
فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلٰهِي هذا وعد بالسعادة في السماء للذي يغلب إثابة له لا للمجاهد وهو على الأرض. فليس المعنى أن يكون كيعقوب وصفا ويوحنا عمدة الكنيسة المنظورة (غلاطية ٢: ٩) بل المعنى أن يكون ثابتاً في السماء إلى الأبد كالملائكة المختارين الذين ثبتوا في الطاعة لله فهو ليس حجراً حياً فقط في ذلك الهيكل بل أجمل وأمكن منه. فالغالب يكون في بيت الله السماوي «كٱلابْنُ فَيَبْقَى إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ٨: ٣٥ انظر ايضاً إشعياء ٢٢: ٢٣).
لاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ قال أوغسطينوس «من لا يشتاق إلى المدينة التي لا يخرج منها صديق ولا يدخلها عدو».
وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ ٱسْمَ إِلٰهِي هذا أول ثلاثة أشياء يكتبها على المنتصر لا على العمود لأن العمود مشبَّه به عدل عن المشبّه به إلى المشبّه. وهذا مثل ما قيل في المفديين في مواضع أُخر من هذا السفر وهو أن لهم اسم الله أو ختمه على جباههم (ص ٧: ٣ و٩: ٤ و١٤: ١ و٢٢: ٤). ولا ريب في أنه أشار بذلك إلى ما كُتب على عمامة الحبر الأعظم وهو «قدس للرب» (خروج ٢٨: ٣٦ - ٣٨). وهذا ليس لبعض المفديين دون بعض لأن الملكوت السماوي ملكوت كهنوتي فما يحق لأحد أعضائه يحق للكل.
وَٱسْمَ مَدِينَةِ إِلٰهِي أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةِ نعرف اسم هذه المدينة من قول النبي «يهوه شمه» أي الرب هناك (حزقيال ٤٨: ٣٥). ولا اسم يظهر مجد المدينة كهذا الاسم (ص ٢١: ١١ و٢٣). فالذي يُكتب عليه اسم مدينة يكون له حقوق سكان تلك المدينة. والمؤمن وهو على الأرض له حقوق أهل السماء (فيلبي ٣: ٢٠). لكن تلك الحقوق لا تظهر له هنا لأن حياته هنا «مستترة مع المسيح» (كولوسي ٣: ٣) والغالب المذكور هنا يعترف المسيح به علناً فيكون له حق أن يدخل من الباب إلى المدينة (ص ٢٢: ١٤) وهذه المدينة توقعها إبراهيم وهي «ٱلَّتِي لَهَا ٱلأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ» (عبرانيين ١١: ١٠) وتسمى أيضاً «ٱلْمَدِينَةَ ٱلْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُقَدَّسَةَ» (ص ٢١: ١٠). و «أُورُشَلِيمُ ٱلْعُلْيَا، ٱلَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعاً» (غلاطية ٤: ٢٦). و «مدينة الله الحي» (عبرانيين ١٢: ٢٢). وذكر هنا اسم المدينة فقط لكنه سوف يصف مجدها وبهاءها (ص ٢١: ٢ - ٩ و٢٢: ٥). ونُعتت «بالجديدة» هنا تمييزاً لها عن أورشليم الأرضية الخاطئة لأن المدينة التي صانعها الله لم تتدنس بالخطيئة.
ٱلنَّازِلَةِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلٰهِي ذهب البعض أن هذا يدل على نزول مدينة مادية حقيقية من السماء إلى الأرض والحق أن هذا صورة المدينة التي رآها يوحنا في الرؤيا. وهذا الوصف يبين أن مصدرها إلهي وأنها جميلة وواسعة وثابتة وهي جماعة المفديين الذين رئيسهم المسيح المرموز إليها بأورشليم القديمة التي كان فيها بيت الله والاجتماعات المقدسة حيث صعدت الأسباط ليحمدوا اسم الرب (مزمور ١٢٢)،
وَٱسْمِي ٱلْجَدِيدَ هذا الشيء الثالث. وللمسيح اسم جديد بالنظر إلى كونه فادياً. ذهب بعضهم إلى أن هذا الاسم «كلمة الله» (ص ١٩: ١٣) وبعضهم إلى أنه «الخروف» وذكر هذا في هذا السفر ثماني وعشرين مرة وذهب غيره إلى أنه «ملك الملوك ورب الأرباب» (ص ١٩: ١٦). لكن يمنع ذلك أن لا شيء من هذه الأسماء جديد لأنها ذُكرت قبلاً في الكتاب. والمسيح لم يذكر ما هو هذا الاسم فلا يعرفه إلا هو (ص ١٩: ١٢). وهذا الاسم يدل على أنه يُعلن نفسه لسكان أورشليم الجديدة ولا أحد في الأرض مستعد لإدراكه لكن في ما بعد يعرفون كما عرفوا (١كورنثوس ١٣: ١٢).
١٣ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».
ص ٢: ٧ و١١ و١٧ و٢٩ وع ٦
مَنْ لَهُ أُذُنٌ الخ (انظر تفسير ص ٢: ٧).
١٤ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللهِ».
٢كورنثوس ١: ٢ ص ١: ٥ و١٩: ١١ و٢٢: ٦ وع ٧ كولوسي ١: ١٥
ٱللاَّوُدِكِيِّينَ كانت لآودكية مدينة مشهورة غنية بين فيلادلفيا وكولوسي واسمها القديم ديوسبوليس ثم سميت رُوّاس. جدّد أنتيوخوس الثاني بناءها وزيّنها وسمّاها باسم امرأته لاودكية على أنها سمّته فقتلته. وكانت هذه المدينة في أيام الرومانيين من أعظم مدن أسيا الصغرى هدمتها زلزلة في أيام الأمبراطور طيباريوس وجددها أهلها بدون مساعدة من خارج والتأم فيها مجمع مسيحي السنة ٣٦١ ب. م ولم يبقَ اليوم من هذه المدينة العظيمة سوى آثارها الكثيرة. وبين هذه الآثار قرية حقيرة اسمها أسكي حصار. فالذي زحزح منارة أفسس من مكانها تقيأ هذه الكنيسة من فمه.
هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ هذا الموضع الوحيد في العهد الجديد لقب فيه المسيح نفسه بهذا اللقب. ويشبه لقب «يهوه» وهو «الإله الحق» (إشعياء ٦٥: ١٦). وقول المسيح «أنا هو الحق» (يوحنا ١٤: ٦). وقول يوحنا فيه «الشاهد الأمين» (ص ١: ٥). وهو يذكرنا قول بولس إن كل «مَوَاعِيدُ ٱللهِ في المسيح فِيها ٱلنَّعَمْ وَفِيها ٱلآمِينُ، لِمَجْدِ ٱللهِ» (٢كورنثوس ١: ٢٠).
ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ هذا إيضاح لقوله «الأمين» قبلاً وهو مثل قول موسى في الله وهو أنه «الإله الأمين» (تثنية ٧: ٩). وقول بولس «أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً» (١تسالونيكي ٥: ٢٤). وقول يوحنا «أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا» (١يوحنا ١: ٩). ويوافق أن يكون هذا عنوان هذه الرسالة لأن كلامها توبيخ وإنذار والمسيح هو شاهد أمين على الناس بخطاياهم وفتورهم واستخفافهم كما أنه أمين بالمناداة بمحبة الله للمؤمنين.
بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللهِ هذه العبارة تحتمل معنيين الأول أنه أول خليقة الله وأجملها بالمعنى الذي أراده يعقوب بقوله لرأوبين «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ وَفَضْلُ ٱلْعِزِّ» (تكوين ٤٩: ٣). والثاني وهو أن المسيح أصل الخليقة كلها ومبدعها وكل أسامي المسيح في هذه السفر تدل على لاهوته فلذلك وجب أن نفسره بالمعنى الثاني وهو أن المسيح ليس أول ما خلق الله بل هو علة العلل ورأس نبع كل الخليقة لأن «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٣ أنظر أيضاً كولوسي ١: ١٥ و١٨ وص ٥: ١٣).
١٥ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِداً أَوْ حَارّاً».
ع ١
أَنَّكَ لَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً كانت كنيسة لاودكية ناجحة في الأمور الدنيوية فغلبتها محبة المال والعالم ولم يقع عليها اضطهاد ولهذا كانت متراخية مائلة إلى اللذات والمسرة بمقتنياتها لا تميل إلى العمل وإلى إنكار الذات فكانت لا تبالي بالأمور الروحية ولم تَغَر للحق كما كان يوحنا وأخوه ابنا الرعد إذ حملتهما الغيرة على أن يسألا المسيح أن يُنزل ناراً من السماء فتحرق إحدى قرى السامريين التي أبت أن تقبله. فكانت حال هذه الكنيسة بين مثل غيرة يوحنا وبرودة الذين لم يعرفوا المسيح. فالبارد هنا من لم يعرف ولم يختبر قوة نعمته فيرجى أنه إذا عُرض عليه الحق وإنارة الروح القدس يكون حاراً وغيوراً. والفاتر هو الذي ذاق الموهبة السماوية وقوات العالم الآتي (عبرانيين ٦: ٤ و٥) ولم يُضرم فيه سوى شرارة من الحياة. إن العشارين والزناة في زمان المسيح كانوا «باردين» والرسل كانوا «حارين» وكان الفريسيون والكتبة بالنسبة إلى ذينك الفريقين «فاترين» ولكن خرج من أولئك الباردين متّى الإنجيلي وزكا والمرأة الزانية الذين دخلوا ملكوت الله والكتبة والفريسيون لم يزالوا خارجاً.
١٦ «هٰكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي».
لأَنَّكَ فَاتِرٌ... أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي قيل في أرض كنعان أنها قذفت سكانها الأولين من أجل خطاياهم وحذّر الله بني إسرائيل من أن يماثلوا أولئك الأمم لئلا يصيبهم ما أصابها (لاويين ١٨: ٢٨) ولكن هذا أكثر رهبة من ذاك وكنى «بالتقيوء من الفم» عن فرط الكراهة وشدة البعد بعد شدة القرب. وهذا تحذير مما يمكن حدوثه لا أنباء بما لا بد أن يحدث.
١٧ «لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلشَّقِيُّ وَٱلْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ».
هوشع ١٢: ٨ و١كورنثوس ٤: ٨
لأَنَّكَ تَقُولُ هذا متعلق بقوله «أشير عليك» في (ع ١٨).
إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ أي حصلت على المقتنيات الروحية. زعم اللاودكيون أنهم حصلوا على تلك المقتنيات ولكنهم خدعوا أنفسهم باكتفائهم ببرهم الذاتي وتقدمهم في المعرفة الروحية على وفق ما قيل في أمثالهم (هوشع ١٢: ٨ ولوقا ١٢: ٢١ و١كورنثوس ٤: ٨) ومن أمثالهم الفريسي والفريسيون المذكورون في بشارة لوقا (لوقا ١٨: ١١ و١٢ و١٦: ١٥). ولعل اللاودكيين حصلوا على الغنى المادي وهذا قلّل رغبتهم في الغنى الروحي. كثيرون من الناس يحسبون النجاح الدنيوي آية رضى الله عنهم والراحة الجسدية علامة السلام الباطن وأن وفرة تقدماتهم لخزانة الكنيسة تعفيهم من إظهار وفرة محبتهم للمسيح وإنكار الذات في سبيل خدمته.
وَلَسْتَ تَعْلَمُ بعد ما ذكر المسيح حسبان الكنيسة الباطل لحالها صرّح بحسبانه الحقيقي لها والفرق بين الحسبانين عظيم مخيف.
ٱلشَّقِيُّ ضد السعيد. ودعاه شقياً لأن سعادته الدنيوية يليها هم وحزن.
ٱلْبَائِسُ المراد هنا البائس ودعاه بائساً لأنه كان عرضة للهلاك الأبدي وهو في تلك الحال.
فَقِيرٌ أي لا كنز له في السماء لا يملك من رضى الله شيئاً.
أَعْمَى عمى روحياً فإن اللاودكيين حين افتخروا بوفرة معرفتهم أسرار الله غلظ ضميرهم حتى لم يستطيعوا أن يميزوا الأمور الروحية ويعتبروها كما يجب. وهذا العمى لم يكن تاماً وإلا فهم لا يستفيدون من الكحل الذي عرضه المسيح عليهم ليشتروه. فكانت حالهم كحال الفريسيين الذين قال لهم يسوع «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يوحنا ٩: ٤١).
عُرْيَانٌ شأن كل خاطئ لم يكن قد اكتسى ببر المسيح فهو متدنس بالخطيئة ومدين من ضميره.
١٨ «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَباً مُصَفّىً بِٱلنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ».
إشعياء ٥٥: ١ ومتّى ١٣: ٤٤ و٢٥: ٩ و٢كورنثوس ٥: ٣ وص ٧: ١٣ و١٦ و١٥ و١٩: ٨
أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي أشار على الكنيسة بثلاثة أشياء الذهب لفقرها والثياب البيض لعريها والكحل لعينيها. وقوله «أن تشتري» كقول الله بفم إشعياء «أَيُّهَا ٱلْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا إِلَى ٱلْمِيَاهِ، وَٱلَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا ٱشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا ٱشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْراً وَلَبَناً» (إشعياء ٥٥: ١). والكنوز الروحية الرمزية في هذه الآية ثمينة جداً لا يستطيع الإنسان أن يؤدي ثمنها فالله برحمته عرضها عليه مجاناً ويحق أن يقال أن الإنسان يشتري من المسيح ما يشبه الخمر واللبن لأنه يترك كنزه على الأرض لكي يحصل على كنز في السماء (متّى ١٣: ٤٤ و٤٦). فالرسل اشتروا الحق بأن تركوا كل شيء وتبعوا المسيح (لوقا ١٨: ٢٨ و٢٩).
ذَهَباً مُصَفّىً بِٱلنَّارِ صرّح المسيح لأفقر الناس أن يشتري منه فيعطيه كنزاً في السماء وذلك بأن يعطي الله ذاته أي جسده وعقله وروحه لكي يتصرف بها كما يشاء. فالمسيح يشير على من حق أن يأمرهم فخاطب تجار لاودكية وصيارفها بلغة التجارة المعتادة فكأنه قال لهم أيها الذين حرفتهم التجارة والذين يسرون بالبيع والشراء انظروا أن لي بضاعة تحتاجون إليها من نفائس الفضة والذهب والثياب وأفضل المواد الطبية. وبنصحه لهم أن يشتروا الذهب نصح لهم أن يقتنوا الإيمان لأنه لا فضيلة من الفضائل أثمن من الإيمان. فغني الإيمان هو ذو الغنى الحقيقي (١كورنثوس ١: ٥ و١بطرس ١: ٧). ووجوب أن يكون «الذهب مصفى بالنار» يشير إلى إفادة التأديب والبلايا في تنقية القلب وامتحان الإيمان (يعقوب ١: ٣) استعداداً لاحتمال الامتحان بالنار في اليوم الأخير.
وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ عند فحص يوم الدين. أشار بذلك إلى قداسة القلب الباطنة وبر المسيح المنسوب إلى الخاطئ والمخلوق فيه بالنعمة لتغسله بدم المسيح (مزمور ٣٢: ١).
وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ أشار «بالكحل» إلى عمل الروح القدس في تنوير الذهن وإلى عمله هو بالنظر إلى كونه الطبيب العظيم الذي يعطي الضمير بصراً روحياً. وهذا نظير تفتيح عيون العميان حقيقية وهذا كان رمزاً إلى فتح عيون البصائر (مرقس ٨: ٢٣ ويوحنا ٩: ٦). فالخاطئ يبصر أولاً خطيئته وشقاءه وخزيه ثم يرى وفرة النعمة والمغفرة بيسوع المسيح. والكلمة ذات الشأن في هذه الآية قوله «مني» من قوله «أن تشتري مني» لأنه هو «ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ» (كولوسي ٢: ٣). فليس أحد سواه يقدر أن يبيعهم ما يحتاجون إليه لنفع نفوسهم.
١٩ «إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ».
عبرانيين ١٢: ٦ و١كورنثوس ١١: ٣٢ ص ٢: ٥
إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ أبان المسيح بذلك أن إنذاره وتوبيخه كلام الصديق لا كلام عدو. وإن تصرفه مع هذه الكنيسة كتصرفه مع كل شعبه على وفق قول الكتاب «ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ٱبْنٍ يَقْبَلُهُ... وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ ٱلْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ» (عبرانيين ١٢: ٦ و٨ وما في ٢أيام ٣٣: ١١ - ١٣ وأيوب ٥: ١٧ ومزمور ٩٤: ١٢ وأمثال ٣: ١٢). وذكر «التوبيخ والتأديب» معاً في (مزمور ٦: ١ و٣٨: ١ وأمثال ٦: ٢٣ وعبرانيين ١٢: ٥). و «التوبيخ» هنا إقناع الخاطئ بخطيئته وهو يغلب أن يكون فعل الروح القدس (يوحنا ١٦: ٨). ومعنى «التأديب» هنا التعليم بواسطة البلايا. فوبخ ناثان داود وحمله على أن يقول «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ» (٢صموئيل ١٢: ١٣) وأدبه الله بإماتة الولد (٢صموئيل ١٢: ١٨).
فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ الغيرة ضد الفتور الذي كرهه الرب ومعناه الحرارة والاجتهاد (١كورنثوس ١٢: ٣١ و١٤: ١).
٢٠ «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي».
متّى ٢٤: ٣٣ ويعقوب ٥: ٩ لوقا ١٢: ٣٦ يوحنا ١٠: ٣ و١٤: ٣٣
هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ هذه العبارة تدل على طول أناة الرب يسوع أنه يتأنى على الخطأة ليعطيهم فرصة للتوبة (١بطرس ٣: ٢٠) وعلى محبته التي حملته على تلك الأناة ليأتي بالخاطئ إلى التوبة. والمراد «بالباب» هنا قلب الإنسان. نعم إن المسيح هو الباب (يوحنا ١٠: ٧) وأنه يجب علينا أن نقف ونقرع طالبين رحمته بمقتضى أمره في (متّى ٧: ٧) لكنه بتنازله رضي أن يقف في المكان الذي يجب أن نقف نحن فيه فيقف قارعاً عند بيت المحبوبة (أي كنيسته) قائلاً «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي يَا حَمَامَتِي يَا كَامِلَتِي، لأَنَّ رَأْسِي ٱمْتَلأَ مِنَ ٱلطَّلِّ وَقُصَصِي مِنْ نَدَى ٱللَّيْلِ» (نشيد الأنشاد ٥: ٢). وقرع المسيح الباب يشير إلى قرب حضوره واستعداده لأن يباركنا ويقرع المسيح القلب بطرق مختلفة بكلمته ولفظاً وكتابة وبأعمال عنايته المفرحة والمحزنة وبتوبيخ الضمير وخدام الكنيسة وأسرارها وبفعل الروح القدس لكن غايته هنا لا تشير إلى ذلك بل إلى إتيانه بنفسه. وقرع المسيح الباب يوقظ الكسلان النائم من نومه وينبه الخاطئ على أن الديان قريب ليوبخ ويؤدب ويدعو المنتظر قدومه إلى الابتهاج بقرب خلاصه (لوقا ٢١: ٢٨). فإن قيل في أي حال يأتي المسيح إلى باب كنيسة لاودكية قلنا قال بعضهم أنه يأتي كخطيب ينتظر خطيبته أو عريس ينتظر عروسه كما في (ص ٢١: ٢ و٩). وقال آخر أنه يأتي كضيف في الليل ليسر ويرشد ويعظ. فيظهر في أول قرعة للباب بهيئة ابن الإنسان الذي «ليس له أين يضع رأسه» ومتى دخل اتكأ على مائدة العشاء كضيف ثم أخذ المحل الذي يحق له أي محل رب البيت وبارك الخبز والخمر والذي فتح الباب يتعشى مع ضيفه السماوي.
إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ هذا يشير إلى ما يحدث على الأرض وبقية الآية إلى ما يحدث في السماء من إثابة المؤمن فلا تمييز بين قرع المسيح وصوته إلا إذا اعتبرنا أن القرع يشير إلى الوسائل الخارجية من حزن وفرح ومرض وصحة لتعدّ نفس الإنسان لسمع صوت المسيح. قال «إن سمع أحد صوتي وفتح» إشارة إلى أن في طاقة الإنسان أن يلتفت إلى القرع والصوت ويفتح أو أن لا يلتفت إلى شيء من ذلك فعلى الإنسان نفسه أن يفتح. إن المسيح يدّعي بقرعه الباب أن له حق الدخول ويرفع صوته حتى لا يبقى شك في أن من في البيت يسمع ولكن المسيح لا يدخل على رغم رب البيت الذي إذا لم يفتح قلبه للمسيح فالمسيح لا يدخل فبعمايته وعناده يدفع عنه سعادته فيخسر خسراً أبدياً. نعم إن التوبة هبة الرب المرتفع (أعمال ٥: ٣١) وليس للخطأة إرادة أن يفتحوا قلوبهم له إلا وهو يقرع ومتى قرع بكلمته أو بالحزن أو الوجع رافق ذلك الدعوة الباطنة من الروح القدس فيفتح الإنسان الباب باختياره.
أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي ليس المقصود بقوله أتعشى معه سعادة المؤمن على الأرض وبقوله وهو معي سعادته في السماء إنما العبارتان تشيران إلى سرور المؤمن ومجده في العالم الآتي وهو مع الرب إلى الأبد.
٢١ «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ».
ص ٢: ٧ و٢٠: ٤ و٢: ٢٦ متّى ١٩: ٢٨ و٢تيموثاوس ٢: ١١ ص ٥: ٥ و٦: ٢ و١٧: ١٤ يوحنا ١٦: ٣٣
مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي هذا مكرر معنى المسيح في (يوحنا ١٧: ٢٢ و٢٤) وقول بولس في (٢تيموثاوس ٢: ١٢) وهو من أعظم مواعيد المسيح. إن المسيح عظّم وعده للرسل بقوله «مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ» (متّى ١٩: ٢٨). ولكن الوعد هنا لكل مؤمن وهو أعظم من الوعد للإثني عشر المختارين وتتبين وفرة عظمته عندما نتأمل في من وعدهم. فإنه أعطى مكاناً في عرشه لمن أنذرهم قبلاً بأن يتقيأهم بكره من فمه. فمن نعمة الله الفائقة الوصف أنها تأخذ شرارة الإيمان الصغيرة وتجعلها لهباً عظيماً. فليس هذا الوعد بالجلوس عن يمين العرش ويساره كما يكرم ملوك الأرض من يحبون بل هو الجلوس مع المسيح على عرشه نفسه فيكون المسيح في الوسط كما يحق له ويكون الغالبون محيطين به على عرشه عينه.
كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ شارك المسيح عبيده الأمناء في كل حقوقه. وكلامه هنا يذكرنا قوله «ثِقُوا أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦: ٣٣). ويبين التعلّق بين انتصاره وجلوسه على العرش مع أبيه من قول بولس «وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ» (فيلبي ٢: ٨ - ١٠). وذكر هنا عرشين عرشه وعرش أبيه. فعرشه هو الذي يتمجد عليه القديسون معه. وعرش أبيه هو عرش السلطان الإلهي والجلال الأسمى لا يحق لأحد أن يجلس عليه إلا الله وابنه الذي هو الله في الجسد. فجلوس المسيح على عرش الله أو على يمينه يدل على أن له رئاسة كرئاسة الآب الذي لا يستطيع أن يدنو مخلوق منه.
٢٢ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».
ص ٢: ٧
مَنْ لَهُ أُذُنٌ الخ (انظر تفسير ص ٢: ٧).
ما قيل في هذه الرسائل من المواعيد للأمناء الغالبين بالثواب السماوي يعلو على التوالي. فوعد الغالب في كنيسة أفسس أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله (ص ٢: ٧) فذكرنا ذلك بما في (تكوين ص ١ وص ٢). وأما الفردوس الأرضي فدخلته الخطية ثم الموت. فوُعد الأمناء في سميرنا والأمناء في كل مكان بتخفيف تلك الضربة وإزالتها إذ قيل «لاَ يُؤْذِيهِ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (ص ٢: ١١). ثم وعد كنيسة برغامس بما أُخذ مما حدث لبني إسرائيل في البرية في أيام موسى وهو قوله «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى» (ص ٢: ١٧). فإذا اعتبرنا الحصاة البيضاء ما كان على صدرة الحبر الأعظم من الحجارة الكريمة كان ذلك مما اختص بتاريخ الكنيسة في البرية. ووعد الكنيسة الرابعة كنيسة ثياتيرا بما هو متعلق بآيام داود وسليمان وتعظم إسرائيل على الأمم وهو قوله «مَنْ يَغْلِبُ... فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأُمَمِ فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ» (ص ٢: ٢٦ و٢٧ قابل هذا بما في ٢صموئيل ١٠: ١٩ و١٢: ٢٩ و٣٠) وبعد هذا لم يعد للإثابة بما يشبه شيئاً على الأرض بل بالأمور السماوية المختصة بابن داود فكان الثواب يعلو من مجد إلى مجد. فوعد الغالب في ساردس أن لا يمحو اسمه من سفر الحياة وإنه يعترف به قدام أبيه وملائكة السماء وأن يلبس النور والخلود. ووُعد الغالبون في كنيسة فيلادلفيا بأنهم يدخلون أبواب المدينة السماوية ويحق لهم التوطن فيها ولا يخرجون منها إلى الأبد. ووُعد الغالبون في كنيسة لآودكية أن يشتركوا في مجد الآب والمسيح وإنهم يجلسون مع المسيح في عرشه كما جلس هو مع أبيه في عرشه. وفوق ذلك وُعدوا بشرف وسعادة لا يمكن العقل أن يتصورهما واللسان أن يعبر عنهما فبهذا الوعد ختم الرسائل إلى الكنائس.
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
رؤيا استعدادية
بيان جهاد الكنيسة يبتدئ من الأصحاح السادس وفي الأصحاحين الرابع والخامس رؤى استعدادية تُظهر قوة الذوات السماويين ومجدهم وهم الذين يهتمون بأحوال الكنيسة لكي تتحقق بذلك أنه مهما يُصبها من النوازل والبلايا لا تحدث إلا بإذن الله وإنها تقدر بنعمته أن تحتملها وتنجو منها. وفي هذا الأصحاح رؤيا تُظهر وجود الله وقداسته ويشهد بهذه القداسة جنود السماء من الأربعة والعشرين شيخاً والأربعة الحيوانات. ومثل هذه الرؤيا رؤيا إشعياء النبي التي كانت تمهيداً لمناداته بقضاء الله على إسرائيل وهي ما في قوله «رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ... ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ... وَهٰذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ» (إشعياء ٦: ١ - ٣).
١ «بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَٱلصَّوْتُ ٱلأَوَّلُ ٱلَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوقٍ يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: ٱصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هٰذَا».
ص ١: ١٠ و١٢ - ١٩ ص ١٩: ١ وحزقيال ١: ١ وص ١١: ١٢ و٢٢: ٦
بَعْدَ هٰذَا البعدية هنا إخبارية لا زمانية ومثل هذا كثير في هذا السفر. ويذكر في بدء الرؤيا الجديدة فلا يتصور القارئ المدة بين كل رؤيا ورؤيا فالرسول أعلن رؤيا واحدة كثيرة المشاهد.
نَظَرْتُ لا بعين الجسد بل بعين الوحي بدليل قوله «كنت في الروح» وما فتئ في الروح في كل هذه الرؤيا.
وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ رآه مفتوحاً دون أن يشاهد فتحه وبهذا تمتاز هذه الرؤيا عن الرؤيا التي في (حزقيال ١: ١ وفي متّى ٣: ١٦ وفي أعمال ٧: ٥٦ و١٠: ١١). لأن في تلك انفلقت السماء وظهر ما وراءها للذين على الأرض. وفي هذه بقي صرح الله موصداً أمام الذين على الأرض سوى الرسول الذي نظر من الباب في رؤياه. غلب في هذا السفر أن ينظر يوحنا بعين الوحي من السماء إلى الأرض ليرى ما يحدث عليها ويرى أحياناً ما يحدث حوله في السماء.
وَٱلصَّوْتُ ٱلأَوَّلُ ٱلَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوقٍ وهو المذكور في (ص ١: ١٠). ولم يذكر صوت مَن هذا الصوت لكن نعلم أنه ليس صوت المسيح لأنه هو الصوت الذي ذكره في (ص ١: ١٠) وذُكر صوت المسيح بعده وهو كصوت مياه كثيرة لا كصوت بوق (ص ١: ١٧).
قَائِلاً ٱصْعَدْ إِلَى هُنَا أي أدخل الباب.
فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هٰذَا كان ذلك ما لا بد أن يصير لأن الله قضى به. وأشار بقوله «هذا» إلى وقته الحاضر. ذهب بعضهم من قوله «فأريك» أن المتكلم هو المسيح ولكن هذا ليس ببرهان كما يتضح مما في (ص ٢١: ٩ و١٠ و٢٢: ٨ و٩). والذي أراد أن يريه هو أحوال الكنيسة في المستقبل إلى نهاية الزمان أي إلى حين تمجيدها.
٢ «وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي ٱلرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَعَلَى ٱلْعَرْشِ جَالِسٌ».
ص ١: ١٠ ع ٩ و١ملوك ٢٢: ١٩ وإشعياء ٦: ١ وحزقيال ١: ٢٦ ودانيال ٧: ٩
لِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي ٱلرُّوحِ أي شعرت بانفعالات جديدة فكأني نُقلت في الرؤيا إلى السماء فذلك بمعنى ما في (ص ١: ١٠).
وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي ٱلسَّمَاءِ أي رآه هناك.
وَعَلَى ٱلْعَرْشِ جَالِسٌ وسُمي من على العرش من هنا إلى آخر السفر «بالجالس على العرش». وهو إما الآب الأزلي المذكور في (ص ٧: ١٠ و٩: ٤) لأنه ممتاز عن الابن (ص ٦: ١٦ و٧: ١٠) وعن الروح القدس (ع ٥). وأما الله الثالوث الأقدس بقطع النظر عن الامتياز بين الأقانيم كما في رؤيا إشعياء (إشعياء ص ٦) الذي اتخذه كل المفسرين دليلاً على التثليث بدليل قوله في تلك الرؤيا «من يذهب من أجلنا» (إشعياء ٦: ٨) ومن تكرار «قدوس» ثلاثاً (إشعياء ٦: ٣).
٣ «وَكَانَ ٱلْجَالِسُ فِي ٱلْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ ٱلْيَشْبِ وَٱلْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ فِي ٱلْمَنْظَرِ شِبْهُ ٱلزُّمُرُّدِ».
ص ٢١: ١١ و ٢٢: ١٩ و٢٠ حزقيال ١: ٢٨ ص ١٠: ١
شِبْهَ حَجَرِ ٱلْيَشْبِ وَٱلْعَقِيقِ هما حجران كريمان الأول والآخر من الحجارة الاثني عشر التي على صدرة هارون. وقيل في حجر اليشب أنه «أَكْرَمِ حَجَرٍ لامع بَلُّورِيٍّ» (ص ٢١: ١١). ولم يتحقق لونه لكونه مختلف الألوان وشفافاً وله ألوان مختلفة متموجة واتخذوا قديماً من اليشب حجارة الخواتم والحلي ويتخذه الأغنياء اليوم بلاطاً للمنتدى والموائد. والعقيق حجر كريم يغلب أن يكون أحمر كالنار. ذهب أكثر المفسرين إلى أن تلك الحجارة تشير إلى صفات الله فاليشب يشير إلى قداسته والعقيق إلى عدله. وكثيراً ما ذُكر في رؤى العهد القديم إن مظاهر الله كانت «في النار» و «النور اللامع».
وَقَوْسُ قُزَحَ ذُكرت هذه القوس في (تكوين ٩: ١٢ - ١٧ وحزقيال ١: ٢٨).
شِبْهُ ٱلزُّمُرُّدِ لون الزمرد أخضر وهو يغلب غيره من الألوان في قوس قُزح لذلك خصه يوحنا بالذكر وذلك لا يمنع من أن فيها سائر ألوان القوس المعروفة. ذهب المفسرون إلى أن قوس قُزح يشير إلى نعمة الله وحفظه عهده كما جعله الله آية ذلك في وعده لنوح (تكوين ٩: ١٣). وقال الأكثرون بأن اليشب والعقيق والقوس تشير إلى أن بهاء قداسة الله ونار عدله مقترنان دائماً بتأكيد رحمته وجودته لكي يخيف أعداءه ويعزي أصدقاءه.
٤ «وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشاً. وَرَأَيْتُ عَلَى ٱلْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخاً جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ».
ع ٦ وص ٥: ١١ و٧: ١١ و١١: ١٦ ع ١ وص ٥: ٦ و٨ و١٤ و١٩: ٤ ص ٣: ١٨
وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشاً لعلها أصغر من عرش الله ومنخفضة عنه.
وَرَأَيْتُ عَلَى ٱلْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخاً الخ هؤلاء نوّاب الكنيسة في السماء فجلوسهم يشير إلى الراحة والإكرام وبياض ثيابهم إلى الطهارة وإنهم كهنة لله. وأكاليل الذهب إلى أنهم ملوك. وعلة كونهم «أربعة وعشرين» كون ذلك العدد مجموع عدد أسباط إسرائيل وعدد رسل المسيح (متّى ١٩: ٢٨ ولوقا ٢٢: ٣٠). ومشاركة الكنيسة القديمة للكنيسة المسيحية ظاهرة من الترنم في السماء بترنيمة موسى والخروف (ص ١٥: ٣). ومثل ذلك إن أسماء الاثني عشر سبطاً كُتبت على أبواب أورشليم الجديدة الاثني عشر وأسماء الرسل الاثني عشر على أُسس المدينة الاثني عشر (ص ٢١: ١٢ و١٤).
٥ «وَمِنَ ٱلْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ».
ص ٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨ خروج ١٩: ١٦ زكريا ٤: ٢ خروج ٢٥: ٣٧ ص ١: ٤
وَمِنَ ٱلْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ هذه علامات حضور الله على طور سينا يوم أعطى الشريعة (خروج ١٩: ١٦). وهي علامات سلطان الله وقدرته وإن عرشه عرش الدينونة لا في وقت ظهوره ليوحنا بل في كل حين لأن سلطانه وقوته من صفاته الجوهرية الأبدية.
وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ وتفسيرها ما يليها وهو «سبعة أرواح الله» كما في (ص ١: ٤) وهي الروح القدس في أعماله المتنوعة الكاملة. وهذا يفيدنا أن نظر الله يكشف أعماق القلب كما في (ص ١: ١٤). وغاية الروح القدس أن ينير الصالحين ويبهجهم وينقي الأشرار أو يفنيهم وذلك غاية السفر كله.
٦ «وَقُدَّامَ ٱلْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ ٱلْبَلُّورِ. وَفِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ».
ص ١٥: ٢ و٢١: ١٨ و٢١ وحزقيال ١: ٢٢ ع ٤ حزقيال ١: ٥ وع ٨ و٩ و٥: ٦ و٦: ١ و٦ و٧: ١١ و١٤: ٣ و١٥: ٧ و١٩: ٤ حزقيال ١: ١٨ و١٠: ١٢
وَقُدَّامَ ٱلْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ ٱلْبَلُّورِ أي مثل البلور في صفاته وسكونه وهو يشير إلى طهارة السماء وهدوئها. وكان هذا البحر قدام العرش ليقرن الطهارة والسكون بجلال الله. وذهب بعضهم إلى أن هذا البحر يشير إلى عناية الله التي أظهرها لبني إسرائيل باجتيازهم البحر الأحمر في أول الشروع في سفرهم في البرية ولكن ذلك غير واضح.
وَفِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ ذكر يوحنا هنا المرأى كما ظهر له فإن الحيوانات كلها حول العرش لكنه نظر الاثنين المقابلين له كأنهما في وسط العرش بمقتضى موقفه. وكان أوجه الأربعة الحيونات نحو العرش فاستطاع أن يراها من كل الجهات.
٧ « وَٱلْحَيَوَانُ ٱلأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ، وَٱلْحَيَوَانُ ٱلثَّانِي شِبْهُ عِجْلٍ، وَٱلْحَيَوَانُ ٱلثَّالِثُ لَهُ وَجْهٌ مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَٱلْحَيَوَانُ ٱلرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ».
حزقيال ١: ١٠ و١٠: ١٤
ٱلأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ.. ٱلثَّانِي شِبْهُ عِجْلٍ.. ٱلثَّالِثُ... إِنْسَانٍ... ٱلرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ يشبه هؤلاء الكروبيم في العهد القديم (حزقيال ١: ٥ - ١٠ و١٠: ١ - ٢٠). ولكن الحيوانات هنا تمتاز عن التي في سفر حزقيال. إن لكل حيوان هنا وجهاً واحداً وإن لكل من حيوانات حزقيال أربعة أوجه. وذُكر مع الحيوان في رؤيا حزقيال بكرات أُطرها مملوءة عيوناً (حزقيال ١: ١٨) ولعل أبدانها أيضاً (حزقيال ١٠: ١٢). وإن لكل حيوان في رؤيا حزقيال أربعة أجنحة (حزقيال ١: ٦). وفي رؤيا يوحنا إن لكل حيوان ستة أجنحة كما في رؤيا إشعياء (إشعياء ٦: ٢). فتكون صور رؤيا يوحنا مركبة من صور رؤيا إشعياء وصور رؤيا حزقيال واختلف المفسرون كثيراً في هذه الحيوانات فذهب بعضهم إلى أنها تشير إلى كتبة البشائر الأربع ولكنهم اختلفوا أي حيوان يشير إلى متّى وأي يشير إلى مرقس الخ. وذهب بعضهم إلى أنها تشير إلى ما اعتقده الأقدمون في العناصر الأربعة النار والهواء والماء والتراب. وذهب بعضهم إلى أنها تشير إلى الفضائل الأربع العظمى. وذهب غيرهم إلى أنها تشير إلى قوة نفس الإنسان الأربع. وبعضهم إلى أربع صفات المسيح في عمل الفداء. وبعضهم إلى المدن الأربع التي فيها كنائس المسيح الأربع العظمى أورشليم وأنطاكية واسكندرية وقسطنطينية. وبعضهم إلى الرسل الأربعة الذين هم أكثر اعتباراً بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس. والذي اتفق عليه أكثر المفسرين إنها تشير إلى أقسام الخليقة الأربعة باعتبار كون الإنسان أشرف الحيوانات والنسر أشرف الطيور والعجل أو الثور أشرف البهائم الداجنة والأسد أشرف الحيوانات المفترسة. فهؤلاء الحيوانات الأربعة تنوب عن كل جنس الحيوان. فإن قيل لا شيء فيها يشير إلى حيوانات البحر قلنا إن سفر التكوين نسب الطيور إلى البحر (ص ١: ٢٠ و٢١). وإنما ذهب الأكثرون إلى هذا المعنى لذكر الخليقة في التسبيح فهو تسبيح الخليقة وهو قول الشيوخ والحيوانات «لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (ع ١١). وهذه الحيوانات الأربعة كنايات عن الصفات العظمى التي يمكن الخليقة إظهارها فالأسد كناية عن القوة والشجاعة والثور عن الصبر والإنسان عن العقل والنسر (ص ٦) عن الحركة والدأب.
٨ «وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَـهَا وَمِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً، وَلاَ تَزَالُ نَهَاراً وَلَيْلاً قَائِلَةً: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي كَانَ وَٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي يَأْتِي».
إشعياء ٦: ٢ و٣ ص ١٤: ١١ وص ١: ٤ و٨
سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ مأخوذ من رؤيا إشعياء. وتغطية الأوجه بالجناحين يشير إلى الاحترام كأنها غير مستحقة أن تنظر جلال الله وتغطية الأرجل إلى التواضع كأنها تستر جسمها من مجد الخالق. والطيران بالجناحين إلى الطاعة لأنها مستعدة لإجراء الأوامر الإلهية.
وَمِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً إذا قابلنا هذا بقوله قبلاً «مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ» (ع ٦) يتضح أن الأجنحة الستة لم تمنع من مشاهدة العيون لأن العيون كانت على ظهر الأجنحة وباطنها عند ارتفاعها وعلى أبدان الحيوانات.
وَلاَ تَزَالُ نَهَاراً وَلَيْلاً قَائِلَةً قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ أي تقدس دائماً وكلمات تقديسها ككلمات تقديس الكروبيم في رؤيا إشعياء (إشعياء ص ٦).
ٱلَّذِي كَانَ وَٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي يَأْتِي (انظر تفسير ص ١: ٨). خلاصة هذا المشهد أن كروبيم حزقيال وسرافيم إشعياء وحيوانات الرؤيا واحد وهي نواب الحيوان من خليقة الله إلا أنه في سفر إشعياء وسفر الرؤيا ذُكرت الأشخاص مستقلة أي ذُكر الإنسان مستقلاً بنفسه وكذا سائر الحيوانات. ولكن ذُكر في حزقيال الأربعة في جسم واحد أي أن للجسم الواحد أربعة أوجه وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر. وغاية هذه الحيوانات إعلان المجد لله والتسبيح لله على قوته ومجده باعتبار كونه الخالق كما يتضح من القول في سفر إشعياء «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ» (إشعياء ٦: ٣). ومن الترنيمة في آية الرؤيا. وخلاصة هذه الرؤيا كلها إن عرش الله يحيط به أربعة وعشرون شيخاً اثنا عشر من هم نواب أسباط إسرائيل الاثني عشر وهم نواب الكنيسة قبل الميلاد. والاثنا عشر الآخرون الاثنا عشر رسولاً وهم نواب كنيسة المسيح وهم اتفقوا مع الحيوانات الأربعة التي هي نواب الخليقة على تقديم التسبيح للخالق.
٩ «وَحِينَمَا تُعْطِي ٱلْحَيَوَانَاتُ مَجْداً وَكَرَامَةً وَشُكْراً لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ، ٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ع ٢ إشعياء ٦: ١ ومزمور ٧٤: ٨ ص ١٠: ٦ و١٥: ٧ وتثنية ٣٢: ٤٠ ودانيال ٤: ٣٤ و١٢: ٧
وَحِينَمَا تُعْطِي ٱلْحَيَوَانَاتُ مَجْداً وَكَرَامَةً وَشُكْراً في هذه الآية والآيتين التاليتين ترنيمة المجد الأبدي من الخليقة تسبيحاً للخالق وموافقة الكنيسة على ذلك. ولكن موضوع هذا التسبيح غير الفداء بل الخلق على ما سبق. أما ترنيمة المفديين في الفداء فستأتي في (ص ٥: ٩ و١٠). والحيوانات اعترفت في هذا التسبيح بمجد الخالق وإكرامه وشكره. وهذا التسبيح أبدي (ص ٧: ١١ و١٥: ٣).
١٠ «يَخِرُّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً قُدَّامَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ قَائِلِينَ».
ع ٤ ص ٥: ٨ و١٤ و٧: ١١ و١١: ١٦ و١٩: ٤
يَخِرُّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً قُدَّامَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ خرور هؤلاء يدل على الاحترام والتمجيد والعبادة الواجبة لله باعتبار كونه الملك العظيم «الحي إلى أبد الآبدين» أي الأزلي السرمدي. كانت ترنيمة الحيوانات الأربعة يترنم بها منذ الخلق بدليل قوله «أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ ٱلأَرْض...َ عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ ٱلصُّبْحِ مَعاً، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي ٱللهِ» (أيوب ٣٨: ٤ و٧). وأما ترنيمة الأربعة والعشرين شيخاً فلم يترنم بها إلا منذ شرع المسيح في عمل الفداء وهذا علة سبق الحيوانات للشيوخ إلى الترنم.
وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ دليلاً على أنهم رفضوا أن يكون لأنفسهم شيء من المجد والإكرام ونسبوا ذلك كله إلى الله.
١١ «أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ».
ص ٥: ١٢ و١: ٦ و١٠: ٦ و١٤: ٧ و١٥
نسب الشيوخ إلى الله «المجد» الذي نسبه إليه قبلاً الحيوانات الأربعة إلا أنهم نسبوا إليه «القدرة» بدلاً من «الشكر» في ترنيمة الحيوانات. فالشيوخ هم جزء من الخليقة لكنهم نظروا إلى الخليقة كأنهم مستقلون عنها واعتبروا وجودهم فيها آية قدرة الله.
لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ هذا موضوع الترنيمة الخاصة.
وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ فعلّة وجود العالمين ليست سوى مشيئة الله. وأراد بقوله «كائنة» إنها موجودة وإن حفظها متوقف على إرادة الله. وبقوله «خلقت» إن الله أبدعها أي أوجدها بعد أن لم تكن.
وغاية هذه الرؤيا الأولى الاستعداد لسائر السفر وهو تعزية الكنيسة في ما سيقع عليها من البلايا. عرف يوحنا بزوال المملكة الرومانية فأنبأه الله بأنه جالس على عرش السماء الملك الحي إلى أبد الآبدين الذي سلطانه يبقى بعد زوال كل الممالك الأرضية والرب الإله القادر على كل شيء اسمه. فمهما تغيّر من المخلوقات فهو لا يتغيّر ومهما نزل من البلايا فالكنيسة تحتمله بصبر لأن بلاياه بإذنه تعالى. فما رآه يوحنا في السماء ليس بمشهد وقتي لكنه بيان حال السماء الحاضرة والدائمة. وهي محل مشاهدة مجد الله إله الخلاص حافظ العهد المحيط بعرشه قوس قزح آية لدوام العهد.
ونتحقق من هذه النبوءة تنوّع الساجدين أمام العرش فهم المفديون من الأرض وغيرهم من الجنود السماوية الروحية. والمفديون هنا في صور ملوك وكهنة فهم ملوك لأن لهم أكاليل من الذهب وكهنة لأنهم لابسون ثياباً بيضاً. وغيرهم من الساجدين بصورهم الأربع موصوفون بأنهم مملوءون عيوناً وإنهم لا يفتأون يسبحون لله نهارا وليلاً. وهذا يدل على تيقظهم الدائم وحركاتهم ودأبهم في خدمة الله أبداً. وصورهم الأربع تدل على تنوع أعمالهم في القيام بخدمتهم لتمجيد ذلك الذي هو موضوع تسبيحهم ومحبتهم. ونتعلم من هذا أن كل حوادث تاريخ العالم معينة مقضي بها منذ الأزل فإنه قال المتكلم مع يوحنا «هلم فأريك ما لا بد أن يصير». فقوله «لا بد» كقول الله لقورش ولكل مخلوق «أنا نطقتك وأنت لم تعرفني» فالمستقبل كله في يد الله «ٱلْعَدْلُ وَٱلْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ. ٱلرَّحْمَةُ وَٱلأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ» (مزمور ٨٩: ١٤).
ونعلم أيضاً من هذه الرؤيا شدة الاتفاق بين أعضاء الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المنتصرة في السماء. فالأربعة والعشرون شيخاً الذين هم نواب المفديين جالسون على عروش حول الملك يشاهدون من هنالك كل ما يصيب الكنيسة هنا فكأنهم يشتركون في أحزانهم ويفرحون بأفراحهم وينتظرون انتقالهم.
ونعلم منها أيضاً قرب السماء منّا وإنها ليست بلاداً بعيدة جداً فإنه فُتح الباب فوُجدت السماء. إن الموت يغلق حواسنا كالسبات الذي اعترى يوحنا وفي لحظة نكون في حضرة الله الديّان للكل وحضرة «الأرواح المكملين».
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
ذُكر في هذا الأصحاح سفر مختوم بسبعة ختوم كُتب فيه ما لا بد أن يصير بعد هذا وهو الذي دُعي يوحنا لأن يراه وعدم وجود أحد «من المخلوقات» يستحق أن يفتح الختوم وحزن الرسول على ذلك وخطاب الشيخ وتعزيته إياه بأن الخروف يفتحها (ع ١ - ٧). وترنم الجنود السماوية بترنيمة المجد عندما أخذ الخروف السفر ومشاركة نوّاب الكنيسة لنوّاب الخليقة في ذلك (ع ٨ - ١٠). وتصديق الملائكة لتلك الترنيمة (ع ١١ و١٢). واشتراك كل خليقة في السماء وعلى الأرض وما تحت الأرض في تصديق تلك الترنيمة (ع ١٣). وآمين الأربعة الحيوانات والشيوخ (ع ١٣).
١ «وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ سِفْراً مَكْتُوباً مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُوماً بِسَبْعَةِ خُتُومٍ».
ع ٧ و١٣ ص ٤: ٩ حزقيال ٢: ٩ و١٠ إشعياء ٢٩: ١١ ودانيال ٢: ٤
وَرَأَيْتُ غير ما رأى في الأصحاح السابق من حضرة الله في السماء والساجدين له.
عَلَى يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ سِفْراً كانت يمينه مفتوحة وعليها درج كما في (حزقيال ٢: ٩ انظر أيضاً إرميا ٣٦: ٢ و٢٣ وزكريا ٥: ٢). وكون ذلك الدرج موضوعاً في يمين الله دليل على أنه يريد أن يُؤخذ ويُقرأ ولا مانع من ذلك إلا ما ذُكر في الآية التالية.
مَكْتُوباً مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ وَرَاءٍ أي على ظاهره وباطنه وهذا على خلاف المعتاد وهو أن يُكتب في الباطن. والغاية من ذلك إظهار القضاء الإلهي المسطور في ذلك السفر وكماله حتى لا يكون فيه محل للزيادة. وكان يشبه ذلك الدرج الذي رآه حزقيال «وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ١٠). دلالة على أنه مشتمل على كل الأحزان.
مَخْتُوماً بِسَبْعَةِ خُتُومٍ ظاهرة لعيني الرسول. «والسبعة» عدد كامل يشير إلى الكمال. اختلف المفسرون في حقيقة هذا السفر فظنه بعضهم العهد القديم وآخرون أنه كل كتاب الوحي وذهب آخرون إلى أنه كتاب دينونة أعداء الكنيسة وآخرون أنه سفر الرؤيا عينه وآخرون أنه جزء وآخرون أنه كتاب مقاصد الله وعنايته وأنه كتاب الخلاص. والأرجح إن في هذا السفر مقاصد الله السريّة المتعلقة بكنيسته ولم يُعلن بعد. فما أُعلن هنا ليس سوى أحوال الكنيسة التي هي استعداد لهذا الكمال حتى تستحق الكنيسة أن تقرأه.
٢ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً قَوِيّاً يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟».
ص ١٠: ١ و١٨: ٢١
وَرَأَيْتُ مَلاَكاً قَوِيّاً اقتضت الحال أن يكون قوياً لكي يبلغ صوته سكان السماء والأرض ومحل الموتى (ع ٣).
مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ليقرأ ما فيه. والاستحقاق هنا أدبي مبني على الجهاد والانتصار واحتمال التجربة (يوحنا ١٤: ٣٠ وعبرانيين ٢: ٩ و٤: ١٥).
٣ «فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَلاَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ ٱلأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ».
ع ١٣ وفيلبي ٢: ١٠
فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ من المخلوقات لأنه غير مستحق.
وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ لكي يقرأه بعد أن يُفتح.
٤ «فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيراً، لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقّاً أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ».
فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيراً بكى لشدة شوقه إلى ما وُعد أن يراه (ص ٤: ١) وخوفه من اليأس بأن لا يوجد من يستحق أن يفتح السفر. قال بعضهم سفر الرؤيا لم يُكتب بلا دموع ولا يُدرك معناه بلا دموع.
٥ «فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ ٱلأَسَدُ ٱلَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ٱلسَّبْعَةَ».
تكوين ٤٩: ٩ وعبرانيين ٧: ١٤ إشعياء ١١: ١ و١٠ ورومية ١٥: ١٢ وص ٢٢: ١٦
قَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخ لاَ تَبْكِ كان الشيوخ أقرب إلى العرش من يوحنا الذي له وصف الطبيعة البشرية ويعرفون أكثر منه بانتصار المسيح ومجده.
إن من أسلوب هذا السفر أن تتكلم الأرواح السماوية مع يوحنا (ص ٦: ١ و٧: ١٣ و١٠: ٤ و٨ و١٧: ١ و١٩: ٩ و٢١: ٩ و٢٢: ٦). فإنباء الشيخ حوّل بكاء الرسول إلى فرح.
هُوَذَا قَدْ غَلَبَ ٱلأَسَدُ كان الأسد رمزاً إلى سبط يهوذا الذي قال فيه يعقوب بالبركة الوداعية «يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ٱبْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ» (تكوين ٤٩: ٩). وأشار «بالأسد» إلى القوة والشجاعة والرئاسة. وتُنبئ أن يكون المسيح من سبط يهوذا (تكوين ٤٩: ١٠). وأشار بقوله «غلب» إلى جهاد يسوع العظيم وانتصاره اللذين بهما استحق أن يفتح السفر (عبرانيين ٢: ٩). وهذا الحق لم يكن له بالنظر إلى كونه ابن الله ممجداً بل لكونه ابن الإنسان متواضعاً كقول بولس إنه «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللهُ أَيْضاً الخ» (فيلبي ٢: ٧ - ١١).
أَصْلُ دَاوُدَ أي فرع من ذلك الأصل كما أوضحت النبوءة (إشعياء ١١: ١ و١٠).
لِيَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ٱلسَّبْعَةَ الفك تمهيد للفتح.
٦ «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ».
ع ٨ و٩ و١١ و١٢ و١٤ ص ٤: ٤ و٦ وص ١٣: ٨ يوحنا ١: ٢٩ دانيال ٨: ٣ و٤ زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠ ص ١: ٤
رَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ الأرجح إن الذي رآه كان قدام العرش ضمن دائرة الأربعة والعشرين شيخاً لأنه قيل إنه «أَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ مِنْ يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ» (ع ٧).
حَمَلٌ في الأصل اليوناني «صغير من الخراف». كان النبي قد وُعد بحضور الأسد الذي من سبط يهوذا فرأى خروفاً صغيراً وهو رمز إلى الطهارة والبر والحلم والتواضع. لكن هذا الخروف أقوى من الأسد الزائر الذي يجول ملتمساً أن يبتلع شعب الله (١بطرس ٥: ٨).
قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لو كان على العرش لكان جالساً فإذا كان واقفاً بين العرش والشيوخ بمنزلة وسيط بين الله والناس. كان على هذ الخروف علامات تدل على أنه كان قد جُرح جرحاً مميتاً وقيل إنه «قائم» لا مطروح لأنه مع كونه قد مات كان حينئذ حياً ويحيا إلى الأبد. وقال «كأنه مذبوح» دلالة على أنه كان قُدّم ذبيحة لا إنه قُتل لغير ذلك. فعُلم من ذلك إن المسيح في حال ارتفاعه لا يزال عليه علامات آلامه وموته ذبيحة فشهادة سفر الرؤيا وشهادة الإنجيل واحدة وهي إننا مفديون بالمسيح لكونه قد مات ذبيحة عنا ولأنه قام لحياة جديدة ومجيدة.
لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ له فوق علامات تواضعه وحلمه علامات القوة لأن القرن علامة القدرة كما عُلم من العهد القديم (تثنية ٣٣: ١٧ ولوقا ١: ٦٩). ونُسب إليه «سبعة قرون» ليدل على كمال قدرته.
وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ كالمصابيح السبعة المذكورة في (ص ٤: ٥) وهي تعني الروح القدس بمواهبه الكاملة المتنوعة وتشير أيضاً إلى حكمة المسيح العظمى وعلمه كل شيء.
ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ نُسب إرسال الروح القدس إلى الابن كما نُسب إلى الآب (يوحنا ١٤: ٢٦). فإن المسيح في السماء يرسل الروح القدس ليمنح نعمة لشعبه كما أرسل الرسل وهو على الأرض قائلاً «ٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ» (متّى ٢٨: ١٩).
٧ «فَأَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ مِنْ يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ».
ع ١
فَأَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ الخ القرينة تدل على أنه بقي في يده فإذاً «غلب الخروف» فلا داعي للرسول إلى أن يبكي بعد لأن المسيح للكنيسة «حكمة وبر وقداسة ووفداء» (١كورنثوس ١: ٣٠). فله حق أن يملك السفر لأنه هو الغالب وهو عمانوئيل أي الله معنا فله سفر أسرار الله لكي يعلنه للكنيسة متى رأى ذلك ملائماً (١كورنثوس ١: ٢٤ وأفسس ١: ٩ و١٠ وكولوسي ١: ١٨).
٨ «وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ ٱلْحَمَلِ، وَلَـهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ».
ص ٤: ١٠ ع ٦ و١١ و١٤ ص ٤: ٦ ع ٦ و١٤ ص ٤: ٤ ع ٦ و٢ ص ١٣: ٨ ص ١٤: ٢ و١٥: ٢ و ٧ ص ٨: ٣ و٤ ومزمور ١٤١: ٢
وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً أي سجدت للخروف. فليس الكنيسة وحدها مهتمة بكشف الأسرار الإلهية والموانع من إتيان ملكوت المسيح فإن الخليقة كلها تئن متوقعة تملُّك البر ولذلك اتفقت الحيوانات الأربعة النائبة عن الخليقة مع الشيوخ النائبين عن الكنيسة في تقديم العبادة والتسبيح للخروف الذي استحق أن يأخذ بيده السفر. ونُسب الترنيم إلى الحيوانات الأربعة كما نُسب إلى الشيوخ.
أَمَامَ ٱلْحَمَلِ فتكون العبادة للجالس على العرش وللخروف معاً.
وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا مأخوذ من رسوم الخيمة والهيكل «فالقيثارات» للتسبيح و «الجامات» للبخور وهي ما يستعملها الحبر الأعظم بدخوله إلى قدس الأقداس. والظاهر إن هذه الخدمة تليق بالشيوخ أكثر مما تليق بالحيوانات إذ لا نرى من داع إلى أن تُقدم نواب الخليقة صلوات القديسين. والقيثارات والجامات تشير إلى نوعين من العبادة وهما التسبيح والصلاة. فإن القيثارات للتسبيح والجامات الذهبية للتبخير. وقيل هنا أنه قُدمت فيها صلوات شعب الله المتألم في الأرض. فهذه الصلوات بعدما جُمعت في جامات الشيوخ وُضعت في يدي المسيح الوسيط العظيم فهو قدمها لله ببخور استحقاقه كما اتضح مما يأتي (رؤيا ٨: ٣). ولا ذكر هنا لتوسط القديسين في السماء من أجل الكنيسة على الأرض. فعلى الكنيسة على الأرض أن تصلي لأنها متألمة مضطهدة أما نواب الكنيسة المنصورة في السماء فيسّبحون. فلا يحتاج البشر إلا إلى شفاعة المسيح وهو الخروف المذبوح القائم أمام العرش.
٩ «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ».
ص ١٤: ٣ و١٥: ٣ ومزمور ٤٠: ٣ و٩٨: ١ و١٤٩: ١ إشعياء ٤٢: ١٠وص ٤: ١١ ع ٦ و١٢ وص ١٣: ٨ ص ١٤: ٣ و١كورنثوس ٦: ٢٠ ص ٧: ٩ و١١: ٩ و١٣: ٧ و١٤: ٦ ص ١٠: ١١ و١٧: ١٥ ودانيال ٣: ٤ و٥: ١٩
وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً أي يترنم الشيوخ. وكانت الترنيمة جديدة على أن الحامل على الترنم بها جديد وهو بيان استحقاق المسيح. والترنيمة هي ترنيمة الفداء التام ولذلك كانت جديدة. وموضوع الشكر فيها استحقاق المسيح وأُثبت بثلاثة أمور:
- الأول: إن الخروف ذُبح وهذا يشتمل على كل تواضعه وإنكاره لنفسه كل مدة حياته على الأرض.
- الثاني: اشتراؤه المختارين لله بدمه وهذا يشتمل على كل نجاتهم من الخطيئة والحزن والاضطهاد والموت ونيلهم قداسة السماء وسعادتها.
- الثالث: جعله إياهم ملوكاً وكهنة لله (انظر تفسير ص ١: ٦).
بِدَمِكَ هذا الدم هو ثمن المفديين وهو ذبيحة المسيح الكفارية.
قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ هذه أربعة أقسام للبشر وعدد الأربعة يشير في الأمور الأرضية إلى الشمول التام. ولذلك قُسمت الخليقة في الآية الثالثة عشرة إلى أربعة أقسام.
١٠ «وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ص ١: ٦ و٢٠: ٤ و٣: ٢١
وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً الخ في هذا ثلاثة أسباب للشكر الأول إن المفديين تألفوا مملكة (أي مملكة الله). الثاني إنهم جُعلوا كهنة. الثالث إنه وُهب لهم قوة الملوك. وقوله «فسنملك على الأرض» يصدق في الحاضر كما يصدق في المستقبل لأن المسيح رأس الكنيسة وقد ملك فملكت الكنيسة معه ووضع كل شيء تحت قدميها لأنه تحت قدميه. وهذا حق للكنيسة مع كونها مضطهدة ومهانة والعالم لم يعترف بحقها.
١١، ١٢ «١١ وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، ١٢ قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌّ هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُوَّةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ».
ص ٤: ٤ وع ٦ و١١ و١٤ وص ٤: ٦ وع ٦ و١٤ دانيال ٧: ١٠ ص ٩: ١٦ ع ٦ و١٢ وص ١٣: ٨
وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ ما سبق من الترنّم هو ترنّم نواب الخليقة ونواب المفديين وهم عُتقوا على الرجاء من عبودية الخطيئة والموت. لكن أولئك النواب لم يكونوا سوى جزء من جنود السماء وهم ليسوا بنواب عن أولئك الجنود. وجمهور الملائكة الأبرار العظيم لم يشتركوا في ذلك الترنم إلى الوقت المذكور هنا. ثم سمع الرسول بعد قليل ترنم تسبيح الفداء العظيم مرتفعاً من كل جنود السماء. فسمع علاوة على أصوات نواب الخليقة والكنيسة أصوات الملائكة على اختلاف رتبهم من «رئاسات وسلاطين وقوات وسيادة» (أفسس ١: ٢١). فهم في كل دوائرهم يقدمون للخروف المذبوح تقدمة التسبيح والسجود والتعظيم فاختفت كل السماء بذلك التسبيح.
حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ كانت الكنيسة أقرب من سواها إلى العرش والخروف لأنها تُعلن أحسن إعلان قوة الخروف ومحبته وحكمته. وكان حول الكنيسة الجنود السماوية مسبحين ومترنمين ومجتهدين في أن يبحثوا ويطلعوا على أسرار الله وأعماله الحبية للكنيسة (أفسس ٣: ١٠ و١بطرس ١: ١٢).
وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ المراد بذلك أنهم لا يُحصون لكثرتهم. وذكر الأقل بعد الأكثر خلافاً للعادة ولعل السبب إن الألوف أعظم رتبة من الربوات.
أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ الخ الصفات التي نُسبت إلى المسيح في هذه الآية سبع دلالة على كمال صفاته.
١٣ «وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
فيلبي ٢: ١٠ ع ٣ و١ رومية ١١: ٣٦ وص ١: ٦
في هذه الآية تسبيح عام. والمراد «بالخليقة» فيها كل الأحياء.
مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ هذا يشمل الملائكة وقديسي المفديين.
وَعَلَى ٱلأَرْضِ أي كل الأحياء على الأرض وهم الذين قد رآهم الرسول قد اشتركوا في ذلك الترنم.
وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ أي سكان الهاوية والمراد بها هنا مكان الأموات.
وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ أي حيوانات البحر التي تظهر على وجهه.
كُلُّ مَا فِيهَا الضمير هنا يرجع إلى المواضع المذكورة والعبارة زيدت لتأكيد الشمول.
لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ (انظر تفسير ص ٤: ٢).
وَلِلْحَمَلِ أي يعبدون الابن كما يعبدون الآب. شاركت الكنيسة بواسطة شيوخها الخليقة التي نابت عنها الحيوانات الأربعة في ترنم الفداء. سبح الملائكة لابن الله على تنازله غير المحدود. وكل هؤلاء عظّموا مجد الله الآب والخروف ونسبوا إليهما البركة والكرامة والمجد والسلطان وهي أربعة دلالة على الشمول في الأمور الأرضية.
١٤ «وَكَانَتِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلأَرْبَعَةُ تَقُولُ: آمِينَ. وَٱلشُّيُوخُ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
١كورنثوس ١٤: ١٦ وص ٧: ١٢ و١٩: ٤
وَكَانَتِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلأَرْبَعَةُ تَقُولُ آمِينَ أظهرت بذلك الموافقة لغيرها في الترنم وصدقته.
وَٱلشُّيُوخُ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ خَرُّوا الخ بدون صوت وهذا السكوت كان أبلغ من النطق فإنه كان ناتجاً عن الهيبة والشكر والمحبة. ولنا مما في هذه الرؤيا إن سفر العناية الإلهية الآن في يد المسيح وفيه أحوال ممالك العالم المستقبلة علاوة على مستقبل الكنيسة. والرب هو الملك الجالس على الكروبيم. وفي ذلك نرى سبب تشبيه المسيح بصورتين في هذه الرؤيا أي «الأسد» و «الخروف» فهو باعتبار كونه «الأسد الذي من سبط يهوذا» قادر أن يحمي شعبه من أعدائه وباعتبار كونه «الخروف المذبوح» فهو مستعد أن يؤاسيه ويشفق عليه ويشفع فيه.
ورؤيا «الخروف المذبوح في وسط العرش» علة ترنّم المجد العام من ربوات الملائكة التي لا تحصى وهم الذين لم يخطأوا ولم يحتاجوا إلى الفدى علاوة على المفديين. وفي هذا بيان إن صليب المسيح الذي هو آية محبة الآب الأزلية ومحبة الابن غير المحدودة هو ما يشغل أهل السماوات والأرض بالتسبيح إلى أبد الآبدين.
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
فك الختوم
فك الختوم يشير إلى بسط تاريخ العالم بعد صعود المسيح إلى السماء وإعلان ما يحدث للممالك من الحرب والجوع والوباء والموت. وفي فك هذه الختوم إيضاح صوري لما أنبأ به المسيح تلاميذه لفظاً على جبل الزيتون وهو قوله «وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ... لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ» (متّى ٢٤: ٦ و٧). وفك الختوم يدل على أن تلك النوازل تظل جارية إلى نهاية كل شيء وإن الكنيسة تتدرب بها في مدرسة التأديب وتكمل بالألم كما كُمّل معلمها (عبرانيين ٢: ١٠) فتعرف أنها «بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ» (أعمال ١٤: ٢٢). وحيث يكون المعلم في السماء يكون عبيده معه ولكن يجب أن يدخلوها في الطريق الذي هو دخلها فيه وهو طريق الحزن والألم.
وما يحدث لأمة يمكن أن يحدث لأمة أخرى فقد سبق ورافق خراب أورشليم الحرب والجوع والشقاء والقلق. وكذا كانت الحال في انقلاب المملكة الرومانية. ونتعلم من هذا الأصحاح أن نتوقع مثل هذه الحوادث في المستقبل.
يجب أن نلاحظ إن الختوم المذكورة هنا لا تشير ضرورة إلى حوادث متوالية فيمكن أن تكون متوازية فيمكن مثلاً إن فرس الجوع يسبق فرس الوباء أو أن يجريا معاً لأنه كثيراً ما ينشأ عن الحرب الجوع وعن الجوع الوباء. ويجب أن نلاحظ أيضاً إن هذا السفر يتكلم في مبادئ عامة لا حوادث خاصة تاريخية فإنا نرى الكنيسة في جهاد للعالم ونرى ابن الإنسان باعتبار كونه كاهن الكنيسة وملكها ينتصر على أعدائها ويثبت مملكة الحق والبر ويحمي الكنيسة في كل ضيقاتها ويطهّرها ويقودها أخيراً إلى السعادة التامة في أورشليم الجديدة.
إن الأربعة الختوم الأولى تمتاز عن الثلاثة التابعة لها في أن كلا من الأربعة يظهر عند فكه فارساً وإنه يأتي إجابة لقول واحد من الحيوانات «هلم» ولكن لا يُذكر عند فك كل من الثلاثة التالية فرس ولا راكب ولا طالب لهما. ثم نرى عند فك الختم السادس تغير محل الرؤيا من العالم المنظور إلى العالم غير المنظور (ع ٩). وهذه الرؤيا تشبه رؤيا زكريا (زكريا ١: ٧ - ١١ و٦: ١ - ٨).
١ «وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْحَمَلُ وَاحِداً مِنَ ٱلْخُتُومِ ٱلسَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِداً مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَٱنْظُرْ!».
ص ٥: ١ و١٤: ٢ و١٩: ٦
سَمِعْتُ وَاحِداً مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ هم نواب الخليقة الذين قال فيهم بولس الرسول «نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً... مُتَوَقِّعِينَ ٱلتَّبَنِّيَ» (رومية ٨: ٢٢ و٢٣). فهم اتفقوا في ما مرّ مع نواب الكنيسة المفدية على تقديم ترنيمة الشكر للخروف فلاق بهم إن يظهروا شدة شوقهم إلى مجيء الفادي في هذا الصوت.
قَائِلاً كَصَوْتِ رَعْدٍ كونه كصوت رعد لا يعيّن صاحبه فإن طبيعة كل من الحيوانات الأربعة السرّية السامية علة كافية لعظمة الصوت (ص ١: ١٠ و١٠: ٣).
هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! خلا أحسن النسخ وأصحها من قوله «وانظر» فرأى أكثر المفسرين إن بعض النساخ زاد ذلك لتوهمه إن الأمر ليوحنا ولكن لا داعي إلى أن يأمره أحد بالمجيء لأنه كان قريباً ورأى الخروف يفك. وبينه وبين العرش بحر من زجاج لا يستطيع أن يعبره ولا داعي لأن يقترب أكثر من ذلك. وغاية السفر هي مجيء المسيح بدليل قوله في أول السفر «هوذا يأتي» (ص ١: ٧). فلذلك نرى إن الصوت موجه إلى المسيح نفسه وهذا يوافق ما قيل في موضع آخر «ٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ وقوله نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً» (ص ٢٢: ١٧ و٢٠). فيجب أن نحسب صوت القائل «هلم» عند فك كل من الختوم الأربعة صلاة من الخليقة لأجل مجيء المسيح إذ لا تنتهي آلامها وأحزانها التي هي مستعبدة لها إلا بمجيئه. ولذلك تنادي هلم! هلم! هلم! هلم! وما يأتي بعد الصوت جواب له واستعداد لمجيء المسيح إلى الأرض. فبعدما أبانت الحيوانات الأربعة شدة شوقها إلى مجيء المسيح أبانته أيضاً نفوس الشهداء تحت المذبح بصراخهم قائلين «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ» (ص ٦: ١٠). وفك كل ختم استعداد لمجيئه العظيم وكان فك الختم السادس أعظم ما يكون من الاستعداد.
والرؤى الأربع هنا تشير إلى أوقات القلق أكر مما تشير إلى أوقات الراحة فإنها إنباء «بالأربعة الأحكام الرديئة التي أُنبئ بها حزقيال وهي السيف والجوع والوحش الرديء والوباء ليقطع من أورشليم الإنسان والحيوان» (حزقيال ١٤: ٢١). فإتيان هذه الآيات - آيات النقمة - استعداد لإتيان رئيس السلام.
٢ «فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً، وَخَرَجَ غَالِباً وَلِكَيْ يَغْلِبَ».
ص ١٩: ١١ زكريا ١: ٨ و٦: ٣ و٤ وص ١٤: ١٤ و٩: ٧ و١٩: ١٢ وزكريا ٦: ١١ ص ٣: ٢١
فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ هذا رمز إلى النصر لأن خيل القواد الرومانيين في مواكب النصر كانت بيضاً فلون الفرس آية انتصار فارسه.
وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً هذه صورة المسيح باعتبار كونه جندياً وملكاً فظهر بصورة قائد ورئيس لشعبه على وفق النبوءة القائلة «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ... رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ» (إشعياء ٥٥: ٤ انظر أيضاً مزمور ٤٥: ٣ - ٥ وإشعياء ٤١: ٢). وقول هذا السفر في (ص ١٩: ١١ - ١٦ انظر أيضاً عبرانيين ٢: ٩). وهذا يشبه ما رآه زكريا النبي (زكريا ١: ٤ و٩: ١٠).
غَالِباً وَلِكَيْ يَغْلِبَ ليس كغالبي بابل ونينوى ومكدونية ورومية الذين غلبوا ثم غُلبوا فإن انتصار المسيح أبدي «لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ لاَ نِهَايَةَ» (إشعياء ٩: ٧). «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ» (إشعياء ٥٤: ١٧). ومع أنه دُعي «رئيس السلام» لأن غايته العظمى السلام وعاقبة ملكه كذلك قال في المضادين لملكه «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى ٱلأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً» (متّى ١٠: ٣٤). وانتصار المسيح يستلزم انتصار ملكوته «وأبواب الجحيم لن تقوى عليه» ففك الختم الأول بيان انتصار كنيسة المسيح وشعبه بانتصار رأسها وملكها.
٣، ٤ «٣ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلثَّانِيَ، سَمِعْتُ ٱلْحَيَوَانَ ٱلثَّانِيَ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! ٤ فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَأُعْطِيَ لِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ ٱلسَّلاَمَ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَأُعْطِيَ سَيْفاً عَظِيماً».
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٢
فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ أي لونه كلون الدم (٢ملوك ٣: ٢٢). وهنا لون الفرس يشير إلى صفة الراكب كما في فك الختم الأول.
أَنْ يَنْزِعَ ٱلسَّلاَمَ مِنَ ٱلأَرْضِ لا من اليهودية فقط ولا من المملكة الرومانية أو من مكان آخر خاص بل من كل موضع.
وَأُعْطِيَ سَيْفاً عَظِيماً معنى هذا ما سبق من نزع السلام وقتل بعض الناس لبعض واستيلاء السيف من معدات مجيء المسيح ثانية (متّى ١٠: ٣٤) فهذا لا يشير إلى اضطهاد المسيحيين الخاص بل إلى الحرب باعتبار كونه آلة ضرورية لملك رئيس السلام. وهذه الرؤيا على وفق قول المسيح «تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ» (متّى ٢٤: ٧). ولم يتضح جلياً الفرق المقصود بين الراكب الأول والراكب الثاني إلا إذا فرضنا إن الأول يشير إلى الذين يخضعون لسلطان المسيح اختياراً على نحو قول المرنم «شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ» (مزمور ١١٠: ٣). وفرضنا إن الثاني يشير إلى المقاومين لملك المسيح ويقولون «لا نريد أن هذا الإنسان يملك علينا». والمتقاتلون هم أشرار الناس لأنهم يقتل بعضهم بعضاً. ووقعت هذه الحرب عقاباً لهم لأنهم رفضوا رئاسة ملك السلام. إنهم لم يريدوا أن يخلصوا بدم الخروف المذبوح فسمح الله بأن يبغض بعضهم بعضاً ويذبح بعضهم بعضاً.
إن تاريخ الأرض منذ هذه النبوءة مصدق لأنباء الرؤيا فحدثت حروب في المملكة الرومانية وحروب بين الأمم وحروب على الكنيسة من أعدائها الخارجية وأعدائها الداخلية وهم الذين ادعوا إنهم إخوة وأتباع المسيح وأعمالهم دلت على أنهم لم يكونوا كذلك.
٥ «وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلثَّالِثَ، سَمِعْتُ ٱلْحَيَوَانَ ٱلثَّالِثَ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ».
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٢ حزقيال ٤: ١٦
فَرَسٌ أَسْوَدُ لون هذا الفرس إشارة إلى عمل راكبه المحزن.
مِيزَانٌ فِي يَدِهِ الميزان آية الجوع لأنه يشير إلى قسمة الطعام بالوزن على وفق قول النبي «تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ» (لاويين ٢٦: ٢٦). وقوله تعالى «هَئَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ ٱلْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ بِٱلْوَزْنِ» (حزقيال ٤: ١٦).
٦ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً فِي وَسَطِ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً: ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا ٱلزَّيْتُ وَٱلْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا».
ص ٤: ٦ و٧ وص ٧: ٣ و٩: ٤
وَسَمِعْتُ صَوْتاً... ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ كانت الثمنيّة يومئذ وزن ما يأكله الإنسان من الخبز في يوم وكان الدينار أجرة الفاعل في اليوم وأجرة الجندي الروماني. وكانت قيمة الدينار يومئذ تقرب من أربعة غروش (متّى ٢٠: ٢). فيظهر من ذلك أجرة الإنسان اليومية يومئذ لا تفي إلا بما يأكله من خبز الحنطة.
وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ أي إن أجرة اليوم لا تزيد على ثمَن طعام بيت ذي ثلاثة أنفس من خبز الشعير. فكان ذلك الصوت أنباء بالضيق وطلب شفقة الراكب لكي يقف عن الجري لئلا يشتد الضيق ويهلك كل البشر.
ٱلزَّيْتُ وَٱلْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا (أي شجر الزيتون والكرم) ليس الجوع المشار إليه هو الجوع إلى الموت بل إلى الضيق العظيم فلا ينقطع القمح والشعير تماماً والزيت والخمر يبقيان أي يبقى القوت الضروري ومعه شيء مما ينشئ الفرح والسرور. ومن تفاسير أخرى إن الخبز هو القوت الضروري والزيت والخمر من وسائل الترفه فالمعنى في ذلك إن الضيق يقع على الفقراء فيكون الأغنياء مسرفين.
ويقول غيرهم إن الضربة وقعت على القمح والشعير ولم تقع على الخمر والزيت لأن استغلالهما يكون بعد حصاد القمح والشعير (خروج ٩: ٣١ و٣٢). والخلاصة إن هذا الصوت يطلب رحمة الله لكي لا يشدد العقاب فيقطع أسباب المعاش عن الناس. فالفرس الثالث لا يشير إلى الموت جوعاً بل إلى الضيق العظيم وما ينشئ للشعب الجوع من القلق والفتنة.
٧، ٨ «٧ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلْحَيَوَانِ ٱلرَّابِعِ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! ٨ فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ ٱسْمُهُ ٱلْمَوْتُ، وَٱلْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَاناً عَلَى رُبْعِ ٱلأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ.
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٣ ص ١: ١٨ و٢٠: ١٣ أمثال ٥: ٥ وهوشع ١٣: ١٤ متّى ١١: ٢٣ إرميا ١٥: ٢ و٢٤: ١٠ و٢٩: ١٧ وحزقيال ٥: ١٢ و١٧ و١٤: ٢١
فَرَسٌ أَخْضَرُ هذا لون الإنسان المشرف على الموت أو المصاب بالوباء.
وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ ٱسْمُهُ ٱلْمَوْتُ مثّل الموت فأثبت له صورة. هذا هو الفرس الوحيد الذي فُسر معناه.
وَٱلْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ كأنها شريكته. «والهاوية» هنا مسكن أرواح الموتى.
رُبْعِ ٱلأَرْضِ الأرجح أنه أراد بذلك عدداً وافراً من الناس لا المعنى الحقيقي.
بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْمَوْتِ (أي الوباء) وَبِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ هذه أحكام الله الانتقامية المذكورة في (خروج ٣٢: ٢٤ و٢٥) هنا نهاية فك الأربعة الختوم الأولى التي فيها صور متميزة ويشترك في إحضارها الأربعة الحيوانات أي نواب الخليقة فإنها طلبت حضور ابن الإنسان بقولها «هلم». وما ذُكر تمهيد لمجيئه العظيم فأتى أولاً في هيئة المنتصر وانتصاراته مختصر تاريخ العالم. ففك الختم الثاني والثالث والرابع يبين أن انتشار الإنجيل يرافقه الحرب والجوع والوبأ كما أنبأ المسيح بقوله «تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ» (متّى ٢٤: ٧). وهذا كُرر في الرؤيا. اتفق المفسرون على أن هذه الختوم الأربعة متعاصرة وأنها تصدق على تاريخ الكنيسة في كل مستقبلها. فإتيان المسيح بملكوته «غالباً ولكي يغلب» لا يكون إلا بها وإنها تشتد على نسبة قرب مجيئه وتنتهي عنده.
٩ - ١١ «٩ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، ١٠ وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟ ١١ فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَـهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ».
خروج ٢٩: ١٢ ولاويين ٤: ٧ ويوحنا ١٦: ٢ ص ١٤: ١٨ و١٦: ٧ ص ٢٠: ٤ و١: ٢ و٩ ص ١٢: ١٧ زكريا ١: ١٢ و٢بطرس ٢: ١ لوقا ٢: ٢٩ ص ٣: ٧ ص ١٩: ٢ تثنية ٣٢: ٤٣ ومزمور ٧٩: ١٠ ولوقا ١٨: ٧ ص ٣: ١٠ و٥ و٧: ٩ ص ١٤: ١٣ و٢تسالونيكي ١: ٧ وعبرانيين ٤: ١٠ و١١: ٤٠ أعمال ٢٠: ٢٤ و٢تيموثاوس ٤: ٧
عند فتح الختم الخامس تغيّرت صورة الرؤيا فلا تظهر بعد الحيوانات فإنها نادت وسكتت ولا تظهر الأفراس وراكبوها. وتغيّر محل الرؤيا أيضاً فصار المكان المجاور للمذبح السماوي فأتى صوت منه وهو ليس بصوت أنين الخليقة بل صوت الكنيسة المضطهدة المضطربة.
تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ أي مذبح الذبائح كما تدل على ذلك القرينة. كان الرسول حينئذ في الروح أي في حال حلول روح الله عليه فعلى هذا لا حاجة إلى أن نسأل كيف استطاع أن يرى النفوس لأنه كان وقتئذ كسائر الأرواح ولا نعلم كيف يخاطب بعض الأرواح بعضاً. والمراد «بالنفوس» هنا حياة الجماعة التي هي في الدم ولعل المعنى أنه لم ينظر إلا الدم.
ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ التي سُلمت إليهم ليشهدوا للمسيح فختموها بدمائهم (ص ١٢: ١٧) ولهذه الشهادة نُفي يوحنا إلى جزيرة بطمس (ص ١: ٩) وما قيل هنا لا ينفي سعادة الشهداء في السماء وكونهم في راحة مع ربهم لأن ما ذُكر هنا هو من أمر توقعهم مجيء المسيح الذي لا يكملون إلا به (عبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). وكونهم منتظرين برغبة مقدسة نقمة الله بالعدل من عالم الأشرار لا ينفي أنهم سعداء فالكلام عليهم هنا مجاز. وفيه مقابلة الشهداء الذين قُتلوا من أجل المسيح بالذبائح التي ذُبحت قديماً في هيكل الله. وليس القصد من ذلك بيان حال أرواح الموتى بين الموت والقيامة بل بيان إن تألم شعب الله جزء ضروري لتقدم ملكوته. إن دم الذبائح سُكب تحت المذبح فكانت حياتها في دمهم كذلك صوت نفوس الشهداء كأنها سُكبت تحت مذبح السماء وهي تطلب الانتقام كما نُسب إلى الدم صوت وطلب الانتقام (تكوين ٤: ١٠). والمعنى إن اختبار الكنيسة كاختبار ربها فإنه بعد مرور رؤيا الملائكة المجيدة في بيت لحم وانتهاء ترنمهم الاحتفالي وهو قولهم «على الأرض السلام» أتى على المسيح ألم جثسيماني والجلجثة والصراخ على الصليب بقوله «إلهي إلهي لماذا تركتني» فعلى هذا وُعدت الكنيسة بالانتصار عند فتح الختم الأول ثم أتى ألم الاضطهاد واضطرت أن تصرخ في ضيقها إلى الله قائلة «حتى متى أيها السيد القدوس والحق الخ».
قال المسيح للكنيسة «حيث أكون أنا هناك يكون خادمي» فوجب أنها تجتاز في نيران الضيق كما اجتاز هو لكي تشاركه في الانتصار. فالأربعة الختوم الأولى من الانتصار مع الحرب والجوع والوباء أظهرت انتصار الكنيسة يكون بواسطة انكسارها وقتياً وموتها حقيقة. والختم الخامس يبيّن إن العالم رفض شهادة الكنيسة للمسيح وللحق وأن الشهداء ختموا شهادتهم بدمهم. وبذلك تم قول الرب لها «فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يوحنا ١٦: ٣٣). وإنه يجب على المؤمنين أن «يكَمِّلوا نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي أجسامهم» (كولوسي ١: ٢٤).
وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ (ع ١٠) كأن الشهداء أنفسهم صرخوا وهذا ليس صوت المسيحيين حين قُتلوا بل صوت دمهم فهو كصوت دم هابيل يوم قتله قايين (تكوين ٤: ١٠) ولعل هؤلاء قُتلوا منذ زمن قديم ولكن دماءهم لكونهم إبرياء طلبت الانتقام من الله لأنها سُفكت لأجل الحق وشهادة المسيح.
حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ الخطاب لله نفسه فهو يعيّن وقت الانتقام لمختاريه بدليل قوله «أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً» (لوقا ١٨: ٧ و٨ انظر أيضاً متّى ٢٣: ٣٥ و٣٦) انظر تفسير «القدوس والحق» في تفسير (ص ٣: ٧).
مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ أي من الأشرار فلا يدخل في ذلك أهل الكنيسة المؤمنون. وترتيب الرؤيا هنا كترتيب الحوادث المذكورة في نبوءة المسيح على جبل الزيتون فإنه ذكر أولاً إن علامات مجيئه ونهاية العالم الحروب والمجاعات والأوبئة ثم قال «لٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ ٱلأَوْجَاعِ» (متّى ٢٤: ٨) وأنبأ باضطهاد شعبه واستشهاده.
تمت هذه الرؤيا بعض التمام قبل خراب أورشليم بقليل وفي وقته وتمت مراراً كثيرة منذ ذلك الوقت إلى الآن ولا ريب في أنها تتم أيضاً بأوضح من ذلك وأشد هولاً على قدر اقتراب مجيء الرب. وصعد صراخ دم الشهادة عند قتل استفانوس ويعقوب وفي وقت كل اضطهاد ولا يبرح هذا الصوت يشتد إلى أن يتم قول الرب في (لوقا ١٨: ٧ و٨). والذي كان موضوع الصلاة هنا يصير موضوع التسبيح عند تمامه وهو قولهم «هَلِّلُويَا! ٱلْخَلاَصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ ٱلزَّانِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي أَفْسَدَتِ ٱلأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَٱنْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا» (ص ١٩: ١ و٢).
فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً (ع ١١) إن الله لم يستحسن أن يجيب طلبهم الانتقام في الحال. وما قيل هنا إجابة وقتية «فالثياب البيض» هي علامة تقديس وتمجيد على وفق ما في (إشعياء ٦١: ١٠ وزكريا ٣: ٤). فتلك الثياب «ثياب البر» (ص ١٩: ٨) و «ثياب الإكرام» (ص ٤: ٤) لأن لابسيها يشبهون الله في القداسة وهو اعترف بأنهم له فهم مع كونهم مضطهدين مهانين على الأرض مكرمون في السماء. ولهم مع كونهم مطرودين من الناس ثياب السماء والراحة السماوية.
اختلف المفسرون في كونهم شهداء العهد القديم أو شهداء العهد الجديد ولكن الذي يصدق على أحد الفريقين يصدق على الآخر. قيل في الرسالة إلى العبرانيين «فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَـهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» (عبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). فأمر الله أن يكتفوا بالمجد السماوي حتى يأتي وقت الانتقام لهم جهاراً. وهم لم يطلبوا الانتقام إلا لتمجيد اسم الله وكنيسته على الأرض.
وَقِيلَ لَـهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً أي أن يبقوا متمتعين براحتهم كما كانوا سابقاً على وفق قوله «طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلآنَ نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ» (ص ١٤: ١٣). وكانت راحتهم الراحة من الأتعاب الدنيوية والسياحة في هذا العالم فكان الموت ربحاً لهم (فيلبي ١: ٢١).
حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ الخ إن العبيد والإخوة هنا واحد ودُعوا «عبيداً» بالنسبة إلى سيدهم يسوع المسيح «وإخوة» بالنسبة إلى سائر المسيحيين باعتبار كونهم بيتاً واحداً. ومعنى قوله «حتى يكمل» حتى تتم خدمتهم وشهادتهم. وهذا كقول بولس «إِنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلاً: إِنَّ وُثُقاً وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. وَلٰكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ» (أعمال ٢٠: ٢٣ و٢٤ انظر أيضاً ٢تيموثاوس ٤: ٦ - ٨ وعبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). ومعنى هذا أنهم يجب أن ينتظروا حتى تكون اضطهادات أخرى وتكون فرصة لرفقائهم على الأرض الذين «لم يحبوا حياتهم حتى الموت» أن يختموا شهادتهم بدمهم فبعض المؤمنين لا ينالون كمال السعادة حتى يشتركوا فيه جميعاً بعد شريهم آخر قطرة في كأس الألم على الأرض.
لم يكن قصد الرسول من هذه الرؤيا أن يبين حال العالم وهو يضطهد الكنيسة لكن في أماكن أُخر في الإنجيل نرى أنه يكون قبل فتح الختم السادس وقت اشتداد الشرور واستيلاء الكفر والترفه واللذة بالدنيويات المشار إليه بمثل الخمس العذارى الجاهلات ومثل العبد الذي قال «سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ ٱلْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ ٱلسُّكَارَى» (متّى ٢٤: ٤٨ و٤٩)، فتشبه حال العالم حينئذ حاله قبل الطوفان وحال سدوم وعمورة قبل انقلابهما ويوم الرب يأتي كلص في الليل.
١٢ «وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، وَٱلشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَٱلْقَمَرُ صَارَ كَٱلدَّمِ».
ص ٨: ٥ و١١: ١٣ و١٦: ١٨ متّى ٢٤: ٧ و٢٩ إشعياء ٥٠: ٣ متّى ١١: ٢١
هنا فتح الختم السادس والرؤيا المقترنة به وهو يشغل (ع ١٢ - ١٧) وفيه بيان أحوال العالم الأخيرة التي على أثرها يجيء الرب.
نَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ ذكر مثل هذا في (مزمور ٦٠: ٢ وإشعياء ١٣: ١٣ وحجّي ٢: ٦ و٧ و٢٢ و٢٣ وزكريا ١٤: ٤ و٥).
وَٱلشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ هذا مثل القول في (متّى ٢٤: ١٩ وإشعياء ١٣: ١٠ وإرميا ٤: ٢٣ وحزقيال ٣٢: ٧ و٨ ومتّى ٢٤: ٢٩) والمعنى أن الشمس ظهرت دائرة سوداء مظلمة في السماء.
وَٱلْقَمَرُ صَارَ كَٱلدَّمِ هذا مثل ما في (يوئيل ٢: ٣١ و٣: ١٥ وعاموس ٨: ٩ و١٠).
١٣ «وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ ٱلتِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ».
ص ٨: ١٠ و٩: ١ متّى ٢٤: ٢٩ إشعياء ٣٤: ٤
وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ هذا يدل على تغيرات لم يسبق لها نظير في تاريخ العالم فإن النجوم تُعتبر أنها أبقى من غيرها.
كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ ٱلتِّينِ سُقَاطَهَا السُّقاط ما يسقط من الشيء. ويحدث مثل هذا متى حملت الشجرة متأخرة فيذبل ثمرها قبل أن ينضج فإذا حرّكتها الريح سقط.
١٤ «وَٱلسَّمَاءُ ٱنْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفٍّ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا».
إشعياء ٣٤: ٤ وص ٢٠: ١١ و٢١: ١ و٢بطرس ٣: ١٠ ص ١٦: ٢٠ إشعياء ٥٤: ١٠ وإرميا ٤: ٢٤ وحزقيال ٣٨: ٢٠ وناحوم ١: ٥
وَٱلسَّمَاءُ ٱنْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفٍّ رأى الجلد (بعد ما سقطت النجوم منه) انفتح ثم التف كدرج الورق على نحو قول إشعياء «وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ ٱلسَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَٱنْتِثَارِ ٱلْوَرَقِ مِنَ ٱلْكَرْمَةِ وَٱلسُّقَاطِ مِنَ ٱلتِّينَةِ» (إشعياء ٣٤: ٤).
وَكُلُّ جَبَلٍ وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا المعتاد أنه بعد الزلزلة تبقى الجبال والجزائر في مواضعها فذكر هنا أنها تتزحزح دلالة على أن ذلك لم يكن مثله. فبعد أن ذكر تأثير فتح الختم السادس في الأجرام السماوية ذكر تأثيره في أجزاء الأرض وسكانها وذكر سبعة أقسام من الأرض وكلهم أشرار ولم يذكر بينهم أحداً من الأتقياء الأبرار.
١٥ «وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ ٱلْجِبَالِ».
إشعياء ٢: ١٠ و١٩ و٢١ و٢٤: ٢١ وص ١٩: ١٨
مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ الذين توقع الناس أن يكونوا ثابتين فيستند عليهم سائر الناس. و «الأقوياء» هنا أقوياء القلب والجسد فإذاً لا تنفع الرئاسة ولا الرتبة ولا قوة العقل ولا قوة الجسد شيئاً لتقي صاحبها من الخطر. فالذي اتكل عليه الناس في الرزايا لا ينفعهم شيئاً حينئذ. فأدوات محاربة الله ليست جسدية حتى يقدر الناس على اتقائها فإنهم يجدون أنفسهم عزلاً (أي بلا أسلحة) وفي يوم حرب الرب.
وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ فدناءة العبد والفقير لا تقيهما من الخطر أكثر مما يقي الغني الأغنياء.
أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ ٱلْجِبَالِ كما ذُكر في (إشعياء ٢: ١٠ و١٩ وهوشع ١٠: ٨ وناحوم ١: ٦ وملاخي ٣: ٢).
١٦ «وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ ٱلْحَمَلِ».
لوقا ٢٣: ٣٠ وص ٩: ٦ و٤: ٩ و٥: ١ مرقس ٣: ٥
وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا الخ هذا مثل ما في (هوشع ١٠: ٨) وقول المسيح وهو ذاهب إلى الجلجثة «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي... حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا» (لوقا ٢٣: ٢٩ و٣٠). ومن الغريب إن الأشرار استعملوا هنا الألفاظ التي استعملها المؤمنون في شأن الله والمسيح. إن الناس يرون الحقائق التي كانوا قد أنكروها بنور يوم الانتقام العظيم ويعترفون بها فالذين لم يقبلوا يسوع الناصري مخلصاً لهم يضطرونه أخيراً أن يعرفوه ديّاناً ومنتقماً منهم. ومن الغريب أن المسيح لا يظهر ملك مجد يومئذ بل خروفاً كما كان يوم أهانه الناس ورفضوه.
١٧ «لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ؟».
إشعياء ٦٣: ٤ وإرميا ٣٠: ٧ ويوئيل ١: ١٥ و٢: ١ و١١ و٣١ وصفنيا ١: ١٤ وص ١٦: ١٤ مزمور ٧٦: ٧ وناحوم ١: ٦ وملاخي ٣: ٢ ولوقا ٢١: ٣٦
لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ إن يوم مجيء الرب يوم مجيء شخص لا مجرد يوم مجيء ملكوت بل يوم مجيء ملك ابن الله من السماء أيضاً. وهذا يدل على أن وقت فتح الختم السادس هو وقت وقوف المسيح على الباب وهو ما في قوله «مَتَى رَأَيْتُمْ هٰذَا كُلَّهُ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى ٱلأَبْوَابِ» (متّى ٢٤: ٣٣) فكل علامات مجيئه المعيّنة قد ظهرت إلا أنه هو لم يظهر بعد. فالذي بقي أمر واحد وهو جمع المختارين من أربع زوايا الأرض الموعود به في (متّى ٢٥: ٣١). وتمهيداً لذلك ختم شعب الله على جباههم على ما ذُكر في (ص ٧).
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
إن الأمور المذكورة في هذا الأصحاح معترضة بين فتح الختم السادس والختم السابع لأن فتح الختم السادس لا يأتي بنا إلى النهاية ففيه أمور عظيمة ومخيفة وهي آيات غضب الله التي تمت بعض التمام بخراب أورشليم وتمت بعده بزوال المملكة الرومانية وستتم أعظم تمام في نهاية العالم. ولكن ليس فيه أنباء بما يصيب عبيد الله الأتقياء الثابتين. فهذا الأصحاح تعزية لهم فيريهم كيف يعرف الله أن ينجّي الأبرار من التجارب في أثناء تزعزع الأمور وعند ذلك يرثون ملكوتاً لا يتزعزع (عبرانيين ١٢: ٢٧).
١ «وَبَعْدَ هٰذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ ٱلأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى ٱلأَرْضِ وَلاَ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا».
ص ٩: ١٤ و٢٠: ٨ وإشعياء ١١: ١٢ حزقيال ٧: ٢ إرميا ٤٩: ٣٦ وزكريا ٦: ٥ متّى ٢٤: ٣١ ع ٣ وص ٨: ٧ و٩: ٤
وَبَعْدَ هٰذَا أشار الرسول بهذا إلى بداءة رؤيا أُخرى لا إلى قسم من الزمان. والذي ذكره ليس جزءاً مما يختص بالختم السادس ولا جزءاً من الختم السابع بل هو كلام معترض ذكر فيه حادثتين ختم شعب الله على الأرض وجمع مختاريه في السماء. ولم يذكر دينونة اليوم الأخير بل ذكر ما يختص بالقديسين من حوادث ذلك اليوم وهو نتائج امتحانهم يومئذ. والكلمات الأخيرة التي سمعها يوحنا من العالم المضطرب الخائف هي قوله «قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف». وفي هذا الأصحاح بيان من هم الذين يقفون آمنين مطمئنين في ذلك اليوم.
أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ... مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ ٱلأَرْضِ أشار بهذا إلى أن حراسة العناصر الطبيعية موكولة إلى الملائكة. فالرياح كالزلازل خاضعة لإرادة الله فهو الذي «جمع الريح في حفنتيه» (أمثال ٣٠: ٤). وهو «ٱلْجَاعِلُ ٱلسَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ. ٱلْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيحِ» (مزمور ١٠٤: ٣) وفيما كان يوحنا يرى انقلاب الجبال وتزحزح الجزائر وخوف سكانها رأى ملائكة الله واقفين للحراسة لضبط الرياح لكي لا تهيج البحر ولا تضر بشيء حتى يأذن الله بإطلاقها. ووقوف الملائكة على أربع زوايا الأرض يشير إلى تمام حفظ الذين يقصد الله حمايتهم وأن لا أحد من الأشرار يقدر أن يهرب من قضاء الله حين يطلق الرياح والزوابع.
٢، ٣ «٢ وَرَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَالِعاً مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلَّذِينَ أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا ٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ ٣ قَائِلاً: لاَ تَضُرُّوا ٱلأَرْضَ وَلاَ ٱلْبَحْرَ وَلاَ ٱلأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلٰهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ».
ص ١٦: ١٢ وإشعياء ٤١: ٢ ص ٩: ٤ ع ٣ ومتّى ١٦: ٦ وص ٦: ٦ ع ٣ - ٨ يوحنا ٣: ٣٣ ص ١٤: ١ و٢٢: ٤ وحزقيال ٩: ٤ و٦ ص ١٣: ١٦ و١٤: ٩ و٢٠: ٤
وَرَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَالِعاً مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ هذا الملاك إما المسيح الذي قال «أنا نور العالم» أو مشبّه له في عمله فله سلطان على الأربعة الملائكة.
مَعَهُ خَتْمُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ وجود ختم الملك في يده يستلزم أن له سلطان الملك كما كان من أمر يوسف في مصر يوم أخذ خاتم فرعون (تكوين ٤١: ٤٢) ومردخاي يوم أخذ ختم أحشويرش (أستير ٨: ١٠) ونُعت الله «بالحي» لزيادة عظمة الختم.
فَنَادَى بِصَوْتٍ... قَائِلاً لاَ تَضُرُّوا ٱلأَرْضَ بإطلاق الرياح عليها.
حَتَّى نَخْتِمَ أي الله والمتكلم. وهذا يؤيد كونه المسيح.
عَلَى جِبَاهِهِمْ حيث يظهر الختم واضحاً وحيث كانت توضع عمامة الحبر الأعظم المكتوب عليها «قدس للرب». وهذا يوافق قول المسيح «فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا» (متّى ٢٤: ٣١). ويشبه ما في سفر نبوءة حزقيال من وضع سمة على جباه رجال أورشليم الذين يثنون ويتنهدون على الرجاسات المصنوعة فيها (حزقيال ٩: ٤) وكانت غاية سمة حزقيال وقاية الأتقياء من الأضرار والختم هنا كذلك. فلم يكن الختم مجرد علامة للتمييز بين الأخيار والأشرار بل آية محبة الله لهم أيضاً كما في قول العروس في نشيد الأنشاد «اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ» (نشيد الأنشاد ٨: ٦). وقول الرسول «وَلٰكِنَّ أَسَاسَ ٱللهِ ٱلرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ. يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ» (٢تيموثاوس ٢: ١٩). وكان ذلك الختم علامة إن الذين خُتموا به اعترف بهم الرب قدام أبيه وملائكته الأبرار (لوقا ١٢: ٨). فليس الختم علامة الوقاية من الأضرار الجسدية فإنه من المحتمل أن المختومين يقعوا في ضيقات واضطهادت وسجون وضربات ويموتون شهداء بل الختم هو علامة اختصاصهم بالرب فهم له فلا شيء يفصلهم عن محبة الله ولا أحد يخطفهم من يده.
٤ «وَسَمِعْتُ عَدَدَ ٱلْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً، مَخْتُومِينَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ص ٩: ١٦ ص ١٤: ١ و٣
وَسَمِعْتُ عَدَدَ ٱلْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً هذا حاصل من ضرب عدد أسباط إسرائيل في عدد رسل المسيح في ألف وهذا الألف للفرق بين الحساب السماوي والحساب الأرضي. واختلف المفسرون في أنه أَمن متنصري اليهود هم أم من عبيد الله الأمناء من كل طوائف الأرض عبّر عنهم بأسماء أسباط اليهود. والذي اعتمده الأكثرون إن المختونين هم أعضاء كنيسة المسيح كلهم وذلك لأسباب:
- الأول: إن في سفر الرؤيا ليس من تمييز بين المؤمن من اليهود والمؤمن من الأمم فعلى تعليم هذا السفر كل المؤمنين كنيسة واحدة للمسيح لا يميز فيها بين «يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْكُلُّ وَفِي ٱلْكُلِّ» (كولوسي ٣: ١١).
- الثاني: إن من اصطلاح هذا السفر أن يستعير الكلمات المألوفة في العهد القديم للأمور الروحية السماوية ومن ذلك الهيكل وخيمة الاجتماع والمذبح وجبل صهيون فإنها استُعملت في غير المعاني التي وُضعت لها. واستعملت لفظة إسرائيل بمعنى روحي في (رومية ٩: ٦ وغلاطية ٦: ١٦). فلا عجب إن استُعيرت أسباط إسرائيل لأقسام ممالك الأرض وللمؤمنين فيها واستُعير هؤلاء الأسباط لكل المؤمنين (ص ٢١: ١٢).
- الثالث: إن إمساك الملائكة للرياح لا يوافق كون المختومين من اليهود فقط لأنه إذا كانت الغاية حفظ المؤمنين من اليهود دون غيرهم فلماذا أُمسكت الرياح عن كل الأرض. وقوله «نختم عبيد إلهنا» يعم كل المؤمنين ويمنع من التخصيص. وإذا حسبنا أن المختومين اليهود فقط لزم من ذلك أن مؤمني الأمم لم يُختموا إذ لا دليل آخر على أنهم خُتموا. فالنتيجة أن المختومين هم أعضاء كنيسة الله الجامعة لا مؤمني اليهود فقط. ومتى وقعت أحكام الله على أشرار العالم كان كل المؤمنين مختومين للوقاية محفوظين من الضربات التي تقع على الأشرار. وإن العدد المذكور أي مئة وأربعة وأربعين ألفاً عدد كامل يشير إلى المؤمنين كلهم يُحفظون ولا يُفقد أحد منهم (يوحنا ١٧: ١٢). وإن الرب يعرف خاصته وإن الجزء الأصغر من الكنيسة بين المختومين كالأكبر وإن المختومين هم خاصة الله لأنهم مختومون باسمه (ص ٣: ١٢ و١٤: ١) وإنهم مجموعون من العالم إلى مدينة الله.
وهذا غاية ختم المذكورين في الأصحاح التاسع من سفر نبوءة حزقيال وغاية رش الدم على عتبات بيوت الإسرائيليين في مصر وإغلاق فلك نوح وغاية هرب المسيحيين إلى الجبال أيام خراب أورشليم (متّى ٢٤: ١٦).
٥ - ٨ «٥ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٦ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٧ مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٨ مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ».
ص ٩: ١٦ ص ١٤: ١ و٣
جدول الأسباط الاثني عشر هنا يفرق عن كل ما سواه من الجداول في الكتاب المقدس فإنه تُرك منه سبط دان وذُكر فيه سبط لاوي على غير العادة وذُكر يوسف بدلاً من أفرايم. وهذا التغيير لم يكن بلا سبب ويعسر الحتم أنه بسبب. غير أن المقصود «بالمختومين» كل المؤمنين على اختلاف صنوفهم وقبائلهم. وعلّة ترك سبط لاوي من غير هذا الجدول إن الله أفرز هذا السبط له ولم يعدّه موسى يوم عدّ سائر الأسباط. ولكن المسيح لم يختر له سبطاً واحداً بل اختار كل المؤمنين كهنة. والمرجح أن ترك سبط دان من هذا الجدول كونه أخذ الحيّة شعاراً له (تكوين ٤٩: ١٧) ولا يليق أن تكون شعاراً مسيحياً وكونه أول من سقط من الأسباط في عبادة الأوثان قضاة (ص ١٨). وعلّة وضع يوسف بدل أفرايم العداوة الدائمة بين أفرايم ويهوذا الذي وُلد المسيح منه. وتلك الولادة علّة وضع يهوذا أولاً في هذا الجدول مع أنه الرابع من أبناء يعقوب.
جمع المختارين في السماء ع ٩ إلى ١٢
كان الاستعداد الأول لفتح الختم السابع والأخير ختم المختارين والثاني جمعهم لكي يشتركوا في فرح سيدهم فإنه عند ذلك يكون قد فتح كل الختوم ويُعلن سرّ أعمال الله «ويعرف المؤمنون كما عُرفوا».
٩ «بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ».
ص ٥: ٩ وع ١٥ ص ٢٢: ٣ و٦: ١١ ع ١٤: لاويين ٢٣: ٤٠
بَعْدَ هٰذَا أشار بهذا إلى بداءة رؤيا أخرى (انظر تفسير ع ١).
جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ هذا لا يستلزم أن أحداً يحاول عدّه وما استطاع فالمراد إن العدد وافر جداً يعلمه الذي «يُحْصِي عَدَدَ ٱلْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ» (مزمور ١٤٧: ٤).
مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ (انظر تفسير ص ٥: ٩).
وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ كان محل الرؤيا السابق قرب المذبح فصار ما كان في (ص ٤) وهو محل المجد السماوي والأفراس الأربعة.
مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ هي ثياب السماء الدالة على الطهارة والشرف (انظر تفسير ص ٦: ١١).
وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ هذا آية احتفال الابتهاج اعتقاد اليهود أن يحملوا سعف النخل في عيد المظال الذي حفظوه تذكاراً لسفرهم في البريّة إلى الأرض المقدسة (لاويين ٢٣: ٤٠). وكانوا يحتفون بهذا العيد في تشرين الأول إذ كانوا يجمعون غلال الزيت والخمر التي تُجمع في آخر السنة. فكانوا يأخذون أغصان الأشجار وسعف النخل ويخرجون من بيوتهم ويقيمون بالمظال ثمانية أيام في كل سنة. فالمراد بما في هذه الآية الاحتفاء بعيد المظال السماوي.
١٠ «وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ».
ص ١٢: ١٠ و١٩: ١ مزمور ٣: ٨ وص ٢٢: ٣
وَهُمْ يَصْرُخُونَ أي لا ينفكون يصرخون.
ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ أي الخلاص الذي نلناه يوجب علينا أن نحمد الله عليه ونشكره لأنه هو مصدر الخلاص ولأنه بذل ابنه للموت لكي نحصل عليه. وأن نحمد الخروف ونشكره لأنه اشترى لنا الخلاص بدمه الكريم.
١١ «وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلشُّيُوخِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ ٱلْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ».
ص ٤: ٤ و٦ و١٠
وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ شارك الملائكة المفديين في الترنم بأن انتظموا تجاههم وتداولوه كما في (ص ٥: ١١) وأحاطوا بالعرش دائرة عظيمة في وسطها الشيوخ نواب المفديين والحيوانات نواب الخليقة. فكان هذا المشهد كالمشهد الذي مرّ في فتح الأربعة الختوم.
وَخَرُّوا أَمَامَ ٱلْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ دلالة على العبادة والهيبة والوقار. ودل خرورهم على كونهم في صورة البشر.
١٢ «قَائِلِينَ: آمِينَ! ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْحِكْمَةُ وَٱلشُّكْرُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلْقُوَّةُ لإِلٰهِنَا إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».
ص ٥: ٣ و١٤ و١٢
نُسب هنا إلى الله سبع صفات العظمة دليلاً على كمال تسبيحه وكمال صفاته.
تفسير أحد الشيوخ لهذه الرؤيا ع ١٣ إلى ١٧
١٣ «وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟».
أعمال ٣: ١٢ ص ٦: ١١
وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ لاق أن أحد نواب الكنيسة يفسر الرؤيا المختصة بالكنيسة الممجدة.
هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا يسأل مثل هذا السؤال الغرباء ليعرفوا الحقيقة. والغاية منه هنا فتح الحديث وتمهيد الطريق للتفسير.
١٤ « فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ».
متّى ٢٤: ٢١ ص ٢٢: ١٤ زكريا ٣: ٣ - ٥ عبرانيين ٩: ١٤ و١يوحنا ١: ٧
يَا سَيِّدُ خاطب الرسول الشيخ بالاحترام الذي يستحقه بالنظر إلى كونه أحد الجنود السماوية. وحدود هذا الاحترام ذُكرت في (ص ١٩: ١٠ و٢٢: ٨ و٩).
أَنْتَ تَعْلَمُ لا أنا.
هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا على توالي الزمان لا دفعة واحدة.
مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ التي كان كل بني الله عرضة لها واختبروها في جهادهم ومحاربتهم للخطيئة والشيطان والشهوات في كل عصر وأمة إلى نهاية الزمان. فاعتبر الشيخ كل ضيقاتهم ضيقة واحدة عظيمة لكونها قد كملت وانتهت في وقت الخطاب.
وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ حين كانوا على الأرض. أشار «بغسلهم ثيابهم بدم الخروف» إلى إيمانهم بأن موت المسيح كان كفارة على وفق قول بطرس في الأمم إن الروح القدس «لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِٱلإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ» (أعمال ١٥: ٩). وقول يوحنا «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧ انظر أيضاً أفسس ٥: ٢٥ - ٢٧). وليس المراد «بالغسل» و «التبييض» عملين بل عملاً واحداً فالبياض نتيجة الغسل وكلاهما يشير إلى عمل التقديس الذي هو شغل كل حياة المؤمن وهو تطهير النفس بالمداومة على طلب الرش بذلك الدم الكريم. وأشار يوحنا المعمدان إلى عمل المسيح التطهيري بقوله «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١: ٢٩).
١٥ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ».
ص ٢٢: ٣ و٤: ٨ و١١: ١٩ و٢١: ٢٢ و٣ ولاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧ ويوحنا ١: ١٤
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي من أجل أنهم تطهّروا حتى لم يبق فيهم «دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أفسس ٥: ٢٧).
هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللهِ لا غيرهم (متّى ٥: ٨) وإنهم يَرون كما يُرون (١يوحنا ٣: ٢).
يَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ إن حياتهم ليست مجرد حياة الفرح والأمن لكنها حياة الخدمة أيضاً كحياة الكهنة في الهيكل فإنهم كانوا أيّمة الترنم في الهيكل السماوي كما كان الكهنة في الهيكل الأرضي (ص ٢٢: ٣). لكن يجب أن نذكر إن كلام الرؤيا هنا مجاز إذ لا هيكل ولا ليل في السماء.
وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ وفي الأصل اليوناني «يظللهم كخيمة الشهادة» كما وعد الله شعبه (لاويين ٢٦: ١١ وإشعياء ٤: ٥ و٦). والمراد بذلك إن المجد الذي ظهر لبني إسرائيل في قدس الأقداس في خيمة الشهادة وارتفع من الهيكل سيرجع أيضاً إلى شعب الله في السماء ويظهر لهم بدليل قوله «هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ الخ» (ص ٢١: ٣ انظر أيضاً حزقيال ٣٧: ٢٨ ويوحنا ١: ١٤). فسكنى الله معهم يحقق لهم اعتناءه بهم وحفظه إياهم من الأضرار الآتي ذكرها.
١٦ «لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ ٱلْحَرِّ».
إشعياء ٤٩: ١٠ مزمور ١٢١: ٥
لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ الخ هذا موافق لقول إشعياء «لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ، لأَنَّ ٱلَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ» (إشعياء ٤٩: ١٠). أي أن الضيقات التي أصابتهم في سبيل الحق وخدمة المسيح لا تصيبهم بعد ولا يتعبون ولا يعيون «لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلأُولَى قَدْ مَضَتْ» (ص ٢١: ٤). ويلزم من ذلك إن الذين كانوا يجوعون ويعطشون للبر يشبعون فينالون الغبطة الموعود بها في (متّى ٥: ٦) والقوة الروحية الباطنة والوقاية من النوازل الخارجية. إن جمال الناس وحذاقتهم ومقاصدهم الصالحة تذبل وتنفى بنار التجارب بدليل قول المسيح في المزورع في الأرض المحجرة «لَمَّا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ ٱحْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ» (متّى ١٣: ٦). والذين في هذه الرؤيا قد مضى زمان امتحانهم وابتدأ زمان فرحهم وإثابتهم.
١٧ «لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ».
مزمور ٢٣: ١ و٢ ومتّى ١: ٦ ويوحنا ١٠: ١٠ ص ٢١: ٦ و٢٢: ١ يوحنا ٤: ١٤ ص ٢١: ٤ وإشعياء ٢٥: ٨ متّى ٥: ٤
لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ لعله كان واقفاً أمام العرش ورآه يوحنا كأنه في وسطه (ص ٥: ٦).
يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ كما جاء في (مزمور ٢٣: ٢) وفي الكلام على الراعي الصالح الذي فتش عن الخروف الضال ونشده (لوقا ١٥: ٤ ويوحنا ١٠: ١١). فهو لا ينس خرافه في السماء بل يسقيهم من ماء الحياة الذي يروي عطشهم إلى الأبد (يوحنا ٤: ١٣ و١٤ و٧: ٣٧ - ٣٩).
وفي العبارة إشارة إلى أمور عيد المظال لأن من سننه أن يذهب الكاهن إلى بركة سلوام ويأتي بمائها في إناء من ذهب إلى دار الهيكل ويسكبه حول مذبح المحرقة ويترنم الشعب كله بقولهم «تَسْتَقُونَ مِيَاهاً بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ ٱلْخَلاَصِ» (إشعياء ١٢: ٣).
وَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ هذا كقول إشعياء في نبوءته «يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَيَمْسَحُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ ٱلْوُجُوهِ» (إشعياء ٢٥: ٨).
إن الأشخاص المذكورين في الرؤيين في هذا الأصحاح جماعة واحدة. ففي الرؤيا الأولى هم «مختومون» وفي الثانية «آمنون» لأنهم مختومون. وليس هم آمنين فقط بل هم تحت ظل الله أيضاً لينالوا السلام والانتصار والابتهاج. والموت ابتُلع إلى الغلبة ومُسح كل دمعة. وفي الرؤيا الأولى هم ١٤٤٠٠٠ وفي الثانية عدد لا يحصى. والفرق قائم بأنهم في الأولى كما يراهم الله الذي يحصي الكواكب ويعدهم وفي الثانية كما يراهم الناس على نحو ما وعد الله إبراهيم بأن يكون نسله بقوله «ٱنْظُرْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَعُدَّ ٱلنُّجُومَ إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا... هٰكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ» (تكوين ١٥: ٥). وفي الأولى نرى الكنيسة مضطربة من كل جهة لكنها محفوظة وموسومة لله. وفي الثانية خالصة من كل ضيقاتها إلى الأبد ونائلة السعادة الأبدية الكاملة.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
١ «وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّابِعَ حَدَثَ سُكُوتٌ فِي ٱلسَّمَاءِ نَحْوَ نِصْفِ سَاعَةٍ».
ص ٥: ١ و٦: ١ و٣ و٥ و٧ و٩ و١٢ ص ٥: ٩
كان يجب أن تكون هذه الآية جزءاً من الأصحاح السابع. فإنه في الأصحاح السابع أنبأ بفتح الختوم الستة ثم ذكر حادثتين معترضتين وهما ختم المختارين وجمعهم ثم رجع إلى فتح الختم السابع الذي هو آخر الختوم وفك هذا الختم ترك السفر مفتوحاً معداً للقراءة.
وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّابِعَ بعد ما ترنم الجمهور العظيم من المفديين والجنود السماوية بترنيمة الانتصار.
حَدَثَ سُكُوتٌ فِي ٱلسَّمَاءِ نَحْوَ نِصْفِ سَاعَةٍ لعل هذا السكوت هو سكوت عن الترنم المذكور في (ص ٧: ١ - ١٢). أو سكوت «البروق والرعود والأصوات» الخارجة من العرش على ما في (ص ٤: ٥). وهي التي عادت إلى الحدوث في (ع ٦) من هذا الأصحاح وهذا هو الأرجح. وأشار «بنصف ساعة» إلى مدة قصيرة. يقول البعض إن السكوت يدل على شيء لا يُعلن فإنه عند فتح كل ختم من الختوم السابقة أُعلن شيء ولكن عند فتح الختم السابع لم يُعلن شيء فكان سكوت. ويقول غيرهم أنه لم يُعلن مضمون السفر مطلقاً لأن السفر لا يُفتح إلا بعد فتح ختومه كلها. ويقول غيرهم وهذا الأرجح إن الأبواق السبعة (ص ٨ - ١١) والجامات (ص ١٦) هي ناتجة من فتح الختم السابع وكان السكوت على نوع ما استعداداً للإعلانات الآتية العظيمة المخيفة. وهذا «السكوت» يشير إلى بداءة راحة القديسين الأبدية. أي السبب السماوي حين يملك شعب الله ويتمتع بالأشياء التي «لا تراها عين ولا تسمعها أذن» إلا في ذلك الوقت فيشبه راحة الله عينها.
إن التبويق بالأبواق السبعة المذكورة من أول ص ٨ إلى آخر ص ١١ ليس بجزء من الرؤيا المتعلق بفتح الختم السابع لأن رؤيا الختوم السبعة التي تُعلن تقدم كنيسة المسيح بالنسبة إلى العالم وعمل العالم بالنسبة إليها قد انتهت. ونرى إن الأبواق سبعة كالختوم وهذا يشير إلى أن توالي الحوادث المتعلقة بالتبويق كامل كما كان توالي الحوادث المتعلقة بفتح الختوم. ونرى أنه يوجد تمييز بين الأربعة الأبواق الأولى والثلاثة والأبواق الأخيرة كالتمييز بين الأربعة الختوم الأولى والثلاثة الختوم الأخيرة. ففي الأربعة الأبواق الأولى وقعت أحكام الله على الماديات. وفي الثلاثة الأخيرة وقوع الأحكام الإلهية على الناس. واقترن كل بوق بصوت «ويل». ونرى أنه بين البوق السادس والبوق السابع فترة لرؤيين معترضتين الأولى رؤيا السفر الصغير والثانية رؤيا قياس الهيكل (ص ١٠ وص ١١: ١ - ١٤) كما كان بين الختم السادس والختم السابع. وإن من السبعة الأبواق ستة فقط أشارت إلى رؤى تتعلق بأحكام الله والبوق السابع مثل الختم السابع. وانتهت رؤيا الأبواق بقوله «حدثت بروق وأصوات ورعود» كما قيل في نهاية رؤيا الختوم (قابل ما في ص ١١: ١٩ بما في ص ٨: ٥). والختوم انتهت بالراحة والأبواق بالانتصار. وفي رؤيا الختوم الكنيسة يضطهدها العالم وهي تتقدم من التعب إلى الراحة وفي رؤيا الأبواق النوازل نصيب العالم على قدر تقدم الكنيسة كالنوازل التي أصابت سكان كنعان على قدر تقدم بني إسرائيل وامتلاكهم الأرض.
٢ «وَرَأَيْتُ ٱلسَّبْعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ يَقِفُونَ أَمَامَ ٱللهِ وَقَدْ أُعْطُوا سَبْعَةَ أَبْوَاقٍ».
ع ٦ - ١٣ وص ٩: ١ و١٣ و١١: ١٥ ص ١: ٤ متّى ١٨: ١٠ و١كورنثوس ١٥: ٥٢ و١تسالونيكي ٤: ١٦
وَرَأَيْتُ هذه الرؤيا بعد السكوت ولا دليل على أن الحوادث المذكورة هنا متوالية باعتبار الزمان.
ٱلسَّبْعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ يَقِفُونَ أَمَامَ ٱللهِ إن خدام الملك الذين يقفون قدّام هم في الرتبة العليا وهؤلاء الملائكة هم «ملائكة الحضرة» الذي قال الرب إنهم في «كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٨: ١٠). وقال واحد منهم «أَنَا جِبْرَائِيلُ ٱلْوَاقِفُ قُدَّامَ ٱللهِ» (لوقا ١: ١٩). والخدمة الموكولة إليهم هنا تُظهر أنهم امتازوا على غيرهم من الملائكة في السلطان والقدرة وعددهم لا يشير ضرورة إلى تعيين مقدارهم بل يشير إلى الكمال كما تشير سبعة قرون الخروف إلى كمال القوة وعيونه السبعة إلى كمال علمه. كذلك الملائكة الذين عيّنهم الله لإجراء مقاصده سبعة بمعنى أن لهم كمال القدرة على ذلك الإجراء وأن لهم الصفات المتنوعة التي يقتضيها عملهم.
وَقَدْ أُعْطُوا سَبْعَةَ أَبْوَاقٍ استعمل بنو إسرائيل الأبواق للدعوة إلى الاجتماع والرحيل (عدد ١٠: ٤ - ٨). والذهاب إلى الحرب والاحتفاء بالأعياد. وقيل في وقت إعطاء الله الشريعة «كَانَ صَوْتُ ٱلْبُوقِ يَزْدَادُ ٱشْتِدَاداً جِدّاً، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَٱللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ» (خروج ١٩: ١٩). وحمل في وقت حصار أريحا سبعة كهنة سبعة أبواق وبوّقوا بها في اليوم السابع فسقطت أسوارها (يشوع ٦: ١٧ و٢٠). والأبواق المذكورة هنا أبواق الحرب كالتي استعملها بنو إسرائيل في حصار أريحا. وتشير إلى دعوة الله لشعبه للاجتماع في المسكن السماوي والتقدم في طريق وصاياه. وهي تنبئ بانكسار أعدائه وبوقع أحكام الله على الأرض والبحر والأنهر وبالحروب والغزوات. وتلك الأحكام هي دعوة الله للناس إلى أن يسمعوا صوته التي تغافلوا عنها في ما مضى أو رفضوها. فهذه الأبواق تنبيء بالحوادث العظيمة المتعلقة بمرور جنود الله في الأرض ليهدموا كل حصون الضلال والخطيئة فيها. فكما أهلك الله الكنعانيين قديماً لشرورهم وأبادهم أمام الإسرائيليين قصد أن يبيد كل قوات الشر التي تنجس الأرض وتخربها (ص ١١: ١٨). فكل بوق نبوءة بنازلة تنقي الأرض وتنفي الذين يهدمونها من أقاليم الحياة وتبشر باستعلان أبناء الله.
٣ «وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ ٱلْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأُعْطِيَ بَخُوراً كَثِيراً لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱلْعَرْشِ».
ص ٧: ٢ و٦: ٩ عاموس ٩: ١ عبرانيين ٩: ٤ ص ٥: ٨ خروج ٣٠: ١ و٣ وعدد ٤: ١١
جَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ اختلفت الآراء في هذا الملاك فقال بعضهم هو المسيح لأنه نُسب إليه عمل الوسيط بتقديمه لله صلوات كل القديسين ولأنه أُعطي كل قضاء وهو واقف عند المذبح السماوي حيث يليق أن يقف المسيح باعتبار كونه رئيس الأحبار. وإن لم يكن هو المسيح فهو ملاك نائب عنه له أكثر ما للمسيح من الصفات.
وَوَقَفَ عِنْدَ ٱلْمَذْبَحِ هذا هو المذبح البخور (ع ٤) ويسمى «مذبح الذهب» أيضاً لأنه سماوي وأكثر الأشياء السماوية ذُكرت أنها من ذهب ومن ذلك «الأكاليل» (ص ٤: ٤). و «جامات البخور» (ص ٥: ٨). و «المناطق» (ص ١٥: ٦). و «قصبة القياس» (ص ٢١: ١٥). ووقوف الملاك هنا كوقوف زكريا أبي يوحنا المعمدان وهو يبخر في داخل الهيكل والشعب في الخارج يصلون (لوقا ١: ١ - ١١). ويقول البعض إن المذبح المذكور هنا هو مذبح المحرقة الذي كان في الدار أمام باب الخيمة والهيكل ولذلك بناء على ذكره في (ع ٥) وآل التعريف الداخلة عليه تدل على أنه المذبح المذكور سابقاً في (ع ٣) وكانت النار دائمة على مذبح المحرقة وليس على مذبح البخور بل كانوا يأخذونها من مذبح المحرقة إلى مذبح البخور. ومن الموافق إن صلوات القديسين تصعد من تحت المذبح حيث كانت نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله (٦: ٩).
وَأُعْطِيَ بَخُوراً كَثِيراً بأمر الله.
لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ الخ لم يُعط القديسون أنفسهم ذلك البخور بل الملاك. وهؤلاء القديسون هم الشهداء المذكورون في (ص ٦: ٩). الذين وافقتهم الكنيسة كلها على الصلاة حسب شهادة أحد الشيوخ أي نواب الكنيسة (ص ٧: ١٤). وموضوع تلك الصلوات طلب إجراء الله أحكام نقمته. وكانت تلك الصلوات على المذبح وقدّم الملاك البخور معها وبذلك أشار إلى أن صلوات القديسين وحدها ضعيفة ناقصة تحتاج أن يضاف إليها شيء سماوي ليجعلها مقبولة. ومن الواضح أنه أشار بذلك إلى شفاعة المسيح المبنية على استحقاقه وكفارته لأنه «أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلّٰهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أفسس ٥: ٢). وصارت تلك الصلوات كأسلحة غير منظورة في أيدي جنود الله فأحكام الله المذكورة على أثر الأبواق هي نتائج تلك الصلوات.
٤ «فَصَعِدَ دُخَانُ ٱلْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ ٱلْمَلاَكِ أَمَامَ ٱللهِ».
مزمور ١٤١: ٢
فَصَعِدَ دُخَانُ ٱلْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ وجعلها مقبولة قدام الله. واقتدار الكنيسة في الصلوات يتبين من قول المسيح «إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ» (يوحنا ١٥: ٧). وما ذُكر هنا لا يثبت شفاعة القديسين ولا شفاعة الملائكة إنما يثبت إن صلوات البشر لا تقدر بنفسها أي دون أن يضاف إليها أمر سماوي وهو استحقاق المسيح. ولا يجوز لنا أن نبني تعاليم على مجرّد المجاز.
٥ «ثُمَّ أَخَذَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْمِبْخَرَةَ وَمَلأَهَا مِنْ نَارِ ٱلْمَذْبَحِ وَأَلْقَاهَا إِلَى ٱلأَرْضِ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَزَلْزَلَةٌ».
لاويين ١٦: ١٢ حزقيال ١٠: ٢ ص ٤: ٥ و٦: ١٢
ثُمَّ أَخَذَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْمِبْخَرَةَ التي كان فيها البخور.
وَمَلأَهَا مِنْ نَارِ ٱلْمَذْبَحِ وَأَلْقَاهَا أي ألقى النار والرماد.
إِلَى ٱلأَرْضِ ما في هذه الآية إشارة إلى أن الله قبل الصلوات وأتى جوابها بالأحكام النارية التي وقعت على الأرض. كذلك أخذ موسى من رماد الأتون وذراه إلى السماء أمام عيون فرعون إشارة إلى الضربة التي كانت على وشك أن تقع عليه وعلى شعبه (خروج ٩: ٨ - ١٠) وكذلك رأى حزقيال النبي في رؤياه رجلاً دخل بين البكرات تحت الكروب وملأ حفنتيه جمر نار من بين الكروبيم وذرها على أورشليم (حزقيال ١٠: ٢) إشارة إلى ما سيقع عليها من الضربات.
فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَزَلْزَلَةٌ هي سوابق الأحكام الآتية تنبئ بقرب وقوعها وإن الله أخذ يستجيب الصلوات. وكذلك قال داود إن الله «سَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ... أَرْعَدَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَٱلْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ بَرَداً وَجَمْرَ نَارٍ» (مزمور ١٨: ٦ و١٣). وكثيراً ما يحدث إن صلوات شعب الله وطلبهم البركات تستجاب بإرسال البلايا وهذا يدل على إن الرحمة لا تدخل وتفعل فعلها ما لم تسبقها بلية. وفعل الملاك المذكور هنا مقدمة لكل الأبواق. وكل تلك الضربات جواب لصلوات القديسين إذ وقعت على أعداء الكنيسة.
٦ «ثُمَّ إِنَّ ٱلسَّبْعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلأَبْوَاقُ تَهَيَّأُوا لِكَيْ يُبَوِّقُوا».
ع ٢
المعنى أنهم رفعوا الأبواق إلى أفواههم. وأصوات الأبواق تشير إلى حوادث عناية الله لكي تجعل الناس ينتبهون لكلامه وليذكرهم إنه يتسلط على أمم الأرض. وهذه الحوادث هي علامات تقدم ملكوت المسيح وهي تشير إلى إزالة كل أسباب الظلم والضلال من الأرض وإثبات ما يؤول إلى البر والحق «لٰكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي ٱلْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي ٱلَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ» (عبرانيين ١٢: ١١).
٧ « فَبَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلأَوَّلُ، فَحَدَثَ بَرَدٌ وَنَارٌ مَخْلُوطَانِ بِدَمٍ، وَأُلْقِيَا إِلَى ٱلأَرْضِ، فَٱحْتَرَقَ ثُلُثُ ٱلأَشْجَارِ وَٱحْتَرَقَ كُلُّ عُشْبٍ أَخْضَرَ».
حزقيال ٣٨: ٢٢ إشعياء ٢٨: ٢ ويوئيل ٢: ٣٠ ع ٧ - ١٢ ص ٩: ١٥ و١٨ و١٢: ٤ وزكريا ١٣: ٨ و٩ ص ٩: ٤
فَبَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلأَوَّلُ من الملائكة الأربعة الذين وقعت ضرباتهم على الماديات.
فَحَدَثَ بَرَدٌ وَنَارٌ مَخْلُوطَانِ بِدَمٍ، وَأُلْقِيَا إِلَى ٱلأَرْضِ وهذا يشبه بعض ضربات مصر (خروج ٩: ٢٣ - ٢٥) ويذكّر المسيحيين بالآيات العظيمة التي صنعها الله لشعبه قديماً في مصر وبأن الله جعل أصوات الأبواق التي بُوّق بها قدام أسوار أريحا واسطة هدم أسوارها. ويخبرهم بأنه لم يزل قادراً أن يخلص الذين له وإنه يهدم كل عاليات حصون الضلال والكبرياء والخطيئة.
فَٱحْتَرَقَ ثُلُثُ ٱلأَشْجَارِ وَٱحْتَرَقَ كُلُّ عُشْبٍ أَخْضَرَ وفي النسخ القديمة «فأحرق ثلث الأرض واحترق ثلث الأشجار الخ» هذا يشبه قول إشعياء «فَإِنَّ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ يَوْماً عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَالٍ وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ ٱلْعَالِي ٱلْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ» (إشعياء ٢: ١٢ و١٣). وهذه الضربة وقعت على ما ليس بضروري للحياة. ويدل وقوعها على «ثلث الأشجار» فقط إن الله في غضبه يذكر رحمته وإنه يريد أن يؤدبهم لا أن يفنيهم (زكريا ١٣: ٨). ظن بعضم إن المراد باحتراق «ثلث الأشجار» إزالة بعض أديان البشر الباطلة.
هذا مكرر الحكم الذي وقع على والدينا الأولين على الخطيئة الأولى. وكان الحكم لهما قبل ذلك أن يأكلا من كل شجر الجنة إلا شجرة معرفة الخير والشر. وكانت الأرض مكتسية عشباً للبهائم وفاكهة للناس. وكانت الطبيعة خاضعة لهما ولكنهما لما خطئا نبت شوك وحسك في كل جهة وصار العمل في الأرض حملاً ثقيلاً. وصارت الجنان قفاراً فلم تأت الأرض بغلالها إلا بالصبر الطويل والتعب الشديد بعرق الجبين وإعياء اليمين. وخطيئة رفض المسيح أفظع من أكل الثمرة المنهي عنها فاستحقت عذاباً أشد إيلاماً.
٨، ٩ «٨ ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّانِي، فَكَأَنَّ جَبَلاً عَظِيماً مُتَّقِداً بِٱلنَّارِ أُلْقِيَ إِلَى ٱلْبَحْرِ، فَصَارَ ثُلُثُ ٱلْبَحْرِ دَماً. ٩ وَمَاتَ ثُلُثُ ٱلْخَلاَئِقِ ٱلَّتِي فِي ٱلْبَحْرِ ٱلَّتِي لَهَا حَيَاةٌ، وَأُهْلِكَ ثُلُثُ ٱلسُّفُنِ».
إرميا ٥١: ٢٥ ص ١٦: ٣ و١١: ٦ وخروج ٧: ١٧ إشعياء ٢: ١٦
جَبَلاً عَظِيماً مُتَّقِداً بِٱلنَّارِ أُلْقِيَ إِلَى ٱلْبَحْرِ هذا منظر مخيف جداً وهو منظر بركان هائج يُلقى في البحر وهو يذكرنا قول إرميا وهو ينذر بابل بالضربات الآتية عليها «هَئَنَذَا عَلَيْكَ أَيُّهَا ٱلْجَبَلُ ٱلْمُهْلِكُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلْمُهْلِكُ كُلَّ ٱلأَرْضِ، فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأُدَحْرِجُكَ عَنِ ٱلصُّخُورِ، وَأَجْعَلُكَ جَبَلاً مُحْرَقاً» (إرميا ٥١: ٢٥).
فَصَارَ ثُلُثُ ٱلْبَحْرِ دَماً هذا يذكرنا بتحوّل مياه النيل إلى دم (خروج ٧: ٢٠ و٢١) وجعل نقل الجبل وإلقاءه في البحر رمزاً إلى قوة صلاة الإيمان (متّى ٢١: ٢١). والبحر واسطة لنقل الناس والبضائع من موضع إلى آخر ومصدر أطعمة. فوقوع الجبل فيه وتصييره إياه دماً يشير إلى حدوث ضيق للناس وسوء معاش. ولعله أشار بهذه الضربة إلى إزالة بعض عادات العالم الشرير التي تظهر إنها قوية ثابتة كالأطواد رآها الله شريرة ضارة سامة محرقة فأزالها الله كأنه طرحها في البحر. فلا يمكن استئصال مبدإ فاسد أو قوة شريرة من الأرض إلا بما ينشئ ضيقاً وضرراً لبعض الناس كما أن الجبل لا يمكن أن يُلقى في البحر دون إتلاف بعض السفن والحيوانات المائية وثروة بعض الناس. وأشار إلى هذا الضرر بمصير «ثلث البحر دماً وموت ثلث الخلائق وإهلاك ثلث السفن».
ويختلف البوق الأول عن البوق الثاني في أن تأثير الأول كان في اليابسة وكان تأثير الثاني في البحر وكلاهما من وجه الأرض. ولا نرى ما يحملنا على ظن بعضهم إن أحدهما يشير إلى البلايا التي تصيب الوثنيين وإن الآخر يشير إلى البلايا التي تصيب اليهود.
١٠، ١١ «١٠ ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّالِثُ، فَسَقَطَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَوْكَبٌ عَظِيمٌ مُتَّقِدٌ كَمِصْبَاحٍ، وَوَقَعَ عَلَى ثُلُثِ ٱلأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ. ١١ وَٱسْمُ ٱلْكَوْكَبِ «ٱلأَفْسَنْتِينُ. فَصَارَ ثُلُثُ ٱلْمِيَاهِ أَفْسَنْتِيناً، وَمَاتَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْمِيَاهِ لأَنَّهَا صَارَتْ مُرَّةً».
إشعياء ١٤: ١٢ وص ٩: ١ وص ٦: ١٣ و ١٤: ٧ و١٦: ٤ إرميا ٩: ١٥ و٢٣: ١٥
وقع هذا الكوكب على ثلت المياه ما سوى البحر الذي ضُرب بالقضاء الثاني على أثر التبويق بالبوق الثاني فالمصاب هنا ثلث الأنهار وينابيع المياه. والمقصود «بالثلث» إن الهلاك لم يكن عاماً بل خاصاً. وكان ما أصاب المياه من الضرر أنها صارت سامة حتى حسن أن تُسمى أفسنتنياً. وأُشير «بالإفسنتين» في الكتاب المقدس إلى النوازل والأرزاء ومن ذلك قول إرميا في إسرائيل «هَئَنَذَا أُطْعِمُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ أَفْسَنْتِيناً وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ ٱلْعَلْقَمِ وَأُبَدِّدُهُمْ فِي أُمَمٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا الخ» (إرميا ٩: ١٥ و١٦). وحذّر موسى بني إسرائيل من عبادة الأوثان بقوله «لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ ٱمْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ ٱلْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ ٱلأُمَمِ. لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ أَصْلٌ يُثْمِرُ عَلْقَماً وَأَفْسَنْتِيناً» (تثنية ٢٩: ١٨). وتذكرنا هذه «المياه المرّة» مياه مارّة المذكورة في (خروج ١٥: ٢٣). والمياه التي ذكرها حزقيال النبي وهي التي لا تشفى إلا بالمياه الحية الجارية من الهيكل (خروج ٤٧: ٩). أظهر موسى كرهه لعبادة الأوثان بسحقه العجل الذهبي الذي صنعه بنو إسرائيل للعبادة وجعله غباراً وذرّاه في الجدول الذي كانوا يشربون منه وأجبرهم على أن يشربوا ماءه (خروج ٣٢: ٢٠). ولعل هذه «المياه المرّة» تشير إلى اللذات الدنيوية التي يشتهي الناس أن يرووا بها عطش أنفسهم بدلاً من أن يرووه بماء الحياة. وذكر إشعياء الكوكب الذي سقط بقوله «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ» (إشعياء ١٤: ١٢).
وقعت الضربة الأولى على غير الحيوان. ووقعت الثانية على النبات والبهائم. ووقعت الثالثة على المواد التي يضر الناس بأضرارها وبهذا اشتد البلاء على التوالي. ويغلب أن يكون سقوط الكوكب رمزاً إلى موت ملك عظيم من ملوك الأرض كان يعجب الناس به وربما عبدوه. وكثيراً ما حدث مثل هذا السقوط على توالي تقدم الدين المسيحي ممن اشتهروا بالفتوحات والتعصب الديني وكان سقوطهم ضاراً لمن حولهم من الناس فيشبه ذلك مصير ينابيع السرور مرة سامة وأنهار النجاح ناشفة.
١٢ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلرَّابِعُ، فَضُرِبَ ثُلُثُ ٱلشَّمْسِ وَثُلْثُ ٱلْقَمَرِ وَثُلْثُ ٱلنُّجُومِ، حَتَّى يُظْلِمَ ثُلُثُهُنَّ، وَٱلنَّهَارُ لاَ يُضِيءُ ثُلُثُهُ، وَٱللَّيْلُ كَذٰلِكَ».
ص ٦: ١٢ خروج ١٠: ٢١ الخ
في هذه الآية تأثير البوق الرابع في الشمس والقمر وثلث ما بقي من الأجرام السماوية. ولم تُذكر هنا الأجرام السماوية إلا بنسبتها إلى الأرض وراحة الساكنين فيها وسعادتهم. وهذه الضربة أخف من الضربة المتعلقة بالختم السادس التي صارت بها «ٱلشَّمْسُ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَٱلْقَمَرُ صَارَ كَٱلدَّمِ، وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ» (ص ٦: ١٢ و١٣). وهذا يذكرنا بضربة الظلام التي وقعت على المصريين وقال فيها موسى «لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ، وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَلٰكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ» (خروج ١٠: ٢٣). ويذكرنا أيضاً قول زكريا النبي «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ. اَلدَّرَارِي تَنْقَبِضُ. وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ. لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ ٱلْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ» (زكريا ١٤: ٦ و٧). وقول المسيح في علامات مجيئه «وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي ٱلشَّمْسِ وَٱلْقَمَرِ وَٱلنُّجُومِ، وَعَلَى ٱلأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَٱلأَمْوَاجُ تَضِجُّ، وَٱلنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَٱنْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى ٱلْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ» (لوقا ٢١: ٢٥ و٢٦. ويشير إلى أيام الحزن والغم حين تظلم من الناس أنوار الحكمة البشرية وتكسف شموس الإرشاد الروحي. فيظهر إن أعمال الخليقة المذكورة في أول سفر التكوين قد نُقضت إذ ضُرب عشب الأرض واختلطت مياه البر والبحر وأنوار السماء أظلمت فتلفت حياة الأحياء في الأنهار والبحار. وكل هذا الخراب ليس سوى تمهيد لخلق «سماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيهما البر».
١٣ « ثُمَّ نَظَرْتُ وَسَمِعْتُ مَلاَكاً طَائِراً فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: وَيْلٌ وَيْلٌ وَيْلٌ لِلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ بَقِيَّةِ أَصْوَاتِ أَبْوَاقِ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْمُزْمِعِينَ أَنْ يُبَوِّقُوا».
ص ١٤: ٦ و١٩: ١٧ و٩: ١٢ و١١: ١٤ و١٢: ١٢ ص ٣: ١٠
ما ذُكر في هذه الآية مقدمة للنوازل الثلاث الأخيرة التي هي أشد هولاً من الأربع الأولى.
مَلاَكاً طَائِراً فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ المرجّح إن معنى الكلمة اليونانية المترجمة «بملاك» نسر كما قُرئ في بعض النسخ وذكره في حاشية الإنجيل ذي الشواهد. ورُمز «بالنسر» هنا إلى السرعة والقوة والرغبة في مسك الفريسة. وجاء النسر بهذا المعنى في (تثنية ٢٨: ٤٩ وإرميا ٤٨: ٤٠ و٤٩: ٢٢ وحزقيال ١٨: ٣ وهوشع ٨: ١ وحبقوق ١: ٨ ومتّى ١٤: ٢٨). وعين النسر ترى من بعيد فتشير إلى القدرة على إدراك الأحكام الآتية. وعلّة طيرانه في وسط السماء أن يراه الجميع ويسمعوا صوته وهو يقول «ويل ويل ويل للساكنين على الأرض» أي لفجار الناس.
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
١ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْخَامِسُ، فَرَأَيْتُ كَوْكَباً قَدْ سَقَطَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ ٱلْهَاوِيَةِ».
ص ٨: ١٠ و١: ١٨ لوقا ٨: ٣١ وع ٢ و١١
فَرَأَيْتُ كَوْكَباً قَدْ سَقَطَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ لم يرَ سقوط الكوكب بل رأى الكوكب بعد ما سقط وهذا ليس بضربة على الكوكب بل وصف حال الكوكب إذ صار ضرراً للناس. والأرجح إن هذا الكوكب كناية عن الشيطان الذي قال المسيح فيه «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لوقا ١٠: ١٨ ورؤيا ١٢: ٧ - ٩). والشيطان يضاد المسيح أبداً فإن المسيح هو «كوكب الصبح المنير» (ص ٢٢: ١٦) والشيطان هو كوكب قد سقط. والقول بأن الشيطان كوكب قد سقط يشير إلى عظمة سقوطه فإنه سقط من السماء مسكن الطهارة والنور وكان هنالك سعيداً مرافقاً للسعداء وقد سقط إلى الأرض محل الخطيئة والشقاء.
وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ ٱلْهَاوِيَةِ أشار بقوله «أعطي» إلى اقتدار الشيطان على العمل المنسوب إليه. وهذا من مصطلحات الكتاب. و «الهاوية» هنا هوة عميقة في جوف الأرض لها ثغرة وباب يمكن إغلاقه وفتحه. وهذه الهاوية حسب ذلك المصطلح مسكن الشيطان وملائكته (ع ١١). فعند فتحه خرج منه دخان أتون عظيم ومن الدخان خرج جراد وهذا الجراد مع كونه صغير الجسم كبير الضر حتى اعتُبر نازلة هائلة. كذا اعتُبرت ضربة الجراد في مصر بدليل قوله «فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هٰكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذٰلِكَ، وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلاَ فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (خروج ١٠: ١٤ و١٥). وقول يوئيل فيه «شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ نَظِيرُهُ مُنْذُ ٱلأَزَلِ، وَلاَ يَكُونُ أَيْضاً بَعْدَهُ إِلَى سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدَنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ، وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ. كَمَنْظَرِ ٱلْخَيْلِ مَنْظَرُهُ، وَمِثْلَ ٱلأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. كَصَرِيفِ ٱلْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ يَثِبُونَ. كَزَفِيرِ لَهِيبِ نَارٍ تَأْكُلُ قَشّاً. كَقَوْمٍ أَقْوِيَاءَ مُصْطَفِّينَ لِلْقِتَالِ... يَجْرُونَ كَأَبْطَالٍ. يَصْعَدُونَ ٱلسُّورَ كَرِجَالِ ٱلْحَرْبِ... قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ ٱلأَرْضُ وَتَرْجُفُ ٱلسَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَٱلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا» (يوئيل ٢: ٢ - ١٠).
٢ «فَفَتَحَ بِئْرَ ٱلْهَاوِيَةِ، فَصَعِدَ دُخَانٌ مِنَ ٱلْبِئْرِ كَدُخَانِ أَتُونٍ عَظِيمٍ، فَأَظْلَمَتِ ٱلشَّمْسُ وَٱلْجَوُّ مِنْ دُخَانِ ٱلْبِئْرِ».
تكوين ١٩: ٢٨ وخروج ١٩: ١٨ يوئيل ٢: ٢ و١٠
فَأَظْلَمَتِ ٱلشَّمْسُ وَٱلْجَوُّ مِنْ دُخَانِ ٱلْبِئْرِ إن ملكوت الشيطان ملكوت الظلمة وملكوت المسيح نور (ص ٢١: ٢٣ وأفسس ٦: ١٢).
٣ «وَمِنَ ٱلدُّخَانِ خَرَجَ جَرَادٌ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً كَمَا لِعَقَارِبِ ٱلأَرْضِ سُلْطَانٌ».
ع ٧ خروج ١٠: ١٢ - ١٥ ع ٥ و١٠ و٢أيام ١٠: ١١ و١٤ وحزقيال ٢: ٦
كنى «بالجراد» عن وفرة الجنود وبكونها في صفات «العقارب» إلى شدة إيذائها وإيلامها. ومن المعلوم إن الجراد هنا ليس بحقيقي لأن ليس للجراد الحقيقي صفات العقارب.
٤ «وَقِيلَ لَهُ أَنْ لاَ يَضُرَّ عُشْبَ ٱلأَرْضِ وَلاَ شَيْئاً أَخْضَرَ وَلاَ شَجَرَةً مَا، إِلاَّ ٱلنَّاسَ فَقَطِ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ ٱللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ».
ص ٦: ٦ و٧: ٢ و٣ ص ٨: ٧
من الطبع إن الجراد يأكل الذي نُهي هنا عن أكله وليس من عادته أن يؤذي الناس. لكن هذا الجراد مُنع على خلاف العادة من طعام الجراد الطبيعي وكان طعامه غير طبيعي. وهذا يبين إن ما يشير إليه هذا البوق يحدث بعد الختم المذكور في (ص ٧) ويدل على ما يقع على سكان الأرض بعد ختم عبيد الله وفصلهم عن سائر الناس فلا يقع على أولئك العبيد بدليل قول المسيح «هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ» (لوقا ١٠: ١٩) فإذن هذه الضربة روحية لا جسدية أو إنها تحدث والعالم ليس في الحال التي هو فيها الآن لأنه ينبت الآن القمح والزوان معاً.
٥ «وَأُعْطِيَ أَنْ لاَ يَقْتُلَهُمْ بَلْ أَنْ يَتَعَذَّبُوا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. وَعَذَابُهُ كَعَذَابِ عَقْرَبٍ إِذَا لَدَغَ إِنْسَاناً».
ع ١٠
لم نعلم علّة أن يكون للجراد أن يعذب خمسة أشهر إلا بيان إن أضراره محدودة. وهذه المدة مدة بقاء مياه الطوفان (تكوين ٨: ٢٤ و٨: ٣). ونُسب إلى الجراد قوة العقارب وأضرارها إلى شدة الضربة وهولها.
٦ «وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ سَيَطْلُبُ ٱلنَّاسُ ٱلْمَوْتَ وَلاَ يَجِدُونَهُ، وَيَرْغَبُونَ أَنْ يَمُوتُوا فَيَهْرُبُ ٱلْمَوْتُ مِنْهُمْ».
أيوب ٣: ٢١ و٧: ١٥ وإرميا ٨: ٣ وص ٦: ١٦
يرغب الناس في الموت لينجوا من الألم الشديد الناشئ عن لسع العقارب على قول أيوب «لِـمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي ٱلنَّفْسِ؟ ٱلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ٱلْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ» (أيوب ٣: ٢٠ و٢١ انظر أيضاً إرميا ٨: ٣). فانتقل يوحنا بهذا من المجاز إلى الحقيقة النبوية.
٧ - ١٠ «٧ وَشَكْلُ ٱلْجَرَادِ شِبْهُ خَيْلٍ مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ، وَعَلَى رُؤُوسِهَا كَأَكَالِيلَ شِبْهِ ٱلذَّهَبِ، وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ ٱلنَّاسِ. ٨ وَكَانَ لَهَا شَعْرٌ كَشَعْرِ ٱلنِّسَاءِ، وَكَانَتْ أَسْنَانُهَا كَأَسْنَانِ ٱلأُسُودِ، ٩ وَكَانَ لَهَا دُرُوعٌ كَدُرُوعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَصَوْتُ أَجْنِحَتِهَا كَصَوْتِ مَرْكَبَاتِ خَيْلٍ كَثِيرَةٍ تَجْرِي إِلَى قِتَالٍ. ١٠ وَلَهَا أَذْنَابٌ شِبْهُ ٱلْعَقَارِبِ، وَكَانَتْ فِي أَذْنَابِهَا حُمَاتٌ، وَسُلْطَانُهَا أَنْ تُؤْذِيَ ٱلنَّاسَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ».
يوئيل ٢: ٤ و١: ٦ و٢: ٥ إرميا ٤٧: ٣ وع ١٩ و٥
رجع الرسول إلى وصف الجراد بعد أن تكلم في أضراره فذكر إن شكله كشكل الخيل ليزيده رهبة (يوئيل ٢: ٤) ثم ذكر له سبع صفات يمتاز بها:
- الأولى: إن له «كأكاليل شبه الذهب».
- الثانية: إن له «وجوهاً كوجوه البشر» وأشار بذلك إلى جراءته وقوته وقساوته.
- الثالثة: إن «شعره كشعر النساء» أي طويل مسدول (انظر ١كورنثوس ١١: ١٤).
- الرابعة: إن «أسنانه كأسنان الأسود» كما قيل في الجراد في (يوئيل ١: ٦).
- الخامسة: إنه «كان له دروع كدروع من حديد».
- السادسة: إن «صوت أجنحته كصوت مركبات خيل كثيرة».
- السابعة: إن «له أذناباً شبه العقارب وفي الأذناب حمات» أي شوكات.
ولم يستطع المفسرون أن يتفقوا على المراد بهذا «الجراد». والمرجّح إنه أراد بصفات هذا الجراد أنواع الشرور المختلفة. والذي نعلمه أنه أراد بتلك الضربة جيشاً وافر العدد كالجراد وجنوده مؤذية كالعقارب ومحبون للاستيلاء كالملوك وعاقلون كالناس ومحتالون كالنساء وشجعان كالأسود وإنهم لا يُقهرون.
١١ «وَلَـهَا مَلاَكُ ٱلْهَاوِيَةِ مَلِكاً عَلَيْهَا ٱسْمُهُ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «أَبَدُّونَ» وَلَهُ بِٱلْيُونَانِيَّةِ ٱسْمُ «أَبُولِّيُّونَ».
ص ١٦: ١٦ يوحنا ٥: ٢ أيوب ٢٦: ٦ و٢٨: ٢٢ و٣١: ١٢ ومزمور ٨٨: ١١ وأمثال ١٥: ١١
وَلَـهَا مَلاَكُ ٱلْهَاوِيَةِ مَلِكاً هذا أوضح تمييز بين الجراد الحقيقي والجراد المجازي لأن الجراد الحقيقي لا ملك له بدليل قول الحكيم «ٱلْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ وَلٰكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقاً فِرَقاً» (أمثال ٣٠: ٢٧).
ٱسْمُهُ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ أَبَدُّونَ اسمه دليل على صفاته وأعماله. ومعنى «أبدون» هلاك. والأرجح أنه أحد رؤساء الملائكة الأشرار غير رئيسهم إبليس (ص ١٢: ٣ و٩). وهذه الرؤيا تشير إلى بعض وجوه المقاومة بين روح الخلاص وروح الهلاك. بين المسيح رئيس ملوك كل الأرض والشيطان رئيس هذا العالم ولا تشير إلى ملك واحد أرضي أو قوة واحدة بل إلى قوة الخطيئة المشخصة وظهور القوات الجهنمية التي كانت مستترة. وزمانها زمان جهاد بين الحق والضلال وبين ما يسلم به العقل وما يرفضه. ونتيجتها استعباد عقول الناس وتعذيبهم ووقع حروب ومظالم أعظم أضرارها ليس قتل الجسد بل تعذيب الضمير وتوبيخ النفس.
وهذه النازلة مهما كان تفسيرها تقع على كل عالم الأشرار لا على جزء منه ولا تنزل بالكنيسة. والبرهان على أن معظمها روحي إن الناس يرغبون في الموت ولا يموتون. فغايتها أن تعلم الناس ثقل عبودية الشيطان التي هي أثقل من الموت.
١٢ «ٱلْوَيْلُ ٱلْوَاحِدُ مَضَى هُوَذَا يَأْتِي وَيْلاَنِ أَيْضاً بَعْدَ هٰذَا».
ص ٨: ١٣ و١١: ١٤
هذه الآية إنذار بهول ما سيحدث في سائر الأبواق فإنه في الأبواق الأربعة الأولى انتقل من بوق إلى بوق بلا تنبيه لكنه في هذه نبّه وحذّر.
١٣ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَاحِداً مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱللهِ».
خروج ٢٣: ٢ و١٠ خروج ٨: ٣
ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ هذا السادس من الأبواق السبعة والثاني من أبواق الويل الثلاثة. وضربة هذه البوق تشبه ضربة البوق الخامس لكنها أشد منها ذُكر فيها جنود وافرة لها بعض صفات الخيل وبعض صفات الأسد وبعض صفات الأفعى. وقواتها في الرؤيا تزيد على قواتها الطبيعية لأنه يخرج من أفواه الخيل لهيب نار ولها أذناب شبه الحيّات وهي تقتل كثيرين من الناس. ولكي تستعين على قتل الناس فك الأربعة الملائكة المقيدون عند نهر الفرات. وكان هجوم جيشها العظيم على عالم الخطأة الغافل عن الله المبغض له وللقداسة المنهمك في الآراء الباطلة والطريق الكفرية الخصال القبيحة. والغاية من هذه الضربة بيان قوة الشر من العقائد الكاذبة والعادات الشريرة. ونهي الناس عن العبادة الباطلة وعن حب العالم والشهوات كما يتضح من (ع ١٠ و٢١).
فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَاحِداً مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱللهِ هذا هو المذبح الذهبي الذي صعد منه البخور مع صلوات القديسين التي كانت الأبواق جواباً لها (ص ٨: ٣). أجاب الله هذه الصلوات بالطريق وفي الوقت اللذين اختارهما. وأراد «بالقرون الأربعة» المذبح كله ودليل ذلك إن دم الكفارة رُشّ على القرون وإن القاتل الذي يهرب من وليّ الدم يتمسك بتلك القرون فيكون الصوت من القرون الصوت من المذبح عينه وهو محل صلاة القديسين الطالبين الانتقام من قاتليهم. وفك الملائكة الأربعة جواب لطلبهم.
١٤ «قَائِلاً لِلْمَلاَكِ ٱلسَّادِسِ ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْبُوقُ: فُكَّ ٱلأَرْبَعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ ٱلنَّهْرِ ٱلْعَظِيمِ ٱلْفُرَاتِ».
ص ٧: ١ تكوين ١٥: ١٨ وتثنية ١: ٧ ويشوع ١: ٤ وص ١٦: ١٢
فُكَّ ٱلأَرْبَعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ ٱلنَّهْرِ ٱلْعَظِيمِ ٱلْفُرَاتِ إن نهر الفرات في التخم الشمالي من أرض إسرائيل بدليل قوله تعالى لإبراهيم «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هٰذِهِ ٱلأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ» (تكوين ١٥: ١٨). وملك إسرائيل تلك الأرض في أيام سليمان بدليل قول الكتاب «كَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطاً عَلَى جَمِيعِ ٱلْمَمَالِكِ مِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ» (١ملوك ٤: ٢١). وكان النهر فاصلاً بين إسرائيل والأشوريين أعداء إسرائيل الأقوياء الطامعين. وكان رمزاً إلى قوة أشور وسائر القوى التي تقاوم الله وشعبه كما يتضح من قول إشعياء «لأَنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ ٱلْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا. لِذٰلِكَ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ ٱلنَّهْرِ ٱلْقَوِيَّةَ وَٱلْكَثِيرَةَ، مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا. يَفِيضُ وَيَعْبُرُ. يَبْلُغُ ٱلْعُنُقَ. وَيَكُونُ بَسْطُ جَنَاحَيْهِ مِلْءَ عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ» (إشعياء ٨: ٦ - ٨). إن المملكة الأشورية والمملكة الإسرائيلية كانتا متضادتين فرُمز بالمملكة الأشورية إلى قوة الأرض وبالمملكة الإسرائيلية إلى القوة الروحية أي قوة الكنيسة. وأُشير «بالفرات» إلى الحاجز بين القوتين. ففك الملائكة المقيدين عند الفرات يشير إلى حل القوات العالمية المضادة للكنيسة. ونشف ذلك النهر يشير إلى إزالة الحاجز بين العالم والكنيسة. وفك الملائكة الأربعة المقيدين عند الفرات ليس سوى رمز إلى دينونة العالم لأن الأربعة هو عدد العالم. فيذهبون إلى كل جهات العالم ليضرّوها وقيودهم ليست سوى أوامر الله.
١٥ «فَٱنْفَكَّ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَٱلْيَوْمِ وَٱلشَّهْرِ وَٱلسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلُثَ ٱلنَّاسِ».
ص ٢٠: ٧ ع ١٨ ص ٨: ٧
ٱلْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَٱلْيَوْمِ وَٱلشَّهْرِ وَٱلسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلُثَ ٱلنَّاسِ الذي أعدهم هو الله ليجري مقاصده الانتقامية. وذلك تعزية للكنيسة المضطهدة لعلمها إن الله عيّن الوقت الذي فيه يُعز المضطهَدون ويُذل المضطهِدون. وهذا يدل على أن تلك الأحكام تقع على الناس في الوقت الذي عيّنه عينهِ لا تسبقه ولا تتأخر عنه. وإن الضربة المذكورة تميت بعض الناس لا كلهم. إن أولئك الملائكة الأربعة قواد الجيوش العظيمة التي تجتمع بأمر الله وراء الفرات الذي هو رمز إلى مركز جيوش الله المعدة للنقمة. وكونهم من الأمم الذين لا يعرفون الله لا يضاد القول إنهم جيوش الله لأنهم أجروا مقاصده وإن كان ذلك دون علمهم ودون إرادتهم كما كان أشور قضيب أدب بيد الرب وبه أدّب شعبه (إشعياء ١٠: ٥). وقال في العهد القديم إن الله أدّب شعبه بواسطة الأشوريين أما هنا فإنه يخلصه من مضطهديه بواسطة جيوشه.
١٦ «وَعَدَدُ جُيُوشِ ٱلْفُرْسَانِ مِئَتَا مِلْيُونٍ. وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ».
ص ٥: ١١ و٧: ٤
اعتبر الإسرائيليون قديماً الخيل من مواضيع المخافة بدليل قول حبقوق النبي «فَهٰئَنَذَا مُقِيمٌ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ ٱلأُمَّةَ ٱلْمُرَّةَ ٱلْقَاحِمَةَ ٱلسَّالِكَةَ فِي رِحَابِ ٱلأَرْضِ لِتَمْلِكَ مَسَاكِنَ لَيْسَتْ لَهَا. هِيَ هَائِلَةٌ وَمَخُوفَةٌ. مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا يَخْرُجُ حُكْمُهَا وَجَلاَلُهَا. وَخَيْلُهَا أَسْرَعُ مِنَ ٱلنُّمُورِ وَأَحَدُّ مِنْ ذِئَابِ ٱلْمَسَاءِ، وَفُرْسَانُهَا يَنْتَشِرُونَ وَيَأْتُونَ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَطِيرُونَ كَٱلنَّسْرِ ٱلْمُسْرِعِ إِلَى ٱلأَكْلِ» (حبقوق ١: ٦ - ٨). ونُسب إلى خيل هذه الرؤيا قوات غير طبيعية كما نُسب إلى جراد الرؤيا السابقة. فالخيل العادية لا تكون مخيفة حتى تنوب عن القضاء الهائل الآتي.
عَدَدُ جُيُوشِ ٱلْفُرْسَانِ مِئَتَا مِلْيُونٍ أي مئتا مليون حسب اصطلاح الإفرنج.
وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ ذكر أنه سمع عددهم لأنه لم يستطع أن يحصيهم. وهو لم يقصد عدداً حقيقياً وجنوداً حقيقيين. وبنى كلامه على قول المرنم «مَرْكَبَاتُ ٱللهِ رَبَوَاتٌ، أُلُوفٌ مُكَرَّرَةٌ» (مزمور ٦٨: ١٧). ومركبات المرنم سماوية وفرسان الرؤيا أرضيون وكلاهما تحت أمر الله.
١٧ «وَهٰكَذَا رَأَيْتُ ٱلْخَيْلَ فِي ٱلرُّؤْيَا وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، لَهُمْ دُرُوعٌ نَارِيَّةٌ وَأَسْمَانْجُونِيَّةٌ وَكِبْرِيتِيَّةٌ، وَرُؤُوسُ ٱلْخَيْلِ كَرُؤُوسِ ٱلأُسُودِ، وَمِنْ أَفْوَاهِهَا يَخْرُجُ نَارٌ وَدُخَانٌ وَكِبْرِيتٌ».
دانيال ٨: ٢ و٩: ٢١ ع ١٨ وص ١٤: ١٠ و١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و٢١: ٨ ص ١١: ١٥
هذه الآية وصف الفرسان بأنهم كانوا لابسين «دروعاً نارية» (أي لونها لون النار) و «اسمانجونية» (أي زرقاء ضاربة إلى السواد) و «كبريتية». فالنار علامة غضب الله (مزمور ١٨: ٨) وكونها كبريتية تدل على أنها جهنمية (ص ١٤: ١٠ و١٩: ٢٠ و٢١: ٨) فهي ضارة.
١٨، ١٩ «١٨ مِنْ هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةِ قُتِلَ ثُلُثُ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلنَّارِ وَٱلدُّخَانِ وَٱلْكِبْرِيتِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ أَفْوَاهِهَا، ١٩ فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا وَفِي أَذْنَابِهَا، لأَنَّ أَذْنَابَهَا شِبْهُ ٱلْحَيَّاتِ وَلَهَا رُؤُوسٌ وَبِهَا تَضُرُّ.
ع ١٧
مِنْ هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةِ أي «النار والدخان والكبريت» المذكورة في الآية السابقة.
فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا وَفِي أَذْنَابِهَا وفي بعض النسخ القديمة «سلطان الخيل في أذنابها» أي سلطانها على أن تميت الناس. كانت قوة الجراد على الإضرار في أذنابها (ع ١٠). وقوة الفرسان على ذلك في أفواهها وأذنابها فقوتهم على الإضرار أعظم من قوة الجراد والجراد أجرامها صغيرة لا كالخيل والفرسان. وكان أولئك الفرسان شجعاناً كالأسود وساميّن كالحيّات وأنفاسهم تُعمي أبصار أعدائهم وتحرق أجسادهم. فهم رمز إلى قوات مقتدرة ضارة جداً بلا شفقة فأتوا ليعاقبوا الناس على حبهم للعالم وعبادتهم الباطلة. وكثيراً ما حدث في العالم إن خطايا الناس وعدم لجمهم أنفسهم عن الشهوات المحظورة علّة إصابتهم بكل أنواع الجور والجنون فكأن كل خطيئة يرتكبها الإنسان تصير عدواً يتبعه ويضر به وإنه بفعل الخطية كأن يزرع بزوراً يكون حصادها وفرة الإثم والشقاء.
٢٠، ٢١ «٢٠ وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهٰذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَجَرِ وَٱلْخَشَبِ ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ، ٢١ وَلاَ تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلاَ عَنْ سِحْرِهِمْ وَلاَ عَنْ زِنَاهُمْ وَلاَ عَنْ سِرْقَتِهِمْ».
ص ٢: ٢١ تثنية ٤: ٢٨ وإرميا ١: ١٦ وميخا ٥: ١٣ وأعمال ٧: ٣١ و١كورنثوس ١٠: ٢٠ مزمور ١١٥: ٤ - ٧ و١٣٥: ١٥ - ١٧ ودانيال ٥: ٢٣ إشعياء ٤٧: ٩ و١٢ وص ١٨: ٢٣ و١٧: ٢ و٥
تؤكد هاتان الآيتان إن هذه الضربات مهما كان معناها فغايتها حث الناس على التوبة وإيقاظهم من سبات الخطيئة العميق الطويل. وتدل أيضاً على أن الذين نجوا من الموت بها لا يخافون ولا توبخهم ضمائرهم ولا يتوبون عن آثامهم. وفي هذا إظهار أنواع الخطايا التي هيّجت غضب الله على الناس فأرسل تلك الضربات عليهم. وهي الخطايا التي حذّر الله شعبه منها قديماً وسقطوا فيها وهي عبادة الأوثان (مزمور ١٠٦: ٣٤ - ٤٠ و١٣٥: ١٥ وأعمال ٧: ٤١).
أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ تدلّ القرينة على أن المراد «بأعمال أيديهم» صنع الأوثان خصوصاً وهذا مثل قول موسى «آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي ٱلنَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ» (تثنية ٤: ٢٨ انظر أيضاً مزمور ١١٥: ٤ - ٧ ودانيال ٥: ٢٣).
لِلشَّيَاطِينِ هذا لا يستلزم أنهم عبدوا الشياطين عمداً فالمعنى إن الذين يعبدون الأوثان ظاهراً يعبدون الشياطين حقيقة بدليل قول بولس «بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ ٱلأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ١٠: ٢٠).
وَلاَ عَنْ قَتْلِهِمْ (غلاطية ٥: ٢٠) هذه الخطيئة ليست مختصة بالوثنيين حتى نستنتج أن تلك الضربات لا تقع إلا على البلاد الوثنية. فعبادة الأوثان تشتمل أيضاً على محبة العالم ومحبة المال لأنه قيل في الإنجيل مرتين إن «الطمع عبادة أوثان» (أفسس ٥: ٥ وكولوسي ٣: ٥). وهذه الخطيئة لا تختص بزمان ولا بمكان فهي كانت وتكون في كل أرض وعصر ليس فيهما خوف الله ولا إصغاء إلى صوت الضمير ولا شفقة على الناس. فقد حدث في البلاد المسيحية اختلاس فظيع وخدع لا يأتيها إلا جبابرة الإثم.
عَنْ سِحْرِهِمْ المراد «بالسحر» هنا ما يأتيه الناس من الأفعال السرّية بغية أن يضروا حياة الناس. ذُكر في (ع ٢٠) الخطايا المتعلقة بحقوق الله مما كُتب في اللوح الأول من لوحي الشريعة. وفي (ع ٢١) الخطايا المتعلقة بحقوق الناس مما كُتب في اللوح الثاني. وأعظم علامات توغلاتهم في الخطيئة رفضهم نصح الضمير وخوف الله وفقدهم القدرة على التوبة لأنهم فقدوا الميل إلى كره الخطيئة (مزمور ٣٦: ٤).
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
بعد فك الختم السادس وقبل فك الختم السابع كان رؤييان معترضتان وهما ختم المختارين على جباههم وجمع الملائكة إيّاهم. وحوّل الرسول بين البوقين السادس والسابع نظره من الأمور المختصة بالعالم وقضاء الله عليه إلى الكنيسة. وغايته من ذلك أن يبين حالة الكنيسة بالنسبة إلى العالم الموضوع في الإثم الذي لم يتب عن خطاياه بما وقع عليه من الضربات. فذكر رؤيين معترضتين شغلتا الأصحاح العاشر كله وأربعة عشر عدداً من الأصحاح الحادي عشر. ثم رجع إلى الموضوع الذي تركه في آخر الأصحاح التاسع. وغاية هذا الأصحاح ما يتعلق بالسفر الصغير.
١ « ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَوِيّاً نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلاً بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ».
ص ٥: ٢ و١٨: ١ و٢٠: ١ ص ٤: ٣ ص ١: ١٥ و١٦ متّى ١٧: ٢
مَلاَكاً آخَرَ قَوِيّاً هذا الملاك ليس من الملائكة السبعة الذين بوّقوا ونعته بآخر تمييزاً له عن الملاك القوي المذكور في (ص ٥: ٢). والمرجّح أنه لم يقصد بهذا الملاك المسيح مع أن له الصفات والأعمال التي له والعلم بقضاء الله. وما قيل في (ع ٦) يبين أنه نائب عن المسيح لا المسيح نفسه.
نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ بقي يوحنا في الرؤيا في السماء (ع ٨ و٩).
مُتَسَرْبِلاً بِسَحَابَةٍ هذه السحابة تدل على أنه ملاك النقمة (ص ١: ٧).
وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ هذا قوس الله بمقتضى قوله «وضعت قوسي في السحاب» وهي علامة ميثاق الله بالرحمة بدليل قوله «فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلأَرْضِ... وَتَظْهَرِ ٱلْقَوْسُ فِي ٱلسَّحَابِ، أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي ٱلَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ» (تكوين ٩: ١٣ - ١٥).
وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ كان له شيء من مجد الله لكونه مرسلاً منه (ص ١: ١١ و١٨: ١).
وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ أي ساقاه (انظر تفسير ص ١: ١٥).
٢ «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَى ٱلْبَحْرِ وَٱلْيُسْرَى عَلَى ٱلأَرْضِ».
ع ٥ و٨ - ١٠ ص ٥: ١
سِفْرٌ صَغِيرٌ بالنسبة إلى السفر الذي له سبعة ختوم (ص ٥: ١) والذي قد تضمن كل قضاء الله. ولكن هذا السفر الصغير لا يتضمن سوى ما يتعلق بالكنيسة وكُتب لغاية خاصة ليتنبأ به يوحنا بنبوآته المستقبلة. وهذه الرؤيا مبنية على ما قيل في نبوءة حزقيال وهي قوله «ٱفْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أَنَا مُعْطِيكَهُ. فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ إِلَيَّ، وَإِذَا بِدَرْجِ سِفْرٍ فِيهَا. فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ٨ - ١٠).
فَوَضَعَ رِجْلَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَى ٱلْبَحْرِ الخ البحر والأرض هنا حقيقيان لا مجازيان.
٣ «وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ ٱلأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا».
إشعياء ٣١: ٤ وهوشع ١١: ١٠ ص ٤: ٥ ومزمور ٢٩: ٣ - ٩
وَصَرَخَ... كَمَا يُزَمْجِرُ ٱلأَسَدُ هذا يدل على أن مضمون السفر الصغير مخيف لأعداء المسيح وكنيسته بدليل قول يوئيل النبي «ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ يُزَمْجِرُ. وَمِنْ أُورُشَلِيمَ يُعْطِي صَوْتَهُ، فَتَرْجُفُ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ» (يوئيل ٣: ١٦).
وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا هذه الأصوات أصوات الله أو هي بأمره (يوحنا ١٢: ٢٨ و٢٩). وكون إعطاء السفر مقترناً برعود يشير إلى أن موضوعه أحكام الله على كنيسته الغافلة عما وجب عليها لله مع بقية أمينة فيها تُحفظ وتثبت في الطهارة.
٤ «وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا كُنْتُ مُزْمِعاً أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لِيَ: ٱخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».
ص ١: ١١ و١٩ ع ٨ دانيال ٨: ٢٦ و١٢: ٤ و٩ ص ٢٢: ١٠
وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا أصوات الرؤيا المقترنة بالرعود تشير إلى أنها تتكلم بالأحكام الآتية (ص ٤: ٥ و٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨) قابل هذا بسبعة «أصوات الرب» في (مزمور ٢٩).
كُنْتُ مُزْمِعاً أَنْ أَكْتُبَ بمقتضى أمر الرب القائل «فاكتب ما رأيت الخ» (ص ١: ١٩).
فَسَمِعْتُ صَوْتاً... ٱخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ هذا مثل ما في نبوءة دانيال وهو قوله تعالى «أَمَّا أَنْتَ فَٱكْتُمِ ٱلرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (دانيال ٨: ٢٦). فالله لم يسمح ليوحنا أن يعلن لنا ما قالته تلك الأصوات فما من فائدة من السؤال عن كلماتها. والأرجح إن الله لم يقصد أن تُكتم إلى الأبد بل أن تتعلمها الكنيسة باختيارها لأنها لم تكن مستعدة لذلك. ونعلم من القرينة إنها تختص بالكنيسة وإن معظمها تهديدات فنهى يوحنا عن إعلانها شفقة على الكنيسة لئلا تزيد مخاوفها بأهوال ما يُعلن ولكن ذلك لا يخلو من الإنذار لأن تلك الأحكام مع أنها لم تُعلن قابلة أن تقع متى شاء الله على المذنبين.
٥ «وَٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ».
تكوين ١٤: ٢٢ وخروج ٦: ٨ وعدد ١٤: ٣٠ وتثنية ٣٢: ٤٠ وخروج ٢٠: ١٥ ودانيال ١٢: ٧
هذه الآية والآيتان اللتان بعدها إفهام الملاك إن وقت إتمام النبوآت قريب جداً وكلامه يذكرنا بقول دانيال «سَمِعْتُ ٱلرَّجُلَ ٱللاَّبِسَ ٱلْكَتَّانِ ٱلَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِٱلْحَيِّ إِلَى ٱلأَبَدِ: إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ» (دانيال ١٢: ٧).
وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ هذا يدل على عظمته وعظمة الذي هو نائب عنه.
رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ كعادة الحالفين (تكوين ١٤: ٢٢ وخروج ٦: ٨ وتثنية ٣٢: ٤٠). ورفع يده إلى السماء باعتبار كونها مسكن الله.
٦ «وَأَقْسَمَ بِٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ، ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَٱلأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَٱلْبَحْرَ وَمَا فِيهِ، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ».
ص ٤: ٩ و١١ ص ٦: ١١ و١٢: ١٢ و١٦: ١٧ و٢١: ٦
هذا تصريح بأن الله خالق كل شيء لأن موضوع قسمه سرّه في المخلوقات التي هي رهن أمره. فخلق الله العالم عربون اعتنائه بملكوت ابنه وتكميله وأسلوب هذا القسم يمنع من أن يكون الملاك هو المسيح.
أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ أي لا يكون بطوء بعد عن إجابة صلوات القديسين المذكورة (ص ٦: ١٠). فكانت الأبواق الستة جواباً لها. وصُرِّح هنا بأن الله مزمع أن يجري إلى النهاية النقمة التي أنذر بها. وزمان هذا الإتمام يكون عند صوت البوق السابع (ص ١١: ١٩). إنه قيل للقديسين «أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ» (ص ٦: ١١). وقيل لهم هنا إن سرّ الله المتعلق بالسماء الحاضرة والأرض الحاضرة على وشك الانتهاء وإنه يظهر على أثر ذلك «سماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيها البرّ».
٧ «بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ».
ص ١١: ١٥ عاموس ٣: ٧ ورومية ١٦: ٢٥
بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ (ص ١١: ١٥).
يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ هذا هو سرّ ملكوت المسيح كما أعلن في إنجيله بدليل قول الرسول «حَسَبَ إِنْجِيلِي وَٱلْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ ٱلسِّرِّ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ، وَلٰكِنْ ظَهَرَ ٱلآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ» (رومية ١٦: ٢٥ و٢٦). وقوله «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ» (أفسس ١: ٩ و١٠). وقوله «وَأُنِيرَ ٱلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ فِي ٱللهِ خَالِقِ ٱلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٣: ٩ انظر أيضاً أفسس ٦: ١٩) وبدليل ما في الترنيمة التي رُنم بها بعد البوق السابع (ص ١١: ١٧).
كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ فإذاً هذا السر مفرّح لأنه بشارة. وتسليمه إلى عبيد الله الأنبياء يبين أنهم بشروا به. ومضمون هذا السر ظاهر من (ص ١١: ١٥ - ١٨) وإنه يتعلق بامتداد ملكوت المسيح في العالم كله وعقاب الأشرار ونيل عبيد الله ميراثهم. فإن هذا السفر ليس بمختوم لأن معناه قد أُعلن في الإنجيل وإنه لم يخف إلا على الذين «أعمى إله هذا العالم أبصارهم». فظن بعضهم إن هذا السفر ليس سوى الإنجيل بمواعيده وإنذاراته وإن هذا السفر فُتح جديداً للناس في أوقات مختلفة كما فُتح في عصر الإصلاح وفي كل وقت تُرجم فيه الإنجيل إلى لغة لم يُترجم إليها قبلاً. وقد بلغت اللغات التي تُرجم إليها نحو سبع مئة وخمسين.
٨، ٩ «٨ وَٱلصَّوْتُ ٱلَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضاً وَقَالَ: ٱذْهَبْ خُذِ ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ ٱلْمَفْتُوحَ فِي يَدِ ٱلْمَلاَكِ ٱلْوَاقِفِ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ. ٩ فَذَهَبْتُ إِلَى ٱلْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: أَعْطِنِي ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ. فَقَالَ لِي: خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً، وَلٰكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْواً كَٱلْعَسَلِ».
ع ٤ و٢ إرميا ١٥: ١٦ وحزقيال ٢: ٨ و٣: ١ إلى ٣
وَٱلصَّوْتُ ٱلَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ (انظر ع ٣). هذا صوت الله أو صوت غيره بأمره.
ٱلْمَلاَكِ ٱلْوَاقِفِ الخ وقوفه على كل من البر والبحر يدل على عظمته وعظمة الله الذي هو نائب عنه.
خُذْهُ وَكُلْهُ هذا مثل قوله تعالى لحزقيال «يَا ٱبْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هٰذَا ٱلدَّرْجَ، وَٱذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذٰلِكَ ٱلدَّرْجَ. وَقَالَ لِي: يَا ٱبْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَٱمْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هٰذَا ٱلدَّرْجِ ٱلَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ» (حزقيال ٣: ١ - ٣) وقول إرميا «وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ» (إرميا ١٥: ١٦). والمعنى تأمل فيه وافهم معناه حسناً وأعرف قيمته حتى تقدر أن تشهد به لغيرك عن اختبار بدليل تفسير الأكل في نبوءة حزقيال وهو قوله «فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ١٠). وهذا يذكرنا قول المرنم «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي» (مزمور ١١٩: ١١).
فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً لأنه يُعرف منه مستقبل الكنيسة وإنها ستنسى ربها الذي اشتراها بدمه وتفتر في خدمته وتستحق العقاب الآتي عليها ولأن قليلين من الناس يسرون أن يقبلوا كلام الله فاضطر الرسول أن يقول قول إشعياء «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا» (إشعياء ٥٣: ١). وتكون مرارة قلبه كمرارة قلب موسى يوم قال للرب «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِٱسْمِكَ أَسَاءَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ» (خروج ٥: ٢٢ و٢٣).
لٰكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْواً كَٱلْعَسَلِ لأن هذا السفر يحقق له أن الله اختار الكنيسة من بين كل شعوب الأرض لتكون خاصته. وإن المسيح أحبها وبذل نفسه لأجلها لكي تكون بلا دنس ولا عيب في السلام (٢بطرس ٣: ١٤). ولأنه يلذ لعبيد الله أن يسمعوا كلامه ويبشروا به بدليل قول المرنم «مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ لِفَمِي... أَحْكَامُ ٱلرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. أَشْهَى مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلإِبْرِيزِ ٱلْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ وَقَطْرِ ٱلشِّهَادِ» (مزمور ١١٩: ١٠٣ و١٩: ٩ و١٠).
١٠ «فَأَخَذْتُ ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ مِنْ يَدِ ٱلْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْواً كَٱلْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرّاً».
ص ١١: ١ حزقيال ٣٧: ٤ و٩ ص ٥: ٩ و١٧ و١٠ و١٢
هذه الآية تفسير الآية التاسعة.
١١ «فَقَالَ لِي: يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ».
فَقَالَ لِي: يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى شُعُوبٍ الخ وفي بعض النسخ القديمة «فقالوا الخ» هذا يبين لماذا يصير السفر في جوفه مراً لأنه به يعلم إن الذين يشهد لهم لا يلتفتون إليه ولا يخضعون لملكهم الحقيقي ويبغضون رسله. وإنه لا بد من أن تنتصر الكنيسة أخيراً وتكون ممالك هذا العالم ملكاً للرب يسوع المسيح. ولكن ذلك لا يتم ما لم تمر في أتون الاضطهاد وأن يصير ارتداد بعض أعضائها وأحكام الله عليها. ولذلك كُتب في السفر «مراث ونحيب وويل» (حزقيال ٢: ١٠) وبعد أن تُضرب الكنيسة بالبدع وتضعف بمحبتها للعالم وتتقلقل بالتحزب ويضطهدها أعداؤها ويحاربها أهل بيتها لا تتلاشى بذلك لكنها تتقوى وتنتصر بذراع سيدها القادرة. وانتهت هذه الرؤيا بإنباء الرسول برؤى أُخر مجيدة لكنها محزنة.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
في هذا الأصحاح الرؤيا الثانية المعترضة بين البوق السادس والبوق السابع وهي تشغل ١٤ آية منه.
١ «ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ عَصاً، وَوَقَفَ ٱلْمَلاَكُ قَائِلاً لِي: قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ ٱللهِ وَٱلْمَذْبَحَ وَٱلسَّاجِدِينَ فِيهِ».
ص ٢٠: ١٥ وحزقيال ٤٠: ٣ - ٤٢: ٢٠ زكريا ٢: ١
ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً إن أساس هذه الرؤيا من العهد القديم وبعضها من نبوءة (زكريا ٢: ١ و٢). وبعضها من (حزقيال ٤٠: ٢ - ٧). فغاية هذا القياس كغاية إحصاء المختارين وختمهم في (ص ٧) وقياس المدينة السماوية في (ص ٢١: ١٥ و١٦) وهي الإشارة إلى حفظ المقيس ووقايته ليكون مسكناً لمجد الله لا للدينونة كما يتضح من قوله تعالي «تَرَنَّمِي وَٱفْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ» (زكريا ٢: ١٠). والقصبة للقياس ولم يقل من أعطاه إياها ولا بد من أن يكون أحد الجنود السماوية.
قِسْ هَيْكَلَ ٱللهِ وَٱلْمَذْبَحَ وَٱلسَّاجِدِينَ فِيهِ فأوجب عليه أن يقيس الثلاثة وهي «الهيكل» وهو القدس وقدس الأقداس كما تبين القرينة. و «المذبح» وهو «مذبح البخور» الذي وضُعت عليه صلوات القديسين لله (ص ٨: ٣). و «الساجدون» وقياس الساجدين يدل على أن القياس هنا كله مجاز لا حقيقة. وأشار «بالمقيس» إلى إسرائيل الله الحقيقي وعبيده الأمناء الذين يعبدونه بالروح والحق ويسكن الله تعالى بينهم فيقصد أن يكونوا محفوظين في أثناء المصائب التي تصيب الكنيسة والعالم. وهم «المدعوون والمختارون والمؤمنون» المذكورون في (ص ١٧: ١٤) وهم «المختومون» المذكورون في (ص ٧: ٤). وهم الذين «في ظل القدير يبيتون» (مزمور ٩١: ١).
٢ «وَأَمَّا ٱلدَّارُ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ فَٱطْرَحْهَا خَارِجاً وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً».
حزقيال ٤٠: ١٧ و٢٠ ولوقا ٢١: ٢٤ إشعياء ٥٢: ١ ومتّى ٢٧: ٥٣ ص ٢١: ٢ و١٠ و٢٢: ١٩ ص ١٢: ٦ و١٣: ٥ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧
وَأَمَّا ٱلدَّارُ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ فَٱطْرَحْهَا خَارِجاً وَلاَ تَقِسْهَا أي احسبها دنسة. وهذا مبني على إخراج المقطوع من المجمع اليهودي. وأولئك المقطوعون ليسوا من الأمم لأنهم امتازوا عنهم بقوله «أعطيت للأمم الخ» وهذه الدار تشير إلى جزء الكنيسة الخائن غير الأمين فهو كالزوان الذي ينبت مع القمح في الحقل الذي شبّه به المسيح ملكوته فإن القمح والزوان ينموان معاً في هذه الأرض ولا يقدر أحد من الناس أن يفرق بينهما ولكن الله في الوقت المعيّن للتمييز يرسل ملائكته فيفصلون أحدهما عن الآخر. وهم المدعوون في قول المسيح «كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ» (متّى ٢٢: ١٤). وهم أغصان الكرمة التي لا تأتي بثمر (يوحنا ١٥: ٢ و٦). ويظهرون مثل غيرهم في العبادة ولكنهم بلا نعمة وبلا حياة روحية.
لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَة كانت المدينة المقدسة قديماً أورشليم وهي الآن رمز إلى الكنيسة المسيحية التي دخلها ما أفسد أحوالها وجعلها تشبه العالم. ولم تُقس لأنها تركت الله والله تركها والعالم استولى عليها. وكأنها داسها الأمم لكونها مختلطة بالعالم ومدنسة به. وهذا القول مبني على قول المسيح لرسله «تَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ ٱلأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ ٱلأُمَمِ» (لوقا ٢١: ٢٤).
ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً هذا الوقت المعيّن لفتور إيمانها وهو عبارة عن وقت محدود لأنه ثلاث سنين ونصف سنة وذلك نصف السبعة التي هي عدد كامل. ومدة تسلط العالم على الكنيسة أو سبيه إياها وزمن ألمها ولبسها المسوح (ع ٣). وقد عُبّر عن ذلك الوقت بطرق مختلفة فعبر عنه «بزمان وزمانين ونصف زمان (أي ٣٦٠+٧٢٠+١٨٠=١٢٦٠) (ع ٣ وص ١٢: ٦). وباثنين وأربعين شهراً» (٤٢×٣٠=١٢٦٠) (ع ٢ وص ١٣: ٥). إننا لا نعلم النسبة بين اليوم الحقيقي واليوم النبوي فظن بعضهم إن كل يوم نبوي يساوي سنة حقيقية بناء على قوله تعالى لحزقيال «فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ عِوَضاً عَنْ سَنَةٍ» (حزقيال ٤: ٦). ولعل ذلك مختص بتلك النبوءة لا قانون كل رؤيا على أننا لو عرفنا مقدار اليوم النبوي والشهر النبوي والسنة النبوية لا نعلم بدء مدة كل منها فيكون كل ما بُني على ذلك عبثاً.
٣ «وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً، لاَبِسَيْنِ مُسُوحاً».
ص ٢: ١٣ و١: ٥ و١٣: ٦ و١٣: ٥ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧ تكوين ٣٧: ٣٤ و٢صموئيل ٣: ٣١ و١ملوك ٢١: ٢٧ و٢ملوك ٩: ١١ ونحميا ٩: ١ وأستير ٤: ١ ومزمور ٦٩: ١١ ويوئيل ١: ١٣ ويونان ٣: ٥ - ٨).
سَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ لا نعلم إلى من أشار بهذين الشاهدين والأرجح أنه لم يُرد بهما شخصين معينين بل أراد بهما المبادئ الإنجيلية والصفات المطلوبة ممن هم في المسيح. وهما شاهدا الوحي وحق الله والمسيح في كل عصر وبلاد. وهما اللذان شهدا في أيام مزج الأمانة بالخيانة وزمان الهيكل المقيس المصوّن والدار المدوسة. ولما كانت هذه الرؤيا تأكيد إن كنيسة المسيح الحقيقية الروحية تُحفظ سالمة في يدي سيدها في أوقات التعاليم الكاذبة وحب العالم المستولي على الكنيسة المنظورة أعلن أنه لا تخلو الكنيسة من شهود للبر وللإيمان الحق وإن كانوا قليلي العدد. وتتضح غاية هذه الرؤيا بمقابلتها برؤيا زكريا التي هي أساس رؤيا يوحنا. إن المسبيين الذين رجعوا من بابل إلى أورشليم كانوا ضعفاء آيسين ولكن الله وهب لهم قوة من مصدر خفي كمجرى الزيت إلى المنارة الذي رآه النبي دون سائر الناس فتشجعوا حتى قدروا أن ينتصروا على كل الموانع ويتمموا بناء الهيكل ويخرجوا الحجر الأخير هاتفين «كرامة كرامة له» (زكريا ٤: ٦ و٧). فقال الله إنه هكذا يكون في الوقت المشار إليه في هذه الرؤيا فإن شاهدَي الله يقفان ثابتين بقدرة غير عادية «لا بالقدرة (المعتادة) ولا بالقوة «البشرية بل بنعمة الله» فيشهدان للمسيح ولإنجيله على كل ظلم وكذب في وسط عالم مضطهد وكنيسة ظاهرة مفسدة بالعالم وبالضلال وقوله «سأعطي لشاهدي» قول الله نفسه» وقال «شاهدي» لأن شريعة موسى تطلب على الأقل شاهدَين لإثبات الدعوى بدليل قول موسى «لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَا أَوْ خَطِيَّةٍ مَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْخَطَايَا ٱلَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ ٱلأَمْرُ» (تثنية ١٩: ١٥). وكثيراً ما ذُكر في الكتاب المقدس إن اثنين عملا معاً في خدمة الله. ومن أمثال ذلك موسى وهارون ويشوع وكالب وإيليا وأليشع ويهوشع الكاهن العظيم في أيام زكريا وزربابل ومن إرسال المسيح للتبشير من تلاميذه اثنين اثنين وبولس وبرنابا وبولس وسيلا. وكان من يثبّت حق الله هنا شاهدَين جرياً على سنن الشريعة لكن شعب الله الحقيقيين في كل عصرهم شهوده (أعمال ١: ٨).
فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً يظهر إن هذه المدة كالمدة التي هي اثنان وأربعون شهراً في الآية السابقة. وهذا موافق للثلاث السنين والنصف التي فيها منع إيليا المطر عن أرض إسرائيل عقاباً لهم على عبادتهم للأوثان (لوقا ٤: ٢٥). والوقت الذي شهد فيه المسيح للحق على الكتبة والفريسيين وسوء تعاليمهم. والتنبوء المذكور هنا دعوة الناس إلى التوبة كما دعاهم يونان ويوحنا المعمدان والمسيح والإنباء بالدينونة وإعلان الأمور المستقبلة.
لاَبِسَيْنِ مُسُوحاً هذا علامة الحزن (٢ملوك ٦: ٣٠ ويونان ٣: ٥). وامتاز شاهد الله عن المترفهين المحبين لأنفسهم بآيات إنكار النفس والحزن. وأشار بها إلى احتياج الذين خاطبهم إلى التوبة والاتضاع بالنظر إلى النوازل المتوقع أن تقع عليهم (إشعياء ٢٢: ١٢ وإرميا ٤: ٨ و٦: ٢٦ ويونان ٣: ٥). فإنهم مع كونهم مُذلين ومهانين يحسبون مسوح الحزن مطارف الشرف ممتلئين بروح المسيح. ويكونون كربهم نوراً في العالم حتى لا يكون الله بلا شاهد.
٤ «هٰذَانِ هُمَا ٱلزَّيْتُونَتَانِ وَٱلْمَنَارَتَانِ ٱلْقَائِمَتَانِ أَمَامِ رَبِّ ٱلأَرْضِ».
زكريا ٤: ٣ و١١ و١٤ مزمور ٥: ٨ وإرميا ١١: ١٦
هٰذَانِ هُمَا ٱلزَّيْتُونَتَانِ وَٱلْمَنَارَتَانِ الخ هذا يوضح أن رؤيا زكريا أساس رؤيا يوحنا في الشاهدَين. والمراد «بالزيتونتين» في رؤيا زكريا زربابل وحجي النبي أو زربابل ويهوشع الكاهن العظيم. ولكن في رؤيا زكريا منارة واحدة ذات سبعة فروع وفي رؤيا يوحنا منارتان لموافقة الشاهدَين فكل من الشاهدَين كان كيوحنا المعمدان «السراج الموقد المنير» (يوحنا ٥: ٣٥). ومعنى الرؤيا لا يكمل بشاهد واحد أو شاهدَين بل بالذين يحل عليهم روح الرب في كل عصر وبلاد ويشهدون لله وللحق ويوبخون العالم والكنيسة على الشرور. وكان من هؤلاء يوحنا فم الذهب وأيناسيوس ولوثيروس وأمثالهم فإنه انتشر بهم نور الإنجيل في العالم فبرهنوا إن نعمة الله لم تفارق كنيسته وإنه كأيام الكنيسة قوتها.
٥ «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا فَهٰكَذَا لاَ بُدَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ».
ص ٩: ١٧ و٢ملوك ١: ١٠ - ١٢ وإرميا ٥: ١٤ عدد ١٦: ٢٩ و٣٥
َإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا هذا يشير إلى ما يحدث على توالي الأيام. ومن ذلك ما حدث في أيام إيليا لأعدائه الذين أتوا إليه بدليل قول الكتاب «فَنَزَلَتْ نَارُ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَٱلْخَمْسِينَ ٱلَّذِينَ لَهُ» (٢ملوك ١: ١٠ - ١٢). وهو على وفق وعد الله لإرميا «هَئَنَذَا جَاعِلٌ كَلاَمِي فِي فَمِكَ نَاراً، وَهٰذَا ٱلشَّعْبَ حَطَباً، فَتَأْكُلُهُمْ» (إرميا ٥: ١٤). ومنه اللهيب الذي أحرق الجبابرة الذين ألقوا رفقاء دانيال في الأتون الموقد (دانيال ٣: ٢٢) والسيف ذو الحدين الذي خرج من فم ابن الإنسان (ص ١: ١٦).
وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ الخ لم يظهر معنى هذا ولكن نعلم إن الله مستعد أن يكرر لشعبه النجاة التي منحه إياها في الماضي. إن إله موسى وإيليا ودانيال إله منزه عن التغير فإنه قطع مع كنيسته عهداً أبدياً ثابتاً.
٦ «هٰذَانِ لَـهُمَا ٱلسُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا ٱلسَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَراً فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا، وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى ٱلْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا ٱلأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا».
لوقا ٤: ٢٥ ع ٣ ص ٨: ٨
هٰذَانِ لَـهُمَا ٱلسُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا ٱلسَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ كما فعل إيليا (١ملوك ١٧: ١).
عَلَى ٱلْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ كما فعل موسى في مصر (خروج ٧: ٢٠).
وَأَنْ يَضْرِبَا ٱلأَرْضَ الخ كما فعل موسى هذا يبين إن الشاهدين يأتيان بروح موسى وإيليا وسلطانهما فأحدهما نائب الناموس والآخر نائب الأنبياء بدليل قوله تعالى «اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي ٱلَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ... هَئَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا ٱلنَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ وَٱلْمَخُوفِ» (ملاخي ٤: ٤ و٥). فهذان الشاهدان إن أصغى الناس إليهما كانا بركة لهم وإذا رفضوا كلامهما كانا «رائحة موت للموت» وكما إن نسمة الله تُعطي الأرض والبشر حياة وجمالاً (مزمور ١٠٤: ٣٠ ويوحنا ٢٠: ٢٢) نفخة شفتيه تميت المنافق (إشعياء ١١: ٤).
٧ «وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا فَٱلْوَحْشُ ٱلصَّاعِدُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْباً وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا».
ص ١٣: ١ و٧ و٩: ١ دانيال ٧: ٢١
وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا أي متى انتهى وقت تأديتهما الشهادة. فإنه قبل ذلك لم تكن للوحش سلطة عليهما فأمرهما كأمر المسيح إذ قال «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱلنَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١١: ٩). فمتى انتهت الثلاثة الأيام والنصف المعينة لشهادتهما ماتا وقام غيرهما وأدبا شهادتهما وهكذا على التوالي.
فَٱلْوَحْشُ ٱلصَّاعِدُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ هذا أول أنباء هذا الوحش والمحل الذي صعد منه يدل على طبيعته فمصدره مصدر الجراد الضار (ص ٩: ١ و٢). والأرجح إنه الوحش المذكور في (ص ١٣: ١) وهو ذو «سبعة رؤوس وعشرة قرون». وهو عدو المسيح وذُكر في (دانيال ٧: ١٩ - ٢٥).
يَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا هذا بعد تأديتهما الشهادة فلا منافاة بينه وبين ما قيل في الآية الخامسة.
٨ «وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى رُوحِيّاً سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضاً».
ص ١٤: ٨ و١٦: ١٩ و١٧: ١٨ و١٨: ٢ و١٠ و١٦ و١٨ و١٩ و٢١ إشعياء ١: ٩ و١٠ و٣: ٩ وإرميا ٢٣: ١٤ وحزقيال ٢٣: ٣ و٨ و١٩ و٢٧
ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى رُوحِيّاً (أي مجازاً) سَدُومَ وَمِصْرَ تدل القرينة إن القصد بهذه المدينة أورشليم ولكنها ليست المدينة المقدسة صهيون التي اختارها الرب لتكون راحته بل التي تشبه سدوم في إثمها ومصر في استعبادها لشعب الله. فالأرجح إن أورشليم الحقيقية كانت خراباً يومئذ فما أشار إليها هنا. وأورشليم الرمزية التي كانت أورشليم الحقيقية جزءاً منها يُطلب دم كل الأنبياء الذين قُتلوا إذا اعتُبرت إنها قاتلة الجميع.
حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضاً هذا يصدق على أورشليم الحقيقية وعلى أورشليم الرمزية التي هي أعظم من الحقيقية وهي موضوع هذه الرؤيا فهي عرضة لأحكام الله وينزل عليها عقابه.
٩ «وَيَنْظُرُ أُنَاسٌ مِنَ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلأَلْسِنَةِ وَٱلأُمَمِ جُثَّتَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً، وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ».
ص ١٠: ١١ وص ٥: ٩ ومزمور ٧٩: ٢ و١ملوك ١٣: ٢٢
وَيَنْظُرُ بلا شفقة عليهما في تلك الحال التي يُرثى لها.
أُنَاسٌ من الأشرار منهم.
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً هذه الأيام ليست بأيام حقيقية بل عبارة عن وقت قصير لأنها نصف السبعة التي هي عدد كامل.
وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ هذا يدل على فرط إهانتهم لهما وقساوتهم عليهما (تكوين ٢٣: ٤ وإشعياء ١٤: ١٩ و٢٠).
١٠ «وَيَشْمَتُ بِهِمَا ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لأَنَّ هٰذَيْنِ ٱلنَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ص ٣: ١٠ ع ٨: ١٠ و١٢ وأستير ٩: ١٩ و٢٢
وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فرحوا بقتلهما لأنهم قد تألموا من توبيخاتهما بكلامهما وسيرتهما وشهادتهما للمسيح وشهادتهما عليهم بخطاياهم. وإرسال الهدايا علامة المسرّة كما يكون في الاحتفالات (نحميا ٨: ١٠ و١٢ وأستير ٩: ١٩ و٢٢). كذا تصالح هيرودس وبيلاطس بمحاكمة المسيح (لوقا ٢٣: ١٢).
لأَنَّ هٰذَيْنِ ٱلنَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ أي تعذّب الناس من توبيخهما لهم على خطاياهم فكان يوقظ ضمائرهم فتحكم بصحة توبيخهما وعذابهم بالضربات المذكورة في (ع ٥ و٦).
١١ «ثُمَّ بَعْدَ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلأَيَّامِ وَٱلنِّصْفِ دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ ٱللهِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا. وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا».
حزقيال ٢٧: ٥ و٩ و١٠ و١٤
بَعْدَ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلأَيَّامِ وَٱلنِّصْفِ إن انتصار الأشرار وفرحهم قصيران.
دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ ٱللهِ كما رأى حزقيال النبي في بقعة العظام (حزقيال ٣٧: ٩ و١٠). وكثيراً ما حدث إن المصلحين في الكنيسة طلبوا طهارتها ونشاطها وتعليمها وقُتلوا وصار موتهم موضوع فرح قصير للجهالة والأوهام والقساوة على وفق قول المرنم «عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور ٣٠: ٥).
فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا كما في (حزقيال ٣٧: ١٠) فتم بهما قول الرسول «إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ» (٢تيموثاوس ٢: ١١ و١٢).
وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا لأنهم عرفوا من ذلك إن الله معهما وإن أقوالهما وإنذاراتهما تصدقان عليهم.
١٢ «وَسَمِعُوا صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لَـهُمَا: ٱصْعَدَا إِلَى هٰهُنَا. فَصَعِدَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلسَّحَابَةِ، وَنَظَرَهُمَا أَعْدَاؤُهُمَا».
ص ٤: ١ و٢ملوك ٢: ١٩ وأعمال ١: ٩
وَسَمِعُوا صَوْتاً عَظِيماً... ٱصْعَدَا إِلَى هٰهُنَا هذا إما صوت الله وإما صوت غيره بأمره.
فَصَعِدَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ على مرأى من قاتليهما بدليل قوله «ونظرهما أعداؤهما».
فِي ٱلسَّحَابَةِ كما صعد المسيح (أعمال ١: ٩). وكان صعودهما انتصارهما وبداءة سرورهما الأبدي.
١٣ «وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ بِٱلزَّلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ ٱلنَّاسِ: سَبْعَةُ آلاَفٍ. وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رُعْبَةٍ، وَأَعْطُوا مَجْداً لإِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ».
ص ٦: ١٢ و٨: ٥ و١٦: ١٨ و١٩ ص ١٤: ٧ و١٦: ٩ و١٩: ٧ يوحنا ٩: ٢٤ ص ١٦: ١١
فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أي ساعة صعودهما وقع حكم الله على الأشرار.
زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ الزلزلة في سفر الرؤيا علامة نقمة الله.
فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ أي مدينة أورشليم الرمزية (ع ٨). وقال «عُشر المدينة» لأن الدينونة ليست عامة ومعلوم إن الزلزلة مجازية والمدينة وعدد القتلى كذلك.
وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رُعْبَةٍ، وَأَعْطُوا مَجْداً لإِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ ليس معنى ذلك كما زعم بعضهم إن اليهود رجعوا إلى الله بالتوبة لأنه لا ذكر في الآية لليهود ولا للتوبة ولكن المراد إن المشاهدين تحققوا مما رأوا عظمة قوة الله وارتعدوا من هول أحكامه ولكنهم لم يتوبوا كما في (ص ١٦: ١١). ولعل هذا يشمل أعضاء الكنيسة الأمناء الذين ذُكر أنهم مصونون في قدس الأقداس (ع ١ و٢).
وهذا نهاية ما قيل في الشاهدَين اللذين نبوءتهما انتشرت في كل الأرض وكذا الضربات التي حدثت على أيديهما. فلا يمكن أن يكونا شخصين حقيقيين لسعة تأثيرهما وكون الوقت الذي تنبأ فيه هو ١٢٦٠ يوماً أطول من عمر الإنسان إذا حسبنا كل يوم منه سنة. والمرجح إن أساس كونهما شاهدَين طلب الشريعة الموسوية المتعلقة بعدد الشهود وإرسال المسيح تلاميذه اثنين اثنين ووعده لتلاميذه بقوله «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَـهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٨: ١٩). فإذاً هذان الشاهدان كناية عن المؤمنين في كل عصر وبلاد الذين لا يزالون أمناء لربهم ويشهدون للحق بكلامهم وسيرتهم فهم الكنيسة الحقيقية غير المنظورة ضمن الكنيسة الظاهرة. وهم القطيع الصغير الذين يسمعون صوت الراعي الصالح ويتبعونه إلى حيث يذهب ولا يتبعون العالم ولا الإجراء من الرعاة (يوحنا ١٠: ٥ و١٢). وأصحاب المذهب الحرفي من المفسرين يقولون إن الشاهدَين هما «موسى وإيليا» بأنهما ينزلان من السماء إلى أورشليم الحقيقية التي رجع اليهود إليها وجعلاها قصبة مملكتهم. وضد المسيح الذي بمساعدته رجع اليهود إلى أورشليم يثير الاضطهاد على موسى وإيليا ويقتلهما ثم يقومان وعلى أثر ذلك يعترف اليهود بالمسيح ويؤمنون به ويرجعون إلى الرب. وهو قول بلا دليل.
١٤ «ٱلْوَيْلُ ٱلثَّانِي مَضَى وَهُوَذَا ٱلْوَيْلُ ٱلثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعاً».
ص ٨: ١٣ و٩: ١٢
ٱلْوَيْلُ ٱلثَّانِي مَضَى هذا الويل الثاني من ويلات الأبواق الثلاثة الأخيرة (ص ٨: ١٣). والويل الأول ضربة الجراد (ص ٩: ١ - ١١). والثاني جيوش الفرسان (ص ٩: ١٢ - ٢١) والضربات التي كانت على أيدي النبيين (ص ١١: ٥ و٦ و١٣).
هُوَذَا ٱلْوَيْلُ ٱلثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعاً ما يحدث على أثر الويل الثاني ليس من أسباب الويل فإنه بيان انتصار الكنيسة. ولكن ما يدل على انتصار الكنيسة يدل أيضاً على انكسار أعدائها فعلى قدر ما يكون الأول مجيداً ساراً يكون الآخر هائلاً محزناً.
١٥ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلَةً: قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ص ١٠: ٧ ص ٨: ٢ ص ١٦: ١٧ و١٩: ١ ص ١٢: ١٠ أعمال ٤: ٢٦ مزمور ٢: ٢ دانيال ١٢: ٤٤ و٧: ١٤ و٢٧ ولوقا ١: ٣٣
هذه الآية متعلقة بآخر الأصحاح التاسع وما بينهما كلام معترض. وما بقي من هذا الأصحاح من متعلقات البوق السابع.
فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ كانت هذه الأصوات أدلة على انتهاء سلسلة رؤى حدث مثلها عند فتح الختم السابع وتصويت البوق السابع وسكب الجام السابع (ص ٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨). ولم يبين أصوات من هذه الأصوات فهي إما أصوات الملائكة أو أصوات الأربعة الحيوانات أو أصوات الجنود السماوية الذين يفرحون بإعلان ما كُتم من قضاء الله وأنه على وشك أن يكمل. وما ذُكر يدل على أن تلك الرؤى ليست تواريخ متوالية بل حادثة متكررة تتضح على التوالي بمقتضى العناية الإلهية.
قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ أي إن رئاسة العالم كله صارت في يد الرب والمسيح واعتُبر ملكاً واحداً وإن كل أعداء المسيح وُضعوا تحت قدميه. وهذا تصريح بانتصار الحق والعدل وانكسار الشر. وذُكرت هذه العاقبة المفرحة ولكن لم تُذكر الوسائل لذلك. أتوبة العالم وإيمانه أم غير ذلك وهذا التصريح كالترنم (ص ٧: ٩ - ١١). من جمهور المفديين العظيم والملائكة. وهو تمهيد لترنيمة النصر الأخيرة (ص ١٩: ٦) وهذا ما يتوقع من قول الملاك العظيم «فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ» (ص ١٠: ٧).
١٦ «وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً ٱلْجَالِسُونَ أَمَامَ ٱللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ خَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ».
ص ٤: ٤ و١٠ متّى ١٩: ٢٨
ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً هم نواب المفديين في كل عصر وقد فرحوا بتحققهم بتأسيس ملكوت المسيح إنهم تألموا مع المسيح على الأرض وملكوا حينئذ معه في السماء بدليل قوله «إنهم جلسوا أمام الله على عروشهم كما جلس المسيح على عرشه فشاركوه في المجد والإكرام والسلطان» (ص ٣: ٢١).
١٧ «قَائِلِينَ: نَشْكُرُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ ٱلْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ».
ص ١: ٨ ص ١٩: ٦
في هذه الآية القسم الأول من ترنيمة التسبيح والشكر. وموضوع الشكر هو إن الله أظهر قوته التي كانت له على الدوام. فإنه كان قد سمح لأعدائه أن يقاوموها ولكنه أبى أن يسمح لهم بعده فشكره المفديون على أنه أجاب صلوات قديسيه الذين تحت المذبح (ص ٦: ٩ و١٠) وإن تلك الإجابة كانت بواسطة الأبواق والأحكام المقترنة بها.
١٨ «وَغَضِبَتِ ٱلأُمَمُ فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ».
مزمور ٢: ١ ص ٢٠: ١٢ دانيال ٧: ١٠ ص ١٠: ٧ و١٦: ٦ ص ١٣: ١٦ و١٩: ٥ ومزمور ١٥: ١٣
هذه الآية الجزء الثاني من موضوع ترنيمة الشكر. ذُكر فيه ثلاثة أمور تُوُقع أن تأتي لأن ساعتها قد أتت. وذلك أنباء بسلسلة رؤيا ستأتي.
غَضِبَتِ ٱلأُمَمُ كما في قول المرنم «لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ الخ» (مزمور ٢: ١ - ٣ انظر أيضاً مزمور ٩٨: ١ ورؤيا ١٢: ١٧ و٢٧: ٣ و٩). فإنهم أغضبوا الله قبل ذلك لكنهم زادوا إغضاباً بالله على قدر نجاح ملكوت المسيح. وأشار إلى هذا «الإغضاب» في (ص ٢٠: ٧ - ٩).
فَأَتَى غَضَبُكَ إن غضب الله أشد من غضب الأمم. وهذا الجزء الأول من موضوع الترنم.
وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا أي زمان دينونة الأشرار من الموتى. وهذا الجزء الثاني من موضوع الترنم.
وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ على حسب وعد المسيح في (متّى ١٠: ٤١).
وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ شمل بهذه العبارة كل الكنيسة لأن كل شعب الله أنبياء ينادون بإنجيله في العالم الخاطئ وهم أيضاً قديسون لأنهم موقفون لخدمة الله كالإسرائيليين الحقيقيين وهم أيضاً الخائفون اسمه. وغلب أن يشير الإنجيل بهذا الوصف إلى مؤمني الأمم بالنظر إلى أصلهم ولكن المؤمنين من اليهود والأمم هم واحد بيسوع المسيح.
ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ هم الذين ذُكروا قبلاً لكن ذكرهم هنا باعتبار آخر وهؤلاء عبيد الله المؤمنون الذين يُعطون الأجرة ولكن الأشرار الذين يموتون في خطاياهم يُدانون.
وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ أشار بهذا إلى أحكام الله المتوقع أن تقع عليهم كما في الرؤيا الآتية. هذا الجزء الثالث من مواضيع الترنّم.
١٩ «وَٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ، وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ».
ص ١٥: ٥ و٤: ١ عبرانيين ٩: ٤ ص ٤: ٥ و١٦: ٢١
وَٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ أي قدس الأقداس الذي لم يدخل مثاله في الأرض إلا الحبر الأعظم وكان لا يدخله سوى مرة في السنة. فكأنه انشق حجاب الهيكل ثانية وانفتخ ليبين ماذا كان ملجأ مختاري الله الخفي (ع ١ و٢).
وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ هذا آية محبة الله لشعبه وعلامة حفظه عهده لهم بمقتضى وعده الذي لا يتغير ولا يزول بدليل قوله «فَإِنَّ ٱلْجِبَالَ تَزُولُ وَٱلآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ» (إشعياء ٥٤: ١٠). إن تابوت العهد اختفى منذ سبي بابل وكان رمزاً إلى الرب يسوع المسيح الذي هو «كفارة لنا بالإيمان بدمه» (رومية ٣: ٢٥). وانفتاح الهيكل إشارة إلى كون الطريق لقدوم شعب الله إليه تعالى قد مهدت وإنه لم يبق من مانع من الدخول إلى أقداسه. وأعلن الله بذلك ماذا كانت المساعدة الخفية لشعبه في أيام الضيق لأنه كان في تابوت العهد قسط المن الذي كان رمزاً إلى خبز السماء الذي اقتاتوا به ولوحا الشهادة التي كانت قانون حياتهم وطبعها الروح القدس على قلوبهم (٢كورنثوس ٣: ٢ وعبرانيين ١٠: ١٦). وكان غطاء التابوت إشارة إلى عرش النعمة الذي أتى إليه شعب الله المتعب الثقيل الحمل «فوجد نعمة عوناً له في حينه» (عبرانيين ٤: ١٦). ومعنى العبارة كمعنى قوله «هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ الخ» (ص ٢١: ٣).
وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ الخ قيل مثل هذا في نهاية كل سلسلة من سلاسل الرؤى (ص ٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨). وهي إشارات إلى الأحكام الآتية وبيان إن هيكل الله الذي هو ملجأ لقديسيه هو أيضاً مصدر الهلاك لأعدائه.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
هذا بداءة القسم الرابع من هذا السفر إذا اعتبرنا الرسائل إلى الكنائس السبع القسم الأول. والسبعة الختوم القسم الثاني. والسبعة الأبواق القسم الثالث. وكنا نتوقع أن يكون القسم الرابع هو السبعة الجامات لكنها لم تُذكر إلا في (ص ١٥) فقد ذُكرت فيه «ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ» (ص ١٥: ١). والثلاثة الأصحاحات (أي هذا الأصحاح والاثنان اللذان يليانه) وصف حال الكنيسة وأعدائها الثلاثة العظمى ومحاربتهم إياها ونتيجة ذلك.
١ «وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً».
ع ٣ متّى ٢٤: ٣٠ ص ١١: ١٩ غلاطية ٤: ٢٦ مزمور ١٠٤: ٢ ونشيد الأنشاد ٦: ١٠
وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ استدعت الالتفات إليها وهي بيان إن محل الرؤيا في السماء لا على الأرض.
ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا هذه رمز إلى الكنيسة المكتسية المجد فهي محاطة بالنور من كل جهة تشرق ببهاء ربها. وما قيل هنا موافق لوصف الكنيسة في قوله «مَنْ هِيَ ٱلْمُشْرِفَةُ مِثْلَ ٱلصَّبَاحِ، جَمِيلَةٌ كَٱلْقَمَرِ، طَاهِرَةٌ كَٱلشَّمْسِ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ» (نشيد الأنشاد ٦: ١٠).
وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً «الاثنا عشر» عدد الكنيسة في العهدين القديم والجديد فإنه عدد أسباط إسرائيل وعدد تلاميذ المسيح. و «الإكليل» هنا إكليل النصر. والمراد «بالمرأة» الكنيسة وُصفت بما يناسب طبيعتها وعملها فيجب أن تكون طاهرة هادئة كالنور بدليل قول المسيح «أنتم نور العالم» فهي لم تشر إلى الكنيسة اليهودية وحدها بل تشير إلى الإنجيلية أيضاً لأن الكنيسة ليست سوى واحدة منذ البدء وصفها «بالنور» أنبياء العهد القديم كما وصفها به كتبة العهد الجديد (إشعياء ٤٢: ٦ و٤٩: ٦ و٦٠: ١ و١٩ و٢٠ ومتّى ٥: ١٤ وأفسس ٥: ٨ و١تسالونيكي ٥: ٥ وفيلبي ٢: ١٥).
٢ «وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ».
إشعياء ٢٦: ١٧ و٦٦: ٦ - ٩ وميخا ٤: ٩ و١٠
وُصفت الكنيسة هنا في بعض أحوالها بما يوافق ميلاد المسيح (تكوين ٣: ١٦ وميخا ٤: ١٠ ويوحنا ١٦: ٢١). فإن الكنيسة أتت بنجاة للعالم بآلامها فإن محبة المسيح حصرت رسلها أن يبشروا (٢كورنثوس ٥: ١٤). وهم شبهوا أنفسهم بمن تتمخض لتلد قال الرسول «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩). وعمل الكنيسة هو أن تأتي بالمسيح للناس ولا تكتفي إلا بأنه هو يتصور فيهم فيدركون تعليمه ويحصلون على روحه ويقتفونه ويتمثلون به ويحبونه ويطيعونه حتى يصيروا إلى شبه صورته وهذا لا يكون إلا بآلام الكينسة وإنكارها لنفسها وشدة غيرتها.
٣ «وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ».
ع ١ وص ١٥: ١ ع ٤ و٧ و٩ و١٣ و١٦ وص ١٣: ٢ و٤ و١١ و١٦: ١٣ و٢٠: ٢ إشعياء ٢٧: ١ ص ١٣: ١ و١٧: ٣ و٧ و٩ الخ ص ١٣: ١ و١٧: ١٢ و١٦ ودانيال ٧: ٧ و٢٠ و٢٤ ص ٣: ١ و١٩: ١٢
ظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ هذا يشير إلى قوة عظيمة معادية للكنيسة.
أَحْمَرُ وُصف التنين بلون الدم لأنه قاس سفك دم كثير وسكر من دم القديسين والشهداء (ص ١٧: ٣ و٦ ويوحنا ٨: ٤٤).
لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ يشير العدد السابع إلى كمال الحكمة في إجراء مقاصد التنين الشريرة فهو الحية العتيقة إبليس والشيطان والروح النجس المضطهد للكنيسة في كل العصور وعدو كل بر وكان من «ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ» (يهوذا ٦).
وَعَشَرَةُ قُرُونٍ هذا يشير إلى سلطته على كل أمم الأرض.
وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ هذه التيجان ليست كأكاليل النصر على رأس المرأة بل هي آية الرئاسة قابل هذا بوصف الوحش في (ص ١٧: ٧ - ١٢). وهذا يشبه قول دانيال النبي فإنه شبّه القوات المحاربة لله بالقوة المجموعة في الأربعة الممالك (دانيال ٧: ٣ - ٨) التي تسلطت على الأرض كأنها واحدة. والذي عبّر عنه دانيال «بالأربع الممالك» عبّر عنه يوحنا «بالشيطان» عدو الله العظيم. و «له سبعة رؤوس وعشرة قرون» لكونه رئيس هذا العالم فقد تسلط على تلك الممالك وخلفائها بالنظر إلى ما أظهرت من الجور والخداع والظلم والإثم. والذي يدل على أنه رئيس تلك الممالك ونائبها أن فيه صفات النمر والدب والأسد والحيوان الهائل والقوي التي هي في سفر نبوءة دانيال رموز إلى تلك الممالك. والخلاصة إن التنين كناية عن قوى العالم المجتمعة مدة طويلة لمقاومة شعب الله ومضايقته ومنعه من الاجتهاد في سبيل الصلاح على توالي العصور.
٤ «وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلُثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ».
ص ٨: ٧ و١٢ دانيال ٨: ١٠ متّى ٢: ١٦
ذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلُثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ الخ كثيراً ما ذُكرت «النجوم» في سفر الرؤيا إشارة إلى مشاهير الأرض الذين أعطوا محلاً سامياً ليكونوا إما أنواراً في العالم لتمجيد الله ونفع الناس وإما من قادهم الشيطان إلى الضلال فطُرحوا من مقامهم السامي وصاروا عبيداً للشر (ص ٨: ١٠ - ١٢ ودانيال ٨: ١٠). وجرُّه «ثلث النجوم وطرحها إلى الأرض» علامة قوته الضارة وإن قوته على الشر ليست غير محدودة بل تُحددها قوة أعظم منها. وهذه مبني على ما في (دانيال ٨: ١٠).
وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ الخ كفعل فرعون بالإسرائيليين في مصر (خروج ١: ١٥ - ٢٢). وكثيراً ما عبّر عن فرعون بالتنين (مزمور ٧٤: ١٣ وإشعياء ٢٧: ١ و٥١: ٩) وبالتمساح (حزقيال ٢٩: ٣) وكفعل هيرودس بغية أن يقتل المسيح على أثر ولادته (متّى ٢: ١٣). والشيطان يترقب الفرصة أبداً لكي يزيل كل بداءة خير وصلاح. والقول في التنين هنا مبني على النبوءة الأولى لآدم في شأن العداوة بين نسل المرأة والحية وعلى اجتهاد هيرودس في أن يقتل الطفل يسوع وبغض إبليس للمسيح الذي أظهره في تجربته إياه في البرية ومقاومة الذين هاجموا عليه وخيانة يهوذا الاسخريوطي مسلمه. وانتهى بغضه بتعليقه إياه على الصليب. وغاية الكنيسة إنشاء حياة المسيح في قلوب البشر وغاية الشيطان أن يتلف هذه الحياة حيث نشأت.
٥ «فَوَلَدَتِ ٱبْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ. وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ».
ص ٢: ٢٧ و٢كورنثوس ١٢: ٢
ٱبْناً ذَكَراً قال هذا إيماء إلى قدرته. والقرينة تدل على أن المراد به المسيح. وفي هذا إشارة إلى قول النبي «قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا ٱلْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَراً» (إشعياء ٦٦: ٧).
عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ هذا من قول إشعياء «كراع يرعى قطيعه» (إشعياء ٤٠: ١١). وقول الله بلسان المرنم «أُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ... تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ» (مزمور ٢: ٨ و٩). وقال «يرعاهم بعصاً من حديد» لا بصولجان من ذهب كعادة الملوك إشارة إلى أن سلطانه لا يُقاوم وإنذاراً للأمم التي لا تتوب بهلاك تام. وهذا القول يصدق على المسيح وعلى كل من تظهر فيه حياة المسيح ممن سكن المسيح قلبهم بالإيمان.
وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللهِ وكثيراً ما ذهبت مساعي الشيطان عبثاً. أغرى رئيس هذا العالم اليهود أن يرفضوا المسيح ويصلبوه لكنه لم يكن له سلطان على حياته الإلهية فالمسيح بعد موته وقيامته صعد إلى حيث كان سابقاً. والرؤيا لم تذكر ما حدث له بين ولادته وصعوده. وفائدة هذه الرؤيا إن كل حياة متحدة بحياة المسيح آمنة من غضب الشرير فكل مساعيه في إتلاف الحياة المستترة بالله عبث.
٦ «وَٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَـهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ ٱللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً».
ص ١١: ٣ و١٣: ٥
ٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ اقتصرت الرؤيا هنا على ذكر هرب المرأة وتفصيل نبإها في الآية الرابعة عشرة. والمعنى هنا أنها نجت من مضطهدها. والمراد «بالبرية» المكان الذي يعولها الله فيه وحيث ليس لها من وسائل بشرية إلى ما به قوامها. وهذا يذكرنا هرب إيليا إلى البرية من أمام إيزابل (١ملوك ١٧: ٦ و١٩: ٥) وتجربة المسيح أربعين يوماً في البرية. ولعل في العبارة إشارة إلى هرب إسرائيل من فرعون وتيهه أربعين سنة في البرية يأكل المن الذي من السماء ويشرب الماء الذي من الصخرة (١كورنثوس ١٠: ٣ و٤). ولعل في هربان الكنيسة إلى البرية إشارة إلى مهرب أم المسيح حقيقة إلى مصر من وجه هيرودس. وفحوى هذه الرؤيا إن الكنيسة تكون في البرية كل أيام تأدية شهادتها للمسيح حتى تبلغ كنعان السماوية وإن المسيحيين ليسوا سوى غرباء ونزلاء (عبرانيين ١١: ١٣).
لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ كما عال الغربان إيليا عند نهر كريت (١ملوك ١٧: ٦) والملائكة على طريق حوريب (١ملوك ١٩: ١٥). وهذا على وفق عمل الله لإسرائيل في البرية كما يتبين من قوله «أَطْعَمَكَ ٱلْمَنَّ ٱلَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلاَ عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِيُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ. ثِيَابُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَيْكَ، وَرِجْلُكَ لَمْ تَتَوَرَّمْ هٰذِهِ ٱلأَرْبَعِينَ سَنَةً» (تثنية ٨: ٣ و٤ انظر إرميا ٣١: ١ و٢ وحزقيال ٢٠: ٣٥ وهوشع ٢: ١٤).
أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً هذه مدة نبوءة الشاهدَين وهما لابسان مسوحاً (ص ١١: ٣) ومدة درس الأمم دار الهيكل. وهي اثنان وأربعون شهراً (ص ١١: ٢) ومدة إعالة المرأة في البرية وهي «زمان وزمانين ونصف زمان» (ع ١٤) وهي مدة غلبة العالم ظاهراً للكنيسة. وذلك يفيدنا إن وقت الاضطهاد محدود. وتكون الكنيسة في تلك المدة محفوظة وإن كانت مضطهدة وهي في شديد الخطر. وجل الغاية من هذه الآية بيان المحاربة بين ملكوت النور الذي المسيح رئيسه ومملكة الظلمة التي الشيطان رئيسها وبقاء الكنيسة في البرية تمهيد لذكر المحاربة الآتية.
٧ «وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا ٱلتِّنِّينَ. وَحَارَبَ ٱلتِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ».
ع ٩ ع ٣ متّى ٢٥: ٢
ذُكرت هذه الحروب في كتاب العهد القديم وذُكر فيه إن «مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ ٱلرُّؤَسَاءِ ٱلأَوَّلِينَ» (دانيال ١٠: ١٣) وإنه «رئيس شعب اليهود» (دانيال ١٠: ٢١) وذُكر في العهد الجديد أنه «رئيس الملائكة» (يهوذا ٩). وذُكر في العهد القديم إن الشيطان «مشتك ومجرب» (أيوب ص ١ و٢). وإنه مقاوم ومشتك ليهوشع الكاهن العظيم (زكريا ٣: ١). وفي هذه المحاربة ما لا نفهمه لكن نعلم إن النصر هنا للمسيح. ويدل عليه انتصاره في بيت لحم وأكمة الجلجثة وجبل الزيتون. والغاية من ذكر ميخائيل هنا ليست واضحة. ودُعي «رئيس الملائكة» ولكن لا دليل كاف على أن المراد به المسيح كما ظن كثيرون. فإن لم يكن المراد به المسيح فهو نائبه في محاربة جيوش الشر.
٨ «وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلسَّمَاءِ».
لَمْ يَقْوَوْا أي التنين وملائكته. وهذا نتيجة عمل المسيح الفدائي إن التنين وملائكته طرحوا إلى الأرض ولا يستطيعون بعد ذلك أن يشتكوا على شعب الله في السماء فهو لا يقدر أن يحارب الله إلا بتجربة شعبه على الأرض إلى أن يجيء المسيح ثانية وحينئذ يُقيد إلى الأبد. وأُشير في الإنجيل إلى انتصار المسيح على الشيطان في قول المسيح نفسه «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لوقا ١٠: ١٨). وقوله «حِينَمَا يَحْفَظُ ٱلْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحاً، تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ ٱلْكَامِلَ ٱلَّذِي ٱتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ» وقال المسيح ذلك حين أخرج الشياطين من بعض الناس وأظهر سلطانه عليهم (لوقا ١١: ٢١ و٢٢). وقوله «اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً» (يوحنا ١٢: ٣١). ومثل ذلك قول الرسول إن المسيح اشترك «فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ الخ» (عبرانيين ٢: ١٤ و١٥). والخلاصة إن رئيس الحياة بموته كسر ذاك الذي كان له سلطان الموت.
٩ «فَطُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ، ٱلْحَيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ ٱلْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَٱلشَّيْطَانَ، ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ».
ع ١٥ وص ٢٠: ٢ تكوين ٣: ١ و٢كورنثوس ١١: ٣ متّى ٤: ١٠ و٢٥: ٤١ ص ٢٠: ٣ و٨ و١٠ ص ١٣: ١٤ لوقا ١٠: ١٨ ويوحنا ١٢: ٣١
فَطُرِحَ اقتضى انتصار المسيح انكسار الشيطان إذ لم تستطع قوات الظلمة والشر أن تقف أمام النور والخير. وذُكر عدو المسيح بأربعة أسماء.
- الأول: «التنين العظيم».
- الثاني: الحية التي دخلت جنة عدن بحيلة وجربت أبوينا الأولين (تكوين ص ٣: ١ و٢كورنثوس ١١: ٣) ودُعي بذلك لأنه «يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (١بطرس ٥: ٨).
- الثالث: إبليس وهو معرب ذيافُلُس في اليونانية ومعناه مشتك ومنهم ومغوٍ.
- الرابع: الشيطان وهو معرّب من العبرانية ومعناه الخصم (١أيام ٢١: ١ وزكريا ٣: ١).
ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ لأنه «لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (يوحنا ٨: ٤٤ و١يوحنا ٣: ٨).
طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ هنا إشارة إلى أن قوته انكسرت. وهذا مثل قول المسيح «فَلأَنَّ رَئِيسَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ» (يوحنا ١٦: ١١) وصرّح هنا بطرح الشيطان تعزية للمؤمنين إذ لم يبق له بعد ذلك قوة على أن يسبيهم لإرادته.
١٠ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً قَائِلاً فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱلآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلٰهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلٰهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً».
ص ١١: ١٥ و٧: ١٠ أيوب ١: ١١ و٢: ٥ وزكريا ٣: ١ لوقا ٢٢: ٣١ و١بطرس ٥: ٨
وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً هذا إما صوت الأربعة والعشرين شيخاً الذين هم نواب الكنيسة بدليل قولهم في المؤمنين إنهم «إخوتهم» أو صوت المفديين الذين وصلوا إلى السماء ونالوا الراحة ويفرحون بمن ينتصرون على أثرهم.
ٱلآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلٰهِنَا أي خلاص المؤمنين ونُسب إلى الله لأنه هو مصدره (لوقا ٣: ٦). وقيل هذا على سبيل الرجاء والنبوءة لأنهم تحققوا خلاصهم بعد المحاربة.
وَقُدْرَتُهُ التي بها كسر قوة العدو.
وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ أي مظاهر جلاله ومجده.
لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلٰهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً أي دائماً. والمراد «باشتكائه» ذكر خطاياهم التي هو وجنوده قادوهم إليها.
١١ «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ ٱلْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى ٱلْمَوْتِ».
ص ١٥: ٢ يوحنا ١٦: ٣٣ و١يوحنا ٢: ١٣ ص ٧: ١٤ و٦: ٩ و٢: ١٠ ويوحنا ١٤: ٢٦
وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ ٱلْحَمَلِ علة انتصارهم على الشيطان سفك المسيح دمه الكريم من أجلهم (ص ١: ٥ و٥: ٩ انظر أيضاً ١يوحنا ١: ٧ و٩ و٢: ٢) فهم نالوا المغفرة بواسطة ذلك الدم وبه نُزع من الشيطان سلاح اشتكائه. ولولا الدم ثبت الشكاية عليهم. فقد طُرح الشيطان من السماء «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللهِ» (رومية ٨: ٣٣).
وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ التي قبلوها وصدقوها وشهدوا بها وتألموا من أجلها (٢كورنثوس ٤: ١٣). وبذلك عملوا ما عليهم فانتفعوا بدم الحمل فانتصارهم مبني على شيئين الدم والشهادة فدم المسيح الذي طهّرهم من خطاياهم وهب لهم قوة للجهاد إلى الموت (متّى ١٠: ٣٢ - ٣٤).
وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى ٱلْمَوْت كانت محبتهم للمسيح أقوى من محبتهم لحياتهم فإنه أطاع حتى الموت لأجلهم فسلموا حياتهم من أجله وغلبوا الشيطان بإنكار الذات حتى الموت. والوسائل الثلاث التي غلبوا بها التنين عدو البشر هي الكفارة بدم المسيح وكلمة الله التي آمنوا بها وشهدوا لها وإنكار الذات حتى بذلوا الحياة نفسها من أجل المسيح.
١٢ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً».
مزمور ٦٦: ١١ وإشعياء ٤٤: ١٢ ص ١٣: ٦ و٨: ١٣ ع ٩ ص ١٠: ٦
مِنْ أَجْلِ هٰذَا أي من أجل أن طُرح التنين من السماء.
ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا إن أعضاء الكنيسة في السماء يفرحون مع إخوتهم الذين على الأرض لأن كنيسة واحدة وبحسب أعضاء الكنيسة على الأرض إن السماء وطنهم وإنهم قد قاموا مع المسيح وجلسوا معه في السماويات (أفسس ٢: ٦). فأتوا «إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَإِلَى ٱللهِ دَيَّانِ ٱلْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ» (عبرانيين ١٢: ٢٢ و٢٣). «فالفرح» هنا فرح أهل بيت الله جميعاً. و «الساكنون» هنا ترجمة كلمة يونانية معناها «مخيمون» كما خيمت قديماً كنيسة الله مع الله في البرية. فاعتُبرت الخيمة محل اجتماع الله والإنسان (ص ٧: ١٥ و١٣: ٦ و٢١: ٣).
وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ أي كل الذين ليسوا من ملكوت الله السماوي.
لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ لأنه طُرح من السماء وغلب بقيامة المسيح من الموت وصعوده وانسكاب روحه وعلمه إن ما وقع عليه من الخسارة عربون ما يصيبه من الهلاك فغضبه غضب اليأس.
عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً لأن المسيح آتٍ سريعاً بدليل قوله «ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي» (يوحنا ١٦: ١٦).
١٣، ١٤ «١٣ وَلَمَّا رَأَى ٱلتِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلابْنَ ٱلذَّكَرَ، ١٤ فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَاناً وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ».
ع ٥ خروج ١٩: ٤ ع ٦ تثنية ٣٢: ١١ وإشعياء ٤٠: ٣١ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧
رجع الرسول إلى خبر ما أصاب المرأة الذي ابتدأه في الآية السادسة.
ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلابْنَ ٱلذَّكَرَ كرّر ذكر الولد لتعيين المرأة. قال في الآية السادسة «إن المرأة هربت إلى البرية» وذُكر هنا إن التنين علّة هربها وأبان طريق ذلك الهرب.
فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ أي أعطاها الله ذلك والعبارة مبنية على ما قيل في العهد القديم في هرَب الإسرائيليين من مصر وهو قوله تعالى «أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلنُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ» (خروج ١٩: ٤). وقول موسى في نشيده «كَمَا يُحَرِّكُ ٱلنَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هٰكَذَا ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ ٱقْتَادَهُ (أي اقتاد شعبه) وَلَيْسَ مَعَهُ إِلٰهٌ أَجْنَبِيٌّ» (تثنية ٣٢: ١١ و١٢). وقول داود «مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اَللّٰهُ، فَبَنُو ٱلْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ» (مزمور ٣٦: ٧ انظر أيضاً إشعياء ٤٠: ٣١). ولا إشارة في هذا إلى القوة الرومانية التي شعارها النسر. و «المرأة» هي نور ومنيرة (ع ١) ومبغضة ومضطهدة من ملكوت الظلمة مضطهدة لكنها غير متروكة ومطروحة ولكنها غير هالكة (٢كورنثوس ٤: ٩).
لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ كما هرب الإسرائيليون من مصر حيث عالهم الله بخبز من السماء (تثنية ٨: ٣ و١٦). فاضطهاد التنين للكنيسة وسيلة نيلها بركات لم تنلها لولاه من جناحي النسر والعَول السماوي.
زَمَاناً وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ هذا «اثنان وأربعون شهراً» وألف ومئتان وستون يوماً (ص ١١: ٢ و٣). وقوله «من وجه الحية» متعلق «بتطير». ولا نعلم طول المدة المشار إليها ههنا ولا بداءتها ولكن نعلم إن وقت جهاد الكنيسة على الأرض زمان ضيق وكرب. وهي تكون تلك المدة محفوظة معولة بعناية الله حتى يحق لها أن تقول على الدوام «تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ» (مزمور ٢٣: ٥). وكون العدد المعيّن نصف السبعة العدد الكامل يدل على أن الوقت التي تتضايق فيه الكنيسة في البرية محدود.
١٥ « فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِٱلنَّهْرِ».
هوشع ٥: ١٠ وإشعياء ٥٩: ١٩
فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ يُكنى بالسيول والأنهار والأمواج في الكتاب المقدس عن هيجان الشعوب دون رؤسائهم. فاتضح إن ما في هذه الرؤيا من أمور المرأة يوافق أحوال بني إسرائيل المذكورة في سفر الخروج. فإن كلا منهما سكن البرية والاثنتان والأربعون منزلة المذكورة في سفر العدد (عدد ص ٣٣) لسفر بني إسرائيل على وفق أشهر الثلاث السنين والنصف التي سكنت فيها المرأة في البرية. وما قيل هنا من أن الماء الذي ألقته الحية كنهر موافق لعبور الإسرائيليين إلى الأرض المقدسة ماء البحر الأحمر ونهر الأردن.
فعلينا أن نذكر إن بني إسرائيل في البرية ليسوا هم كنيسة الله الطاهرة بل إن عبيد الله الحقيقيين مخفون فيها كما أن كنيسة المسيح الحقيقية ضمن الكنيسة المنظورة.
فكان للكنيسة أن تقول دائماً «لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا... لَوْلاَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي كَانَ لَنَا عِنْدَ مَا قَامَ ٱلنَّاسُ عَلَيْنَا، إِذاً لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ ٱحْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا، إِذاً لَجَرَفَتْنَا ٱلْمِيَاهُ، لَعَبَرَ ٱلسَّيْلُ عَلَى أَنْفُسِنَا. إِذاً لَعَبَرَتْ عَلَى أَنْفُسِنَا ٱلْمِيَاهُ ٱلطَّامِيَةُ» (مزمور ١٢٤: ١ - ٥). «اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ الخ» (مزمور ١٨: ٤ - ١٦).
١٦ «فَأَعَانَتِ ٱلأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ وَفَتَحَتِ ٱلأَرْضُ فَمَهَا وَٱبْتَلَعَتِ ٱلنَّهْرَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ ٱلتِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ».
فَأَعَانَتِ ٱلأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ وَفَتَحَتِ ٱلأَرْضُ فَمَهَا الخ لا نعلم ما الأرض التي أعانت المرأة. ذهب بعضهم إن القصد بها قوة مادي وفارس التي أنقذت الإسرائيليين من سبي بابل. وذهب بعضهم أنها القوة الرومانية في أول أيام الكنيسة التي أنقذت المسيحيين من اضطهاد اليهود كما ذُكر في (أعمال ١٨: ١٤ - ١٧ و٢١: ٣١ و٢٣: ٢٣ و٢٥: ١٢) أو نجاة المسيحيين بهربهم إلى عبر الأردن أيام خراب أورشليم. أو نجاتهم من الخطر الذي عُرضوا له من الرومانيين يومئذ. أو نجاة الكنيسة في أيام اضطهاد الملوك الرومانيين إياها. أو نجاتها مما أصابها من الأخطار التي نشأت عن المعلمين المفسدين التي كادت تطفئ نورها. أو مما حدث في أثناء الاضطهادات والبدع في الأيام الأخيرة ولكن يكفي أن نعلم أنه في الحرب العظيمة التي سوف تقع بين ابن الله والشيطان لا بد من انتصار المسيح وإن حياة الكنيسة سالمة. ورأى بعضهم أن المراد «بإعانة الأرض للمرأة» هو الحرية في العالم والتقدم في العلم والإنسانية فإن ذلك منع الاضطهادات القاسية التي كانت كثيرة في ما مضى.
١٧ «فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ عَلَى ٱلْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْباً مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ص ١١: ٧ و١٣: ٧ تكوين ٣: ١٥
فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ هذه الآية تبين ما فعله التنين شفاء لغضبه.
مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا أي الأمناء الذين لم يموتوا في الاضطهادات التي جربت عليهم. وهم «القديسون» المذكورون في (ص ١٣: ٧) «والبقية» التي ذكر بولس أنها «إسرائيل الحقيقي» (رومية ٩: ٢٧ و١١: ٥) وهم من في قوله «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ» (ص ٣: ٤) وهم «نسل باركه الرب» (إشعياء ٦١: ٩).
غاية هذا الأصحاح إظهار الكنيسة في مجدها بالنظر إلى كونها نوراً ومنيرة ومضطهدة ووصف عدوها الأول أي الشيطان.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
كان من الواجب أن تكون الجملة الأولى من الآية الأولى من هذا الأصحاح الجملة الأخيرة من الأصحاح السابق.
١ «ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ ٱلْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشاً طَالِعاً مِنَ ٱلْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ ٱسْمُ تَجْدِيفٍ».
ع ١٤ و١٥ وص ١٥: ٢ و١٦: ١٣ و١١: ٧ و١٧: ٣ دانيال ٧: ٨ و١١: ٣٦
وَقَفْتُ وفي بعض النسخ المكتشفة حديثاً «وقف» أي وقف التنين ينتظر صعود الوحش إجابة لطلبه. وفي هذا الأصحاح وُصف اثنان من أعداء الكنيسة الكبار وإنهما ساعدا التنين (أي الشيطان) على محاربة المسيح والحق.
فَرَأَيْتُ وَحْشاً طَالِعاً مِنَ ٱلْبَحْرِ يُستعار البحر في الأسفار النبوية إلى جمهور أشرار العالم في كونها مضطربة وكثيرة كأمواجه. وهذا مثل قول إشعياء «أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً» (إشعياء ٥٧: ٢٠). وقول الملاك ليوحنا «ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ... هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ» (ص ١٧: ١٥). وصعد الوحش من البحر لأنه مملكته. وهذه الرؤيا تشبه رؤيا دانيال وهي ما في قوله «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤْيَايَ لَيْلاً وَإِذَا بِأَرْبَعِ رِيَاحِ ٱلسَّمَاءِ هَجَمَتْ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ» (دانيال ٧: ٢). والذي رآه دانيال هو أربعة حيوانات مختلفة الصفات وكان للوحش الذي رآه يوحنا كل صفات هذه الأربعة وهي مجموعة فيه وعُبر عنه «بالوحش» إشارة إلى قوة قاسية مكروهة كل الكره وإنه شرس مهلك. وما عُبر عنه «بالحيوان» في هذا السفر عكسه وأنه قوة شريفة روحية محبوبة مكرمة. والذي بينه وبين الوحش كل المباينة هو الخروف أي المسيح. والوحش أيضاً كناية عن كل قوة عالمية تتسلط على الناس بالإخافة والإجبار لا بالمحبة والحق.
لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ كالتنين في (ص ١٢: ٣ فانظر التفسير).
وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ هذا يدل على أن القرون ملوك وممالك وهو على قول السفر نفسه «اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ (أي ممالك) وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ... وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ» (ص ١٧: ٩ - ١٢). وفي نبوءة دانيال إن القرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك (دانيال ٧: ٢٤). فالقرون ممالك مختلفة ولكن روحها واحد وهو روح الوحش.
وَعَلَى رُؤُوسِهِ ٱسْمُ تَجْدِيفٍ أي إن الأشياء التي سمى الملوك أنفسهم بها مما يختص بالله وحده. فكتب كلام التجديف على تلك القرون كما كُتب على عمامة الحبر الأعظم «قدس للرب» فهم كملك بابل القائل «أَلَيْسَتْ هٰذِهِ بَابِلَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي بَنَيْتُهَا لِبَيْتِ ٱلْمُلْكِ بِقُوَّةِ ٱقْتِدَارِي وَلِجَلاَلِ مَجْدِي» (دانيال ٤: ٣٠).
٢ «وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ، وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ، وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ. وَأَعْطَاهُ ٱلتِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَاناً عَظِيماً».
دانيال ٧: ٤ و٥ و٦ هوشع ١٣: ٧ ع ٤ و١٢ ص ١٢: ٣ و٢: ١٣ و١٦: ١٠
وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ... وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ هذا برهان على أن الوحش يشير إلى القوة المشار إليها بأربعة الممالك التي ذُكرت في (دانيال ٧: ٤ - ٧) فإنها اجتمعت فيها صفات النمر والدب والأسد وجُمعت في قوة الوحش قوات الممالك المشار إليها بتلك الحيوانات.
وَأَعْطَاهُ ٱلتِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَاناً عَظِيماً وهو ما عرضه الشيطان على المسيح يوم التجربة ورفض المسيح أن يأخذه منه قبله الوحش فيظهر من هذا إن الوحش نائب الشيطان وآلته. فاستخدمه رئيس هذا العالم ليحارب المسيح وكنيسته. فإذاً نعلم من وصف هذا الوحش هنا وفي (ص ١٧) إنه يشير إلى قوات العالم وممالكه السياسية التي كانت بالتتابع تضطهد الكنيسة بأمر التنين فهي دنيوية متكبرة محبة للرئاسة مبغضة لله. وخلاصة التعليم في نبإ الوحش إن العددين «السبعة» و «العشرة» رمزيان لا حقيقيان يشيران إلى الكمال والتنوع. وإن ملك الوحش عام وإن قرونه تشير إلى الدول المتوالية لا إلى ملوك معينة (ص ١٧: ١٠). و «سبعة رؤوس الوحش» هي سبعة وجوه لقوة العالم الشرير و «قرونه» تشير إلى قوته (ص ٥: ٦ و١٧: ١٢). وهذا الوحش يتظاهر بشبه المسيح رئيس الكنيسة وهو نائب قوة خفية أخذ سلطانه التنين وتظاهر بأنه يشبه المسيح بموته وقيامته (ع ٣) وإنه بتعجب الناس منه وعبادتهم إياه وباجتماع مبادئ الظلمة له والبغض للحق كما جمع المسيح في نفسه مبادئ النور والحق فإذاً ليس هو دولة قوية خاصة ولا ملك بعينه بل قوة العالم الممثلة بصورة الوحش وهي مضادة لله تختار العالميات بدلاً من الروحيات والمنظورات بدلاً من غير المنظور والزمنيات بدلاً من الأبديات.
وفي هذه القوة قال بولس «نَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ» (١كورنثوس ٢: ١٢ و١٣). وفيها قال يعقوب «أَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْعَالَمِ عَدَاوَةٌ لِلّٰهِ» (يعقوب ٤: ٤). وقال يوحنا «لاَ تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ وَلاَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ ٱلْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ ٱلآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي ٱلْعَالَمِ شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ ٱلْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ ٱلآبِ بَلْ مِنَ ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٢: ١٥ و١٦). وقال المسيح «رَئِيسَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ». وقال في صلاته لأبيه «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. لَيْسُوا مِنَ ٱلْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١٤: ٣٠ و١٧: ١٥ و١٦). وقال بولس «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ» (أفسس ٦: ١٢).
٣ «وَرَأَيْتُ وَاحِداً مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ وَرَاءَ ٱلْوَحْشِ».
ع ١٢ و١٤ ص ١٧: ٨
في هذا شبه لموت المسيح وقيامته. ظن بعضهم معنى ذلك إن قوة العالم ضعفت عند موت المسيح لأن «نسل المرأة حينئذ سحق رأس الحية» لكنه لم يضر وقتئذ «كل ممالك العالم مملكة للرب يسوع المسيح» وبقي العالم يقاوم الله ويضطهد الكنيسة. وذهب بعضهم إن الإشارة في ذلك إلى سقوط المملكة الرومانية الوثنية وإنها تجددت تحت أسماء جديدة وادعى ملوكها أنهم مسيحيون.
٤ «وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلسُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: مَنْ هُوَ مِثْلُ ٱلْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟».
ص ١٨: ١٨ وخروج ١٥: ١١ وإشعياء ٤٦: ٥
كان شفاء الجرح المميت علة أمرين الأول تعجب الناس والثاني العبادة للوحش وللتنين. فإن الناس يعتبرون القوة والنجاح أكثر مما يعتبرون الحق. والكلمات التي عظموا بها الوحش هي من كلام التسابيح المقدمة لله. قابل كلمات تعظيم الوحش بكلمات تمجيد الله في قول النبي ميخا «من هو إله مثلك الخ» (ميخا ٧: ١٨).
٥ «وَأُعْطِيَ فَماً يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ، وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً أَنْ يَفْعَلَ ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً».
دانيال ٧: ٨ و١١ و٢٥ و١١: ٣٦ ص ١١: ٢ و٢تسالونيكي ٢: ٦
ما قيل في هذه الآية يدل على أن قوة الوحش مكتسبة لا أصلية أي إن الله سمح له أن يستعملها زمناً يسيراً. وهذا يذكرنا قول المسيح لبيلاطس «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ ٱلْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ» (يوحنا ١٩: ١١).
ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً مدة كون الكنيسة في البرية مضطهدة (ص ١٢: ٦) أي جهادها واحتمالها الاضطهاد.
٦ «فَفَتَحَ فَمَهُ بِٱلتَّجْدِيفِ عَلَى ٱللهِ، لِيُجَدِّفَ عَلَى ٱسْمِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ وَعَلَى ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ».
ص ١٢: ١٢ و٧: ١٥
أي ينسب إلى الوحش ما يحق لله وحده فيكون ذلك احتقاراً لكلام الله الذي يُعلن صفات الله وأعماله ومحاربة لكنيسته وقديسيه وملائكته.
٧ «وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْباً مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ».
ص ١١: ٧ و٥: ٩
سمح الله للوحش بذلك امتحاناً لإيمان الكنيسة.
وَيَغْلِبَهُمْ بأن يقتل من لا يسجد له.
وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ الخ هذا يدل على اتساع ملكه وهو مثل قول دانيال في وصف القرن الصغير «وَإِذَا هٰذَا ٱلْقَرْنُ يُحَارِبُ ٱلْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ» (دانيال ٧: ٢١).
٨ «فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ ٱلَّذِي ذُبِحَ».
ع ١٢ و١٤ و٣: ١٠ و٥ ص ١٧: ٨ متّى ٢٥: ٣٤ وص ٥: ٦
يَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً... فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ ٱلَّذِي ذُبِحَ يظهر من هذا أن امتحان المؤمنين يكون شديداً إلى حد أن لا يكون حفظهم إلا باختيار الله. وذُكر «سفر الحياة» في (ص ٣: ٥) ووصف بأنه «سفر حياة الخروف الذي ذُبح» وسمي «سفر الحياة» في (ص ٢١: ٢٧). وهذا دليل على أن علّة خلاص المفديين ليست أعمالهم الصالحة بل تكفير المسيح لخطاياهم بدمه. وإن خلاص كل المؤمنين حتى قديسي العهد القديم متوقف على المسيح ومحبة الله منذ الأزل. فاختيارهم سبق وجودهم فأكد خلاصهم كما قيل في (متّى ٢٤: ٢٤). فالمختارون يُمتحنون ولكنهم لا يرتدون ولولا دم المسيح المستَند عليه بالإيمان لم يكن ذلك الاختيار. ولولا مخلصهم القدير ما أمكنهم أن يحاربوا ذلك العدو المخيف ولكنهم بموتهم يغلبون.
٩ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ!».
ص ٢: ٧
هذا تنبيه للقارئ أن يتلفت إلى ما يأتي ويستعد له.
١٠ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْياً فَإِلَى ٱلسَّبْيِ يَذْهَبُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِٱلسَّيْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِٱلسَّيْفِ. هُنَا صَبْرُ ٱلْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ».
إشعياء ٣٣ وإرميا ١٥: ٢ و٤٣: ١١ تكوين ٩: ٦ ومتّى ٢٦: ٥٢ ص ١١: ١٨ عبرانيين ٦: ١٢ وص ١٤: ١٢
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْياً فَإِلَى ٱلسَّبْيِ يَذْهَبُ هذا مثل قول النبي إرميا «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱلَّذِينَ لِلْمَوْتِ فَإِلَى ٱلْمَوْتِ، وَٱلَّذِينَ لِلسَّيْفِ فَإِلَى ٱلسَّيْفِ، وَٱلَّذِينَ لِلْجُوعِ فَإِلَى ٱلْجُوعِ، وَٱلَّذِينَ لِلسَّبْيِ فَإِلَى ٱلسَّبْيِ» (إرميا ١٥: ٢ انظر أيضاً إرميا ٤٣: ١١ وزكريا ١١: ٩). وهذا يشير إما إلى آلام القديسين بالسبي والموت بالسيف وإن لا سبيل لهم إلا أن يحتملوها بالصبر أو إلى النقمة التي تأتي من الله على مضطهديهم وإن الكيل الذي به كالوا لشعب الله يكيل الله لهم به.
هُنَا صَبْرُ ٱلْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ أي إن الله يجرب بهذا الاضطهاد صبر مختاريه وإيمانهم (ص ١٤: ١٢ و١كورنثوس ٤: ٩) ذهب بعضهم إن هذا تحذير للمسيحيين من أن يحاربوا أعداءهم بمثل أسلحة الأعداء لأن انتصارهم ليس بأسلحة مادية بل بأسلحة روحية كالإيمان والصبر فعليهم أن يحملوا ضيقاتهم كما حمل المسيح صليبه متذكرين قوله «ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متّى ٢٦: ٥٢).
١١ «ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشاً آخَرَ طَالِعاً مِنَ ٱلأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ».
ع ١ و١٤ وص ١٦: ١٣ دانيال ٨: ٣ ع ٤
في هذه الآية وما يليها إلى الأية السابعة عشرة وصف الوحش الثاني الذي هو عدو لشعب الله وهو الثالث من الأعداء الثلاثة العظمى.
ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشاً آخَرَ طَالِعاً مِنَ ٱلأَرْضِ طبيعة هذا العدو كطبيعة العدو السابق لأنه ليس سوى وحش مفترس يبغض الله ويضر كنيسته. وخرج لا كالأول من البحر الذي هو كناية عن اضطراب الأمم بل من الأرض التي هي كناية عن متمدني الناس المنتظمين انتظاماً دينياً.
كَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ تظاهر بأنه حليم لطيف كالخروف وله قرنان فقط كما للخروف الحقيقي فإنه يتشبه بالمسيح «الخروف الواقف على جبل صهيون» (ص ١٤: ١).
وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ أظهر بكلامه وأعماله الفظة القاسية طبيعته الحقيقية. إن المسيح حذّر تلاميذه من «ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْكَذَبَةِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ٱلْحُمْلاَنِ، وَلٰكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ» (متّى ٧: ١٥). وحذّر بولس شيوخ أفسس من أن يدخل بينهم بعد ذهابه «ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى ٱلرَّعِيَّةِ» (أعمال ٢٠: ٢٩).
إن الوحش الأول لم يتكلم ولكن هذا تكلم لكي يخدع السامعين ولذلك دُعي أيضاً النبي الكذاب (ص ١٩: ٢٠) على نحو قول المعمدان «ٱلَّذِي مِنَ ٱلأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ ٱلأَرْضِ يَتَكَلَّمُ» (يوحنا ٣: ٣١). وقول المسيح في الشيطان إنه «يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (يوحنا ٨: ٤٤).
١٢ «وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ ٱلْوَحْشِ ٱلأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ ٱلأَوَّلِ ٱلَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ».
ع ١٤ وص ١٩: ٢٠ ع ٨ و١٥ وص ١٤: ١٢ و١٦: ٢ و١٩: ٢٠ و٤٠: ٢ ع ٣
وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ ٱلْوَحْشِ ٱلأَوَّلِ أَمَامَهُ فإذاً لم يكن هذا الوحش خليفة الوحش الأول بل خادمه. وخدمته له دينية بدليل أعماله لأنه أجبر الناس على أن يسجدوا للوحش وإنه صنع للوحش صورة وأوجب على الناس أن يسجدوا لها وإن لم يسجدوا يُقتلوا. ويتضح من هذا إن الوحش الثاني يشير إلى قوة دينية كهنوتية كنسيّة.
١٣، ١٤ «١٣ وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَاراً تَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى ٱلأَرْضِ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، ١٤ وَيُضِلُّ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ بِٱلآيَاتِ ٱلَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ ٱلْوَحْشِ، قَائِلاً لِلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ ٱلَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ ٱلسَّيْفِ وَعَاشَ».
ص ١٩: ٢٠ و١٦: ١٤ ومتّى ٢٤: ٢٤ ص ٢٠: ٩ و١ملوك ١٨: ٣٨ ولوقا ٩: ٥٤ ص ١١: ٥ و١٢: ٩ و٢تسالونيكي ٢: ٩
وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَاراً تَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كما صنع إيليا على جبل الكرمل (١ملوك ص ١٨) وكما صنع الشاهدان (ص ١١: ٥). وأشار يوحنا بهذا إلى الآيات الكاذبة التي صنعها الكهنة في كل عصر ليخدعوا الناس بحيلهم. ولهذا قال المسيح «سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً» (متّى ٢٤: ٢٤). وحذّر موسى الإسرائيليين من مثل هؤلاء المضلين بقوله «إذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْماً، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً وَلَوْ حَدَثَتِ ٱلآيَةُ أَوِ ٱلأُعْجُوبَةُ ٱلَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذٰلِكَ ٱلنَّبِيِّ أَوِ ٱلْحَالِمِ ذٰلِكَ ٱلْحُلْمَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِيَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ» (تثنية ١٣: ١ - ٣). وقال بولس لأهل تسالونيكي في «إنسان الخطية» «ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ» (٢تسالونيكي ٢: ٩ و١٠). وهذا يشير إلى المعجزات التي ادّعاها كهنة الوثنية في عصر الرومانيين الوثنيين وغيرهم في العصور المسيحية.
١٥ «وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحاً لِصُورَةِ ٱلْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ ٱلْوَحْشِ وَيَجْعَلَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ ٱلْوَحْشِ يُقْتَلُونَ».
دانيال ٣: ٣
وَيَجْعَلَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ ٱلْوَحْشِ يُقْتَلُونَ إنه في أيام اضطهاد الوثنيين المسيحيين امتُحن المسيحيون بأن أُجبروا على أن يسجدوا لصورة الأمبراطور الحقيقية. وما قيل هنا من جعل الوحش الثاني صورة الوحش الأول تتكلم مثال للعجائب الكاذبة الكثيرة التي صنعها الكهنة لامتحان شعب الله.
١٦ «وَيَجْعَلَ ٱلْجَمِيعَ: ٱلصِّغَارَ وَٱلْكِبَارَ، وَٱلأَغْنِيَاءَ وَٱلْفُقَرَاءَ، وَٱلأَحْرَارَ وَٱلْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَـهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ ٱلْيُمْنَى أَوْ عَلَى جِبْهَتِهِمْ».
ص ١١: ١٨ و١٩: ٥ و١٨ص ١٤: ٩ و٢٠: ٤ غلاطية ٦: ١٧ وص ٧: ٣
تُصْنَعُ لَـهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ ٱلْيُمْنَى أَوْ عَلَى جِبْهَتِهِمْ كما ختم عبيد الله على جباههم (ص ٧: ٣ و٢٢: ٤) خُتم أعوان الشر. والأرجح إن ذلك لم يرد به علامة محسوسة بل أريد به صفات مطابقة لصفات الوحش ومطاليبه. وكانوا يعينون العبيد بوسمهم. وإشارة إلى هذه العادة قال بولس «لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» (غلاطية ٦: ١٧).
١٧ «وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ إِلاَّ مَنْ لَهُ ٱلسِّمَةُ أَوِ ٱسْمُ ٱلْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ ٱسْمِهِ».
ص ١٤: ٩ و٢٠: ٤ غلاطية ٦: ١٧ وص ٧: ٣ و١٤: ١١ و١٥: ٣
أشار بذلك إلى حرم الذين لم يوافقوا الوحش على رأيه من الحقوق المدنية والإنسانية.
١٨ «هُنَا ٱلْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسِبْ عَدَدَ ٱلْوَحْشِ فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ».
ص ١٧: ٩ ص ٢١: ١٧
هُنَا ٱلْحِكْمَةُ أي هنا شيء تحتاج معرفته إلى الحكمة.
سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ في الأصل اليوناني ثلاثة أحرف معناها ست مئة وستة وستون وهي χξς وليست هذه الأحرف كلمة تفيد معنى بل كل منها يشير إلى عدد فالحرف الأول من اليسار إلى اليمين يشير إلى العدد ستمئة والحرف الثاني إلى ستين والحرف الثالث إلى ستة والثلاثة معاً تشير إلى ٦٦٦ ولا يخفى إن الأرقام الهندية المستعملة اليوم في الحساب هي من القرن الرابع عشر وكان القدماء يكتبون الأعداد بألفاظ أو يعبرون عنها بالأحرف الهجائية ويقول البعض إن المشار إليه بالعدد ستمئة وستة وستون هو نيرون القيصر الذي كان أمبراطوراً في أيام بولس الأخيرة واشتهر لقساوته ومقاومته للمسيحيين وفي طبعه وأعماله كان مثل وحش. ويبنون رأيهم على أن الأحرف العبرانية التي تجتمع في اللفظتين نيرون القيصر تنطبق على العدد ٦٦٦ لأن كل حرف يفيد عدداً وإذا جُمعت هذه الأعداء يكون المجموع ٦٦٦ والاعتراض على هذا الرأي هو أنه مبني على الأحرف العبرانية مع أن اللغة اليونانية هي لغة العهد الجديد.
ويقول غيرهم إن الاسم المشار إليه هو لاتينوس أي المملكة الرومانية بالإجمال ويبنون رأيهم على أن الأحرف اليونانية المركبة منها كلمة لاتينوس إذا جُمعت أعدادها يبلغ مجموعها العدد ٦٦٦ وهذا الرأي أفضل من الأول بما أنه يستعمل أحرفاً يونانية وليس عبرانية. والكلمة لاتينوس تشير إلى نيرون وغيره من ملوك رومية الذين تكلموا باللغة اللاتينية وتشير أيضاً إلى القوة الروحية التي كانت تضطهد أي الكنيسة اللاتينية التي تستعمل اللغة اللاتينية إلى اليوم.
ويقول آخرون إن الأحرف اليونانية الثلاثة المذكورة هي أحرف صفيرية كحرف السين في الألفاظ العربية ستمئة وستة وستون فتشير إلى صوت الحية أي إبليس (ص ٢٠: ٢) والحرف المتوسط من الأحرف اليونانية الثلاثة المذكورة أي ξ يشبه الحية المتلوية.
ويقول غيرهم إن العدد سبعة هو عدد الكمال والقداسة والعدد ستة قريب من السبعة ولكنه أدنى منه والمعنى أنه مهما أظهر إبليس من القوة والحكمة ومهما نجح في عمله وإن يكن عدده ليس ستة فقط بل ثلاث ستات أي ٦٦٦ لا يصل إلى درجة الكمال ولا ينجح في عمله بل يغلبه الخروف أي المسيح. ها ما قصدنا بيانه ملخصاً والله أعلم.
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
تكلم الرسول في الأصحاح الثاني عشر على عدو الكنيسة الجهنمي الكبير الشيطان الذي هو أصل كل الشر وعلى الوحشين اللذين ساعداه على إبادة القداسة والدين الروحي. وكنى بالوحش الأول عن قوة العالم الدولية أو رئيس هذا العالم الذي أعطاه التنين سلطانه. وبالوحش الثاني عن القوة الكنسية أو الكهنوتية التي استخدمت القوة السياسية لاضطهاد شعب الله وإهلاكه على وفق قول الرسول «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ» (أفسس ٦: ١٢).
وتكلم في هذا الأصحاح على ناصري الكنيسة ومستنديها. عرفنا مما سبق ما يتعلق بالتنين ومساعديه وما لهم من القوة. ورأينا في هذه الأصحاح «الخروف» رأس الكنيسة وأتباعه. وغاية هذه الرؤيا تقوية الكنيسة وتعزيتها في الضيقات.
١ «ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا حَمَلٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً، لَهُمُ ٱسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوباً عَلَى جِبَاهِهِمْ».
ص ٥: ٦ ومزمور ٢: ٦ وعبرانيين ١٢: ٢٢ ع ٣ وص ٧: ٤ وص ٣: ١٢ وص ٧: ٣
حَمَلٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ جبل صهيون كناية عن مركز كنيسة الله الحقيقية وعبادته الحقيقية. وجبل صهيون الحقيقي تل بني عليه هيكل أورشليم على وفق قوله تعالى بفم المرنم «أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي» (مزمور ٢: ٦). وقول المرنم نفسه «رَنِّمُوا لِلرَّبِّ ٱلسَّاكِنِ فِي صِهْيَوْنَ» (مزمور ٩: ١١) وقوله «ٱذْكُرْ جَبَلَ صِهْيَوْنَ هٰذَا ٱلَّذِي سَكَنْتَ فِيهِ» (مزمور ٧٤: ٢). وقوله «ٱخْتَارَ سِبْطَ يَهُوذَا جَبَلَ صِهْيَوْنَ ٱلَّذِي أَحَبَّهُ» (مزمور ٧٨: ٦٨). وكان ذلك الجبل يُعتبر مصدر الخلاص (مزمور ١٤: ٧). والمكان الذي اشتهاه الرب مسكناً له وسماه «محل راحة إلى الأبد» (مزمور ١٣٢: ١٣ - ١٨) وقال إشعياء «مَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ» (إشعياء ٣٥: ١٠) وقال الرسول «قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَإِلَى ٱللهِ دَيَّانِ ٱلْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عبرانيين ١٢: ٢٢ - ٢٤). وصهيون هي التي حاربها الوحش وهناك يقف الخروف الذي ذُبح وقام (ص ٥: ٦) وهو آمن مطمئن.
وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً هم الذين ذُكروا في (ص ٧: ٤) بدليل إنهم مختومون وإنهم مع الخروف وهم إسرائيل الحقيقي جنود المسيح وعبيده الأمناء (انظر تفسير ص ٧: ٤) وعددهم يشير إلى كمال مقدارهم. وهؤلاء مختارو الله ظهروا مع المسيح في صهيون السماوية. كما ظهر الجنود الإسرائيليون في صهيون الأرضية (١أيام ١٣: ٥).
ٱسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوباً عَلَى جِبَاهِهِمْ كما ذُكر في (ص ٧: ٤) وهم أبكار الكنيسة ومنتخبوها وذُكروا تمهيداً لبيان عملهم في المناداة بالإنجيل البشارة الأبدية وأمانتهم في احتمال الاضطهادات. وكون «اسم أبيه مكتوباً على جباههم» آية أنهم أولاد الله وخاصته (ص ٧: ٢ و٣ و٢٢: ٧ ورومية ١٤: ٨) وفي هذا نفسه بيان إن المسيح ابن الله.
٢ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ. وَسَمِعْتُ صَوْتاً كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِٱلْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ».
ص ١: ١٥ ص ٦: ١ ص ٥: ٨
وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ لا من جبل صهيون حيث هم واقفون على ما في الرؤيا. ولم يُنسب هذا الصوت إلى المئة والأربعة والأربعين ألفاً فإنه أتى من فوق من السماء وهو ما يُسمع أبداً في حضرة الله وهو إيقاع الملائكة الأبرار والقديسين الممجدين والخليقة المفدية.
كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ (ص ٤: ٥ و١١: ١٩). هذا صوت قوة وابتهاج.
كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِٱلْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ كما قيل إنها في أيدي الحيوانات الأربعة والأربعة والعشرين شيخاً (ص ٥: ٨ و٩). وهذا الترنم ترنم الشكر والحمد شهادة للمسيح. وهو يذكرنا قول المرنم «قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ ٱللهِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَعِزّاً. قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ ٱسْمِهِ. ٱسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْمِيَاهِ الخ» (مزمور ٢٩).
٣ «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ ٱلتَّرْنِيمَةَ إِلاَّ ٱلْمِئَةُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلأَرْبَعُونَ أَلْفاً ٱلَّذِينَ ٱشْتُرُوا مِنَ ٱلأَرْض».
ص ٥: ٩ ص ٤: ٤ - ٦ ص ٢: ١٧
وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أي الضاربون بالقيثارات في حضرة الله يترنمون الخ. وتلك الترنيمة هي تسبيح الملائكة والخليقة المفدية وترنيمة الكنيسة خصوصاً لأن موضوعها الحقائق التي لا يعرفها إلا المفديون الصادرة عن أفراح لا يشعر بها غيرهم.
أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ فإذاً كان الترنم ترنم كل جنود السماء وسمع الترنيمة المئة والأربعة والأربعون ألفاً الواقفون على جبل صهيون.
وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ ٱلتَّرْنِيمَةَ إِلاَّ ٱلْمِئَةُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلأَرْبَعُونَ أَلْفاً أي لم يتعلمها إلا الأطهار لأنها ترنيمة سماوية لا يقدر أن يشترك فيها أحد من عبيد الشهوات الجسدية. فأهل الشر لا يستطيعون أن يسمعوها ولا أن يترنموا بها. وهي توافق «الاسم الجديد» في (ص ٢: ١٧ انظر مزمور ١٣٧: ٣ و٤ و١كورنثوس ٢: ٩).
ٱلَّذِينَ ٱشْتُرُوا مِنَ ٱلأَرْض (إشعياء ٥١: ١١) هذا كقوله «اشتُروا من بين الناس» (ع ٤) باعتبار كونهم «من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة» (ص ٧: ٩).
٤، ٥ «٤ هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ ٱلنِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ يَتْبَعُونَ ٱلْحَمَلَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هٰؤُلاَءِ ٱشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ ٱلنَّاسِ بَاكُورَةً لِلّٰهِ وَلِلْحَمَلِ. ٥ وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ ٱللهِ».
متّى ١٩: ١٢ ص ٣: ٤ و٢كورنثوس ١١: ٢ وأفسس ٥: ٢٧ ص ٧: ١٧ ص ٣: ٤ و١٧: ١٤ يعقوب ١: ١٨ عبرانيين ١٢: ٢٣ صفنيا ٣: ١٣ مزمور ٣٢: ٢ وملاخي ٢: ٦ ويوحنا ١: ٤٧ و١بطرس ٢: ٢٢ يهوذا ٢٤ عبرانيين ٩: ١٤ و١بطرس ١: ١٩
هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ ٱلنِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ هذا يبين أنهم ممتازون بصفة روحية وهذا كقول بولس الرسول «خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ١١: ٢). وقول المسيح «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللهَ» (متّى ٥: ٨). وهم كالولد الصغير الذي أقامه المسيح في وسط تلاميذه وقال لهم على أثر ذلك «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ ٱلأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٨: ٣). وهم الذين وقفوا أنفسهم للمسيح واتخذوه رباً وسيداً لهم ولم يخونوه. فليس من إشارة هنا إلى أنهم لم يتزوجوا إذ هم كناية عن كل شعب الله. والزيجة لست منافية للطهارة إذا حُفظ القانون الذي وضعه الرسول لها وهو أن يُحب المسيح أكثر من الزوج (١كورنثوس ٧: ٢٩). وإذا حملناه على منع الزيجة خالف كثيراً من أقوال الكتاب فيها (انظر ١كورنثوس ٧: ٢ - ١٧ و١تيموثاوس ٤: ٣ وعبرانيين ١٣: ٤) وحُرم بطرس من دخول الملكوت السماوي لأنه كان متزوجاً (متّى ٨: ١٤).
هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ يَتْبَعُونَ ٱلْحَمَلَ حَيْثُمَا ذَهَبَ هذا يدل على طاعتهم الكاملة للمسيح ولا سيما قوله «مَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (متّى ١٠: ٣٨ انظر أيضاً متّى ٢٠: ٢٢ ولوقا ١٤: ٢٧ ويوحنا ١٢: ٢٤ - ٢٦). وهم يتبعون المسيح باعتبار أنه مرشدهم وقدوتهم وإنه قائدهم في الجهاد الروحي وعمل الصلاح ويتبعونه في سبيل حمل صليب الآلام ويموتون معه ثم يقومون معه ويملكون معه. ويطيعون المسيح بأن يتبعوه في الفرج والضيق وفي الاضطهاد والانتصار. والذين يتبعونه على الأرض يقودهم إلى ينابيع حيّة سماوية (ص ٧: ١٧).
ٱشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ ٱلنَّاسِ بَاكُورَةً لِلّٰهِ وَلِلْحَمَلِ (انظر تفسير ص ٥: ٩) وهذا يدل على مقامهم ووقفهم أنفسهم لله وعلى أنهم «جِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ» (١بطرس ٢: ٩ انظر تيطس ٢: ١٤). ومعنى كونهم «باكورة» إنهم مختارون من كل خليقة الله. ويؤيد ذلك قول المسيح «فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا» (متّى ٢٤: ٣١). وقول يعقوب «شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ ٱلْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ» (يعقوب ١: ١٨). كانت باكورة الحصاد وقفاً لله دليلاً على أن له الكل. كذا كان إسرائيل بين الأمم (تثنية ٧: ٦) ثم صار المسيحيون كذلك (رومية ١١: ١٦ و١٦: ٥ و١كورنثوس ١٥: ٢ و١٦: ١٥).
وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ هذه الصفة الرابعة من صفات المختارين ومعناه أنه لا شيء من طبيعتهم ولا من أعمالهم ولا من أقوالهم ما ينافي الحق على بساطته على وفق قول المرنم «يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟ ٱلسَّالِكُ بِٱلْكَمَالِ، وَٱلْعَامِلُ ٱلْحَقَّ، وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ. ٱلَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ» (مزمور ١٥: ١ - ٣ انظر ١يوحنا ٢: ٤ و٢١ ورؤيا ٢١: ٢٧). فكانوا بذلك مثل المسيح الذي «لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (١بطرس ٢: ٢٢).
لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ ٱللهِ كالمسيح رئيسهم وقائدهم (١بطرس ١: ١٩). فهم قدموا لله بيد المسيح الذي يسر الله به أبداً (ص ٧: ١٤ و١٥ وأفسس ٥: ٢٧ وكولوسي ١: ٢٢). وُصف المؤمنون بتلك الصفات التي في (ع ١ - ٥) تنشيطاً لهم للأمانة في أثناء الاضطهادات واستعداداً للمناداة بالبشارة الأبدية.
٦ «ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَائِراً فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِيُبَشِّرَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ».
ص ٨: ١٣ ص ١٠: ٧ و١بطرس ١: ٢٥ ص ٣: ١٠ و٥: ٩
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الثالثة عشرة ذكر ثلاثة ملائكة أنبأوا بما يأتي ونادوا بغبطة الموتى في الرب.
رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ أي غير الملائكة الذين مرّ ذكرهم.
طَائِراً فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ لكي يراه كل قبائل الأرض (ص ٨: ١٣).
مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ نعت الإنجيل بكونه «بشارة أبدية» لأنه كلام ذاك الذي هو «منذ الأزل وإلى الأبد» فامتاز عن أعداء الله الذين يأتي هلاكهم بغتة. قال المسيح «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (متّى ٢٤: ٣٥). ومواعيد الإنجيل وإنذاراته لا تتغير. وكان الإنجيل «بشارة» لكونه أنباء بأن الله يحب العالم وإنه أعد له وسائل الخلاص وإن جعل لهم فرصة للتوبة ونيل الخلاص. ويبقى بشارة وأن أنبأ بخطيئة الإنسان والعقاب الذي وجب عليه من أجلها لأنه أعلن ذلك ليتمسك الخاطئ بالمسيح المخلص. والظاهر إن «البشارة» هنا مقصورة على ذكر الأحكام التي تأتي على العالم (ع ٧).
لِيُبَشِّرَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ كما قال المسيح «وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي ٱلْمُنْتَهَى» (متّى ٢٤: ١٤). والذي يكون بشارة لشعب الله يكون إنذاراً لأعدائه.
وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ ذكر أربعة أقسام من الناس إشارة إلى الكل حسب مصطلح الرؤيا في عدد الأربعة. فالبشارة على قدر الذين كانوا تحت سلطة الوحش (ص ١٣: ٧).
٧ «قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: خَافُوا ٱللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْداً، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ. وَٱسْجُدُوا لِصَانِعِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ».
ص ١٥: ٤ و١١: ١٣ و٤: ١١ و٨: ١٠
قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: خَافُوا ٱللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْداً هذا يجب أن يكون نتيجة البشارة الأبدية لأن الناس يحتاجون إلى الانتباه من غفلتهم (١بطرس ٣: ١٤ و١٥). فالدعوة إلى التوبة جزء عظيم من الإنجيل (متّى ٤: ١٧ و١تسالونيكي ١: ٩). وتقديم لمجد الله واجب على كل خليقته بدليل قول المرنم «قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ ٱلشُّعُوبِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَقُوَّةً. قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ ٱسْمِهِ» (مزمور ٩٦: ٧ و٨). ومخافة الرب هنا تقابل مخافة الوحش.
لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ عبر هنا عن المستقبل بصيغة الماضي تأكيداً لتحقق وقوع الدينونة وتلك الدينونة هي التي بها الله يسحق عالم الفجار (ص ١١: ١٨). وآية قرب يوم الدينونة إنها على أثر المناداة بالإنجيل على مقتضى قول المسيح «يُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ... ثُمَّ يَأْتِي ٱلْمُنْتَهَى» (متّى ٢٤: ١٤) فإذاً لا بد من هذا الاستعداد قبل مجيئه. وهذه «الدينونة» يجريها الله على كل الذين لا يخافونه ولا يعطونه مجده فهو يمجّد نفسه بأن يعاقب الذي لا يمجدونه اختياراً.
وَٱسْجُدُوا لِصَانِعِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ أي اعتزلوا عبادة التماثيل والآلهة الباطلة «واعبدوا الإله الحي. ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا» (أعمال ١٤: ١٥) فإنه قادر على أن يطفئ أنوار السماء (ص ٨: ١٢) ويجعل الأرض قفراً بالنار والبرَد (ص ٨: ٧) ويحوّل مياهها إلى دم (ص ٨: ٨ و٩) ويجعل ثلث المياه أفسنتيناً (ص ٨: ١٠ و١١) وإنه يخالف طبيعته أن يأذن في إعطاء مجده لغيره.
٨ «ثُمَّ تَبِعَهُ مَلاَكٌ آخَرُ قَائِلاً: سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا».
إشعياء ٢١: ٩ وإرميا ٥١: ٨ وص ١٨: ٢ وإشعياء ٢١: ٩ وإرميا ٥١: ٨ ص ١٦: ١٩ و١٧: ٥ و١٨: ١٠ دانيال ٤: ٣٠ إرميا ٥١: ٧ ص ١٨: ٢ و١٧: ٢ و٤
في هذه الآية إنذار بدينونة بابل وفيها بشارة خاصة للكنيسة بسقوط عدو الكنيسة العظيم المضطهد. فكما كانت أورشليم رمزاً إلى ملكوت السماء (غلاطية ٤: ٢٦) كانت بابل رمزاً إلى قوة العالم الشرير ومركز سلطانه. وعُبّر في العهد القديم عن القوات الدنيوية الحاضرة بأسماء الممالك القديمة.
إن المناداة بالإنجيل لا تزال نحفر تحت أُسس حصن القوات العالمية لكي تسقطها فالإنجيل كان علّة سقوط رومية الوثنية التي كانت في عصر يوحنا بمنزلة بابل. فهو علّة تقدّم الحرية السياسية في العالم وهو اليوم يسعى في إسقاط الكنيسة الباباوية على قدر مضايقتها لتعليمه ومشابهتها لبابل القديمة.
سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ على نحو ما في (ص ١٦: ١٩ و١٨: ٢١). وقول إشعياء «سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا ٱلْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ» (إشعياء ٢١: ٩). فبابل لا تنحصر في مملكة واحدة ولا في عصر واحد بل هي حيث يدّعي الناس السلطة على عقائد البشر أو عبادتهم مما يختص بالله وكلمته. وسيأتي الكلام على سقوط بابل بالتفصيل في (ص ١٦: ١٩ وص ١٧ وص ١٨). وعبّر عن المستقبل بصيغة الماضي لتيقنه وقوع ذلك سريعاً.
لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا هذا مثل قول النبي «بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ ٱلرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ ٱلأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ ٱلشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ جُنَّتِ ٱلشُّعُوبُ. سَقَطَتْ بَابِلُ بَغْتَةً وَتَحَطَّمَتْ» (إرميا ٥١: ٧ و٨ انظر أيضاً حبقوق ٢: ١٥ و١٦). أشار بذلك إلى إثمها وعقابها وشقائها ودناءتها وخزيها وأمثال ذلك مما نتج عن تعليمها الفاسد وعبادتها الباطلة التي بها أسكرت الشعوب وسممتها. وهذا الكلام مبني على ما ارتكبه الوثنيون قديماً من أنهم شربوا المسكرات في ولائمهم المقترنة بعبادة آلهتهم ليهيجوا غيرتهم لعبادة التماثيل وشهواتهم الجسدية.
٩، ١٠ «٩ ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جِبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، ١٠ فَهُوَ أَيْضاً سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ ٱللهِ ٱلْمَصْبُوبِ صِرْفاً فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ».
ع ١١ ص ١٣: ١٢ و١٤ و١٦ و١٦: ١٩ و١٩: ١٥ وإشعياء ٥١: ١٧ وإرميا ٢٥: ١٥ و٢٧ ص ١٨: ٦ ومزمور ٧٥: ٨ ص ١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و١٤ و٢١: ٨ ومزمور ٣٨: ٢٢ و٢تسالونيكي ١: ٨ مرقس ٨: ٣٨
ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ في هذه الآية وما بعدها إلى الآية الثانية عشرة أنباء بدينونة كل الذين سجدوا للوحش ولصورته على ما ذُكر في (ص ١٣: ١٥).
فَهُوَ أَيْضاً سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ ٱللهِ العقاب من جنس الذنب فكما أنهم شربوا من خمر زنا بابل سيشربون من خمر غضب الله (ع ٨).
ٱلْمَصْبُوبِ صِرْفاً فِي كَأْسِ غَضَبِهِ ذُكرت كأس غضب الله في (مزمور ٧٥: ٨ وإرميا ٢٥: ١٥ - ٣٩). اعتاد الناس أن يمزجوا الخمر بالماء في ولائمهم ليُضعفوا تأثيرها ولكن قيل هنا إن الأشرار «يشربون كأس غضب الله صرفاً» أي غير ممزوجة لمضي أيام الشفقة والرحمة. ولا شيء يُضعف شديد عقاب الله.
وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ كما عذّب سدوم وعمورة (تكوين ١٩: ٢٤). ورُمز «بالنار والكبريت» في العهد القديم إلى العقاب الشديد (مزمور ١١: ٦ وإشعياء ٣٤: ٩ و١٠).
أَمَامَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ كما جاء في (ص ٢٠: ١٠). وهذا مبني على قول إشعياء (إشعياء ٦٦: ٢٣ و٢٤) اعتُبر هنا «الملائكة» و «القديسون» إنهم أجروا ذلك العقاب على وفق قول بولس الرسول «عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ» (٢تسالونيكي ١: ٧ - ٩).
١١ «وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ ٱسْمِهِ».
ص ١٨: ٩ و١٨ و١٩: ٣ وإشعياء ٣٤: ٨ - ١٠
وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ كسدوم وعمورة. قال موسى «تَطَلَّعَ (إبراهيم) نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ ٱلدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ ٱلأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ» (تكوين ١٩: ٢٨ انظر أيضاً ص ١٩: ٣ وإشعياء ٣٤: ١٠). فعذابهم عذاب جهنمي (ص ١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و٢١: ٨).
وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً من العذاب. فتلك الدينونة شديدة لأنها دينونة خطأة خطئوا عمداً واختياراً فأحبوا الخطيئة وتمسكوا بها كما أحب الشهداء المسيح والتصقوا به. فيظهر الله محبته للقداسة بإظهاره بغضه للخطيئة وبعقابه الخطأة وبغيرته أن يستأصل الخطيئة من ملكوته.
١٢ «هُنَا صَبْرُ ٱلْقِدِّيسِينَ. هُنَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ».
ص ١٣: ١٠ ص ١٢: ١٧ ص ٢: ١٣
هُنَا صَبْرُ ٱلْقِدِّيسِينَ أي دعوتهم إلى أن يحتملوا بالصبر والثبات الاضطهادات التي تقع عليهم. فغاية هذه الرؤيا تقوية إيمان القديسين وإعدادهم لاحتمال الامتحان.
ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ أي الإيمان الذي موضوعه يسوع. والذي يحث شعب الله على حفظ وصاياه والإيمان به هو مشاهدتهم الأحكام الجارية على الذين سجدوا للوحش وقبلوا سمته كما في (ص ١٣: ١٠).
١٣ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لِي: ٱكْتُبْ. طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلآنَ نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُـهُمْ تَتْبَعُهُمْ».
ص ٢٠: ٦ و١كورنثوس ١٥: ١٨ و١تسالونيكي ٤: ١٦ ص ١١: ١٨ ص ٢: ٧ و٢٢: ١٧ ص ٦: ١١ وعبرانيين ٤: ٩ و١تيموثاوس ٥: ٢٥
سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لِي: ٱكْتُبْ لم يذكر صوت من هذا لكن الأمر بالكتابة يدل على أنه صوت الملاك الذي أعلن هذه الرؤيا ليوحنا (ص ١: ١ و٤: ١).
طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ ذكر صبر القديسين في الآية السابقة يشير إلى مَن هذه الغبطة وهم الذين ماتوا مؤمنين بالمسيح وحافظين وصاياه واحتملوا الاضطهاد حتى الموت فأنبأ بسعادتهم. فإذاً لا يشير إلى من ماتوا في راحة واطمئنان وأمن بل إلى الذين ماتوا موت الشهداء أو الذين استعدوا لأن يموتوا كذلك إذا اقتضت الحال. والأمر بالكتابة ذكر اثنتي عشرة مرة في هذا السفر والغاية منه بيان أهمية ما أمر بكتابته. وأهمية ذلك هنا التعزية الخاصة لكل الذين يسمعون هذا الوعد أو يقرأونه في كل عصور الكنيسة بخلاف حال عبَدَة الوحش الذين لا يستريحون ليلاً ونهاراً (ع ١١). و «الموت في الرب» هو مثل موت المسيح مع الاتكال عليه.
مُنْذُ ٱلآنَ لم يتضح لماذا قال هذا لأنه يستلزم إن غبطتهم تكون أعظم من غبطة ممن سبقهم. ولعل علة ذلك كون حصاد العالم على وشك أن يُجمع ومعصرة الله أن تُداس. وعلى أثر ذلك تبتدئ سعادة الموتى في الرب الكاملة ويتم عدد إخوتهم الذين سيقتلون مثلهم (ص ٦: ١١).
نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ إن الروح القدس يصدّق إنهم مغبوطون ويُظهر علّة غبطتهم.
لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ هذه الغبطة «للمئة والأربعة والأربعين ألفاً» الذين هم نواب كل الكنيسة فإنهم يستريحون من المشقات التي احتملوها في خدمة المسيح والشدائد التي آلمتهم لا من مجرد أتعاب الخدمة المسيحية. كانت حياتهم حياة بلاء ومحنة واضطهاد وانتهت بموتهم فنالوا الراحة الأبدية.
وَأَعْمَالُـهُمْ تَتْبَعُهُمْ أي تلك الأعمال تشهد بحسن سجاياهم وسيرتهم المسيحية وبغيرتهم في خدمة المسيح وصبرهم على احتمال الآلام من أجله. وهذا يُظهر أنهم كانوا مستعدين لهذه الراحة فهم لا يفقدون شيئاً مما فعلوا ومما احتملوا فكل ذلك يلاقونه هنالك أنه يُذكر ويُثاب عليه في المنازل الأبدية.
١٤ «ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى ٱلسَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ».
متّى ١٧: ٥ ص ١: ١٣ و٦: ٢ مزمور ٢١: ٣
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الآية السادسة عشرة رؤيا الحصاد العظيم.
وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ ذُكرت هذه السحابة أيضاً في (ع ١٦) وهي كناية عن الطهارة والمجد (دانيال ٧: ١٣ ومتّى ٢٤: ٣٠ و٢٦: ٦٤).
وَعَلَى ٱلسَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ لا بد من أنه رأى صورته عينها مطابقة لقوله «هوذا يأتي مع السحاب» (ص ١: ٧) وقول المسيح نفسه «حِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متّى ٢٤: ٣٠).
لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ آية ودليل على مقامه الملكي وانتصاره على أعدائه (ص ١٩: ١٢). فهو «ملك الملوك ورب الأرباب» (ص ١٩: ١٦) وإليه سُلم كل الدينونة.
فِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ على وفق قوله «وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ ٱلثَّمَرُ فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ ٱلْمِنْجَلَ لأَنَّ ٱلْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ» (مرقس ٤: ٢٩).
١٥ «وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلسَّحَابَةِ: أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَٱحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ ٱلسَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ ٱلأَرْضِ».
ع ١٧ وص ١٥: ٦ و١٦: ١٧ و١١: ١٩ ع ١٨ ومرقس ٤: ٢٩ ويوئيل ٣: ١٣ متّى ١٣: ٣٩ - ٤١ إرميا ٥١: ٣٣
وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ أي من حضرة الله وهو مرسل منه فله حق أن يوصي المسيح بما يأتي (يوحنا ٥: ٢٧) والله وحده يعلم ساعة الحصاد (مرقس ١٣: ٣٢ وأعمال ١: ٧).
أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَٱحْصُدْ إن المسيح رب الحصاد (متّى ٩: ٣٨). اختلف المفسرون في أنه أَحصاد نفوس الأبرار هذا وهو المشار إليه في (متّى ٩: ٣٨ و١٣: ٣٨ و٣٩ ومرقس ٤: ٢٩ ويوحنا ٤: ٣٥) أم حصاد الغضب والانتقام من أعداء الله وكنيسته وهو المشار إليه في (إشعياء ٢٧: ١١ ويوئيل ٢٣: ١ و١٣). والمرجّح أنه جمع نفوس الأبرار للسعادة حسب وعد المسيح «إِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ» (يوحنا ١٤: ٣) وجمع الأشرار للدينونة في المعصرة.
لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ ٱلسَّاعَةُ لِلْحَصَادِ أي الساعة التي تتوقف على مشيئة الآب وعلمه (مرقس ١٣: ٣٢).
إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ ٱلأَرْضِ أي أعدّ تمام الإعداد ليُجمع.
١٦ «فَأَلْقَى ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلسَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَحُصِدَتِ ٱلأَرْضُ».
أي فعل المسيح كما طلب الله بفم الملاك وجمع مختاريه على وفق قوله في (مرقس ٤: ٣ و١٣: ٢٧).
١٧ «ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضاً مِنْجَلٌ حَادٌّ».
ع ١٧ وص ١٥: ٦ و١٦: ١٧
ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاءِ أي من أمام حضرة الله حيث تصدر أحكامه (ص ١١: ١٩).
مَعَهُ أَيْضاً مِنْجَلٌ حَادٌّ كالمنجل الذي في يد المسيح.
١٨ «وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلنَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخاً عَظِيماً إِلَى ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْمِنْجَلُ ٱلْحَادُّ، قَائِلاً: أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ ٱلْحَادَّ وَٱقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضَجَ».
ص ٦: ٩ و٨: ٣ ص ١٦: ٨ يوئيل ٣: ١٣
خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ حيث تصعد صلوات القديسين مع بخور كثير (ص ٨: ٣). وحيث تصرخ أنفس الشهداء «حتى متى يا رب الخ» (ص ٧: ٩ و١٠) ومن هناك أُخذت النار والرماد المرشوش على الأرض علامة الدينونة الآتية عليها (ص ٨: ٥).
لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلنَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخاً عَظِيماً إِلَى ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْمِنْجَلُ ٱلْحَادُّ الخ هذا يشير إلى جمع الأشرار للعقاب. والتابع لهذه الآية إلى الآية العشرين يوافق الخمس الآيات الأخيرة من الأصحاح التاسع عشر.
١٩، ٢٠ «١٩ فَأَلْقَى ٱلْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ إِلَى ٱلأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ ٱلأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ ٱللهِ ٱلْعَظِيمَةِ. ٢٠ وَدِيسَتِ ٱلْمِعْصَرَةُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ ٱلْمِعْصَرَةُ حَتَّى إِلَى لُجُمِ ٱلْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ».
ص ١٩: ١٥ إشعياء ٦٣: ٢ ومرقس ١١: ١٥ عبرانيين ١٣: ١٢ وص ١١: ٨ تكوين ٤٩: ١١ وتثنية ٣٢: ١٤
مَعْصَرَةِ غَضَبِ ٱللهِ ٱلْعَظِيمَةِ هذا كناية عن انتقام الله من الأشرار فإن عصر العنب الأحمر يشبه سفك الدم ويشير إلى إهلاك أعداء الله على وفق قول النبي «مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هٰذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. لأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ» (إشعياء ٦٣: ١ - ٤).
وَدِيسَتِ ٱلْمِعْصَرَةُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ جرياً على عادة أن تكون المعاصر خارج المدن (انظر مرقس ١١: ١٥).
فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ ٱلْمِعْصَرَةُ حَتَّى إِلَى لُجُمِ ٱلْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ منظر بحر من الدم لا تقل مساحته عن مئتي ميل مربع وعمقه من لجم الخيل إلى الأرض يشير إلى إهلاك أعداء الله مخيف جداً.
وهذا يوافق قوله في المسيح أنه «يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ ٱللهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (ص ١٩: ١٥). وهذه الدينونة تأتي على كل شعوب الأرض وتوافق قول المسيح في آخر مثل الزوان (متّى ١٣: ٤٠ و٤١). ومثل الشبكة الملقاة في البحر (متّى ١٣: ٤٩ و٥٠). ولا نعلم المراد من العدد المذكور هنا إلا أنه يشير إلى اتساع النقمة وكمالها وهولها.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
في هذا الأصحاح ذكر الضربات السبع في الآية الأولى وتفصيلها في الأصحاح التالي أي السادس عشر. وذكرت أولاً تمهيداً لسكب الجامات وترنيمة القديسين النصرية للانتصار على الوحش وإتيان السبعة الملائكة وإعطائهم السبعة الجامات. وعدد السبعة هنا يشير إلى الكمال كما في الرؤيا السابقة. وسلسلة الجامات ليست تابعة لسلسلة الختوم السبعة والأبواق السبعة بل هي معاصرة لها ومعناها كمعنى ما سبق في الختوم والأبواق لكن تخالفه في الأسلوب. وفي رؤيا الجامات رؤييان استعداديتان لها الأولى من (ع ٢ - ٤) والأخرى من (ع ٥ - ٨).
١ «ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ».
ص ١٢: ١ و٣ ص ١٦: ١ و٢١: ٩ ص ١٤: ١٠
رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ غير الختوم السبعة والأبواق السبعة. وفي هذه الآية مختصر الرؤيا المفصلة في الأصحاح التالي.
سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ظهر الملائكة أولاً ثم ذُكر أنهم أخذوا الجامات المشتملة على تلك الضربات (ع ٦). وهذه «الضربات» تذكرنا العشر الضربات التي وقعت على مصر وأُعلن بها عجز سحرة مصر وآلانهم. وهذه الضربات لم تُرسل لتقود الناس إلى التوبة بل لقصاص الذين أبو التوبة والرجوع إلى الله.
ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ أي قبل الدينونة الأخيرة فكل الضربات انتهت بخراب بابل ثم ذُكر على أثر ذلك إتيان الرب (ص ١٩: ١١).
٢ « وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ ٱسْمِهِ وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱللهِ».
ص ٤: ٦ و٢١: ١٨ متّى ٣: ١١ ص ١٣: ١٥ - ١٧ ص ٥: ٨ و١٤: ٢
وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ إن قضاء الله البار الحبي صاف ونقي كالبلور وغضبه على الخطيئة كلهيب نار. وهذا «البحر» هو الذي ذُكر في (ص ٤: ٤) فانظر تفسير ذلك. والدليل على كونه إياه حضور «الأربعة الحيوانات» في كليهما. والاختلاف الوحيد إنه قيل إن هذا «مختلط بنار» وهذا إشارة إلى كون الرؤيا رؤيا دينونة الأشرار وهي «النار» التي ذُكرت في (ص ١٤: ١٨).
وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِه هم المنتصرون في محاربتهم للوحش فقد غلبوا التجربة أن يسجدوا لصورته ويتخذوا سمته التي هي عدد اسمه (ص ١٣: ١٧ و١٨).
وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلزُّجَاجِيِّ أو على شاطئه كما وقف بنو إسرائيل على شاطئ البحر الأحمر وترنموا بترنيمة النصر ونجاتهم من فرعون وجيشه (خروج ١٥: ١).
مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱلله أدوات الحمد المعيّنة لعبادة الله السماوية (ص ٥: ٨ و١٤: ٢).
٣ «وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللهِ وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ».
خروج ١٥: ١ يشوع ٢٣: ٥ عبرانيين ٣: ٥ ص ٥: ٩ - ١٢ تثنية ٣٢: ٣ ومزمور ١١١: ٢ و١٣٩: ١٤ وهوشع ١٤: ٩ ص ١: ٨ أيوب ١: ٧
وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللهِ فرتلوا علاوة على ضربهم بالقيثارات. وترنيمهم كترنيمة موسى وبني إسرائيل لما نجوا من فرعون ومياه البحر الأحمر (خروج ١٥: ١ - ١٩). وكان فرعون وجيشه رمزاً لأعداء الكنيسة كلها. ودُعي موسى «عبد الله» في (خروج ١٤: ٣١ وعدد ١٢: ٧ ويشوع ٢٢: ٥ وعبرانيين ٣: ٥).
وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ «ترنيمة موسى» و «ترنيمة الخروف» ليستا ترنيمتين إنما هي ترنيمة واحدة فهي تدل على تمام الاتحاد بين كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد. فترنيمة الانتصار التي ترنم بها الإسرائيليون ترنم بها المسيحيون لأنهم كلهم أعضاء كنيسة واحدة جامعة. و «ترنيمة موسى» هي «ترنيمة الخروف» لأن موسى كان نائب النظام القديم والخروف هو شمس النظام الجديد ومركزه. فترنيمة الانتصار المذكورة هنا جمعت كل ترانيم الانتصار بين شعب الله في كل العصور. ففيها حمد الله على كسر قوات العالم المضادة له تعالى. وحمد الخروف هو موضوع إنجيله ولا سيما موضوع هذا السفر والخروف هو محور تاريخ العالم ونصرته نصرة كل شعبه (ص ١٢: ١١). وهم يترنمون لأنه وضع ترنيمة جديدة في أفواههم (أفسس ١: ١٠ وفيلبي ٢: ١٠ و١١).
قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ هذا مثل قول داود في (مزمور ١١٠: ٢ و١٣٨: ٤) والأعمال المذكورة هنا أعمال بر الله وحقه وقداسته وعدله في إجراء النقمة على أعدائه.
أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الخ وهذا مثل ما في (مزمور ١١٩: ١٤٢ و١٤٠: ١٧ وتثنية ٣٢: ٤).
٤ «مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ».
ص ١٤: ٧ وإرميا ١: ٧ مزمور ٨٦: ٩ إشعياء ٦٦: ٢٣ ص ١٩: ٨
هذا مثل ما في (إرميا ١٠: ٧). وذكر الله متسلطاً على الأمم موافق لهذه الترنيمة لأن موضوعها انتقام الله من الأمم وإخضاعه إياهم تحت قدميه. و «سجود الأمم» المذكور هنا سجود الخوف والرهبة لا سجود الإيمان والمحبة. و «الأحكام» هنا نشر البشارة الأبدية وإهلاك أعداء الله.
٥ «ثُمَّ بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا قَدِ ٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ ٱلشَّهَادَةِ فِي ٱلسَّمَاءِ».
عدد ١: ٥٠ وص ١١: ١٩ وخروج ٣٥: ٢١ عبرانيين ٨: ٥ وص ١٣: ٦
ٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ ٱلشَّهَادَةِ ذكر هذه الخيمة استفانوس في خطابه يوم استشهاده فقال «خَيْمَةُ ٱلشَّهَادَةِ كَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ» (أعمال ٧: ٤٤). وسُميّت كذلك لأنه كان فيها التابوت ولوحا الشريعة وكان التابوت شهادة دائمة بحضور الله في شعبه وكان لوحا الشريعة شهادة بقداسة الله وعدله. وذُكر قبلاً انفتاح الهيكل ومشاهدة ما فيه (ص ١١: ١٩) ورؤيا يوحنا حينئذ تابوت عهد الله الذي هو إشارة إلى نعمة الله ورحمته. والفرق بين الرؤيين إن الأولى كانت لبيان رحمة الله وحفظه لعهده وهذه لبيان عدل الله في انتقامه.
٦ «وَخَرَجَتِ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ».
ص ١٤: ١٥ ع ١ حزقيال ٢٨: ١٣ ص ١: ١٣
مِنَ ٱلْهَيْكَلِ أي من حضرة الله.
وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ الخ لباسهم لباس الكهنة وهم يخدمون في الهيكل أو في الخيمة. فكانت أثوابهم كأثواب المسيح باعتبار كونه رئيس كهنة لشعبه (ص ١: ١٣). وهذا يذكرنا قول إشعياء «كَسَانِي رِدَاءَ ٱلْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا» (إشعياء ٦١: ١٠). والضربات المذكورة هنا ليست مثل ضربات السبعة الأبواق التي كانت تدعو الناس إلى التوبة لأن التي هنا تأتي على الذين كفروا بالنعمة ورفضوا الحجر الذي عيّنه الله رأساً لزاوية كنيسته فأرسل عليهم بدل البركات التي رفضوها الضربات المذكورة هنا. فهؤلاء الملائكة يجرون عمل المسيح لأنهم لابسون ثيابه (ص ١: ١٣) وخرجوا ليفعلوا ما أمر هو به (ص ١٩: ٨).
٧ «وَوَاحِدٌ مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى ٱلسَّبْعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ سَبْعَةَ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَمْلُوَّةٍ مِنْ غَضَبِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ص ٤: ٨ و٤: ٩ و٥: ٨ و١٤: ١٠
وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى هؤلاء وكلاء الخليقة المفديّة وما أتاه هذا الحيوان يدل على أن الخليقة تقر بأن ما يأتي من الأحكام هو على مقتضى العدل.
سَبْعَةَ جَامَاتٍ هذه الجامات كالجامات التي كانت تُستعمل للبخور في الخيمة والهيكل (٢أيام ٥: ٢٢) وقد امتلأت بآيات غضب الله.
٨ «وَٱمْتَلأَ ٱلْهَيْكَلُ دُخَاناً مِنْ مَجْدِ ٱللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْهَيْكَلَ حَتَّى كَمَلَتْ سَبْعُ ضَرَبَاتِ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ».
خروج ١٩: ١٨ وإشعياء ٦: ٤ خروج ٤٠: ٣٤ ولاويين ١٦: ٢ و١ملوك ٨: ١ و٢ و٢أيام ٥: ١٣
وَٱمْتَلأَ ٱلْهَيْكَلُ دُخَاناً مِنْ مَجْدِ ٱللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ قال إشعياء وهو يشاهد في الرؤيا مجد الله في الهيكل «ٱهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ ٱلْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ ٱلصَّارِخِ، وَٱمْتَلأَ ٱلْبَيْتُ دُخَاناً» (إشعياء ٦: ٤). وحين أعطى الله الشريعة على طور سينا «كَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِٱلنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ» (خروج ١٩: ١٨).
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْهَيْكَلَ كما كان من شأن خيمة الاجتماع في البرية على ما في قوله «ثُمَّ غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ. فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ ٱلاجْتِمَاعِ» (خروج ٤٠: ٣٤ و٣٥). وكذا كان في وقت تدشين هيكل سليمان فلم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب «لأَنَّ مَجْدَ ٱلرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ» (١ملوك ٨: ١١). ومنع الدخول إلى الهيكل منَعَ من تقديم الشفاعة عن المذنبين ومن الالتجاء إليه. وكل أسلوب هذه الرؤيا مخيف فآياتها آيات الانتقام بلا رحمة لأنه قد مضى وقت إنذار الذين رفضوا الإنذار وتم قول الله «دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَٱلزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ» (أمثال ١: ٢٤ - ٢٧).
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
في هذا الأصحاح ذكر سكب السبع جامات.
١ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلْهَيْكَلِ قَائِلاً لِلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ: ٱمْضُوا وَٱسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ ٱللهِ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ع ٢ الخ ومزمور ٧٩: ٦ وإرميا ١: ٢٥ وحزقيال ٢٢: ٣١ وصفنيا ٣: ٨
هذا صوت الله يأمر بسكب الجامات.
٢ «فَمَضَى ٱلأَوَّلُ وَسَكَبَ جَامَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيَّةٌ عَلَى ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ بِهِمْ سِمَةُ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِصُورَتِهِ».
ص ٨: ٧ خروج ٩ إلى ١١ وتثنية ٢٨: ٣٥ ص ٣: ١٧ و١٤: ٩
فَمَضَى ٱلأَوَّلُ وَسَكَبَ جَامَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ سُكبت كل الجامات على الأرض كما قيل في (ع ١) فمعنى «الأرض» هنا اليابسة فلا أحد يعرف ما المقصود بكل من «الأرض» و «البحر» و «الأنهر» و «الينابيع» و «الشمس» فعلينا أن نكتفي بالنظر إلى تأثير الضربات العام.
فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ الخ هذه الضربة كالضربة السادسة من ضربات مصر (خروج ٩: ٨ - ١١) وكانت مصر رمزاً إلى قوة العالم الدنيوية المضطهدة وضرباتها رموزاً إلى النوازل التي أنزلها الله على الناس انتقاماً منهم على خطاياهم. وتشير هذه الضربة إلى اضطراب روحي وعقلي معاً مما يقلق راحة الناس ويطرد السلام من مساكنهم وهي تشبه نتيجة «البوق الأول» (ص ٨: ٧) في أنها وقعت على الأرض فقط ولكنها أشد منها لأن تلك أصابت ثلث الأرض فقط وهذه عمّت الأرض كلها وتلك أصابت الشجر والعشب وهذه أصابت الناس.
٣ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّانِي جَامَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ، فَصَارَ دَماً كَدَمِ مَيِّتٍ. وَكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ مَاتَتْ فِي ٱلْبَحْرِ».
ص ٨: ٨ خروج ٧: ١٧ - ٢١ ص ١١: ٦
هذه الضربة تشبه ضربة مصر الأولى (خروج ٧: ٢٠ انظر أيضاً رؤيا ٨: ٨ و٩). وعبر «بالبحر» هنا عن الهيئة الاجتماعية فمنه خرج الوحش (ص ١٣: ١). ومصير «البحر كدم ميت» يدل على تأثير في سلوك الناس يفسد أعمالهم ويكون ذلك التأثير مكروهاً ومميتاً. وتأثير الجام الثاني يشبه تأثير البوق الثاني (ص ٨: ٨ و٩) إلا أن ذلك وقع على «ثلث البحر» فقط وهذا على «البحر كله» وهو أشد مكروهية على قدر ما يزيد كره دم الميت على دم غيره.
٤ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّالِثُ جَامَهُ عَلَى ٱلأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ، فَصَارَتْ دَماً».
ص ٨: ١٠ خروج ٧: ١٧ - ٢٠ ص ١١: ٦
سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّالِثُ الخ تأثير هذه الضربة في الأنهار والينابيع الجارية إلى البحر كالتأثير في البحر نفسه فكانت مفسدة ومكروهة. ولعل هذه «الأنهار» و «الينابيع» تشير إلى آراء الناس وأميالهم وإنها تفسد فيُفسد الناس فيصيرون كالمجانين في طلب الغنى واللذّات والخيرات الجسدية وتصير مبادئ العلم والأشعار والتخيلات والصناعات الجميلة دنيئة مضرة بآداب الناس وسعاداتهم. فنتيجة الجام الثالث شر من نتيجة البوق الثالث فإن تلك الضربة وقعت على الأنهر وينابيع الماء فجعلتها أفسنتيناً وهذه جعلتها دماً.
٥ «وَسَمِعْتُ مَلاَكَ ٱلْمِيَاهِ يَقُولُ: عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هٰكَذَا».
يوحنا ١٧: ٢٥ ص ١١: ١٧ و١٥: ٤ و٦: ١٠
سَمِعْتُ مَلاَكَ ٱلْمِيَاهِ أي الملاك الذي له سلطان على المياه وهو مرسل سماوي.
عَادِلٌ أَنْتَ قوله شهادة بأن ما حدث للناس من الألم كان عقاباً على خطاياهم بمقتضى العدل لأنهم رفضوا الله فرفضهم وأبوا قبول الحياة حين عُرضت عليهم فأتى الموت باختلاف طرقه.
٦ «لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَماً لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!».
ص ١٨: ٢٤ و١٧: ٦ إشعياء ٤٩: ٢٦ ولوقا ١١: ٤٩ - ٥١
سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ أي قتلوا الأنبياء الذين هم ملح الأرض ورفضوا المسيح الذي هو حياة الناس (يوحنا ١: ٤) فعاقبهم من جنس خطيتهم.
لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ أي استحقوا العقاب الذي وقع عليهم. وهذا مثل قول إشعياء «وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ» (إشعياء ٣: ١١).
٧ «وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ قَائِلاً: نَعَمْ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَقٌّ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ».
ص ٦: ٩ و١٤: ١٨ ص ١: ٨ و١٩: ٢ و١٥: ٣
في بعض النسخ وسمعت المذبح قائلاً هذا بمنزلة جواب من الشهداء الذين صرخوا من تحت المذبح (ص ٦: ٩ و١٠) إنهم اضطُهدوا حتى الموت وصرّحوا حينئذ بأن ما أصاب مضطهديهم من أحكام الله هو بمقتضى الحق والعدل لأنهم استحقوه.
٨، ٩ «٨ ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلرَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلشَّمْسِ فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ ٱلنَّاسَ بِنَارٍ، ٩ فَٱحْتَرَقَ ٱلنَّاسُ ٱحْتِرَاقاً عَظِيماً، وَجَدَّفُوا عَلَى ٱسْمِ ٱللهِ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى هٰذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ، وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْداً».
ص ٦: ١٢ و١٤: ١٨ ع ١١ و٢١ ص ٢: ٢١ و١١: ١٣
سَكَبَ... جَامَهُ عَلَى ٱلشَّمْسِ الشمس مصدر النور والدفء وهي البركة للناس فصارت بهذه الضربة علة آلامهم وأذاهم ولعنتهم. ومعنى ذلك إن مصادر الفرح والبركة للناس تصير علّة حزن ولعنة فالذين رفضوا «شمس البر التي الشفاء في أجنحتها» تصير لهم الشمس الطبيعية علّة مرض وشقاء.
جَدَّفُوا عَلَى ٱسْمِ ٱللهِ لأن هذه الضربات لم تستطع أن تأتي بهم إلى التوبة والتواضع والرجوع إلى الله ولكن تأثيرها زاد قلوبهم قساوة وجسارتهم على الإثم كما أن النار التي تذيب الشمع تصيّر الصلصال حجراً.
١٠ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ ٱلْوَحْشِ، فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ ٱلْوَجَعِ».
ص ١٣: ٢ ص ٨: ١٢ و٩: ٢ وخروج ١٠: ٢١ وإشعياء ٨: ٢٢
عَلَى عَرْشِ ٱلْوَحْشِ أي على مركز قوة العالم السياسية (انظر ص ٤: ١٠ و١٣: ٢) لأن هذه الضربة وقعت على مركز سلطان الوحش فانحلت أركان مملكته.
فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً هذه الظلمة كالظلمة التي وقعت على مصر (خروج ١٠: ٢١ - ٢٣). إن الناس يفتخرون بنور عقولهم ويظنون أنهم يسيرون به دون نور كتابه تعالى ولكنهم يجدون بعد قليل إن نور العقل ناقص خادع فيعثرون ويهلكون. قال المسيح «اُنْظُرْ إِذاً لِئَلاَّ يَكُونَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظُلْمَةً» (لوقا ١١: ٣٥).
١١ « وَجَدَّفُوا عَلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ».
ص ١١: ١٣ ع ٢
جَدَّفُوا عَلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ إن إطفاء نورهم لم يأت بهم إلى التوبة فالندامة والألم ليسا بعلة القداسة.
لَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ أي لم يزالوا يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه. وهذا آخر نتائج الخطيئة فإنها تؤدي بهم أولاً إلى الظلمة والشقاء ثم إلى اليأس وينشأ من هذا البغض لله وللناس فيشتكون على رفقائهم ويجدفون على خالقهم.
١٢ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ جَامَهُ عَلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ ٱلْفُرَاتِ، فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ».
ص ٩: ١٤ إشعياء ١١: ١٥ و٢٤: ٢٧ وإرميا ٥١: ٣٢ و٣٦ إشعياء ٤١: ٢ و٢٥ و٤٦: ١١ ص ٧: ٢
سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ جَامَهُ عَلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ ٱلْفُرَاتِ سبق الكلام على «نهر الفرات» والمرموز إليه به (ص ٩: ١٤). وكان «الفرات» التخم الطبيعي الحاجز بين مملكة اليهود والممالك المعادية لها في الشمال والشرق. فهو رمز إلى الحاجز بين ملكوت المسيح وملكوت الشيطان وبين النور والظلمة والحق الباطل و «الأرض المقدسة» وأورشليم في الرؤيا رمز إلى الكنيسة. والأرض ما وراء الفرات والبرية المجاورة له رمز إلى أعدائها.
وكان الفرات فخر بابل الحقيقية وعماد قوتها فجعلها حصينة. وحوّل كورش وجنوده ذلك النهر من مجراه الذي في وسط بابل إلى مجرى آخر فنشف ماء مجراه فيها فمرّ فيها هو وجيشه وأخذ المدينة والمملكة. فنشف «ماء الفرات» هنا يشير إلى زوال الحاجز بين الكنيسة وبابل الرمزية أي العالم أو ضد المسيح وإلى استيلاء أعداء المسيح على ملكه. وغاية الرؤيا بيان امتداد المبادئ الفاسدة والعادات الرديئة وإزالة الموانع الدينية والأدبية لامتداد الشر فيخطأ الناس بلا حياء ويرتكبون الآثام مسرورين ولا يبالون بإرشاد العقل والضمير ويمدحون الذين يدوسون قانون الإيمان والطهارة.
لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ «ملوك الشرق» هنا رموز إلى الأفعال البربرية التي كانت محجورة بحصون الدين والآداب وهم حينئذ يغلبون الحق والبر والعدل كما غلب الملوك الأربعة البربرية أرض الميعاد في أيام إبراهيم (تكوين ١٤: ١) واستعبدوا أهلها. ويأذن الله في قدوم الأعداء إلى أورشليم وكنيسته لكي يبيد هؤلاء الأعداء بعدما يجتمعون. ويقول البعض إن الملوك الذين من المشرق هم مؤمنون مشتتون في أطراف المسكونة يجمعهم الرب ويأتي بهم إلى أورشليم ليجتمعوا مع إخوتهم المؤمنين ويخلصون ونشّف الرب ماء النهر ليسهل العبور لشعبه.
١٣ «وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ ٱلتِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ ٱلْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ ٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ».
ص ١٢: ٣ و١٣: ١ و١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و١٣: ١١ و١٤ ص ١٨: ٢ خروج ٨: ٦
وَرَأَيْتُ... ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ أظهر الله قوته في تنشيف الفرات وإزالة الموانع من تقدم الأعداء فيفعل الأعداء كل ما في طاقتهم لمقاومة الكنيسة لأنهم يرسلون الأرواح النجسة المذكورة هنا. وأولئك الأعداء هم الأعداء العظام المذكورن في (ص ١٣: ٢ و١١) إلا أن ما سمي هنالك «بالوحش الثاني» (ص ١٣: ١١ - ١٥) سُمي هنا «بالنبي الكذاب» كما سيُذكر أيضاً في (ص ١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠). وذُكرت ضربة الضفادع من جملة ضربات مصر (خروج ٨: ١ - ١٤). وأُشير بها هنا إلى أرواح دنيئة ضاجة مفتخرة مكروهة وهي كناية عن روح الكفر والشك في الدين وعن الحكمة الدنيوية الباطلة. وكل من هذه الثلاثة يفعل الشر. ومصدرها الجهنمي يدل على صفاتها المضرة فعلها فعل الشيطان في تجربة حواء في الفردوس الذي كان علّة طردها منه.
١٤ «فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ ٱلْعَالَمِ وَكُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ، يَوْمِ ٱللهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
١تيموثاوس ٤: ١ ص ١٣: ١٣ و٣: ١٠ و٢٠: ٨ ص ١٧: ١٤ و١٩: ١٩ و١ملوك ٢٢: ٢١ - ٢٣ ص ٦: ١٧
فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ قال هذا بياناً لأصلهم الجهنمي وقدرته على فعل الشر وإغواء الناس. وأنبأ بهم المسيح في قوله «سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً» (متّى ٢٤: ٢٤). وبولس في قوله «ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ» (٢تسالونيكي ٢: ٩ و١٠). فيليق أن يشبهوا «بالضفادع» في القبح والمكروهية.
تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ ٱلْعَالَمِ وَكُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ الذين يقبلونها اختياراً. فغاية تلك الضفادع أن تجمع أعداء الله من كل أقطار المسكونة ليحاربوا شعب الله فيبادوا بتلك الحرب. ولعل المعنى أنها تخدع الناس وتغريهم في أن يعبدوا الأوثان ويضطهدوا الكنيسة لكي يهيج عليهم غضب الله.
لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ الخ كما يبان في (ص ١٩: ١٧). فهي تخدعهم بآيات كاذبة لكي يتوقعوا الانتصار ويتقدموا إلى هلاكهم غافلين. وقيل مثل هذا في الروح النجس الذي خرج ووقف أمام الرب وقال «أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ ٱلرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ» فإطفاء هذا الروح لآخاب كان علّة صعوده إلى القتال في راموت جلعاد فخسر حياته (١ملوك ٢٢: ٢٠ - ٢٢).
١٥ «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ. طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَّ يَمْشِيَ عُرْيَاناً فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ».
ص ٣: ٣ و١١ و١٨ لوقا ١٢: ٣٧
هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ (جملة معترضة بين ع ١٤ و١٩) هذا قول المسيح وهو مثل قوله في (متّى ٢٥: ١ - ١٣ ومرقس ١٣: ٣٥ ولوقا ١٢: ٣٥ - ٤٠). ويدل على إتيان المسيح بغتة إذ لا ينتظره العالم الشرير لأن اللص يأتي في الليل حين يكون الناس نياماً فينهب وذلك لا يستطيعه إذا كانوا ساهرين (انظر ص ٣: ٣ و١تسالونيكي ٥: ٢ و٣ و٢بطرس ٣: ١٠).
اتخذ المسيح هذا الاجتماع العظيم اجتماع الوحش وملوك الأرض على المسيح والكنيسة آية مجيئه سريعاً وأهمية ذلك اليوم العظيم ومتعلقاته حمل المسيح على هذا الأنباء.
طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَّ يَمْشِيَ عُرْيَاناً الخ هذا ما يجب على من فهم كلام المسيح في أمر مجيئه. فالرسول يصدق أقوال المسيح ويبني عليها ويصرّح بغبطة الإنسان الذي يتوقع مجيء اللص ويبقى لابساً ساهراً. ومعنى كون الإنسان «لابساً» هنا هو كونه مكتسياً ببر المسيح بالإيمان ومعنى «مشيه عرياناً» كونه عرضة للخجل أمام الناس والملائكة المجتمعين لأنه ليس عليه ذلك الثوب. وأشار بولس إلى ذلك اللبس بقوله «وَلَيْسَ لِي بِرِّي ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّامُوسِ، بَلِ ٱلَّذِي بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ ٱللهِ بِٱلإِيمَانِ» (فيلبي ٣: ٩). وهذا يوجب الحذر من عدم الاكتراث للأمور الرومية والتوغل في اللذات والنوم في الإثم ويوجب الانتباه «لعلامات الأزمنة» واغتنام فرص فعل الخير واكتساب الصلاح ودرس كتاب الله والسهر بالصلاة وطلب مساعدة الروح القدس.
١٦ «فَجَمَعَهُمْ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي يُدْعَى بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ».
ص ١٩: ١٩ و٩: ١١ قضاة ٥: ١٩ و٢ملوك ٢٣: ٢٩ و٢أيام ٣٥: ٣٢ زكريا ١٢: ١١
فَجَمَعَهُمْ أي الأرواح النجسة التي تشبه الضفادع (ع ١٣) فإنهم ذهبوا ليجمعوا جنود التنين والوحش والنبي الكذاب. وذكر هنا موضع الحرب لا الحرب نفسها وآخر ذكرها إلى (ص ١٩: ١٩ - ٢١).
هَرْمَجَدُّونَ أي جبل مجدون وهو جبل مجاور يزرعيل المعروف اليوم بمرج ابن عامر والجبل هو طابور الواقع عند طرف مرج ابن عامر (قضاة ٤: ١٢ و١٤). واشتهر في تاريخ الإسرائيليين وبالوقائع العظيمة وأشهرها ما كان في أيام قيادة دبورة وباراق بدليل ما جاء في سفر القضاة وهو قوله «حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ فِي تَعْنَكَ عَلَى مِيَاهِ مَجِدُّو» (قضاة ٥: ١٩). وأشار إلى ذلك المرنم بقوله «اِفْعَلْ بِهِمْ كَمَا بِمِدْيَانَ، كَمَا بِسِيسَرَا، كَمَا بِيَابِينَ فِي وَادِي قِيشُونَ» (مزمور ٨٣: ٩). وواقعة مجدّو التي قُتل فيها يوشيا (٢ملوك ٢٣: ٢٩). وكان قتله علّة مناحة عظيمة في إسرائيل (٢أيام ٣٥: ٢٥ وزكريا ١٢: ١١) ولا نعلم أي حرب سُمي بها إنما نعلم أنه يشير إلى وقائع قوية وهلاك بغتي سريع للمحاربين. ومثلما اتخذ «هرمجدون» هذا رمزاً إلى الوقائع العظيمة اتخذ «وادي يهوشافاط» كذلك (يوئيل ٣: ٢).
١٧ « ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلْهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ ٱلسَّمَاءِ مِنَ ٱلْعَرْشِ قَائِلاً: قَدْ تَمَّ!».
أفسس ٣: ٢ ص ١١: ١٥ و١٤: ١٥ ص ٢١: ٦ و١٠: ٦
ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلْهَوَاءِ يعد الهواء مسكن أرواح الظلمة الذين رئيسهم رئيس سلطان الهواء. ولم يبق محل للضربات إلا الهواء لأنه ضرب سابقاً اليابسة والبحر وينابيع المياه والشمس وعرش الوحش.
فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ ٱلسَّمَاءِ مِنَ ٱلْعَرْشِ أي من الله نفسه.
قَائِلاً: قَدْ تَمَّ أي تم ما أمر الله به وأُنجزت كل مقاصد الله من سكب الجامات فإنه انسكب الجام الآخير منها لكن لم تتم نتائجه وذُكرت في ما بعد.
١٨ «فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱلأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هٰكَذَا».
ص ٤: ٥ و٦: ١٣ دانيال ١٢: ١ ومتّى ٢٤: ٢١
فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وهذا تابع لكل من سلاسل الرؤيا (انظر ص ٨: ٥ و١١: ١٩). وقبل هذا انتهى الكلام. في بقية الرؤيا لكن هنا ذكر تأثير الجام الأخير ولا ينتهي إلا بذكر خراب بابل وانكسار جيش أعداء المسيح والكنيسة.
وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا الخ غلب إن يظلم الجو ويحمر وقت حدوث الزلازل. وكانت هذه الزلزلة أعظم كل ما عهد من الزلازل (انظر دانيال ١٩: ١ ومتّى ٢٤: ٢١). وأشار بها إلى انحلال قوات ملكوت الشيطان تمهيداً لسقوطه. ويُذكر بعض تأثيرات هذه الزلزلة في ما يأتي.
١٩ «وَصَارَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، وَمُدُنُ ٱلأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ ٱللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ».
ص ١٧: ١٨ و١٨: ١٠ و١٨: ٢١ و١١: ٨ و١٤: ٨ و١٨: ٥ و١٤: ١٠
وَصَارَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ هذا يدل على أنها انهدمت على حدّ قول دانيال في تفسير الكتابة على حائط بلشاصر «فَرْسِ قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ» (دانيال ٥: ٢٨) وذكرت «المدينة العظيمة» في (ص ١١: ٨ و١٤: ٨ و١٧: ١٨ و١٨: ١٠ و١٦ و١٨ و٢١). ذهب بعضهم إلى أن المقصود بها «أورشليم» وآخرون إلى أن المقصود بها «بابل». وقيل أنها تشبه «سدوم وعمورة» في (ص ١١: ٨). ولعلها تشبه كلاً من تلك المدن في بعض صفاتها.
وَمُدُنُ ٱلأُمَمِ سَقَطَتْ أي المدن التي هي أصغر من المدينة العظيمة وهي قصبات الممالك. فتشير إلى حصون الإثم في مملكة الشيطان وكراسي الكفر ودوس الشرايع والاستخفاف بالله. وهذا على سنن قول المسيح «كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي ٱلسَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ» (متّى ١٥: ١٣).
وَبَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ كانت هذه المدينة أعظم كل المدن ولعلها كناية عنها جميعاً وأشار إليها الرسول كثيراً في ما سبق لكنه صرّح باسمها هنا وفي (ص ١٤: ١).
ذُكِرَتْ أَمَامَ ٱللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ أبان هنا قصد الله من جهة عقابها ولكن أُخّر تفصيل إجراء هذا العقاب إلى (ص ١٩). وكانت بابل رمزاً إلى قوات العالم الشريرة المضطهدة وهي رمز أيضاً إلى الكنيسة الضالة الفاسدة التي تشبه العالم. فسقوط رومية مركز المملكة الرومانية الوثنية كان بعض أمثلة المقصود من سقوط بابل.
٢٠ «وَكُلُّ جَزِيرَةٍ هَرَبَتْ وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ».
ص ٦: ١٤ و٢٠: ١١
هذا تأثير آخر للزلزلة وإثبات لقوله «لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض» ذكر قبلاً أنه تزحزحت الجزائر (ص ٦: ١٤) وكان ذلك تأثراً وقتياً لكن التأثير هنا أزال الجزائر كل الإزالة. وفي هذا إشارة إلى أنه لم يبق سوى مملكة واحدة لا تتزعزع (دانيال ٢: ٤٤ وعبرانيين ١٢: ٢٨).
٢١ «وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى ٱلنَّاسِ. فَجَدَّفَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱللهِ مِنْ ضَرْبَةِ ٱلْبَرَدِ، لأَنَّ ضَرْبَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدّاً».
ص ١١: ١٩ و٨: ٧ ع ٩ و١١ خروج ٩: ١٨ - ٢٥
وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ كما حدث في ضربات مصر (خروج ٩: ٢٢ - ٢٥) وفي إبادة أعداء إسرائيل في بيت محورون (يشوع ١٠: ١١). و «الوزنة» هنا نحو عشرة أرطال. وسكب الله ضرباته بالكيل (أي الجامات) وبرَده بالميزان يشير إلى أنه يعدل في إجراء النقمة.
فَجَدَّفَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱللهِ مِنْ ضَرْبَةِ ٱلْبَرَدِ وهم الذين سلموا من الموت بهذا البرد. فنتيجة سكب الجام السابع كنتيجة سكب الجام الرابع والجام الخامس في أنها لم تنشئ توبة بل تجديفاً وهذا يدل على أن قلوبهم قست بالخطيئة كل القسوة وإنهم معدّون للهلاك.
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
سبق الكلام على سقوط بابل بالاختصار (فيلبي ١٤: ٨ و١٦: ١٩). وفصّل الكلام في هذا الأصحاح وما بعده على عظمتها الأصلية وسقوطها. وفي هذا رمز فوق رمز فإن بابل الرمزية وُصفت بأنها امرأة زانية سكرى راكبة على وحش.
١ «ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً لِي: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ ٱلزَّانِيَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلْجَالِسَةِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ».
ص ٢١: ٩ ص ١: ١ و١٥: ١ و٧ و١٦: ١٩ ع ٥ و١٥ وص ١٩: ٢ وناحوم ٣: ٤ إشعياء ١: ٢١ وإرميا ٢: ٢ و٥١: ١٣
ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ (ص ١٥: ٦). ولا يخفى ما هنا من المراجعة.
هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ ٱلزَّانِيَةِ ٱلْعَظِيمَةِ يُراد «بالزانية» في النبوءات كنيسة الله إذا ارتدت عنه بعدما عاهدته بأن تكون له عروساً عفيفة فتترك عبادته الطاهرة وتخونه فتخلف عهدها وتلتصق بغيره. وجاء هذا المجاز إحدى وعشرين مرة في كلام الأنبياء وثماني عشرة مرة منها بالمعنى السابق (إشعياء ١: ٢١ وإرميا ٢: ٢٠ و٣: ١ و٦ و٨ وحزقيال ١٦: ١٥ و١٦ و ٢٨ و٣١ و٣٥ و٤١ و٢٣: ٥ و١٤ و٤٤ و هوشع ٢: ٥ وص ٣ و٤: ١٥ وميخا ١: ٧). ونُسبت إلى المدينة الوثنية ثلاث مرات أي مرتين إلى صور (إشعياء ٢٣: ١٥ - ١٧) ومرة إلى نينوى (ناحوم ٣: ٤). فغلب معنى «الزنى» هنا على إخلاف شعب الله لعهدهم له فإنهم رجعوا عن عبادته الروحية إلى العبادة الباطلة ومحبة العالم والإثم. ووصف هذه الزانية لا يصدق على رومية الوثنية لأن هذه لم تخرب كالخراب المذكور في قوله «سَقَطَتْ بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ، وَصَارَتْ مَسْكَناً لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ» (ص ١٨: ٢). ولأنها لم تحتل مع ملوك الأرض لتعظيم سلطتها لأنه لم يكن في أيام المملكة الرومانية الوثنية ممالك مستقلة عنها إلا بإرثيا وفارس فإنها استولت على كل العالم المعروف يومئذ. وما سيأتي من وصف هذه الزانية يوافق قوة رومية البابوية أكثر من كل ما سواها من الممالك على أن بعض صفاتها لا يلائمها فإنها لم تزل إلى الآن غير عاضدة ضد المسيح وغير مجتهدة في عزل المسيح من عرشه ووضع الشيطان عليه.
ٱلْجَالِسَةِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ سيأتي تفسير هذا في قوله «ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ ٱلزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ» (ع ١٥).
٢ «ٱلَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ ٱلأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا».
ص ١٨: ٣ و٩ ص ٢: ٢٢ ع ٧ ص ٣: ١٠ و١٤: ٨
ٱلَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ ٱلأَرْضِ المراد «بملوك الأرض» قوات العالم السياسية التي اتحدت الكنيسة بها بالمعاهدة لكي تجري مقاصدها وتثبت سلطتها على نفوس الناس وأجسادهم.
وَسَكِرَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا لم تخدع الكنيسة الفاسدة الملوك وحدهم ليعطوها السلطة بل جذبت سكان الأرض أيضاً عن العبادة الروحية المبنية على كلمة الله إلى ديانة خارجية مبنية على تعليم بشري. ويُراد «بسكر سكان الأرض» فقدهم عقولهم وعفافهم.
٣ «فَمَضَى بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ ٱمْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ».
ص ٢١: ١٠ و١: ١٠ و١٢: ٦ و١٤ و٢١: ١٠ ص ١٨: ١٢ و١٦ ومتّى ٢٧: ٢٨ وص ١٣: ١ ع ٧ و٩ و١٢ و١٦ وص ١٢: ٣
فَمَضَى بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ لكي يريه منها بابل بأجلى بيان. فنبوءة إشعياء التي اقتبس منها قوله «سقطت سقطت بابل» أولها «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ ٱلْبَحْرِ: كَزَوَابِعَ فِي ٱلْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ، يَأْتِي مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ» (إشعياء ٢١: ١ و٩).
فَرَأَيْتُ ٱمْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ هذا هو الوحش الذي ذُكر في (ص ١٣: ١ - ٧) كما يتبين من القرينة لأنه قيل «إنه يحارب الخروف» (ع ١٢ - ١٤). وقيل أيضاً إنه «قُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ... وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (ص ١٩: ٢٠). واللون «القرمزي» الذي نُسب إلى الوحش هو اللون الذي نُسب إلى التنين لأنه قيل أنه «أحمر» (ص ١٢: ٣) وهو لون الدم وهو لون المرأة أيضاً فيدل ذلك على قسوتها طبعاً وفعلاً وإلى سفكها دم عبيد الله.
وجلوسها «على الوحش» يشير إلى أنها تستخدم قوته وتستولي عليه كما إن الكنيسة الفاسدة تتحد بأهل القوات السياسية لتجري أحكامها أولاً ثم تستولي عليها.
مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ كانت تلك الأسماء قبلاً على رؤوسه (ص ١٣: ١) وصارت هنا على جسمه كله. وهذا «التجديف» يقوم باتخاذه لنفسه الأسماء والألقاب والقوة والحقوق المختصة بالله.
لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ (ص ١٣: ١). ورث هذا من التنين (ص ١٢: ٣). وسيأتي تفسير هذه الرؤوس والقرون في (ع ٩ و١٦).
٤ «وَٱلْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا».
ص ١٨: ١٦ وص ١٢ وحزقيال ٢٨: ١٣ إرميا ٥١: ٧ ص ١٨: ٦
وَٱلْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ كالثوب الذي ألبسه الجند الروماني يسوع استهزاء بتصريحه أنه ملك لكن المرأة لم تلبس ذلك ليُهزأ بها بل لتتعظم به كملكة.
وَقِرْمِزٍ لأن ثيابها مصبوغة بدم القديسين.
وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ إشارة إلى غناها وترفهها ممن تبعوها فكان لها سلطة «ملكة الأمم» وغناها.
وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ الخ وهذا على وفق قول النبي فيها «بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ ٱلرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ ٱلأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ ٱلشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ جُنَّتِ ٱلشُّعُوبُ» (إرميا ٥١: ٧). أشار بذلك إلى قدرتها على أن تأسر الناس بسننها ومغالطتها وقوتها وغناها التي بها يصير الناس كالسكارى لا يستعملون عقولهم ولا يصغون إلى ضمائرهم.
٥ «وَعَلَى جِبْهَتِهَا ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: سِرٌّ. بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ أُمُّ ٱلزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ ٱلأَرْضِ».
ع ٧ و٢تسالونيكي ٢: ٧ ص ١: ٢٠ و١٤: ٨ و١٦: ١٩ ع ٢
وَعَلَى جِبْهَتِهَا ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ كانت عادة الزواني الوثنيات قديماً أن تلبس عصائب على جباهها عليها أسماؤهن ومهنتهن.
سِرٌّ اشار بذلك إلى أنه اتخذ اسم بابل رمزاً فما أراد مدينة حقيقية.
أُمُّ ٱلزَّوَانِي أي أصل المرتدين ورمز إلى المقتدين بها جميعاً. كان الحبر الأعظم يلبس على جبهته عصابة مكتوباً عليها ما يدل على أنه موقوف لخدمة الله (خروج ٢٨: ٣٦). وكثيراً ما ذُكر في سفر الرؤيا استعمال الأمور الإلهية لغايات جهنمية. إن الله ينظر إلى القلوب والروح الذي ينشئ الأعمال فحيث يكون روح حب العالم وبغض القداسة والديانة الروحية والرغبة في اضطهاد أهل الحق هنالك «بابل» في كل عصر وكل بلاد. فروح بابل لا يزال في كل موضع فيه حب العالم ومضادة القداسة والله وكنيسته.
٦ «وَرَأَيْتُ ٱلْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظِيماً!».
ص ١٦: ٦
وَرَأَيْتُ ٱلْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا يظهر قسوة الزانية وهو كما قيل فيها «وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (ص ١٨: ٢٤). وهذا دليل على روح الاضطهاد لشعب الله الروحي. وهذا لا يصدق على مجرد رومية الوثنية ولا على رومية البابوية بل على المرموز إليه ببابل على وفق ما قال المسيح لليهود أنه «يُطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء من هابيل إلى زكريا» (متّى ٢٣: ٣٥).
فَتَعَجَّبْتُ الخ من اتحاد الوحش والمرأة أي من اقتران القوة السياسية بالقوة الكنسية وأن تُرى امرأة تُسر بالقسوة حتى تسكر من دم الأتقياء.
٧ «ثُمَّ قَالَ لِي ٱلْمَلاَكُ: لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ ٱلْمَرْأَةِ وَٱلْوَحْشِ ٱلْحَامِلِ لَهَا، ٱلَّذِي لَهُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ».
ع ٥ و٢تسالونيكي ٢: ٧ وص ١: ٢٠ ع ٣
ليس سؤال الملاك هنا إلا تمهيداً للتفسير. وأتى بتفسير الوحش من (ع ٨ إلى ١٤) ثم بتفسير المرأة من (ع ١٥ - ١٨).
٨ - ١٠ «٨ ٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى ٱلْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ ٱلْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ. ٩ هُنَا ٱلذِّهْنُ ٱلَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا ٱلْمَرْأَةُ جَالِسَةً. ١٠ وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً».
ع ١١ ص ١٣: ٣ و١٢ و١٤ ص ١١: ٧ و١٣: ١ ص ٩: ١ ص ١٣: ١٠ وص ٣: ١٠ و٥ و٨ و١٨ متّى ٢: ٣٤ وص ١٠: ١١
كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ (ع ٨) هذا هو الوحش المذكور في ( ١٣: ١ - ٣) فقيل هنا إن «واحداً من رؤوسه مجروح للموت» وقيل هنا أنه «كان وليس الآن» إشارة إلى أن السلطة العالمية جُرحت جرحاً مميتاً بموت المسيح وقيامته لأنه بذلك «طُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ إِلَى ٱلأَرْضِ» (ص ١٢: ٩) ووُضع لقوته حدود (ص ٢٠: ٢) «وأُبِيدَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ» (عبرانيين ٢: ١٤). فظهر الوحش كانه بموت المسيح وقيامته وانتصاره قد قُتل ومع أنه أشرف على الموت ظهرت عليه علامات الحياة وتسلط وقتياً لأنه قيل «أنه عتيد أن يصعد من الهاوية» ولكن ذلك الصعود ليس إلا وقتياً لأنه «يمضي إلى الهلاك».
وَسَيَتَعَجَّبُ ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ الذين لم يتعلموا من السماء وهم «يهتمون بالأرضيات» وقد عموا فلم يبصروا الروحيات.
ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ (انظر تفسير ص ١٣: ٨).
أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ هذا يشبه التسبيح لله في (ص ١: ٨ و٤: ٢).
هُنَا ٱلذِّهْنُ ٱلَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ (ع ٩) هذا بمعنى ما في (ص ١٣: ٩). وهو تنبيه للقارئ على أن يتلفت إلى الموضوع حق الالتفات وأن يطلب الإنارة من الحكمة الإلهية علاوة على معرفته الاختيارية لأعمال الله.
اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا ٱلْمَرْأَةُ جَالِسَةً رأى بعضهم من هذه الآية إن المرأة هي مدينة رومية لأنها مبنية على سبعة جبال أو تلال وليس من المحقق إن معنى «السبعة» هنا معناها الحقيقي إذ ورد هذا العدد كناية عن الكنيسة الجامعة كلها إذ كنى عنها «بسبع الكنائس في أسيا» (انظر تفسير ص ١: ٤). فلعل «السبعة الجبال» هنا تشير إلى مملكة شريرة واسعة كالعالم. وهذه «الجبال» ليست جبالاً حقيقية بل ممالك عظيمة وطيدة كالجبال بدليل قول إشعياء «َيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ» (إشعياء ٢: ٢) وقول دانيال «أَمَّا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ ٱلأَرْضَ كُلَّهَا» وفسر بذلك بقوله «فِي أَيَّامِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً... وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هٰذِهِ ٱلْمَمَالِكِ» (دانيال ٢: ٣٥ و٤٤) ويؤيد ذلك ما في الآية التالية.
وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ (ع ١٠) أي ممالك وهي المذكورة في (ص ١٢: ٣) فظهرت بها قوة العالم السياسية المعادية لله وكنيسته. وكون معنى الملوك ممالك يتبين بمقابلة (ص ١٣: ٢ بما في دانيال ٧: ٢٣).
خَمْسَةٌ سَقَطُوا أي خمس ممالك زالت وهي مما اضطهدت شعب الله. أولها مملكة مصر التي هي بيت العبودية (خروج ٢٠: ٢). والثانية مملكة أشور التي «رَفَعْتَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ عَيْنَيْها عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ» (إشعياء ٣٧: ٢٣). والثالثة مملكة بابل «مطرقة كل الأرض» (إرميا ٥٠: ٢٣). والرابعة مملكة الفرس (دانيال ١٠: ١٣ و١١: ٢). والخامسة مملكة اليونان (دانيال ١١: ٣ و٤).
وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ (في أيام كتابة هذا السفر) وهي المملكة الرومانية.
وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ أي الرأس السابع الذي يشير إلى المملكة السابعة وهذه لم تكن قد نشأت يوم كتب يوحنا سفر الرؤيا وُصف بأن له عشرة قرون (ع ٧) وتلك القرون عشرة ملوك والأرجح أنها لا تشير إلى مملكة واحدة بل إلى مجموع ممالك حُسبت واحدة.
وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً أي يملك مع الوحش ساعة واحدة (ع ١٢).
١١ «وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى ٱلْهَلاَكِ».
ص ١٣: ١
وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ وهو الذي ذُكر في (ص ١٣: ٣ وع ٨) ولو وُجد لكان مملكة ثامنة لكن بعد السبع الممالك لا تكون ثامنة بل إن الوحش الذي روحه في الممالك السبعة وضُرب في سلطة يظهر قليلاً كأنه مملكة ثامنة ثم «يمضي إلى الهلاك» وهو القوة الأخيرة المحفوظة للهلاك عند مجيء الرب وهو الأثيم ضد المسيح الذي «يبيده الرب بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه». وأنبأ الرسول أيضاً بهلاكه في (ص ٢٠: ٧ - ١٠). قيل فيه «كان وليس الآن» (فانظر تفسير ع ٨). وقيل إنه «من السبعة» أي إن المقت والبغض والشر الذي في السبعة الممالك مجموعة فيه فكأنه شر مظاهر الكل فكأنه جوهرهم. وهو الذي ذكره بولس في قوله في يوم المسيح «لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ» (٢تسالونيكي ٢: ٣ و٤).
١٢ «وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لٰكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ».
ع ١٦ ص ١٢: ٣ و١٣: ١ و١٨: ١٠ و١٧ و١٩
وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ أي عشر ممالك هؤلاء الملوك نوابها. وهي التي تقوم بعد سقوط المملكة الرومانية. وكنى «بالعشرة» هنا عدد غير محدود فلا يُعلم أمعاصر بعض هذه الممالك لبعض أم متوالية.
يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ هذا يشير إلى اقتران القوة الكنسية السياسية وهو خلاف شريعة ملكوت المسيح الروحي. وطول المدة المعبر عنها «بالساعة» هنا غير معلوم.
١٣ «هٰؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ ٱلْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ».
ع ٧
كما أعطى التنين الوحش سلطانه (ص ١٣: ٢) وكما أعطى الوحش المرأة الزانية قوته (ع ٣ و٧).
١٤ «هٰؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ ٱلْحَمَلَ، وَٱلْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ ٱلأَرْبَابِ وَمَلِكُ ٱلْمُلُوكِ، وَٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ».
ص ١٦: ١٤ و١٩: ١٦ و٣: ٢١ و١تيموثاوس ٦: ١٥ ص ٢: ١٠ متّى ٢٢: ١٤
هٰؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ ٱلْحَمَلَ الذي صُلب وقام وتمجّد.
وَٱلْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ ٱلأَرْبَابِ وَمَلِكُ ٱلْمُلُوكِ فرئاسته الإلهية تؤكد له أنه ينتصر لأنه «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدّهُ لاَ تَنْجَحُ» (إشعياء ٥٤: ١٧). وغلب الخروف قوة العالم السياسية والعلمية وقوة الكنيسة الفاسدة والعشر الممالك وأعلن هذا الانتصار في (ص ١٩: ١١ - ١٦).
وَٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ كما يؤكد اسم رئيسهم انتصارهم كذلك تؤكده صفات جنوده. وقيل إنهم «مدعوون ومختارون» لأن ليس كل المدعوين مختارين (متّى ١٢: ١٤) لكن كل المختارين هنا هم مدعوون (٢بطرس ١: ١٠). وقيل إنهم «مؤمنون» لأن اختبارهم يثبت دعوتهم واختيارهم.
١٥ - ١٨ «١٥ ثُمَّ قَالَ لِيَ: ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ ٱلزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. ١٦ وَأَمَّا ٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى ٱلْوَحْشِ فَهٰؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ ٱلزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِٱلنَّارِ. ١٧ لأَنَّ ٱللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْياً وَاحِداً، وَيُعْطُوا ٱلْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ ٱللهِ. ١٨ وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ٱلَّتِي لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوكِ ٱلأَرْضِ».
إشعياء ٨: ٧ وع ١ وإرميا ٤٧: ٢ ص ٥: ٩ وع ١٢ ص ١٨: ١٧ و١٩ حزقيال ١٦: ٣٧ و٣٩ وص ١٩: ١٨ و١٨: ٨ و٢كورنثوس ٨: ١٦ ع ٢٣ ص ١٠: ٧ و١٦: ١٩ و١١: ٨
هذه الآيات تفسير لما قيل في ما سبق من هذا الأصحاح على الزانية.
ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ الخ (ع ١٥) هذا تفسير لما في (ص ١٣: ١). وجاء مثل هذا التشبيه في الكلام على جيش ملك أشور (إشعياء ٨: ٧) وهو مثال لما قيل في الله في (مزمور ٢٩: ١٠) ولكنه على سبيل الاستهزاء والذين ذُكروا هنا من «الشعوب» و «الجموع» و «الأمم» و «الألسنة» هم العالم كله وهذا يُظهر سعة تأثير الزانية. وأعظم مثال لاتحاد القوة السياسية بالقوة الكنسية في فعل الشر اتفاق الكنيسة اليهودية مع السلطة الرومانية على صلب المسيح واضطهاد الكنيسة الأولى وقتل تلاميذ الرب. ومثله اتفاق الكنيسة المسيحية بعد أن صارت غنية وفاسدة مع القوة السياسية يومئذ فقُتل ألوف وربوات من أجل المسيح وإنجيله.
وَأَمَّا ٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى ٱلْوَحْشِ ذُكرت «العشرة القرون» مع «الوحش» لأن رأيه ورأيها واحد وروح كل من العشرة في الوحش وفي بعض النسخ القديمة تركت كلمة (على) قبل الوحش.
سَيُبْغِضُونَ ٱلزَّانِيَةَ الخ هذا خلاف ما يتوقعه القارئ لأنه قيل سابقاً إنها كانت «جالسة على الوحش» وهو حامل إياها كأنه بعض خدمها (ع ٣ و٧). فهنا صار أصدقاؤها أعداءها ومساعدوها مقاوميها ورفقاؤها وخدمها مُهلكيها فهذه العاقبة مقترنة بأعظم نجاحها. وفي هذا نبوءة بأن الكنيسة المسيحية الفاسدة تخسر سلطتها على الممالك السياسية حتى لا يشرب الملوك من كأس تعاليمها الفاسدة فينزعون منها قوتها الزمنية بدليل قوله «سيجعلونها خربة وعريانة» ويسلبونها ثروتها وأملاكها بدليل قوله «يأكلون لحمها» (مزمور ٢٧: ٣ وميخا ٣: ٢ و٣). ومعنى قوله «يحرقونها بالنار» إنهم يعاقبونها عقاب الزانية (لاويين ٢٠: ١٤ و٢١: ٩ وحزقيال ١٦: ٤١). ومحاربة العشرة الملوك للخروف فُصل الكلام عليها في (ص ١٩: ١٩) ومثال ما قيل هنا من اتفاق الملوك على الزانية قيام المملكة الرومانية على القوة اليهودية الدينية ومحاصرتها مدينتها أورشليم وإحراقها إياها وقتلها ألوفاً وربوات من أهلها.
لأَنَّ ٱللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ الخ (ع ١٧) لم يأتوا ما أتوه من تلقاء أنفسهم ولا قصدوا به أن يتمموا مشيئة الله فعملهم ليس سوى إجراء أحكامه الأزلية التي قدّرها الله بالحكمة فإنهم أعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله أي نبوءاته في شأن بابل فإن الله اعتاد أن يجعل «غضب الإنسان يحمده» (مزمور ٧٦: ١٠). فإنه هو استخدم الأشوريين واليونانيين والرومانيين ليُجروا حكمه على الأشرار.
وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ (ع ١٨) (انظر ع ٣ و٤). هنا كشف سر المرأة فهي مدينة أو مملكة كانت في بعض الزمان رومية قصبتها ونائبتها. وكانت في عصر يوحنا رومية الوثنية وبقيت كذلك عدة عصور حتى ظهرت رومية البابوية. وهي تظهر حيث تظهر روح الكبرياء ومحبة العالم وبغض الديانة الروحية وتعليم المسيح كما هو في الإنجيل. وحيث تتحد القوة السياسية بالقوة الكنسية لمحاربة المسيح وكنيسته تكون «بابل العظيمة أم الزواني».
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
في هذا الأصحاح والذي يليه من (ع ١ - ١٠) تفصيل الكلام على سقوط بابل وذكر الخطيئة التي هي علّة سقوطها وبكاء ملوك الأرض وغيرهم عليها ودعوة الله لشعبه أن يخرجوا منها لكي لا يشتركوا في ضرباتها. ذُكر سقوطها قبلاً بالاختصار في (ص ١٤: ٨ و١٦: ١٨ وص ١٧) وعبر عن سقوطها بكلام نبوءات العهد القديم على سقوط غيرها من الممالك القديمة.
١ - ٣ «١ ثُمَّ بَعْدَ هٰذَا رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ. وَٱسْتَنَارَتِ ٱلأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ. ٢ وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ، وَصَارَتْ مَسْكَناً لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ، ٣ لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ، وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ ٱلأَرْضِ ٱسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا».
ص ١٧: ١ و٧ ص ١٠: ١ مزمور ٤٣: ٢ ص ١٤: ٨ إشعياء ١٣: ٢١ و٣٤: ١١ و١٣ - ١٥ وإرميا ٥٠: ٣٩ و٥١: ٣٧ وصفنيا ٢: ١٤ ص ١٦: ١٣ و١٤: ٨ ع ٩ ص ١٧: ٢ ع ١١ و١٥ ص ١٩: ٢٣ وحزقيال ٢٧: ٩ - ٢٥ ع ٧ و٩ و١تيموثاوس ٥: ١١
مَلاَكاً آخَرَ (ع ١) الذي كان قبل هذا الملاك أحد الملائكة الذين معهم السبعة الجامات وهذا الملاك ممتاز بالعظمة كما يظهر من بهاء النور الذي سطع حوله ومن قوة صوته.
وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ (ع ٢) ليجعل السامعين يخافون ويرهبون.
سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ هذا الكلام مقتبس من نبوءة إشعياء بسقوط بابل الحقيقية (إشعياء ١٣: ١٩ - ٢٢ و٢١: ٩). ومن الأنباء بسقوط أدومية (إشعياء ٣٤: ١١ - ١٥) ووصف أضرارها للناس هنا في ثلاث طرق.
- الأولى: إنها سقت الأمم من خمر غضب زناها أي أنها أسكرتهم بخدمتها لشهواتهم.
- الثانية: إنها حملت الملوك على أن يتركوا ما يجب عليهم لله.
- الثالثة: إنها حملت التجار على أن يرتشوا بلذاتها. وما ذُكر من علل سقوطها هنا مقتبس من نبوءة إرميا (إرميا ٥٠: ٣٩). وما كان لغيرها «خمر زنى» صار لها «خمر غضب».
٤ - ٨ «٤ ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً آخَرَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: ٱخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. ٥ لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ ٱلسَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ ٱللهُ آثَامَهَا. ٦ جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضاً جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَـهَا ضِعْفاً نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي ٱلْكَأْسِ ٱلَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا ٱمْزُجُوا لَـهَا ضِعْفاً. بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، ٧ بِقَدْرِ ذٰلِكَ أَعْطُوهَا عَذَاباً وَحُزْناً. لأَنَّهَا تَقُولُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حُزْناً. ٨ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِي ضَرَبَاتُهَا: مَوْتٌ وَحُزْنٌ وَجُوعٌ، وَتَحْتَرِقُ بِٱلنَّارِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلإِلٰهَ ٱلَّذِي يَدِينُهَا قَوِيٌّ».
إشعياء ٥٢: ١١ وإرميا ٥٠: ٨ و٥١: ٦ و٩ و٤٥ و٢كورنثوس ٦: ١٧ إرميا ٥١: ٩ ص ١٦: ١٩ مزمور ١٣٧: ٨ وإرميا ٥٠: ١٥ و٢٩ ص ١٧: ٤ حزقيال ٢٨: ٢ - ٨ إشعياء ٤٧: ٧ و٩ وصفنيا ٢: ١٥ وإرميا ٥٠: ٣١ و٣٤ ص ١٧: ١٦ و١١: ١٧
ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً آخَرَ (ع ٤) يجب أن يكون هذا صوت الله أو صوت المسيح لأنه قال به «يا شعبي».
ٱخْرُجُوا مِنْهَا هذا التحذير كتحذير إرميا لشعب الله لكي يخرجوا من بابل الحقيقية قبل سقوطها (إرميا ٥٠: ٨ و٥١: ٤٥). فالضرر اللاحق لشعب الله هو نتيجة الاشتراك في خطاياها وفي عقابها وهو يشبه تحذير المسيح لتلاميذه في (متّى ٢٤: ١٦) وتحذير الملاكين للوط (تكوين ١٩: ١٥ - ٢٢). وتحذير بني إسرائيل لكي يبعدوا عن خيم داثان وأبيهو (عدد ١٦: ٢٣ - ٢٦).
لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ ٱلسَّمَاءَ (ع ٥) كبرج بابل على ما قصد البناؤون (تكوين ١١: ١٤) وكما بلغ صراخ سدوم وعمورة أُذني الرب (تكوين ١٨: ٢٠ و٢١).
وَتَذَكَّرَ ٱللهُ آثَامَهَا (ص ١٦: ١٩ ومزمور ٧٤: ١٠ - ٢٣).
جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضاً جَازَتْكُمْ بعد ما أمر الله شعبه بالخروج منها أمر مُجري نقمته أن يعاقبوها والأرجح أنهم الملائكة (مزمور ٧٩: ١٢ و١٣٧: ٨ وإشعياء ٤٠: ٢ وإرميا ١٧: ١٨).
وَضَاعِفُوا لَـهَا ضِعْفاً نَظِيرَ أَعْمَالِهَا (ع ٦) كانت خطاياها مضاعف خطايا غيرها فكذلك وجب أن يكون قصاصها.
فِي ٱلْكَأْسِ ٱلَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا ٱمْزُجُوا لَـهَا ضِعْفاً أي جازوها على شهواتها بنقمة الله على حد ما قيل في (خروج ٢٢: ٤ و٧ و٩ وإرميا ١٦: ١٨).
بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا الخ (ع ٧) هذا أيضاً يبين أن حزنها يكون مثل كبريائها وتنعمها المحظور كما قيل في بابل القديمة (إشعياء ٤٧: ٨ - ٩) وفي صور (حزقيال ٢٨: ٢) فكان اتضاعها مثل ارتفاعها قبلاً.
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِي ضَرَبَاتُهَا الخ (ع ٨) فإن نوازلها تأتي بغتة من كل جهة. ظنت أنها قوية لكنها ما علمت إن قوة الله أعظم. ووعدت نفسها بالحياة فوجدت الموت وتوقعت الفرح فنالت الحزن وانتظرت الخصب فكان الجوع وكانت النار عقاباً لها على زناها (لاويين ٢٠: ١٤ و٢١: ٩).
٩، ١٠ «٩ وَسَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِينَ زَنَوْا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا، ١٠ وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ لأَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا قَائِلِينَ: وَيْلٌ وَيْلٌ! ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ بَابِلُ! ٱلْمَدِينَةُ ٱلْقَوِيَّةُ! لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ».
حزقيال ٢٦: ١٦ و٢٧: ٣٥ وع ١٨ وص ٤: ١١ و١٩: ٣ ع ١٥ - ٢١ ص ١١: ٨ و١٦: ١٩ و١٧: ١٢
هاتان الآيتان مرثاة الملوك فإنهم حزنوا للنوازل التي هم كانوا سببها (ص ١٧: ١٦). قابل ما هنا بما في (حزقيال ٢٦: ١٥ و١٦ و٢٧: ٣٥) وذلك مرثاة صور. فأعمال الأشرار تتم مقاصد الله ولكنها لا تنشئ لهم سروراً.
١١ - ١٦ «١١ وَيَبْكِي تُجَّارُ ٱلأَرْضِ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا، لأَنَّ بَضَائِعَهُمْ لاَ يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ فِي مَا بَعْدُ، ١٢ بَضَائِعَ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْحَجَرِ ٱلْكَرِيمِ وَٱللُّؤْلُؤِ وَٱلْبَزِّ وَٱلأُرْجُوانِ وَٱلْحَرِيرِ وَٱلْقِرْمِزِ وَكُلَّ عُودٍ ثِينِيٍّ وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنَ ٱلْعَاجِ وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنْ أَثْمَنِ ٱلْخَشَبِ وَٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ وَٱلْمَرْمَرِ، ١٣ وَقِرْفَةً وَبَخُوراً وَطِيباً وَلُبَاناً وَخَمْراً وَزَيْتاً وَسَمِيذاً وَحِنْطَةً وَبَهَائِمَ وَغَنَماً وَخَيْلاً، وَمَرْكَبَاتٍ، وَأَجْسَاداً، وَنُفُوسَ ٱلنَّاسِ. ١٤ وَذَهَبَ عَنْكِ جَنَى شَهْوَةِ نَفْسِكِ، وَذَهَبَ عَنْكِ كُلُّ مَا هُوَ مُشْحِمٌ وَبَهِيٌّ، وَلَنْ تَجِدِيهِ فِي مَا بَعْدُ. ١٥ تُجَّارُ هٰذِهِ ٱلأَشْيَاءِ ٱلَّذِينَ ٱسْتَغْنَوْا مِنْهَا سَيَقِفُونَ مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ، ١٦ وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ وَيْلٌ! ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ٱلْمُتَسَرْبِلَةُ بِبَزٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَٱلْمُتَحَلِّيَةُ بِذَهَبٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ».
خروج ٢٧: ٢٧ إلى ٣٤ ص ١٧: ٤ وحزقيال ٢٧: ١٢ - ٢٢ و١أيام ٥: ٢١ و١تيموثاوس ١: ١٠ ع ٣ و١٠ و١٢ و١٣ و١٨ و١٩ و٢١ ص ١٧: ٤
هذه الآيات هي مرثاة التجّار وفيها ذكر أنواع بضائعهم التي يتجرون بها في بابل. وكان حزن التجار عظيماً ناشئاً عن حب الذات والطمع لأنهم خسروا بسبب خراب بابل ما كان يربحونه من تجارتهم فيها. وذكر من أوّل بضائعهم الكنوز من «الذهب والفضة والحجارة الكريمة واللآلئ». ثم ذكر أنواع الملبوسات من «البز والأرجوان والحرير والقرمز». ثم ذكر أنواع أثاث البيت من «آنية العاج والخشب والنحاس والحديد والمرمر» وغير ذلك (ع ١٢). ثم ذكر بعض العقاقير الثمينة «كالقرفة والطيب واللبان». ثم ذكر أنواع الأشربة والأطعمة من «خمور وزيوت وسميذ وحنطة ولحوم البهائم» ثم ذكر «الخيل والمركبات» ثم «النخاسة» (١٣) (حزقيال ٢٧: ٣ و١٣). والأرجح إن المقصود «بنفوس الناس» هنا أجسادهم وأرواحهم. ويحتمل إن المراد بذلك إن الناس كانوا بواسطة تجارتهم يفضلون اللذات الجسدية على الخيرات الروحية فيخسرون نفوسهم الخالدة بواسطة عبادة الأوثان والشهوات المحظورة ومحبة العالم. ثم رثوا ما ذهب منها إلى الأبد سريعاً من أسباب الترفه واللذة والخلاعة (ع ١٤ - ١٦).
١٧، ١٨ «١٧ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَ غِنىً مِثْلُ هٰذَا. وَكُلُّ رُبَّانٍ، وَكُلُّ ٱلْجَمَاعَةِ فِي ٱلسُّفُنِ، وَٱلْمَلاَّحُونَ وَجَمِيعُ عُمَّالِ ٱلْبَحْرِ، وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، ١٨ وَصَرَخُوا إِذْ نَظَرُوا دُخَانَ حَرِيقِهَا قَائِلِينَ: أَيَّةُ مَدِينَةٍ مِثْلُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ؟».
ع ١٠ و١٩ وص ١٧: ١٦ حزقيال ٢٧: ٢٨ و٣٠ و٣٢ ع ٩ ص ١٣: ٤
هاتان الآيتان رثاء الملاحين قابل ما هنا بما في (حزقيال ٢٧: ٣٢).
نَظَرُوا دُخَانَ حَرِيقِهَا (ع ١٨) صاعداً كما رأى إبراهيم دخان سدوم وعمورة (تكوين ١٩: ٢٨).
١٩ «وَأَلْقَوْا تُرَاباً عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَصَرَخُوا بَاكِينَ وَنَائِحِينَ قَائِلِينَ: وَيْلٌ وَيْلٌ! ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ، ٱلَّتِي فِيهَا ٱسْتَغْنَى جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُفُنٌ فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ نَفَائِسِهَا، لأَنَّهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَتْ».
يشوع ٧: ٦ وأيوب ٢: ١٢ ومراثي إرميا ٢: ١٠ ع ٣ و١٠ و١٥
وَأَلْقَوْا تُرَاباً عَلَى رُؤُوسِهِمْ إشارة إلى شدة حزنهم (أيوب ٢: ١٢). ومضمون ذلك إنه لا يجوز للناس أن يتهافتوا على اللذات الجسدية حتى ينسوا الله واتكالهم عليه. على أن اللذات الجسدية ليست محظورة بالنظر إلى نفسها إن خلت من الخطيئة وحُصل عليها بوسائل جائزة لكنها تصير خطيئة إذا حملت الناس على أن ينسوا الله ويتكبروا ويحبوا أنفسهم ولا يبالوا بغيرهم من أهل الفاقة ولا يهتموا بخدمة الكنيسة. فمثل تلك النفائس حملت يهوذا الاسخريوطي على أن يبيع سيده. ومثلها «كنوز مصر» التي رفضها موسى إذ فضل عليها عار المسيح (عبرانيين ١١: ٢٦). فالتجربة من ذلك كالتجربة التي جرّب الشيطان المسيح بها يوم وعده أن يعطيه «كل ممالك الأرض ومجدها إن سجد له».
٢٠ «اِفْرَحِي لَـهَا أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاءُ وَٱلرُّسُلُ ٱلْقِدِّيسُونَ وَٱلأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ».
ص ١٢: ١٢ لوقا ١١: ٤٩ ص ١٩: ٢ ع ٦ - ٨ ص ٦: ١٠
اِفْرَحِي هذا قول الملاك (ع ٤) فالذي كان علة حزن وعويل للأشرار كان علة فرح وترنم للأبرار فدُعوا إلى الابتهاج بالقضاء على بابل ودعوا إلى هذا الابتهاج لأن بابل قد سقطت. وعلّة فرح أهل الله إزالة الموانع من تقديم ملكوت المسيح في العالم.
٢١ - ٢٤ «٢١ وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ حَجَراً كَرَحىً عَظِيمَةً، وَرَمَاهُ فِي ٱلْبَحْرِ قَائِلاً: هٰكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِي مَا بَعْدُ. ٢٢ وَصَوْتُ ٱلضَّارِبِينَ بِٱلْقِيثَارَةِ وَٱلْمُغَنِّينَ وَٱلْمُزَمِّرِينَ وَٱلنَّافِخِينَ بِٱلْبُوقِ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَكُلُّ صَانِعٍ صِنَاعَةً لَنْ يُوجَدَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ رَحىً لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. ٢٣ وَنُورُ سِرَاجٍ لَنْ يُضِيءَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسٍ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. لأَنَّ تُجَّارَكِ كَانُوا عُظَمَاءَ ٱلأَرْضِ. إِذْ بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ. ٢٤ وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ص ٥: ٢ و١٠: ١ إرميا ٥١: ٦٣ إشعياء ٢٤: ٨ وحزقيال ٢٦: ١٣ ومتّى ٩: ٢٣ جامعة ١٢: ٤ وإرميا ٢٥: ١٠ و٧: ٣٤ و١٦: ٩ إشعياء ٢٣: ٨ ع ٣ وص ٦: ١٥ ناحوم ٣: ٤ ص ٩: ٢١ و١٦: ٦ و١٧: ٦ متّى ٢٣: ٣٥
في هذه الآيات ذكر عمل رمزي يشير إلى سقوط بابل وقام بهذا العمل ملاك ثالث (وذُكر الملاك الأول في ص ١٧: ١ والثاني في ع ١). ومثل عمل الملاك عمل إرميا النبي (إرميا ٥١: ٦٣ و٦٤). ومثل سقوط ذلك الحجر غرق فرعون وجنوده في البحر الأحمر (خروج ١٥: ١٠). ومثل ذلك عاقبة الناس «الذين يعثرون أحد أصاغر تلاميذ المسيح» (متّى ١٨: ٦).
وَصَوْتُ ٱلضَّارِبِينَ بِٱلْقِيثَارَةِ... لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ (ع ٢٢) (إشعياء ١٤: ١١ وحزقيال ٢٦: ١٣).
وَصَوْتُ رَحىً (إرميا ٢٥: ١٠).
وَصَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسٍ (ع ٢٣) (إرميا ٧: ٣٤ و١٦: ٩).
لأَنَّ تُجَّارَكِ كَانُوا عُظَمَاءَ ٱلأَرْضِ كما كان تجار صور (إشعياء ٢٣: ٨).
إِذْ بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ هذا بيان إن تجارة بابل وغناها لم يكونا علة سقوطها بل خطيئتها المشار إليها «بالسحر» هي العلّة (ص ١٣: ١٤).
وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ الخ (ع ٢٤) أي دماء المؤمنين (إرميا ٥١: ٤٩) فقد ذُكر في هذه الآيات خراب قوة العالم أبداً فجأة بلا مراجعة. وليس المراد بما قيل هنا إن الله يطالب بابل أو رومية أو مدينة أخرى في العالم بدم الأنبياء والقديسين بل المراد أنه يطالب بذلك الذين «بابل» هنا رمز إليهم وهم الذين قتلوا أنبياءه الذين شهدوا عليهم بخطيئتهم وقتلوا قديسي المسيح الذين كانت حياتهم الطاهرة تشهد بما يجب على كل إنسان منهم أن يفعله وتوبخهم على خطاياهم. فالذين لم يسفكوا دماء عبيد المسيح لكن تمسكوا بعبادة نتيجتها الجور والغش والظلم والقتل كانت روح بابل فيهم وعوقبوا معاقبتها.
إن السماء فرحت بسقوط الزانية أكثر مما فرحت بسقوط الوحشين لأن أفظع الآثام آثام الذين عرفوا كلمة نعمة الله ولم يحفظوها فحب الكنيسة للعالم شر أنواع حب العالم لذلك نُسب إلى بابل خطايا الوثنيين فوق خطايا إسرائيل. فاسم «الزانية» اسم يليق بالكنيسة المسيحية الفاسدة لأنها بقيت امرأة ولم تصر وحشاً لأن لها «صورة التقوى مع أنها فقدت قوتها». فلم تكتف ببعلها الحقيقي الرب يسوع وبأطايب بيته لكنها اشتهت أباطيل العالم والأشياء المنظورة. فزنى الكنيسة هو إرادتها أن تكون لها سلطة دنيوية فتجعل البشر ذراعها وتستعمل وسائل غير جائزة لغاية مقدسة وتمد سلطتها بالسيف أو بالمال وتكسب الناس بالفرائض الفاخرة وتملق الأغنياء والعظماء بغية نيل ما تروم وتسأل مساعدة قوة عالمية على قوة عالمية أخرى.
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
في هذا الأصحاح ترنم الجند السماوي فرحاً بسقوط بابل. ذُكر في الأصحاح السابق رثاء أهل العالم لبابل حزناً على سقوطها وذُكر هنا ترنم الجنود السماوية وتسبيحهم وكل عبيد الله فرحاً بانتقام الله منها لأنها كانت عدو الله والكنيسة.
١ - ٤ «١ وَبَعْدَ هٰذَا سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: هَلِّلُويَا! ٱلْخَلاَصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، ٢ لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ ٱلزَّانِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي أَفْسَدَتِ ٱلأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَٱنْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا. ٣ وَقَالُوا ثَانِيَةً: هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. ٣ وَخَرَّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ، وَسَجَدُوا لِلّٰهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ قَائِلِينَ: آمِينَ. هَلِّلُويَا».
ع ٦ ص ١١: ١٥ إرميا ٥١: ٤٨ ع ٣ و٤ و٦ ومزمور ١٠٤: ٣٥ ص ٧: ١٠ و٤: ١١ و ٦: ١٠ و١٦: ٧ و١٧: ١ و١٨: ٢٠ و١٦: ٦ وتثنية ٣٢: ٤٣ و٢ملوك ٩: ٧ ص ١٤: ١١ و٤: ٤ و١٠ و٦ ص ٥: ١٤ مزمور ١٠٦: ٤٨
سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي ٱلسَّمَاءِ هؤلاء هم الذين دُعوا إلى الفرح في (ص ١٨: ٢٠).و هذا «الجمع» هو الجمع المذكور في (ص ٧: ٩) وهو «المئة والأربع والأربعون ألفاً» في (ص ١٤: ١) وهو الذين «وقفوا على البحر الزجاجي» في (ص ١٥: ٢).
قَائِلاً هَلِّلُويَا الخ أي احمدوا الرب. وهذه الكلمة لم تُذكر في سوى سفر الرؤيا من كل أسفار العهد الجديد وذُكرت أربع مرات في هذا الأصحاح. وذُكرت في (مزمور ١٤٦: ١ و٢٠) وفي المزامير التي تليه. وكان موضوع ترنمهم أعمال الله وصفاته وأظهرها بإنقاذ شعبه من شر الزانية العظيمة وانتقامه منها لدم عبيده. وهذا التسبيح يشبه خاتمة الصلاة الربية.
وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ (ع ٣) (ص ١٨: ٩ و١٨).
وَخَرَّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً (ع ٤) وهم نواب الكنيسة (ص ٤: ٤).
وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وهي نواب الخليقة المفدية (ص ٤: ٦ - ٨) وقد صدقت ترنيمة الجمع الكثير.
٥ - ٧ «٥ وَخَرَجَ مِنَ ٱلْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلاً: سَبِّحُوا لإِلٰهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، ٱلْخَائِفِيهِ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ. ٦ وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ٧ لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ ٱلْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَٱمْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا».
مزمور ١٣٤: ١ و١٣٥: ١ ص ١١: ١٨ وص ١: ١٥ و٦: ١ و١: ٨ و١١: ١٣ ومتى ٢٢: ٢ و٢٥: ١٠ ولوقا ١٢: ٣٦ ويوحنا ٣: ٢٩ وأفسس ٥: ٢٣ و٣٢ ص ٢١: ٢ و٩ متّى ١: ٢٠
صَوْتٌ قَائِلاً سَبِّحُوا هذا أمر لكل عبيد الله بالاشتراك في الترنم. ولم يقل صوت من هذا الصوت فاقتصر على الأنباء بأنه خرج من العرش. والكلمات هنا تشبه كلمات (مزمور ١١٣: ١ - ٤ ومزمور ١٣٤).
وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ (ع ٦) هذا كما قيل في (ص ١٤: ٢). وكان تأثير هذا الصوت كتأثير صوت البحر وكان شديد كهزيم الرعد.
قَائِلَةً الخ إن موضوع هذا التسبيح هو إن الله أظهر رئاسته باعتبار كونه ملكاً على رغم الذين أنكروا رئاسته وأبغضوه. وهذا كقول المرنم «اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ فَلْتَبْتَهِجِ ٱلأَرْضُ» (مزمور ٩٧: ١).
لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ (ع ٧) هذا موضوع ثان للفرح والمعنى أنه حان وقت اتحاد الخروف بالكنيسة كما يتحد العروس بعرسه. وكان هذا النبأ منذ زمن مديد وذُكر في (مزمور ٤٥) ونشيد الأنشاد. وذكره الأنبياء (إشعياء ٥٤: ١ - ٨ وحزقيال ١٦: ٨ هوشع ٢: ١٩) وذكره المسيح في أمثاله (متّى ٩: ١٥ و٢٢: ٢ - ١٠ و٢٥: ١ - ١٠). وذكره يوحنا الرسول في بشارته (يوحنا ٣: ٢٩) وبولس في (٢كورنثوس ١١: ٢ وأفسس ٥: ٢٣ - ٣٠). وهذا التسبيح يبين الاتحاد الكامل بين المسيح وكنيسته وإنه يجعلها شريكته في قداسته وسروره ومجده وملكوته. فأفراد المسيحيين «إخوته» و «ضيوفه» وجملتهم «عروسه».
وَٱمْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا أي تممت زينتها. ووصفت هذه الزينة في الآية التالية.
٨ «وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً، لأَنَّ ٱلْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ».
ع ١٤ ص ١٥: ٤ و٦
وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ هذا كلام يوحنا لا جزء من كلمات الترنم.
بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً خلافاً للمرأة الزانية (ص ١٧: ٤).
لأَنَّ ٱلْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا وصف لحالها الطاهرة المقدسة التي قال أحد الشيوخ في أصحابها إنهم «غسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الخروف» (انظر تفسير ص ٧: ١٤) وهذا تبرير المسيح إياهم بالإيمان. ونُسب «التبرر» إليهم حين آمنوا بالمسيح وحصل لهم ذلك البر بروحه القدوس. فإنه مع أنه قيل أنه «هيأت نفسها» قيل أيضاً «أعطيت أن تلبس» فإن المسيح «َأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أفسس ٥: ٢٦ و٢٧). وهذا استعداد القلب والحياة لنيل السعادة الأبدية (فيلبي ٣: ٩ و١كورنثوس ٦: ١١) وهذه الوليمة الروحية تذكرنا العشاء الذي تناوله المسيح مع تلاميذه «فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي» (١كورنثوس ١١: ٢٣ - ٢٥). فبذل نفسه ليكون قوتاً للكنيسة وكان في هذه الوليمة الخروف الذي مات وهو «الحي الآن وإلى الأبد» هو العريس وجوهر الوليمة. فيه حيي شعبه على الأرض وسيحيا به في السماء إلى الأبد.
والكلام على إتمام هذا العرس سيأتي في (ص ٢١: ٢ - ٩) وذُكر قبله «تقييد الشيطان» وتملك القديسين «ألف سنة» ثم «حل الشيطان مدة قصيرة» ثم «تقييده الأخير والدينونة الأخيرة».
٩، ١٠ «٩ وَقَالَ لِيَ: ٱكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْحَمَلِ. وَقَالَ: هٰذِهِ هِيَ أَقْوَالُ ٱللهِ ٱلصَّادِقَةُ. ١٠ فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: ٱنْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ ٱلَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. ٱسْجُدْ لِلّٰهِ. فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ ٱلنُّبُوَّةِ».
ع ١٠ وص ١٧: ١ و١: ١٩ لوقا ١٤: ١٥ و٢٢: ١٦ ص ٢١: ٥ و٢٢: ٦ و٨ و٩ وص ١٧: ٧ أعمال ١٠: ٢٦ ص ١: ١ و١٢: ١٧
وَقَالَ لِيَ أي الملاك (ص ١٧: ١).
طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْحَمَلِ حسب جملة المؤمنين المدعوين إلى العرس وصرّح بغبطتهم وبتأكيد إتمام كل ما كان لهم من المواعيد. وهؤلاء هم الذين قبلوا تعليم ربنا في (متّى ٢٢: ١: ١٤ و٢٥: ١ - ١٣) وتفسير المعنى الروحي في (ص ٣: ٢٠).
هٰذِهِ هِيَ أَقْوَالُ ٱللهِ ٱلصَّادِقَةُ كما هي مذكورة في هذا السفر. وهذا التثبيت جاء مثله في (ص ٢١: ٥ و٢٢: ٦) وسيعرف ذلك قراء هذا السفر ولا سيما ما قيل في غبطة المدعوين. وهذا وعد بأن كنيسة المسيح تستريح مع ربها وتُولم وتملك وإن كل عبيد الله يشتركون مع المسيح في السرور والسلام والنصر.
فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ (١٠) حدث مثل هذا في (ص ٢٢: ٦ - ٩). فتأثر يوحنا بعظمة البركات الموعود بها في هذا الكلام حتى جُرب بأن سجد للملاك السجود الذي لا يجوز لغير الله فمنعه الملاك من ارتكاب تلك الخطيئة ومنعه عن مثل هذه العبادة في (ص ٢٢: ٩).
أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ الخ هذا بيان إن الملائكة عبيد الله كمؤمني الناس فلا مجد لهم ولنا أعظم من أن نكون «عبيداً لله». فكأنه قال كل المؤمنين شهود ليسوع وأنا شاهد ليسوع مثلهم لأن الشهادة ليسوع هي روح النبوءة. وشهادة الرسل كانت خدمة كشهادة الأنبياء القدماء وكذا شهادة الملاك وقتئذ كما ظهر من (ص ١: ٢ و٩ و٢بطرس ١: ٢١). إن الرسل سجدوا ليسوع ولم يمنعهم من ذلك (متّى ٢٨: ٩ و١٧) وأمر كل الملائكة أن يسجدوا له (مزمور ٩٧: ٧ وعبرانيين ١: ٦). وتم بيسوع تعاليم العهدين فهو جوهر كل النبوءة وغايتها وخلاصتها. فاشترك الآباء والأنبياء والملوك والملائكة والشعراء والرسول في إعطاء المسيح الرئاسة.
١١ «ثُمَّ رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِيناً وَصَادِقاً، وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ».
ص ٤: ١ يوحنا ١: ٥١ ع ١٩ و٢١ ص ٦: ٢ و٣: ١٤ إشعياء ١١: ٤
في هذه الآية وما بعدها إلى ع ١٦ ورؤيا المسيح آتياً منتصراً على أعدائه يتبعه جنوده.
رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً كما في (ص ٤: ١) فظهر الرب نفسه بخلاص شعبه وإهلاك أعدائه.
وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ هذه كالرؤيا في فتح الختم الأول (ص ٦: ٢). وبياض فرسه رمز إلى طهارة راكبه. والوعد بأنه «يجيء منتصراً» كان للكنيسة في أول تاريخها. وقُبل هذا الوعد منذ زمن قديم وبُين هنا أنه سيتم سريعاً. وهذا كقول النبي «لأَنَّ ٱلرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى ٱلْمِيعَادِ، وَفِي ٱلنِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَٱنْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَاناً وَلاَ تَتَأَخَّرُ» (حبقوق ٢: ٣).
يُدْعَى أَمِيناً وَصَادِقاً لأنه يتمم كل ما وعد به (عبرانيين ١٠: ٢٣ و٣٦ - ٣٨) فيظهر كعريس ومنتظر كما تنبئ في (مزمور ٤٥: ١) الخ.
وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ انتصار المسيح يستلزم الأمرين.
١٢ «وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ».
ص ١: ١٤ و٦: ٢ و١٢: ٣ ع ١٦ ص ٢: ١٧
عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ لأن كل شيء عريان ومكشوف لذلك الذي معه أمرنا (ص ١: ١٤ و٢: ١٨ وعبرانيين ٤: ١٣ وإشعياء ١١: ٤ و٥).
وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ هذا يبين أنه كان ملك كل أمم الأرض وأنه ملك الملوك (ع ١٦).
وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لم يقل أين مكتوب ولعله كان على عصابة جبهته كالحبر الأعظم.
لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ يُعرف المسيح بأسماء كثيرة تدل على صفاته وأعماله المتنوعة منها «الرائي» و «الفادي» و «المخلص» و «رئيس الحياة» ولكن ذلك الاسم ليس منها ولا الاسم المذكور في (ع ١٣). لأن عمق حكمته ومعرفته ومحبته لا يعرفه أحد على الأرض بدليل قول المسيح نفسه «لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلاَّ ٱلآبُ» (متّى ١١: ٢٧) لكنه سيعلمه الذين يرونه في السماء. والمرجّح إن ذلك الاسم يشير إلى إعلان جديد يُظهر كمال اتحاده وكمال نصره. فالحمد لله على أن المسيح يعرف أسماء كل مختاريه.
١٣ «وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ «كَلِمَةَ ٱللهِ».
إشعياء ٦٣: ٣ يوحنا ١: ١
وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ أي بدم أعدائه. وهذا مبني على قول إشعياء «مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هٰذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ» (إشعياء ٦٣: ١ - ٣ انظر أيضاً ع ١٥). فأتى ليُهلك الذين كانوا يُهلكون الأرض (ص ١١: ١٨) «ويدوس معصرة غضب الله» (ص ١٤: ١٩). فعلينا أن نذكر أنه أتى أولاً ليسفك دمه لفداء البشر فكل من قبله خلص.
وَيُدْعَى ٱسْمُهُ كَلِمَةَ ٱللهِ لأنه «َٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ» وكان الله وهو يعلن الله للناس (يوحنا ١: ١ - ٤ و٣: ١٣ و١٤: ٩).
١٤ «وَٱلأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزّاً أَبْيَضَ وَنَقِيّاً».
ع ٨ ص ٣: ٤
وَٱلأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ من الملائكة الأبرار والقديسين وهم المشار إليهم بقوله «ٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ» (ص ١٧: ١٤).
عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ الخ هذا إشارة إلى طهارتهم فليس على ثيابهم دم فالمسيح يجعل الذين تألموا معه شركاء مجده وانتصاره (ع ٨ وص ٣: ٤ و٧: ١٤).
١٥ «وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ ٱلأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ ٱللهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
ص ١: ١٦ وع ٢١ إشعياء ١١: ٤ و٢تسالونيكي ٢: ٨ ص ٢: ٢٧ ص ١٤: ١٩ و٢٠
مِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ كما ذُكر في (ص ١: ١٦) إلا أنه قيل هناك إن هذا السيف «ذو حدّين». فالمراد بهذا «السيف» كلمته وتتبين قوتها من قوله «مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ» (يوحنا ١٢: ٤٨). وقوتها ظاهرة بأن سقط على الأرض الذين أتوا ليمسكوه في أيام اتضاعه (يوحنا ١٨: ٥). وسيبين قوتها أعظم تبيين حين «يُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ» (إشعياء ١١: ٤ وإرميا ٢٣: ٢٩ و٢تسالونيكي ٢: ٨).
وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ كما قيل في الآية السابعة من المزمور الثاني (انظر أيضاً ص ٢: ٢٧ و١٢: ٥) وتفسير ذلك.
أتى المسيح ليملك بالبر فالذين قاوموه وقاوموا ملكوته ملكوت النعمة تتحول عصا الرعاية في يده إلى عصا حديد فيكسرهم بها. ويقع «الحجر الذي رفضه البناؤون» عليهم ويسحقهم.
وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ الخ كما قيل في (ص ١٤: ٢٠ و١٦: ١٩ وإشعياء ٦٣: ١ - ٣). وهذا هو حصاد النقمة والأشرار يأكلون من ثمر أعمال أيديهم وهو أيضاً عمل الله الملك العادل.
١٦ «وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ».
ع ١٦ وص ٢: ١٧ وص ١٧: ١٤
وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ الأرجح إن الاسم الذي ذُكر في (ع ١٢) مكتوب على عصابة جبهته. وهذا بعضه مكتوب على ثوبه المغطّى جسده وبعضه على هدب ثوبه الواقع على فخذيه وهو راكب.
مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ (انظر تفسير ص ١٧: ١٤). وهذا مثل قول المرنم «َيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ» (مزمور ٧٢: ١١ انظر أيضاً دانيال ٢: ٤٧ و٧: ١٤ و١تيموثاوس ٦: ١٥). ووصفه هنا ولقبه يظهران عظمة طبيعته ومجدها ومجد العمل الذي تممه لخلاص شعبه وعظمة الانتقام من أعدائه.
١٧ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً وَاحِداً وَاقِفاً فِي ٱلشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً لِجَمِيعِ ٱلطُّيُورِ ٱلطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ: هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَظِيمِ».
ع ٢١ وص ٨: ١٣ إرميا ١٢: ٩ وحزقيال ٣٩: ١٧ و١صموئيل ١٧: ٤٤ إشعياء ٣٤: ٦ وإرميا ٤٦: ١٠
في هذه الآية والتي تليها بيان انكسار الوحش والنبي الكذاب وملوك الأرض وهلاكهم.
رَأَيْتُ مَلاَكاً وَاحِداً وَاقِفاً فِي ٱلشَّمْسِ يليق بالمنادي بمثل هذا النصر العظيم أن يقف في محل البهاء والمجد لأنه أحد ملائكة الحضرة الإلهية (ص ١: ١٦ و١٠: ١ و١٢: ١). ولأن محله في قبة السماء يقّدره على إنباء كل أهل الأرض بمناداته.
هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَظِيمِ «العظيم» هنا نعت «للعشاء» ووُصف «العشاء» بالعظمة لأنه لا نظير له ولأنه نتيجة أحكام الله الهائلة.
١٨ «لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ ٱلْكُلِّ حُرّاً وَعَبْداً صَغِيراً وَكَبِيراً».
حزقيال ٣٩: ١٨ - ٢٠ ص ٦: ١٥ و١١: ١٨ و١٣: ١٦
لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ الخ جرى (بدلاً من أن يذكر حوادث الحرب وعدد القتلى) على أسمى أساليب الشعراء فدعا «طيور السماء» الجوارح المعتادة أن تأكل لحم القتلى أن تجتمع إلى وليمة عظيمة. وهذه الدعوة مبنية على ما في (حزقيال ٣٩: ١٧ - ٢٠ ومتّى ٢٤: ٢٨). ووليمة الجوارح هنا مقابلة «لوليمة العرس» في (ع ٩) ومقابلة «للعشاء العظيم» الذي أبى المدعوون أن يحضروه (لوقا ١٤: ١٦ - ٢٤).
حُرّاً وَعَبْداً صَغِيراً وَكَبِيراً إن أهل ملكوت العالم وأعداء الملك الحق من كل صنوف الناس (لا صنف واحد) لأن الحرب بين البر والإثم والحق والكذب وجنود المسيح وجنود ضد المسيح.
١٩ «وَرَأَيْتُ ٱلْوَحْشَ وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْباً مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ».
ص ١١: ٧ و١٣: ١ ص ١٦: ١٤ و١٦ وع ١١ و٢١
ٱلْوَحْشَ (ص ١٣: ١).
وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ كما اجتمعوا في وقت سكب الجام السادس في هرمجدون (ص ١٦: ١٢).
لِيَصْنَعُوا حَرْباً وهي الحرب التي أنبأ بها قبلاً (ص ١٦: ١٤ و١٧: ١٤).
مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ ذُكرت جنود المسيح باعتبار كونهم جيشاً واحداً يقوده رئيس واحد ولكن أعداءه ذُكروا باعتبار كونهم جيوشاً كثيرة الأفراد والقواد اتفقوا على محاربة المسيح.
٢٠ «فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي بِهَا أَضَلَّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِٱلْكِبْرِيتِ».
ص ١٦: ١٣ وص ١٣: ١٢ - ١٦ دانيال ٧: ١١ وص ٢٠: ١٠ ص ١٤: ١٠ و٢١: ٨ إشعياء ٣٠: ٣٣
فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ هما العدوان العظيمان من أعداء المسيح الثلاثة ويُذكران معاً دائماً (ص ١٣: ١).
ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ كما قيل في (ص ١٣: ١١ - ١٧) إلا أنه سُمي هنالك «وحش آخر».
ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِه هم الرؤساء الروحية رؤساء قوات العالم الشرير وهم نواب المبادئ الشريرة السائدة في العالم وفي الكنيسة الفاسدة.
وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ الخ عبّر عن هذا «بجهنم» في (متّى ٥: ٢٢ ولوقا ١٢: ٥). وطرح الشيطان نفسه إلى تلك البحيرة بعد ذلك (ص ٢٠: ١٠). وكذلك «الموت والهاوية» بعد ما أكملا عملهما. وسُميت أيضاً «بالموت الثاني» (ص ٢٠: ١٤ و٢١: ٨). وقيل هذا بياناً أنهما هلكا إلى الأبد. والتشبيه هنا مبني على ما في العهد القديم مما اقترن بخراب سدوم وعمورة والنار والكبريت اللذَين ذُكرا هناك. و «البحيرة» تشبه البحر الميت (تكوين ١٩: ٢٤ و٢٥) والهاوية (عدد ١٦: ٣٢ - ٣٤ وإشعياء ٥: ١٤). وذُكرت هذه «البحيرة» أيضاً في (ص ٢٠: ١٠ و١٤ و٢١: ٨).
٢١ « وَٱلْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ».
ع ١٥ ع ١٧
وَٱلْبَاقُونَ أي من ملوك الأرض وأجنادهم البشر الذين قبلوا تعليم الوحش والنبي الكذاب.
قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ (إشعياء ١١: ٤ و٢تسالونيكي ٢: ٨). هذا هو «السيف» المذكور في (ع ١٥ وص ١: ٦) وهو ليس من الفولاذ أو الحديد بل هو كلمة الله «لأَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين ٤: ١٢). فما كان محيياً للبعض (يعقوب ١: ١٨) كان مهلكاً للآخر.
جَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ هذا إشارة إلى إن أحكام الله العادلة قد تمت.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
في هذا الأصحاح كلام في دينونة الشيطان واستمرار سعادة القديسين.
١ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ».
ص ١٠: ١ وص ١: ١٨ و٩: ١
رَأَيْتُ مَلاَكاً هذا هو الملاك الثاني الذي ظهر بعد ظهور الرب في (ص ١٩: ١١).
نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أي أتى من حضرة الله بسلطان من الله.
مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ ذُكرت «الهاوبة» في (ص ٩: ١ و٢ و١١: ٧ و١٧: ٨) وهي مسكن الشيطان ورفقائه ومصدر كل الشرور. وهذا «المفتاح» في سلطان المسيح بدليل قوله «ولي مفتاح الهاوية والموت» (ص ١: ١٨) سلمه إلى الملاك لكي يجري ما قصده وذُكر إن الملاك «فتح الهاوية» (ص ٩: ٢). وأتى هذا هنا لكي يغلقه.
وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ أو موضوعة على ذراعه مدلاة الطرفين. و «السلسلة» و «المفتاح» معه يدلان على أن له سلطاناً أن يقيد ويسجن «الذي له سلطان الموت» (عبرانيين ٢: ١٤) وكانت «السلسلة العظيمة» لأنه يجب أن تكون قوية لتصلح أن تكون قيداً «للقوي» (متّى ١٢: ٢٩).
٢ «فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ».
إشعياء ٢٤: ٢٢ ص ١٢: ٩
فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ هذا واحد من أعداء الكنيسة الثلاثة العظام وذكر قبلاً أنه «طُرح من السماء إلى الأرض» (ص ١٢: ٩). وهو قد ملك العالم رئيساً له (يوحنا ١٢: ٢١). وذُكر هنا بأربعة أسماء لأنه قاسٍ «كالتنين» ومحتال «كالحية» و «مشتك» على الله وعلى شعبه و «عدو كل بر وصلاح».
وَقَيَّدَهُ حسب وعد المسيح في (متّى ١٢: ٢٩ انظر أيضاً كولوسي ٢: ١٥).
أَلْفَ سَنَةٍ المرجّح إن هذا العدد غير حقيقي بل رمزي كسائر أعداد هذا السفر والمراد به مدة طويلة. ولم يتضح لنا بداءة هذه المدة أي مدة تقييد الشيطان وسجنه. ولم نعلم كم من الزمان تقضى على تقييده وسجنه ولا نعلم أقيّد دفعة أم قيّد تدريحياً. وليس لنا من الآية ما يدل على أنه أتامٌ تأثير قيده حتى يمنعه من كل شر أم باق له مع ذلك قوة محدودة أقل مما كانت له قبلاً. والمرجّح أنه يشير إلى إضعاف قوته على التجربة في الوقت المعين.
٣ «وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ ٱلأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً».
متّى ٢٧: ٦٦ ع ٨ و١٠ ص ١٢: ٩
وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ هذا هو المكان الذي يستحقه طبعاً.
وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بالمفتاح منعاً له من إيذاء الناس كالعادة بأن يحملهم على ارتكاب الإثم.
وَخَتَمَ عَلَيْهِ لئلا يفتح أحد باب الهاوية (دانيال ٦: ١٧). وما ذُكر هنا من «القبض والتقييد والختم» شبه بما كان للمسيح في آخر خدمته على الأرض (يوحنا ١٨: ١٢ ومتّى ٢٧: ٦٠ و٦٦).
لِكَيْ لاَ يُضِلَّ ٱلأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ «الأمم» هنا هم المذكورون إنهم في أربع زوايا الأرض «جوج وماجوج» (ع ٨). ظن بعضهم إنهم الوثنيون الذين لا يزالون يعبدون الأوثان في الألف السنة التي يملك فيها القديسون. وظن آخرون إن هؤلاء هم الذين قبلوا ملك المسيح قبولاً عقلياً فهم ليسوا ممن تجددت قلوبهم وتقدست بالروح القدس ولذلك سقطوا في تجربة الشيطان بسهولة على أثر حله. وذهب جماعة إلى أنهم البرابرة وغير المتمدنين من أهل العالم ولكن معنى «الأمم» بمقتضى اصطلاح هذا السفر أشرار الناس الذين لم يقبلوا الله إلهاً لهم. ومعنى إن الشيطان «لا يضلهم» أنه تضعف قوته على تجربتهم. ورأى قوم إن الشيطان يقيّد عن المؤمنين لا عن الكافرين.
وَبَعْدَ ذٰلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً ليرجع إلى عمله الخاص في خداع الناس وحملهم على الإثم. ومعنى قوله «لا بد أن يحل» إن حله حينئذ ضروري لإتمام مقاصد الله. ومهما يكن المراد من «أمم الأرض» فلا ريب في أن «تقييد الشيطان الف سنة» يشير إلى مدة طويلة تستريح فيها الكنيسة وتشارك المسيح في انتصاره المجيد. وليس قليلين من يعتبرون إن مدة ملك المسيح ألف سنة على الأرض قد مضت وإنه حان الوقت الذي «يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ» (ع ٧ و٨). ونظراً لكثرة الآراء في هذا الأمر نرى الأحسن أن لا نعتمد رأياً منها ونتكل على عناية الله حتى يفسر لنا المعنى الذي قصده الروح القدس.
٤ «وَرَأَيْتُ عُرُوشاً فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْماً. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ. وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا ٱلسِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ ٱلْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ».
دانيال ٧: ٩ و٢٢ ص ٣: ٢١ ومتّى ١٩: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٢ ص ٦: ٩ و١: ٩ يوحنا ١٤: ١٩ وإشعياء ٢٦: ١٤ ع ٦ وص ٢٢: ٥ و٣: ٢١ و٥: ١٠
وَرَأَيْتُ عُرُوشاً فَجَلَسُوا عَلَيْهَا نُسب «الجلوس على العروش» إلى الرسل (متّى ١٩: ٢٨) وإلى جميع القديسين (١كورنثوس ٦: ٢ و٣) وإلى كل عبيد الله الحقيقيين كما تفيد القرينة.
وَأُعْطُوا حُكْماً أي سلطاناً على أن يحكموا،
نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا... وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا هذا بيان تلك النفوس وهم قسمان الأول نفوس القتلى من أجل المسيح وكلمة الله وهم تتمة الذين صرخوا من تحت المذبح وأُمروا أن يصبروا حتى يأتي رفقاؤهم فهم أولئك الرفقاء (ص ٦: ١١) الثاني الذين ثبتوا وهم أحياء على الأرض في إيمانهم ودليل ذلك إنهم لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا سمته.
فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ ٱلْمَسِيحِ أي اشتركوا في راحته وانتصاره (متّى ١٩: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٢ و٣). وهذا القول مقصور على نفوسهم دون أجسادهم.
٥ «وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْقِيَامَةُ ٱلأُولَى».
لوقا ١٤: ١٤ وفيلبي ٣: ١١ و١تسالونيكي ٤: ١٦
وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلأَمْوَاتِ أي الذين بقوا بلا إيمان ووُصفوا في (ع ٨ وفي ص ٢١: ٨).
هٰذِهِ هِيَ ٱلْقِيَامَةُ ٱلأُولَى وهي قيامة روحية (إشعياء ٢٦: ١٤ و١٩ وحزقيال ٣٧: ١ - ١٤ و هوشع ١٣: ١٤ وأفسس ٢: ١ و٥: ١٤ ويوحنا ٢: ٢٤ و٢٥ ورومية ٦: ٥ و٢كورنثوس ٥: ١٥ وكولوسي ٢: ١٢). وهذا السفر سفر رموز لا حقائق واقعة. وفي هذا الأصحاح رموز وهي «السلسلة» و «الحية» و «الختم» و «العروش» ويوافق هذه الرموز أن تكون «القيامة الأولى» روحية لا حقيقية ومعناه إن الشهداء يقومون بالروح لا بالجسد أي إن روحهم يظهر في كل المؤمنين فيكون كلهم أهل غيرة وقداسة كالشهداء. ووجود مثل ذلك الروح في الكنيسة يستحق أن يُسمى «بالقيامة الأولى» وهو وصف لحال الكنيسة لا لعملها. ولا مقابلة «للقيامة الأولى» «بقيامة ثانية» بل «بالموت الثاني».
٦ «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي ٱلْقِيَامَةِ ٱلأُولَى. هٰؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلّٰهِ وَٱلْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ».
ص ١٤: ١٣ ع ١٤ وص ٢: ١١ و١: ٦
مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي ٱلْقِيَامَةِ ٱلأُولَى (ص ١٤: ١٣ و١٩: ٩). إن غبطة ذلك «النصيب» تقوم بملك المسيح مع شعبه ملكاً روحياً. وهذا يكون وقت نيل زيادة المعرفة والقداسة «ٱلأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ» (حبقوق ٢: ١٤). وهو الوقت الذي فيه «لاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلِينَ: ٱعْرِفُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ» (إرميا ٣١: ٣٤ انظر أيضاً يوحنا ١٠: ٢٧ و٢٨ و١١: ٢٦). ويكون كل المؤمنين يومئذ مقدسين (ص ١٨: ٢٠ و١٩: ٨) ويصيرون كهنة لله فإذاً ذلك غير مقصور على الشهداء.
هٰؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ وهؤلاء القديسون أجيال متوالية يملكون في عصور متوالية ويحيون حياة مقدسة ويشبهون الشهداء في الروح ويملكون مع المسيح ملكاً روحياً ألف سنة. والمراد «الموت الثاني» هلاك النفس والجسد معاً (متّى ٢٥: ٤٦) وسيأتي تفسير ذلك في (ع ١٤).
سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلّٰهِ وَٱلْمَسِيحِ (ص ١: ٦). وهذا الوعد لكل المؤمنين لا للشهداء فقط وهو إلى الأبد لا إلى نهاية ألف سنة (ص ١٣: ٢).
٧ «ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ».
ع ٢
في هذه الآية وما يليها إلى نهاية الآية العاشرة أنباء يحلّ الشيطان من الهاوية ومحاربته الأخيرة وانكساره الأبدي. وحل الشيطان وما ينتج عنه لم يُذكر في غير هذا السفر ولكن لم يُذكر ما ينافيه فإن الله لم يُعلن كل الحقائق الأزلية لكل نبي فلنا أن نتيقن إن هذا النبأ لو لم يكن حقاً لم يُعلن. وغاية الله منه أن يُظهر فظاعة شر الشيطان وشدة الخطيئة لأنه يتضح بذلك أنه بعد ملك المسيح الروحي المبارك مع شعبه قروناً كثيرة حتى يكاد الناس ينسون اسم الشيطان وشره يظهر خبث الشيطان وانتقامه وقوته ويبقى كما كان فتُعلن المضادة كل الإعلان بين ملكوت المسيح ومُلك الشيطان فيتبين إن الشيطان مستحق الهلاك الذي يصير إليه.
٨ «وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ».
ص ٧: ١ حزقيال ٣٨: ٢ و٣٩: ١ و٦ ص ٦: ١٤ عبرانيين ١١: ١٢
يَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ أي الذين على وجه كل المسكونة وهم كل من عليها من أشرار ومتمدنين وبرابرة وقاصين ودانين فيرجع الشيطان إلى عمله القديم وهو خدع الأمم وإغراؤهم بمقاومة الله.
جُوجَ وَمَاجُوجَ هؤلاء أعداء اليهود وهم سكان البلاد الشمالية رمز بهم حزقيال النبي أولاً إلى القوة الشديدة القاسية المجتمعة على شعب الله وانكسارهم بعد اجتماعهم انكساراً هائلاً حتى شُغلت سبعة أشهر بدفن الموتى (حزقيال ٣٨: ٧ - ١٣ و٣٨: ١٤ - ٢٣ و٣٩: ١١ - ١٦). فأخذ يوحنا رمز حزقيال ليشير به إلى المحاربة الأخيرة بين المسيح وأعدائه.
لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ فإنه أضلهم بأن وعدهم بالأمن والانتصار ليشجعهم على الحرب.
ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ أي لا يحصون.
٩ «فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ ٱلأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَبِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ».
حزقيال ٣٨: ٩ و١٦ و٢٢ وعبرانيين ١: ٦ تثنية ٢٣: ١٤ مزمور ٨٧: ٢ حزقيال ٣٩: ٦ ص ١٣: ١٣
بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ أي المؤمنين الذين يحرسون المدينة المحبوبة (مزمور ٣٤: ٧).
بِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ ليست هذه المدينة أورشليم السماوية بل أورشليم الرمزية باعتبار أنها مركز الكنيسة المسيحية على الأرض وهم المئة والأربعة والأربعون ألفاً الواقفون على جبل صهيون مع الخروف (ص ١٤: ١).
فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ بلا محاربة لأنه لم يذكر هنا واقعة أو حرباً بين الجيشين فيشبه هلاكهم هلاك جيش فرعون في البحر الأحمر حين قال موسى لبني إسرائيل «قِفُوا وَٱنْظُرُوا خَلاَصَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ... ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ» (خروج ١٤: ١٣ وص ١: ١٤ و٧: ١٥ وعبرانيين ١٢: ٢٩ و٢تسالونيكي ١: ٦ - ١٠). والمجاز هنا مبني على ما في (حزقيال ٣٨: ٢٢ و٣٩: ٦). وفي هذا إشارة إلى ما في (٢ملوك ١: ١٠ و١٢ و١٤). وحوادث سدوم وعمورة (تكوين ١٩: ٢٤ وعدد ١٦: ١٦ و١٧ و٣٥ ولاويين ١٠: ١ و٢ ومتّى ٣: ١٢).
١٠ «وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ، حَيْثُ ٱلْوَحْشُ وَٱلنَّبِيُّ ٱلْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ع ٢ و١٤ و١٥ ص ١٩: ٢٠ و١٦: ١٣ و١٤: ١٠
وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ هذا وصف لطبيعته التي امتاز بها.
طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ هذه عاقبة العدو الثالث الأشد من أعداء الكنيسة العظيمة (ص ١٣: ١ و٢ و١١). فعوقب بما عُوقب به قبلاً الوحش والنبي الكذاب مضطهدا الكنيسة الشديدان فطُرح أولاً من السماء (ص ١٢: ٩) وسُجن في الهاوية (ع ٣) ثم أُلقي في بحيرة النار. والظاهر إن هذا موضع أشد العقاب في الهاوية وأدومه لأن الهاوية سجن وقتي وهو أبدي.
سَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ أبدية عقابهم مبنية على أبدية إثمهم ومقاومتهم لله (متّى ٨: ٢٩ و٢٥: ٤١).
١١ «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَٱلْجَالِسَ عَلَيْهِ ٱلَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!».
ص ٤: ٢ وص ٦: ١٤ و٢١: ١ دانيال ٢: ٣٥ وص ١٢: ٨
في هذه الآية وما يليها إلى نهاية الآية الخامسة عشرة وصف الدينونة العامة وما يليها من عقاب الأشرار.
رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً نعته «بالعظمة» تمييزاً له عن العروش المذكورة في (ع ٤) وتعظيماً للجالس عليه.
أَبْيَضَ هذا رمز إلى طهارة الديّان وعدله فهو لم يصف وجهه بل أظهر نتيجة كشفه. والكلام هنا مبني على ما في نبوءة دانيال (دانيال ٧: ٩ و١٠) لم يقصر يوحنا في هذه الآية الدينونة على الابن كما في (يوحنا ٥: ٢٢ و٢٧) لأن العرش عرش الله والخروف (ص ٢٢: ١ انظر ص ٣: ٢١).
مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَاءُ الخ وهذا يصدق على «السماء الأولى والأرض الأولى» فقط لأنه قال بعد ذلك «رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً» (ص ٢١: ١) وقال هنا «هربت» الخ. وقيل في موضع آخر «احترقت» والمراد بالقولين إنها زالت (إشعياء ٥١: ٦ ودانيال ٢: ٣٥ ومتّى ٢٤: ٣٥ و٢تسالونيكي ١: ٧ و٨ و٢بطرس ٣: ١٠ و١٢ انظر أيضاً ص ٦: ١٤ و١٢: ٨ و١٦: ٢٠) وحوادث يوم الدين ذُكرت أيضاً في (متّى ٢٥: ٣١ - ٤٦ ويوحنا ٥: ٢٨ و٢٩).
١٢ «وَرَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ، وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ».
ص ١١: ١٨ دانيال ٧: ١٠ إرميا ١٧: ١ و١٠ ع ١٥ ص ٣: ٥ ع ١٣ وص ٢: ٢٣ متّى ١٦: ٢٧
رَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱلله أي كل البشر من الأبرار والأشرار. فوجودهم للدينونة يستلزم القيامة العامة على أثر مجيء المسيح ثانية.
وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ (ص ٧: ١٣). وهذا مأخوذ مما اعتيد في المحاكم الأرضية وهو بيان إن الدينونة تكون بكل تدقيق لا يُغفل فيها عن شيء.
وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ (دانيال ١٢: ١ وص ٣: ٥ و١٣: ٨ و٢١: ٢٧ انظر مزمور ٦٩: ٢٨ وخروج ٣٢: ٣٢ و٣٣ وفيلبي ٤: ٣). وهذا الكتاب ممتاز عن سائر الكتب بدليل قوله «سفر آخر».
وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ لا بحسب مقامهم أو نجاحهم (جامعة ١٢: ١٤ ومتّى ١٠: ٢٦ و١كورنثوس ٤: ٥ و٢كورنثوس ٥: ١٠).
بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ ذكر هذا مرتين مرة هنا ومرة في الآية التالية لبيان إن الأعمال تشهد بأسلوب الحياة (غلاطية ٣: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ١٠ ويعقوب ٢: ١٤ - ٢٦). «فسفر الحياة» و «سفر الأعمال» يثبت كل منهما الآخر. وعبد المسيح الحقيقي ذُكر اسمه في السفرين سفر الحياة وسفر الأعمال الذي يشهد بما فعله بالإيمان والمحبة والطاعة فيحقق بذلك أنه ليس له اسم «إنه حي وهو ميت» والذين لم يخلصوا ذُكرت خطاياهم فشهدت بأنهم دينوا بالعدل.
١٣ «وَسَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ».
إشعياء ٢٦: ١٩ ص ٦: ٨ و١: ١٨ و٢١: ٤ و١كورنثوس ١٥: ٢٦
سَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا (ص ١: ١٨ و٦: ٨) لأن مفتاح الموت والهاوية في يد المسيح. والمقصود بهذا إن الموتى كلهم في كل الجهات من مدفون وغير مدفون قاموا. ولم يذكر الرسول الذين يكونون أحياء يوم مجيء المسيح لكن ذلك ذُكر في (١تسالونيكي ٤: ١٤ - ١٧).
١٤ «وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي».
ص ٦: ٨ و١: ١٨ و٢١: ٤ و١كورنثوس ١٥: ٢٦ ع ٦
وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ اعتُبرا عدوين لله وكل رفيق للآخر (ص ٦: ٨) بدليل قول بولس الرسول «آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ ٱلْمَوْتُ» (١كورنثوس ١٥: ٢٦ انظر إشعياء ٢٥: ٨ ومتّى ١١: ٢٣ و١٦: ١٨ و١كورنثوس ١٥: ٥٤). و «الموت» و «الهاوية» مقترنان بالخطيئة ونتيجتها ولذلك يدانان معها ومتى بطلت الخطية بطل الموت (ص ٢١: ٤).
هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي وفي بعض النسخ الموت الثاني يلي بحيرة النار (ص ٢: ١١ وع ٦). وهذا هو الموت الروحي موت الذي لا يعرف الله ولا يحبه بل «يحب الظلمة أكثر من النور» ويؤثر الخطية على القداسة. فكما يمكن الإنسان أن يحيا حياتين حياة جسدية وحياة روحية يكون عرضة لموتين. وبعد أن ينال المؤمن الحياة السماوية لا يموت بعد إذ لا موت هناك (ص ٢١: ٤). وكذلك من مات الموت الثاني لا يحيا أيضاً (ع ١٠ ومتّى ٢٥: ٤١) و «الموت الثاني» نصيب الذين رفضوا الحياة التي اشتراها المسيح لكل الخطأة وعرضها عليهم في إنجيله واختاروا الموت الذي هو نتيجة خطاياهم.
١٥ «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ».
ص ١٩: ٢
حكمت محكمة السماء الحكم النهائي فلا استئناف بعده ولا تمييز. لم يذكر الرسول هنا سعادة الأبرار وكانت بداءتها قبل عقاب الأشرار (متّى ٢٥: ٣٤ و٤١ و٤٦).
يتضح من التفسير السابق كثرة الآراء في الألف السنة واختلاف المفسرين في زمان مجيء المسيح الثاني فإن البعض يقولون إنه في أول مدة الألف السنة بناء على ما جاء في (ص ١٩) ويقول غيرهم إنه يكون في آخر المدة المذكورة بناء على أقوال كثيرة في البشائر والرسائل. ولعل الروح القدس لم يقصد أن يوضح لنا تفاصيل هذه الرؤيا بل إننا نفهم جوهرها فقط فيكفينا أن نعرف إن المسيح يأتي ثانية وتكون مدة طويلة يستريح فيها العالم من إبليس بعض الراحة. غير إنه يبقى غير مؤمنين يقومون للمقاومة في آخر المدة وأخيراً ينتصر المسيح على كل أعدائه ويكون يوم لدينونة العالم الأبرار والأشرار فيجب أن لا نصدق الذين يدّعون بأنهم يقدرون أن يفسروا كل شيء بالتفصيل ويعينوا الأوقات تماماً.
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
في هذا الأصحاح بيان سعادة المفديين ومجدهم في وطنهم الأبدي.
١ «ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ ٱلأُولَى وَٱلأَرْضَ ٱلأُولَى مَضَتَا، وَٱلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ».
إشعياء ٦٥: ١٧ و٦٦: ٢٢ و٢بطرس ٣: ١٣ ص ٢٠: ١١ و٢بطرس ٣: ١٠
رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً أنبأ الأنبياء القدماء بهذا «التجديد» وانتظرته الكنيسة منذ زمن بعيد. وكان نظرهم إلى ما هو أبعد وأكمل من الألف السنة المذكورة في (ص ٢٠) ومن ذلك ما في (إشعياء ٦٥: ٧١ و٦٦: ٢٢). وختم حزقيال سفر نبوءته برؤيا سامية أبان فيها إن الأرض المقدسة متجددة (حزقيال ص ٤٠ - ص ٤٨) وأنبأ المسيح تلاميذه بذلك وصدقوا إن الإنجيل قادر على التجديد الروحي (٢كورنثوس ٥: ١٧) وكانوا ينتظرون ذلك دائماً كما أبان بطرس في (٢بطرس ٣: ١٣). و «للجدَّة» في الإنجيل معنيان الأول الحدوث المادي والثاني السمو الوصفي. و «القبر الجديد» الذي وُضع جسد المسيح فيه لم يكن جديداً بأن الناس نحتوه حديثاً بل إنه لم يوضع فيه جسد قبل جسده (متى ٢٧: ٦٠ ويوحنا ١٩: ٤١). و «الزقاق الجديدة» التي أمر المسيح أن يوضع فيها خمر ملكوته الجديد أراد بها ما بقيت قوتها ومرونتها. و «الجدَّة» هنا يراد بها الخلو من الضعف والفساد والفناء وتشير إلى وجود الجمال والمحبوبية. ولا تستلزم أن تصير الأرض والسماء خليقة جديدة بل إن منظرهما يكون جديداً وتكونان موافقتين لأحوال وغايات جديدة. ووصف بطرس «الأرض الجديدة» بأنها «يسكن فيها البر» (٢بطرس ٣: ١٣).
وَٱلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ جزء عظيم من الخليقة الأولى لكن لا محل له في الخليقة الجديدة فلا يفصل بعض السكان عن بعض. والبحر كثيراً ما يكون شديد الاضطراب خالياً من الشفقة تغطيه القواصف والسحب. والبحر رمز إلى الأشرار وأمم الأرض المضطربة الموصوفة بالقلق والخطيئة على وفق قول إشعياء «أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً» (إشعياء ٥٧: ٢٠). فمنه صعد «التنين». و «بابل المكتسية بالأرجوان كانت جالسة على مياه كثيرة» (ص ١٧: ١). ومعنى العبارة إن السماء موضع راحة لا يشوبها قلق وموضع سعادة لا يخامرها شقاء وموضع سرور دائم.
٢ «وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا».
ع ١٠ وص ٢٢: ١٩ ص ١١: ٢ و٣: ١٢ عبرانيين ١١: ١٠ و١٦ ع ٩ وص ٢٢: ١٧ ص ١٩: ٧ إشعياء ٦١: ١٠
رَأَيْتُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةَ لأن أورشليم العتيقة مضت مع الأرض الأولى. «فأورشليم الجديدة» هي المرموز إليها «بأورشليم الأرضية» بعض الرمز وهي «أورشليم العليا أم شعب الله» (غلاطية ٤: ٢٦). وواسطة الإتيان إليها مذكورة في (عبرانيين ١٢: ٢٢ - ٢٤). وذُكرت صفاتها في (ع ١). ومن الواضح إنها ليست مدينة حقيقية بل عبارة عن حال الأبرار في السماء. والتعبير عن السماء «بمدينة» متمم للأشواق السامية فكان إبراهيم «يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا ٱلأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ» (عبرانيين ١١: ١٠). وهذا اشتياق الجنس البشري فهي عبارة عن غاية ما يستطيع الإنسان أن يدركه من درجات الكمال. وفيها كل ما يحتاج إليه الإنسان من الحاجات الشخصية وأعظم المصنوعات الجميلة الفاخرة وما تقوم به الألفة وأفضل وسائل المعرفة وتزيد فيها وسائل السعادة والعلم وخدمة بعض الناس لبعض وتكمل العبادة وكل ما يشتاق إليه الناس من وسائل السعادة والعلم وخدمة بعض الناس لبعض وتكمل العبادة وكل ما يشتاق إليه الناس من وسائل اللذّات العقلية والألفة الإنسانية والعبادة الجمهورية معد في «أورشليم الجديدة». ولهذا قيل «لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ ٱللهُ أَنْ يُدْعَى إِلٰهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً» (عبرانيين ١١: ١٦).
نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ فمصدرها يحقق مجدها. ولعل في هذه العبارة إشارة إلى قول المسيح «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً» (يوحنا ١٤: ٢). فلم تصعد من الأرض أو البحر كأعداء الله (ص ١٣: ١ و١١) بل نزلت من عنده ومثالها في جبل الله (أعمال ٧: ٤٤).
مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا شبهت الكنيسة «بعروس مزينة لرجلها» علاوة على تشبيهها «بمدينة جميلة» (مزمور ٤٥: ١٣ و١٤ وإشعياء ٤٩: ١٨ و٦١: ١٠ و٦٢: ٤ و٥ وأفسس ٥: ٢٥ - ٢٧). و «زينتها» التي بها تُقدم الكنيسة للمسيح «عروساً مجيدة» هي الفضائل من حلم ووداعة وطاعة ومحبة. وتمثلت الكنيسة هنا بأنها «مغسلة من خطاياها» ولابسة «الأثواب البيض» أي الطهارة فهي تُعطي المسيح قلبها باعتبار كونه محبها وسيّدها وملكها.
٣ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَٱللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلٰهاً لَهُمْ».
لاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧ و٤٨: ٣٥ ص ٧: ١٥ عبرانيين ٨: ٢ يوحنا ١٤: ٢٣ و٢كورنثوس ٦: ١٦
سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ وفي أفضل النسخ القديمة «من العرش» المرجّح إن هذا الصوت صوت ملاك.
هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ (ص ٧: ١٥). وهذا دليل على تنازل الله ومحبته لشعبه وقربه إليهم وحمايته لهم. والوصف مبني على «خيمة الاجتماع» التي سكنها الله بين بني إسرائيل وقيل هنا إنه يسكن مع المفديين مطلقاً كما سكن قديماً مع بني إسرائيل «خاصة» فإنهم صاروا جميعاً قبيلة واحدة إذ نُفيت الخطيئة عنهم.
وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ في مسكن حضرته على وفق قوله «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا ١: ١٤).
وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً وفي أفضل النسخ «شعوباً» فالشعوب يكونون إسرائيلاً جديداً في أورشليم جديدة (لاويين ٢٦: ١٢ وزكريا ٨: ٨ و٢كورنثوس ٦: ١١ - ١٨).
وَٱللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلٰهاً لَهُمْ هذا على وفق اسمه «عمانوئيل» أي «الله معنا» (إشعياء ٧: ١٤ انظر أيضاً خروج ٢٩: ٤٥ ولاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧). فالناس المذكورون هنا تبقى لهم سجاياهم الخاصة التي كانت لهم وهم على الأرض لكنهم يكونون خالين من كل نقص. فإبراهيم يبقى «أبا المؤمنين» كما كان ويبقى موسى «مشترعاً» ويبقى داود «المرنم الحلو» ويبقى الرسل «تابعين الرب» ويكون الشهداء والقديسون في كل عصر وأصدقاؤنا «الذين ماتوا في الرب» جزءاً من ذلك الجمهور العظيم حول العرش.
٤ «وَسَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَٱلْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلأُولَى قَدْ مَضَتْ».
ص ٧: ١٧ و٢٠: ١٤و١كورنثوس ١٥: ٢٦ إشعياء ٢٥: ٨ و٣٥: ١٠ و٥١: ١١ و٦٥: ١٩ و٢كورنثوس ٥: ١٧ عبرانيين ١٢: ٢٧
في هذه الآية بيان بعض نتائج تلك الألفة الإلهية.
سَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ لمضيّ كل أسباب البكاء (ص ٧: ١٧ وإشعياء ٢٥: ٨).
وَٱلْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ فلا يرهب الإنسان ولا يخشى فرقة لأن الذي «كان ميتاً وعاش وهو حي إلى الأبد» أبطل الموت (ص ١: ١٨ و٢٠: ١٤).
وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ (إشعياء ٦٥: ١٩).
وَلاَ صُرَاخٌ وهو الصوت العالي الناشئ عن شدة الألم.
وَلاَ وَجَعٌ من مشقة أو تعب (إشعياء ٣٥: ١٠ و٥١: ١١ و٦٥: ١٩).
فالسلبيات المذكورة هنا أي «لا بحر» «ولا دموع» «ولا حزن» «ولا صراخ» «ولا وجع» هي من الأمور الأولى المختصة «بالأرض الأولى» وهي سوابق الراحة الأبدية. وهذه الستة الظلال زالت بزوال الأمور الأولى. وذكر الرسول قليلاً من أفراح السماء على وجه الإيجاب لكنه جمع كل مشقات الأرض ومصائبها التي كانت نتائج الخطيئة وأدوات تأديب الله ومكانه بعد ما ذكرها جميعاً أبطل كل بنائها ومحاها إلى الأبد.
٥ «وَقَالَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً. وَقَالَ لِيَ: ٱكْتُبْ، فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ».
ص ٢٠: ١١ و٤: ٩ و٢٢: ٦ و١٩: ٩
قَالَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ هذا قول الله نفسه السائس كل الأمور منذ بدء الخليقة وهو الذي أجرى كل حوادث تاريخ العالم وجعل «غضب الناس يحمده» و «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَه» (رومية ٨: ٢٨).
هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً (إشعياء ٤٣: ١٩ وإرميا ٣١: ٢٢ و٢كورنثوس ٥: ١٧). ووعد الله بأنه يصنع «خليقة جديدة» من هذه الأرض المشوشة. ومن وجع الناس وأحزانهم والظلمة وأهوالها. فمن هذه كلها تنشأ «أرض جديدة يسكن فيها البر» و «مدينة جديدة صانعها وبارئها الله».
قَالَ لِيَ ٱكْتُبْ الخ هذا الكلام من قول الملاك المتكلم مع يوحنا. أمره الملاك «بالكتابة» هنا كما أمره بها في (ص ١٤: ٣١ و١٩: ٩). والأقوال كالأقوال في (ص ٣: ١٤ و١٩: ١١ و٢٢: ٦) وخلاصتها إنها موافقة لكل مواعيد الله وكل آمال الناس المبنيّة عليها.
٦ «ثُمَّ قَالَ لِي: قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي ٱلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ ٱلْحَيَاةِ مَجَّاناً».
ص ١٦: ١٧ و١٠: ٦ ص ١: ٨ و٢٢: ١٣ و١٧ إشعياء ٥٥: ١ ويوحنا ٤: ١٠ ص ٧: ١٧
قَدْ تَمَّ هذا قول الجالس على العرش ومعناه أنه أنجز ما وعد إذ «جعل كل شيء جديداً» وقيل هذا مرتين الأولى حين أفرغ غضبه على الأشرار (ص ١٦: ١٧) والثانية حين جدد كل شيء.
أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ أي الأزلي الذي لا يتغير وهو علة الجديد كما أنه علة القديم وهو «قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي ١: ١٧ ويوحنا ١: ١) وهو الذي يكمل كل ما ابتدأه بدليل قول الرسول لشعبه «إِنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (فيلبي ١: ٦ انظر أيضاً كولوسي ١: ٢٠). ومنه تصدر كل نعمة وترجع إليه كل محبة لأنه «محبة» ومصدر المحبة وغايتها. وهو بدأ الإنسان فلا يجد الإنسان راحة إلا فيه وكل أشواق النفس تكتفي به ولذلك وعد الوعد الآتي.
أَنَا أُعْطِي ٱلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ ٱلْحَيَاةِ مَجَّاناً لأن ينابيع الحياة فيه (ص ٧: ١٧ و٢٢: ١ وإشعياء ٥٥: ١ ومتّى ٥: ٦ ويوحنا ٤: ١٠ - ١٤ و٧: ٣٧ و٣٨). و «ماء الحياة» ثمين جداً وهو كان لنا بلا ثمن ولا بدل. وهذه البشارة السماوية هي إن «الحياة الأبدية» هبة مجانية.
٧ «مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلٰهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً».
ص ٢: ٧ ع ٣ و٢صموئيل ٧: ١٤ و٢كورنثوس ٦: ١٦ و١٨
مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ (انظر تفسير ص ٢: ٧). كرر هنا الآب السماوي كلمات ابنه ومعناه موافق لما قيل في (يوحنا ١٦: ٣٣ و١يوحنا ٢: ١٣ و١٤ و٥: ٤ و٥). وأبان إن وسائل الغلبة دم الخروف وكلمة الشهادة (ص ١٢: ١١). وذكر إن الغلبة هي «الإيمان» (١يوحنا ٥: ٤). وأراد بقوله «كل شيء» السماء الجديدة والأرض الجديدة وكل أمجاد أورشليم الجديدة المتعلقة بهما.
وَأَكُونُ لَهُ إِلٰهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً هذا يشتمل على كل مواعيد الله فقيل أولاً في سليمان (٢صموئيل ٧: ١٤) ثم قيل في المسيح. ثم في كل المؤمنين به وهو ما قيل هنا. «فالغالبون» يشتركون في كل بركات شعب الله ويشتركون فوق ذلك في ما لابنه الحبيب (ص ٣: ٢١).
٨ «وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ وَغَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلرَّجِسُونَ وَٱلْقَاتِلُونَ وَٱلزُّنَاةُ وَٱلسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ ٱلأَوْثَانِ وَجَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي».
ع ٢٧ وص ٢٢: ١٥ و١كورنثوس ٦: ٩ وغلاطية ٥: ١٩ - ٢١ وص ١٩: ٢١ و٢٠ ص ٢: ١١
ذكر في هذه الآية الذين لا محل لهم في المدينة السماوية.
وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ الذين يخافون من القيام بما يجب عليهم ويستحون بالمسيح. ولم يعن الذين «يعملون إرادة الرب بخوف ورعدة» لضعف طبيعتهم (١كورنثوس ٢: ٣ وعبرانيين ١٢: ٢١).
إن خوف الناس الذي يصير فخاً لهم يمنع من دخول المدينة السماوية ولكن من له إيمان يدخلها بمحاربة الشيطان والخطيئة والعالم ويتبع الخروف حيث يذهب وبالإيمان يغلب.
غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ الذين لا يصدقون كلمة الله والذين ليسوا بأمناء له.
ٱلرَّجِسُونَ المرتكبون الخطايا النجسة (ص ١٧: ٤) لأنه لا يدخل السماء نجس.
ٱلسَّحَرَةُ (تثنية ١٨: ١١ ودانيال ٢: ٢ وملاخي ٢: ٥) كسيمون (أعمال ٨: ٩) وعليم (أعمال ١٣: ٦). و «السحر» من جملة أعمال الجسد (غلاطية ٥: ٢٠).
جَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ أي غير الأمناء للحق ولا لضمائرهم ولا بألسنتهم فهم الذين «استبدلوا حق الله بالكذب» (رومية ١: ٢٥) والذين صفاتهم خلاف صفات هؤلاء هم الذين يدخلون المدينة السماوية. فالأمر الوحيد الذي يمنع من دخول تلك المدينة التي «أبوابها مفتوحة أبداً» (ص ٢٠: ٢٥) هو الخطيئة باعتبار كونها محبوبة لا يراد تركها والرجوع عنها.
٩ «ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ ٱلْمَمْلُوَّةُ مِنَ ٱلسَّبْعِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ ٱلْعَرُوسَ ٱمْرَأَةَ ٱلْحَمَلِ».
ص ١٧: ١ و١٥: ١ و٧ ع ٢ وص ١٩: ٧
في هذه الآية وما يليها إلى (ص ٢٢: ٥) وصف المدينة أورشليم السماوية وخلاصته تسعة أمور:
- الأول: إن كل مجد سكانها من الله (ع ١١ و٢٣ و٢٢: ٥).
- الثاني: إن بركاتها مباحة للجميع لأن أبوابها مفتوحة للكل من كل الجهات (ع ١٢ و١٣).
- الثالث: إن كل سكانها من السماويين والأرضيين جماعة واحدة من الملائكة والآباء والرسول والمؤمنين (ع ١٢ و١٤).
- الرابع: إن سكانها أتوا من أمكنة مختلفة بسجايا مختلفة لأن على أبوابها أسماء الاثني عشر سبطاً (ع ٢١).
- الخامس: إن فيها كل ما هو جميل ولذيذ فمنع من دخولها كل ما يشين بهاءها (ع ١٧ و١٨).
- السادس: إن الحقائق التي تكلم بها الأنبياء القدماء هي مثل الجواهر الثمينة تتبين إنها مبادئ أبدية مملوءة جمالاً ومجداً (ع ١٩ و٢٠).
- السابع: إن سكان السماء يمكنهم أن يستغنوا عن الفرائض والمساعدات التي كانوا يحتاجون إليها وهم على الأرض (ع ٢٢ و٢٣).
- الثامن: إن عبيد الله ينالون في السماء كل ما كانوا يشتاقون إليه من البرّ هنا (ص ٢٢: ١ و٢).
- التاسع: إن بركات السماء متنوعة عظيمة أبدية وللمفديين وسائل جديدة ليخدموا الله (ص ٢٢: ٣ و٤).
وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ (ص ١٥: ٦ و٧) وهو الذي أرى الرسول الزانية القرمزية (ص ١٧: ٤) وأتى ليريه عروس الخروف الطاهرة.
هَلُمَّ فَأُرِيَكَ ٱلْعَرُوسَ ٱمْرَأَةَ ٱلْحَمَلِ أي كنيسة المسيح الحقيقية وهي تمتاز عن الكنيسة الفاسدة بأنها «نزلت من عند الله» فأراه إياها باعتبار كونها مدينة لا عروساً لأنه قد «تم العرس» وسُرّت العروس بالمسيح وسرّ المسيح بها.
١٠ «وَذَهَبَ بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي ٱلْمَدِينَةَ ٱلْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ».
ص ١: ١٠ و١٧: ٣ وحزقيال ٤٠: ٢ ع ٢
وَذَهَبَ بِي بِٱلرُّوحِ (حزقيال ٣: ١٤).
إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ يصعد الناس إلى قنن الجبال ليمتد نظرهم إلى مشاهد واسعة جميلة. وهذا «الجبل» الرمزي مركز تُرى منه المدينة أورشليم السماوية وهي على سهل أو جبل آخر. كذلك نظر موسى من جبل نبو من رأس الفسجة الأرض المقدسة التي لم يسمح له الله أن يدخلها. وكذا نظر الرسل على طور التجلي مجد ذلك الذي هو رب المجد (متى ١٧: ١ - ٤). وأخذ المجرب المسيح إلى «جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْعَالَمِ وَمَجْدَهَا» (متّى ٤: ٨). وعلى مثل ذلك «الجبل» رأى حزقيال وهو منفي في بابل أورشليم الرمزية حين كانت أورشليم الحقيقية ركاماً (حزقيال ٤٠: ٢).
نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ كما قيل في الآية الثانية. رآها يوحنا أولاً من بعد وشغل باله بما قيل له في (ع ٣ - ١٠). والملاك وجه نظره ثانية إلى المدينة فوجدها كما عهدها. و «نزولها من عند الله» يستلزم إن الله سبحانه هو صانعها وبارئها.
١١ «لَـهَا مَجْدُ ٱللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ».
ص ١٥: ٨ وع ٢٣ إشعياء ٦: ١ وحزقيال ٤٣: ٢ وص ٢٢: ٥ ع ١٨ و١٩ وص ٤: ٣ و٦
لَـهَا مَجْدُ ٱللهِ أي السحابة المنيرة التي كانت تحل على خيمة الاجتماع في البرية (ع ٢٣ وص ١٥: ٨).
لَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ (ص ٤: ٣) والمعنى إن المدينة شفافة كالألماس ولكنها ملونة قليلاً بخضرة كالقوس التي كانت حول العرش (ص ٤: ٣). وهذا على وفق معنى قول المسيح إن الكنيسة نور العالم (متّى ٥: ١٤).
١٢ «وَكَانَ لَـهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ، وَكَانَ لَـهَا ٱثْنَا عَشَرَ بَاباً، وَعَلَى ٱلأَبْوَابِ ٱثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ».
حزقيال ٤٨: ٣١ إلى ٣٤ ع ١٥ و٢١ و٢٥ وص ٢٢: ١٤
كَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ هذا مثل قول إشعياء «لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ ٱلْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً» (إشعياء ٢٦: ١ انظر أيضاً مزمور ٣١: ٢١).
وَكَانَ لَـهَا ٱثْنَا عَشَرَ بَاباً كما قيل في (حزقيال ٤٨: ٣١ - ٣٤) بُنيت «الأبواب» للحماية «والسور العظيم العالي» يحقق أمن المدينة السماوية وسلامها (زكريا ٢: ٥).
وَعَلَى ٱلأَبْوَابِ ٱثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً هذا إشارة إلى إن الله يوصي ملائكته بشعبه ليحفظوهم في كل طرقهم (مزمور ٩١: ١١). فهي كحراس وزينة للمدينة باعتبار كونها حصناً حصيناً لأن ليس حولها أعداء.
وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ أي إن الأبواب على ترتيب أسباط إسرائيل في البرية (عدد ٢: ٢ - ٣١ وحزقيال ص ٤٨ ورؤيا ص ٧). وكان هذا الترتيب على وفق الترتيب الذي في سفر العدد فعلى الشرق يهوذا ويساكر وزبولون. وعلى الجنوب رأوبين وشمعون وجاد. وعلى الغرب أفرايم ومنسى وبنيامين. وعلى الشمال دان وأشير ونفتالي. والترتيب في رؤيا حزقيال يختلف عن ذلك (حزقيال ٤٨: ٣٠ - ٣٥). وكان «أسماء الأسباط» عليها دلالة على أن للأسباط حقوقاً ممتازة في دخولها.
١٣ «مِنَ ٱلشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ ٱلشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ ٱلْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ وَمِنَ ٱلْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ».
هذا يشير إلى أن المدينة مفتوحة لكل داخل من كل ناحية وأن سكانها يأتون من كل قطر.
١٤ «وَسُورُ ٱلْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ ٱثْنَا عَشَرَ أَسَاساً، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ ٱلْحَمَلِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ».
وعبرانيين ١١: ١٠ أعمال ١: ٢٦
وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ ٱلْحَمَلِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ كان البناؤون القدماء يكتبون أسماءهم على ما يبنونه (تكوين ٤: ١٧). إن الأسس لم تكن تحت الأرض مدفونة بل كانت ظاهرة. والمراد بها الأعراق السفلى من السور وهي تحيط بكل المدينة وأحدها فوق الآخر. فأسماء الاثني عشر سبطاً على الأسوار تدل على خدمة أتقياء العهد القديم وأنبيائه في بناء المدينة «وأسماء الرسل» تدل على تعليمهم وشهادتهم التي بُنيت عليها أورشليم الروحية. وهذا موافق لقول بولس «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ، ٱلَّذِي فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي ٱلرَّبِّ» (أفسس ٢: ٢٠ و٢١). وقول بطرس «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. ٱلَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ ٱلنَّاسِ، وَلٰكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ ٱللهِ كَرِيمٌ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (١بطرس ٢: ٣ - ٦). فالذي كان يعرف يسوع في مدة خدمته الأرضية صار يعرفه «ابن الله» على جبل صهيون السماوي (ص ١٤: ١) وهو «الخروف» بالنسبة إلى الرسل (يوحنا ١: ٢٩ و٣٦)، وكان الرسل يأخذون تعليمهم كل يوم من الرب فنالوا عنايته ومحبته لهم وأخذوا منه الروح القدس ومواهبه. ووزعوا تعليمه إلى أقاصي الأرض فحق أن يُقال إن «الكنيسة مَبْنِيّة عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ» (أفسس ٢: ٢٠ انظر أيضاً متّى ١٦: ١٨).
١٥ «وَٱلَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كَانَ مَعَهُ قَصَبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ لِكَيْ يَقِيسَ ٱلْمَدِينَةَ وَأَبْوَابَهَا وَسُورَهَا».
ص ١١: ١ ع ٢١ و٢٥ و١٢
هذه المدينة كالمدينة التي رآها حزقيال في الرؤيا يجب أن تُقاس (حزقيال ٤٠: ٢ - ٥ وزكريا ٢: ١ و٢). وكان قياس مدينة حزقيال وزكريا لصونها من الخطر ولكن قياس هذه المدينة كان بياناً لمجدها وجمالها وحسن هندستها.
١٦ «وَٱلْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُـهَا بِقَدْرِ ٱلْعَرْضِ. فَقَاسَ ٱلْمَدِينَةَ بِٱلْقَصَبَةِ مَسَافَةَ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ. ٱلطُّولُ وَٱلْعَرْضُ وَٱلارْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ».
وَٱلْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُـهَا بِقَدْرِ ٱلْعَرْضِ ولعلها كانت على وضع قدس الأقداس في خيمة الاجتماع.
مَسَافَةَ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ بين كل بابين ألف غلوة فمحيط المدينة ينيف على ثلاث مئة ميل انكليزي ويصعب علينا أن نتصور مثل هذه المدينة ولعل المقصود أن نعرف أنها عظيمة جداً لا إن نرسم صورتها في الخيال.
ٱلطُّولُ وَٱلْعَرْضُ وَٱلارْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ هذا يدل على أن ارتفاعها على قدر طولها وهو مناف لما يأتي في (ع ١٧). فالأرجح أن المراد بهذا التساوي أن علوها واحد في كل محيطها.
١٧ «وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعاً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعاً، ذِرَاعَ إِنْسَانٍ (أَيِ ٱلْمَلاَكُ)».
تثنية ٣: ١١ وص ١٣: ١٨ ع ٩
وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعاً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعاً كان أعلى سور سليمان مئة وعشرين ذراعاً (٢أيام ٣: ٤). وعلو بعض سور بابل ثلاث مئة قدم وبعضه مئتي قدم.
ذِرَاعَ إِنْسَانٍ أي ذراع الملاك. فالمعنى أن ذراع الملاك كذراع الإنسان.
١٨ «وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ، وَٱلْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ».
ع ١١ و٢١ ص ٤: ٦
وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا أي جزء سورها الذي فوق الأسس.
مِنْ يَشْبٍ كما قيل في لمعانها (ع ١١ انظر ص ٤: ٣).
وَٱلْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ الذهب أثمن المنطرقات وهو يشير إلى فضيلة المحبة التي هي أعظم الفضائل فإن الله رب المدينة هو محبة وغنى المدينة قائم بالمحبة وكذا كل نشاطها وخدمتها. فكل سكانها ساكنون في المحبة ومحاطون بها.
شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ هذا يدل على أن المحبة في تلك المدينة خالية من الرياء وحب الذات.
١٩، ٢٠ «١٩ وَأَسَاسَاتُ سُورِ ٱلْمَدِينَةِ مُزَيَّنَةٌ بِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ. ٱلأَسَاسُ ٱلأَوَّلُ يَشْبٌ. ٱلثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ. ٱلثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ. ٱلرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ ٢٠ ٱلْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ. ٱلسَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ. ٱلسَّابِعُ زَبَرْجَدٌ. ٱلثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ. ٱلتَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ. ٱلْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ. ٱلْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ. ٱلثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ».
إشعياء ٥٤: ١١ وع ١٩ و٢٠ خروج ٢٨: ١٧ - ٢٠ وحزقيال ٢٨: ١٣ ص ٤: ٣
في هذه الآية والتي تليها بيان مواد الأسس في كل محيط المدينة. كانت «الزانية» متحلية «بأرجوان وقرمز وذهب» (ص ١٧: ٤). و «المرأة» عروس المسيح كانت متحلية «بجواهر» أجمل من تلك وأثمن. قال المسيح «لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ ٱلآنَ فِي هٰذَا ٱلّزَمَانِ، بُيُوتاً وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ الخ» (مرقس ١٠: ٢٨ - ٣١) قابل هذا بما في (إشعياء ٥٤: ١٢). كون الأسس متنوعة الأشكال يدل على تنوع المواهب والخدم والوحدة في الذات إذ لها رب واحد وروح واحد. وتلك «الأسس» غير مرتبة كترتيب الحجارة في صدرة الحبر الأعظم بل مرتبة بالنظر إلى نسبة بعض الألوان إلى بعض. وكون عددها «اثني عشر» يشير إلى الكمال. والمقصود بها بيان اتحادها وقوتها وجمالها والنور السماوي يقع على حجارة أرضية إظهاراً لعظمتها. وهذا لبيان ألوان الأسس.
ٱلأَوَّلُ يَشْبٌ وهو حجر كريم أخضر لامع (ع ١١ و١٨).
ٱلثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ (خروج ٣٩: ١١ وحزقيال ٢٨: ١٣).
ٱلثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ يضرب قليلاً إلى الزرقة (خروج ٢٨: ١٩ و٣٩: ١٢).
ٱلرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ (خروج ٢٨: ١٧ و٣٩: ١٠ وحزقيال ٢٨: ١٣).
ٱلْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ أبيض يضرب إلى الحمرة (خروج ٣٩: ١١ وحزقيال ٢٨: ١٣).
ٱلسَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ (ص ٤: ٣).
ٱلسَّابِعُ زَبَرْجَدٌ وهو أصفر ذهبي.
ٱلثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ أخضر يضرب إلى الزرقة.
ٱلتَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ وهو ظاهر.
ٱلْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ وهو ظاهر.
ٱلْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ أي أزرق سماوي (خروج ٢٨: ١٩ و٣٩: ١٢).
ٱلثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ وهو بنفسجي اللون. وكل هذه الحجارة ثمينة تليق بالمدينة السماوية فهي مختلفة الألوان متفقة في الجمال.
٢١ «وَٱلاثْنَا عَشَرَ بَاباً ٱثْنَتَا عَشَرَةَ لُؤْلُؤَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلأَبْوَابِ كَانَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ. وَسُوقُ ٱلْمَدِينَةِ ذَهَبٌ نَقِيٌّ كَزُجَاجٍ شَفَّافٍ».
ع ١٥ و٢٥ و١٢ ص ١٧: ٤ وإشعياء ٥٤: ١٢ ع ٢١ وص ٤: ٣
وَٱلاثْنَا عَشَرَ بَاباً ٱثْنَتَا عَشَرَةَ لُؤْلُؤَةً (إشعياء ٥٤: ١٢). كانت «الأسس» متنوعة لكن «الأبواب» متماثلة وهذا يشير إلى أن كل الذين يدخلون المدينة من طرق مختلفة يدخلون بباب واحد وهو المسيح (إشعياء ١٤: ٦ وأعمال ٤: ١١ و١٢ و١كورنثوس ٣: ١١ وعبرانيين ١٠: ٢٠). و «اللؤلؤة» رمز إلى الحق وهو الجوهر الذي لا يحتاج إلى آلة الجوهري. وكذا حال الحق الذي يحرر الإنسان.
٢٢ «وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱللهَ ٱلْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَٱلْحَمَلُ هَيْكَلُهَا».
يوحنا ٤: ٢٢ متّى ٢٤: ٢ ص ١: ٨ و٥: ٦ و٧: ١٧ و١٤: ٤
لَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً إن في رؤيا حزقيال هيكلاً عظيماً (حزقيال ص ٤١ و٤٢) فليس من احتياج إلى المعونات والفرائض والذبائح في العبادة المسيحية كالعادة اليهودية وليس من احتياج إليها في العبادة السماوية فهي كالعبادة المسيحية على الأرض «وَأَمَّا ٱلنُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَٱلأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَٱلْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ» (١كورنثوس ١٣: ٨ وأفسس ٤: ١١ - ١٣). والكنائس تهدم والجمعيات القائمة بنشر الإنجيل لا يبقى من حاجة إليها وتزول كل خدمة وسياسة في الكنيسة ويبقى «الله الكل في الكل» فيكون هو «الهيكل» و «المقدس» والمجتمع لشعبه (حزقيال ٤٨: ٣٥ ويوحنا ١٤: ٢ - ٢٤). ولا محل في السماء أقدس من غيره فكلها مقدسة فالله والخروف قدّسا كل مواضعها بحضورهما الدائم لأنهما موضوع العبادة. والذبيحة العظيمة أي الخروف هناك.
٢٣ «وَٱلْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلاَ إِلَى ٱلْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ ٱللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَٱلْحَمَلُ سِرَاجُهَا».
إشعياء ٢٤: ٢٣ و٦٠: ١٩ و٢٠ وع ٢٥ وص ٢٢: ٤ ع ١١
وَٱلْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلاَ إِلَى ٱلْقَمَرِ لأن الله نور ومسكنه النور والقداسة فلا ظلمة لديه. والمسيح هو «نور العالم» والنور في أورشليم الجديدة يضيء فيها كما ضاء في خيمة الاجتماع وقدس الأقداس في هيكل سليمان. والقول هنا مبني على ما في (إشعياء ٦٠: ١٩). فالله يجعل كل عبيده «كالكواكب المضيئة» (دانيال ١٢: ٣). والكنائس المسيحية هي نور العالم.
وَٱلْحَمَلُ سِرَاجُهَا بالنظر إلى عمله على الأرض فادياً ووسيطاً فلا ننسى أبداً إن المسيح كان «كنعجة تُساق إلى الذبح» فهو الذي يمنح المدينة مجداً وسروراً. وكون «الخروف سراجها» يذكّرنا بالمنارة الذهبية في الخيمة والهيكل (متّى ٥: ١٤).
٢٤ «وَتَمْشِي شُعُوبُ ٱلْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا».
إشعياء ٦٠: ٣ و٥ ص ٢٢: ٢ مزمور ٧٢: ١٠ وإشعياء ٤٩: ٢٣ و٦٠: ١٦ وع ٢٦
تَمْشِي شُعُوبُ ٱلْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا أي تكون الكنيسة للأمم بمنزلة الشمس والقمر. وهذا يدل على أنه يبقى في «الأرض الجديدة» سكان لكنهم لا يكونون أعداء لله كما كان الناس قبلهم بل يكونون عبيداً له (ص ٢٢: ٣).
مُلُوكُ ٱلأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا رأى يوحنا على الأرض في عصره كنائس المسيح مهانة مضطهدة صغيرة ولكنه رأى في رؤياه أنها في المستقبل واسعة مكرمة تزدحم إليها الجماهير وإن النبوءات المتعلقة بها قد تمت مثل قوله «يَكُونُ ٱسْمُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. قُدَّامَ ٱلشَّمْسِ يَمْتَدُّ ٱسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ ٱلأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ» (مزمور ٧٢: ١١ و١٧).
٢٥ «وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ».
إشعياء ٦٠: ١١ إشعياء ٦٠: ٢٠ وزكريا ١٤: ١٧ وص ٢٢: ٥ ع ٢٣
أَبْوَابُهَاّ لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً للسلام والأمن وزوال الخطر وانتفاء الأعداء.
لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ لأن الله شمسها. فالخطيئة تجعل العالم مظلماً والحزن ينفي النور من بيوت الناس ومن قلوبهم وكذا المرض والموت وكل هذه الأسباب تكون قد زالت إلى الأبد (إشعياء ٦٠: ١١ وحزقيال ٣٨: ١١) ولعل يوحنا ذكر هنا «الليل الذي خرج فيه يهوذا» للخيانة وتسليم المسيح (يوحنا ١٣: ٣٠).
٢٦ «وَيَجِيئُونَ بِمَجْدِ ٱلأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا».
إن تقدماتهم تشهد لهم بالشكر لله والمحبة والعبادة. فنسب هنا إلى «أورشليم السماوية» ما كان «لأورشليم الأرضية» من إكرام ملوك الأمم (إشعياء ٤٥: ١٤ و٩: ٢٣ و٦٠: ١٠ و١١).
٢٧ «وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِساً وَكَذِباً، إِلاَّ ٱلْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ».
ص ٢٢: ١٤ إشعياء ٥٢: ١ وحزقيال ٤٤: ٩ وزكريا ١٤: ٢١ ص ٣: ٥
لَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ مع أن أبوابها مفتوحة أبداً. وهذا تأكيد للوعد الذي في الآية الثامنة وهو أن لا يدخل السماء خطية. كان اليهود يجتهدون في منع كل رجس من مقدسهم وكانت غاية الله من التمييز بين الطاهر والنجس من الأطعمة تعليم وجوب القداسة وأن لا يدخل في حضرة الله شيء من الإثم. ومثل هذا الاعتناء بالاحتراس من النجاسة الأدبية في الهيكل السماوي (٢كورنثوس ٦: ١٧ و١٨ و٧: ١). فإنه من أعظم بركات السماء أن لا يدخلها شيء مما يدنس فمن دخل بابها ترك الخطيئة خارج ذلك الباب (ص ١٨: ٤).
ٱلْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ (ص ١٣: ٨ و٢٠: ١٢) انظر تفسير ذلك. فإن كان شعوب الأرض وملوكها «يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها» و «لا يدخلها إلا الذين مكتوبة أسماؤهم في سفر الحياة» فيلزم من ذلك إن أسماء أولئك مما كُتب في ذلك السفر وهذا من أعظم انتصارات الفداء.
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
١ «وَأَرَانِي نَهْراً صَافِياً مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعاً كَبَلُّورٍ خَارِجاً مِنْ عَرْشِ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ».
ص ٢١: ٩ وع ٦ ص ١: ١ مزمور ٤٦: ٤ وحزقيال ٤٧: ١ ع ١٧ ص ٧: ١٧ و٤: ٦
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الخامسة وصف السماوات الجديدة والأرض الجديدة. وبيان إن كل ما خسره الناس بالخطيئة من (نِعم) الفردوس الأرضي يجدونها في الفردوس السماوي بواسطة الخروف.
أَرَانِي أي الملاك الذي تكلم معه.
نَهْراً صَافِياً مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ كلمة «صافياً» ليست في أفضل النسخ هذا يشبه ما كان يجري من جنة عدن (تكوين ٢: ١٠) إلا أن ينبوعه أسمى من ينبوع ذاك. وهو يشبه النهر الذي جرى من الصخرة التي ضربها موسى بالعصا فمصدره مصدر ذلك (مزمور ١٠٥: ٤١) ويشبه الذي رآه النبي يوئيل (يوئيل ٣: ١٨) وما رآه النبي زكريا (زكريا ١٤: ٨) والذي وصفه حزقيا بأنه «جرى من تحت عتبة بيت الله وكان يزداد اتساعاً وعمقاً وعظمة كلما زاد جرياناً ويأتي بالحياة كلما مرّ به» (حزقيال ٤٧: ١ - ١٢). والذي ترنم به داود وهو قوله «يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ ٱلْحَيَاةِ» (مزمور ٣٦: ٨ و٤٦: ٤) وأشار بهذا إلى الفرح والمشاركة لله التي تمتع بها المؤمنون بالتعليم الإلهي وعطية الروح القدس المواهب للنعمة والسلام والحياة الروحية (إشعياء ٦٦: ١٢ ويوحنا ٤: ١٠ - ١٤ و٧: ٣٧ - ٣٩).
خَارِجاً مِنْ عَرْشِ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ أي إن ينبوعه الله ويلزم منه أن ينبوعه واحد وهو عرش الله والخروف أي النعمة غير المحدودة والذبيحة الكفارية.
٢ «فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى ٱلنَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ ٱلشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ ٱلأُمَمِ».
حزقيال ٤٧: ١٢ وص ٢١: ٢١ ع ٤ و١٩ وص ٢: ٧
فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى ٱلنَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ فيظهر من ذلك إن النهر جار في وسط شوارع المدينة وعلى جانبه أشجار الحياة وهذا مبني على ما في (تكوين ٢: ٩) إلا أنه ذُكر في سفر التكوين شجرة واحدة وكلام الرؤيا يستلزم أشجاراً كثيرة.
تَصْنَعُ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا فأثمارها تكفي الذين «يجوعون إلى البر» كما أن ماء نهو الحياة يكفي «العطاش» إليه (متّى ٥: ٦). فحملها «كل شهر» يشير إلى كثرة أثمارها ودوامها فيُراد «بالشهر» هنا حصة قليلة من الزمن.
وَوَرَقُ ٱلشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ ٱلأُمَمِ قيل سابقاً إن «لا مرض هناك ولا وجع» (ص ٢١: ٤) وأبان هنا علة حفظ الصحة أبداً. و «الأمم» هنا هم المذكورون في (ص ٢١: ٢٤). كان كل من «نهر الحياة» و «شجرة الحياة» في جنة عدن الفردوس الأرضي وهما أيضاً في الجنة العليا الفردوس السماوي (تكوين ٢: ٩ و٣: ٢٢ وحزقيال ٤٧: ٧ - ١٢). وأنواع «الأثمار اثنا عشر» كعدد «أسس المدينة وعدد أبوابها» تشير إلى أنواع الفداء الروحي الكثيرة المتنوعة الوافية باحتياج السماويين. وكون نوع «الشجر واحداً» يدل على الاتحاد. وكون أثمارها «اثني عشر» نوعاً يشير إلى تنوع الحاجات فتوافق حاجات شعب الله المتنوعة (أمثال ٣: ١٨). ولا محل في الفردوس السماوي لشجرة معرفة الخير والشر فشجرة الحياة موافقة لتعليم الإنسان أن يجعل حياته نافعة أعظم نفع للجميع (١كورنثوس ١: ٢٢ - ٢٤ و٣٠ ويعقوب ٣: ١٧). ويسوع هو «خبز الحياة» في العالم الحاضر والعالم المستقبل لأن «شجرة الحياة» هي المسيح (ص ٢: ٧).
٣ «وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ».
ص ٢١: ٣ و٢٣ و٧: ١٥
وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ كما كانت على الأرض بعد المعصية الأولى التي كانت علة أن «تنبت الأرض شوكاً وحسكاً» (تكوين ٣: ١٧). فإزالة اللعنة تلزم إزالة التعب والألم المقترن بها وإزالة لزوم أن «يؤكل الخبز بعرق الجبين» وفي هذا إشارة إلى إزالة كل نتائج اللعنة مما ذكر في (يشوع ٧: ١٢ وزكريا ١٤: ١١).
وَعَرْشُ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا فلا يكون حضوره محجوباً عن الناس كما هو محجوب الآن. فللمفديين حق الاقتراب إليه دائماً والله يملك بمقتضى مبادئ العدل والطهارة والمحبة.
وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ أي كل سكان السماء يخدمونه عبيداً له ويخدمونه كالكهنة في الهيكل الأرضي القديم. فإنهم سرّوا وهم على الأرض بأن يدعوا أنفسهم «عبيده» (فيلبي ١: ١ و١بطرس ١: ١ ويهوذا ١). وخدموه على الأرض بمقاومات من خارج كثيرة وهم لا يشاهدونه ليتعزوا بحضوره ولكنهم يخدمونه في السماء بسرور وشبيبة خالدة.
٤ «وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ».
متّى ٥: ٨ مزمور ١٧: ١٥ و٤٢: ٢ ص ١٤: ١ و٧: ٣
وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ يرون وجهه متغيرين إلى شبهه (٢كورنثوس ٣: ١٨) بدليل قول المرنم «أَشْبَعُ إِذَا ٱسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور ١٧: ١٥) فيرونه لأنهم مثله وهم مثله لأنه يرونه. قال الله لموسى «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ٣٣: ٢٠). فالبركة الممنوعة على الأرض ممنوحة للقديسين في السماء (متّى ٥: ٨ و١يوحنا ٣: ٢).
وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ كما كان على عصابة الحبر الأعظم (خروج ٢٨: ٣٦ - ٣٨).
٥ «وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلإِلٰهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ص ٢١: ٢٣ و٢٥ وزكريا ١٤: ٧ دانيال ٧: ١٨ و٢٧ ص ٢٠: ٤ ومتّى ١٩: ٢٨ ورومية ٥: ١٧
لاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ كما قيل في (ص ٢١: ٢٥) وهذا يستلزم أن ليس هنالك حزن لأن الظلمة رمز إلى الحزن ولا جهل ولا شك لأن الظلمة تستعار لهما.
وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ فالمفديون في السماء في غنى عن الأضواء الأرضية ومصادرها لأن نور الشمس والأرض هو نورهم وأبناء النور يسيرون في ضوء وجهه. إنهم كانوا سائحين إلى صهيون السماوية بمرارة نفس وعياء ولكنهم تقدموا من قوة إلى قوة حتى إنهم وصلوا إليها والرب نورهم ومحبتهم وهو قد أعطى النعمة وحينئذ يُعطي المجد «ٱلرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْداً. لاَ يَمْنَعُ خَيْراً عَنِ ٱلسَّالِكِينَ بِٱلْكَمَالِ. يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ، طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ» (مزمور ٨٤: ١١ و١٢).
٦ «ثُمَّ قَالَ لِي: هٰذِهِ ٱلأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعاً».
ص ١٩: ٩ و٢١: ٥ ص ١: ١ و١كورنثوس ١٤: ٤٢ ع ١٦ وعبرانيين ١٢: ١
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الأصحاح كلام التعزية والإنذار.
ثُمَّ قَالَ لِي أي رفيق يوحنا في هذه الرؤيا.
هٰذِهِ ٱلأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ هذا مقول على كل ما في هذا السفر وكثير منه كلام المسيح (ص ١: ٥) هو «الشاهد الأمين» (ص ٣: ١٤).
وَٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ هذا برهان القول السابق (ص ١: ١). والمتكلم هنا هو الله الذي كلّم الناس بالأنبياء (٢بطرس ١: ٢١).
٧ «هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ».
ع ١٢ و٢٠ وص ٣: ١١ و١: ٣ و٣: ٣ و١٦: ١٥ ع ١٠ و١٨ وص ١: ١١
هَا أَنَا تكلم المسيح ليثبت قول الملاك.
آتِي سَرِيعاً (انظر تفسير ص ١: ٤ و٣: ١١ و٢٢: ٢٠).
طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ هذا السفر لم يكمل لكن الله أمر يوحنا أن يكتبه وأعلن له ما في (ص ١: ١٩) ولذلك حسبه كأنه كمل فالغبطة ليست لم يقرأ ويسمع أقوالها فقط ويتعجب مما أُعلن فيها بل للذين يحفظون أقوالها ويطيعونها. فالذي يحب المسيح يحفظ وصاياه (يوحنا ١٤: ١٥) كما أن المسيح أحب أباه وحفظ وصاياه (يوحنا ١٥: ١٠). فالذين يسمعون أقوال المسيح يثبتون كالذي بنى بيته على الصخرة (متّى ٧: ٢٤ و٢٥). فثوابه أنه يغلب الموت بدليل قول المسيح «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ٨: ٥١).
٨ «وَأَنَا يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هٰذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ ٱلْمَلاَكِ ٱلَّذِي كَانَ يُرِينِي هٰذَا».
ص ١٩: ١٠ و١: ١
أَنَا يُوحَنَّا أضاف المسيح في (ع ٧) شهادته إلى شهادة الملاك وأضاف يوحنا هنا شهادته إلى شهادة المسيح وصرّح بأن هذا السفر ليس من أحلامه بل هو إعلان إلهي. والقول هنا موافق لقوله في رسالته الأولى (١يوحنا ١: ١ - ٣).
خَرَرْتُ لأَسْجُدَ غلب العجب يوحنا ثانية مما شاهده من المعلنات وكان على وشك أن يسجد للملاك الذي تكلم معه فمُنع ثانية (انظر ص ١٩: ١٠).
٩ «فَقَالَ لِيَ: ٱنْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ، وَٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هٰذَا ٱلْكِتَابِ. ٱسْجُدْ لِلّٰهِ».
ص ١٩: ١٠ وص ١: ١
خلاصة التوبيخ في هذه الآية مثل التوبيخ السابق (ص ١٩: ١٠) وهي إن كل الخلائق العقلية من ملائكة وأنبياء ورسل وكل المؤمنين فكلهم متحدون في خدمة واحدة لرب واحد.
١٠ «وَقَالَ لِي: لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ، لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ».
دانيال ٨: ٢٦ وص ١٠: ٤ ص ١: ٣
لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ أي أعلنها لأنه لا يجوز النطق بها.
لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ أي وقت إنجازها فهي تعزية للمؤمنين وإنذار للأشرار. وهذا الأمر خلاف أمر الله لدانيال إذ قيل له «فَٱكْتُمِ ٱلرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (دانيال ٨: ٢٦). كانت نبوءة دانيال استعدادية وبعيدة زمن الإنجاز ولكن نبوءات هذا السفر مختصة بزمان قريب بمقتضى قول يوحنا «هِيَ ٱلسَّاعَةُ ٱلأَخِيرَةُ» (١يوحنا ٢: ١٨). وعلى أثره الوقت الذي قال فيه المسيح «يُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي ٱلْمُنْتَهَى» (متّى ٢٤: ١٤).
١١ «مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».
حزقيال ٣: ٢٧ ودانيال ١٢: ١٠
خلاصة هذه الآية إن وقت الامتحان مضى وإن عمل الفداء انتهى وفات زمان التوبة والانتقال من الموت إلى الحياة وقد خلص المخلصون ودين الأشرار. وفيها أيضاً بيان إن كل أعمال الإنسان تميل إلى حال دائمة لا تغير فيها فالذي يزرعه الإنسان في العاجل يحصده في الآجل. فمن يزرع عملاً حصد عادة ومن زرع سجية حصد نصيباً أبدياً. فقسم الناس هنا إلى قسمين «الأشرار» و «الأتقياء» فقسم الأشرار إلى «ظالمين» و «نجسين» والأتقياء إلى «أبرار» و «مقدسين» وأبان إن الأشرار يميلون أبداً إلى زيادة الشر حتى يهبطوا في هاوية الإثم. وإن الأبرار يميلون كذلك إلى الارتقاء في أعلى مراقي القداسة. والمراد «بالظالم» هنا هو الذي يدوس حقوق الله والناس «وبالنجس» الذي يسيء إلى جسده ونفسه. و «البار» هو الذي يرعى حقوق غيره حقوق الخالق والمخلوق. و «المقدس» الذي يحفظ نفسه طاهرة. ولعل مراده إن وقت مجيء المسيح قريب وقربه يجعل الفرصة قصيرة لإصلاح السيرة والتوبة. فإذاً وجب على الناس أن يغتنموا الفرصة الحاضرة ليتوبوا ويخلصوا وإلا اعتادوا الإثم وتعسر عليهم الرجوع عنه. وهذا تصريح بقرب يوم الدين (قابل هذا بما في حزقيال ٣: ٢٨ ومتّى ٢٦: ٤٥).
١٢ «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعاً وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ».
ع ٧ إشعياء ٤٠: ١٠ و٦٢: ١١ ص ٢: ٢٣ وإرميا ١٧: ١٠ متّى ١٦: ٢٧
هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً المتكلم في هذه الآية الرب يسوع المسيح وهو قد أتى ليبطل نظام العالم الحاضر ويختم على زمان النعمة.
وَأُجْرَتِي مَعِي كما قيل في (ص ١١: ١٨ وإشعياء ٤٠: ١٠ و٦٢: ١١ وغلاطية ٦: ٧ و٨).
لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ كما قيل في (أيوب ٣٤: ١١ ومزمور ٦٢: ١٢). ونسب هذا «الجزاء» إلى الله الآب في (رومية ٢: ٦) وإلى المسيح بدليل قوله هو في (متّى ١٦: ٢٧).
١٣ «أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ».
ص ١: ٨ و١١ و١٧ و٢١: ٦
أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ الخ كما قيل في (ص ٢١: ٦) فانظر التفسير هناك. ونُسب هذا القول إلى الآب في (ص ١: ٨ و٢١: ٥). ونُسب هنا إلى الآب والمسيح المتكلم باسمه. قابل بهذا ما في (يوحنا ١: ١ وإشعياء ٤٤: ٦). وقد أبان في ما سبق قانون العقاب على الخطيئة وأبان هنا إن الإنذار ليس تهديداً فارغاً بل حادثة هائلة يظهر بها التعلق بين الخطيئة وقصاصها. ونشكر الله على أن هذا الحكم لم يجر بعد فإن الله نفسه لم يزل مستعداً أن يكون ملجأ لنا من نتائج خطايانا فإن تبنا عن الخطيئة وتركناها أظهر الله رحمته لنا. فإن نواميس الله هي قادرة على أن تجلب العقاب على الأثمة. نعم وأقدر من هذه «الذراع الأبدية» الراحمة (تثنية ٣٣: ٢٧).
١٤ «طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ وَيَدْخُلُوا مِنَ ٱلأَبْوَابِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ».
ص ٧: ١٤ وع ٢ ص ٢١: ١٢ و٢٧
طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ في هذه الآيات بيان للبركات التي وُعد بها المؤمنون الطائعون في (ع ٧ و٩) وفي بعض النسخ «يغسلون ثيابهم».
يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ الخ إن النسل البشري فقد الحق في تلك الشجرة بمعصية الوالدين الأولين آدم وحواء لكنه حصّله ثانية الطائعون من النسل المذكور بواسطة موت المسيح على الصليب فإنه كسب الحق للناس وأدخلهم الأبواب اللؤلؤية إلى المدينة السماوية. وهذا طريق آخر لقوله إن المؤمنين يقتنون المسيح الذي هو «باب» السماء وبه ولهم سلطان على شجرة الحياة لأنه «صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ ٱللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» (١كورنثوس ١: ٣٩).
١٥ «لأَنَّ خَارِجاً ٱلْكِلاَبَ وَٱلسَّحَرَةَ وَٱلزُّنَاةَ وَٱلْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ ٱلأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِباً».
١كورنثوس ٦: ٩ و١٠ وغلاطية ٥: ١٩ وص ٢١: ٨ فيلبي ٣: ٢ متّى ٨: ١٢ تثنية ٢٣: ١٨ متّى ٧: ٦
لأَنَّ خَارِجاً ٱلْكِلاَبَ تشبه المدينة السماوية المدن الأرضية من جهة ما هو في خارجها. فإن في خارج أبواب المدن الأرضية كلاباً بلا أصحاب جائعة جداً مخاصمة تأكل جثث البهائم وكل الأقذار (١ملوك ١٤: ١١ و١٦: ٤ و٢١: ١٩ و٢٢: ٣٨ و٢ملوك ٩: ١٠ و٣٦ ومزمور ٥٩: ٦ وإرميا ١٥: ٣). حتى صارت الكلاب رمزاً إلى أشرار الناس القساة النجسين (مزمور ٢٢: ١٦ و٢٠) وكونهم نجسين يوجب منعهم من دخول المدينة السماوية.
وَٱلسَّحَرَةَ وَٱلزُّنَاةَ الخ أنواع الخطأة المذكورة هنا مثل التي ذُكرت في (ص ٢١: ٨). والمقصود بهذا بيان وجوب الانفصال التام عن كل تلك الخطايا وإلى صنع البر من الذين يرغبون في دخول المدينة السماوية.
١٦ «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ عَنِ ٱلْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرُ».
ص ١: ١ و٤ و١١ وع ٦ وص ٣: ٢٢ و٥: ٥ متّى ١: ١ و٢: ٢ ص ٢: ٢٨
أَنَا يَسُوعُ هذا متعلق بفاتحة السفر وهي «إعلان يسوع المسيح» (ص ١: ١). وهو الاسم الذي أعلن ابن الله نفسه به لشاول الطرسوسي (أعمال ٩: ٥).
أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ شهد المسيح هنا بصدق كل أقوال هذا السفر وأبان الاتصال بين تاريخه وهو على الأرض بتاريخه وهو في السماء. فأعلن نفسه أصل كل مواعيد السفر وعربونها وهو قادر على إنجازها لأنه به اتصلت الأرض بالسماء فيصعد وينزل على ابن الإنسان ملائكة الله (يوحنا ١: ٥١).
بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ عَنِ ٱلْكَنَائِسِ ما شهد المسيح به لكنائس أسيا السبع شهد به لكل الكنائس.
أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ لأنه رب داود وابنه وهو «عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» وهو جالس على كرسي داود (متّى ٢٢: ٤٢ - ٤٥ ولوقا ١: ٣١ - ٣٣).
كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرُ الذي يبشر بطلوع النهار الكامل (ملاخي ٤: ٢ و٢بطرس ١: ١٩). ويحتمل أنه في هذا إشارة إلى ما في (عدد ٢٤: ١٧ ولوقا ١: ٧٨ وزكريا ٣: ٨ و٦: ١٢). فالمسيح محبوب عند متنصري اليهود لأنه «ابن داود» وعند مؤمني الأمم لأنه موضوع ابتهاجهم باعتبار كونه «كوكب الصبح المنير».
١٧ «وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ. وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ. وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً»
ص ٢: ٧ و١٤: ١٣ و٢١: ٩ و٦ ع ٢ وص ٧: ١٧
وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ بفم واحد فهو صوت واحد فإن الروح يحث العروس التي هي الكنيسة لتطلب مجيء المسيح إليها والعروس تطلبه بمقتضى تعليم الروح. وطلب الروح هذا على وفق كل المواعيد في كتاب الله الذي أوحى به. وهو ينشئ الطلب في قلوب المؤمنين. فصوت الكنيسة صدى صوت المسيح فإنه هو قال «أنا آتي» وهي تجيبه بقولها «تعال». فهذا السفر سفر إعلان الآتي. فانفتح بقوله «هوذا يأتي» (ص ١: ٧) وخُتم بطلب هذا الإتيان (ع ٢٠).
وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ هذا قول يوحنا فهو كان يسمع بالإيمان صوت الروح والعروس ويطلب مجيء المسيح على أثر طلبهما إياه. فأمر كل من يسمعون أن يطلبوا ذلك المجيء.
وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ هذا قول المسيح لا للعالم بل للكنيسة التي قد شربت من ماء نهر الحياة وتشتهي أن تشرب أيضاً. فأعضاء الكنيسة هم العطاش إلى مجيئه فيقتربون إليه حسب قوله «اقتربوا إلى الله فهو يقترب منكم». وكلما اقتربوا إلى المسيح أحبوا ظهوره واشتهوا حضوره ولم يخافوا وقالوا «تعال».
وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً هذا قول المسيح تفسيراً لما سبق وهو موافق لقوله في بشارة يوحنا (لوقا ٧: ٣٧).
١٨، ١٩ «١٨ لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هٰذَا يَزِيدُ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلْمَكْتُوبَةَ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. ١٩ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ يَحْذِفُ ٱللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ».
تثنية ٤: ٢ و١٢: ٣٢ وأمثال ٣٠: ٦ ص ١٥: ٦ - ١٦: ٢١ ع ٢ ص ٢١: ١٠ - ٢٢: ٥
لأَنِّي أَشْهَدُ هذا قول الرسول وشهادته الأخيرة. فإن هذا السفر مؤلف شاهد أمين ألفه طوعاً لأمر المسيح وبإرشاد الروح القدس فتكلم بسلطان لأنه علم إن الروح علمه فهو لم يضف إليه شيئاً مما أعلنه الله فيه مما يُضعف قوة تهديداته أو مما يقلل قيمة مواعيده العظيمة.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هٰذَا أي على ما كُتب في هذا السفر.
يَزِيدُ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ الخ هذا مبني على قوله تعالى لبني إسرائيل بأنه يجلب عليهم ضربات مصر إذا عصوا أوامره (تثنية ٤: ٢ و٧: ١٥).
يَحْذِفُ ٱللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ لعل الأصح «من شجرة الحياة» كما في بعض النسخ (ع ١٤ وتثنية ١٢: ٣٢).
وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أي من أمجادها ولذاتها.
وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ من المواعيد والبركات فيه.
٢٠ «يَقُولُ ٱلشَّاهِدُ بِهٰذَا: نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ».
ص ١: ٢ ع ٧ و١كورنثوس ١٦: ٢٢
يَقُولُ ٱلشَّاهِدُ بِهٰذَا هذا جواب المسيح الشاهد الأمين الصادق لطلب الروح والكنيسة مجيئه بقرينة قوله «أنا آتي» وهو مكرر قوله في (ع ٧). وهو تعزية للذين ينتظرونه وإنذار للذين يغفلون عن إتيانه.
آمِينَ هذا قول الرسول في كل ما يتعلق بمجيء الرب من المواعيد وبنفي الخطيئة والحزن وبمسح الدموع ونفي الموت والهاوية وزوال الظلمة وطلوع النهار الأبدي. فالرسول هنا نائب كل الكنيسة التي تشتهي مجيئه.
تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ كما طلب الروح والكنيسة كما وعدت.
٢١ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٠
نِعْمَةُ رَبِّنَا الخ وفي بعض النسخ «مع القديسين» الكلمة الأخيرة التي نسمعها من هذا السفر التي هي الوعد بالغفران التام من الرب يسوع. وهي تؤكد للمؤمنين أنه مهما أصابهم من الأخطار والمصائب والاضطهادات المعلنة في هذا السفر ففي المسيح قوة ونعمة ليقدرهم على احتمال كل الحكمة والقوة لأنه لولاه لم يكتب هذا السفر ولا فهم معناه أحد ولولاه لم يقدر أحد أن يطيع أوامره فيه.
Call of Hope
P.O.Box 10 08 27
D - 70007
Stuttgart
Germany