المقدمة
في الكاتب
ذُكر في الإنجيل اثنان ما عدا يهوذا الاسخريوطي اسم كل منهما يهوذا أحدهما أخو يعقوب وهو أحد الاثني عشر رسولاً وذُكر في (لوقا ٦: ١٦ ويوحنا ١٤: ٢٢ وأعمال ١: ١٣) ورجّح بعضهم أنه هو لبّاوس الملقب بتدّاوس على ما ذكرنا في تفسير (متّى ١٠: ٣). والآخر «أخو الرب» الذي ذكره أهل الناصرة (متّى ١٣: ٥٥ ومرقس ٦: ٣). وكان له أخ اسمه يعقوب رأى أكثر المفسرين أنه هو كاتب الرسالة المنسوبة إلى يعقوب وهو الذي كان رئيس المجمع الأول في أورشليم (أعمال ١٥: ١٣). وقال بعضهم أن كاتب هذه الرسالة ليس برسول لأنه لو كان رسولاً لكان من الغريب إن لم يذكر ذلك ليجعل لرسالته تأثيراً وسلطاناً. وفي ما كتب في (ع ١٧) من هذه الرسالة في شأن تعليم الرسل يستلزم أنه لم يدّعِ أنه منهم. وإن كان هو أخا يعقوب أخي الرب لم نعجب من أنه نسب نفسه إلى يعقوب دون الرب لأنه بعد قيامة يسوع وصعوده وإعلان أنه «ابن الله بقوة» (رومية ١: ٤) رأى من التواضع أن يسكت هو ويعقوب عن نسبتهما الجسدية إلى المسيح (٢كورنثوس ٥: ١٦). وقول يوحنا «لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ» (يوحنا ٧: ٥) يدل على أن يهوذا ويعقوب لم يسلما بصحة الدعوة أنه المسيح إلا بعد قيامته وتعليم الروح القدس المقترن بتلك الحادثة. ولكنهما حُسبا على أثر ذلك من المؤمنين وذكرا بينهم (أعمال ١: ١٣ و١٤). واقتبس مؤرخو الكنيسة الأولون من هذه الرسالة بناء على كونها قانونية. على أن بعض اللاهوتيين تأخروا وقتاً قصيراً عن التسليم بقانونيتها لعدم تيقنهم حقيقة الكاتب ولاقتباس كاتبها من الكتب اليهودية غير القانونية ولشدة المشابهة بينها وبين رسالة بطرس الثانية.
في من كُتبت هذه الرسالة
قيل في تحية الرسالة «إلى المدعوين المقدسين في الله الآب والمحفوظين ليسوع المسيح». فنستنتج من ذلك أنها كُتبت إلى كل المؤمنين من اليهود والأمم ونستنتج من كون الضلالة التي فنّدها هي عين الضلالة التي حذّر بطرس منها الذين كتب إليهم وهم مؤمنو أسيا الصغرى إن يهوذا كتب إلى مؤمني فلسطين ومصر.
زمان كتابتها ومكانها
لا دليل على مكان كتابة هذه الرسالة والمرجح أنها كُتبت قبل خراب أورشليم لأنها لو كانت قد كُتبت بعده لذكره فيها علاوة على خراب سدوم وعمورة اللتين اتخذهما مثالاً للنقمة الإلهية ولا سيما أنّ المسيح تنبأ بذلك الخراب فمن الضرورة أن يكون زمان كتابتها قرب زمن خراب أورشليم لكي تكون فرصة لنشوء الضلال الذي فنّده وحذّر منه وانتشاره. وقوة المشابهة بينها وبين الرسالة الثانية لبطرس تدل على أنها كُتبت في الزمان الذي كُتبت فيه تلك لتخطئة المعلمين الكاذبين الذين خطأهم بطرس ولذلك غلب القول بأنها كُتبت في ما بين السنة ٦٨ و٧٠ ب. م.
في مضمون هذه الرسالة
ذكر يهوذا بعد التحية والدعاء (ع ١ و٢) قصده من الرسالة والأسباب الحاملة على كتابتها (ع ٣ و٤). وهي قسمان:
القسم الأول: أمثلة عدل الله في عقاب الأشرار الذين يشبههم المعلمون الكاذبون الفاسدون. وذكر منهم ثلاثة المتمردين من الإسرائيليين (ع ٥) والملائكة الذين سقطوا (ع ٦) وأهل سدوم وعمورة (ع ٧). ووصف المعلمين الكاذبين وصفاً مفصلاً مثل أنهم ينجسون الجسد ويتهاونون بالسيادة ويقتدون بقايين وبلعام وقورح (ع ٨ - ١١). والتصريح بعاقبتهم وأنها كالعاقبة التي تنبأ بها أخنوخ. ووصفهم أيضاً بأنهم مدمدمون مشتكون سالكون بحسب شهواتهم وما أشبه ذلك مما يشق الكنيسة ويحمل على ترك الإيمان والطهارة (ع ١٦ - ١٩).
والقسم الثاني: حث المؤمنين على أن يتقووا في الإيمان والصلاة والتقوى والرجاء (ع ٢٠ و٢١) ونصحه لهم في معاملة الذين أضلّهم المعلمون المفسدون وإن المعاملة تختلف باختلاف خطاياهم (ع ٢٢ و٢٣) وختمه الرسالة بكلمات التعزية والتسبيح (٢٤ و٢٥).
ومن الواضح قوة المشابهة بين هذه الرسالة ورسالة بطرس الثانية ولا سيما بين (يهوذا ٣ - ١٨ و٢بطرس ٢: ١ - ١٨) فمن البيّن أن أحدهما قد رأى رسالة الآخر واقتبس منها. واختلف المفسرون في السابق منهما ولا سبيل لنا إلى القطع لكن نرى سبباً كافياً للمشابهة إذا رأينا كما رأى كثيرون من أن بطرس كتب ما كتبه على سبيل النبوة (٢بطرس ٣: ٣) وإن ما كتبه يهوذا كان بياناً لنجاز تلك النبوة فاستعمل يهوذا الكلمات التي استعملها بطرس عينها ليبيّن أنها نجزت نجازاً تاماً كما يتضح من (يهوذا ١٧ و١٨).
التحية وبيان الغاية من هذه الرسالة ع ١ إلى ٣
١ «يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ، إِلَى ٱلْمَدْعُوِّينَ ٱلْمُقَدَّسِينَ فِي ٱللّٰهِ ٱلآبِ، وَٱلْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
متّى ١٣: ٥٥ ومرقس ٦: ٣ ولوقا ٦: ١٦ ويوحنا ١٤: ٢٢ وأعمال ١: ١٣ ورومية ١: ١ و٦ ويوحنا ١٧: ١١ ع ٢١ و١بطرس ١: ٥
يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (انظر المقدمة) هذا الكلام لا يبرهن أنه مبشر لكن الرسالة تدل على أنه كان مبشراً. ولا يمنع عدم ذكره أنه رسول أنه ليس برسول مع أن الأدلة على إنه ليس برسول قوية. فبولس غلب أن يدعو نفسه في رسائله «رسولاً» وكذا فعل بطرس وبولس لم يذكر أنه رسول في الرسائل التي ضم إلى اسمه اسم غيره ممن ليسوا رسلاً (كما في فيلبي ١: ١ و١تسالونيكي ١: ١ و٢تسالونيكي ١: ١). وقال يهوذا أنه «عبد يسوع المسيح» لأنه اعتبر المسيح رباً وسيداً له وخضع له الخضوع التام ورفض ما رفضه وأنه عبد الناس في خدمة الإنجيل.
أَخُو يَعْقُوبَ وهو يعقوب البار رئيس المجمع الأول في الكنيسة وأخو الرب (متّى ١٣: ٥٥) وذُكر في الإنجيل (أعمال ١٢: ١٧ و١٥: ١٣ و٢١: ١٨) ذكر يهوذا نسبته إلى يعقوب للإيضاح ولإظهار أنه يحق أن يُسمع له. ولم يقل أنه أخو المسيح تواضعاً لأنه بعد قيامة المسيح وصعوده كان التصريح بالنسبة إليه افتخاراً فنسبته الجسدية ليست إلا وقتية وهي ليست بشيء بالنظر إلى النسبة بالإيمان. ولعل يهوذا تذكر هنا قول المسيح «من هي أمي ومن هم إخوتي» (متّى ١٢: ٤٨) ورأى أن نسبته إلى المسيح علة خجل وحزن لأنه مع القرابة بينهما لم يؤمن به قبل صلبه (يوحنا ٧: ٣ - ٥).
إِلَى ٱلْمَدْعُوِّينَ هذا لقب المؤمنين لأن الله دعاهم من العالم إلى معرفة الإنجيل والخلاص بيسوع المسيح (١بطرس ١: ١٥ و٢: ٩ و٢١ و٣: ٩ و٥: ١٠) وهم علاوة على كونهم «مدعوين» قبلوا الدعوة وصاروا أبناء الله بالتبني.
ٱلْمُقَدَّسِينَ فِي ٱللّٰهِ أي الموقوفين لخدمته المطهرين بنعمته وقدرته (انظر تفسير رومية ١: ٦ و٧ انظر أيضاً ١كورنثوس ١: ٢ و٢٤ وفيلبي ١: ١ وغلاطية ١: ٦ و١بطرس ١: ٢).
ٱلْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هذا بيان أنهم للمسيح وأنهم يبقون له إلى أن يكونوا شركاء مجده في ملكوته. وابتدأ هذا الحفظ منذ الساعة التي آمنوا فيها وبقي إلى أن حصلوا على الأمن في السماء على وفق صلاة المسيح من أجل تلاميذه (يوحنا ١٧: ١١ و١٢ و٢٤). والله وعد بأن يحفظ الذين يحفطون كلمة صبره (رؤيا ٣: ١٠). وهذا لا يعفيهم من وجوب «أن يحفظوا أنفسهم في محبة الله» (ع ٢١) وقال «محفوظين ليسوع المسيح» لأن المسيح خلقهم وفداهم وجدّدهم وهم شعبه الخاص (تيطس ٢: ١٤). وما صدق على المؤمنين الذين كتب إليهم يهوذا يصدق على سائر المؤمنين لأنهم لم يُحفظوا من السقوط في الخطيئة ويبقوا ثابتين في القداسة إلا بنعمة الله التي تعضدهم وتقويهم وتحميهم. ذكرهم يهوذا بمصدر خلاصهم وركنه لكي لا يضعف إيمانهم مما يقاسونه من المشاق فإن دعوتهم الإلهية ونعمة الله التي تحفظهم تؤكدان لهم أمنهم الأبدي.
٢ «لِتَكْثُرْ لَكُمُ ٱلرَّحْمَةُ وَٱلسَّلاَمُ وَٱلْمَحَبَّةُ».
غلاطية ٦: ١٦ و١تيموثاوس ١: ٢ و١بطرس ١: ٢ و٢بطرس ١: ٢
هذه التحية تختلف قليلاً عن تحيّات الرسل في رسائلهم وهي تدل على شدة رغبته في خيرهم الأعظم.
ٱلرَّحْمَةُ هي حنوّ الله عليهم باعتبار كونهم عاجزين وأشقياء.
وَٱلسَّلاَمُ هذه الحال التي صاروا إليها وهي نتيجة الرحمة.
وَٱلْمَحَبَّةُ هذه إما نتيجة رحمة الله في عواطفهم إلى الله وإلى الناس كما في (أفسس ٦: ٢٣) وإما محبة الله لهم كما في (ع ٢١ و٢كورنثوس ١٣: ١٤) والآخر هو الأرجح. «فالرحمة» هي رحمة المسيح (ع ٢١). «والسلام» هو هبة الروح القدس (ع ٢٠). «والمحبة» هي هبة الآب (ع ٢١). فإذاً الخلاص عمل اشترك فيه الأقانيم الثلاثة في اللاهوت.
٣ «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ ٱلْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ ٱلْخَلاَصِ ٱلْمُشْتَرَكِ، ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظاً أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ ٱلإِيمَانِ ٱلْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ».
عبرانيين ٦: ٩ وع ١٧ و٢٠ و١تيموثاوس ١: ٤ و١تيموثاوس ٦: ١٢ وأعمال ٦: ٧ و٢بطرس ٢: ٢١ وأعمال ٩: ١٣
إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ ٱلْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ أظهر بهذا شدة اشتياقه إلى تكميل قصده قبل أن أخذ في كتابة هذه الرسالة فإنه تأمل في الموضوع وردّده في باله حتى يجد أحسن طريق للتعبير عن أفكاره.
عَنِ ٱلْخَلاَصِ ٱلْمُشْتَرَكِ أي الذي تمتع به المؤمنون من اليهود والأمم. ولم يقصد يهوذا التكلم في موضوع مختص بجزء من المؤمنين. واعتبر الأمور الجوهرية في هذا الخلاص نيله والتمتع به وحفظهم إياه لأن القرينة تدل على كونهم عرضة لخطر أنهم يُخدعون في مبادئ الخلاص وجوهرياته وأن يستخفوا بها. فمتى رأى راعي الكنيسة الخطر مقبلاً على رعيته واجتهد في أن ينبهّهم عليه وجب على الرعية أن تجتهد في الانتباه لتنبيهه وأن تحترس من الخطر.
ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظاً أبان بهذا غايته من الرسالة وهي توبيخ المعلمين الكذبة الذين يضلونهم وتحذير المؤمنين من الإصغاء إليهم.
أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ ٱلإِيمَانِ الإيمان الذي وجب أن يجتهدوا لأجله هو الذي عرضه عليهم الإنجيل لكي يؤمنوا به أي جوهر الدين المسيحي كما علّمه المسيح ورسله. وسماه «الإيمان» لأنه المبدأ الجوهري فيه ولأن الدين المسيحي ليس بشيء بلا الإيمان.
ٱلْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ أي الذي أعلنه الله كاملاً بكلامه وبابنه وبروحه وبرسله ولا يحتاج أن يُضاف إليه شيء. فكل ما اعتقاده ضروري معلن في الكتاب بدليل قول بولس «إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا... إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلاطية ١: ٨ و٩). فعليهم أن لا يتركوا شيئاً من ذلك الإيمان. ولكونه لائقاً بالله منشئه وضرورياً للإنسان وجب حفظه بلا تغيير. ويحق للمؤمنين أن يتوقعوا زيادة المعرفة بذلك الإيمان ويجب عليهم أن لا يتوقعوا إعلاناً آخر. وهذا دليل قاطع على أن لا قيمة للتقاليد. والمراد «بالقديسين» هنا المؤمنون بالنظر إلى كونهم مدعوين للقداسة وإن الله أعطاهم وسائل نيلها (أعمال ٩: ١٣ و٣٢ و٤١). ولقّبهم بذلك تمييزاً لهم عن الفجار المذكورين في الآية الآتية.
والاجتهاد المذكور في هذه الآية هو أن يبذلوا كل ما في طاقتهم في اعتزال كل ما نافى ذلك الإيمان قولاً وفعلاً كما قال بولس عن نفسه «لَمْ نُذْعِنْ لَهُمْ بِٱلْخُضُوعِ وَلاَ سَاعَةً، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ ٱلإِنْجِيلِ» (غلاطية ٢: ٥). وفي هذا إشارة إلى اجتهاد المتبارين في المشاهد اليونانية (انظر تفسير ١كورنثوس ٩: ٢٤). إنه قصد أن يجاهدوا بمقتضى سنن الإنجيل لا بأسلحة جسدية ولا باضطهادات بل بأدلة كتاب الله وبحسن السيرة والتمسك بكل تعاليم الإنجيل. وهذا أوجب على المؤمنين أن يدرسوا كتاب الله حق الدرس ويقرنوا ذلك بالصلاة لكي يعرفوه المعرفة التامة لكي «يبنوا أنفسهم على إيمانهم الأقدس» (ع ٢٠) ويقدروا أن يحاموا عن الحق تجاه المقاومين. فكان من الواجب أن يقتدوا بنحميا وأصدقائه الذين بنوا أسوار أورشليم بيد ودفعوا عنها بالأخرى (نحميا ٤: ١٦ و١٨).
تحذير من المبتدعين في الكنيسة ع ٤
٤ «لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لِهٰذِهِ ٱلدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلٰهِنَا إِلَى ٱلدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ ٱلسَّيِّدَ ٱلْوَحِيدَ: ٱللّٰهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ».
٢تيموثاوس ٣: ٦ وغلاطية ٢: ٤ و١بطرس ٢: ٨ وأعمال ١١: ٢٣ و٢بطرس ٢: ١ و٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ وتيطس ١: ١٦ و١يوحنا ٢: ٢٢
لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ هذا بيان علة تحذيره إياهم. والذين دخلوا الكنيسة أتوا ذلك خفية كما قال بولس في (غلاطية ٢: ٤) وبطرس في (٢بطرس ٢: ١) وهم كما قال المسيح في أمثالهم «سراق ولصوص» (يوحنا ١٠: ١). ودخولهم خلسة أجبر يهوذا على أن يكتب إلى المؤمنين في الحال. والخطر من المعلمين الكاذبين في الكنيسة أعظم من خطر كل أعدائها الخارجين عنها.
قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لِهٰذِهِ ٱلدَّيْنُونَةِ تنبئ بإتيان هؤلاء قبل كتابة هذه الرسالة (ع ٧ و١٨). وتنبأ بولس بإتيانهم (١تيموثاوس ٤: ١ و٢تيموثاوس ٣: ١). وتنبأ بطرس بإتيانهم (٢بطرس ٢: ١). وتنبئ بدينونتهم أيضاً بما حدث للعصاة من الإسرائيليين وأهل سدوم وعمورة وقورح وبلعام. ولم يكن قضاء الله علّة تلك الدينونة بل شرورهم. وظن بعضهم أنه أشار بقوله «منذ القديم» إلى كل نبوءات أنبياء العهد القديم. وذهب بعضهم أنه أشار بذلك إلى ما في نبوءة أخنوخ التي اقتبس منها في هذه الرسالة.
فُجَّارٌ أي لا يخافون الله ولا يخضعون له (١بطرس ١: ١٨ و٢بطرس ٢: ٥ و٣: ٧) وأظهروا فجورهم بالطريقين الآتي ذكرهما.
يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلٰهِنَا إِلَى ٱلدَّعَارَةِ أي يتخذون نعمة الله التي تعد الخاطئ بالمغفرة عذراً لارتكاب الخطيئة. والخلاصة أنهم يعتقدون أن الحرية المسيحية تبيح الشهوات المحظورة.
يُنْكِرُونَ ٱلسَّيِّدَ ٱلْوَحِيدَ الخ أي يأبون أن يعترفوا بسلطانه وأن يخضعوا لأوامره كأنه غير موجود. والمراد «بالسيد الوحيد» هنا الله الآب وأضاف «الرب» إلى ضمير المتكلمين لبيان إن الذي أنكره الفجار هو سيده وسيد المؤمنين الإلهي. وتُركت لفظة «الله» في بعض النسخ فيصح على ذلك أن يكون السيد الوحيد هو المسيح وهذا على وفق تعليم يوحنا في (١يوحنا ٢: ٢٢ و٢٣) بناء على الاتحاد بين الآب والابن.
ثلاثة أمثلة لانتقام الله من الفجار ع ٥ إلى ٧
٥ «فَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ هٰذَا مَرَّةً، أَنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا».
٢بطرس ١: ١٢ و٣: ١ و١يوحنا ٢: ٢٠ و١كورنثوس ١٠: ٥ - ١٠ وعبرانيين ٣: ١٦
أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ هٰذَا مَرَّةً أي ما أذكّركم به هو بعض ما علمتموه من حوادث العهد القديم. والمعنى أنه لم يأت ذلك إلا لتنبيه ذاكرتهم في هذا الأمر. قابل بهذا ما في (رومية ١٥: ١٤ و١٥ و٢بطرس ١: ٢١ و١يوحنا ٢: ٢١). وغاية يهوذا من ذلك أن يحثهم على أن يتمسكوا بالإيمان المسلّم مرّة للقديسين بالنظر على عواقب الارتداد عن الإيمان كما أصاب مرتدّي الإسرائيليين في البرية.
أَنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أي بعد أن أظهر رحمته للإسرائيليين بإنقاذهم من قوة فرعون.
أَهْلَكَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا كما يظهر من التاريخ المقدس (عدد ١٤: ٢٩ و٣٥ وتثنية ١: ٤٥). لم يشر يهوذا هنا إلى هلاك اليهود بخراب أورشليم كما زعم بعضهم لأن الذين أهلكهم هم الذين خلّصهم أعينهم. والذي قصد يهوذا أن يعلمهم إياه هو أن نجاتهم مرة لا تقيهم الهلاك بعد ومثله من أظهروا أنهم نجوا من الخطيئة وصاروا من أتباع الله فإنهم يمكن أن يهلكوا بارتكاب الإثم بلا توبة. والذين أهلكهم لم يؤمنوا بعناية الله وقدرته على أن يخلصهم من الكنعانيين وأساؤوا التصرف بعد رجوع الجواسيس الذين أرسلهم موسى (عدد ١٤: ١ - ٤ وعبرانيين ٣: ١٦ - ١٩).
٦ «وَٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلاَمِ».
٢بطرس ٢: ٤ و٩
وَٱلْمَلاَئِكَةُ (انظر تفسير ٢بطرس ٢: ٤).
ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ أي مقامهم الذي كان لهم في السماء وطهارتهم الأصلية.
بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ أي السماء. وفي هذا إشارة إلى أنهم أتوا ذلك اختياراً إذ لم يرتضوا بحالهم هنالك. والعلة غير معروفة حق المعرفة والمرجح أنها كبرياؤهم.
حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ أي الدينونة التي تكون في نهاية العالم لأشرار الناس والملائكة. وتُعرف أيضاً «بدينونة يوم الرب» و «دينونة اليوم الأخير» (يوحنا ٦: ٣٩ و٤٠ و٤٤ و٥٤ و١١: ٢٤ و١٢: ٤٨).
بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلاَمِ اعتبر الظلام محيطاً بهم كالقيود على وفق قول بطرس «إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ ٱلظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ» (٢بطرس ٢: ٤). ونعت «القيود» «بالأبدية» لأنها تبقى إلى الأبد بلا تغيُّر. وهذا يبيّن حالهم قبل دينونة اليوم الأخير فكأنهم مسجونون في سجن لا يدخله شيء من النور. وبعد يوم الدينونة يطرحون في النار الأبدية المعدة لهم (متّى ٢٥: ٤١ ورؤيا ٦: ١٧ و١٦: ١٤).
٧ «كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ».
٢بطرس ٢: ٢ و٦ وتثنية ٢٩: ٢٣ وهوشع ١١: ٨ ومتى ٢٥: ٤١ و٢تسالونيكي ١: ٨ و٢بطرس ٣: ٧
كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ (انظر تفسير ٢بطرس ٢: ٦). اتخذ كتاب الله هلاك هاتين المدينتين مثالين للانتقام الإلهي (إشعياء ١٣: ١٩ وإرميا ٥: ٤٠ ورومية ٩: ٢٩).
وَٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي حَوْلَهُمَا كأدمة وصبوئيم (تكوين ١٤: ٢ وتثنية ٢٩: ٢٣ وهوشع ١١: ٨).
إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا لم تشترك هذه المدن في هلاك تينك المدينتين لو لم تشترك في آثامهما.
مَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ أي أشبعت شهواتها بطرق غير طبيعية فبدلت بالمباح المحظور.
جُعِلَتْ عِبْرَةً أي مثالاً يعتبر لنقمة الله من أمثالهم في شرورهم.
مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ هذا وصف أحوال تلك المدن كما هي الآن فإنها هدمت كل الهدم وهي خراب أبدي لاحتراقها وغطت مياه البحر الميّت آثارها وهذا وصف أيضاً لحال أهلها لمعاقبة الله لهم بنار جهنم.
تطبيق الأمثلة الثلاثة المذكورة على الفجار ع ٨ إلى ١٠
٨ «وَلٰكِنْ كَذٰلِكَ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً، ٱلْمُحْتَلِمُونَ، يُنَجِّسُونَ ٱلْجَسَدَ، وَيَتَهَاوَنُونَ بِٱلسِّيَادَةِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي ٱلأَمْجَادِ».
٢بطرس ٢: ١٠
أبان في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الآية العاشرة أن تلك الأمثلة الثلاثة تنطبق على المعلمين الكاذبين في الكنيسة المسيحية يومئذ.
وَلٰكِنْ كَذٰلِكَ هٰؤُلاَءِ أي الفجار الذين حذّر يهوذا منهم كانوا كالمتمردين في التيه في إنكار المسيح والهزء بمواعيده وكالملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم الأولى لأنهم تركوا الإيمان. وكأهل سدوم في السعي وراء اللذات المحظورة.
ٱلْمُحْتَلِمُونَ أي الراؤون الأحلام وهم في سبات السكر والإثم (رومية ١٣: ١١ و١٢). وصف أراءهم الدينية بأحلام المحتلمين في أنها أخيلة لا حقيقية لها بالنسبة إلى التعليم الحق.
يُنَجِّسُونَ ٱلْجَسَدَ جسدهم وجسد غيرهم. فكانوا بهذا كأهل سدوم وعمورة. إن المؤرخين الأولين شهدوا بدعارة أهل البدع القبيحة الذين هم تلاميذ سيمون الساحر والنقولاويين وغيرهم ممن أسلموا أنفسهم إلى شهواتهم الجسدية المحظورة (٢بطرس ٢: ١٠).
يَتَهَاوَنُونَ بِٱلسِّيَادَةِ فأشبهوا بهذا الملائكة الذين سقطوا فإنهم رفضوا سلطان الله وأبوا إطاعة وصاياه (انظر تفسير ٢بطرس ٢: ١٠).
وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي ٱلأَمْجَادِ كما فعل متمردوا إسرائيل في البرية. والمرجّح أن المراد «بذوي الأمجاد» الأرواح السماوية التي تستحق الاحترام ويحتمل أنه يشتمل على رؤساء الكنيسة والحكام السياسيين.
٩ «وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ ٱلْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجّاً عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ ٱفْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: لِيَنْتَهِرْكَ ٱلرَّبُّ».
دانيال ١٠: ١٣ و١٢: ١ ورؤيا ١٢: ٧ و٢بطرس ٢: ١١ وزكريا ٣: ٢ و١تسالونيكي ٤: ١٧ وتثنية ٣٤: ٦
وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ذُكر في سفر دانيال أنه حارس إسرائيل الخاص (دانيال ١٠: ٢١ و١٢: ١) وذُكر في (رؤيا ١٢: ٧). فأراد يهوذا أن هؤلاء يفترون على ذوي الأمجاد فيقولون عليهم ما استقبح رئيس الملائكة أن يقوله على الشيطان.
فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجّاً عَنْ جَسَدِ مُوسَى لا نعلم ماذا كان موضوع المحاجة في جسد موسى لأن كل ما ذكره الكتاب في شأن جسده أن الله «دَفَنَهُ فِي ٱلْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» (تثنية ٣٤: ٦). والأرجح أنّ يهوذا بنى كلامه على بعض التقاليد اليهودية التي صدقها ورآه موافقاً لكلامه فأورده ولا أحد يقدر أن يبرهن أن ذلك ليس بصحيح لأن كتاب الله يذكر نوعين من الملائكة وهما الأخيار والأشرار ومداخلتهما في أمور هذا العالم. فإن كان أشرار الناس يخاصمون أخيارهم فلا عجب من أن أشرار الملائكة يخاصمون أخيارهم. والخصومة هنا مجرّد الجدال فيجب أن لا نستغرب أن يقتبس يهوذا في هذا الأمر من تقاليد اليهود أكثر مما نستغرب اقتباس بولس من تلك التقاليد في ينيس ويمبريس (٢تيموثاوس ٣: ٨). واتّباع الصخرة للإسرائيليين في البرية (١كورنثوس ١٠: ٤) فإن قيل ماذا أراد الشيطان من جسد موسى قلنا لا نعلم إلا أن يجعل مدفنه مركز عبادة للإسرائيليين.
إن كتبة الإنجيل لكونهم ملهمين من الله استطاعوا أن يميّزوا بين الحق والباطل من التقاليد ولكن ليس لغير الملهمين مثل قوتهم فإذاً لا يجوز أن يتخذوها قانوناً في الدين.
لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ ٱفْتِرَاءٍ لأنه رأى أن ذلك لا يليق بمقامه ولا يرضي الله لأنه بذلك يختلس لنفسه ما يختص بالله فلم يتكفل بأن يحكم على الشيطان ويدينه بل ترك الدينونة لله. وقصد يهوذا من ذلك أن يبين أنه إذا كان ميخائيل رئيس الملائكة لا يجوز له أن يحكم على الشيطان فبالأحرى أنه لا يجوز لأولئك الناس أن يفتروا على ذوي الأمجاد ولو أخطأوا.
بَلْ قَالَ: لِيَنْتَهِرْكَ ٱلرَّبُّ كما قال ملاك الرب للشيطان وهو يقاوم يشوع رئيس الكهنة مجدّد هيكل سليمان والذبيحة اليومية (زكريا ٣: ٢). ولعل نبأ زكريا المذكور في شأن يشوع والشيطان هو أساس ذلك التقليد في شأن جسد موسى (انظر أيضاً قول بولس في اسكندر النحاس ٢تيموثاوس ٤: ١٤).
١٠ «وَلٰكِنَّ هٰؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِٱلطَّبِيعَةِ، كَٱلْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ ٱلنَّاطِقَةِ، فَفِي ذٰلِكَ يَفْسُدُونَ».
٢بطرس ٢: ١٢ وفيلبي ٣: ١٩
وَلٰكِنَّ هٰؤُلاَءِ أتوا خلاف ما أتاه رئيس الملائكة.
يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ أي على ذوي الأمجاد غير المنظورين فأخطأوا إليهم بعدم احترامهم وبالافتراء عليهم.
وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِٱلطَّبِيعَةِ، كَٱلْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ ٱلنَّاطِقَةِ أي ما يعلمونه بالغريزة والشهوات الطبيعية فخطئوا خلافاً للطبيعة التي خلقهم الله عليها بمجاوزة حدودها بالخلاعة كما أنهم أخطأوا إلى القوات الروحية بتجديفهم.
فَفِي ذٰلِكَ يَفْسُدُونَ أي يعملون ما يؤول إلى هلاكهم نفساً وجسداً فلو كانت لهم معرفة حقيقية لعرفوا أن الله أعطاهم عقولهم لكي يقمعوا بها شهواتهم ويتعلموا استعمال غرائزهم استعمالاً جائزاً.
وصف الفجار وخصالهم وعقابهم ع ١١ إلى ١٩
١١ «وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَٱنْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ».
تكوين ٤: ٣ - ٨ وعبرانيين ١٢: ٤ و١يوحنا ٣: ١٢ و٢بطرس ٢: ١٥ وعدد ٣١: ١٦ ورؤيا ٢: ١٤ وعدد ١٦: ١ - ٣ و٣١ - ٣٥
وَيْلٌ لَهُمْ قال ذلك نظراً إلى ما يصيبهم من المصاب الهائل الذي يقشعر منه المتأمل في عظمته ورداءته (متّى ١١: ٢١).
لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ (تكوين ٤: ٥ - ١٢). فإنهم أشبهوه في عدم خوفه من الله وفي عصيانه وكبريائه وحسده لأخيه التقي وبغضه إياه مما يحسبه الله كالقتل (١يوحنا ٣: ١٥). كان قايين أول المعتدين على الله والناس فخالف محبته الطبيعية لأخيه وهؤلاء الفجار خطئوا مثله بسعيهم وراء شهواتهم وأميالهم بلا التفات إلى إنذار الله وتنبيه ضمائرهم فأهلكوا نفوسهم بتعليمهم الباطل كما سلب قايين حياة أخيه.
وَٱنْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ (عدد ٢٢: ٧ وتثنية ٢٣: ٤). خالفوا شريعة الله كما خالفها بلعام طمعاً بالكسب. بلعام علّم بالاق أن يجرّب بني إسرائيل بالزنى وعبادة الأوثان (رؤيا ٢: ١٤) كذلك هؤلاء المعلمون الكاذبون علّموا تلاميذه طمعاً في الكسب أن يسلكوا في سبيل شهواتهم بلا مانع فقادوهم إلى الإثم والهلاك. وجاء مثل هذا الكلام في (٢بطرس ٢: ١٥ و١٦).
وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ (عدد ١٦: ١ - ٣٠). قال يهوذا في هؤلاء المعلمين أنهم هلكوا لأنه رأى هلاكهم محققاً كأنه وقع ورأى أطوارهم كأطوار قورح وعاقبتهم كعاقبته. تمثلوا به بعصيانهم لله ولموسى فطلبوا الرئاسة وأبوا الخضوع للسلطان الذي عيّنه الله وأنكروا سلطة الكنيسة واستخفوا بفرائضها.
١٢ «هٰؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ ٱلْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعاً بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا ٱلرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفاً، مُقْتَلَعَةٌ».
٢بطرس ٢: ١٣ و١كورنثوس ١١: ٢٠ الخ وحزقيال ٣٤: ٢ و٨ و١٠ وأمثال ٢٥: ١٤ و٢بطرس ٢: ١٧ وأفسس ٤: ١٤ ومتّى ١٥: ١٣
هٰؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ ٱلْمَحَبِّيَّةِ قال بطرس فيهم أنهم «عُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ» (٢بطرس ٢: ١٣). فإنهم خطر على الكنيسة فضلاً عن كونهم عاراً عليها لأنهم كصخور في سبيل الفسن فيأتون بالعار على الكنيسة ويجعلون تلاميذهم يكسرون سفن الإيمان (١كورنثوس ١١: ٢ - ٢٢ و١تيموثاوس ١: ١٩) وأشار بولائمهم المحبية إلى ولائم العشاء الربي لأنهم بها أظهروا محبتهم للمسيح ومحبة بعضهم لبعض أو إلى الولائم المحبية التي كانت تسبق العشاء الربي أو تليه (أعمال ٢: ٤٦). ونُعتت «بالمحبية» لأنه في أول نشأتها أتى أغنياء المؤمنين بأطعمة ليطعموا الفقراء واليتامى والأرامل والغرباء واجتمعوا معهم إظهاراً لمحبتهم لهم لكن ألغيت من الكنيسة لما اقترن بها من سوء التصرف.
صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعاً يظهر من هذا أنهم ادعوا اتباعهم المسيح وأنهم أعضاء كنيسته ولكن العشاء الربي لم يكن لهم وليمة محبة بل وليمة بلا محبة.
بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ مارسوا العشاء الربي كأنه وليمة عادية فلم يأتوا بالوقار اللازم ولم يميزوا جسد الرب فيه بل اتخذوه وسيلة إلى الشراهة والسكر كما فعل بعض كنيسة كورنثوس (١كورنثوس ١١: ٢٠ و٢٢) فلم يخافوا نقمة الله ولا تعيير الناس على ما ارتكبوه فكانوا يطعمون أنفسهم بدلاً من أن يطعموا إخوتهم الفقراء كما يجب أو لعلهم سبقوا إلى تناول العشاء الربي قبل أن يقدم الرعاة لهم الخبز والخمر كقول الرسول في أهل كورنثوس «لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي ٱلأَكْلِ، فَٱلْوَاحِدُ يَجُوعُ وَٱلآخَرُ يَسْكَرُ» (١كورنثوس ١١: ٢١). ولعل يهوذا حين كتب هذا خطر على باله ما في (إشعياء ٥٦: ١١ أو ما في حزقيال ٣٤: ٣).
غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ قابل هذا بما في (أمثال ٢٥: ١٤ وانظر تفسير ما في ٢بطرس ٢: ١٧) وهو قوله فيهم «آبار بلا ماء» فإنهم ادّعوا كثيراً ونفعوا قليلاً. قال الكتاب في التعليم الصحيح «يَهْطِلُ كَٱلْمَطَرِ تَعْلِيمِي، وَيَقْطُرُ كَٱلنَّدَى كَلاَمِي. كَٱلطَّلِّ عَلَى ٱلْكَلَإِ، وَكَالْوَابِلِ عَلَى ٱلْعُشْبِ» (تثنية ٣٢: ٢) فيزين الأرض ويقوّي النبت. ولكن التعاليم الكاذبة تخدع الآملين فييأسون ويخيبون.
تَحْمِلُهَا ٱلرِّيَاحُ فهي خفيفة فارغة سريعة الزوال لا بركة فيها. فإن الغيوم التي هي كهذه تنتشر وتتردد وتعد بالمطر فتخدع الراجين إذ لا تسقي التربة العطشى شيئاً. فمثلها تعاليم أولئك المعلمين الخادعين فإن تعاليمهم لكونها ليست منبية على أساس الحق تتغير كتغير آراء السامعين وإعراضهم.
أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ الخريف هو الفصل الذي يجب أن تكون فيه الأشجار مثقلة بالأثمار. وأما هؤلاء المعلمون فليس كذلك إنما هم كالتينة العقيم التي لعنها المسيح أو التي يسقط ثمرها قبل أن ينضج فليس لهم أثمار البر ولا أثمار الروح ولا نفع فيهم لأحد.
مَيِّتَةٌ مُضَاعَفاً أي كانت أولاً بلا ثمر ثم صارت بلا ورق. أو إنها ميتة حقيقة أو إنها مضت عليها سنتان ولم تظهر عليها علامات الحياة. وهذا مصدق على الذين ماتوا روحياً فرجعوا إلى خطاياهم بعد ما ادعوا أنهم تجددوا وإنهم قاموا من موت الإثم. أو لعلهم كانوا في الأصل وثنيين ثم تهوّدوا ولم يستفيدوا من شريعة موسى ثم تعلموا الإنجيل ولم ينتفعوا به شيئاً.
مُقْتَلَعَةٌ هذا آخر علامات موتها ويأس الفلاح منها فيقلعها لتكون وقوداً. فأتى يهوذا بذلك بمجاز على مجاز ومثال على مثال من عالم النبات ليبين كرهه لهم.
١٣ «أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ».
إشعياء ٥٧: ٢٠ وفيلبي ٣: ١٩ و٢بطرس ٢: ١٧ ع ٦
أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ شبههم قبلاً «بصخور» ثم «بغيوم بلا ماء» وشبههم هنا «بالأمواج» التي تضطرب عند الشاطئ وتجمع الأقذار المطروحة في البحر وتتردد بها. ولعل يهوذا خطر في باله هنا قول إشعياء «أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً» (إشعياء ٥٧: ٢٠). وأشبه المعلمون الخادعون تلك الأمواج في الفجور والأخلاق الرديئة والوقاحة وأشبهوها أيضاً في أنها تصدم الصخور فلا تأتي إلا بالزبد والأقذار فإنهم لم يأتوا من افتخارهم وادعائهم العريض بسوى الخجل.
نُجُومٌ تَائِهَةٌ شبههم بسيارات تركب أفلاكها المعينة لها فلا تطيع السنن الفلكية كسائر السيارات تلك السنن القائم بها نظام السيارات وجمالها. إن النجوم الثوابت تنفع الملاحين لأنهم به يستطيعون أن يعرفوا موضعهم في البحر فيهتدوا إلى طريقهم. وأما السيارات التي تخالف سننها فبلا نفع وتخدع من يتكلون عليها. فالمعلمون الحكماء الأمناء كالثوابت (رؤيا ١: ٢٠ و٢: ١) وأما المعلمون الكاذبون فهم خادعون غير نافعين مختلفون كل الاختلاف عن المسيح الذي هو «كوكب الصبح المنير» (رؤيا ٢٢: ١٦).
مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ أي إن تلك النجوم التائهة تفنى وينطفئ نورها وتنتهي إلى الظلام الأبدي كذلك عاقبة الضالين والمضلين (انظر تفسير ٢بطرس ٢: ١٧).
١٤ «وَتَنَبَّأَ عَنْ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً أَخْنُوخُ ٱلسَّابِعُ مِنْ آدَمَ قَائِلًا: هُوَذَا قَدْ جَاءَ ٱلرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ».
تكوين ٥: ١٨ و٢١ تثنية ٣: ٢٣ متى ١٦: ٢٧ دانيال ٧: ١٠ وعبرانيين ١٢: ٢٢
وَتَنَبَّأَ عَنْ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً أَخْنُوخُ ما كتبه أخنوخ في أشرار عصره يصدق عليهم وعلى أشرار كل عصر. لم يدع موسى أخنوخ نبياً لكن لم ينف أنه نبي واليهود حفظوا في تواريخهم بعض ما تنبأ به. ونعلم أن لليهود تقاليد كثيرة بعضها حق وبعضها باطل ولا مانع من أن الله أوحى إلى يهوذا أن يختار بعض الحق منها فيقتبسه لإفادتنا. ولا دليل مما قيل هنا أنه كان سفر نبوءة أخنوخ التي اقتبس منها عند اليهود لا دليل على وجوده اليوم. وأما الكتاب المنسوب إليه في الترجمة الحبشية وتُرجم منها إلى اليونانية فلا دليل على قدمه والظاهر أنه كُتب في القرن الثاني للميلاد وأن الذي كتبه يهودي وأنه كتبه في أيام الأمبراطور أدريانوس الروماني ليثبت دعوى كوشيبا الذي ادعى أنه المسيح فلا ثقة به. ولا يحسن أن نتعجب من أن يهوذا اقتبس من تقليد اليهود لأن بولس اقتبس من الشعراء الوثنيين (أعمال ١٧: ٢٨ وتيطس ١: ١٢) ومن التقليد اليهودي (٢تيموثاوس ٣: ٨).
ٱلسَّابِعُ مِنْ آدَمَ بالنظر إلى أن آدم هو الأول (تكوين ٥: ٣ - ٨) وذُكر أخنوخ في (عبرانيين ١١: ٥) واعتقد اليهود أن السابع عدد مقدس وذكروا ذلك العدد على قدر ما أمكنهم في كتبهم ومن ذلك قولهم إن موسى السابع من إبراهيم وأن فينحاس السابع من يعقوب.
هُوَذَا قَدْ جَاءَ ٱلرَّبُّ أي ينزل من السماء إلى الأرض للدينونة وذكره بلفظ الماضي لتحقق وقوعه.
فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ هذا يوافق ما في (تثنية ٣٣: ٢ ومزمور ٦٨: ١٧ ومتّى ٢٥: ٣١ وعبرانيين ٢: ٢٢). وكثيراً ما ذكر الكتاب المقدس ظهور الله في جمهور عظيم من الملائكة والقديسين.
١٥ «لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمِ ٱلَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلصَّعْبَةِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ».
٢بطرس ٢: ٦ الخ و١تيموثاوس ١: ٩
لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى ٱلْجَمِيعِ أي ليدين كل الناس الأشرار والأخيار تمهيداً للإثابة والمعاقبة.
وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ كما يستحقون (يوحنا ١٦: ٨). أشار بهذا إلى أن آثامهم علّة عقابهم وإنهم يرون أن دينونتهم عادلة لأنها جزاء خداعهم.
عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمِ... وَعَلَى جَمِيعِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلصَّعْبَةِ الخ هذه الأعمال هي علّة دينونتهم. ونبوءة أخنوخ هذه توافق الزمان الذي عاش فيه على الأرض قبل الطوفان حين «أفسد كل بشر طريقه أمام الرب» فيتوقع أن أولئك الفجار يأتون بكلمات صعبة قاسية أي يغلظون الكلام على من ينذرهم بالدينونة. ورأى يهوذا أن المعلمين الكاذبين في الكنيسة المسيحية أشبهوا أولئك الفجار بأعمالهم وأقوالهم والدينونة التي سوف تقع عليهم.
١٦ «هٰؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِٱلْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَنْفَعَةِ».
عدد ١٦: ١١ و٤١ و١كورنثوس ١٠: ٥ و٢بطرس ٢: ٣ و١٠ و١٨
هٰؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ على الله وعنايته في العالم ومقاصده وأعماله وعلى ما عُين لهم من الأنصبة خصوصاً. وهو كذلك طبعاً لأنهم يسلكون حسب شهواتهم وهي لا تشبع فأشبهوا بهذا بني إسرائيل في البرية إذ تذمروا من مشقة الطريق وأشبهوا بلعام الذي طمع بالربح القبيح واستثقل الموانع التي وضعها الله في السبيل إلى إدراك غايته. وكانت أقوالهم وأعمالهم منافية للقناعة التي هي عند الله كثيرة الثمن (فيلبي ٤: ١١ و١٢ و١تيموثاوس ٦: ٦).
سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِ فهم تحت سلطة تلك الشهوات الجسدية دون نظر إلى ما رسم الله من لاجماتها من العقل والضمير والشريعة (انظر ٢بطرس ٣: ٣).
وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ (انظر تفسير ٢بطرس ٢: ١٨) ادعوا الحرية في كل أعمالهم وإنهم أفضل من غيرهم ولعلهم تطاولوا بالكلام على المتسلطين الرومانيين الذين منعوهم من تعليمهم إباحة المحظورات.
يُحَابُونَ بِٱلْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَنْفَعَةِ أي أنهم لم يحترموا سوى الأغنياء والعظماء فأشبهوا بذلك بلعام الذي أكرم بالاق بغية المنفعة منه. ولم يكن إكرامهم للأغنياء على تقواهم أو استحقاقهم بل لأمل الربح منهم. ومثل هؤلاء يكونون دائماً في بلاط الملوك يمدحونهم ويُطرئونهم. والحق أن يكون إكرام الناس لحسن صفاتهم لا لمقامهم أو وجوههم.
١٧ «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
٢بطرس ٣: ٢ وعبرانيين ٢: ٣
فَٱذْكُرُوا لكي لا تُخدعوا بافتخارهم ودعاويهم لأننا حذرناكم منهم قبلاً.
ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هذا مثل قول بطرس في (٢بطرس ٣: ١ - ٣) إلا أن بطرس عدّ نفسه من الرسل بقوله «ووصيتنا نحن الرسل» ويهوذا لم يأت ذلك. وهذا ما حمل كثيرون من المفسرين على أن يقولوا أنه ليس من الرسل. وأبان بطرس موضوع استهزائهم وأن لا أساس له (٢بطرس ٣: ٤ - ٩) ولكن يهوذا ذكرهم بأقوال بطرس ولعله ذكرهم أيضاً بأقوال بولس في (٢تيموثاوس ٣: ١ و٢ و٦ و١تيموثاوس ٤: ١ - ٥ و١يوحنا ٢: ١٨).
١٨ «فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ إِنَّهُ فِي ٱلزَّمَانِ ٱلأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ».
٢بطرس ٣: ٣ وأعمال ٢٠: ٢٩ و١تيموثاوس ٤: ١ و٢تيموثاوس ٣: ١ و٤: ٣ ع ٤ و١٦
فِي ٱلزَّمَانِ ٱلأَخِيرِ هذا من أقوال الرسل لا من قول يهوذا. والمراد «بهذا الزمان» الوقت بين صعود المسيح ومجيئه الثاني (٢تيموثاوس ٣: ١ و٢ و٦ وعبرانيين ١: ٢ و١بطرس ١: ٢٠ و١يوحنا ٢: ١٨).
قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ زاد بطرس على هذا مواضيع استهزائهم وهي مجيء المسيح الثاني وقيامة الأموات والدينونة العامة. رأى يهوذا أن تذكر نبوءات الرسل يقيهم من الإصغاء إلى المعلمين الكاذبين.
سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ كل شهوة سعوا وراءها حملتهم على إنكار سلطة الوصية الإلهية التي نهت عن تلك الشهوة وكل رفض للسلطة الإلهية حملهم على اعتداء جديد على سنة الطهارة والعفة كما أبان بولس في رسالته إلى رومية (رومية ١: ٢٤ و٢٢ و٢٩).
١٩ «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ».
١كورنثوس ٢: ١٤ ويعقوب ٣: ١٥
هذا وضف للمعلمين الكاذبين لا بأمثال تاريخية (ع ١١) كما مرّ ولا بتشابيه مادية (ع ١٢ و١٣) ولا بنبوءات بمجيئهم (ع ١٤ و١٥) ولا بتكلمهم بالعظائم (ع ١٦) بل هو وصف طبيعتهم الحقيقية وتأثيرهم في الكنيسة وفي أنفسهم.
هٰؤُلاَءِ هُمُ افتتح الكلام بمثل هذا في (ع ١٢ و١٦).
ٱلْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ الذين يدّعون زيادة العلم على غيرهم وجعلوا الكنيسة أحزاباً كما فعل قورح بجماعة إسرائيل. وبناء على ادّعائهم معرفة لم يدركها سواهم غيّروا مبادئ الدين الأساسية. وعلى ادّعائهم أنهم روحانيون أكثر من سواهم قالوا إنهم ليسوا تحت سنن منع الشهوات الجسدية وإنه يجوز لهم أن يرتكبوا ما أرادوا من أنواع الفجور دون أن يتدنسوا. وكانت علل الانقسام في الكنيسة البدع والكبرياء وحب الذات وطلب الرئاسة والدعارة وهؤلاء ارتكبوا كل تلك الآثام فنتج من ذلك انقسام الكنيسة وخرابها.
نَفْسَانِيُّونَ أي معجبون بأنفسهم لا يعتبرون سوى آرائهم وتخيلاتهم وأوهامهم ويسلكون بمقتضى أميالهم وأذواقهم ومنافعهم كالبهائم إذ طبيعتهم ليست متجددة.
لاَ رُوحَ لَهُمْ أي خالون من روح الله وكأنهم خالون من الروح البشري فهم بلا تقوى ولا ضمير ولا محبة فكانوا خاضعين للجسد ومتدنسين به فضلاً عن كونهم خالين من روح الله. ولعلهم ادّعوا وحياً خاصاً من الروح القدس ولهذا اعتزلوه واعتزلوا المؤمنين (١كورنثوس ٢: ١٤ و١٥ ويعقوب ٣: ١٤ و١٥ و١يوحنا ٣: ٢٤).
نصائح ختامية ع ٢٠ و٢١
٢٠ «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱبْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ ٱلأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».
ع ٣ كولوسي ٢: ٧ و١تسالونيكي ٥: ١١ وأفسس ٦: ١٨
وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ الذين هم خلاف أولئك النفسانيين الذين لا روح لهم وقد قسموا الكنيسة وهدموها.
فَٱبْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ ٱلأَقْدَسِ أي على أساس إيمانكم المتين الذي وضعه المسيح ورسله وهو تعاليم الإنجيل وأوامره ونواهيه ومواعيده. و «الإيمان» هنا يفرق قليلاً عن موضوع الإيمان الذي هو يسوع المسيح (١كورنثوس ٣: ٩ وأفسس ٢: ٢٠). وقال «ابنوا أنفسكم» لأن الله هو العامل في المؤمنين ليريدوا ويعملوا حسب المسرّة (فيلبي ٢: ١٣) وأضاف «الإيمان» إليهم لأنه هو المسلّم مرة لهم (ع ٣). وقيّده «بالأقدس» لأنه يختلف كل الاختلاف عن التعاليم التي فنّدها في هذه الرسالة ولان غايته أن يجعل المتمسكين به مقدسين ولأن النمو في الإيمان هو بقوة الروح القدس وغايته كمال القداسة. ومعناه تمموا العمل الذي ابتدأتموه ولا تنفكوا معتصمين بالإنجيل الذي هو الواسطة العظمى إلى القداسة.
مُصَلِّينَ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ لا يقدر المؤمنون أن يبنوا أنفسهم على أساس الإيمان حتى لا يتزعزعوا إلا بالصلاة وهذا أوجب عليهم أن يصلوا بقوة الروح القدس وبالحكمة التي هو يمنحها متوقعين أن يحرك قلوبهم ليصلوا بالاجتهاد صلاة مؤثرة على وفق قول بولس «أُصَلِّي بِٱلرُّوحِ وَأُصَلِّي بِٱلذِّهْنِ أَيْضاً. أُرَتِّلُ بِٱلرُّوحِ» (١كورنثوس ١٤: ١٥). وقوله «لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (رومية ٨: ٢٦). وهذا يستلزم أن المؤمنين انتظروا يومئذ تأثير الروح في عبادتهم لله جهراً. وأوجب المسيح الصلاة على تلاميذه في (لوقا ٨: ١١ و٢١: ٣٦) وأوجب الرسول ذلك في (١تسالونيكي ٥: ١٧) ومثُل الأتقياء في كل عصر. وهي من وسائل اعتزال الخطيئة ونيل البركات العظمى.
٢١ «وَٱحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ».
تيطس ٢: ١٣ و٢بطرس ٣: ١٢ وعبرانيين ٩: ٢٨
ٱحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ أي في دائرة محبتكم لله ومحبة الله لكم كأن محبة الله مظلة سكنوا فيها بالإيمان ودعموها بالصلاة فلا يخرجون منها. إن محبة الله أصل خلاص المؤمنين وهذا لا يغنيهم عن عمل المسيح وعمل الروح القدس فيهم فإذاً لكل أقنوم من أقانيم الثالوث عمل في الفداء والتقديس. ذكر محبة الله لنا من أحسن الوسائل لحفظ أنفسنا في محبتنا لله. فعلينا أن نستعمل كل الوسائل من تلاوة كتاب الله والصلاة والاجتهاد لكي نحفظ أنفسنا في تلك المحبة (انظر ١يوحنا ٥: ١٨).
مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ التي يظهرها وهو على عرش الدينونة في اليوم الأخير (٢تيموثاوس ٤: ٨ وتيطس ٢: ١٣ و٢بطرس ٣: ١٢). فما ينظره المؤمنون من علاهم إلى أدناهم في الحاضر والمستقبل هو الرحمة.
لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ يصح أن نعلّق هذا بقوله «احفظوا» وبقوله «منتظرين» وبقوله «رحمة». ونيل «الحياة الأبدية» غاية حفظ النفس وغرض الانتظار والنتيجة العظمى من رحمة الله بيسوع المسيح. وتعليم التثليث واضح كما في الآيتين (ع ٢٠ و٢١).
ما يجب أن يعامل به الذين لا يقبلون تعليم هذه الرسالة ع ٢٢ و٢٣
٢٢ «وَٱرْحَمُوا ٱلْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ».
ٱرْحَمُوا ٱلْبَعْضَ أي لا تتركوهم كأن لا يُرجى خلاصهم. وأراد «بالبعض» هنا الذين أضلّهم المعلمون الخادعون. فلا يعني بذلك أن لا نرحم كل الخطأة ونطلب إصلاح الجميع بل المراد أن يعاملوا بعضهم بعضاً بكل الحلم والمحبة وهم الضعفاء الخائفون خُدعوا بسهولة واحتاجوا إلى اللطف والمحبة للرجوع إلى الإيمان.
مُمَيِّزِينَ في اتخاذ الوسائل إلى إرجاعهم إلى الحق لا في الرغبة في خلاصهم ولا في الاجتهاد فيه فإن المسيح جرى على هذه السنن باستعمال الحكمة في تعليمه «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ ٱلْحَقَّ إِلَى ٱلنُّصْرَةِ» (متى ١٢: ٢٠).
٢٣ «وَخَلِّصُوا ٱلْبَعْضَ بِٱلْخَوْفِ مُخْتَطِفِينَ مِنَ ٱلنَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى ٱلثَّوْبَ ٱلْمُدَنَّسَ مِنَ ٱلْجَسَدِ».
عاموس ٤: ١١ وزكريا ٣: ٢ و٣ و١كورنثوس ٣: ١٥ ورؤيا ٣: ٤
وَخَلِّصُوا ٱلْبَعْضَ بِٱلْخَوْفِ هؤلاء صنف ثانٍ من المقاومين فاحتاجوا إلى معاملة تختلف عن معاملة أولئك فيحتاجون إلى الإنذار من أخطار سبيلهم وتهديدات الناموس ليمنعهم عن ضلالهم وتمرّدهم. ومعنى «خلصوا» هنا اجتهدوا في تخليصهم.
مُخْتَطِفِينَ مِنَ ٱلنَّارِ أي مستعملين الوسائل سريعاً لإنقاذهم من الخطر كما يخطف الإنسان أخاه من النار مظهرين لهم بكلامكم وأفعالكم أنهم في شديد الخطر. ولعل كلامه هنا مبني على قول النبي زكريا «أَفَلَيْسَ هٰذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ ٱلنَّارِ» (زكريا ٣: ٢). وقول النبي عاموس «قَلَبْتُ بَعْضَكُمْ كَمَا قَلَبَ ٱللّٰهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، فَصِرْتُمْ كَشُعْلَةٍ مُنْتَشَلَةٍ مِنَ ٱلْحَرِيقِ» (عاموس ٤: ١١). فذلك كانتشال لوط من سدوم قبل احتراقها (تكوين ١٩: ١٦).
مُبْغِضِينَ حَتَّى ٱلثَّوْبَ ٱلْمُدَنَّسَ مِنَ ٱلْجَسَدِ ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه العبارة تشير إلى صنف ثالث من الذين يجب أن يجتهدوا في إنقاذهم لأن المخاطبين كانوا في شديد الخطر من أن يتدنسوا بهم وأنه يجب أن يضيف إليه ما ذُكر قبله في بعض النسخ وهو «انقذوهم خائفين» فيكون المعنى خلّصوهم محترسين كل الاحتراس من أن تتدنسوا بهم كأنهم نجسون إلى حد أن لا يكتفوا بتجنب مسّ أجسادهم فيجب أن يجتنبوا مسّ أثوابهم التي تغطي تلك الأجساد لئلا يتدنسوا. وهذا مبني على قول موسى في شأن مسّ أجساد الموتى (لاويين ٢١: ١١ وعدد ٦: ٦ و١٩: ١١) أو قوله في أمر البرص (لاويين ١٣: ٤٦) فعلامات كره خطيئتهم وبغضها دليل على شدة فظاعتها فعلينا متى شفقنا على الخطأة أن نكره خطاياهم ونحترس منها (١كورنثوس ٥: ١١ و١تيموثاوس ٥: ٢٢ وتيطس ٣: ١٠ و١١ و٢يوحنا ١٠ و١١). وعلّة هذا التحذير إنه قد يحدث أن يكون اجتهاد الإنسان في أمر إنقاذ غيره من الخطر واسطة هلاكهما معاً فيكون ضلال الضال مميتاً ومخالطته خطراً فتكون كلمس ثوب المصاب بالطاعون.
صلاة من أجل المؤمنين الذين كتب إليهم وتسبيح لله ع ٢٤ و٢٥
٢٤ «وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي ٱلابْتِهَاج».
رومية ١٦: ٢٥ و٢كورنثوس ٤: ١٤ و١بطرس ٤: ١٣
وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ كما عثر الفجار وسقطوا (ع ٣) فخاتمة هذه الرسالة تشبه خاتمة رسالة بولس إلى رومية التي كتبت قبلها بما لا يقل عن عشر سنين (رومية ١٦: ٢٥). خاطبهم بإنذارات وتهديدات ونصائح يتبين منها خوفه عليهم واهتمامه بهم وختم كلامه بتوجيه نظره إلى قدرة الله ورحمته فإنه هو وحده قادر أن يحفظهم ويجعل إنذاراته ونصائحه ناجعة فيهم. وأبان بهذا ثقته بأن الله يحفظهم من سوء تعليم الفجار ومثالهم الردي ومن تجارب العالم والشيطان والأشرار من الناس وكل الأخطار التي هم عرضة لها والتي وعد المسيح أن يحفظهم منها إجابة لقوله في صلاتهم اليومية «لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير».
وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ هذا مثل ما في (رؤيا ١٤: ٥) فيكون كالمسيح نفسه (عبرانيين ٩: ١٤). و «المجد» هنا هو المجد الذي يظهر به المسيح في يوم الدين حين يأتي محيطاً به الملائكة والقديسون. والله قادر بنعمته على أن يجعلهم يقفون بلا عيب قدام عرشه في ذلك اليوم (كولوسي ١: ٢٢ و١تسالونيكي ٣: ١٣).
فِي ٱلابْتِهَاجِ لكونهم مفديّين وقد نجوا من الحزن والموت والخطية وإنهم آمنون إلى الأبد في السماء وطنهم الأبدي.
٢٥ «ٱلإِلٰهُ ٱلْحَكِيمُ ٱلْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلْعَظَمَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلسُّلْطَانُ، ٱلآنَ وَإِلَى كُلِّ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ».
يوحنا ٥: ٤٤ و١تيموثاوس ١: ١٧ ولوقا ١: ٤٧ ورومية ١١: ٣٦ وعبرانيين ١٣: ٨
ٱلإِلٰهُ ٱلْحَكِيمُ ٱلْوَحِيدُ سبّح الله على حكمته التي أظهرها في إنشاء عمل الفداء وإعلان ذلك في كتابه وإجراء ذلك العمل إلى النهاية. ونعت ذلك «الحكيم بالوحيد» إذ ليس في مخلوقات الله مماثل له في الحكمة (١تيموثاوس ١: ١٧).
مُخَلِّصُنَا لاق أن يُدعى الآب «مخلصاً» لأنه منشئ عمل الفداء مع أن ذلك ما يُدعى به المسيح غالباً. وأتى بولس بمثل هذا في (١تيموثاوس ١: ١ و٢: ٣ وتيطس ١: ٣ و٢: ١٠ و٣: ٤).
لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلْعَظَمَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلسُّلْطَانُ نسب إلى الله ما أعلنه لما أظهر من محبته ونعمته للذين اختارهم وفداهم وحفظهم ولما أظهره من القدرة في انتصاره على الشيطان والخطيئة وإنقاذ شعبه. وهذا موافق لقول الشيوخ «أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤيا ٤: ١١). وقول المفديين في السماء « ٱلْخَلاَصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا» (رؤيا ١٩: ١).
ٱلآنَ وَإِلَى كُلِّ ٱلدُّهُورِ لأن تلك الصفات المذكورة قبل هذه العبارة تظهر إلى الأبد في إنقاذ المؤمنين وعقاب الأشرار.
آمِينَ (انظر تفسير رومية ١: ٢٥ و٢بطرس ٣: ١٨).
Call of Hope
P.O.Box 10 08 27
D - 70007
Stuttgart
Germany