- كان بيتي مزدحم بضجيج أولادي . وضحكاتهم . وخصامهم . ومزاحهم .

- كانت الكتب منثوره في كل مكان . والأقلام والملابس ملقاة على كل سرير . كنت أرفع صوتي بالصراخ . وأقول لهم يكفي فوضى . ليقم كل واحد بجمع أغراضه وترتيب ملابسه .

- في الصباح يقول أحدهم . ماما لم أجد كتابي الفلاني .

- يقول الثاني ماما أين المريول ؟

- يقول الثالث ماما أين مذكرتي ؟

- يقول الرابع ماما نسيت حل الواجب .

- يقول الخامس ماما أين مصروفي ؟

- الكل في وقت واحد يسأل عن شيء أضاعه بسبب الفوضى . وأنا مهمومه . وأقول لهم كبرتوا وكبر همكم معكم .

- أما اليوم أقف على باب كل غرفة من غرفهم . السرير خالي من صاحبه . كل دولاب ( خزانة ) لا يحتوي إلا على بعض الملابس القليلة له . لم يبقى إلا ذكرياتهم وصدى صراخهم . وبقايا رائحة من عطورهم . كل واحد منهم له عطره الخاص به . أستنشق رائحة عطره . لعلها تخفف أنيني ولوعتي وإشتياقي له . بقيت أثار كتبهم . وملابسهم . وصدى ضحكاتهم . وذكريات أحضانهم .

- أذكر عندما كنت أغضب من أحدهم يركض نحوي مسرعاً ليحتضنني ويقول لي :

- أسف يا أمي سامحيني .

- اليوم أجفف دموعي ولا تجف حرارة فراقهم . كل واحد أصبح في بلد . وتشتت قلبي وراءه . كل واحد ذهب ليشق طريقه ويلتمس رزقه . ويؤمن مستقبله .

- هذه هي الحياة يجب أن نتقبلها بحلوها ومرها .

- كل واحد منهم عندما كان يرحل يقول نفس الجملة :

- الله يطول بعمرك يا ماما . أشكرك لأنك تعبتي حتى نكبر . كنتِ خير مثال للأمهات . وأديتي الرسالة بأمانه . سأذهب وعندما أؤمن مستقبلي سأعود إليكِ لأكافئكِ . وطبعاً ستعيشين معي . لأن مهما فعلت لا أقدر أن أوافيكِ حقكِ علينا .

- ومرت الأيام والسنوات وكبرت وضعفت قوتي . كم أتمنى لو بقوا معي بضجيجهم وضحكاتهم . وبيتي يضج بصراخهم لأستمتع معهم بقية عمري . لكن هذه هي الحياة لا ترحم .

- رسالتي إلى كل أم وأب . إستمتعوا بصراخهم . وبكتبهم المنثورة . وبملابسهم المتناثره . وضحكاتهم . ولعبهم . وعبثهم بمحتويات البيت . إنها ذكريات جميلة لا تحرموا أنفسكم منها .

- بيتي اليوم جميل ومرتب وكل شيء مكانه كما أحب وهدوووووء . لكنه مثل الصحراء لا حياة فيه .

- لا تصرخوا عليهم من أجل النظافة والترتيب . سيأتي يوم ويخرج الواحد تلو الآخر كما حصل معي . كلما خرج أحدهم وهو يجر حقيبته . كان يجر قلبي خلفه . لأحتضن الباب بعد قفله وراءه . وأجثوا على ركبتي وأبكي . ثم أستعيد نشاطي لأقف وأتذكر . من أجل هذا الباب كم مرة صرخت عليهم اقفلوا الباب جيداً وراءكم .

- ها أنا اليوم أقفله وراءهم ولن يفتحه أحد غيري . بعد أن كان لكل واحد منهم مفتاحه الخاص به . ليدخلوا واحداً تلو الآخر ويقول أحدهم أمي أنت بخير ؟ لماذا لونك شاحب ؟

- والثاني يقول هل أكلت وأخذتي علاجك ؟

- والثالث يمسح بيده قدماي ويداي حتى أنام .

- والرابع يحكي لي حكاياته في العمل .

- والخامس يتصل ويقول أنا قادم إلى البيت . ما طلباتك يا ست الستات ؟

- الآن ماذا علي أن أقول سوى الحمد ل لله على كل شيء . لعل الرب يعزي قلبي على فراقهم .

- العبرة من قصتي أحبائي :

- هذه هي ذكريات كل بيت . وذكريات كل عائلة تشتت .

- نصيحة لكم . إفرحوا الآن بجمعتكم . لأن الحياة قاسية . والذكريات مؤلمة .