تفسير سفر حزقيال الاصحاح الاول
(1) المقدمة (ع1-3):
1- كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلاَثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ. 2- فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ سَبْيِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ، 3- صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ.
ع1: نهر خابور: عبارة عن قناة سميت مجازًا نهر، وتقع جنوب شرق مدينة بابل، واستقر على ضفافه كثير من اليهود المسبيين، وبينهم حزقيال النبي، حيث رأى كثيرًا من رؤياه.
غالبًا يقصد "فى سنة الثلاثين" عمر حزقيال، فهو إذ بلغ الثلاثين من عمره يستطيع أن يباشر خدمته الكهنوتية. وسن الثلاثين عند اليهود هو سن الرجل الكامل. وقد أعطاه الله هذه الرؤيا في السن الكامل حتى لا يتشكك اليهود في صغر سنه، ولأن الرؤيا عظيمة جدًا؛ لأنها تتكلم عن عرش الله.

كان حزقيال يشعر بالحزن؛ لأنه محروم من ممارسة كهنوته، إذ هو بعيد عن الهيكل الذي في أورشليم. فأنعم عليه الله برؤيا العرش الإلهي السماوى، وليس أشباه السماويات الموجودة في هيكل سليمان.
تم أخذ أسرى سبي بابل إلى هناك حيث عاشوا كعبيد بجانب النهر (نهر خابور) (حزقيال 1: 1)- مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (2) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ولأن الشعب في حزن بسبب السبي، الذي أدبهم به الله، أعطاهم -على يد حزقيال- رؤية عرشه السماوى؛ ليعزيهم. فالله يظهر نفسه بالشكل المناسب لأولاده، أي عندما تزداد الضيقة تظهر التعزيات الكثيرة.
وهذه الرؤيا تعزى كل نفس بشرية وترفعها؛ لتكون عرشًا لله. فهذه الحيوانات الأربع، التي سيتكلم عنها تحمل عرش إلهنا العظيم، فكم هي عظمة النفس البشرية التي تنال سر المعمودية وتصير عضوًا في جسد المسيح، فتتأهل لسكنى الروح القدس فيها بسر الميرون.
وهذه الرؤيا تعلن دور الخادم الذي يتشبه بإلهه النار الآكلة، فيكون نقيًا ويرفض الشر ويوبخه؛ لينقى كل من يخدمهم، ويصيروا آنية صالحة لسكن الله.
ففى اليوم الخامس من الشهر الرابع من السنة الثلاثين، فيما كان حزقيال جالسًا رأى السموات قد انفتحت؛ ليرى هذه الرؤيا التي تعلن للبشر عرش الله العظيم.
نلاحظ أن الله قد سمح أن نبيه حزقيال يعيش بين المسبيين بجوار بابل ؛ حتى يتألم بآلامهم، فيشعر بأتعابهم، ويكون كلامه مقبولًا منهم، أكثر من كلامه لو كان في مكان مريح، كما قيل عن المسيح "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18).

ووجود حزقيال في السبي متكلمًا بكلام الله يعلن حقيقة هامة، أن كلام الله ليس محصورًا في أورشليم، بل هو في كل مكان، فالمسيح سيأتى لخلاص اليهود والأمم.
وقد بدأت نبوته بعد خمس سنوات من سبيه، عانى فيها المسبيون من الغربة والذل فكانت نبوته مهمة ومعزية للمسبيين، لعلهم يقبلونها ويتعزون بها ويخضعون لها.
ع2: يعلن أيضًا ميعاد هذه الرؤيا وهو السنة الخامسة لسبى يهوياكين ملك يهوذا، الذي سبته بابل عام 597 ق.م وسبت معه الشبان، حتى لا يقوموا بثورة ضد بابل، ولكيما تستفيد بهم بابل إن أرادت. وكان بين هؤلاء الشبان حزقيال النبي الذي كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره وبعد قضائه خمس سنوات في السبي، أي صار عمره ثلاثين عامًا رأى هذه الرؤيا، أي عام 592 ق.م. وقد رآها في اليوم الخامس من الشهر الرابع.
ع3: أعلنت هذه الرؤيا لحزقيال الكاهن بن بوزى الكاهن، فهو وإن كان مهملًا وذليلًا في أرض السبي، امتدت يد الله لتباركه وتعلن له ما لا يستحق أحد أن يراه على الأرض كلها على مدى الأجيال. فبركة الله لأولاده تفوق التخيل.
† ثق أن الله معك عندما تزداد الضيقة وتشعر أنك وحيدًا لا يهتم بك أحد، ففى هذا الوقت تتعاظم عليك عطية الله وتتمتع بالإحساس به، فتشعر بسعادة لا يعبر عنها، بل تستطيع أن تفرح قلوب من حولك وتعزيهم.
(2) المخلوقات الحية الأربعة (ع4-14):
4- فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. 5- وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهذَا مَنْظَرُهَا: لَهَا شِبْهُ إِنْسَان. 6- ٍوَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَة. 7- وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ، وَأَقْدَامُ أَرْجُلِهَا كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ، وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ. 8- وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. وَوُجُوهُهَا وَأَجْنِحَتُهَا لِجَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. 9- وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ. 10- أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا فَوَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ لِلْيَمِينِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ ثَوْرٍ مِنَ الشِّمَالِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ نَسْرٍ لأَرْبَعَتِهَا.11- فَهذِهِ أَوْجُهُهَا. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَمَبْسُوطَةٌ مِنْ فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَّصِلاَنِ أَحَدُهُمَا بِأَخِيهِ، وَاثْنَانِ يُغَطِّيَانِ أَجْسَامَهَا.12- وَكُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ. إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ تَسِيرُ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا.13- أَمَّا شِبْهُ الْحَيَوَانَاتِ فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ، كَمَنْظَرِ مَصَابِيحَ هِيَ سَالِكَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَلِلنَّارِ لَمَعَانٌ، وَمِنَ النَّارِ كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ.14- الْحَيَوَانَاتُ رَاكِضَةٌ وَرَاجِعَةٌ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ.
ع4: رأى حزقيال أربعة مظاهر تعلن وجود الله قبل أن يرى تفاصيل رؤياه التي هي عرش الله العظيم.
هذه الأربع مظاهر هي:
1- الريح:
رأى حزقيال ريحًا عاصفة، أي قوية وشديدة تأتى من الشمال. والشمال يعنى مملكة بابل التي تقع شمال شرق بلاد اليهود، وهي الأداة التي استخدمها الله لتأديب شعبه، فهي إعلان عن وجود الله العادل المؤدب.
والريح في الكتاب المقدس تعلن عن حضرة الله، لأنها عاصفة قوية، كما ظهر الله لإيليا في الريح (1 مل19: 11) وكما حدث يوم حلول الروح القدس على التلاميذ (أع2: 2-4). والريح كما يقول المسيح "الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب" (يو3: 8)، فهي تعلن حضرة الله المالئ كل مكان، وترمز لعمل الروح القدس، الذي يعمل عملًا سريًا فينا لتجديد النفس، كما في سر المعمودية ويشعلها بمحبة الله، كما في سر الميرون.
2- السحابة:
رأى حزقيال سحابة عظيمة، والسحاب يعلن الغموض فلا ترى ما خلفه. هكذا أيضًا أسرار الله، فعندما ترى أعمال الله تدرك شيئًا عن الله، ولكن لا يمكن أن تدرك كل جوهره.
وقد أعلن الله عن وجوده في السحاب، عندما ظهر لموسى على الجبل وأعطاه الوصايا، وكان يقود شعبه في برية سيناء بعمود السحاب، وكان هذا العمود يقف أمام خيمة الإجتماع؛ ليعلن حضور الله (خر33: 9، 10) وعند تدشين الهيكل أيام سليمان ظهر الله في شكل سحابة، (1 مل8: 11) وعندما تجلى المسيح على الجبل مع موسى وإيليا ورآه تلاميذه الثلاثة غطتهم السحابة (مت17: 5).
والسحابة ترمز لجماعة القديسين (عب12: 1). وترمز أيضًا للخدام والكارزين والأنبياء، كما قال القديس أوغسطينوس والقديس امبروسيوس. وأما القديس ديونسيوس فيشعر أنهم الملائكة.
وترمز السحابة أيضًا لناسوت المسيح، الذي أخفى فيه لاهوته عند تجسده. وكذلك فإن الريح تزيح في طريقها الماديات المعطلة؛ ليرى الإنسان الله، فعندما ينظر إلى الله الذي تعلن السحابة وجوده، يرى شيئًا من مجده قدر ما يحتمل، فالسحابة تحجب مجده الذي يفوق قدرة الرؤيا عند البشر.
3- النار:
رأى حزقيال مع الريح والسحابة نارًا متواصلة. والنار ترمز لله القوى، الذي يحرق كل شر، إذ يقول الكتاب "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29). وقد ظهر بشكل ألسنة نارية عند حلوله على التلاميذ يوم الخمسين (أع2: 3). ويقول أيضًا المزمور "قدامه تذهب نار" (مز97: 3). والفضة والذهب، أي الأقوياء في الإيمان لا يخافون النار؛ لأنها تخلصهم من الشوائب، أما القش والتبن والخشب - أي الضعفاء في الإيمان والمحبة - فيحترقون من النار، وهذه النار لها لمعان يرمز إلى بهاء الله ومجده.
4- النحاس:
رأى حزقيال شيئًا لامعًا مثل النحاس من وسط النار، وهو يرمز لصليب المسيح، الذي يشير إليه المذبح النحاسى في العهد القديم، كما رأى يوحنا الرائى خروفًا قائمًا في الوسط كأنه مذبوح، أي المسيح المصلوب (رؤ5: 6).
ع5: الأربعة حيوانات هي أربعة كائنات حية، أي طغمة ملائكية على مستوى عالٍ؛ لأنها تحمل العرش الإلهي، ويذكر حزقيال في (حز 10: 1) أنها من رتبة الكاروبيم، أو الشاروبيم، وهم طغمة ملائكية مملوءة عيونًا، أي معرفة، ولها وجه إنسان، أي تشفع في البشر. وسنكتشف في الآيات التالية أن لها أربعة أوجه، سنتكلم عنها بالتفصيل. كل هذا المنظر ظهر وسط النار والسحابة والريح التي تعلن حضرة الله، فهؤلاء الأربعة حيوانات، أو الكائنات الحية هي الحاملة عرش الله.
ع6: يذكر أن لكل حيوان أربعة أوجه، ويرمز هذا إلى أنه ينظر إلى الله من جميع الاتجاهات. فهو منتبه يعلن اليقظة الروحية، التي تتميز بها هذه الحيوانات، وليس مثل البشر عندما يخطئون في حق الله، ويعطونه القفا وليس الوجه (إر2: 27).
وكل حيوان له أربعة أجنحة، بإثنين يغطى جسمه، خشوعًا أمام الله، وباثنين يطير، إشارة إلى الروحانية والسمو، وبهما أيضًا يتصل بالحيوان الآخر، إشارة للوحدانية والترابط. كل هذه الصفات التي تظهر في الحيوانات يعلنها لنا الوحى الإلهي؛ لنقتدى بها.
ونلاحظ اختلاف وصف الحيوانات هنا عن سفر الرؤيا (رؤ4: 6-8) ففى الرؤيا يصفهم بأن لكل حيوان ستة أجنحة، أما هنا فأربعة. وفى سفر الرؤيا للحيوان جناحان يغطى بهما وجهه، خشوعًا من بهاء مجد الله، أما هنا فيقابلهما المقبب الذي على الرأس (ع22).
ع7: يصف هذه الحيوانات بما يلي:
أرجلها قائمة : أي مستقيمة، فهي ترمز للحياة المستقيمة والعلاقة المستقيمة مع الله، فليس هناك انشغال، أو التواء، أو خداع، سواء في الممارسات الروحية، التي نمارسها، أو في العلاقة بالآخرين.
أقدام أرجلها كقدم رجل العجل: فتمثل الثبات كما نعلن هذا في تسبحة كيهك؛ عند حديثنا عن الحيوانات الأربعة أنها واقفة بثبات أمام الله تسبحه وتمجده. ويلاحظ أن رجل العجل تكون مشقوقة الظلف؛ لأنه من الحيوانات الطاهرة بحسب شريعة موسى، وهذا يرمز لطهارة هذه المخلوقات السماوية.
بارقة : أي لامعة وبهية، من المجد الذي تناله بوجودها في حضرة الله، وهي مثل النحاس المصقول، أي المنقى من الشوائب. فهو نحاس نقى يرمز للمذبح النحاسى، أي الذبيحة والفداء والبذل. فالحيوانات تمثل الحب المبذول؛ لأنها قائمة في حضرة الله المخلص والفادى.
ع8: لها أيدي إنسان تحت أجنحتها. وترمز الأيدى للعمل، فالحيوانات تسبح الله وتعمل لخدمة البشر بحسب أمر الله.
ع9: نلاحظ أن الأجنحة متصلة، فجناح الحيوان متصل بجناح الحيوان الآخر، أي أنها مرتبطة وممتدة بفكر واحد هو فكر الله، وتعمل بمشيئة واحدة هي مشيئة الله.
هذه الحيوانات كانت تسير نحو الله متعمقة في معرفته متلذذة بعشرته. ولأن كل حيوان يسير جهة وجهه ولها أربعة أوجه، فهي بذلك تسير في الأربعة اتجاهات، فهي لا تدور عند حركتها، بل تسير دون دوران، أي لها حيوية كاملة ونمو في معرفة الله كل حين.
والأربعة أوجه ترمز إلى أربعة جهات العالم، فهي تنظر إلى الله الموجود في كل مكان ومالئ كل مكان.
"السماوات انفتحت، فرأيت رؤى الله.. فنظرت وإذا بريح عاصفة جاءت من الشمال. سحابة عظيمة ونار متواصلة وحولها لمعان، ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار. ومن وسطها شبه أربعة حيوانات. وهذا منظرها: لها شبه إنسان. ولكل واحد أربعة أوجه، ولكل واحد أربعة أجنحة. وأرجلها أرجل قائمة، وأقدام أرجلها كقدم رجل العجل، وبارقة كمنظر النحاس المصقول. وأيدي إنسان تحت أجنحتها على جوانبها الأربعة. ووجوهها وأجنحتها لجوانبها الأربعة. وأجنحتها متصلة الواحد بأخيه. لم تدر عند سيرها. كل واحد يسير إلى جهة وجهه. أما شبه وجوهها فوجه إنسان ووجه أسد لليمين لأربعتها، ووجه ثور من الشمال لأربعتها، ووجه نسر لأربعتها. فهذه أوجهها. أما أجنحتها فمبسوطة من فوق. لكل واحد اثنان متصلان أحدهما بأخيه، واثنان يغطيان أجسامها" (حزقيال 1: 1، 4-11) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (5) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع10: يعلن شكل الأوجه الأربعة وهو الإنسان والأسد والثور والنسر، وهذه الأشكال ترمز لأمور كثيرة كما فهم الآباء القديسون منها:
التشفع في الخليقة : فوجه الإنسان يرمز للتشفع في البشر، وكذلك في الحيوانات المتوحشة التي يرمز إليها وجه الأسد، والتشفع في الحيوانات الأليفة التي يرمز إليها وجه الثور، وفى الطيور التي يرمز إليها وجه النسر.

النفس البشرية : التي في بداية حياتها مع الله تتسم بالهمجية والوحشية، والتي يرمز إليها وجه الأسد، ثم تنتقل إلى العمل الجسمانى ويصاحبه الشهوات ويرمز إليه وجه الثور، وبعد ذلك ترتفع إلى التعقل والسلوك البشرى المتزن، الذي يرمز إليه وجه الإنسان. وفى النهاية تسمو وتسير في السلوك الروحي، الذي يرمز إليه وجه النسر.

الأناجيل : فإنجيل متى يتكلم عن نسب المسيح حسب الجسد، الذي يرمز إليه وجه الإنسان، وإنجيل مرقس يتكلم عن المسيح القوى، الذي يرمز إليه وجه الأسد، وإنجيل لوقا يتكلم عن المسيح الفادى المحب لكل البشر، الذي يرمز إليه وجه الثور، وإنجيل يوحنا يتكلم عن لاهوت المسيح والسمو الروحي، الذي يرمز إليه وجه النسر.
المسيح : فترمز الأربعة أوجه لحياة المسيح على الأرض، فالجسد يرمز إليه وجه الإنسان، والصليب والفداء يرمز إليه وجه الثور، والقيامة القوية يرمز إليها وجه الأسد، أما الصعود فيرمز إليه وجه النسر.
الكنيسة : فوجه الأسد يرمز للمسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، وهو رئيس الكهنة الأعظم ومنه كل الكهنة. أما وجه الثور فيرمز للمسيح الذبيح الموجود على المذبح بجسده ودمه. ووجه الإنسان يشير للمتناولين، أي الإكليروس والشعب. وأخيرًا وجه النسر يرمز لكل المؤمنين، الذين تسمو حياتهم مثل النسر بعدما يتناولون.
ع11: يؤكد هنا استخدام الأجنحة، فإثنان للطيران، إذ هما من فوق ويتصلان بالحيوانات الأخرى دليلًا على الوحدانية. أما الجناحان الآخران؛ فلتغطية الملاك خشوعًا أمام الله.
ع12: المحرك للحيوانات الأربع هو الروح القدس، وبسيرها في كل الاتجاهات بلا دوران، فهي ثابتة في تبعية الروح القدس.
ع13: إن كان إلهنا نار آكلة، فهو إذ يعمل بروحه القدوس في الحيوانات الأربع، يجعلها متقدة بنار حبه. والنار تسرى فيها وبينها، وتجعلها منيرة كالمصباح، فهي تنير للعالم كما المؤمن لكل من حوله. وهي لامعة ويخرج من النار برق، أي أنها مملوءة بهاءً ومجدًا وتنير بقوة كالبرق لكل العالم.
ولعلها، لأنها متقدة بالنار، يرى البعض أن هذه الحيوانات الأربعة من رتبة السيرافيم وهي جمع ساراف ومعناه المتقد بالنار، أي نار الحب الإلهي.
وهناك رأي آخر بأن هذه الحيوانات من رتبة العروش، أو الكراسى؛ لأنها تحمل العرش الإلهي.
سحابة عظيمة ونار متواصلة وحولها لمعان، ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار" (حزقيال 1: 4) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (4) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع14: راكضة: أي تجري.
من صفات هذه الحيوانات أنها تجرى نحو الله وترجع من عنده محملة بالبركات الإلهية، فهي تتميز بالحيوية والنمو الروحي المستمر.
† لا تنس أنك كائن روحانى، هدفك الوحيد هو أن تتمتع بعشرة الله على الأرض، حتى تكمل معه في السماء. وإذ تهتم بالنمو في معرفته بالقراءة والتأمل والصلاة، تستطيع أن تشبع وتنير لكل من حولك.
(3) البكرات (ع15-21):
15- فَنَظَرْتُ الْحَيَوَانَاتِ وَإِذَا بَكَرَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِجَانِبِ الْحَيَوَانَاتِ بِأَوْجُهِهَا الأَرْبَعَةِ. 16- مَنْظَرُ الْبَكَرَاتِ وَصَنْعَتُهَا كَمَنْظَرِ الزَّبَرْجَدِ. وَلِلأَرْبَعِ شَكْلٌ وَاحِدٌ، وَمَنْظَرُهَا وَصَنْعَتُهَا كَأَنَّهَا كَانَتْ بَكَرَةً وَسْطِ بَكَرَةٍ.17- لَمَّا سَارَتْ، سَارَتْ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا.18- أَمَّا أُطُرُهَا فَعَالِيَةٌ وَمُخِيفَةٌ. وَأُطُرُهَا مَلآنَةٌ عُيُونًا حَوَالَيْهَا لِلأَرْبَعِ.19- فَإِذَا سَارَتِ الْحَيَوَانَاتُ، سَارَتِ الْبَكَرَاتُ بِجَانِبِهَا، وَإِذَا ارْتَفَعَتِ الْحَيَوَانَاتُ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ.20- إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ يَسِيرُونَ، إِلَى حَيْثُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ وَالْبَكَرَاتُ تَرْتَفِعُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ. 21- فَإِذَا سَارَتْ تِلْكَ سَارَتْ هذِهِ، وَإِذَا وَقَفَتْ تِلْكَ وَقَفَتْ. وَإِذَا ارْتَفَعَتْ تِلْكَ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ.
ع15: البكرة: العجلة.
رأى حزقيال بكرة واحدة بجوار الحيوانات وهي متصلة ولها علاقة بالحيوانات. والروح في الحيوانات، هو الذي في البكرة وهو الروح القدس. وهذه البكرة ترمز لعمل الحيوانات وخدمتها على الأرض، فالملائكة في هذه الطغمة العالية تتشفع في الأرضيين وتقدم خدمات مختلفة لها. وقد رآها بكرة واحدة، أي أن خطة الله واحدة؛ لخدمة أولاده على الأرض، ينفذها هؤلاء الحيوانات الأربعة
ع16: الزبرجد: حجر كريم يتميز بالصلابة ولونه أخضر فاتح.
بعد ذلك رأى حزقيال أمامه أربع بكرات، بجوار كل حيوان بكرة. وهذا معناه أن لكل حيوان عمله وخدمته للأرضيين، أي الكنيسة التي على الأرض. ورأى أن هذه البكرات مصنوعة من الزبرجد، أى لها صلابة وقوة، فخدمة الملائكة قوية. ولونها أخضر أي مملوءة حيوية؛ لأن اللون الأخضر يرمز للحياة التي في النباتات.
لاحظ أيضًا حزقيال أن الأربع بكرات متشابهة، لها منظر واحد، في أن محبة الملائكة لنا واحدة.
ورأى أيضًا وجود بكرة وسط كل بكرة، وهذا معناه تداخل عمل الله وخدمة الملائكة لنا، بشكل يصعب فهمه ولكن هدفه خلاصنا. والبكرتان ترمزان للعهد القديم والعهد الجديد، فواحدة داخل الأخرى، أي العهد القديم داخل العهد الجديد يعلن المسيح المخلص، أي أن الملائكة تعيش بكلمة الله وتحرك الكنيسة لتحيا بها، وكلمة الله تعمل فينا أعمالًا كثيرًا متداخلة لخلاصنا.
ع17: البكرة على شكل إسطوانة لها سطح قاعدة كل منهما بشكل دائرة، ولها أيضًا جانب يمكن أن يدور. فقد رأى حزقيال أن هذه الأربعة بكرات تدور على جانبها، مثل أية عجلة مثبتة في سيارة، ولكن العجيب أنها لم تدر عند سيرها، بل كانت ثابتة، وهذا يؤكد أن هذه المعانى رمزية وليست مادية حسية؛ لأن أية أسطوانة تدور لابد أن تتحرك، وعدم حركتها يعلن ثباتها، أي أن عمل الملائكة ثابت لا يتغير، حتى لو تغير الأرضيون، لأن محبة الله ثابتة وخدمة الملائكة لنا ثابتة وتدعونا للخلاص.
ع18: أطرها: جمع إطار وهو شيء دائرى يحيط بالبكرة، مثل الكاوتشوك المحيط بالعجلة الحديدية في أية دراجة.
رأى حزقيال إطارات البكرات عالية؛ لأن هذه الحيوانات سماوية ومخيفة؛ لأن لها مكانة عظيمة في السماء وتحمل العرش الإلهي.
إمتلاء الإطارات بالأعين يرمز للمعرفة، التي تتميز بها هذه الحيوانات الأربعة، فهي ترى الله وترى البشر وتشفع فيهم.
ع19: البكرات هي عمل الحيوانات ومتصلة بها، فإن سارت الحيوانات، أي تحركت في حيوية نحو الله تتحرك البكرات؛ أي عملها في خدمة البشر، وإذا ارتفعت الحيوانات، ترتفع معها البكرات، أي يرتفع عمل الحيوانات؛ لتسبح الله.
ع20: روح الحيوانات هو الروح القدس، وهو الذي في البكرات التي هي عمل الحيوانات، فعمل الحيوانات يتحرك مع الحيوانات إلى الروح القدس وليس لها هدف إلا إرضاؤه وبه تتحرك وتعمل.
ع21: يؤكد هنا ثانية ما جاء في الآية السابقة وهو ارتباط البكرات بالحيوانات، فهي عملها، الذي يتم بقوة الروح القدس.
† ما أجمل أن تكون أعمالك نابعة من عمل الروح القدس فيك، فلا تتكلم، أو تتصرف إلا بدافع روح الله الساكن فيك. فتخدم وتجذب الكل إلى المسيح ولا تتأثر بأفكار العالم الغريبة المحيطة بك.
(4) المقبب والعرش والجالس عليه (ع22-28):
22- وَعَلَى رُؤُوسِ الْحَيَوَانَاتِ شِبْهُ مُقَبَّبٍ كَمَنْظَرِ الْبِلَّوْرِ الْهَائِلِ مُنْتَشِرًا عَلَى رُؤُوسِهَا مِنْ فَوْقُ. 23- وَتَحْتَ الْمُقَبَّبِ أَجْنِحَتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ الْوَاحِدُ نَحْوَ أَخِيهِ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَاكَ أَجْسَامَهَا.24- فَلَمَّا سَارَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَجْنِحَتِهَا كَخَرِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ. صَوْتَ ضَجَّةٍ، كَصَوْتِ جَيْشٍ. وَلَمَّا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا.25- فَكَانَ صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا. إِذَا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا.26- وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا شِبْهُ عَرْشٍ كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ، وَعَلَى شِبْهِ الْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ. 27- وَرَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ كَمَنْظَرِ نَارٍ دَاخِلَهُ مِنْ حَوْلِهِ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَمِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ، رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ نَارٍ وَلَهَا لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا.28- كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ يَوْمَ مَطَرٍ، هكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ. هذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ. وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ مُتَكَلِّمٍ.
ع22: مقبب: شكل قبة فوق رؤوس الحيوانات.
رأى حزقيال فوق رؤوس الكائنات الحية مقبب وهو يقابل الجناحين اللذين تغطى بها الحيوانات وجوهها في سفر الرؤيا (رؤ4: 8).
وهذا المقبب يرمز إلى قبة السماء ويعلن أنهم مخلوقات سماوية سامية روحانية.
هذا المقبب منظره شبه البلور، أي زجاج نقى جدًا، يرمز لنقاوة هذه الكائنات والبلور؛ لأنه شفاف، فينفذ من خلاله صورة الله الجالس على العرش وتصير هذه الكائنات صورة نقية لله.

والبلور يتميز بالصلابة والقوة، فهذه الكائنات قوية وثابتة في حياتها وعلاقتها بالله.
والبلور هائل أي عظيم وضخم ومنتشر، فهو كالبحر كما يذكر سفر الرؤيا (رؤ4: 6) وهو بهذا يرمز إلى المعمودية، فهذه الكائنات تنادى؛ لأن المدخل إلى الله من خلال الكنيسة هو سر المعمودية.
ع23: لاحظ النبي أن أجنحة الحيوانات مستقيمة، فترمز إلى الحياة المستقيمة مع الله والأجنحة تغطى أجسام الحيوانات خشوعًا أمام عظمة الله.
ع24: خرير: صوت المياه.
عندما سارت الحيوانات أي تحركت ونمت في حبها نحو الله، أحدثت أجنحتها صوتًا عظيمًا؛ لتعلن حركتها وحيويتها واتجاهها نحو الله، وتعلن أيضًا عظمة الله، الذي تتجه نحوه، فعظمة صوتها يشبه عظمة صوت الله القدير. والضجة التي تحدثها توجه نظر النبى نحوها، ثم في النهاية وقفت وأرخت أجنحتها وصمتت؛ لتسمع صوت الله الذي سيأتى في (ع25).
ع25: أخيرًا جاء صوت الله الجالس على عرشه فوق المقبب، عندما صمتت الحيوانات وأرخت أجنحتها؛ لتسمع صوته.
. ورأيت مثل منظر النحاس اللامع كمنظر نار داخله من حوله، من منظر حقويه إلى فوق، ومن منظر حقويه إلى تحت، رأيت مثل منظر نار ولها لمعان من حولها. كمنظر القوس التي في السحاب يوم مطر، هكذا منظر اللمعان من حوله. هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت على وجهي، وسمعت صوت متكلم" (حزقيال 1: 26-28) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (8) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع26: يصل في النهاية إلى أهم شيء في الرؤية وهو عرش الله، الذي فوق المقبب، أي فوق الحيوانات غير المتجسدة. ويذكر أنه شبه عرش؛ لأنه أعظم من أي عرش وهذا مجرد تشبيه لمكان وجود الله، فهو مالئ كل مكان وأسمى من كل شيء.
وعلى العرش شبه كمنظر إنسان، أي يعلن الإله المتجسد، الذي تواضع وظهر لنا في ملء الزمان. فهذه الرؤيا كلها تقريب لمنظر السماء العظيم وعرش الله. والمقصود بالعقيق الأزرق السماء ذات اللون الأزرق.
ع27: رأى أيضًا على العروش النحاس، الذي يرمز لناسوت المسيح، والنار التي ترمز إلى لاهوته، أي أنه رأى المسيح، أو الإله المتجسد على العرش وله لمعان، أي مجد عظيم. ويتكلم عن منظر إنسان له حقوان، وهي منطقة الوسط في جسم الإنسان، ليعلن المسيح المتجسد. نلاحظ أن النار داخله وحوله، فاللاهوت متحد به وحوله.
والنحاس يرمز للمذبح النحاسى، الذي تقدم عليه الذبائح، فهو يتكلم عن المسيح الفادى الذبيح عنا. والنار تعلن قوة الله، الذي يحرق كل خطية وينقينا منها.
ع28: رأى أيضًا منظر قوس وهو قوس قزح، الذي يظهر في السماء عند المطر. رآه في السحاب وهو إعلان وجود الله، كما وعد نوح أن يحفظ الأرض من الطوفان عندما تمطر السماء. فمنظر القوس هو إعلان إلهي يطمئن أولاد الله، أنه يحفظهم من كل شيء.
والقوس الذي يستخدم في الحرب يكون معه سهام تجرح، أما هنا فالقوس بلا سهم، فالله يحفظنا دون أن يصيبنا أذى.
لما رأى النبي كل هذا المنظر العظيم، الذي يعلن الإله المتجسد، أي شبه الإنسان، سجد في خشوع وسمع صوت الله يتكلم، فازداد فرحًا وخشوعًا أمام هذه الرؤية العظيمة.
† إن الله المخوف العظيم، الذي تخافه الملائكة، تنازل في حبه متجسدًا؛ ليظهر نفسه لك، بل يبذل حياته من أجلك، فليتك ترتفع به إلى الحياة السماوية وتسلك مستقيمًا، مثل هذه الحيوانات الأربعة؛ فتتمتع بسكناه الدائم فيك ويملك على قلبك إلى الأبد.
تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثانى

(1) إرساليته لشعب الله المتمرد (ع1-7):
1- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، قُمْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ».2- فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي، وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي.3- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى أُمَّةٍ مُتَمَرِّدَةٍ قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ. هُمْ وَآبَاؤُهُمْ عَصَوْا عَلَيَّ إِلَى ذَاتِ هذَا الْيَوْمِ.4- وَالْبَنُونَ الْقُسَاةُ الْوُجُوهِ وَالصِّلاَبُ الْقُلُوبِ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ. فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ.5- وَهُمْ إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ بَيْنَهُمْ.6- أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، وَمِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ، لأَنَّهُمْ قَرِيسٌ وَسُلاَّءٌ لَدَيْكَ، وَأَنْتَ سَاكِنٌ بَيْنَ الْعَقَارِبِ. مِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ وَمِنْ وُجُوهِهِمْ لاَ تَرْتَعِبْ، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ.7- وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بِكَلاَمِي، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ مُتَمَرِّدُونَ.
ع1: بعد أن رأى حزقيال عرش الله العظيم في الرؤية والذي تحمله الأربعة حيوانات غير المتجسدين، تعجب جدًا؛ ومن عظمة المنظر سقط على وجهه، فسمع صوت الله يناديه ويأمره أن يقوم ويعطيه قوة للقيام، حتى يكون مستعدًا للعمل. وهكذا تحول من الحزن بسبب عجزه عن العمل الكهنوتى؛ لابتعاده عن الهيكل إلى ممارسة عمله النبوى العظيم بأمر الله.
ويناديه يا ابن آدم؛ ليتضع، فرغم رؤيته لعظمة الله لا يتكبر ويعلم أنه مجرد إنسان، وقد دُعى ابن آدم 85 مرة خلال هذا السفر. وهو يرمز للمسيح الذي كان يدعى ابن الإنسان.
وهكذا تمتع بسماع صوت الله والتحدث معه وهو أسمى شيء في العالم.
ع2: هنا يعطيه الله قوة لينفذ أمره بالقيام، إذ دخل فيه الروح القدس؛ ليعطيه قوة للقيام، بل أيضًا قوة لسماع وفهم صوت الله المتكلم معه، فعندما تكلم الله أعطاه في نفس الوقت قوة الروح القدس؛ لتنفيذ أمره بالقيام.
† إقبل وصايا الله مهما بدت صعبة، واثقًا أنه يعطيك القوة لتنفيذها، فتتمتع بعمل الروح القدس فيك وتنعم ببركات الوصية في حياتك، وتسير بخطى واسعة في طريق الملكوت.
ع3: أظهر الله لحزقيال صعوبة الإرسالية؛ لأن بني إسرائيل قساة القلوب يرفضون سماع صوت الله ويتمردون عليه، فهم مصرون على التمرد.
ولكن رغم صعوبة الإرسالية فلا خوف منها؛ لأن الله هو الذي يرسله وبالتالي يعطيه القوة للقيام بها.
ع4: يؤكد هنا أن الشعب قاسى القلب؛ لأنهم أبناء الآباء قساة القلوب.
ع5: يعلن الله لحزقيال أنه إن سمع الشعب لنبوته سيتوبون وينالون بركات الله. وبهذا يؤمنون بأنه نبى الله. وإن رفضوا سماع نبوته ولم يتوبوا، ستأتي عليهم الويلات، فيعرفون أيضًا أنه نبى الله. ففى الحالتين سيعرفون أنه نبى.
ولم يقل الله أنهم سيتمردون؛ حتى لا يعتمدوا على هذا ويقولوا، أن الله قد قال، فيخطئون ويتمادون في شرهم ولكن نفهم هنا أنه بسابق علم الله يعرف أنهم سيتمردون.
ع6: قريس : هو القريص وهو العوسج، الذي هو نبات شوكى، أشواكه سامة وينمو في البرارى المهجورة.
سلاء : شوك النخل.
ينبه الله حزقيال أن شعبه متمرد وسيرفض كلامه، ويشبههم بالنباتات الشوكية، مثل القريس والسُلاء، التي تؤذى من يلمسها، وبالعقارب التي تحاول قتل من يقترب إليها، ومع هذا يشجعه، حتى لا يخاف منهم ويعلن صوت الله لهم، مهما كان رفضهم وعصيانهم، معتمدًا على أن الله هو الذي أرسله، فهو يعطيه القوة لإتمام خدمته. والله ينبهه للآلام التي ستقابله؛ حتى لا ينزعج منها ويثق أن الله الذي أنبأه بها سيسنده فيها.
: "وأنت يا ابن آدم، فاسمع ما أنا مكلمك به. لا تكن متمردا كالبيت المتمرد. افتح فمك وكُلْ ما أنا معطيكه" (حزقيال 2: 8) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (13) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع7: يكرر الله أهمية الاستمرار في خدمته، سواء استجاب الشعب لكلامه، أو رفضوه، ففى الحالتين يستمر يتكلم، فهذه أمانة في خدمته، التي يقدمها لله، بغض النظر عن وجود ثمار لخدمته.
(2) طاعة النبي (ع8-10):
8- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاسْمَعْ مَا أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهِ. لاَ تَكُنْ مُتَمَرِّدًا كَالْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ. افْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أَنَا مُعْطِيكَهُ».9- فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ إِلَيَّ، وَإِذَا بِدَرْجِ سِفْرٍ فِيهَا.10- فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِل وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ.
ع8: البيت: بيت إسرائيل، أي شعب الله.
الله بأبوته خشى على نبيه حزقيال أن يتأثر بتمرد الشعب ورفضهم كلام الله، فييأس ولا يطيع الله، فيمسك عن إعلان النبوة. ولذا حذره أن لا يكون متمردًا مثلهم، بل يظل يعلن صوت الله لهم؛ لعل البعض يطيعون ولو قليلين وبهذا يكون الله قد أعطاهم كل الفرص للتوبة.
وطلب منه أن يأكل ما سيعطيه له، حتى لو بدا صعبًا، كما سيظهر في الآيتين التاليتين، فهنا تظهر طاعة النبي.
† كن مطيعًا لوصايا الله، حتى وإن بدت صعبة، واثقًا أن فيها خيرك، بل لا يوجد خير إلا من خلالها وثق أيضًا أن معونة الله ستساندك، فيصبح تنفيذ الوصية ميسورًا لك، بل وتتمتع أيضًا بفرح عشرة الله ووجوده معك.
ع9: درج سفر: ورقة كبيرة ملفوفة مكتوب فيها رسالة أي كتاب، فالدرج يقابل الكتاب اليوم.
رأى حزقيال يد ممدودة إليه، هي يد مرسلة من الله، قد تكون يد ملاك، أو أي إعلان إلهى. وفى اليد درج مكتوب فيه رسالة من الله.
واليد الممدودة معناها أن الله يمد يده بالمحبة لحزقيال، فهذا يسانده، ومن جهة أخرى إن تهاون، أو رفض التجاوب مع هذه اليد، يكون متمردًا ويستحق العقاب.
فيها. فنشره أمامي وهو مكتوب من داخل ومن قفاه، وكتب فيه مراث ونحيب وويل" (حزقيال 2: 9-10) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (14) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع10: نشره: أي فتح الدرج الملفوف، فصار شريحة طويلة من الورق مكتوب عليها.
قفاه : الوجه الآخر للورقة، أو الجلد، أو أية مادة مكتوب عليها.
مراثٍ : كلمات تعبر عن الحزن.
نحيب : بكاء بصوت مسموع.
نشر الله -عن طريق اليد- هذا الدرج، أي فتحه، فظهر أنه يحوى كلمات حزينة وتهديدات بالعقاب الإلهي، بسبب تمرد الشعب. ووجد أن السفر مكتوب من الأمام ومن الخلف وهذا يعنى:
كلام الله له معانٍ ظاهرة وله معانٍ مختفية عميقة، يظهرها الله لأتقيائه.
كلام الله مكتوب في الأسفار المقدسة ولكنه يختفى في حياة أولاد الله، الذين يعيشون بالكلمة.
وجه الدرج عليه خطايا الشعب، وقفاه عليه التأديبات التي تأتى عليهم ليتوبوا. والله يقصد أن

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثالث
(1) أكل الدرج (ع1-3):
1- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هذَا الدَّرْجَ، وَاذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ». 2- فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذلِكَ الدَّرْجَ. 3- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هذَا الدَّرْجِ الَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً.
ع1: نادى الله حزقيال بلقب يا بن آدم، الذي تعود أن يناديه به في هذا السفر؛ ليذكره أنه إنسان، فيشعر بإخوته البشر الضعفاء الساقطين في الخطية حوله، وليكن في خشوع وخوف أمام إعلانات الله وبركاته.
وأمره الله أن يأكل الدرج، الذي يحوى كلمة الله؛ ليشبع به ويعمل فيه؛ فيستطيع حينئذ أن يتكلم بكلمة الله النابعة من أعماقه. ونلاحظ أنه أمره أولًا أن يأكل ما يجده، أي يكون مطيعًا في تسليم حياته، فيأكل أي شيء يأمر به الله، أي ما يجده أمامه.
† ليتك تقرأ وتتأمل في الكتاب المقدس وتطبقه في حياتك، حتى تستطيع أن تكلم به الناس فيكون كلامك عمليًا، خارجًا من اختبار شخصى، فيؤثر في الناس ويخضعون له.
ع2: نرى هنا محبة الله، الذي يهتم بأولاده، كما تهتم الأم برضيعها فيطعم بنفسه حزقيال ويعطيه الدرج؛ ليأكله. والمطلوب من حزقيال أن يفتح فمه ويتجاوب ويخضع لله.
ع3: يبدو أن حزقيال لم يبلع الدرج، بل تركه في فمه، فطلب الله منه أن يبلعه؛ ليطعم جوفه ويشبع به، فلا تقتصر معرفة الإنسان لكلمة الله على المعرفة النظرية، فهذا لا يكفى "والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع2: 19). ولا يكفى أن يتكلم الإنسان بكلمة الله بفمه، دون أن يكون قد شبع به وتعمق في معرفته وطبقه في حياته.

وعندما أطاع حزقيال وأكل وبلع الدرج، شعر حينئذ بحلاوة كلمة الله في فمه، فلايستطيع الإنسان أن يشعر بحلاوة كلمة الله إن لم يتأمل فيها ويطبقها في حياته.
بعد التمرد على بابل، تم أخذ مجموعة من يهود يهوذا في سنة 597 ق. م. إلى السبي البابلي، من ضمنهم كان شابًا عمره 25 عامًا هو الكاهن حزقيال - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (1) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

(2) تمرد الشعب (ع4-9):
4- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، اذْهَبِ امْضِ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكَلِّمْهُمْ بِكَلاَمِي.5- لأَنَّكَ غَيْرُ مُرْسَل إِلَى شَعْبٍ غَامِضِ اللُّغَةِ وَثَقِيلِ اللِّسَانِ، بَلْ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 6- لاَ إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ غَامِضَةِ اللُّغَةِ وَثَقِيلَةِ اللِّسَانِ لَسْتَ تَفْهَمُ كَلاَمَهُمْ. فَلَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى هؤُلاَءِ لَسَمِعُوا لَكَ. 7- لكِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَسْمَعَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لاَ يَشَاؤُونَ أَنْ يَسْمَعُوا لِي. لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صِلاَبُ الْجِبَاهِ وَقُسَاةُ الْقُلُوبِ. 8- هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ وَجْهَكَ صُلْبًا مِثْلَ وُجُوهِهِمْ، وَجَبْهَتَكَ صُلْبَةً مِثْلَ جِبَاهِهِمْ، 9- قَدْ جَعَلْتُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ أَصْلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ، فَلاَ تَخَفْهُمْ وَلاَ تَرْتَعِبْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ».
ع4: بعد أن شبع حزقيال بكلام الله عندما أكل الدرج وابتلعه في جوفه، أمره الله أن يذهب؛ ليكلم الشعب بكلام الله، فقد أصبح مؤهلًا لذلك. فالخادم الذي يعيش بكلمة الله، يستطيع أن يتحدث بها ويعلم غيره.
ع5: يشجع الله حزقيال بأنه مرسل إلى شعبه، بيت إسرائيل، الذين يفهمون لغته وكلامه، وليسوا مثل الأمم ذوى اللغات الغريبة. والمفروض أنهم ماداموا شعب الله، فسيقبلون كلامه، أما الأجانب والغرباء عن كلمة الله فسيعانون متاعب، حتى يفهموا هذه الكلمة. ولكن للأسف كان شعب الله في الصورة قريبًا من الله، أما بالقلب فبعيدون؛ لذلك لم يفهموا ولم يقبلوا كلمة الله.
† إن كنت معتادًا أن تقرأ كلمة الله وأن تتحدث معه في الصلاة، فستفهم مشيئته وتقبل كلامه. ولكن إن انشغل قلبك بشهوات العالم، فسيصبح الله غريبًا عنك، مهما كان كلامه واضحًا. لذا عد إلى الله بالتوبة وتجرد من ماديات العالم وكرامته، أي تغرب عن العالم، لتصر قريبًا من الله وتتمتع بأمجاده
ع6: غامضة اللغة : لغة غريبة عن العبرانية والأرامية التي يتكلمها اليهود.
ثقيلة اللسان : إن حاولوا أن يتكلموا بلغة اليهود، الذين عاشوا بينهم، ينطقونها بطريقة ضعيفة من الصعب فهمها لغرابة أحرف اللغة اليهودية عن لغتهم.
العجيب أن الأمم، الذين يتكلمون لغات غريبة وبعيدون عن الله؛ لأنهم يعبدون الأوثان، لهم بساطة قلب ومستعدون أن يسمعوا ويقبلوا كلمة الله، كما حدث عند التبشير بالإنجيل، فآمن الأمم ولم يقبل الإيمان من اليهود إلا القليلين.
ع7: صلاب الجباه : تعبير عن العند والرفض لله.
قساة القلوب : أي قلوبهم رافضة لا تشعر بمحبة الله.
أوضح الله لحزقيال أن الشعب لن يسمعوا له، ليس لضعف فيه؛ فيرفضونه، بل لأنهم يرفضون الله الذي أرسله ويصفهم بالقسوة والعناد.
ع8: وعده الله أن يعطيه قوة؛ لمواجهة هؤلاء المعاندين المتمردين، فيستطيع بقوة الله أن يوبخهم؛ لعلهم يتوبون ولا يفزع من عنادهم.
ع9: الماس : حجر كريم يتميز بشدة الصلابة.
الصوان : هو حجر الجرانيت المتميز بالصلابة الشديدة.
يعد الله حزقيال أن يعطيه قوة أكبر من قوة شعبه المتمرد، فيعطيه صلابة متميزة لا تفوقها صلابة، يعبر عنها بالماس والصوان
(3) ضيق حزقيال (ع10-14):
10- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ، أَوْعِهِ فِي قَلْبِكَ وَاسْمَعْهُ بِأُذُنَيْكَ. 11- وَامْضِ اذْهَبْ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، إِلَى بَنِي شَعْبِكَ، وَكَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا». 12- ثُمَّ حَمَلَنِي رُوحٌ، فَسَمِعْتُ خَلْفِي صَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ: «مُبَارَكٌ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ مَكَانِهِ». 13- وَصَوْتَ أَجْنِحَةِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَلاَصِقَةِ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ وَصَوْتَ الْبَكَرَاتِ مَعَهَا وَصَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ. 14- فَحَمَلَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي، فَذَهَبْتُ مُرًّا فِي حَرَارَةِ رُوحِي، وَيَدُ الرَّبِّ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَيَّ.
ع10: طلب الله من حزقيال، أن يفهم بعمق، كل الكلام، الذي حدثه به الله؛ ليستفد منه لنفسه، ثم يحدث به الشعب، فلا يكتفى بالمعرفة النظرية، التي يشار إليها بسمع الأذن، بل أن يحيا بكلمة الله، التي يشير إليها بوعى القلب.
ع11: طلب منه الله أن يكلم الشعب، سواء استجابوا وخضعوا لكلامه، أو رفضوه. فيكون الكلام شاهدًا عليهم. فالله يشجعه، حتى يتم تعليم الشعب ولا يتأثر برفضهم الخضوع لله.
ع12: من أجل خضوع حزقيال لله تمتع بأن يحمله روح الله، فمن يتكل على الله يتمتع بمساندة وقيادة الله له.
وسمع صوت رعد عظيم، يرمز لقوة صوت الله، حتى يخافه حزقيال ويزداد في طاعته ويتشجع، فيكلم شعبه بقوة؛ ليرضى الله. وصوت الرعد يذكرنا بما حدث في يوم الخمسين عند حلول الروح القدس حيث كان هبوب الريح والعاصفة (أع2: 2). سمع أيضًا حزقيال صوت تسبيح يبارك ويمجد الله؛ ليرفع قلبه للتمتع بحضرة الله ويشارك في تسبيحه.
† اخضع لكلام الله، فتتمتع بقيادته ولا تتأثر بكلام الناس حولك، الذين يعارضون وصايا الله، فهم مضطربون، أما أنت فتتمتع وحدك بالسلام.
ع13: سمع أيضًا حزقيال صوت حركة أجنحة الملائكة الأربعة، الذي يرمز لمشاركة الملائكة له، وعملها المساند له، التي ترمز إليه البكرات. وكانت أصواتهم عظيمة كالرعد، كل هذا يعطى خشوعًا لحزقيال وتشجيعًا له، أنه ليس وحده في مواجهة الشعب المتمرد، فالله يسانده في صعوبة الخدمة التي هو مقبل عليها.
ع14: يعبر حزقيال بالضيق الذي كان يعانيه من إحساسه بصعوبة الخدمة، فإنه كان مر النفس، رغم أن روح الله كان يحمله، فقد شعر بصعوبة المواجهة مع الشعب المتمرد، الذي سيرفض كلام الله.
وكانت روح حزقيال حارة ملتهبة بمحبة الله، لكنه في نفس الوقت في ضيق نفس ومرارة؛ لأجل تصوره للشعب المتمرد.
وعمومًا كان يشعر بصعوبة المسئولية التي كلفه الله بها. كان يشعر أن يد الله شديدة ولكنه في نفس الوقت مستعد أن يطيع وينفذ الخدمة المطلوبة منه رغم صعوبتها.
"وكان عند تمام السبعة الأيام أن كلمة الرب صارت إلى قائلة: «يا ابن آدم، قد جعلتك رقيبا لبيت إسرائيل. فاسمع الكلمة من فمي وأنذرهم من قبلي. إذا قلت للشرير: موتا تموت، وما أنذرته أنت ولا تكلمت إنذارا للشرير من طريقه الرديئة لإحيائه، فذلك الشرير يموت بإثمه، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت الشرير ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة، فإنه يموت بإثمه، أما أنت فقد نجيت نفسك. والبار إن رجع عن بره وعمل إثما وجعلت معثرة أمامه فإنه يموت. لأنك لم تنذره، يموت في خطيته ولا يذكر بره الذي عمله، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت البار من أن يخطئ البار، وهو لم يخطئ، فإنه حياة يحيا لأنه أنذر، وأنت تكون قد نجيت نفسك" (حزقيال 3: 16-21) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال 3: 27) - صورة (18) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
(4) ضرورة الإنذار (ع15-21):
15- فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ تَلِّ أَبِيبَ، السَّاكِنِينَ عُِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَحَيْثُ سَكَنُوا هُنَاكَ سَكَنْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَحَيِّرًا فِي وَسْطِهِمْ. 16- وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَيَّ قَائِلَةً: 17- «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي. 18- إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. 19- وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. 20- وَالْبَارُّ إِنْ رَجَعَ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَجَعَلْتُ مُعْثِرَةً أَمَامَهُ فَإِنَّهُ يَمُوتُ. لأَنَّكَ لَمْ تُنْذِرْهُ، يَمُوتُ فِي خَطِيَّتِهِ وَلاَ يُذْكَرُ بِرُّهُ الَّذِي عَمِلَهُ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. 21- وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الْبَارَّ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ الْبَارُّ، وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا لأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَأَنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ».
ع15: تل أبيب : مدينة صغيرة بجوار نهر خابور جنوب شرق بابل، وهي غير تل أبيب الحالية عاصمة إسرائيل.
بعد أن رأى حزقيال رؤياه العظيمة وسمع صوت الله وأكل الدرج، ثم جاء إلى مدينة يسكن فيها كثير من اليهود المسبيين وهي مدينة تل أبيب ومن كثرة انتشار الشر بينهم، تضايق وتحير وهو يسأل نفسه، ماذا يقول وهم متمردون رافضون لسماع صوت الله؟ وأخذ يفكر هل يصمت أم يتكلم؟ هل يعلن النبوة التي قالها له الله في الأصحاح الثاني؟ أم يصمت؛ لأنهم متمردون؟ وظل في هذه الحيرة صامتًا لمدة سبعة أيام.
ع16: لما رأى الله حيرة حزقيال، لمدة سبعة أيام، كلمه بوضوح، مرشدًا له كيف يتصرف، فالله يحب أولاده، مهما كان ضعفهم، ويشعر بضيقاتهم، فيرشدهم بوضوح للتصرف الصحيح.
† إطمئن فإن الله يشعر بك، مهما كان ضعف إيمانك ويقدر صعوبة مسئولياتك، وهو مستعد أن يرشدك، بل ويساندك، حتى تنفذ وصاياه وتنجح في إتمام كل مسئولياتك، فأنت لست وحدك؛ لأن الله معك كل حين.
ع17: رقيبًا : كانوا قديمًا يقيمون أسوارًا للمدن ويبنون أبراجًا على السور، يجلس فيها رقباء؛ ليراقبوا الأعداء إذا اقتربوا إلى المدينة فيأمرون بغلق الأبواب والاستعداد. فالرقيب وظيفته حراسة المدينة، وهذا هو المقصود هنا أن حزقيال أقامه الله حارسًا وراعيًا ومسئولًا عن شعبه.
يوضح الله لحزقيال، أنه رغم ضعفه كإنسان (ابن آدم)، فالله دعاه لخدمته وأقامه مسئولًا وراعيًا لشعبه؛ ليعلمهم ويوبخهم على أخطائهم، بإنذارهم بالعقاب لو أصروا على الشر. وما يقوله للشعب هو كلام الله، الذي يسمعه بإصغاء واهتمام وينقله بدقة إليهم. وهذا هو عمل كل خادم في الكنيسة.
ع18: يوضح الله لحزقيال أهمية التوصيل والتوبيخ والإنذار للأشرار مهما كانت هذه المسئولية صعبة، فإن أخطأ إنسان واستحق الموت عقابًا له وأمر الله بذلك وخاف حزقيال من توصيل كلام الله إلى هذا الشرير، فإن الشرير سيموت عقابًا لخطاياه، ولكن الله سيطالب حزقيال بدمه، أي بنفسه ويعاقبه على خوفه وإهماله. فالخادم مسئول، ليس فقط أن يشجع المخدومين، بل أيضًا أن يوضح لهم خطورة شرورهم وعقابها "أجرة الخطية هي موت" (رو6: 23). إذًا كان في مقدور حزقيال أن ينقذ الشرير؛ فيحيا، إن أعلمه بعقوبة خطاياه، فكيف يتهاون ويتخاذل ويترك شعبه يموت في شره؟ وبهذا أجاب الله على تساؤلات حزقيال وأخرجه من حيرته، وأعلمه بضرورة توصيل كل كلام الله، مهما كان صعبًا إلى شعبه.
ع19: أعلم الله حزقيال أيضًا، أنه إن قام بواجبه وأنذر شعبه الشرير بخطورة خطاياهم وعقابها، ولكنهم أصروا على شرورهم، فإنهم سيموتون نتيجة عصيانهم، ولكن الله لن يعاقب حزقيال، فبهذا ينجى حزقيال نفسه من دينونة الله.
ع20: يؤكد الله هنا على حزقيال ضرورة توبيخ الكل، سواء الأشرار، أو الأبرار إن سقطوا في خطية ما، أي إن سمح الله بوجود عثرة أمامهم، ولم يحترسوا وسقطوا فيها. لأنه إن سقط الأبرار في الخطية وتركوا الله، يستحقون الموت؛ لأن برهم السابق كان مؤقتًا، أو زائفًا، فإن لم ينبههم حزقيال سيموتون بخطاياهم، ولكن الله سيطالب حزقيال بنفوسهم لإهماله إنذارهم.
ع21: إن قام حزقيال بواجبه، كراعٍ لشعبه، وأنذر الأبرار؛ حتى لا يسقطوا في الخطية وسمعوا لصوته، فهو بها ينجيهم من الموت وينجى نفسه أيضًا من دينونة الله له.
والخلاصة من هذه الآيات أنه لابد للخادم أن يُنذر أي إنسان، لكي لا يخطئ، حتى لو كان هذا الإنسان متمردًا ورافضًا لكلام الله، فالله قادر ليس فقط أن ينقذ الأبرار من الموت، بل أيضًا أن يحول الأشرار عن تمردهم وإن أصروا على شرهم، فكلام الله، على لسان حزقيال، يدينهم في اليوم الأخير. وكذلك تلزم التوبة والجهاد الروحي، حتى لو كان الإنسان بارًا، ومهما كانت صعوبة الخطية، ونعمة الله تطلب خلاص الكل لتساندهم وتخلصهم.
(5) أهمية الخلوة (ع22-27):
22- وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ هُنَاكَ، وَقَالَ لِي: «قُمُ اخْرُجْ إِلَى الْبُقْعَةِ وَهُنَاكَ أُكَلِّمُكَ». 23- فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى الْبُقْعَةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ وَاقِفٌ هُنَاكَ كَالْمَجْدِ الَّذِي رَأَيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. 24- فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، ثُمَّ كَلَّمَنِي وَقَالَ لِي: «اِذْهَبْ أَغْلِقْ عَلَى نَفْسِكَ فِي وَسْطِ بَيْتِكَ. 25- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهَا هُمْ يَضَعُونَ عَلَيْكَ رُبُطًا وَيُقَيِّدُونَكَ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُ فِي وَسْطِهِمْ. 26- وَأُلْصِقُ لِسَانَكَ بِحَنَكِكَ فَتَبْكَمُ، وَلاَ تَكُونُ لَهُمْ رَجُلًا مُوَبِّخًا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. 27- فَإِذَا كَلَّمْتُكَ أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مَنْ يَسْمَعْ فَلْيَسْمَعْ، وَمَنْ يَمْتَنِعْ فَلْيَمْتَنِعْ. لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ».
ع22: يد الرب : محبته ومعونته التي تنادى الإنسان.
لم يأمر الله حزقيال ويكلفه بمسئوليات، ثم تركه، ولكنه سانده، إذ امتدت يد المعونة الإلهية، ليس فقط بإظهار الرؤيا المذكورة في الأصحاح الأول، ولا أيضًا بإطعامه الدرج، بل يطلب منه هنا أن يخرج للخلوة مع الله، في بقعة حددها الله؛ ليخرج إليها حزقيال ويبتعد عن الناس، فيشعر هناك بالله، وهذه البقعة هي مكان هادئ؛ لأنه عندما يتحرر الإنسان من مشاغله وتعلقاته بالبشر يستطيع أن يرى الله.
ع23: تظهر طاعة حزقيال في إتمامه أمر الله سريعًا، فخرج ليختلى بالله في المكان الذي حدده له؛ ولأنه أطاع، ظهر له الله بمجد عظيم، يشبه مجده، الذي ظهر في الرؤيا المذكورة في الأصحاح الأول. ولم يحدد شكل هذا المجد، هل هو نور وسحاب، ولكنه كان منظرًا بهيًا عظيمًا، أشعر حزقيال أنه واقف أمام الله العظيم المحب، وأمام مجد الله خشع حزقيال وسجد أمامه.
† إن كنت تريد أن تخدم الله فلابد أن تشعر به في حياتك أولًا، فتجلس في خلوة معه؛ لتتأمل جماله ومراحمه، ويفضل أن يكون هذا في مكان خلوى، أو في مكان مفتوح؛ لتشعر بالله غير المحدود وتتأمل في موضوع محدد. والله إذ يرى اهتمامك يساعدك ويمتعك بوجوده معك.
ع24: بعدما تمتع حزقيال برؤية الله في المكان الهادئ المفتوح وسجد أمام عظمة الله في خوف وإجلال، لم يستطع أن يقوم من رهبة المنظر، إلا بمعونة الله، فدخل فيه الروح القدس وأقامه؛ ليتمتع بسماع صوت الله ثانية، وحينئذ طلب منه الله أن يدخل بيته ويغلق على نفسه وحده؛ ليتمتع بنوع آخر من الخلوة مع الله بعيدًا عن الناس، وهي الخلوة داخل الجدران، ففى هذا الهدوء أيضًا يشعر الإنسان بالله.
"وكانت يد الرب علي هناك، وقال لي: «قم اخرج إلى البقعة وهناك أكلمك». فقمت وخرجت إلى البقعة، وإذا بمجد الرب واقف هناك كالمجد الذي رأيته عند نهر خابور، فخررت على وجهي. فدخل في روح وأقامني على قدمي" (حزقيال 3: 22-24) - مجموعة "دعوة حزقيال ورؤياه الأولى" (حزقيال 1: 1 - حزقيال3: 27) - صورة (20) - صور سفر حزقيال، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا
ع25: أراد الله من إختلاء حزقيال به داخل بيته، ليس فقط التمتع بالوجود مع الله، بل أيضًا ينبئه بالضيقات التي ستمر عليه وهي أنه يقيد من شعبه بالحبال، ويوضع في مكان مغلق، فلا ينزعج، بل يعتبرها فرصة للإختلاء معه. ويعتبر أيضًا السبي وإبعاده عن خدمته في الهيكل، أي هذه القيود، فرصة ليختلى بالله، الموجود في كل مكان وفى بابل أيضًا.
ويلقبه "بابن آدم" بمعنى لا يتكبر وهو إنسان، لأنه تمتع برؤية الله في الخلوة.
ع26: يوضح الله لحزقيال أنه ستأتي أيام يعجز فيها أن يكلم الشعب بكلام الله؛ لأجل رفضهم وتمردهم على الله، فعجز حزقيال عن الكلام بسماح من الله؛ حتى أنه يقول له، سألصق لسانك بفمك.
ع27: ثم يأتي وقت يسمح الله لحزقيال أن يتكلم بنبوات الله، أي يقل رفض الشعب لله، فيكلمهم وسيسمع البعض؛ فيخلصون وسيمتنع البعض، فيموتون في خطاياهم

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الرابع

(1) اللبنة المرسومة (ع1-3):
1- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ لِبْنَةً وَضَعْهَا أَمَامَكَ، وَارْسُمْ عَلَيْهَا مَدِينَةَ أُورُشَلِيمَ. 2- وَاجْعَلْ عَلَيْهَا حِصَارًا، وَابْنِ عَلَيْهَا بُرْجًا، وَأَقِمْ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً، وَاجْعَلْ عَلَيْهَا جُيُوشًا، وَأَقِمْ عَلَيْهَا مَجَانِقَ حَوْلَهَا. 4- وَخُذْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ صَاجًا مِنْ حَدِيدٍ وَانْصِبْهُ سُورًا مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَثَبِّتْ وَجْهَكَ عَلَيْهَا، فَتَكُونَ فِي حِصَارٍ وَتُحَاصِرَهَا. تِلْكَ آيَةٌ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ.
ع1: لبنة : قالب من الطوب اللبن، أي النيئ وهو المصنوع من الطين، والذي إذا أحرق يصير الطوب الأحمر.
يستخدم الله هنا أمثلة عملية، كوسائل إيضاح لشعبه المسبى، فأمر حزقيال أن يأتي باللبنة وهي طرية، قبل أن تجف ويرسم عليها مدينة أورشليم. ويناديه هنا بإبن آدم؛ لأنه يمثل البشرية المطيعة لله لإعلان كلامه، لعل الشعب يقتدى به فيخلص.
ع2: برجًا : بناء مرتفع يقف فيه المراقبون الأعداء؛ لكشف أورشليم وما فيها.
مترسة : حوائط من الطوب تبنى حول المدينة يقف وراءها الأعداء؛ لمنع سكان أورشليم من الهرب، فيحاصرونهم ويقتلونهم إذا حاولوا الهرب.
مجانق : أنابيب طويلة يلقى من خلالها الأحجار والكرات النارية على المدينة؛ لتدميرها وحرقها وهي من الأسلحة الحربية المعروفة قديمًا.
طلب الله من حزقيال أن يعمل حصارًا حول هذه اللبنة، المرسوم عليها مدينة أورشليم، رمزًا للحصار البابلي، الذي سيتم حول أورشليم. وبنى أيضًا برجًا، كما سيبنى البابليون لمراقبة المدينة وتسهيل اقتحامها، وعمل أيضًا ما يشبه المتاريس حول اللبنة، كما سيفعل أهل بابل بأورشليم، وعمل من الطين ما يشبه الجنود، رمزًا لجيوش بابل، التي ستحاصر أورشليم، ووضع ما يشبه المجانق في أيدي الجنود المصنوعين من الطين، رمزًا للأسلحة الحربية التي في يد البابليين.
كل هذه الوسائل كانت صورة للحصار البابلي، حتى عندما يمر المسبيون بحزقيال يسألونه، ماذا يعمل؟ فيجيبهم أن الله سيسمح بحصار أورشليم وتدميرها؛ لأجل شرورهم حتى يتوبوا.
ع3: صاجًا : لوح من الحديد الرقيق.
أمره الله أيضًا أن يثبت صاجًا بينه وبين اللبنة، المرسوم عليها أورشليم؛ ليعلن أن المدينة ستحاصر بجيوش بابل؛ لمنع هرب أهلها منها، وليعلن أيضًا، أنه وقت حصار أورشليم وتدميرها، لن يستطع حزقيال أن ينقذ شعبه؛ لذا يتمنى أن يقبلوا كلامه الآن ويتوبوا؛ لأن الله مصر على معاقبتهم وتأديبهم حتى يتوبوا. وتثبيت حزقيال وجهه نحو المدينة، رمزًا لرعاية الله لمدينته، فهو الذي سمح بهذا التأديب حتى تتوب، وهو الذي يحاصرها بالضيقات؛ لترجع إليه وتتطلبه فينقذها.
كل هذا الكلام، اللبنة وما حولها وكلام الله، عبارة عن وسيلة إيضاح ورسالة من الله إلى شعبه وآية منه؛ حتى يرجعوا إليه ويتركوا خطاياهم.
† إن حاصرك الله بالضيقات فاعلم أنها تدعوك للتوبة وإصلاح حياتك، فإخضع له باتضاع وأطع وصاياه، فتجد راحتك.
(2) نوم حزقيال على جنبه (ع4-8):
4- «وَاتَّكِئْ أَنْتَ عَلَى جَنْبِكَ الْيَسَارِ، وَضَعْ عَلَيْهِ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. عَلَى عَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا تَتَّكِئُ عَلَيْهِ تَحْمِلُ إِثْمَهُمْ. 5- وَأَنَا قَدْ جَعَلْتُ لَكَ سِنِي إِثْمِهِمْ حَسَبَ عَدَدِ الأَيَّامِ، ثَلاَثَ مِئَةِ يَوْمٍ وَتِسْعِينَ يَوْمًا، فَتَحْمِلُ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 6- فَإِذَا أَتْمَمْتَهَا، فَاتَّكِئْ عَلَى جَنْبِكَ الْيَمِينِ أَيْضًا، فَتَحْمِلَ إِثْمَ بَيْتِ يَهُوذَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ عِوَضًا عَنْ سَنَةٍ. 7- فَثَبِّتْ وَجْهَكَ عَلَى حِصَارِ أُورُشَلِيمَ وَذِرَاعُكَ مَكْشُوفَةٌ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا. 8- وَهأَنَذَا أَجْعَلُ عَلَيْكَ رُبُطًا فَلاَ تَقْلِبُ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ حَتَّى تُتَمِّمَ أَيَّامَ حِصَارِكَ.
ع4: يتكئ: يجلس راقدًا على جنبه كما اعتاد قديمًا الذين يأكلون على الموائد، فيجلسون على الأرض أمام مائدة منخفضة، أو على أسرة منخفضة أمام منضدة، ومازالت بعض الشعوب الشرقية تفعل هكذا حتى الآن.
هذه صورة أخرى ووسيلة إيضاح يقدمها الله لشعبه المسبى، مستخدمًا فيها شخص حزقيال نفسه. فأمره الله أن ينام على جنبه الأيسر، رمزًا لآثام مملكة إسرائيل، ذات الأسباط العشرة. ونام عددًا من الأيام ترمز لعدد سنين الشر، التي سلكت فيها هذه المملكة. وقد اختار اليسار لمملكة إسرائيل؛ لأنها المملكة الشمالية، فإذا نظر الإنسان للشمس عند شروقها يصير الشمال عن يساره.
ع5: أمره الله أن ينام 390 يومًا على جنبه الأيسر وهي المدة من بداية مملكة إسرائيل أيام يربعام بن ناباط حتى سبى أورشليم من عام 975 ق.م إلى عام 586 ق.م وكل يوم يمثل سنة من سنوات الشر التي عاشتها المملكة.
يلاحظ أن حزقيال نام أمام الشعب، كآية لهم؛ ليتذكروا خطاياهم، فيتوبون ولعله لم يتحرك إلا للضرورة القصوى، مثل قضاء حاجته، أو الأكل.
ع6: بعد ذلك أمره الله أن ينام على جنبه الأيمن أربعين يومًا، رمزًا لآثام مملكة يهوذا، إذ عاشت الأربعين سنة الأخيرة قبل السبي في الشر، أي منذ بداية نبوة إرميا، حتى سبى بابل من عام 626 ق.م إلى عام 586 ق.م. وحزقيال هنا يرمز للمسيح، الذي حمل آثام شعبه على الصليب، وهو كخادم يشعر بخطايا شعبه ويتألم لأجلهم ويصلى عنهم.
ع7: أمره أيضًا أن يثبت وجهه على أورشليم؛ ليعلن أن الله يرعى شعبه بتأديبهم وتدمير الخطية التي فيهم وحرقها، كما أحرقت أورشليم. وأن يكشف ذراعه عند نومه على جنبه، رمزًا لتجسد المسيح الذي يرفع آثام شعبه ويخلصهم من خطاياهم.
ع8: يساعد الله حزقيال على الالتزام بالنوم على جنبه، بأن يجعل عليه ربطًا وهي أمر من اثنين:
أن يساعده الله على الثبات في مكانه على أحد جانبيه بقوة خاصة من عنده، كمن هو مربوط ومثبت في مكانه بالحبال، أو ما شاكلها.
يربطه أحد معاونيه بحبال، أو ما شاكلها؛ ليبين أن الخطية تقيد الإنسان وتبعده عن الله، مع مراعاة أن يكون ربطه بالحبال بشكل هين لا يضر جسده ولا تمنعه من قضاء حاجته أو تناول طعامه. وقد يكون الله استخدم الطريقتين لتثبيت حزقيال، ولإظهار أنه مقيد بالحبال.
† إن كنت أبًا أو خادمًا، أو مسئولًا في أي مكان، فاعلم أن الله سيحاسبك عن خطايا من أنت مسئولًا عنهم. فليتك تحتضنهم بأبوتك وتعلمهم، بل تجاهد في الصلاة من أجلهم؛ حتى يرجعوا إلى الله، فتفرح وتفرح قلب الله.
(3) قبول التأديب (ع9-17):
9- «وَخُذْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ قَمْحًا وَشَعِيرًا وَفُولًا وَعَدَسًا وَدُخْنًا وَكَرْسَنَّةَ وَضَعْهَا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَاصْنَعْهَا لِنَفْسِكَ خُبْزًا كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَتَّكِئُ فِيهَا عَلَى جَنْبِكَ. ثَلاَثَ مِئَةِ يَوْمٍ وَتِسْعِينَ يَوْمًا تَأْكُلُهُ. 10- وَطَعَامُكَ الَّذِي تَأْكُلُهُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ. كُلَّ يَوْمٍ عِشْرِينَ شَاقِلًا. مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَأْكُلُهُ. 11- وَتَشْرَبُ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ، سُدْسَ الْهِينِ، مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَشْرَبُهُ.12- وَتَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ».13- وَقَالَ الرَّبُّ: «هكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ».14- فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَا نَفْسِي لَمْ تَتَنَجَّسْ. وَمِنْ صِبَايَ إِلَى الآنَ لَمْ آكُلْ مِيتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَلاَ دَخَلَ فَمِي لَحْمٌ نَجِسٌ».15- فَقَالَ لِي: «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ لَكَ خِثْيَ الْبَقَرِ بَدَلَ خُرْءِ الإِنْسَانِ، فَتَصْنَعُ خُبْزَكَ عَلَيْهِ». 16- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ الْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ وَبِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ وَبِالْحَيْرَةِ، 17- لِكَيْ يُعْوِزَهُمُ الْخُبْزُ وَالْمَاءُ، وَيَتَحَيَّرُوا الرَّجُلُ وَأَخُوهُ وَيَفْنَوْا بِإِثْمِهِمْ».
ع9: دُخنًا: الذرة الرفيعة.
كرسنة : نبات برى تشبه حبوبه القمح والشعير.
طلب الله من حزقيال أن يحضر قمحًا وشعيرًا ودخنًا وكرسنة وجميعها حبوب تستخدم في عمل الخبز، ولكن الشعير هو طعام الفقراء، والدُخن والكرسنة طعام البهائم، إذ أن معظم هذه الحبوب تستخدم في أردأ أنواع الخبز؛ لأن المسبيين سيعانون من الفقر والجوع.
أما الفول والعدس فيمكن أن يأكلها مع الخبز، أو يخلطهما به، وهي بقول يأكلها الفقراء، أو من يصومون عن الأطعمة الشهية، ويحضر كمية تكفى مدة رقاده على جنبه وهي 390 يومًا على الجانب الأيسر وبعد ذلك أربعون يومًا على الجانب الأيمن.
ع10: الشاقل : 11 جرام تقريبًا.
وحدد له مقدار الطعام الذي يأكله يوميًا وهو عشرين شاقلًا، أي حوالي 1/4 كيلو جرام، يأكله على مدى اليوم وهو مقدار ضئيل، يكفى بالكاد أن يحفظه من الموت؛ لأن المسبيين سيعانون من الجوع، فيكون هو آية لهم. والله يريد من كل هذا أن يشعر أولاده بخطيتهم، فيرجعون إليه وحينئذ يرفع عنهم كل هذه الضيقات.
ع11: الهين: يساوى 3/8 3 لتر.
حدد له أيضًا مقدار من الماء الذي يشربه يوميًا وهو حوالي نصف لتر، أي كوبين من الماء يشربه على مدى اليوم وهو مقدار ضئيل يساوى 1/5 احتياج الإنسان الطبيعي تقريبًا، فالمسبيين سيعانون من الجوع والعطش أيضًا.
ع12، 13: خرء : براز الإنسان.
طلب منه أن يخبز خبزه على فضلات الإنسان، وهي تعتبر نجسة في نظر اليهود، بالإضافة إلى أنها تثير اشمئزاز الإنسان، وذلك تعبيرًا عن مدى الذل الذي سيعانيه المسبيون، ولأنهم اختلطوا بالأمم النجسة التي تعبد الأوثان، فالجزء رمز للنجاسة التي سيحيون فيها في السبي؛ نتيجة خطاياهم، وليس المقصود أن يخلط خبزه بالبراز، ولكن يستخدم البراز الجاف كوقود بدلًا من الحطب، ويضع عليه الآنية التي يخبز فيها خبزه، فالله القدوس لا يأمر أولاده بفعل النجاسة ولكن يظهر لهم مدى انهماكهم واختلاطهم بالنجاسة بعبادتهم للأوثان.
ويقوم حزقيال بخبز العيش أمام اليهود المسبيين؛ حتى إذا سألوه عن سبب خبزه على الخرء، يشرح لهم قصد الله، وهو أنهم اختلطوا بنجاسات الأمم.
ع14: اعتذر حزقيال لله متأذيًا من خبز طعامه على الخرء الذي هو نجس عند اليهود، ومعلنًا أنه عاش طاهرًا لم يتنجس قبل بأى مواد نجسة، مثل جثث الموتى، أو الجثث المفترسة، أو أي لحم، أو طعام نجس.
ع15: خثى : روث الحيوانات، أي فضلاته.
استجاب الله بحنانه لطلب حزقيال، فاستبدل له فضلات الإنسان بفضلات الحيوان وهي أخف استثارة لإشمئزازه، ومازال الفلاحون في بعض القرى المصرية يستخدمون هذه الفضلات التي تسمى الجِلَّة؛ لإشعال أفرانهم التي يخبزون فيها خبزهم.
ع16: قوام الخبز : هو عبارة عن عصا تخترق الأرغفة، فتركب فيها وهي وسيلة لحفظ الخبز.
ينبئ الله حزقيال بأنه سيكسر العصى، التي توضع فيها الخبز في أورشليم؛ لأن الجوع سيسود ولن يوجد خبز ليحفظوه، وذلك بسبب السبي البابلي. وعندما يأكلون الخبز القليل يكونون في حزن شديد؛ بسبب ذلهم وموت أقاربهم أثناء السبي وترحيل الكثيرين منهم إلى بابل وغيرها من البلاد. وكذلك يشربون الماء القليل وهم في حيرة من أمرهم، هل يبقون في أورشليم؟ أم يبحثون عن مكان آخر يعيشون فيه؟ وهل سيجدون هناك قوتهم أم لا؟ فيكونون في غم وحيرة بسبب جوعهم وعطشهم.
ع17: قصد الله من إذلال شعبه وموت الكثيرين منهم هو أن ينتبه شعبه ويتوب ويرجع عن خطاياه.
† إهتم بالصوم، فتتناول أطعمة ليست شهية كما تريد وتأكلها بمقدار؛ حتى تتذكر خطاياك وتتوب عنها وتزهد هذا العالم، فتتفرغ لمحبة الله القادر أن يشبعك أفضل من كل الماديات، وفى نفس الوقت تشعر بإخوتك الفقراء وتتعاطف معهم وتساعدهم.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح السادس
(1) إبادة عبادة الأوثان (ع1-7):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا 3- وَقُلْ: يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اسْمَعِي كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلْجِبَالِ وَلِلآكَامِ، لِلأَوْدِيَةِ وَلِلأَوْطِئَةِ: هأَنَذَا أَنَا جَالِبٌ عَلَيْكُمْ سَيْفًا، وَأُبِيدُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ. 4- فَتَخْرَبُ مَذَابِحُكُمْ، وَتَتَكَسَّرُ شَمْسَاتُكُمْ، وَأَطْرَحُ قَتْلاَكُمْ قُدَّامَ أَصْنَامِكُمْ. 5- وَأَضَعُ جُثَثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُدَّامَ أَصْنَامِهِمْ، وَأُذَرِّي عِظَامَكُمْ حَوْلَ مَذَابِحِكُمْ. 6- فِي كُلِّ مَسَاكِنِكُمْ تُقْفَرِ الْمُدُنُ، وَتَخْرَبُ الْمُرْتَفَعَاتُ، لِكَيْ تُقْفَرِ وَتَخْرَبَ مَذَابِحُكُمْ، وَتَنْكَسِرَ وَتَزُولَ أَصْنَامُكُمْ، وَتُقْطَعَ شَمْسَاتُكُمْ، وَتُمْحَى أَعْمَالُكُمْ، 7- وَتَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي وَسْطِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع1، 2: يكلم الله حزقيال ويناديه ابن آدم، كما يناديه بهذا أكثر من ثمانين مرة في هذا السفر؛ ليعلن له أنه الإنسان المخلوق على صورته ومثاله وينبغى أن يحيا له، وهكذا كل شعب الله. ولكن للأسف شعبه ابتعد عنه، فيذكره أنه صورة الله. وفى هذه المرة يطلب منه أن يتنبأ على الجبال الموجودة في المنطقة التي يعيش فيها بنو إسرائيل.
هذه الجبال ترمز للسمو والارتفاع نحو الله، وللصمود والثبات في الإيمان، وللقوة الروحية. ولكن للأسف ترك شعبه كل هذه الصفات بتدنيسهم جبالهم، إذ أقاموا عليها عبادة الأوثان، لذا يتنبأ ضدها حزقيال (أى ضد عبادة الأوثان المقامة عليها).
ع3: آكام: تلال، أي أماكن مرتفعة أقل من ارتفاع الجبال.
أودية : أماكن منخفضة بين الجبال.
أوطئة : أي أرض منخفضة ولو انخفاضًا قليلًا.
يعلن حزقيال نبوته ضد الأماكن المرتفعة، مثل الجبال والآكام، وهي ترمز للعظماء والرؤساء، وكذلك ضد الأماكن المنخفضة مثل الأودية والأوطئة، التي ترمز لعامة الشعب وللضعفاء والمحتقرين، أي أن النبوة موجهة لشعب الله بكل فئاته. والنبوة قاسية بأن الله سيبيد الشعب، بكل عباداته الوثنية، إذ سيرسل سيفه وراءهم، ويقصد جيش بابل، الذي سيدمر أورشليم وكل ما حولها من عبادات الأوثان، سواء المقامة على المرتفعات، مثل عبادة الشمس والقمر ونجوم السماء، أو المقامة على الأماكن المنخفضة مثل عبادة الإله الوثني مولك.
فتخرب مذابحكم، وتتكسر شمساتكم، وأطرح قتلاكم قدام أصنامكم" (حزقيال 6: 4) - لفنان غير معروف
ع4، 5: شمساتكم: تماثيل للشمس تقدم لعبادة الشمس.
النبوة ضد عبادة الأوثان، لذا سيبيد الله المذابح المقامة لعبادة الأوثان، وكذلك تماثيل الأصنام والمصنوعة بشكل شموس، التي كانوا يقيمونها على الجبال والمرتفعات؛ لعبادة الشمس. وسيقتل الله عابدى الأوثان، فتسقط جثثهم أمام الأصنام والمذابح الوثنية. أما عظامهم فتظل ملقاة على الأرض، بعد أن تتحلل الجثث، وتحملها الرياح وتذريها حول هذه المذابح المنتشرة على المرتفعات وهكذا لا تنقذهم أصنامهم من سيف اللهِ، بالإضافة إلى أنها تنجس هذه المذابح النجسة بعبادة الأوثان، يضاف إليها نجاسة الجثث؛ لأن جثث الموتى عند اليهود نجسة وكل هذا يظهر بطلان عبادة الأوثان وحقارة كل من يعبدها.
ع6: سيعم الخراب المدن التي يسكنونها والمرتفعات التي يصعدون إليها وستباد عبادة الأوثان المقامة في المدن، أو على المرتفعات، فتصير أماكن مهجورة بعد تدميرها ولا يسكنها أحد، هذه هي نهاية عبادة الأوثان.
ع7: عندما يرى الباقون، الذين لم يقتلوا، جثث أحبائهم ملقاة أمام عيونهم، يعلمون أن الله هو الذي أهلكهم؛ بسبب شرهم ولعلهم حينئذ يرجعون بالتوبة إلى الله.
كل هذا الكلام قاله الله قبل أن يتم بسنوات، لعل شعبه يتوب، وإن لم يتب، فعندما يتم ما قاله الله يعرفون أن هذا تأديب من الله؛ لعلهم حينئذ يتوبون.
† الخطية تُذل صاحبها وتهلكه، تذكر ذلك عندما تعرض عليك لذاتها، فلا تقبلها واهرب منها إلى أحضان الله فتجد حياتك. وإن سقطت فقم سريعًا وارجع إلى الله.
(2) خلاص بقية إسرائيل (ع8-10):
8- «وَأُبْقِي بَقِيَّةً، إِذْ يَكُونُ لَكُمْ نَاجُونَ مِنَ السَّيْفِ بَيْنَ الأُمَمِ عِنْدَ تَذَرِّيكُمْ فِي الأَرَاضِي. 9- وَالنَّاجُونَ مِنْكُمْ يَذْكُرُونَنِي بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ يُسْبَوْنَ إِلَيْهِمْ، إِذَا كَسَرْتُ قَلْبَهُمُ الزَّانِيَ الَّذِي حَادَ عَنِّي، وَعُيُونَهُمُ الزَّانِيَةَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، وَمَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي كُلِّ رَجَاسَاتِهِمْ، 10- وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لَمْ أَقُلْ بَاطِلًا إِنِّي أَفْعَلُ بِهِمْ هذَا الشَّرَّ.
ع8: تذريكم في الأراضي: تشتتكم بالسبي بين الأمم.
لأن التذرية هي عملية زراعية، تعمل بساق خشبية، لها خمسة أصابع؛ لفصل الحبوب عن القش، إذ تسقط الحبوب في مكانها، أما القش فيتطاير بعيدًا، فيشبه شعبه بالقش المتطاير مع الهواء إلى أماكن بعيدة، أي يرسلهم البابليون إلى بلاد مختلفة في العالم.
يعطى الله رجاء لشعبه، أن هناك بقية منهم ستعيش بعد تدمير أورشليم وقتل من فيها، إذ ستقبض بابل على المنتخبين منهم وترسلهم عبيدًا مسبيين إلى البلاد التابعة لها وبهذا تبقى بقية لشعب الله.
ع9: يستكمل الله رجاءه في شعبه، فيذكر أن كثيرين منهم سيتوبون ويرجعون إلى الله ويذكرون اسمه بدلًا من الآلهة الوثنية، بعد أن تركوا زناهم وراء الآلهة الغريبة، أي تعلقهم بعبادةالأوثان، فهذا هو الزنى الروحي وهو غير الزنى المادي، بالإضافة إلى ندم وكراهية هؤلاء التائبين لخطاياهم القديمة، مثل الزنى والسكر والظلم وكل شر فعلوه. وكان الزنى الجسدي أيضًا من طقوس عبادة بعض الآلهة الوثنية.
ع10: بعد تشتيت شعب الله بالسبي، يعلمون أن الله الذي أنبأهم بهذه الأحداث هو حق، فيرجعون إليه بالتوبة، والله بمراحمه يقبلهم ويسامحهم.
† مهما كثرت خطاياك وتكررت، فلا تيأس ومهما زادت الضيقات، فثق أنها مؤقتة وستزول وتخرج منها بأكثر قوة مما كنت فيه قبلًا وتتمتع بحياة البر وملكوت السموات.
(3) عقاب من عبدوا الأوثان (ع11-14):
11- «هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: اضْرِبْ بِيَدِكَ وَاخْبِطْ بِرِجْلِكَ، وَقُلْ: آهِ عَلَى كُلِّ رَجَاسَاتِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الشِّرِّيرَةِ، حَتَّى يَسْقُطُوا بِالسَّيْفِ وَبِالْجُوعِ وَبِالْوَبَإِ! 12- اَلْبَعِيدُ يَمُوتُ بِالْوَبَإِ، وَالْقَرِيبُ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ، وَالْبَاقِي وَالْمُنْحَصِرُ يَمُوتُ بِالْجُوعِ، فَأُتَمِّمُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ. 13- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، إِذَا كَانَتْ قَتْلاَهُمْ وَسْطِ أَصْنَامِهِمْ حَوْلَ مَذَابِحِهِمْ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ، وَفِي رُؤُوسِ كُلِّ الْجِبَالِ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، وَتَحْتَ كُلِّ بَلُّوطَةٍ غَبْيَاءَ، الْمَوْضِعِ الَّذِي قَرَّبُوا فِيهِ رَائِحَةَ سُرُورٍ لِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. 14- وَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِمْ، وَأُصَيِّرُ الأَرْضَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً مِنَ الْقَفْرِ إِلَى دَبْلَةَ فِي كُلِّ مَسَاكِنِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع11: ينادى الله نبيه حزقيال ليعلن حزنه على شعبه، فيضرب بيده على يده ويخبط الأرض بقدميه من كثرة ضيقه؛ لأن شعبه قد هلك بالموت قتلى بالسيف، أو بالجوع، أو بالأمراض. ويتأوه لكثرة خطايا الشعب، التي ستؤدى إلى هلاكهم.
ع12: يهلك شعب الله، سواء الذين سيصطادهم البابليون عند هجومهم على أورشليم واليهودية، فيسقطون بالسيف. أو الذين هربوا وابتعدوا، فيموتون بالأمراض. ومن استطاعوا الاختباء داخل أورشليم، فسيموتون بالجوع؛ لعدم وجود الخبز. وذلك لأن السبب هو الخطية الساكنة داخلهم، فأيا كان وضعهم سيهلكون، سواء من بقوا في أورشليم، أو اختبأوا، أو هربوا، فتأديب الله سيأتى على الكل.
ع13: غبياء: كثيفة ذات أفرع وأوراق تظلل المكان تحتها بشكل كبير.
عندما يتم كلام الله بقتل شعبه في أماكن عبادة الأوثان، سواء المقامة داخل المدن، أو تحت الأشجار ذات الظل الكبير، مثل البلوطة وغيرها، حينئذ سيتأكد الباقون أن هذا التأديب هو من الله، الذي أنبأهم بهذا الهلاك.
ع14: دبلة: مدينة تقع جنوب شرق البحر الميت.
القفر : أراضي مهجورة في جنوب بلاد اليهود.
سيعم الخراب بلاد اليهود، حتى الأراضي الخصبة مثل دبلة، لأن التدمير البابلي سيكون شامل ويتأكد حينئذ الباقون أن هذا أمر الرب ولعلهم حينئذ يتوبون.
† لا تنزعج من الضيقات مهما كانت محزنة، فلعلها الطريق الوحيد الباقى لتنبيهك، حتى تتوب عن خطاياك وتجد خلاصك وتستعيد بنوتك لله.
تفسير سفر حزقيال الاصحاح السابع

(1) نهاية مؤلمة وقريبة (ع1-11):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأَرْضِ إِسْرَائِيلَ: نِهَايَةٌ! قَدْ جَاءَتِ النِّهَايَةُ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ. 3- اَلآنَ النِّهَايَةُ عَلَيْكِ، وَأُرْسِلُ غَضَبِي عَلَيْكِ، وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ كَطُرُقِكِ، وَأَجْلِبُ عَلَيْكِ كُلَّ رَجَاسَاتِكِ. 4- فَلاَ تَشْفُقُ عَلَيْكِ عَيْنِي، وَلاَ أَعْفُو، بَلْ أَجْلِبُ عَلَيْكِ طُرُقَكِ وَتَكُونُ رَجَاسَاتُكِ فِي وَسْطِكِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 5- «هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: شَرٌّ! شَرٌّ وَحِيدٌ هُوَذَا قَدْ أَتَى. 6- نِهَايَةٌ قَدْ جَاءَتْ. جَاءَتِ النِّهَايَةُ. انْتَبَهَتْ إِلَيْكِ. هَا هِيَ قَدْ جَاءَتْ. 7- انْتَهَى الدَّوْرُ إِلَيْكَ أَيُّهَا السَّاكِنُ فِي الأَرْضِ. بَلَغَ الْوَقْتُ. اقْتَرَبَ يَوْمُ اضْطِرَابٍ، لاَ هُتَافُ الْجِبَالِ. 8- اَلآنَ عَنْ قَرِيبٍ أَصُبُّ رِجْزِي عَلَيْكِ، وَأُتَمِّمُ سَخَطِي عَلَيْكِ، وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ كَطُرُقِكِ، وَأَجْلِبُ عَلَيْكِ كُلَّ رَجَاسَاتِكِ. 9- فَلاَ تَشْفُقُ عَيْنِي، وَلاَ أَعْفُو، بَلْ أَجْلِبُ عَلَيْكِ كَطُرُقِكِ، وَرَجَاسَاتُكِ تَكُونُ فِي وَسْطِكِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الضَّارِبُ.10- «هَا هُوَذَا الْيَوْمُ، هَا هُوَذَا قَدْ جَاءَ! دَارَتِ الدَّائِرَةُ. أَزْهَرَتِ الْعَصَا. أَفْرَخَتِ الْكِبْرِيَاءُ. 11- قَامَ الظُّلْمُ إِلَى عَصَا الشَّرِّ. لاَ يَبْقَى مِنْهُمْ وَلاَ مِنْ ثَرْوَتِهِمْ وَلاَ مِنْ ضَجِيجِهِمْ، وَلاَ نَوْحٌ عَلَيْهِمْ.
ع1، 2: أعلن الله لحزقيال أن نهاية أورشليم قد اقتربت، حيث يتم خرابها من كل الجوانب المشار إليها من زوايا الأرض الأربع، أي ستخرب تمامًا.
ع3: سبب دمار أورشليم وتأديب الله لها هو سلوكها في طرق الشر، من عبادة أوثان وشهوات نجسة، هذا هو الذي أثار غضب الله عليها.
ع4: من أجل وجود عبادة الأوثان داخل أورشليم، وانتشار ممارسة الشهوات الشريرة بها، فقدت رعاية الله وحبه وأبوته ولم يبق لها إلا الغضب الإلهي.
† لا تتمادى في شرك وتستهين بطول أناة الله ولطفه ومحبته، لئلا ينفذ، فيأتى عليك غضبه بضيقات كثيرة. وحتى هذه الضيقات أيضًا هي رحمة من الله، إن كنت تفهمها وتعود إليه بالتوبة، فتنجى نفسك من الهلاك الأبدي.
ع5: يعبر الله عن تدمير أورشليم، بأنه شر لم يحدث مثله من قبل، فهو وحيد في نوعه وعنفه ولأجل حتمية حدوثه، يكرر كلمة شر. ولاقتراب تدمير أورشليم يعلن أنه على الأبواب، أي قد أتى وسيتم عن قريب جدًا وذلك بعد سنوات قليلة من هذه النبوة. وهذا أيضًا يظهر طول أناة الله، فهويعطى فرصة أخيرة للتوبة.
† كل كلمات هذا الأصحاح ترمز لعلامات نهاية الأيام، التي تحدث في أيامنا، لتقودنا للتوبة، فننجو في يوم الدينونة العظيم ويكون لنا مكان في الملكوت. إن مخافة الله تحميك من غضبه وتمتعك بحنانه ومحبته.
ع6: هذه الآية تعلن قرب دمار أورشليم. ويصور النهاية بامرأة كانت في سكون، ثم انتبهت وقامت، أي أن الدمار قريب الحدوث.
ع7: يؤكد هنا اقتراب الدمار، فجاء دور أورشليم؛ لتنال غضب الله. والمقصود بالأرض أرض أورشليم واليهودية. وسينتهى هتاف الفرح على الجبال المقامة عليها أورشليم والجبال أيضًا حواليها، ويحل محله البكاء والصراخ.
ع8: رجزى: غضبى الشديد.
إن تدمير أورشليم قريب جدًا وسببه هو سلوكها ونجاساتها.
ع9: يكرر هنا ما ذكر في (ع4) ويضيف أنه هو المؤدب والضارب لشعبه، لكثرة خطاياهم.
ع10: يكرر هنا اقتراب وقت تدمير أورشليم، إذ دارت دائرة غضب الله واقتربت أن تأتى عليهم؛ بسبب ظلمهم للآخرين، التي يُرمز إليها بالعصا، التي يضربون بها ويظلمون، وها قد أزهرت، أي أن نتيجتها هي هلاكهم.
وسبب آخر لهلاكهم هو كبريائهم، الذي أفرخ وسبب هذا التأديب. فقد عملوا الشرين، الأول هو الكبرياء الموجهة لله، والثانى هو الظلم الموجه نحو الآخرين.
ع11: يؤكد هنا أن عصا الشر التي أساءوا بها للآخرين - أي ظلمهم لهم - هي التي ستسبب هلاكهم وضياع ثروتهم وممتلكاتهم، التي اقتنوها في بلادهم. وكل أصواتهم المتكبرة العالية، كضجيج وكل مجدهم سيزول. وأكثر من هذا أن الهلاك سيكون شاملًا، فلا يجدون من يبكى عليهم بعد موتهم. بسبب هلاك الكثيرين. والقليلين الذين نجوا، هم في فزع وخوف على أنفسهم.
(2) نهاية الحياة الاجتماعية والاقتصادية (ع12-19):
12- قَدْ جَاءَ الْوَقْتُ. بَلَغَ الْيَوْمُ. فَلاَ يَفْرَحَنَّ الشَّارِي، وَلاَ يَحْزَنَنَّ الْبَائِعُ، لأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى كُلِّ جُمْهُورِهِمْ.13- لأَنَّ الْبَائِعَ لَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانُوا بَعْدُ بَيْنَ الأَحْيَاءِ. لأَنَّ الرُّؤْيَا عَلَى كُلِّ جُمْهُورِهَا فَلاَ يَعُودُ، وَالإِنْسَانُ بِإِثْمِهِ لاَ يُشَدِّدُ حَيَاتَهُ.14- قَدْ نَفَخُوا فِي الْبُوقِ وَأَعَدُّوا الْكُلَّ، وَلاَ ذَاهِبَ إِلَى الْقِتَالِ، لأَنَّ غَضَبِي عَلَى كُلِّ جُمْهُورِهِمْ. 15- «اَلسَّيْفُ مِنْ خَارِجٍ، وَالْوَبَأُ وَالْجُوعُ مِنْ دَاخِل. الَّذِي هُوَ فِي الْحَقْلِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ، وَالَّذِي هُوَ فِي الْمَدِينَةِ يَأْكُلُهُ الْجُوعُ وَالْوَبَأُ. 16- وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ مُنْفَلِتُونَ وَيَكُونُونَ عَلَى الْجِبَالِ كَحَمَامِ الأَوْطِئَةِ. كُلُّهُمْ يَهْدِرُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى إِثْمِهِ. 17- كُلُّ الأَيْدِي تَرْتَخِي، وَكُلُّ الرُّكَبِ تَصِيرُ مَاءً. 18- وَيَتَنَطَّقُونَ بِالْمَسْحِ وَيَغْشَاهُمْ رُعْبٌ، وَعَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ خِزْيٌ، وَعَلَى جَمِيعِ رُؤُوسِهِمْ قَرَعٌ. 19- يُلْقُونَ فِضَّتَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ، وَذَهَبُهُمْ يَكُونُ لِنَجَاسَةٍ. لاَ تَسْتَطِيعُ فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ إِنْقَاذَهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ. لاَ يُشْبِعُونَ مِنْهُمَا أَنْفُسَهُمْ، وَلاَ يَمْلأُونَ جَوْفَهُمْ، لأَنَّهُمَا صَارَا مَعْثَرَةَ إِثْمِهِمْ.
ع12، 13: إذ يدخل جيش بابل أورشليم واليهودية ويدمر كل ما فيها، تقف عمليات التجارة، فلا يفرح من اشترى شيئًا، إذ سيدمره الأعداء، ولا يحزن من باع شيئًا، أي فقده؛ لأن الأعداء سيأخذون ويدمرون كل شيء. وسيعم الخراب على كل الناس، فتقف التجارة في كل مكان، حتى بين الذين بقوا أحياء بعد موت معظم إخوتهم؛ لأن الأحياء سيصيرون في خوف ويهربون، أو يختبئون. ولا تستطيع آلهتهم الوثنية التي عبدوها، أو شهواتهم أن تنجيهم من الدمار، الذي صاروا فيه والخوف والذعر من جيش بابل.
ع14: وأمام الهجوم البابلي يصير اليهود في خوف وضعف شديدَينْ، فعندما يبوق بوق الحرب لجمع الجنود اليهود؛ حتى يخرجوا ويقاوموا جيش بابل، لا يأتي إنسان، إذ الكل سيخاف ويهرب.
ع15: وسيقتل سيف جيش بابل كل الذين هربوا من أورشليم، فيجدهم الأعداء في الحقول المحيطة بأورشليم ويقتلونهم. والذين اختبأوا في البيوت داخل أورشليم، يموتون من الجوع ومن الأمراض المنتشرة.
ع16: ويتمكن بعض اليهود من الهرب إلى الجبال، فيجرون بضعف، كما يطير الحمام في الأودية بهدوء، أي يجرون ببطء؛ لضعفهم من الجوع والخوف، مثل الحمام الذي يطير ببطء، وليسوا كالأسود، أو غيرها من الحيوانات القوية التي تقفز بقوة. وفى جريهم البطئ يتذكرون خطاياهم، التي سببت لهم هذا الدمار والذعر والخوف. وهكذا يشعرون أخيرًا بخطيتهم، وهذا هو قصد الله، لعل هذا يؤدى بهم إلى التوبة وليس اليأس.
ع17: يعبر عن ضعف اليهود في أورشليم، بأن أيديهم تصير مرتخية، وغير قادرة على الحرب، أو مقاومة الأعداء. والأيدى هي المسئولة عن العمل، أي يصيرون بلا قوة تمامًا. الأرجل المسئولة عن المشى والجرى والأعمال المختلفة، تصير ركبهم ضعيفة كالماء، الذي لايمكن الاستناد عليه. والمقصود عمومًا أنهم يكونون في ضعف شديد.
ع18: يتنطقون : يلبسون منطقة، أي ملابس على الوسط وما أسفله.
يستكمل مظاهر ضعف اليهود في أورشليم، بأنهم يصيرون في حزن شديد، يعبر عنه بلبسهم المسوح وهي الملابس الخشنة التي يلبسونها في حالة الحزن على ميت، بل يصيرون في خوف شديد من هجوم البابليين.وكذلك يشعرون بالذل، فيظهر الخزي والعار على وجوههم ويحلقون رؤوسهم، كما اعتادوا عند الحزن على الموتى، فيصير منظرهم مخزيًا بالقرع الذي على رؤوسهم، فهم حزانى على موتاهم وعلى بلادهم المدمرة، أي من سيبقى منهم حيًا سيصير في خوف وخزى وذل.
ع19: عندما تشتد المجاعة داخل أورشليم لا يصير للفضة والذهب قيمة، إذ لا يوجد خبز وأطعمة يشترونها بالفضة، أو الذهب، فيلقونها عنهم في الشوارع من كثرة اليأس وهم يقتربون من الموت. بالإضافة إلى أن جنود بابل كانوا يهاجمون البيوت ويقتلون من فيها، بحثًا عن الفضة والذهب، فكان اليهود يلقونها في الشوارع؛ لينجوا أنفسهم.
الفضة ترمز لكلمة الله والذهب للحياة السماوية، ولأن اليهود أهملوا كلمة الله والميول الروحية وعبادة الله، صاروا في خزى ويواجهون الموت الآن؛ بسبب انغماسهم في الماديات ورفضهم للروحيات.
يصير الذهب والفضة للنجاسة، فإذ قدموها قبلًا للآلهة الوثنية، الآن يلقونها في الشوارع، فيأخذها البابليون؛ ليقدموها أيضًا للآلهة الوثنية، فيعملون بها تماثيلها، ويزينون بها معابدها.
والمقصود بأن الفضة والذهب صارا معثرة إثمهم، أنها قادتهم لعبادة الأوثان والانغماس في الشهوات والاعتماد على الأموال بدلًا من الله.
† كن أمينا في استخدام الماديات التي وهبك الله إياها، حتى تستطيع أن تنعم بعشرة الله، وإلا فالذى عندك سيؤخذ منك وتحاسب عليه؛ لأنك لم تستخدمه لمجد الله. قدم إمكانياتك في عبادة الله وخدمة المحتاجين وكل عمل صالح، فتربح نفسك والآخرين.
(3) نهاية الهيكل والمملكة (ع20-27):
20- أَمَّا بَهْجَةُ زِينَتِهِ فَجَعَلَهَا لِلْكِبْرِيَاءِ. جَعَلُوا فِيهَا أَصْنَامَ مَكْرُهَاتِهِمْ، رَجَاسَاتِهِمْ، لأَجْلِ ذلِكَ جَعَلْتُهَا لَهُمْ نَجَاسَةً. 21- أُسْلِمُهَا إِلَى أَيْدِي الْغُرَبَاءِ لِلنَّهْبِ، وَإِلَى أَشْرَارِ الأَرْضِ سَلْبًا فَيُنَجِّسُونَهَا. 22- وَأُحَوِّلُ وَجْهِي عَنْهُمْ فَيُنَجِّسُونَ سِرِّي، وَيَدْخُلُهُ الْمُعْتَنِفُونَ وَيُنَجِّسُونَهُ. 23- «اِصْنَعِ السِّلْسِلَةَ لأَنَّ الأَرْضَ قَدِ امْتَلأَتْ مِنْ أَحْكَامِ الدَّمِ، وَالْمَدِينَةُ امْتَلأَتْ مِنَ الظُّلْمِ. 24- فَآتِي بِأَشَرِّ الأُمَمِ فَيَرِثُونَ بُيُوتَهُمْ، وَأُبِيدُ كِبْرِيَاءَ الأَشِدَّاءِ فَتَتَنَجَّسُ مَقَادِسُهُمْ. 25- اَلرُّعْبُ آتٍ فَيَطْلُبُونَ السَّلاَمَ وَلاَ يَكُونُ. 26- سَتَأْتِي مُصِيبَةٌ عَلَى مُصِيبَةٍ، وَيَكُونُ خَبَرٌ عَلَى خَبَرٍ، فَيَطْلُبُونَ رُؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ، وَالشَّرِيعَةُ تُبَادُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَالْمَشُورَةُ عَنِ الشُّيُوخِ. 27- الْمَلِكُ يَنُوحُ وَالرَّئِيسُ يَلْبَسُ حَيْرَةً، وَأَيْدِي شَعْبِ الأَرْضِ تَرْجُفُ. كَطَرِيقِهِمْ أَصْنَعُ بِهِمْ، وَكَأَحْكَامِهِمْ أَحْكُمُ عَلَيْهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع20: إلى جانب تحطيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية، أراد الله أن يظهر ضيقته من عبادتهم الشكلية في الهيكل، التي هي بلا عمق، أو روحانية فيقول:
"أما بهجة زينته فجعلها للكبرياء"
كانوا يفتخرون بالهيكل المزين ومتكبرين بأنهم أفضل من جميع الشعوب؛ لأن الله في وسطهم، لكنهم لم يعبدوه بكل قلوبهم، بل وضعوا الأوثان في الهيكل وانغمسوا في شهواتهم الشريرة.
"جعلوا فيها أصنام مكرهاتهم رجاساتهم"
وضعوا في هيكل الرب تماثيل الآلهة الغريبة، التي يكرهها الله وأغاظوه بهذه العبادات القذرة المنحطة.
"لأجل ذلك جعلتها لهم نجاسة"
لذلك سمح الله لبابل أن تدخل الهيكل وتنجسه، بل تدمره وتحرقه؛ لأن اليهود هم الذين نجسوه أولًا بشرورهم.
ع21: سيسمح الله لجيش بابل أن ينهب كل ما في الهيكل من مقتنيات ذهب وفضة ونحاس وينجسون أقدس مكان على الأرض وهو الهيكل.
ع22: من أجل شر بني إسرائيل فارق الله هيكله، أى منع البركة عنهم، ثم سمح لبابل أن تهاجم الهيكل وتنجسه وتحرقه وهو المكان السرى الممنوع دخول أجنبى إليه ولا يدخله إلا الكهنة، أي القدس، أو رئيس الكهنة أى قدس الأقداس، فدخل البابليون العنفاء ودمروا كل شيء فيه.
ع23: يقصد بالسلسلة، السلاسل التي سيقيد بها شعب الله ويأخذونهم إلى السبي عبيدًا. ويوضح أن سبب السبي هو ظلم اليهود لإخوتهم، واستغلالهم للضعفاء وقتل الأبرياء، فملأوا أرضهم دماءً زكية تصرخ إلى الله منهم.
ع24: يأتى البابليون الأشرار ويدمرون أورشليم، والبابليون من أقسى وأشر الأمم، ويستولى البابليون على بيوت اليهود، ويذلون اليهود المتكبرين ويستولون على بيوتهم، التي كان ينبغى أن تكون مقدسة لله ومملوءة بالصلوات. كل هذا يستولى عليه البابليون الأشرار ويدمرونه.
ع25: مع هجوم بابل يأتي الرعب على كل اليهود، وإن طلبوا السلام الذي خدعهم به أنبياؤهم الكذبة، فلن يجدوه، ولن تنقذهم آلهتهم الوثنية التي عبدوها.
ع26: تصير أورشليم حطامًا، وتكون مصيبتهم شنيعة، وتتوالى الأخبار السيئة عليهم من الدمار والخراب بسبب بابل. أما رؤساء الشعب من الأنبياء والكهنة والشيوخ، فيفقدون قوتهم ولا يستطيعون قيادة الشعب، أو إنقاذه؛ لأنهم فصلوا أنفسهم عن الله، فتركهم الله للتأديب.
ع27: يستكمل إظهار ضعف القيادات، فيبكى الملك من حزنه، والرئيس يصير في حيرة، ولا يستطيع إنقاذ نفسه، أو شعبه. والشعب كله يهتز من الخوف ويرتجف من الذعر، كل هذا تأديب من الله بسبب سلوكهم الردئ وأحكامهم الظالمة على أخوتهم. وعندما تتم هذه النبوات يعلم اليهود الأشرار أن هذا التأديب كله من الله، لعلهم يتوبون.
† لا تكتفى بالعبادة الشكلية، بل حاول أن تفهم ما تصليه، أو تقرأه، فالعبادة الشكلية لا تفيدك. ولكن إن كنت تعانى من عدم التركيز في الصلاة، فتضرع باتضاع إلى الله، فيفتح قلبك للإحساس به. وإذ تندم أمامه عن خطايك، يشعرك بوجوده وينقذك من كل شر.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثامن
(1) تمثال الغيرة (ع1-4):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي، وَمَشَايِخُ يَهُوذَا جَالِسُونَ أَمَامِي، أَنَّ يَدَ السَّيِّدِ الرَّبِّ وَقَعَتْ عَلَيَّ هُنَاكَ. 2- فَنَظَرْتُ وَإِذَا شِبْهٌ كَمَنْظَرِ نَارٍ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ نَارٌ، وَمِنْ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ كَمَنْظَرِ لَمَعَانٍ كَشِبْهِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ. 3- وَمَدَّ شِبْهَ يَدٍ وَأَخَذَنِي بِنَاصِيَةِ رَأْسِي، وَرَفَعَنِي رُوحٌ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَتَى بِي فِي رُؤَى اللهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشِّمَالِ، حَيْثُ مَجْلِسُ تِمْثَالِ الْغَيْرَةِ، الْمُهَيِّجِ الْغَيْرَةِ. 4- وَإِذَا مَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ هُنَاكَ مِثْلُ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا فِي الْبُقْعَةِ.
ع1: يحدد ميعاد هذه الرؤيا، أنها في اليوم الخامس من الشهر السادس في السنة السادسة لسبى يهوياكين، الذي أخذت فيه بابل الملك يهوياكين إلى بابل، وأخذت معه كثير من الشباب اليهود عبيدًا، ومنهم حزقيال النبي، الذي كان يبلغ من العمر وقتذاك خمسة وعشرين عامًا، أي أن هذه الرؤيا كانت بعد بدء حزقيال نبواته بأربعة عشر شهرًا (حز 1: 1). ولعلها تكون بعد نومه 390 يومًا على جنبه الأيسر وقبل نومه على جنبه الأيمن أربعين يومًا (حز 4).
ويحدد مكان الرؤية وهو بيته، حيث كان جالسًا مع شيوخ يهوذا، عند نهر خابور بشمال العراق. ولكى يرى هذه الرؤيا وقعت عليه يد الرب المذكورة في (ع3)، أي أخذته يد الرب ونقلته إلى أورشليم؛ ليرى هذه الرؤيا. والمفهوم أنها أخذته بالروح، بينما ظل جسده موجودًا بين الشيوخ في بيته عند نهر خابور. وقد تكون أخذته روحًا وجسدًا ونقلته من بيته إلى أورشليم. وقد حدثت في الكتاب المقدس انتقال بالروح فقط، أو بالروح والجسد مثل ما حدث مع بولس الرسول (2 كو12: 2).
ع2: حقويه : وسط الإنسان وما أسفله.
أول شيء رآه حزقيال، هو منظر الله بجبروت عظيم، إذ رآه بشكل إنسان من وسطه إلى أسفل نار متقدة. والنار ترمز إلى اللاهوت في المسيح المتجسد. أما النصف العلوى من هذا الإنسان كان بشكل نحاس لامع. والنحاس هو الذي كان يستخدم في المذبح النحاسى، الذي كانت تقدم عليه الذبائح في هيكل الرب، فالنحاس يرمز للفداء، أي أنه رأى المسيح الإله المتجسد، العظيم في لاهوته والفادى بمحبته للإنسان من كل خطاياه. وبهذا المنظر أراد الله أن يعلن لحزقيال أمرين:
أنه موجود في هيكله، يقدسه ويرى كل ما يحدث فيه من شرور ويدينها.
أنه مستعد أن يسامح عن كل الخطايا ويفدى شعبه، إن كانوا يقبلون إلى التوبة.
كل ما رآه في الرؤيا هي رموز وليست الحقيقة، لذا يقول شبه نار وشبه النحاس اللامع؛ لأن منظر الله أعظم من أن يراه إنسان. ولكنه في ملء الزمان أخلى ذاته وتجسد وظهر بشكل إنسان، مع أن لاهوته كان متحدًا بناسوته، مخفيًا عن الأنظار، إلا لمن يريد أن يؤمن به.
ع3: ناصية رأس : مقدس الرأس، أي الجبهة، أو الشعر الذي يفوق الجبهة إذا كان كثيفًا.
يؤكد هنا أن الذي حمله من بيته شبه يد، والمقصود بها قوة الله، التي ظهرت بشكل شبه يد وأمسكت بمقدم رأسه، أو شعره الذي فوق الجبهة، وحملته من بيته، فرفعته فوق الأرض، طائرًا في الهواء، وأوصلته إلى هيكل الرب في أورشليم، وأدخلته من باب الهيكل، الذي يقع في الشمال، مع ملاحظة أن قدس الأقداس يقع ناحية الغرب والمدخل الرئيسى للهيكل يقع ناحية الشرق، فالمدخل الشمالى يكون على يمين الداخل من الباب الرئيسى. وأدخله عند الباب الداخلي، إذ كانت توجد أبواب خارجية تضم أروقة، أي قاعات وساحات يجتمع فيها الشعب لعبادة الله.
وعند الباب الشمالى الداخلي وضعوا فيه صنمًا لإله وثنى، وطبعًا هذا يثير غيرة الله صاحب هذا الهيكل، لذا سمى تمثال الغيرة والمهيج لغيرة الله على هيكله.
ع4: البقعة : المكان الذي رأى فيه حزقيال أول رؤياه المذكورة في (حز 1) وهي الله على عرشه العظيم.
يؤكد هنا وجود الله في هيكله، حيث رأى حزقيال الله في مجده المذكور في (ع2) وقد يكون رأى أيضًا مجده بشكل آخر، مثل نور، أو ضباب. فالله يعلن وجوده في هيكله وإدانته لوضع الشعب تماثيل الأصنام فيه. ويذكرنا حزقيال بأنه رأى عظمة الله، كما رآها منذ أربعة عشر شهرًا في البقعة، حين رأى الله بعظمته جالسًا على عرشه. والله هنا يثبت إيمان حزقيال بأنه موجود في هيكله، حتى لا ييأس عندما يرى انتشار عبادة الأوثان في كل مكان في أورشليم، وحتى في هيكل الرب أيضًا.
† الله طويل الأناة، ولكنه جبار وعادل ويرى كل خطاياك، فلا تستهن بلطفه وإمهاله لك حتى تتوب. لا تدخل الخطية إلى قلبك وفكرك، فأنت هيكل للروح القدس؛ فتدنس هيكلك، وتغيظ الله. وتذكر أنه ساكن بروحه القدوس داخلك، حتى لا تحزنه وتسرع إلى التوبة، فتنال بركته ورعايته لك.
(2) التبخير للأوثان (ع5-12):
5- ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْفَعْ عَيْنَيْكَ نَحْوَ طَرِيقِ الشِّمَالِ». فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ نَحْوَ طَرِيقِ الشِّمَالِ، وَإِذَا مِنْ شِمَالِيِّ بَابِ الْمَذْبَحِ تِمْثَالُ الْغَيْرَةِ هذَا فِي الْمَدْخَلِ. 6- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ مَا هُمْ عَامِلُونَ؟ الرَّجَاسَاتِ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ عَامِلُهَا هُنَا لإِبْعَادِي عَنْ مَقْدِسِي. وَبَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ». 7- ثُمَّ جَاءَ بِي إِلَى بَابِ الدَّارِ، فَنَظَرْتُ وَإِذَا ثَقْبٌ فِي الْحَائِطِ. 8- ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، انْقُبْ فِي الْحَائِطِ». فَنَقَبْتُ فِي الْحَائِطِ، فَإِذَا بَابٌ. 9- وَقَالَ لِي: «ادْخُلْ وَانْظُرِ الرَّجَاسَاتِ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي هُمْ عَامِلُوهَا هُنَا». 10- فَدَخَلْتُ وَنَظَرْتُ وَإِذَا كُلُّ شَكْلِ دَبَّابَاتٍ وَحَيَوَانٍ نَجِسٍ، وَكُلُّ أَصْنَامٍ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مَرْسُومَةٌ عَلَى الْحَائِطِ عَلَى دَائِرِهِ. 11- وَوَاقِفٌ قُدَّامَهَا سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَيَازَنْيَا بْنُ شَافَانَ قَائِمٌ فِي وَسْطِهِمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتُهُ فِي يَدِهِ، وَعِطْرُ عَنَانِ الْبَخُورِ صَاعِدٌ. 12- ثُمَّ قَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا تَفْعَلُهُ شُيُوخُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي الظَّلاَمِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَخَادِعِ تَصَاوِيرِهِ؟ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الرَّبُّ لاَ يَرَانَا! الرَّبُّ قَدْ تَرَكَ الأَرْضَ!».
ع5: طلب الله من حزقيال أن ينظر ناحية الشمال، وهي الناحية التي ستأتي منها بابل؛ لتؤدب شعب الله من أجل عبادتهم للأوثان. وعندما يقف حزقيال ناحية الشمال، يكون على شماله المذبح النحاسى الذي تقدم عليه الذبائح، وأمامه تمثال الغيرة السابق ذكره (ع3). فالله أوقف حزقيال ناحية الشمال من حيث تأتى بابل؛ ليظهر له سبب سماح الله لها بتخريب أورشليم والهيكل، وهو وجود عبادة الأوثان به، التي تظهر في تمثال الغيرة، وستظهر أيضًا في رسوم الآلهة الوثنية التي على الحائط (ع10).
ع6: للأسف شعب الله يغيظونه، ويحاولون إبعاده عن هيكله، بتقديم عبادة للأوثان داخل الهيكل، فلا يكون لله مكان حتى في بيته.
† لا تبعد الله عن حياتك، بانشغالك في الأمور العالمية، سواء المال، أو المركز، أو بجريك وراء وسائل الإعلام التي تعثرك، فالله يريد أن يملك على قلبك وهو وحده القادر أن يسعدك؛ لأنه أبوك الذي يحبك.
ع7: ذهب روح الله بحزقيال إلى باب الدار الداخلية، فوجد أمامه حائطًا به ثقب، وهذا الحائط قد أقامه شيوخ الشعب؛ ليخفوا عبادتهم للأوثان، حتى لا يراهم أحد، ولكن الله فاحص القلوب والكلى يرى كل شيء، وقد تركوا ثقبًا في الحائط، فالشرير ينسى شيئًا يكشفه، إذ من خلال هذا الثقب تستطيع أن ترى الشرور التي تحدث في الداخل.
ع8: طلب الله من حزقيال أن يوسع هذا الثقب ويكسر الحائط، فتصير فيه فتحة يمكن أن يمر فيها إنسان. ففعل حزقيال كما أمره الله. وعندما مر من هذه الفتحة وجد أمامه بابًا مغلقًا، قد أغلقه الأشرار على أنفسهم؛ ليصنعوا الشرور التي تغيظ الله.
ع9: طلب الله من حزقيال أن يفتح الباب ويدخل؛ ليرى النجاسات والشرور التي يعملها شعبه في هيكله ببجاحة واستهانة بالله.
ع10: عندما دخل حزقيال من الباب وجد نفسه في صالة، وقد رسم على حائطها أشكال الحيوانات التي تدب على الأرض، والتي يعتبرها الأشرار آلهة ويعبدونها، أي أنهم رسموا أشكال الأصنام والتماثيل الوثنية على الحائط وهي صور حيوانات كثيرة كالتى يعبدها الوثنيون.
ع11: عنان البخور: غمامة، أو سحابة من البخور مرتفعة لأعلى القاعة التي يبخرون فيها.
وجد حزقيال في هذه القاعة سبعين شيخًا من شيوخ إسرائيل، أي قادة الشعب، يحمل كل واحد بيده مجمرة، مملوءة بخورًا ويبخرون بها أمام صور الآلهة الوثنية، المرسومة على الحائط. وكان البخور ذو الرائحة الجميلة كثيرًا، فملأ جو القاعة كله.
وللأسف كان بينهم رجلًا معروفًا من عائلة تقية، هو يازنيا بن شافان؛ لأن شافان هذا كان مساعدًا ليوشيا الملك الصالح في إصلاحاته الدينية، بإزالة عبادة الأوثان، ونشر كلمة الله ووصاياه، أيام بداية نبوة إرميا. وإبنه أخيقام كان من الشيوخ الأتقياء أيام إرميا. وإبن أخيقام هو جدليا الرجل الصالح، الذي أقامته بابل حاكمًا على أورشليم واليهودية عند بدء استيلائها على مملكة يهوذا. ولكن للأسف يازنيا بن جدليا، أي ابن حفيد شافان سار في الشر وعبادة الأوثان، ورغم أن يازنيا منسوب لشافان الصالح، لكنه ابتعد عن الله وبخر للأوثان.
† لا تتكل على نسبك مهما كان عظيمًا، أو انتسابك لكنيسة مملوءة بالنشاط الروحي، أو كونك خادمًا، فهذا لا يكفى؛ إن لم تسر أنت في خوف الله وتدقيق وتوبة، فإنك معرض للانحراف بالخطية والابتعاد عن الله.
ع12: أوضح الله لحزقيال أن هؤلاء الشيوخ ظنوا باختفائهم في قاعة داخلية، أن الله لا يراهم، بل أن الله قد ترك الأرض، منشغلًا بأمور أخرى في السماء. ولذا انغمسوا هم في الأرضيات وعبادة الأوثان، التي صوروها بشكل حيوانات على حوائط القاعة.
(3) بكاء النساء على تموز (ع13-15):
13- وَقَالَ لِي: «بَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ هُمْ عَامِلُوهَا». 14- فَجَاءَ بِي إِلَى مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَإِذَا هُنَاكَ نِسْوَةٌ جَالِسَاتٌ يَبْكِينَ عَلَى تَمُّوزَ. 15- فَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ هذَا يَا ابْنَ آدَمَ؟ بَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ».
ع13: قال الله لحزقيال، تعالى لتنظر شرورًا جديدة وانغماسًا في عبادة الأوثان، يعملها بنو إسرائيل، والتي من أجلها قررت أن أؤدبهم وأهدم هيكلى الذي نجسوه.
ع14: تموز: إله وثني يسمونه إله الخصب يُبعث في الربيع ويموت عند دخول الحر، أي في الشهر السادس. وكان الوثنيون يعتقدون أن ثورًا هائلًا قد قتله، وكانوا يقدمون عبادات له من طقوسها الزنى. ويعتقدون أيضًا، أنه يموت في كل سنة، ثم يُبعث في السنة التالية. وكانت النساء الوثنيات يبكين عليه في الشهر السادس. والغريب هنا أن تشترك النساء اليهوديات في البكاء عليه وهذا معناه إيمانهن بالإله الوثني، الذي هو صورة من صور الشيطان ويجذب الناس إلى الزنى والشرور المختلفة، مثل تقديم ذبائح بشرية له.
جاء الرب بحزقيال إلى باب الهيكل، الذي ناحية الشمال فنظر هناك مجموعة من النسوة يبكين على الإله تموز.
ع15: قال الله بحزن لحزقيال: هل رأيت صورة ثالثة لعبادة الأوثان (الأولى تمثال الغيرة، والثانية تبخير الشيوخ للأوثان) وأعلمه أنه سوف يريه صورة أخرى للوثنية في الهيكل.
† لا تنزلق مع المجتمع المحيط بك في عادات أو ألفاظ، دون أن تدقق فيها، لعلها تعنى معانى خاطئة وضد الله. كن نقيًا في قلبك وفى مظهرك وفى كلماتك، فتكون كلك لله.
(4) عبادة الشمس (ع16-18):
16- فَجَاءَ بِي إِلَى دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ الدَّاخِلِيَّةِ، وَإِذَا عِنْدَ بَابِ هَيْكَلِ الرَّبِّ، بَيْنَ الرِّوَاقِ وَالْمَذْبَحِ، نَحْوُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا ظُهُورُهُمْ نَحْوَ هَيْكَلِ الرَّبِّ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَهُمْ سَاجِدُونَ لِلشَّمْسِ نَحْوَ الشَّرْقِ. 17- وَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ؟ أَقَلِيلٌ لِبَيْتِ يَهُوذَا عَمَلُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي عَمِلُوهَا هُنَا؟ لأَنَّهُمْ قَدْ مَلأُوا الأَرْضَ ظُلْمًا وَيَعُودُونَ لإِغَاظَتِي، وَهَا هُمْ يُقَرِّبُونَ الْغُصْنَ إِلَى أَنْفِهِمْ. 18- فَأَنَا أَيْضًا أُعَامِلُ بِالْغَضَبِ، لاَ تُشْفُقُ عَيْنِي وَلاَ أَعْفُو. وَإِنْ صَرَخُوا فِي أُذُنَيَّ بِصَوْتٍ عَال لاَ أَسْمَعُهُمْ».
ع16: رواق: فناء.
أخذ الله حزقيال إلى باب القدس ونظر إلى المكان الواقع بين الرواق والمذبح النحاسى. وهذا المكان اعتاد الكهنة أن يقدموا فيه العبادة (يو2: 12-17) فغالبًا الخمسة وعشرون رجلًا هم رئيس الكهنة والأربعة والعشرون كاهنًا الرؤساء على فرق الكهنة الأربعة والعشرون. وجد هؤلاء الكهنة ينظرون نحو الشرق. وكان ظهور هؤلاء الرجال نحو القدس وقدس الأقداس، أي أعطوا ظهورهم لله. بل وجدهم أيضًا يسجدون للشمس، التي يعبدونها كإله. وهنا نرى الكهنة، الذين كان من المفترض أن يقودوا الشعب في عبادة الله، هم أنفسهم سقطوا في عبادة الأوثان. وهكذا شملت عبادة الأوثان الكهنة والنساء وشيوخ الشعب، بل والشعب كله، الذي كان يعبد تمثال الغيرة.
ع17: إن عبادة الأوثان التي سقط فيها شعب الله ومن طقوسها تقريب الأغصان الصغيرة إلى أنوفهم، كل هذه العبادات هي تحدى وإغاظة لله، خاصة وأنهم يعملونها في بيته.
ع18: يقرر الله في النهاية أنه لن يسامح شعبه؛ لإصرارهم على عبادة الأوثان، وحتى عندما يسمح بتدمير وحرق أورشليم ويصرخ إليه الشعب من الخوف، لن يسمع لهم؛ لأنهم لا يصرخون إلى الله بتوبة، بل مجرد خوف وذعر.
† اليوم يوم مقبول للتوبة والرجوع إلى الله، فأسرع إليه رافضًا خطاياك، لئلا يأتي وقت تضعف فيه إرادتك وتنغمس في العالم، فلا تستطيع التوبة، حتى لو تألمت من الخطية فلا تجد ما يدفعك للرجوع إلى الله.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح التاسع

(1) السمة على جباه المؤمنين (ع1-4):
1- وَصَرَخَ فِي سَمْعِي بِصَوْتٍ عَال قَائِلًا: «قَرِّبْ وُكَلاَءَ الْمَدِينَةِ، كُلَّ وَاحِدٍ وَعُدَّتَهُ الْمُهْلِكَةَ بِيَدِهِ». 2- وَإِذَا بِسِتَّةِ رِجَال مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الأَعْلَى الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ عُدَّتُهُ السَّاحِقَةُ بِيَدِهِ، وَفِي وَسْطِهِمْ رَجُلٌ لاَبِسٌ الْكَتَّانَ، وَعَلَى جَانِبِهِ دَوَاةُ كَاتِبٍ. فَدَخَلُوا وَوَقَفُوا جَانِبَ مَذْبَحِ النُّحَاسِ. 3- وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ صَعِدَ عَنِ الْكَرُوبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَدَعَا الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ الَّذِي دَوَاةُ الْكَاتِبِ عَلَى جَانِبِهِ، 4- وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا».
ع1: صرخ الله بصوت عالٍ في أذنى حزقيال؛ لأن غضبه كان شديدًا على أورشليم، بسبب كثرة شرورها. وقرر أن يؤدبها تأديبًا شديدًا، بتدميرها وحرقها وقتل أبنائها.
وكلاء المدينة هم الملائكة المسئولون عن رعايتها، إما بالحماية وفيض نعمة الله عليهم، إن ساروا مع الله، أو تأديبهم إن عصوا الله ورفضوا التوبة. فطلب الله من حزقيال أن يقرب هؤلاء الملائكة إلى أورشليم، أي أمر الله بقرب تنفيذ التأديب للمدينة.
وعدَّتَهم المهلكة هى العقاب الإلهي على أورشليم، وهو السيف والجوع والوبأ، أي الوسائل التي سيهلك بها سكانها الأشرار (حز 6: 11).
ع2: الستة رجال هم الستة ملائكة المسئولون عن تأديب أورشليم، وكان عددهم ستة لما يلي:
رقم ستة رقم ناقص؛ لأن الشر عمل ناقص، ولذا من أجل شر أورشليم سيؤدبها الله بهؤلاء الملائكة الستة. أما عدد سبعة، فهو الكمال، الذي يرمز لعمل الروح القدس.
كانت أبواب أورشليم ستة، أي أن التأديب الإلهي والهجوم البابلي سيكون من الستة أبواب، فيكون تدمرها شاملًا.
كان قادة جيش بابل ستة، أي أن الملائكة الستة سيساعدون هؤلاء القادة؛ لإتمام تأديب الله لأورشليم.
أتى التأديب بواسطة الملائكة الستة من الباب الذي من جهة الشمال؛ لأن بابل أقبلت على أورشليم من الشمال ودمرتها.
حمل الرجال الستة عدتهم الساحقة، أي أدوات الهلاك، التي ستسحق أورشليم ومن بها. في وسط الستة رجال الذين سيؤدبون أورشليم ظهر رجل لابس كتان، والكتان هو ما تصنع منه ملابس الكهنة، ويرمز للنقاوة والبر، وعلى جانبه دواة الكاتب، التي يوضع فيها المادة التي سيكتب بها. فهذا الرجل هو رمز للمسيح، رئيس الكهنة الأعظم، وكلمة الله ليست فقط المكتوبة في الكتاب المقدس، بل الابن الأزلي الأبدي، والذي خرج من جنبه عندما طُعن دم وماء، به طهر أولاده الذين آمنوا به وبفدائه. والمذبح النحاسى، الذي وقف بجواره لابس الكتان، يرمز للفداء، الذي يهبه المسيح للمؤمنين به، وبه أيضًا يدين الأشرار الذين لم يؤمنوا. وهكذا تظهر محبة الله وسط الضيقات، فالمسيح المخلص الفادى لأولاده يظهر بين الملائكة المؤدبين للأشرار.
ع3: مجد الله قد يكون بشكل سحاب، أو نور كان حالًا في قدس الأقداس بين الكاروبين اللذين على غطاء التابوت، والذي يسمى بكرسى الرحمة. فالكاروبان يمثلان العدل الإلهي، ومجد الله يرمز لرحمته، فعندما تزايد شر شعب الله، فارق مجد الله قدس الأقداس وانتقل من فوق الكاروبين، ولكنه لم يخرج من بيته، بل وقف على عتبة البيت. فشر شعبه هو السبب في تركه لبيته، ولكن محبته جعلته يقف عند العتبة لما يأتي:
حتى يحمى أولاده القليلين المؤمنين به من العقاب، كما سيظهر في (ع4).
يعطى آخر فرصة للأشرار لعلهم يتوبوا، قبل أن يفارق بيته ويستحقوا العدل الإلهي العقاب.
دعى صوت الله لابس الكتان، الذي هو المسيح، في حين أمر حزقيال بتقريب الوكلاء الستة، فالملائكة يقربهم، أما المسيح فيدعوه ويقول له "قال له الرب" (ع4) إظهارًا لعظمة المسيح عن الملائكة. كما يقول المزمور "قال الرب لربى" (مز110: 1).
ع4: طلب الآب من الابن، أي الصوت من لابس الكتان أن يعمل علامة على جباه المؤمنين بالله، والمطيعين وصاياه داخل أورشليم، والذين تظهر مشاعرهم الروحية في كراهيتهم للخطايا المصنوعة في أورشليم، فتئن قلوبهم، وتبكى، وتتأثر، بسبب وجودها في مدينة الله، فيشبهون أباهم السماوى، الذي يتضايق بسبب سقوط أولاده في الشر، ولذا استحقوا أن ينجيهم الله من الهلاك، ويعطيهم علامة على جباهم، هي علامة الخلاص، أي الصليب، الذي به ينالون خلاصهم.
ويلاحظ أن هؤلاء المؤمنين المحبين لله لم يستطيعوا إيقاف الشر في أورشليم بسبب عناد الأشرار، ولكنهم أظهروا كراهيتهم وضيقهم من الشر، فاعتبر الله لهم هذا برًا، وبسببه نجاهم من الهلاك.
† الله في محبته يبحث عن أولاده المطيعين لينجيهم مهما كان الشر محيطًا بهم، فليتك تبحث عن فضائل الآخرين؛ لتحبهم وتسعى لخلاصهم، وتصلى من أجلهم، وتحاول إبعادهم عن الشر؛ لتنجيهم وتشكر الله كل حين، الذي ينجيك؛ بسبب الصلاح الذي وهبه الله لك ويسامحك على شرورك.
(2) قتل الأشرار (ع5-11):
5- وَقَالَ لأُولئِكَ فِي سَمْعِي: «اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَرَاءَهُ وَاضْرِبُوا. لاَ تُشْفُقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. 6- اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ. وَلاَ تَقْرُبُوا مِنْ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ مَقْدِسِي». فَابْتَدَأُوا بِالرِّجَالِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ الْبَيْتِ. 7- وَقَالَ لَهُمْ: «نَجِّسُوا الْبَيْتَ، وَامْلأُوا الدُّورَ قَتْلَى. اخْرُجُوا». فَخَرَجُوا وَقَتَلُوا فِي الْمَدِينَةِ. 8- وَكَانَ بَيْنَمَا هُمْ يَقْتُلُونَ، وَأُبْقِيتُ أَنَا، أَنِّي خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هَلْ أَنْتَ مُهْلِكٌ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ كُلَّهَا بِصَبِّ رِجْزِكَ عَلَى أُورُشَلِيمَ؟». 9- فَقَالَ لِي: «إِنَّ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَظِيمٌ جِدًّا جِدًّا، وَقَدِ امْتَلأَتِ الأَرْضُ دِمَاءً، وَامْتَلأَتِ الْمَدِينَةُ جَنَفًا. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الرَّبُّ قَدْ تَرَكَ الأَرْضَ، وَالرَّبُّ لاَ يَرَى. 10- وَأَنَا أَيْضًا عَيْنِي لاَ تَشْفُقُ وَلاَ أَعْفُو. أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ». 11- وَإِذَا بِالرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي الدَّوَاةُ عَلَى جَانِبِهِ رَدَّ جَوَابًا قَائِلًا: «قَدْ فَعَلْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي».
ع5: قال الله للملائكة الستة أن يتحركوا في أورشليم، وينفذوا تأديب الله عليها، بقتل الأشرار، وتخريبها ولا يشفقوا على الشر ويتهاونوا في التأديب، لأن هذا يجعل الشر يتزايد، فلابد من إتمام العدل الإلهي للمصريين على عدم التوبة.
ع6: مقدس: بيت الرب.
طلب الله من الملائكة أن يقتلوا جميع الأشرار كبارًا وصغارًا ورجالًا ونساءً. وهذا معناه أن الشعب بكل فئاته قد انغمسوا في الخطية. وقال لهم أن يبدأوا بقتل الأشرار القريبين من الهيكل، أي الكهنة واللاويين والشيوخ، الذين انحرفوا عن الحياة مع الله، مع أنه كان يجب أن يكونوا قدوة لباقى الشعب. ولكن نبههم ألا يمسوا المؤمنين به والمطيعين وصاياه، الذين على جباههم سمة الله، فإن الفضائل تبين أولاد الله واحتمالهم الآلام من أجله، فإنهم يحملون الصليب برضا وشكر متمسكين بالإيمان.
ع7: طلب منهم الله أن يخرجوا لتدمير أورشليم وقتل من فيها، فتصير نجسة من جثث الموتى، الملقاة فيها بكثرة.
ع8: يظهر قلب حزقيال الرحيم، الذي يتضرع إلى الله، حتى لا يقتل كل شعبه، فقد انزعج عندما رأى في الرؤية معظم الشعب يسقط ويهلك، فتضرع إلى الله أن يبقى ولو قليل من الشعب، حتى لا يفنى شعبه، فأبوة حزقيال ومحبته هي التي جعلته يتضرع إلى الله.
ع9: جنفًا: ظلمًا.
أجاب الله على حزقيال وأوضح له أن سبب كثرة القتلى، هو أن شرورهم عظيمة جدًا وكثيرة، فقد ملأوا أورشليم ظلمًا، الواحد لصاحبه، وتركوا عبادة الله، بل قالوا أن الله قد ابتعد عن العالم (ترك الأرض) وليس له تأثير، أو قيمة.
ع10: يقرر الله أن تأديبه لأورشليم ناتج من شرور أبنائها، فيحل على رؤوسهم نتيجة أخطائهم، أي يهلكوا.
ع11: أجاب اللابس الكتان الله بأنه قد أتم المطلوب، وهو وضع سمة على جباه المؤمنين بالله والمتمسكين بوصاياه. فالمسيح أتم الفداء وصعد إلى السموات؛ ليعد لأولاده المؤمنين به مكانًا؛ ليكونوا معه. ويلاحظ أنه رد جوابًا؛ لأن الأخبار التي يحملها طيبة، أما الملائكة فلم يردوا جوابًا؛ لأن النتيجة صعبة وهي هلاك شعب الله الأشرار. ورد اللابس الكتان يطمئن حزقيال أن البقية ستخلص من شعبه.
† قدم أخبارًا طيبة قدر ما تستطيع لمن حولك، وليتك تقدم أيضًا أخبارًا طيبة لله عن حياتك بإتمام واجباتك الروحية من عبادة وخدمة.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح العاشر
(1) حرق أورشليم (ع1-8):
1- ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا عَلَى الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْكَرُوبِيمِ شَيْءٌ كَحَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ، كَمَنْظَرِ شِبْهِ عَرْشٍ.2- وَكَلَّمَ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ وَقَالَ: «ادْخُلْ بَيْنَ الْبَكَرَاتِ تَحْتَ الْكَرُوبِ وَامْلأْ حَفْنَتَيْكَ جَمْرَ نَارٍ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبِيمِ، وَذَرِّهَا عَلَى الْمَدِينَةِ». فَدَخَلَ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. 3- وَالْكَرُوبِيمُ وَاقِفُونَ عَنْ يَمِينِ الْبَيْتِ حِينَ دَخَلَ الرَّجُلُ، وَالسَّحَابَةُ مَلأَتِ الدَّارَ الدَّاخِلِيَّةَ. 4- فَارْتَفَعَ مَجْدُ الرَّبِّ عَنِ الْكَرُوبِ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنَ السَّحَابَةِ، وَامْتَلأَتِ الدَّارُ مِنْ لَمَعَانِ مَجْدِ الرَّبِّ. 5- وَسُمِعَ صَوْتُ أَجْنِحَةِ الْكَرُوبِيمِ إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ كَصَوْتِ اللهِ الْقَدِيرِ إِذَا تَكَلَّمَ. 6- وَكَانَ لَمَّا أَمَرَ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ قَائِلًا: «خُذْ نَارًا مِنْ بَيْنِ الْبَكَرَاتِ، مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبِيمِ» أَنَّهُ دَخَلَ وَوَقَفَ بِجَانِبِ الْبَكَرَةِ. 7- وَمَدَّ كَرُوبٌ يَدَهُ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبِيمِ إِلَى النَّارِ الَّتِي بَيْنَ الْكَرُوبِيمِ، فَرَفَعَ مِنْهَا وَوَضَعَهَا فِي حَفْنَتَيِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ، فَأَخَذَهَا وَخَرَجَ. 8- فَظَهَرَ فِي الْكَرُوبِيمِ شِبْهُ يَدِ إِنْسَانٍ مِنْ تَحْتِ أَجْنِحَتِهَا.
ع1: يعيد إلينا حزقيال في رؤياه هذه منظر الرؤيا الأولى، التي ذكرها في (حز 1).
فيحدثنا عن عرش الله، الذي يجلس فوق ملائكته، فالمقبب هو جناحا الملاك المرتفعان فوق رأسه. ويعلن صراحة هنا أن الحيوانات الأربع، أو الكائنات الحية غير المتجسدة هي من الكاروبيم، إحدى الرتب الملائكية. وفوق الأربعة مقببات، أو فوق الملائكة يجلس الله على عرشه. وعندما يتكلم عن عرش الله لا يستطيع أن يصفه، بل يقول شيء له لون يشبه العقيق الأزرق، أي لون السماء، فالعقيق حجر كريم، له لون السماء، فهو بهذا يشبه عرش؛ لأن عرش الله أسمى من أن يوصف. وعندما يجلس الله على ملائكته يعلن أنه يستريح في قديسيه الأنقياء الذين يسبحونه.
ع2: حفنتيك: مثنى حفنة وهي ملء اليد.
كلم الله - في الرؤيا التي رآها حزقيال - الرجل اللابس الكتان، وهو الذي سبق الكلام عنه في (حز 9) وقلنا أنه يشير للمسيح، إلهنا، المتجسد، رئيس الكهنة، لأن الكتان هو لبس الكهنة، الذي يرمز للبر. وهذا معناه أن الآب طلب من الابن أن يدخل بين البكرات، التي ترمز لعمل الملائكة على الأرض، وهذا معناه التجسد، فقد أرسل الأب ابنه الوحيد إلى العالم؛ ليخلصه ويفديه.
وقال له أيضًا أن يدخل الكروب؛ لأن المسيح بتجسده صار إنسانًا، أي أقل من الملائكة.
وطلب منه أن يملأ يديه من جمر النار. والنار هنا ترمز إلى غضب الله وتأديبه لأورشليم، التي يدعوها هنا المدينة، فطلب منه أن يلقى هذه النار عليها. وقد حدث هذا فعلًا، عندما أحرقت بابل أورشليم والهيكل عام 586 ق.م.
ويعلن حزقيال أنه قد رأى هذه الرؤيا بعينيه، أي أن هذا الحريق قد تم في أيامه، وتحققت هذه الرؤيا. وترمز رؤية حزقيال بعينيه إلى تجسد المسيح ومعاينة البشر له.
وملء المسيح حفنتيه من جمر النار يرمز أيضًا إلى الآلام التي قبلها من أجلنا على الصليب؛ ليخلصنا من خطايانا، فقد كان من العدل أن تلقى هذه الآلام على البشرية ولكنه حمل عنا خطايانا على الصليب وفدانا بدمه.
ع3: وقف الكاروبيم، أي الملائكة التي على مستوى عالٍ عن يمين بيت الرب. واليمين يرمز للقوة، فقد جاءت الملائكة؛ لتعلن غضب الله على أورشليم، ودخل اللابس الكتان، أي المسيح، إلى هيكله، وظهر مجده في السحاب، الذي ملأ الدار الداخلية.
والله يملأ هيكله بهدوء، ولكن اليهود تناسوا وجود الله، ووضعوا تماثيل الأوثان في الهيكل، فظهر غضب الله عليهم؛ لأن السحاب يعلن حضرة الله؛ لأنه يمثل العظمة والغموض. فالله أطال أناته كثيرًا وأظهر محبته لشعبه، ولكن عندما تمادوا في استهانتهم، ظهر غضبه وسمح لبابل أن تدمر وتحرق أورشليم.
والمسيح تجسد بوداعة وأشفق على البشرية وفداها، ولكن عندما تستهين بخلاصه، سيأتى في مجيئه الثاني ويدين البشرية.
ووقوف الملائكة على يمين البيت يعلن رفضهم لعبادة الأوثان، التي يمثلها تمثال الغيرة الموضوع في شمال البيت.
† الله مازال يطلبك بحنانه وعطاياه الكثيرة، ويدعوك للتوبة مهماكانت خطاياك، فلا ترفض دعوته وتتهاون مع الخطيئة، لئلا يقبل عليك الله كديان، فلا تجد فرصة للتوبة. إنه اليوم يوم مقبول والساعة ساعة خلاص؛ لتتوب عن خطاياك وتتناول من أسراره المقدسة.
ع4: ارتفاع مجد الرب عن الكروب يعلن تجسده في ملء الزمان، وبهذا يملأ مجده بيته ويصل إلى العتبة، أي يقبل شعبه اليهودي في الإيمان وكذلك الأمم، الذين خارج البيت وغير مسموح لهم بدخوله.
ع5: صوت أجنحة الملائكة التي تسبح الله ترمز لحضرة الله وصوته المهوب وعظمته. فهو يقترب ليطهر هيكله ومدينته من عبادة الأصنام، فناره تحرق أورشليم؛ لتبيد الشر منها. وفعلًا بعد السبي لم نسمع عن سقوط اليهود في عبادة الأوثان في أورشليم. وفى نفس الوقت هو يؤدب شعبه، لأجل شرهم وعنادهم.
وخروج صوت الله إلى الدار الخارجية معناه وصول صوته إلى الأمم، فقد رأوا قوته في تأديب شعبه، فيخافون هم أيضًا من غضبه، ثم يؤمنون في ملء الزمان بإبنه المتجسد.
ويلاحظ تشابه الرؤيا هنا، مع الأصحاح الأول؛ فيعلن أن الله هو هو، الذي ظهر بمجده في الأصحاح الأول، هو الذي يؤدب شعبه في الأصحاح العاشر، إذ يصف عرشه الذي فوق ملائكته. وبهذا يحطم فكرة اليهود، الذين ظنوا أن وجود الهيكل في أورشليم وعبادتهم الشكلية السطحية به، ستحميهم من الدمار والخراب، فتمادوا في شرورهم. لأن الله هنا يعلن رفضه للشر والزنا عندما يسمح بحرق أورشليم.
ع6: أمر الرجل: أي الآب أرسل ابنه إلى العالم.
خذ البكرات : قدم تأديبًا بعد رعاية الله لأورشليم بواسطة ملائكته التي ترعى أورشليم.
إن اللابس الكتان هو المسيح المؤدب الذي دخل بين ملائكته، بطول أناة، أي البكرات؛ ليعلن غضبه وإدانته لمدينته العاصية أورشليم. فالله يرعى شعبه بواسطة ملائكته، ولكن عند إصرارهم على الخطية، أدانهم وعاقتهم بحرق أورشليم. وقد وقف بجوار البكرة، وهذا يعنى إشتراك الملائكة مع المسيح في تأديب أورشليم ويعنى أيضًا أن الله يطيل أناته على أورشليم، ولكن إلى جانب ذلك يؤدبهم المسيح المؤدب في الوقت المناسب.
ع7: امتدت يد الملاك، التي كانت تعلن للبشر رعاية الله ومحبته والآن تعلن غضبه وتأديبه لأورشليم، فأخذت هذه اليد جمر النار ووضعته بين يدى اللابس الكتان، أي أن الملائكة تخدم المسيح وتتمم دينونته للعالم المتمرد، سواء في شكل حرق أورشليم هنا، أو في دينونة العالم كله في اليوم الأخير.
وخروج اللابس الكتان معناها تنفيذ أمر الله بحرق أورشليم، وترمز هذه الآية أيضًا إلى الملاك الذي ظهر ليقوى المسيح في بستان جثسيماني، فقد كانت الملائكة تخدم المسيح المتجسد، حتى أتم فداءنا على الصليب، الذي قبله بإرادته، لأنه أخذ النار في حفنتيه، فهذا يرمز لخروج المسيح خارج أورشليم حاملًا صليبه.
ع8: هنا يبين أن الملائكة تخدم البشر، إذ لها يد إنسان، أي تظهر بشكل أعمال يراها الناس، سواء لإظهار رحمة الله للمؤمنين به، أو تأديب الأشرار.
(2) وصف الكروبيم (ع9-17):
9- وَنَظَرْتُ وَإِذَا أَرْبَعُ بَكَرَاتٍ بِجَانِبِ الْكَرُوبِيمِ. بَكَرَةٌ وَاحِدَةٌ بِجَانِبِ الْكَرُوبِ الْوَاحِدِ، وَبَكَرَةٌ أُخْرَى بِجَانِبِ الْكَرُوبِ الآخَرِ. وَمَنْظَرُ الْبَكَرَاتِ كَشِبْهِ حَجَرِ الزَّبَرْجَدِ. 10- وَمَنْظَرُهُنَّ شَكْلٌ وَاحِدٌ لِلأَرْبَعِ. كَأَنَّهُ كَانَ بَكْرَةٌ وَسْطِ بَكْرَةٍ. 11- لَمَّا سَارَتْ، سَارَتْ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا، بَلْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ الرَّأْسُ ذَهَبَتْ وَرَاءَهُ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. 12- وَكُلُّ جِسْمِهَا وَظُهُورِهَا وَأَيْدِيهَا وَأَجْنِحَتِهَا وَالْبَكَرَاتِ مَلآنَةٌ عُيُونًا حَوَالَيْهَا لِبَكَرَاتِهَا الأَرْبَعِ. 13- أَمَّا الْبَكَرَاتُ فَنُودِيَ إِلَيْهَا فِي سَمَاعِي: «يَا بَكْرَةُ». 14- وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الأَوَّلُ وَجْهُ كَرُوبٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَجْهُ إِنْسَانٍ، وَالثَّالِثُ وَجْهُ أَسَدٍ، وَالرَّابعُ وَجْهُ نَسْرٍ. 15- ثُمَّ صَعِدَ الْكَرُوبِيمُ. هذَا هُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي رَأَيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. 16- وَعِنْدَ سَيْرِ الْكَرُوبِيمِ سَارَتِ الْبَكَرَاتُ بِجَانِبِهَا، وَعِنْدَ رَفْعِ الْكَرُوبِيمِ أَجْنِحَتَهَا لِلارْتِفَاعِ عَنِ الأَرْضِ لَمْ تَدُرِ الْبَكَرَاتُ أَيْضًا عَنْ جَانِبِهَا. 17- عِنْدَ وُقُوفِهَا وَقَفَتْ هذِهِ، وَعِنْدَ ارْتِفَاعِهَا ارْتَفَعَتْ مَعَهَا، لأَنَّ فِيهَا رُوحَ الْحَيَوَانِ.
ع9: الزبرجد: حجر كريم لونه أخضر.
يصف هنا الملائكة الحاملة عرش الله والمنفذة لمشيئته، وهي من رتبة ملائكية عالية، هي رتبة الكاروبيم، أي الشاروبيم، التي ترمز للعدل الإلهي. وقد ذكرت هنا؛ لأن الله سيعلن عدله في تأديب أورشليم المتمردة بالحرق والسبي. ويذكر أنه بجانب كل كروب عجلة، وهي ترمز لعمل الملاك على الأرض، في تنفيذه إرادة الله لخدمة البشر. وكان لون هذه البكرات، أي العجلات، أخضر وهو يرمز للحياة؛ لأن هدف عمل الملائكة هو أن نحيا مع الله، سواء بإظهارهم رحمته، أو عدله. ولأن الكلام عن الملائكة وعملهم العظيم يقول شبه حجر، أي أن كل هذا الكلام رمزي لتقريب المعنى.
ع10: لاحظ حزقيال ان شكل الأربع بكرات، التي تقف بجانب الأربع ملائكة، كلها شكل واحد وهذا يعنى أن طبيعة الملائكة واحدة، وعملهم هو تنفيذ مشيئة الله الواحد.
ولاحظ أيضًا أن البكرة داخلها بكرة أخرى، أي أن عمل الملائكة على الأرض يقصد به الله معاني أعمق مما هو ظاهر؛ لفائدة وخلاص النفوس، مثل تعرض الإنسان لضيقة ويقصد الله منها نزع خطية منه كان متهاونًا فيها، وترمز أيضًا لعمل كلمة الله في العهدين القديم والجديد.
ع11: يعلن أن البكرات الأربعة سارت، أي تحركت ونفذت مشيئة الله، ولكن دون أن تدور، أي أن حركتها داخلية في قلوب البشر وليست أعمالًا استعراضية. فالله غير محتاج أن يظهر ويستعرض نفسه، وأن رعاية الله ثابتة لا تتغير.
ولم تسر البكرات على سطحها، أو ظهرها، بل على جوانبها؛ لأن عملها الظاهر والخفى واحد. واتجهت في عملها نحو ما يقودها فيه الرأس وهو المسيح رأس الكنيسة، فهي تنفذ مشيئة الله بقلب واحد.
† ليتك تهتم بالوحدانية مع الآخرين ويكون أساس هذه الوحدانية التمسك بوصايا الله، فتتنازل عن رغباتك الشخصية وحقوقك قدر ما تستطيع؛ لتكسب من حولك، وتعطى سلامًا أينما سرت
ع12: يوضح هنا أن هذه الملائكة الأربعة والبكرات التابعة لها مملوءة عيونًا من جميع الجوانب. والعين ترمز للمعرفة والتمييز والحكمة، أي أن هذه الملائكة مملوءة فهمًا، فتعرف الله وتخدمه بأمانة.
ع13: نادى الله على البكرات وقال لها يا بكرة ولم يقل يا بكرات؛ لأن كل البكرات لها عمل واحد، هو تنفيذ مشيئة الله، وقد سمع حزقيال صوت الله المنادى.
ع14: يعلن هنا أن كل حيوان، أو كائن حى من الأربعة الحاملين عرش الله، له أربعة وجوه سبق ذكر شرحها في (حز 1). ولكن نجد هنا تغييرًا وهو أن وجه الثور ظهر بدلًا منه وجه كروب؛ لأن الثور يرمز لذبيحة الفداء، التي أتمها المسيح على الصليب، أما هنا، فالكروب يعلن عدل الله وتأديبه لأورشليم. فمن استهان برحمة الله والذبيحة المقدمة لفدائه لا ينتظره إلا العدل والعقاب الإلهي.
ع15: بعد أن أتمت الكاروبيم عملها في تأديب أورشليم وحرقها، صعدت إلى السماء؛ لتحيا في تسبيح الله.
يؤكد هنا حزقيال أن الحيوانات الأربعة هي التي رآها عند نهر خابور في رؤياه المذكورة في (حز 1). فالله كما ذكرنا هو واحد، الذي يظهر رحمته في (حز 1) ويذكر هنا عدله في (حز 10).
ع16، 17: يوضح هنا أن البكرات مرتبطة بالحيوانات؛ لأن البكرات هي عمل الملائكة فلا تتحرك البكرات بعيدًا عن الملائكة، فإذا سارت هذه تسير الأخرى، وإذا وقفت الملائكة تقف أيضًا البكرات.
(3) مفارقة مجد الله هيكله (ع18-22):
18- وَخَرَجَ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ عَلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ وَوَقَفَ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. 19- فَرَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَصَعِدَتْ عَنِ الأَرْضِ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. عِنْدَ خُرُوجِهَا كَانَتِ الْبَكَرَاتُ مَعَهَا، وَوَقَفَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ، وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ. 20- هذَا هُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي رَأَيْتُهُ تَحْتَ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَعَلِمْتُ أَنَّهَا هِيَ الْكَرُوبِيمُ. 21- لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ، وَشِبْهُ أَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا. 22- وَشَكْلُ وُجُوهِهَا هُوَ شَكْلُ الْوُجُوهِ الَّتِي رَأَيْتُهَا عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، مَنَاظِرُهَا وَذَوَاتُهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ.
ع18: بعد أن احتمل الله خطايا شعبه وأطال أناته عليهم مدة طويلة، اضطر أن يعلن غضبه عليهم ويؤدبهم بواسطة بابل، وقبل أن يسمح لبابل بحرق الهيكل وتدميره، فارق هيكله؛ ليعلن أنه لا يستريح إلا في القلوب النقية الخاضعة له. فرأى حزقيال في الرؤيا مجد الله، الذي كان واقفًا عند عتبة بيته يفارق البيت، ويقف على الأربعة كاروبيم، الحاملين عرشه السماوى.
ع19: عندما حل مجد الله على الكاروبيم ارتفعت عن الأرض؛ لتعلن سمو عرش الله وابتعاده عن هيكله.
ونلاحظ أن البكرات كانت مرتبطة وصاعدة مع الكاروبيم، أي أن أعمال الملائكة خاضعة لله ولعرشه، لذا نقول لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، أي ليتنا نخضع لمشيئتك يا الله، مثل السمائيين الذين أعمالهم كلها خاضعة لك. ونلاحظ أن الله الجالس على ملائكته، قبل أن يفارق بيته، وقف عند الباب الشرقى للبيت، أي الباب الرئيسى، في محاولة أخيرة يعطيها لشعبه لعلهم يتوبون؛ حتى لا يفارق بيته. فهو يحب شعبه ويريد أن يسكن بينهم، ولكنهم بخطاياهم طردوه من بينهم.
ويقول حزقيال أنه رأى مجد الله فوق الكاروبيم، التي يصفها بالتفصيل، ولكنه لا يستطيع أن يصف مجد الله؛ لأنه أسمى من أن يعرفه ويفهم جوهره.
† إن الله لا يريد أن يتركك، فلماذا تطرده بخطاياك وتهاونك وإهمالك له؛ إنه مازال يقف عند باب قلبك يقرع، في آخر فرصة، لعلك تفتح له، فيدخل ويستقر داخلك؛ لأنه يحبك. تأمل دائمًا محبته وسعيه نحوك؛ حتى تفارق خطاياك بدلًا من أن يفارقك الله.
ع20: يؤكد هنا حزقيال أن منظر الحيوانات، أو الكائنات الحية، التي رآها في الرؤيا الأولى عند نهر خابور، المذكورة في الأصحاح الأول، هي نفسها التي يراها الآن في هذه الرؤيا وعلم أنها ملائكة من رتبة الكاروبيم.
ع21، 22: يؤكد هنا في وصفه للكاروبيم الحامل عرش الله أن له نفس صفات الأربعة حيوانات، المذكورة في (حز 1) والتي سبق شرحها هناك.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الحادى عشر

(1) مثل اللحم والقدر (ع1-12):
1- ثُمَّ رَفَعَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَإِذَا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، وَرَأَيْتُ بَيْنَهُمْ يَازَنْيَا بْنَ عَزُورَ، وَفَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا رَئِيسَيِ الشَّعْبِ. 2- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هؤُلاَءِ هُمُ الرِّجَالُ الْمُفَكِّرُونَ بِالإِثْمِ، الْمُشِيرُونَ مَشُورَةً رَدِيئَةً فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ. 3- اَلْقَائِلُونَ: مَا هُوَ قَرِيبٌ بِنَاءُ الْبُيُوتِ! هِيَ الْقِدْرُ وَنَحْنُ اللَّحْمُ. 4- لأَجْلِ ذلِكَ تَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ. تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ». 5- وَحَلَّ عَلَيَّ رُوحُ الرَّبِّ وَقَالَ لِي: «قُلْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا قُلْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَمَا يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ قَدْ عَلِمْتُهُ. 6- قَدْ كَثَّرْتُمْ قَتْلاَكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَلأْتُمْ أَزِقَّتَهَا بِالْقَتْلَى. 7- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قَتْلاَكُمُ الَّذِينَ طَرَحْتُمُوهُمْ فِي وَسْطِهَا هُمُ اللَّحْمُ وَهِيَ الْقِدْرُ. وَإِيَّاكُمْ أُخْرِجُ مِنْ وَسْطِهَا. 8- قَدْ فَزِعْتُمْ مِنَ السَّيْفِ، فَالسَّيْفُ أَجْلِبُهُ عَلَيْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 9- وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ وَسْطِهَا وَأُسَلِّمُكُمْ إِلَى أَيْدِي الْغُرَبَاءِ، وَأُجْرِي فِيكُمْ أَحْكَامًا. 10- بِالسَّيْفِ تَسْقُطُونَ. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 11- هذِهِ لاَ تَكُونُ لَكُمْ قِدْرًا، وَلاَ أَنْتُمْ تَكُونُونَ اللَّحْمَ فِي وَسْطِهَا. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، 12- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لَمْ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِهِ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهِ، بَلْ عَمِلْتُمْ حَسَبَ أَحْكَامِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ».
ع1-3: هذه رؤيا أخرى، يراها حزقيال في الهيكل، إذ رفعه روح الله في الهواء، ووضعه عند الباب الشرقى الرئيسى للهيكل. وهناك رأى خمسة وعشرين رجلًا من رؤساء الشعب، يذكر إثنين منهما بالتحديد، وقد يكون ذلك لأنهما أكثر شهرة. فقد كانت أورشليم مقسمة أربعة وعشرين قسمًا، فوقف الرؤساء الأربعة والعشرون ورئيسهم، أي خمسة وعشرون رئيسًا، وهم بخلاف الخمسة والعشرين كاهنًا، المذكورين في (حز 8: 16). ووجهت التهمة للكهنة، بتنجيس الهيكل، أما الرؤساء فتهمتهم تضليل الشعب.
ع2، 3: للأسف انساق رؤساء الشعب هؤلاء في تضليل المدينة، بدلًا من أن يقودوهم نحو الله. وتعجبوا من نبوات إرميا، ثم حزقيال عن خراب أورشليم، والهجوم البابلي. وقد تعجبوا؛ لأن المنطق يعلن أنهم قد بنوا بيوتًا جديدة في المدينة، فكيف تنهدم؛ بل ظنوا أن أورشليم مدينة الله وهيكلها يحميهم من أي شر، أو اعتداء، وهم كاللحم وسط القدر، يحميهم من الانسكاب على الأرض، أو أية مشاكل. فلو كانت المدينة ستهدم، لما سمح لهم الله ببناء بيوتًا جديدة، منذ فترة قريبة، ونسوا أن الله يحفظهم، إذا سلكوا بالبر، وليس بعبادتهم الشكلية لله في هيكله. وكانوا يظنون أنهم محصنون داخل أورشليم، كاللحم داخل القدور. ولأن اللحم ساخن جدًا، فمن يحاول أن يمد يده ستحرقه النار، أي لا يستطيع أي عدو الاعتداء عليهم. وقد أخذوا مثل القدر من رؤيا إرميا المذكورة (أر1: 13) ولكن فسروها بحسب أفكارهم وليس فكر الله.
ع4، 5: تكلم الله مع حزقيال؛ ليعلن للشعب أنه يعرف أفكارهم، التي في قلوبهم، أو رددوها فيما بينهم.
ع6: أزقتها : شوارع صغيرة ضيقة وهي جمع زقاق.
يعاتب الله هؤلاء الرؤساء، لأن بمشورتهم الردية وطمأنتهم الكاذبة للشعب، جعل الكثيرين يسقطون قتلى بيد بابل، بالإضافة إلى ظلمهم بعضهم لبعض، فأساءوا لبعضهم إساءات، هى في مكانة القتل.
ع7: يستخدم الله نفس المثل الذي استخدمه اليهود وهو اللحم والقدر. فيقول لهم إن قتلاهم في أورشليم، الذين ستقتلهم بابل هم اللحم، وأورشليم هي القدر، أي أن القدر يحوى موتى ولايحمى أحداُ. أما باقي الأحياء، فتقبض عليهم بابل وتأخذهم سبايا. فقوة المدينة لا تحمى من فيها؛ لأن الله فقط، هو الذي يحمى أولاده، إن اتكلوا عليه وأطاعوا وصاياه.
وكما طردوا الله بشرورهم من هيكله هكذا يسمح الله أن يخرجوا من أورشليم مدينتهم، عبيدًا مسبيين إلى بابل.
ع8: يهدد الله شعبه، الذي خاف من سيف جيش بابل وعصى الله ورفض أن يخضع لبابل، كما أمره الله؛ لذلك يسمح الله أن يدخل جيش بابل ويقتل الكثيرين ويسبى الباقين.
ع9: يستكمل الله كلامه، فيعلن أنه سيخرج شعبه من أورشليم، مسبيين وخاضعين لبابل. ويسمح بأحكام فيهم، أي تأديبات، فيذلهم البابليون، لعل كل هذا يقودهم للتوبة.
ع10: تُخم : حدود.
سيقتل جيش بابل الكثير من اليهود داخل حدود بلادهم، مثلما قتل نبوخذنصر رؤساء أورشليم في ربلة، التي على حدود بلادهم (2 مل25: 18-21). وعندما تتم هذه الأحداث، يعلمون أن كلام الله صادق الذي أعلنه على فم حزقيال، لعلهم يؤمنون به، ويرفضون عبادة أوثان الأمم الباطلة.
ع11: يؤكد الله هنا بطلان أفكارهم، من جهة حماية أورشليم لهم، التي شبهوها بالقدر، الذي يحميهم، وشبهوا أنفسهم باللحم، الذي داخل القدر، ولا يستطيع أحد أن يلمسه من أجل ارتفاع حرارته. فيحدث العكس، أى يقتلهم جيش بابل في حدود بلادهم، أي داخل القدر، الذي يعجز أن يحميهم؛ لأن الله أمر بتأديبهم.
ع12: عندما تتم هذه الأحداث، يشعر شعب الله بخطاياهم في حقه؛ لأنهم رفضوا وصاياه، وعبدوا الأوثان، وخضعوا لها ولتعاليم الوثنيين.
† إعلم أن القوة التي تحميك هي الله وحده، بالتوبة والخضوع لوصاياه، وليست قوى العالم، التي يعتمد عليها كل من حولك، مثل المركز والمال والعلاقات.
(2) معاقبة الأشرار ومكافأة الأبرار (ع13-21):
13- وَكَانَ لَمَّا تَنَبَّأْتُ أَنَّ فَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا مَاتَ. فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَلْ تُفْنِي أَنْتَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ؟». 14- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 15- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِخْوَتُكَ إِخْوَتُكَ ذَوُو قَرَابَتِكَ، وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ: ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا. 16- لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا. 17- لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَجْمَعُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَحْشُرُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَبَدَّدْتُمْ فِيهَا، وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. 18- فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا، وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا. 19- وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ، 20- لِكَيْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَيَحْفَظُوا أَحْكَامِي وَيَعْمَلُوا بِهَا، وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا. 21- أَمَّا الَّذِينَ قَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ قَلْبِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ، فَإِنِّي أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع13: بعد نبوة حزقيال المذكورة في الأعداد السابقة من هذا الأصحاح، أعلن الله فساد المشورة الخاطئة، التي ينادى بها رؤساء أورشليم، بأن الأمان هو في البقاء داخل أورشليم وليس الخضوع لبابل، كماأمر الرب. وأظهر الله خطأ مشورتهم، بموت أحد الرؤساء المشهورين بينهم، وهو فلطيا بن بنايا، وذلك لتأكيد كلامه على فم حزقيال.
وكان من المتوقع أن يفرح حزقيال بتأكيد نبوته، ولكنه حزن وعاتب الله، عندما مات فلطيا، وقال له: هل ستهلك باقي الرؤساء وشعبك في أورشليم؟ وهنا تظهر أبوة حزقيال وإشفاقه على شعبه، مهما كانت خطاياهم، فهو يتمنى توبتهم ورجوعهم إلى الله قبل موتهم. ولكن الله فاحص القلوب، يعلم أن فلطيا مُصر على الشر، مثل فرعون أيام موسى؛ لذا سمح بموته. وحزقيال هنا يشبه إبراهيم، عندما تشفع في سدوم، حتى لا يهلكها الله، لعل فيها أبرارًا ولو عشرة، ولكن للأسف لم يوجد (تك18: 23-32). وكان قصد الله من موت فلطيا، إنذار باقي الرؤساء والشعب؛ للرجوع عن أفكارهم الباطلة، والخضوع لكلام الله ووصاياه، والإستسلام للسبى البابلي.
ع14، 15: "أخوتك، اخوتك ذو قرابتك": المسبيون من مملكة يهوذا مع حزقيال بيد بابل "وكل بيت إسرائيل بأجمعه" : المسبيون من مملكة إسرائيل بيد أشور قبل السبي البابلي.
من العجيب أن يفرح الباقون في أورشليم بعد سبى بعض سكان أورشليم والذين كان بينهم حزقيال. فقالوا لحزقيال والمسبيين معه من يهوذا وإسرائيل بأن ابتعادهم عن هيكل الرب بأورشليم، هو فائدة للباقين في أورشليم؛ ليرثوا وحدهم الأرض ويتمتعوا بخيراتها، إذ ظنوا أنهم أفضل ممن تم سبيهم، وأن الله فضلهم وأعطاهم وحدهم أن يرثوا أرض الميعاد. وهذا عكس فكر الله، الذي أراد تأديب شعبه بالسبي للكثيرين، وإذلال الباقين في أورشليم؛ حتى يتوب الكل. فللأسف مازال يعتقد الباقون في أورشليم أن وجود الهيكل وبقاءهم في أورشليم سيحميهم، غير عالمين أن الله سيؤدبهم أكثر ممن تم سبيهم، إذ ستحرق المدينة والهيكل ويُقتل الكثيرون منهم بيد بابل.
وكلام الباقين في أورشليم يبين مدى أنانيتهم، في شهوتهم لامتلاك الأرض كلها، وسلب حقوق إخوتهم المسبيين في ميراث الأرض.
ع16: مقدسًا : مكان مقدس يسكن فيه الله، أي مكان حلول الله.
يبدأ هنا الله إظهار تميز المسبيين المؤمنين والخاضعين لأوامر الله عن الباقين في أورشليم، ذوى الأفكار الخاطئة. ويعلن أن القداسة ليست بالسكن بجوار الهيكل؛ لأن الله فارقه؛ بسب شرور شعبه وتدنيسهم للهيكل بعبادة الأوثان. وفى نفس الوقت يصير الله مقدسًا بين المسبيين وذلك بما يلي:
يحل في وسط شعبه المسبى ويعزيهم ويباركهم.
يظهر عرشه في الرؤى، التي رآها حزقيال وهو في السبي (حز 1؛ 10).
بسكناه في قلوب المؤمنين به، فيصيرون هيكلًا له ومقدسًا، يشع منه نور الله لمن حوله.
ع17: يعد الله شعبه المسبى بإعادته من السبي، بأعداد كبيرة إلى أورشليم واليهودية؛ لذا يذكر كلمة "أحشركم" أي ستمتلئ أورشليم بشعبها.
ع18: مكرهاتها : الأصنام التي يكرهها الله.
رجاساتها : كل أشكال العبادة الوثنية.
عند عودة الشعب من السبي يزيلون من أورشليم وما حولها عبادة الأوثان وكل ما يتصل بها. وهذا يحدث عند عودة الإنسان إلى الله بالتوبة، فيتخلص من كل أشكال الشر التي كان يحيا فيها، من أصدقاء أشرار وصور وكتب وكل شيء معثر.
ع19: من بركات الرجوع من السبي التخلص من انقسام اليهود إلى مملكتين، هما مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا. فعند عودة اليهود يصيرون مملكة واحدة وشعبًا واحدًا، بل يصيرون ليس فقط قلبًا واحدًا، بل قلبًا جديدًا نقيًا يتمسك بالله ويرفض الشر. ويكون قلبهم حيًا ينبض بحب الله، ويتخلص من كل قساوة يشير إليها بالحجر، ويعطيهم قلبًا لحميًا، أي مملوءً حيوية روحية. كان آدم قديمًا يحمل قلبًا لحميًا، مكتوبًا فيه وصايا الله، بواسطة الضمير، ولكن عندما انحرف الضمير بسقوط الإنسان، إحتاج إلى كتابة الوصايا على ألواح حجرية. أما في العهد الجديد إذ يعمل الروح القدس في القلب، يستعيد لحميته ويصير كلام الله في قلب الإنسان وفى سلوكه.
كل هذه الآيات تنطبق على الرجوع من السبي، وهذا هو المعنى القريب للنبوة، أما التطبيق البعيد للنبوة فهو الرجوع لله في الإيمان بالمسيح والحياة الواحدة في الكنيسة، ثم يكمل عمل الروح القدس في الإنسان، عندما يمجد الله كشعب واحد في الملكوت الأبدي.
نلاحظ أنه يتكلم بصيغة الغائب فيقول أعطهم .. لحمهم .. أعطيهم، ولكن عند كلامه عن الروح الجديدة يتكلم بصيغة المخاطب "اجعل في داخلكم"؛ لأن خلقه روح جديدة شيء عظيم جدًا يهبه الله للمؤمنين به كما يقول المرنم "قلبًا نقيًا إخلق فىَّ يا الله" (مز51: 10).
ع20: فرائضى : العبادة المقدمة لله.
أحكامى : وصاياى وشريعتى.
الحياة الجديدة التي سيحياها الراجعون من السبي تشمل سلوكًا بحسب وصايا الله، وعبادة مقدسة، وخضوع لله، وتمتع بأبوة الله ورعايته لشعبه.
"يسلكوا في فرائضى" : يقدمون طقوس العبادة الروحانية لله في هيكله.
"ويحفظوا أحكامى" : يؤمنون بوصاياى ويتأملون فيها.
"يعملوا بها" : السلوك بحسب وصايا الله.
"يكونوا لى شعبًا" : الإيمان والخضوع لله والالتصاق به.
"فأنا أكون لهم إلهًا": حينئذ يتمتعون بكل بركات الرعاية الإلهية وأبوة الله لهم، ما داموا قد صاروا بنينًا خاضعين له.
ع21: من ناحية أخرى الذين سيرفضون الإيمان بالله والعودة من السبي والحياة الجديدة مع الله، ويعيشون في عبادة الأوثان والشهوات الشريرة، سيعاقبهم الله بحسب طرقهم الردية؛ لأنهم تعلقوا بالشر ورفضوا الله.
† إن أحضان الله مفتوحة لك، يريد أن ينقذك من شرور العالم ويقبل توبتك، مهما كانت خطاياك، ومهما كنت بعيدًا عنه ويجدد حياتك، فتتمتع بحبه ورعايته، فلا تتوانى، بل أسرع بالرجوع إليه والالتصاق بكنيسته.
(3) الرب يترك أورشليم (ع22-25):
22- ثُمَّ رَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَالْبَكَرَاتِ مَعَهَا، وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ. 23- وَصَعِدَ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ عَلَى وَسْطِ الْمَدِينَةِ وَوَقَفَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ. 24- وَحَمَلَنِي رُوحٌ وَجَاءَ بِي فِي الرُّؤْيَا بِرُوحِ اللهِ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، فَصَعِدَتْ عَنِّي الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا. 25- فَكَلَّمْتُ الْمَسْبِيِّينَ بِكُلِّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي أَرَانِي إِيَّاهُ.
ع22: رأى حزقيال في الرؤيا الكروبيم، الذي يحمل عرش الله، بدأ يتحرك وظهر في حركة أجنحة الملائكة، وبدأت ترتفع فوق الأرض وتتبعها البكرات، التي هي عمل هذه الملائكة على الأرض، أي أن مجد الله بدأ يرتفع ويبتعد عن الأرض.
ع23: لاحظنا قبلًا أن مجد الرب كان في هيكله، ثم تحرك ووقف على عتبة البيت (حز 10: 4)، ثم تحرك إلى الباب الشرقى للبيت (حز 10: 18)، ثم فارق البيت، لكنه ظل داخل أورشليم. وهنا نجد مجد الله يفارق مدينته أورشليم تمامًا ويذهب إلى الجبل الشرقى الذي بجوار المدينة وهو المسمى جبل الزيتون، أي أن الله - بسبب الشرور التي صنعها شعبه في هيكله وفى مدينته أورشليم - اضطر أن يتخلى عنهم تأديبًا لهم، لعلهم يتوبون. ولكنه في حزن يقف على الجبل الشرقى ينظر إلى المدينة والهيكل الذي سيخرب ويحترق نتيجة عصيان شعبه. ولعل هذا يذكرنا بكلمات المسيح، وهو جالس على جبل الزيتون مع تلاميذه، يعلن لهم أن الهيكل والمدينة سيخربان (لو19: 41-44).
† إن الله يحبك ويريد أن يسكن في داخلك إلى الأبد؛ ليمتعك بمجده في ملكوت السموات. ولكنك بخطاياك، وإصرارك عليها، وتهاونك تغيظ الله وتتحداه، فيضطر بحزن أن يتخلى عنك، وحينئذ تتعرض لحروب شديدة من إبليس. فكن حكيمًا وأسرع إلى التوبة إذا أخطأت. وتمسك بصلواتك وقراءاتك واثبت في الكنيسة وأسرارها، فتضمن بقاء الله فيك؛ ليحميك ويدافع عنك.
ع24، 25: بعد أن رأى حزقيال رؤياه هذه، أعاده روح الله من أورشليم إلى مكانه على نهر خابور بجوار بابل، حيث يقيم بين المسبيين. وأخبرهم بكل ما رآه في الرؤيا؛ ليعزى قلوبهم، معلنًا أن الله في وسطهم، إن كانوا يطيعون وصاياه، في حين أنه سيترك هيكله ومدينته أورشليم؛ بسبب شرور شعبه. فالله يبحث عن أولاده المطيعين الأتقياء؛ ليمتعهم بحضرته وعشرته.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثانى عشر
(1) حزقيال يحمل أهبة الجلاء (ع1-7):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْتَ سَاكِنٌ فِي وَسْطِ بَيْتٍ مُتَمَرِّدٍ، الَّذِينَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لِيَنْظُرُوا وَلاَ يَنْظُرُونَ. لَهُمْ آذَانٌ لِيَسْمَعُوا وَلاَ يَسْمَعُونَ، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. 3- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهَيِّئْ لِنَفْسِكَ أُهْبَةَ جَلاَءٍ، وَارْتَحِلْ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ نَهَارًا، وَارْتَحِلْ مِنْ مَكَانِكَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ، لَعَلَّهُمْ يَنْظُرُونَ أَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. 4- فَتُخْرِجُ أُهْبَتَكَ كَأُهْبَةِ الْجَلاَءِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ نَهَارًا، وَأَنْتَ تَخْرُجُ مَسَاءً قُدَّامَ عُيُونِهِمْ كَالْخَارِجِينَ إِلَى الْجَلاَءِ. 5- وَانْقُبْ لِنَفْسِكَ فِي الْحَائِطِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ وَأَخْرِجْهَا مِنْهُ. 6- وَاحْمِلْ عَلَى كَتِفِكَ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ. فِي الْعَتَمَةِ تُخْرِجُهَا. تُغَطِّي وَجْهَكَ فَلاَ تَرَى الأَرْضَ. لأَنِّي جَعَلْتُكَ آيَةً لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ». 7- فَفَعَلْتُ هكَذَا كَمَا أُمِرْتُ، فَأَخْرَجْتُ أُهْبَتِي كَأُهْبَةِ الْجَلاَءِ نَهَارًا، وَفِي الْمَسَاءِ نَقَبْتُ لِنَفْسِي فِي الْحَائِطِ بِيَدِي، وَأَخْرَجْتُ فِي الْعَتَمَةِ، وَحَمَلْتُ عَلَى كَتِفِي قُدَّامَ عُيُونِهِمْ.
ع1-2: كلم الله حزقيال في هذه النبوة، معلنًا له أنه ساكن بين شعب متمرد، هم اليهود المسبيين، الساكنين حوله، الذين لم يفهموا حتى الآن أنه تم سبيهم بسبب خطاياهم، وليس مجرد هجوم من دولة معادية هي بابل. فرغم أن الله أعطى المسبيين عيونًا ليروا وآذانًا ليسمعوا، لكنهم لم يفهموا قصد الله من هذه الضيقة الواضحة، التي تمت معهم وهي السبي.
ع3: أهبة جلاء: الأمتعة الشخصية التي يحملها الإنسان عندما يتعرض للسبى، أو الجلاء.
ثم أمر الله حزقيال أن يُعد أمتعته الشخصية، ويحملها ويخرج بها من بيته، في وسط النهار ويبتعد بعيدًا عن بيته؛ ليكون صورة أمام المسبيين حوله، أنه سيتم سبى الباقين في أورشليم، تأديبًا لهم عن خطاياهم؛ ليرجعوا إلى الله. كل هذا يفعله أمام المسبيين لعلهم يفهمون ويتوبون.
ع4: طلب الله من حزقيال أن يكرر خروجه أمام الشعب الساكن حوله، فيخرج حاملًا أهبة الجلاء في النهار، ويكرر ذلك في المساء، تأكيدًا أن السبي الكامل لأورشليم سيتم.
ع5: وطلب الله منه أيضًا أن يكسر حائط بيته ويصنع فيه ثغرة، ثم يخرج منها حاملًا أهبة الجلاء؛ ليعرف الشعب أنه سيحدث هكذا في أورشليم، ويصنعون ثغرة في سور المدينة؛ ليخرجوا منها حاملين أهبة الجلاء.
ع6: وطلب الله من حزقيال أن يغطى وجهه؛ حتى لا يراه أحد ولا يستطيع أن يرى الأرض تحته، حاملًا أهبة الجلاء وهو خارج من الفتحة التي صنعها في جدار بيته؛ ليكون مثالًا لما سيفعله صدقيا الملك، عندما يغطى وجهه؛ حتى لا يعرفه أحد وهو هارب من أورشليم، ومعه عبيده ورؤساء الجيش.
ع7: تمم حزقيال كل ما أمره به الله، فحمل أهبة الجلاء سواء في النهار، أو في الليل. وخرج من الثغرة التي في حائط بيته.
† كان حزقيال آية وصورة، استخدمها الله؛ ليُعرِّف الشعب مشيئته، وما سيحدث من تأديب لأورشليم. فليتك تكون صورة أمام العالم لأولاد الله في البر والتقوى والأمانة والمحبة؛ حتى أنك بدون كلمة تؤثر فيهم، وتريهم مسيحك الساكن فيك، فتكسب الكل لله.
(2) سبي وقتل معظم الشعب (ع8-16):
8- وَفِي الصَّبَاحِ كَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 9- «يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ يَقُلْ لَكَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، الْبَيْتُ الْمُتَمَرِّدُ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ 10- قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ. هذَا الْوَحْيُ هُوَ الرَّئِيسُ فِي أُورُشَلِيمَ وَكُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَالَّذِينَ هُمْ فِي وَسْطِهِمْ. 11- قُلْ: أَنَا آيَةٌ لَكُمْ. كَمَا صَنَعْتُ هكَذَا يُصْنَعُ بِهِمْ. إِلَى الْجَلاَءِ إِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُونَ. 12- وَالرَّئِيسُ الَّذِي فِي وَسْطِهِمْ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتِفِ فِي الْعَتَمَةِ وَيَخْرُجُ. يَنْقُبُونَ فِي الْحَائِطِ لِيُخْرِجُوا مِنْهُ. يُغَطِّي وَجْهَهُ لِكَيْلاَ يَنْظُرَ الأَرْضَ بِعَيْنَيْهِ. 13- وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي، وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَلكِنْ لاَ يَرَاهَا وَهُنَاكَ يَمُوتُ. 14- وَأُذَرِّي فِي كُلِّ رِيحٍ جَمِيعَ الَّذِينَ حَوْلَهُ لِنَصْرِهِ، وَكُلَّ جُيُوشِهِ، وَأَسْتَلُّ السَّيْفَ وَرَاءَهُمْ. 15- فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أُبَدِّدُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَأُذَرِّيهِمْ فِي الأَرَاضِي. 16- وَأُبْقِي مِنْهُمْ رِجَالًا مَعْدُودِينَ مِنَ السَّيْفِ وَمِنَ الْجُوعِ وَمِنَ الْوَبَإِ، لِكَيْ يُحَدِّثُوا بِكُلِّ رَجَاسَاتِهِمْ بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع8: نفذ حزقيال أوامر الله بحمل أهبة الجلاء في النهار، ثم عمل ثغرة في بيته والخروج منها ليلًا، وبعد ذلك مباشرة أي في الصباح كلمه الله؛ ليستكمل الغرض من هذه النبوة.
ع9، 10: قال الله لحزقيال: ألم يسألوك عن سبب ما تعمله؟ سأقول لك الإجابة التي تقولها لهم، وهي أن ما أعمله هو نبوة، عما سيحدث لرئيس مملكة يهوذا ولكل الشعب الموجود في أورشليم، ومن يعيش معهم من غير اليهود.
ع11: أمره الله أن يعلن أنه آية وصورة لما سيحدث مع بني إسرائيل، فسيحملون على أكتافهم أهبة الجلاء، عندما تسبيهم بابل.
ع12: وكذلك رئيس المملكة - أي الملك - سيحمل على كتفه أهبة جلائه، أي أمتعته الشخصية، كأى فرد من الشعب؛ لأنه بالسبي قد زالت كرامته كملك، وسيغطى وجهه من الخزي وحتى لا يراه الأعداء ويعرفوه، فيقبضوا عليه، وسيحفر ثغرة في سور المدينة ويخرج منها، هاربًا من أورشليم. ويكون وجهه مغطى تمامًا، لدرجة أنه لا يرى الأرض التي يمشى عليها، إذ سيخرج بحزن شديد؛ لأنه قد فقد مملكته.
ع13: شركى: فخى ومصيدتى.
يستكمل الله كلامه بأنه سيأخذ ملك يهوذا في شبكته، أو فخه الإلهي، الذي أعده للقبض على الملك. ويقصد بالشبكة بابل، التي استخدمها الله؛ لتحقيق أغراضه بتأديب اليهود وملكهم. وأن هذا الملك - الذي هو صدقيا - سيحملونه إلى بابل، ولكنه لن يرى بابل؛ لأن نبوخذنصر سيأمر بفقأ عينيه في مدينة ربلة، التي تقع شمال أورشليم، قبل أن ينقلوه إلى بابل.
ع14: أذرى: أشتت، وهي مأخوذة من استخدام آلة زراعية تسمى المذراة لفصل حبوب القمح عن القش، فينتشر القش بواسطة الهواء بعيدًا في كل مكان.
يعلن الله أيضًا أنه لن تبقى أية قوة؛ لتناصر هذا الملك المقبوض عليه، فسيشتت الله جيشه، إذ سيهربون، خوفًا من بابل في كل مكان، ولن يوجد من يجرؤ على مناصرته من الأمم المحيطة باليهودية، فالكل سيخافون من بابل وسيقتل الله بواسطة بابل الكثيرين، مثل أولاد الملك، ورؤساء الشعب، والكثيرين من المتقدمين في الشعب.
ع15: سيسمح الله بسبى الكثيرين من أورشليم وما حولها، ونقلهم إلى بلاد مملكة بابل. وعندما يحدث هذا، سيفهمون أن كلام الله – الذي قاله على فم حزقيال - قد حدث، لعلهم حينئذ يؤمنون بالله، ويتركون عبادة الأوثان، ويتوبون عن خطاياهم.
ع16: يعلن الله في هذه الآية أن الذين سيقتلون بسيف بابل ويموتون بالوبأ وكذلك بالجوع، سيكونون هم أغلبية الشعب، وسيبقى عدد قليل منهم، هم الذين يسبون إلى بلاد مملكة بابل؛ ليعلنوا أن سبب كل ما أصابهم هو خطاياهم، وأن هذا هو تأديب الله لهم؛ حتى يتوبوا؛ ويتأكدوا حينئذ من صدق نبوة حزقيال، عندما يتم كلام الرب فيهم بالسبي.
† عندما تحل بك ضيقة اسأل نفسك قبل كل شيء، ما هي خطاياك التي لم تتب عنها، أو تهاونت في التوبة عنها ولم تبتعد عن كل مصادرها؟ لأن الضيقة قد تكون تنبيه إلهى، لتتوب عن خطاياك، وعندما تتوب تنعم بمراحم الله وبركاته الوفيرة؛ لأنه أبوك ويحبك.
(3) الأكل بارتعاش (ع17-20):
17- وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 18- «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ خُبْزَكَ بِارْتِعَاشٍ، وَاشْرَبْ مَاءَكَ بِارْتِعَادٍ وَغَمٍّ. 19- وَقُلْ لِشَعْبِ الأَرْضِ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ عَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ: يَأْكُلُونَ خُبْزَهُمْ بِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ مَاءَهُمْ بِحَيْرَةٍ، لِكَيْ تَخْرَبَ أَرْضُهَا عَنْ مِلْئِهَا مِنْ ظُلْمِ كُلِّ السَّاكِنِينَ فِيهَا. 20- وَالْمُدُنُ الْمَسْكُونَةُ تَخْرَبُ، وَالأَرْضُ تُقْفِرُ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع17، 18: طلب الله أمرًا آخرًا من حزقيال، وهو أن يأكل ويشرب بخوف ورعدة وحزن شديد؛ ليكون مثالًا لحياة سكان أورشليم الباقين فيها، حيث يأكلون بالغم والخوف؛ بسبب الخراب المحيط بهم، وهذا ما حدث فعلًا. وقد أعطى الله لحزقيال أن يشعر بهذه المشاعر، لأنه مستعبد ومسبى في بابل ومحروم من الوجود بجوار الهيكل والمدينة المقدسة.
ع19: بعد أن أعطى حزقيال بنفسه مثالًا مرئيًا للمسبيين حوله، قال إن ما رأيتموه فىَّ سيحدث مع اليهود الباقين في أورشليم، الذين رفضوا أن يأتوا إلى السبي إما لهربهم من جيوش بابل، أو لأن بابل احتقرتهم لفقرهم وضعفهم، فتركوهم، هؤلاء سيأكلون ويشربون بالحزن والخوف، وهم ينظرون خراب أورشليم حولهم، ويفهمون حينئذ أن هذا تأديب إلهى؛ بسبب ظلمهم لبعضهم البعض وخطاياهم في حق الله والناس، سواء بعبادة الأوثان، أو الشهوات الشريرة، أو أي كسر للوصايا الإلهية.
ع20: عندما يرى الساكنون في أورشليم أن أورشليم قد خربت، هي والمدن المحيطة بها، وأصبح مكانها قفرًا مهجورًا، يعلمون صدق كلام الله، الذي أنبأ بهذا على فم حزقيال.
† عندما تتذكر خطاياك وما خربه الشيطان في حياتك عندما خضعت له، يجعلك هذا تبكى أمام الله في توبة، وتصوم وتصلى، وتكون زاهدًا في الماديات. فيرتفع قلبك نحو الأبدية، وتستعد بالصلاة وعمل الخير، فتختبر الفرح الحقيقي والسلام المبنى على الله، وتحيا في طمأنينة كل أيامك.
(4) حتمية تحقيق النبوات (ع21-25):
21- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 22- «يَا ابْنَ آدَمَ، مَا هذَا الْمَثَلُ الَّذِي لَكُمْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، الْقَائِلُ: قَدْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَخَابَتْ كُلُّ رُؤْيَا. 23- لِذلِكَ قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أُبَطِّلُ هذَا الْمَثَلَ فَلاَ يُمَثِّلُونَ بِهِ بَعْدُ فِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ قُلْ لَهُمْ: قَدِ اقْتَرَبَتِ الأَيَّامُ وَكَلاَمُ كُلِّ رُؤْيَا. 24- لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ بَعْدُ رُؤْيَا بَاطِلَةٌ وَلاَ عِرَافَةٌ مَلِقَةٌ فِي وَسْطِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 25- لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَتَكَلَّمُ، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي أَتَكَلَّمُ بِهَا تَكُونُ. لاَ تَطُولُ بَعْدُ. لأَنِّي فِي أَيَّامِكُمْ أَيُّهَا الْبَيْتُ الْمُتَمَرِّدُ أَقُولُ الْكَلِمَةَ وَأُجْرِيهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع21، 22: عاتب الله حزقيال على المثل السائد في أيامه، بأن الزمن يمر والرؤى والنبوات لا تتحقق، مثل نبوات إرميا عن السبي منذ عشرات السنين، التي لم تتم، وقبله أشعياء النبى وغيره من الأنبياء، ِأى أن الشيطان أذاع مثلًا فاسدًا؛ للتشكيك في كلام الله، بأن الأيام تمر ولا تتحقق النبوات، أي أن نبوات أنبياء الله باطلة ولا يمكن أن تتحقق.
ع23: أعلن الله لحزقيال أنه سيبطل هذا المثل الفاسد السائد بين شعبه، وستتحقق النبوات بالسبي والخراب قريبًا.
ع24: عرافة: معرفة للمستقبل يدعيها العرافون الكذابون.
ملقة : تقول كلام تملق، أي ما يرضى الناس وهو غير الحقيقة.
ويبطل الله أيضًا كلام الأنبياء الكذبة، الذين يقولون سلام سلام للشعب ولن يحدث سبى، أو خراب لأورشليم. كل هذا سيبطل، عندما يسمح الله بهجوم بابل على أورشليم.
ع25: يعلن الله أنه هو الرب، وكلامه لابد أن يتم وسيتم سريعًا؛ ليبطل تمرد شعبه، بل إن هذا التأديب كله بسبب تمرد الشعب وقصده أن يتوبوا.
† لا تردد الأمثال الشائعة، ولا الكلمات المعتادة عند الناس، ولا الأفكار السائدة لأنها سائدة، بل تمثل بالحق، حتى لو كنت وحدك. والفكر الروحي الذي تسلمته من الآباء إياك أن تتهاون فيه وتنساق مع التيار الذي حولك، والصلاة تكشف لك وتحميك بالإضافة إلى خضوعك للكنيسة وأب اعترافك.
(5) اقتراب السبي (ع26-28):
26- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 27- «يَا ابْنَ آدَمَ، هُوَذَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ قَائِلُونَ: الرُّؤْيَا الَّتِي هُوَ رَائِيهَا هِيَ إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ مُتَنَبِّئٌ لأَزْمِنَةٍ بَعِيدَةٍ. 28- لِذلِكَ قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ يَطُولُ بَعْدُ شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِي. اَلْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ بِهَا تَكُونُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع26، 27: نبه الله حزقيال إلى الحرب الثانية التي يشنها الشيطان ضد كلام الله، وهي ليست فقط أن النبوات لم تتم، رغم مرور سنوات كثيرة، ولكن إن كانت هذه النبوات ستتم، فستكون بعد مدة طويلة وليس قريبًا. كل هذا حتى يبعد الناس عن التوبة وينشغلوا بشهواتهم الردية.
ع28: لذا أعلن الله أن كلامه الذي أعلنه على فم حزقيال، أو على فم إرميا قبله، سيتم قريبًا.
† تذكر كل يوم أنه قد يكون اليوم الأخير في حياتك؛ لتستعد للتوبة، والصلاة، والتسامح، ومحبة الآخرين. وإذا انقضى اليوم واستطعت أن ترى اليوم التالي، فعشه بهذا التدريب وهكذا تتحول حياتك إلى البر والنقاوة.
تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثالث عشر
(1) الأنبياء الكذبة (ع1-16):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى أَنْبِيَاءِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ، وَقُلْ لِلَّذِينَ هُمْ أَنْبِيَاءُ مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِمِ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. 3- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِلأَنْبِيَاءِ الْحَمْقَى الذَّاهِبِينَ وَرَاءَ رُوحِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. 4- أَنْبِيَاؤُكَ يَا إِسْرَائِيلُ صَارُوا كَالثَّعَالِبِ فِي الْخِرَبِ. 5- لَمْ تَصْعَدُوا إِلَى الثُّغَرِ، وَلَمْ تَبْنُوا جِدَارًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ لِلْوُقُوفِ فِي الْحَرْبِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ. 6- رَأَوْا بَاطِلًا وَعِرَافَةً كَاذِبَةً. الْقَائِلُونَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَالرَّبُّ لَمْ يُرْسِلْهُمْ، وَانْتَظَرُوا إِثْبَاتَ الْكَلِمَةِ. 7- أَلَمْ تَرَوْا رُؤْيَا بَاطِلَةً، وَتَكَلَّمْتُمْ بِعِرَافَةٍ كَاذِبَةٍ، قَائِلِينَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَأَنَا لَمْ أَتَكَلَّمْ؟ 8- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لأَنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِالْبَاطِلِ وَرَأَيْتُمْ كَذِبًا، فَلِذلِكَ هَا أَنَا عَلَيْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 9- وَتَكُونُ يَدِي عَلَى الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْبَاطِلَ، وَالَّذِينَ يَعْرِفُونَ بِالْكَذِبِ. فِي مَجْلِسِ شَعْبِي لاَ يَكُونُونَ، وَفِي كِتَابِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لاَ يُكْتَبُونَ، وَإِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ لاَ يَدْخُلُونَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ. 10- مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَضَلُّوا شَعْبِي قَائِلِينَ: سَلاَمٌ! وَلَيْسَ سَلاَمٌ. وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ يَبْنِي حَائِطًا وَهَا هُمْ يُمَلِّطُونَهُ بِالطُّفَالِ. 11- فَقُلْ لِلَّذِينَ يُمَلِّطُونَهُ بِالطُّفَالِ: إِنَّهُ يَسْقُطُ. يَكُونُ مَطَرٌ جَارِفٌ، وَأَنْتُنَّ يَا حِجَارَةَ الْبَرَدِ تَسْقُطْنَ، وَرِيحٌ عَاصِفَةٌ تُشَقِّقُهُ. 12- وَهُوَذَا إِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ، أَفَلاَ يُقَالُ لَكُمْ: أَيْنَ الطِّينُ الَّذِي طَيَّنْتُمْ بِهِ؟ 13- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أُشَقِّقُهُ بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ فِي غَضَبِي، وَيَكُونُ مَطَرٌ جَارِفٌ فِي سَخَطِي، وَحِجَارَةُ بَرَدٍ فِي غَيْظِي لإِفْنَائِهِ. 14- فَأَهْدِمُ الْحَائِطَ الَّذِي مَلَّطْتُمُوهُ بِالطُّفَالِ، وَأُلْصِقُهُ بِالأَرْضِ، وَيَنْكَشِفُ أَسَاسُهُ فَيَسْقُطُ، وَتَفْنَوْنَ أَنْتُمْ فِي وَسْطِهِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 15- فَأُتِمُّ غَضَبِي عَلَى الْحَائِطِ وَعَلَى الَّذِينَ مَلَّطُوهُ بِالطُّفَالِ، وَأَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ الْحَائِطُ بِمَوْجُودٍ وَلاَ الَّذِينَ مَلَّطُوهُ! 16- أَيْ أَنْبِيَاءُ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لأُورُشَلِيمَ وَيَرَوْنَ لَهَا رُؤَى سَلاَمٍ، وَلاَ سَلاَمَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع1، 2: هذا الأصحاح يتكلم كله عن الأنبياء الكذبة. والله في هاتين الآيتين يوجه كلامه إليهم، ويصفهم بأنهم أنبياء من أنفسهم، أي ليسوا بدعوة من الله، لكن هم ادعوا النبوة ولم يرسلهم الله.
ع3: يضيف الله صفات سيئة في هؤلاء الأنبياء الكذبة -بالإضافة إلى صفة عدم دعوة الله لهم، التي ذكرها في الآية السابقة- وهذه الصفات هي:
الغباء : أو الحمق، لأنهم يخدعون أنفسهم والآخرين، حينما يدعون أنهم أنبياء.
أفكارهم الخاصة: ما يشعرونه بروحهم وأفكارهم يسمونه نبوة ويعلمونه للآخرين.
لم يروا شيئًا : ليس لهم علاقة بالله، ولم يقبلوا شيئًا من عنده، بل كل نبواتهم إدعاءات كاذبة.
ع4: الخِرب: الأماكن الخالية غير المأهولة وكذلك المهملة.
يشبه الله الأنبياء الكذبة بالثعالب؛ لأن الثعلب يتميز بالمكر والخداع. ويقول أنهم في الخرب؛ لأنهم يخربون النفوس المحيطة بهم. وبسبب إبعادهم النفوس عن الله ستخرب أورشليم وكل ما حولها.
ع5: الثُغَر: فتحة في الحائط، أو السور وهي جمع ثغرة.
يبين الله أن الأنبياء الكذبة لم يفعلوا شيئًا مفيدًا لبلادهم ومجتمعهم. فلم يبنوا النفوس،التى يشبهها بالسور القوى، ولم يصلحوا الأخطاء، التي يشبهها بالثغرات. ولكن على العكس حطموا هذه النفوس وأضلوها، ولم يعيدوها بالتوبة والحياة مع الله، استعدادًا للأزمات المقبلة، بالهجوم البابلي على أورشليم.
ع6: كانت رؤى وكلمات هؤلاء الأنبياء كاذبة كلها، الذين ادعوا أن كلماتهم وحى من الرب، وانتظروا أن يتم كلامهم وبالطبع لم يتم.
ع7: يوبخهم الله أن كلامهم كله كذب، وأنه لم يرسلهم بأية نبوة للشعب.
ع8: يعلن الرب كلمة صعبة جدًا على الأنبياء الكذبة، وهي أنه بسبب ادعاءاتهم الكاذبة سيكون الله عليهم وليس معهم.
† ليتك تعيش في مخافة الله وفى توبة، حتى لا يكون الله عليك بالإنذارات والعقاب، بل تزيل غضبه، فيكون معك، وتنال وعوده بالبركة، وتتمتع بحمايته ورعايته.
ع9: يعلن الله العقوبات الإلهية على الأنبياء الكذبة، بسبب تضليلهم الشعب وهي:
لا يُعدون من الآن أولاد الله وشعبه الخاص، الذي يحبه ويعبده بأمانة، أي يرفض الله بنوتهم وتبعيتهم لشعبه.
عند الرجوع من السبي ستكتب قوائم بالراجعين من أولاد الله، أما هؤلاء فلن يرجعوا؛ لأنهم سيموتون، ونسلهم يكون في ضلال بعيدًا عن الله.
والذين لا يموتون منهم لا يعودون إلى أرض إسرائيل بعد السبي.
وعندما يتم هذا الكلام، يعلمون أن كلام الله صادق، وأنهم أنبياء كذبة، عند حرمانهم من الرجوع إلى أورشليم.
ع10: أضل هؤلاء الأنبياء الكذبة شعب الله بإبعادهم عن التوبة وترك خطاياهم، التي ستجلب عليهم تأديب الله بالهجوم البابلي. وقالوا لهم سيكون سلام، ولن تستطيع بابل أن تهجم عليكم.
ويشبه كلامهم المضل بمن يبنى حائطًا من الكلام الكاذب، ثم يضعون عليه طبقة من الطين تسمى الملاط، أو الطفال، وهي تشبه المحارة حاليًا التي يغطى بها الجدار المصنوع من الطوب. أي أن أحد الأنبياء الكذبة يدعى إدعاء كاذب بالسلام، ويكمله الأنبياء الكذبة الآخرون بإدعاءات أخرى، مثل أن وجود الهيكل يمنع أي هجوم، أو أن الله في المدينة المقدسة أورشليم ولن يهاجمها أحد، وبهذه الإدعاءات يبعدون الشعب عن التوبة.
ع11: يأمر الله حزقيال أن يقول للأنبياء الكذبة، الذين يكملون النبوات والرؤى الكاذبة، أنه يشبههم بمن يملطون الحائط، وأن هذا الحائط سيسقط؛ لأن ليس له أساس، فالأساس الوحيد للنبوات هو الله. ويأتى تأديب الله على هذا السور، أي على كل ادعاءات الأنبياء الكذبة وعلى كل شعب الله، الذي يسير وراءهم في ضلال، وهذا التأديب يكون بشكل الهجوم البابلي الذي يشبهه بما يلي:
مطر شديد كالسيول يجرف أمامه كل شيء.
أمطار تنزل متجمدة بشكل كتل ثلجية تسمى البرد، تسقط على السور فتهدمه.
ريح عاصفة تحمل في طريقها كل ما تقابله، فتشقق هذا السور ثم تهدمه.
ع12: عندما يظهر بطلان كل النبوات الكاذبة - التي يشبهها هنا بالطين الذي يُطين به الحائط - سيسأل الناس كلهم من شعب الله أين نبواتكم؟ فإنه لم يحدث منها شيء، أي لم يوجد سلام، بل هجوم عنيف يدمر أورشليم وكل ما بها، ويقتل ويسبى من فيها.
ع13: يعلن الله أنه سيهدم كل نبوات الأنبياء الكاذبة، التي شبهها بالحائط الذي بنوه وطينوه بالطين وذلك عن طريق المطر وحجارة البرد والعواصف، التي سبق فذكرها في الآية السابقة.
ع14: سيحطم الله كل عمل الأنبياء الكذبة، الذي شبهه بالسور، فيحطم ويقلع أساسه الكاذب، أي يهلك ويفنى هؤلاء الأنبياء الكذبة، ومعهم كلامهم الباطل. وعندما يقول "تفنون أنتم في وسطه" يبين أن السور هو كل نبواتهم الكاذبة التي نشروها في أورشليم، فيهلكون وسط أورشليم التي ستخرب.
ع15، 16: وهكذا يظهر غضب الله وعقابه للحائط وللذين ملطوه، أي النبوات الكاذبة والذين قالوها، فتبطل النبوات، ويهلك الأنبياء الكذبة، الذين ادعوا السلام لأورشليم ولم يحدث سلام، بل دمار وخراب.
(2) النبيات الكاذبات (ع17-23):
17- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاجْعَلْ وَجْهَكَ ضِدَّ بَنَاتِ شَعْبِكَ اللَّوَاتِي يَتَنَبَّأْنَ مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِنَّ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِنَّ، 18- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِلَّوَاتِي يَخُطْنَ وَسَائِدَ لِكُلِّ أَوْصَالِ الأَيْدِي، وَيَصْنَعْنَ مِخَدَّاتٍ لِرَأْسِ كُلِّ قَامَةٍ لاصْطِيَادِ النُّفُوسِ. أَفَتَصْطَدْنَ نُفُوسَ شَعْبِي وَتَسْتَحْيِينَ أَنْفُسَكُنَّ، 19- وَتُنَجِّسْنَنِي عِنْدَ شَعْبِي لأَجْلِ حَفْنَةِ شَعِيرٍ، وَلأَجْلِ فُتَاتٍ مِنَ الْخُبْزِ، لإِمَاتَةِ نُفُوسٍ لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَمُوتَ، وَاسْتِحْيَاءِ نُفُوسٍ لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْيَا، بِكَذِبِكُنَّ عَلَى شَعْبِي السَّامِعِينَ لِلْكَذِبِ؟ 20- «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا أَنَا ضِدُّ وَسَائِدِكُنَّ الَّتِي تَصْطَدْنَ بِهَا النُّفُوسَ كَالْفِرَاخِ، وَأُمَزِّقُهَا عَنْ أَذْرُعِكُنَّ، وَأُطْلِقُ النُّفُوسَ، النُّفُوسَ الَّتِي تَصْطَدْنَهَا كَالْفِرَاخِ. 21- وَأُمَزِّقُ مِخَدَّاتِكُنَّ وَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ أَيْدِيكُنَّ، فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ فِي أَيْدِيكُنَّ لِلصَّيْدِ، فَتَعْلَمْنَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 22- لأَنَّكُنَّ أَحْزَنْتُنَّ قَلْبَ الصِّدِّيقِ كَذِبًا وَأَنَا لَمْ أُحْزِنْهُ، وَشَدَّدْتُنَّ أَيْدِي الشِّرِّيرِ حَتَّى لاَ يَرْجعَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ فَيَحْيَا، 23- فَلِذلِكَ لَنْ تَعُدْنَ تَرَيْنَ الْبَاطِلَ وَلاَ تَعْرِفْنَ عِرَافَةً بَعْدُ، وَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ أَيْدِيكُنَّ، فَتَعْلَمْنَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع17: يوجه الله حزقيال ليتنبأ على النساء اللاتي ادعين النبوة من أنفسهن والله لم يرسلهن، أو يعطيهن نبوة. وليظهر الله ضيقه من زيغان الشعب وراء الأنبياء الكذبة، قال للنبى شعبك ولم يقل شعبى.
ع18: وسائد: قطع من القماش تربط باليد كحجاب من أعمال السحر.
أوصال الأيدى : الأربطة الموجودة عند مفصل معصم اليد الذي هو الرسغ.
مخدات : أغطية توضع على الرأس، مثل العصائب لإزالة السحر.
قامة : المقصود بها إنسان.
تقوم النبيات الكاذبات بخياطة بعض الأقمشة التي يربطنها على معصم الأيدى، وهي أحجبة؛ لإتمام الأعمال السحرية. ويصنعن أيضًا أغطية للرأس، مثل قطع قماش تلف على الرأس، وهي العصابة، ويوهمن الناس بأنها ترفع عنهم أعمال السحر. كل هذه الأعمال وهمية يخدعن الناس بأنها تتمم لهم رغباتهم بواسطة السحر، أو تبعد عنهم أعمال السحر الضارة، التي عملها أحد لضررهم. ويعملن كل هذه كوسيلة للكسب المادي، فيخدعن الشعب ويضللنه؛ ليدفع الناس أموالًا كثيرة بواسطة هذه الأعمال السحرية فيكتسبن منهم، أي يقمن باستغلال الناس لتحقيق أرباح شخصية.
ع19: حفنة: ملء الكف.
فتات من الخبز : قطع صغيرة من الخبز.
هؤلاء النبيات ينجسن اسم الله؛ لأنهن ينطقن باسمه عند إتمام هذه الأعمال السحرية، التي يبدأنها بأن يضعن في أيديهن حفنة من الشعير، أو بعض من فتات الخبز، وينطقن ببعض الكلمات المفهومة، أو غير المفهومة؛ ليتممن أعمالهن السحرية. وبهذا السحر يصنعن شرورًا تؤذى البعض، وقد تصل بهم إلى حد الموت، وتعطى البعض الآخر ماديات وشهوات هذا العالم. فيبعدن الناس على الله وعبادته، سواء بالإساءة لهم، أو بشغلهم بالشهوات المادية.
تظهر هنا أبوة الله، الذي يشفق على شعبه، الذي تضله النبيات الكاذبات، فيقول شعبى، فهو يدافع عن شعبه ويعاقب هؤلاء النبيات.
ع20، 21: الفراخ: صغار الطيور مثل الكتاكيت.
يعلن الله أنه سوف يمزق الوسائد التي تصنعها النبيات على أذرعهن ويربطنها على أيدي الناس، أو يضعنها على رؤوسهم، أي يوقف أعمالهن السحرية، التي يصطدن بها شعبه البسيط الضعيف، الذي يصدق هذه الأكاذيب. ويشبه شعبه لضعفه بصغار الطيور، التي يسهل اصطيادها.
ع22: يعلن الله أسباب معاقبته للنبيات الكاذبات وهي:
إحزان قلوب الأبرار المتمسكين بوصايا الله بأعمالهن السحرية، بالإضافة إلى تهديداتهن لهم بالشر، حتى يضايقنهم؛ لأنهم يرفضون أعمالهن الشريرة والله لا علاقة له بكل هذه التهديدات، فهي تهديدات كاذبة.
تشجيع الأشرار للاستمرار في شرهم، فلا يتوبون؛ ليحيوا.
ع23: يعلن الله في النهاية هلاك النبيات الكاذبات، بقوله "لن تعدن ترين الباطل ولا تعرفن عرافة بعد"؛ لأنهن يكن قد مُتن، وبهذا ينقذ الله شعبه منهن. وقد يوقف النبيات الكاذبات عن أعمالهن السحرية بتخويفهن بأية طريقة، أو يميت بعضهن، فتخفن الباقيات، وبهذا يرين صدق كلام الله الذي قاله حزقيال وتم فيهن.
† لا تنخدع بأية أكاذيب وأوهام يطلقها البعض، كأنها أعمال معجزية، فتجرى وراءها. ولكن اثبت في الكنيسة، وأطلب معونة الله في مشاكلك وعلاج أمراضك وكل احتياجاتك، فلا تحتاج لأعمال السحر، أو الدجل، ولا تعطى بهذا فرصة للشيطان أن يدخل في حياتك ويعذبك.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الرابع عشر
(1) الشيوخ المراؤون ( ع1-11)
1- فَجَاءَ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَلَسُوا أَمَامِي. 2- فَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 3- «يَا ابْنَ آدَمَ، هؤُلاَءِ الرِّجَالُ قَدْ أَصْعَدُوا أَصْنَامَهُمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ، وَوَضَعُوا مَعْثَرَةَ إِثْمِهِمْ تِلْقَاءَ أَوْجُهِهِمْ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْهُمْ سُؤَالًا؟ 4- لأَجْلِ ذلِكَ كَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي يُصْعِدُ أَصْنَامَهُ إِلَى قَلْبِهِ، وَيَضَعُ مَعْثَرَةَ إِثْمِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ، فَإِنِّي أَنَا الرَّبُّ أُجِيبُهُ حَسَبَ كَثْرَةِ أَصْنَامِهِ، 5- لِكَيْ آخُذَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بِقُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِّي بِأَصْنَامِهِمْ. 6- لِذلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ أَصْنَامِكُمْ، وَعَنْ كُلِّ رَجَاسَاتِكُمُ اصْرِفُوا وُجُوهَكُمْ. 7- لأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْمُتَغَرِّبِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا ارْتَدَّ عَنِّي وَأَصْعَدَ أَصْنَامَهُ إِلَى قَلْبِهِ، وَوَضَعَ مَعْثَرَةَ إِثْمِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ لِيَسْأَلَهُ عَنِّي، فَإِنِّي أَنَا الرَّبُّ أُجِيبُهُ بِنَفْسِي. 8- وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ ذلِكَ الإِنْسَانِ وَأَجْعَلُهُ آيَةً وَمَثَلًا، وَأَسْتَأْصِلُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 9- فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 10- وَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. كَإِثْمِ السَّائِلِ يَكُونُ إِثْمُ النَّبِيِّ. 11- لِكَيْ لاَ يَعُودَ يَضِلُّ عَنِّي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَلِكَيْ لاَ يَعُودُوا يَتَنَجَّسُونَ بِكُلِّ مَعَاصِيهِمْ، بَلْ لِيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع1: حضر إلى حزقيال مجموعة من شيوخ بنى إسرائيل، أي الرؤساء المتقدمين فيهم وهم من الموجودين في السبي، أو أتوا إليه من أورشليم، وغالبًا هم من أورشليم. وكانوا يسألون الأنبياء الكذبة، فيقولون لهم سلام، ولكن حدث عكس هكذا، وهجمت بابل وسرقت الهيكل وأخذت سبايا كثيرين. وهؤلاء الشيوخ وافقوا على وضع تمثال وثني هو تمثال الغيرة في الهيكل، واستباحوا عبادة الأوثان.
ع2، 3: يتعجب الله من مجئ هؤلاء الشيوخ لحزقيال يسألونه عن رأى الله وهم يعبدون ويسألون الأوثان. ويعبر عن تعلق هؤلاء الشيوخ بالأوثان بأنهم أصعدوا الأصنام إلى قلوبهم، والقلب يرمز للمشاعر، أي تعلقوا بالأصنام. بالإضافة إلى وضعهم الأصنام في الهيكل وفى بيوتهم، حتى يتعلقوا بها ويبعدوا عن الله، فهم يعثرون أنفسهم بأنفسهم، إذ يضعون الأصنام معثرتهم أمام وجوههم. وبالطبع لا يقبل الله أن يرد عليهم حزقيال؛ لأنهم يسألون الله كإله وسط الآلهة الوثنية ولا يعبدون الله وحده فالله يرفض رياءهم.
ع4: يعلن الله أن من تعلق بالأصنام ووضعها أمام وجهه، ثم يأتي في رياء ليسأل الله كأنه يعبد الله، فالله سيجيب عليه بما يناسب قلبه الشرير، أي سيعاقبه على هذا الرياء والتعلق بالأصنام.
ع5: وهكذا يعاقب الله شعبه المرائى الذي ارتد عنه وتعلق بالأصنام، فيعاقبهم بالسبي وتدمير أورشليم وحرق الهيكل.
غرض الله من رفض رياء الشيوخ والشعب الذي يعبد الأصنام وتهديدهم بالعقاب، هو أن يتوبوا ويصرفوا وجوههم عن الأوثان ويرجعوا إليه بكل قلوبهم.
ع7، 8: يؤكد هنا الله أن أي شخص من شعب الله، أو من الغرباء يتعلق بالأوثان ويضعها أمامه، ثم يأتي في رياء ليسأل نبى الله حزقيال، فإن الله سيعاقبه على ريائه وشره بشدة، ليكون عبرة لكل المرائيين؛ حتى يرجعوا عن ريائهم وشرهم، ويبيد هذا الإنسان. وعندما يحدث هذا يتأكد شعب الله من صدق أقوال الله هذه، كل هذا ليدعوهم إلى التوبة.
† إياك والرياء لأنك بهذا تضل نفسك وليس الآخرين، حتى لو أغراك الشيطان بأنك تصل إلى ما تريده بهذا الخداع، فإن الله سيعاقبك بشدة لأجل هذا الكذب، وتخسر كل بركة، ولا ينتظرك إلا الهلاك.
ع9: يتكلم هنا النبي الكذاب من تلقاء نفسه ويضل شعب الله. ويعلن الله أنه قد سمح له بهذا الضلال؛ لأنه شرير وسيبيده من أجل شره وتضليل الآخرين. والله قد سمح بضلال النبي الكذاب ليظهر شره والتواء قلبه، وكذلك شر من يسألونه، فيعاقب كل منهم بحسب شره.
ع10: يعلن الله مبدأ وهو أن كل إنسان شرير سيجازى عن شره، سواء من يسأل نبى كذاب، أو النبي الكذاب الذي يُضل من يسأله، فكل منهما سينال عقوبته بحسب شره.
ع11: قصد الله من هذه التهديدات والعقوبات للأنبياء الكذبة، أو من يسألونهم هو تنبيه شعبه ليتوبوا، ولا يضل أحد الآخر، ولا يسأل أحد نبى كذاب، بل يرجعون إلى الله كشعب خاص له، ويتمتعون برعايته وأبوته.
(2) مسئولية كل إنسان عن بره (ع12-20)
12- وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 13- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنْ أَخْطَأَتْ إِلَيَّ أَرْضٌ وَخَانَتْ خِيَانَةً، فَمَدَدْتُ يَدِي عَلَيْهَا وَكَسَرْتُ لَهَا قِوَامَ الْخُبْزِ، وَأَرْسَلْتُ عَلَيْهَا الْجُوعَ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، 14- وَكَانَ فِيهَا هؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ: نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 15- إِنْ عَبَّرْتُ فِي الأَرْضِ وُحُوشًا رَدِيئَةً فَأَثْكَلُوهَا وَصَارَتْ خَرَابًا بِلاَ عَابِرٍ بِسَبَبِ الْوُحُوشِ، 16- وَفِي وَسْطِهَا هؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّهُمْ لاَ يُخَلِّصُونَ بَنِينَ وَلاَ بَنَاتٍ. هُمْ وَحْدَهُمْ يَخْلُصُونَ وَالأَرْضُ تَصِيرُ خَرِبَةً. 17- أَوْ إِنْ جَلَبْتُ سَيْفًا عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ وَقُلْتُ: يَا سَيْفُ اعْبُرْ فِي الأَرْضِ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، 18- وَفِي وَسْطِهَا هؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّهُمْ لاَ يُخَلِّصُونَ بَنِينَ وَلاَ بَنَاتٍ، بَلْ هُمْ وَحْدَهُمْ يَخْلُصُونَ. 19- أَوْ إِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ، وَسَكَبْتُ غَضَبِي عَلَيْهَا بِالدَّمِ لأَقْطَعَ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، 20- وَفِي وَسْطِهَا نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّهُمْ لاَ يُخَلِّصُونَ ابْنًا وَلاَ ابْنَةً. إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ.
ع12-20: قوام الخبز : ساق تعلق بها أرغفة الخبز، فكسره معناه عدم وجود خبز، أي جوع.
أثكلوها : قتلوا أبناءها وبناتها، أي صارت الأمهات ثكلى بلا بنين وبنات.
يلاحظ في هذه الآيات:
إن الله يأمر بهلاك الشعب لأجل شره. فالبار فقط هو الذي يخلص، أما جميع الأشرار فيبيدون ولا يستطيع أحد أن ينجى غيره؛ لأن كل واحد مسئول عن بره، حتى لو كان بره عظيمًا، مثل نوح، أو دانيال، أو أيوب.
يضع أربعة أسباب للهلاك هي الجوع والوحوش والسيف والوبأ، وهي تشير إلى أن الهلاك سيأتى حتمًا للأشرار، وأن ليس لهم مكان في السماء لأجل شرهم. وترمز الأربعة طرق الهلاك هذه إلى:
الجوع --> الحاجة إلى كلمة الله.
الوحوش --> عدم الأمان وهجمات الشيطان.
السيف --> عدم السلام.
الوبأ --> الأمراض الروحية.
اختار نوح ودانيال وأيوب كأمثلة للبر لأنهم عاشوا وسط الشرور، وتمسكوا ببرهم، وخلصوا، وهلك الأشرار حولهم. كذلك خلص من آمن بإيمانهم، أما من رفض فهلك، فنوح خلص مع أسرته الذين آمنوا ودخلوا الفلك معه (تك7: 7). ودانيال خلص هو والثلاثة فتية وتألقوا بقوة الله عندما أكلوا القطاني (دا1: 15). وأيوب خلص أصدقاءه عندما صلى عنهم (أي 42: 8). ولكن إن كان هؤلاء وسط الأشرار ولم يؤمن الأشرار بإيمانهم فلن يتبرروا ببرهم، فكل واحد مسئول عن نفسه، ولن يستطيع البار أن يخلص حتى ابنه، أو ابنته.
الأرض تعنى سكان الأرض، وترمز إلى أن الإنسان الشرير يصير أرضيًا في أفكاره، وليس سماويًا فيهلك.
قطع الإنسان والحيوان (ع19) معناه موت البشر، وكل الموارد البشرية التي تساعد على الحياة.
سكبت غضبى عليها بالدم (ع19) يقصد بالدم هلاك النفوس، أي مات الكثيرون بالوبأ.
مسئولية الإنسان عن خلاصه ببره لا يتنافى مع الشفاعة، لأن الشفاعة تعطى الإنسان معونة من الله تساعده في جهاده ليحيا بالبر. ولكن لابد أن يحيا بالبر لينال الخلاص، وليس ببر أى قديس ينال الخلاص.
† لا تعتذر بقسوة الظروف المحيطة، بل تمسك بالبر مهما كانت المعطلات. والله سيساعدك لتخلص؛ حتى لو كنت وحدك، فلا تتشكك من استهزاء الآخرين، ومعارضتهم لوسائلك الروحية وسلوكك النقى.
(3) البقية التائبة (ع21-23)
21- « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: كَمْ بِالْحَرِيِّ إِنْ أَرْسَلْتُ أَحْكَامِي الرَّدِيئَةَ عَلَى أُورُشَلِيمَ: سَيْفًا وَجُوعًا وَوَحْشًا رَدِيئًا وَوَبَأً، لأَقْطَعَ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ! 22- فَهُوَذَا بَقِيَّةٌ فِيهَا نَاجِيَةٌ تُخْرَجُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. هُوَذَا يَخْرُجُونَ إِلَيْكُمْ فَتَنْظُرُونَ طَرِيقَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، وَتَتَعَزَّوْنَ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبْتُهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ عَنْ كُلِّ مَا جَلَبْتُهُ عَلَيْهَا. 23- وَيُعَزُّونَكُمْ إِذْ تَرَوْنَ طَرِيقَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَصْنَعْ بِلاَ سَبَبٍ كُلَّ مَا صَنَعْتُهُ فِيهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع21: يعلن الله هنا أن الوسائل الأربعة للهلاك وهي السيف، والجوع، وهجوم الوحوش، والوبأ، سيستخدمها لهلاك أورشليم عندما تهجم عليها بابل.
ع22: يطمئن الله أولاده الباقين، سواء الذين خرجوا إلى السبي، أو خرجوا من الهلاك والدمار الذي حدث في أورشليم وبقوا أحياء لأجل برهم، فيتعزى المسبيون برؤيتهم؛ لأن الله لم يفنى كل شعبه، بل أبقى بقية وهي المؤمنين الذين يحيون بالبر.
ع23: عندما يلاحظ المسبيون أن البقية التي نجت من الهلاك سلكوا بالبر وسط الأشرار، يعلمون سبب غضب الله على الأشرار وإهلاكه لهم، أي الشرور التي صنعها الأشرار، وبالكاد استطاع هؤلاء الأبرار أن ينجوا منها ويتمسكوا بالبر. بالإضافة إلى أن المسبيين قد يلاحظون بعض التصرفات الغير نقية من هؤلاء الذين نجوا نتيجة اختلاطهم بالأشرار، فيعلمون مدى فظاعة الشر الذي عاشه الأشرار وبسببه اضطر الله إلى إبادتهم.
† احترس حتى لا تتلوث أفكارك بأفكار العالم، ولا حواسك بالشرور المحيطة بك. وإن سقطت فقم سريعًا، والله بحنانه يقبلك، ويسندك، وينجيك من فخاخ الشياطين.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الخامس عشر

(1) حرق عود الكرم (ع1 - 5)
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، مَاذَا يَكُونُ عُودُ الْكَرْمِ فَوْقَ كُلِّ عُودٍ أَوْ فَوْقَ الْقَضِيبِ الَّذِي مِنْ شَجَرِ الْوَعْرِ؟ 3- هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُودٌ لِاصْطِنَاعِ عَمَل مَّا، أَوْ يَأْخُذُونَ مِنْهُ وَتَدًا لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ إِنَاءٌ مَّا؟ 4- هُوَذَا يُطْرَحُ أَكْلًا لِلنَّارِ. تَأْكُلُ النَّارُ طَرَفَيْهِ وَيُحْرَقُ وَسَطُهُ. فَهَلْ يَصْلُحُ لِعَمَل؟ 5- هُوَذَا حِينَ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِعَمَل مَّا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِعَمَل إِذْ أَكَلَتْهُ النَّارُ فَاحْتَرَقَ؟
ع1، 2: يظهر الله أن تميز عود الكرم هو بالثمار التي تكون عليه، أما هو كعود فهو ضعيف لا يؤخذ منه أخشاب لعمل البيوت، أو لأية صناعة.
كذلك شعب الله لا يتميز بين الشعوب إلا بالقداسة والفضائل لأن الله في وسطه.
ع3: عود الكرم ضعيف لا يؤخذ منه أعوادًا لأية صناعة، ولا هو قوى ليصلح وتدًا تربط به الخيام، أو يعلق عليه أي شيء.
† أنت وحدك ضعيف لا تصلح لشئ، ولكن بالمسيح والفضائل والثمار الروحية تتميز عن كل من حولك فتمسك بمسيحك وصاياه؛ حتى لو اختلفت عمن حولك. ولا تحاول أن تجرى وراء البشر في محبة المال، أو المركز، أو الشهوات، فكلها زائلة والقوة الوحيدة الباقية هي قوة الله معك.
ع4، 5: عود الكرم تأكل النار طرفيه بسهولة، ولعله يشير هنا إلى الهجوم الأشوري، ثم البابلي، ثم حرق وسطه، أي حرق الهيكل الذي في وسط أورشليم. وعود الكرم لا يصلح حتى للحرق؛ لأنه يحترق كله بسرعة وليس تدريجيًا، فإن استخدم كوقود يحتاجون إلى كميات كبيرة منه. وبالطبع بعدما يحترق لا يصلح لشئ؛ لأنه إن كان لا يصلح لشئ قبل الحرق، فبالأولى بعدما يحترق لا يصلح إلا أن يداس من الناس.
(2) حرق أورشليم (ع6-8)
6- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِثْلَ عُودِ الْكَرْمِ بَيْنَ عِيدَانِ الْوَعْرِ الَّتِي بَذَلْتُهَا أَكْلًا لِلنَّارِ، كَذلِكَ أَبْذُلُ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. 7- وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. يَخْرُجُونَ مِنْ نَارٍ فَتَأْكُلُهُمْ نَارٌ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. 8- وَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرَابًا لأَنَّهُمْ خَانُوا خِيَانَةً، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع6: الوعر : الغابات.
يعلن الله أن عود الكرم الذي بلا ثمر وألقى ليحترق في النار بين أشجار الوعر، يرمز لأورشليم التي لم تحيا مع الله وتتزين بالثمار الروحية، فاستحقت التأديب بالحرق. أما أشجار الوعر فهي أفضل منه، إذ يؤخذ خشبها سواء في البناء، أو لعمل الصناعات المختلفة. أما خشب عود الكرم فلا يصلح لشئ، وكل ما كان يميزه هو الثمار التي فيه، فإن لم توجد ثمار ينبغى أن يحرق.
ع7: يعلن الله أن أورشليم ستتعرض للاحتراق مرات كثيرة كتأديب لها لأجل شرها. فقد سبيت بهجمات الأشوريين على ثلاث دفعات، ثم على يد بابل على أربع دفعات، حتى حُرق في النهاية الهيكل والقصور والأسوار.
ع8: سبب تخريب الله لأورشليم واليهودية هو خيانتهم لله بعبادة الأوثان، وكسر الوصايا، والانغماس في الشهوات الشريرة.
† إن كان الله صادقًا في وعوده، واهتم بك ورعاك منذ بداية حياتك، وأعطاك الكثير، فلماذا تخونه الآن بصنع الشر؟ لا ترفض محبته ويده الممدودة إليك. قدم توبة لتستعيد بنوتك وتجد خلاصك.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السادس عشر
(1) العروس المرذولة (ع1-6):
1- وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، عَرِّفْ أُورُشَلِيمَ بِرَجَاسَاتِهَا، 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورُشَلِيمَ: مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. 4- أَمَّا مِيلاَدُكِ يَوْمَ وُلِدْتِ فَلَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُكِ، وَلَمْ تُغْسَلِي بِالْمَاءِ لِلتَّنَظُّفِ، وَلَمْ تُمَلَّحِي تَمْلِيحًا، وَلَمْ تُقَمَّطِي تَقْمِيطًا. 5- لَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ لِتَصْنَعَ لَكِ وَاحِدَةً مِنْ هذِهِ لِتَرِقَّ لَكِ، بَلْ طُرِحْتِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ يَوْمَ وُلِدْتِ. 6- فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ، فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي
ع1، 2: طلب الله من حزقيال أن يعلن لأورشليم الشرور التي تسلك فيها، فبداية الإصلاح أن يعرف الإنسان خطاياه.
ع3: كنعان : هي أكبر القبائل التي تعيش غرب نهر الأردن، وهي تمثل قبائل كثيرة.
الأموريين: من أقوى القبائل الكنعانية وتعيش شرق البحر الميت وجنوبه.
الحثيين : من نسل كنعان ومن الشعوب الوثنية القديمة، تزوج منهم إسماعيل وعيسو.
يقول الله لأورشليم أن أصلك من أرض كنعان، وأن أباك من الأموريين، وأمك من الحثيين. ويقصد أنها ارتبطت بهذه الشعوب الوثنية؛ فأخذت منها عبادتها للأوثان، وعاداتها، وتقاليدها، وأخلاقها، وهي كلها غريبة عن حياة أولاد الله، فصارت كأنها من نسلهم، مع أنها من نسل عبرانى، أي من نسل إبراهيم الذي عبر من أور الكلدانيين إلى كنعان. فقد تركت أورشليم أصلها الروحي وهو إبراهيم، وارتبطت بالوثنيين، أي بكنعان الملعون من أبيه، فصارت وكأنها من نسلهم.
ع4: تقمطى : تُلفى بلفائف.
يشبه أورشليم بطفلة مولودة مرذولة لم يعتنِ بها أحد، فلم تقطع سرتها، أي ظلت مرتبطة بالحبل السرى الذي يغذيها من أصلها الوثني، أي استمرت تتغذى بالشر. وهذا يرمز لبقاء الخطية الجدية في الإنسان الذي لم يتمتع بفداء المسيح. ولم تجد هذه الطفلة من يهتم بحميمها بالماء لينظفها من أوساخها، ولم تجد من يستخدم الملح لحفظها من الفساد، إذ أن الملح دائمًا مادة تستخدم للحفظ، أي تركت مهملة، ولم تجد من يلفها بأى قطعة قماش، بل ألقيت عارية على الأرض.
ع5: هكذا نجد أورشليم في أسوأ صورة كطفلة عارية ملوثة بأوساخها، ملقاة في الحقل، ومحوطة بكل ما هو كريه، ويقصد كل ما يتصل بعبادة الأوثان المكروهة من الله. أي أنها عاشت في أرض كنعان ملوثة بالشرور.
ع6: هذه هي الحالة التي رآها فيها الله وحزن جدًا لابتعادها عنه، بعد أن أخرجها من مصر بذارع رفيعة، وسكن في وسطها في برية سيناء، وأدخلها إلى أرض الميعاد، لكنها تركته وانغمست في عبادة الأوثان. ومرور الله بها يرمز للتجسد الإلهي الذي تقدم ليحل مشكلتها؛ لأنها تكاد تموت من الرذل والإهمال التي هي ملقاة فيه. ومعنى بدمك عيشى، أي تركها الله مدة طويلة لعلها ترجع إليه، ولكنها رفضت، فتخلى عنها لتختبر نتيجة الشر وتُذل، وهذا ما أختبرته في عصر القضاة، لعل هذا يدعوها للعودة إليه بالتوبة. فتخلى الله عنها معناه طول أناة منه، فعاشت مُذلة بالدم الذي يحوطها، أي الخطية والشر الذي ارتبطت به. ومدوسة من الوثنيين الذين ارتبطت بهم، فأصبحت تنزف ومحاطة بالدم في ذل شديد. وتكرار عبارة بدمك عيشى يؤكد أن الله تركها مدة طويلة ولم تتب.
ليتك تحاسب نفسك لتكتشف خطاياك مهما كانت ثقيلة وصعبة، ولكن هذا هو بداية الحل لتقدم توبة وتجد بسرعة يد الله ممدودة وهذا لمعونتك.
(2) الله يجمل عروسه ( ع7-14)
7- جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَكَبُرْتِ، وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ، وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 8- فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي. 9- فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، 10- وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، 11- وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ. 12- وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ. 13- فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. 14- وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ كَانَ كَامِلًا بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع7: "جعلتك ربوة كنبات الحقل فربوت وكبرت"
جعلت أعدادك مثل نباتات الحقل تزداد بالربوة، وهي عشرة آلاف، أي أصبح عدد شعب الله كثير، عشرات الألوف. وهي بركة من الله فازدادوا جدًا في مصر رغم ظلم المصريين لهم ومحاولة استئصالهم وتقليل عددهم، فعلى قدر ما أذلوهم نموا وكثروا.
"وبلغت زينة الأزيان"
أصبحت عظيمة وجميلة مزينة بكل زينة، أي أن الله أعطى شعبه بركات كثيرة بين الشعوب.
والعجيب، رغم أن الله يعرف شر شعبه، ولكنه يراهم كعروس له قد بلغت زينة الأزيان، أي جميلة جدًا في نظره، وليس في ذاتها فهي مملوءة شرًا لاختلاطها بعبادة الأوثان لكنها جميلة جدًا ببركته.
"نهد ثدياك ونبت شعرك"
أى كبر ثدياك وطال شعرك وهي كلها علامات البلوغ والنضج عند المرأة. وهذا يرمز إلى النضج الروحي، فأصحبت قادرة على الفهم والتمييز لتعيشى في الخير وترفضى الشر. والثديان يستخدمان في الرضاعة، أي أصبحت قادرة أن تغذى بنيك وتعليمهم وصايا الله. والثديان يرمزان أيضًا إلى الناموس والأنبياء في العهد القديم.
"وقد كنت عريانة وعارية"
أى متجردة من ثيابك بسبب الخطية الجدية، وعارية بسبب خطاياك الخاصة. وتعنى أيضًا أنها عريانة بسبب الخطية، وعارية بسبب حاجتها للبر الذي في المسيح. والمعنى أن عريسها وجدها غير مكتسية بثياب العرس، أي ثياب البر. وتكرار وصفها بالعرى هو لتأكيد شرها وابتعادهاعن الله.
بارك الله شعبه الذي يشبهه بطفلة صغيرة ملقاة في الحقل، أي في العراء، وملطخة بدمها، ومدوسة من الأمم الوثنية المحيطة. ومع هذا لم يتركها بل باركها، فزادت عددًا، ونضجت في الفهم الروحي، أي صارت عروسًا يمكن أن تتزوج بعريسها. ولكن للأسف كانت عارية من ثياب البر، ومع هذا فهي جميلة في عينى عريسها رغم نجاستها وتلطخها بالدم وازدراء الناس بها وإهمالها، فهي مازالت ملقاة على الأرض بعريها.
ع8: "فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب"
يشير هنا إلى تجسد المسيح، عندما نظر الله إلى شعبه فوجده مذلولًا بواسطة الرومان الذين يحتلونه واليونانيين بأفكارهم وعبادتهم النجسة، أي أن شعبه شعر بحاجته، بل والعالم كله شعر بحاجته لله. فزمن الحب ليس الوقت الذي أحبها فيه الله، بل وجدها مستعدة وشعرت باحتياجها لحبه، فتجسد ليفديها.
"فبسطت ذيلى عليك"
كانت الوسيلة المعروفة قديمًا لإعلان زواج إنسان من امرأة، أن يبسط ذيل ثوبه، أو عباءته عليها، كما فعل بوعز مع راعوث (را3: 9). وهذا يرمز إلى أن المسيح أعلن مسئوليته عنها بموته على الصليب لفدائها هي والبشرية كلها.
"وسترت عورتك"
غطى بحبه ومجده خزى الخطية، وأزاله بدفع الدين على الصليب، فأسس كنيسة نقية، وصار هذا هو شعبه، أي إسرائيل الجديد.
"فحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لى"
قطع الله عهدًا مع شعبه، أي كنيسته بالدم الفادى على الصليب، والذي يعطيه لكنيسته في الأسرار المقدسة. وبهذا اشترى كنيسته بدمه فصارت ملكًا وعروسًا له.
عندما نضج شعب الله وشعر باحتياجه إليه، تجسد المسيح وفداه وستر عليه وقطع عهدًا معه بالدم، فصار المؤمنون به ملكًا وعروسًا له.
ع9: "فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك"
قام العريس بتطهير عروسه من خطاياها بدمه الفادى، وأعطاها هذا الحميم في سر المعمودية.
"ومسحتك بالزيت"
وبعد ذلك دهنها العريس بالزيت لتصير جميلة بتكريسها له في سر الميرون وحلول الروح القدس وسكناه فيها.
بدأ إعدادها للزواج بحميمها في سر المعمودية ومسحها بالزيت في سر الميرون.
ع10: "وألبستك مطرزة"
إذ كانت عارية احتاجت إلى ثياب البر، فألبسها عريسها ثيابًا مطرزة، أي حياة نقية مزينة بالفضائل.
"نعلتك بالتخس"
التخس هو نوع سميك من جلد الحيوانات البحرية، وكانوا يغطون به خيمة الاجتماع من الخارج لحمايتها. وهو جلد قوى، ولكن ليس له بهاء في شكله، فهو يصلح أن يكون نعلين لعروس المسيح لأن المسيح لا صورة له ولا منظر وهو معلق على الصليب، ولكن فيه كل القوة لفداء وحماية عروسه. فإذ تلبس التُخس، لا تخاف أن تصاب بالشوك والحسك اللذين في الأرض وهما نتجا عن الخطية، لأنها محمية بهذا الجلد السميك الذي يرمز لفداء المسيح.
"أزرتك بالكتان"
الإزار هو الثوب الخارجي، وصنعه من الكتان يعنى النقاوة، فغطاها عريسها بالنقاوة.
"وكسوتك بزًا"
البز هو الحرير الخالص، فتغطية العريس لعروسه بالبز يعنى تجميلها بحياة البر والفضيلة؛ لأن البز هو تبررات القديسين (رؤ19: 8). بدأ العريس يكسو عروسه بالبر والفضائل ويحمى رجليها من الخطية لتحيا له في القداسة.
ع11: "وحليتك بالحلى"
استمر العريس في تجميل عروسه فأعطاها حلى هي الفضائل.
"فوضعت إسورة في يديك"
الأساور هي نعمة الله التي تبارك أعمال العروس؛ لأن اليد ترمز للعمل.
"وطوقًا في عنقك"
الطوق الذهبى الذي يوضع حول الرقبة يعلن المُلك والبهاء والعظمة، وبعد أن كان العنق مذلًا تحت نير الخطية أصبح مزينًا بالفضيلة. اهتم العريس بحلى عروسه التي في يديها وفى عنقها فتكون بارة في أعمالها وفى اشتياقاتها.
ع12: "ووضعت خزامة في أنفك"
يستكمل العريس تزينها فيضع خزامة، وهي حلقة من الذهب تثبت في الأنف لتشم هذه الأنف رائحة البخور الذي هو صلوات القديسين (رؤ5: 8) فتشاركهم الصلاة.
+ "وأقراطًا في أذنيك"
الأقراط هي حلقات ذهبية توضع في الآذان لتجميلها والمقصود تجميل أذنى العروس لتسمع صوت الله، أي تجميلها بكملة الله.
"وتاج جمال على رأسك"
التاج يوضع على رأس الملكة ليعطيها جمالًا وعظمة، فاعتبرها عريسها ملكة؛ لأنها اقترنت به الذي هو ملك الملوك.
اهتم العريس بتقديس حواس عروسه وتتويجها ملكة لتملك معه في السماوات.
ع13: "فتحليت بالذهب والفضة"
الذهب يرمز للسماويات، والفضة لكلمة الله، أي أن الكنيسة عروس المسيح صار فكرها سماويًا ومتحليًا بكلمة الله.
+ "ولباسك الكتان والبز والمطرز"
تمتعت العروس بملابس البر والنقاوة والفضيلة.
+ "وأكلت السميذ والعسل والزيت"
السميذ هو أفخر أنواع الدقيق والذي يعمل منه القربان المقدس، أي أن العروس تغذت بجسد الرب في سر التناول.
والعسل هو كلام الله الذي مثل الشهد (حز3: 3).
والزيت هو عمل الروح القدس الدائم في الكنيسة في الأسرار ووسائط النعمة. أي أن العروس تمتعت بالغذاء والحياة وعمل الروح القدس فيها.
+ "وجملت جدًا جدًا فصلحت لمملكة"
صارت العروس جميلة جدًا واستحقت بمسيحها أن تملك وترث ملكوت السموات.
إذ لبست العروس ملابس البر والنقاوة، وتزينت بكلمة الله والميل السماوى وكل فضيلة وتغذت بالأسرار المقدسة وعمل النعمة، واستحقت أن يملك على قلبها المسيح وتملك معه في السماء.
ع14: "وخرج لك اسم في الأمم لجمالك"
صارت العروس جميلة ومنيرة وسط العالم لأن أولاد الله نور العالم.
+ "لأنه كان كاملًا ببهائى الذي جعلته عليك يقول السيد الرب"
كان جمال العروس كاملًا لأنها اخذته من عريسها الذي هو الله الكامل، وصارت كاملة في مجدها.
صارت عروس المسيح الكنيسة جميلة بجماله ومنيرة للعالم كله؛ لتعلن المسيح في حياتها، فتؤثر في الكثيرين.
ما أعجب عملك يا الله في ضعفى، فأنت تعرف خطاياى ونجاساتى، ومع هذا تحبنى وتطيل أناتك علىّ حين أحتاج إليك، وتدعونى للتوبة، وتسندنى بنعمتك، وتكسونى ببرك، وتجملنى بفضائلك. فأعطنى يا إلهي أن أشعر بعظمة مكانى عندك لأتمسك بالحديث الدائم معك، وأظل أتمتع بأحضانك، وإن سقطت في الخطية أعود بالتوبة إلى أحضانك ثانية.
(3) خيانة العروس لعريسها ( ع15-34)
15- «فَاتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ، وَزَنَيْتِ عَلَى اسْمِكِ، وَسَكَبْتِ زِنَاكِ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ فَكَانَ لَهُ. 16- وَأَخَذْتِ مِنْ ثِيَابِكِ وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَاتٍ مُوَشَّاةٍ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. أَمْرٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يَكُنْ. 17- وَأَخَذْتِ أَمْتِعَةَ زِينَتِكِ مِنْ ذَهَبِي وَمِنْ فِضَّتِي الَّتِي أَعْطَيْتُكِ، وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ صُوَرَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. 18- وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ الْمُطَرَّزَةَ وَغَطَّيْتِهَا بِهَا، وَوَضَعْتِ أَمَامَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. 19- وَخُبْزِي الَّذِي أَعْطَيْتُكِ، السَّمِيذَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ الَّذِي أَطْعَمْتُكِ، وَضَعْتِهَا أَمَامَهَا رَائِحَةَ سُرُورٍ. وَهكَذَا كَانَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 20- «أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي، وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَامًا. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ 21- أَنَّكِ ذَبَحْتِ بَنِيَّ وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا؟ 22- وَفِي كُلِّ رَجَاسَاتِكِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، إِذْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَكُنْتِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ. 23- وَكَانَ بَعْدَ كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، 24- أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ. 25- فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ.26- وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي. 27- «فَهأَنَذَا قَدْ مَدَدْتُ يَدِي عَلَيْكِ، وَمَنَعْتُ عَنْكِ فَرِيضَتَكِ، وَأَسْلَمْتُكِ لِمَرَامِ مُبْغِضَاتِكِ، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، اللَّوَاتِي يَخْجَلْنَ مِنْ طَرِيقِكِ الرَّذِيلَةِ. 28- وَزَنَيْتِ مَعَ بَنِي أَشُّورَ، إِذْ كُنْتِ لَمْ تَشْبَعِي فَزَنَيْتِ بِهِمْ، وَلَمْ تَشْبَعِي أَيْضًا. 29- وَكَثَّرْتِ زِنَاكِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَبِهذَا أَيْضًا لَمْ تَشْبَعِي. 30- مَا أَمْرَضَ قَلْبَكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِذْ فَعَلْتِ كُلَّ هذَا فِعْلَ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ سَلِيطَةٍ، 31- بِبِنَائِكِ قُبَّتَكِ فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق، وَصُنْعِكِ مُرْتَفَعَتَكِ فِي كُلِّ شَارِعٍ. وَلَمْ تَكُونِي كَزَانِيَةٍ، بَلْ مُحْتَقَرةً الأُجْرَةَ. 32- أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ، تَأْخُذُ أَجْنَبِيِّينَ مَكَانَ زَوْجِهَا. 33- لِكُلِّ الزَّوَانِي يُعْطُونَ هَدِيَّةً، أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَعْطَيْتِ كُلَّ مُحِبِّيكِ هَدَايَاكِ، وَرَشَيْتِهِمْ لِيَأْتُوكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلزِّنَا بِكِ. 34- وَصَارَ فِيكِ عَكْسُ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي زِنَاكِ، إِذْ لَمْ يُزْنَ وَرَاءَكِ، بَلْ أَنْتِ تُعْطِينَ أُجْرَةً وَلاَ أُجْرَةَ تُعْطَى لَكِ، فَصِرْتِ بِالْعَكْسِ.
ع15: أعطى الله شعبه إسرائيل بركات كثيرة، ولكن للأسف استخدم هذه البركات أسوأ استخدام، إذ قدمها لعبادة الأوثان التي عبدتها الشعوب الوثنية المحيطة، بالإضافة إلى اتكاله على نفسه وشعوره بعظمته الشخصية، وبالتالي فأى نجاح يحققه في كل نواحى الحياة ينسبه لنفسه وليس لله، فهو زنى روحي لتعلقه بنفسه وليس بالله؛ لأن الكبرياء زنى مع النفس. فأعطت عروسه قلبها لكل من يعبر بها، أو يخالطها من الشعوب الوثنية، فتأثرت بهم بدلًا من أن تؤثر فيهم، وتعلن لهم إلهها القدوس، بل أصبحت معثرة للآخرين لكثرة الآلهة الوثنية التي فيها، وبدلًا من أن تستخدم اسمها العظيم الذي أعطاها لها الله بقوته لمجده صار للشر.
ع16: ثيابك : بركات الله وخيراته المعطاة لشعبه.
بدلًا من تقديم ذبائح لله وعبادة مقدسة، عمل شعبه مرتفعات بنى عليها معابد ومذابح للأوثان، وزينها بالأعمدة والتماثيل المختلفة، وزاد عدد العبادات الوثنية بدرجة لم توجد مثلها في كل الشعوب المحيطة.
وهكذا الإنسان المتهاون يترك حواسه تتدنس بالشر، مع أنه كان ينبغى أن يحيا مكرسًا لمحبة الله.
ع17: استخدم شعب الله الغنى الذي وهبه الله له، والممثل بالذهب والفضة، لعمل معابد للأوثان وتماثيل ذكور إرضاء للآلهة الوثنية، ولم يفطن أنها بركات الله التي ينبغى أن تقدم له، وليس للشياطين أعدائه.
ع18: يظهر هنا مدى فجور شعب الله، إذ استخدموا بركاته لشرورهم وعبادتهم السخيفة المقدمة للأوثان. فبعد أن كانت العروس عريانة وتغطت بالثياب المطرزة، أخذت هذه الثياب وغطت بها الأصنام التي صنعتها، فابتعدت عن عريسها، وصارت عارية من كل بر. وبدلًا من أن تقدم الزيت والبخور لله قدمته للأوثان.
فالزيت يرمز لعمل الروح القدس الذي يقدس أرواح شعب الله، ولكن للأسف تعلقت أرواح شعب الله بالأوثان، أي تعلقت مشاعر العروس الزانية بالشر. والبخور يرمز إلى صلوات القديسين المرفوعة أمام الله. الآن هذه العروس الزانية تقدم صلواتها للأوثان، وهكذا عادت إلى خزيها وعريها بفقدها ثياب البر وحب عريسها السماوى.
ع19: أطعم الله عروسه، أي شعبه بخيرات كثيرة. بالمعنى المباشر أعطاها أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا، أي مملوءة من الخيرات، مثل الحنطة التي ينتج منها أفخر أنواع الدقيق (السميذ)، والأطعمة المستخرجة من ثمار الأرض اللذيذة التي يعبر عنها بالعسل، والزيتون المنتشر في أرض الميعاد المستخرج منه الزيت.
وبالمعنى الروحي يرمز السميذ إلى جسد الرب ودمه، والعسل إلى كلمة الله، والزيت لعمل الروح القدس.
كل هذه العطايا بدلًا من أن تتحول إلى طاقة شكر لله، أخذتها عروسه الزانية، وقدمتها لإرضاء الآلهة الغريبة، وقدمت نفسها بكل ما تغذته من هذه الأطعمة؛ لتكون حياتها إرضاءً لهذه الآلهة، كم يكون هذا قاسيًا على قلب الله عريسها؟!
راجع نفسك يا أخى لتعرف قدراتك وعطايا الله لك، وهل تقدمها لله أو يسرقها الشيطان في شرور كثيرة لحسابه؟ راجع نفسك وتب لتعيد لله ممتلكاته، أي نفسك الغالية، وكل عطاياه تكون لمجده.
ع20، 21: يعاتب الله عروسه الخائنة، أي شعبه بأنه قد وهبها بنين وبنات بكثرة، حتى أثناء وقت الذل والعبودية في مصر، وأيام الاجتياز في برية سيناء القاحلة فكيف تتعلق بالآلهة الوثنية؟! وتقدم لها ليس فقط ممتلكاتها المادية التي وهبها إياها الله، بل أكثر من هذا تقدم بنيها وبناتها ذبائح بشرية للآلهة الوثنية، مثل الإله مولك إله العمونيين، الذي كانوا يقدمون له الأطفال ليحترقوا على يديه الملتهبتين بالنار، وأصوات الطبول العالية تغطى على صراخ الأطفال حتى يموتوا. فهذا الإله كان تمثاله مصنوعًا من النحاس الأجوف يمثل رجلًا جالسًا ممدود اليدين، ويضعون النار تحته، فيصير النحاس ساخنًا جدًا حتى درجة الإحمرار، ثم يضعون على يديه الأطفال. إلى هذه الدرجة سيطر الشيطان على عقول الناس وقلوبهم، فعملوا هذه الأعمال الوحشية ضد أبنائهم. ويتساءل الله هل هذا الزنى قليل، أو هل هناك زنى روحي وتعلق بالأصنام أكثر من هذا.
وهذا يرمز إلى إنشغال الإنسان بالمال، أو الجنس، أو الكبرياء، فيقدم طاقاته لها مهما فقد من أمور غالية، وحتى لو فقد حياته، ظانًا بهذا أنه يصير قويًا وسعيدًا، مع أنه يحترق لأجل الشيطان وهو لا يدرى.
ع22: وفيما العروس الخائنة تجرى وراء الشيطان نسيت حالتها الأولى، عندما كانت عارية من نعمة الله، وعريانة من كل بر وفضيلة، ومدوسة ومذلولة وملطخة بدمائها وشكلها قبيح. فها هي عادت إلى هذا الشكل بعد أن نقاها الله وجدد حياتها ومجدها. إنها فقدت مجدها وعادت إلى ذلها مرة أخرى
ع23: الله لم يهدأ عن تنبيه عروسه الخائنة وتوبيخها وتحذيرها بالويلات حتى تتوب، ولكنها تتمادى للأسف في شرها في عبادة الأوثان.
ع24: أكثر شعب الله من بناء معابد للأوثان، فصنع أماكن لها قباب في الشوارع المختلفة للمدن، وأيضًا على الأماكن العالية أقاموا عبادات لآلهة السماء، مثل عبادة الشمس والقمر والنجوم وهذا يرمز إلى كثرة الشهوات التي يسقط فيها الإنسان، فيدنس حواسه وأعضاءه المختلفة.
ع25: فى بداية كل طريق من طرق المدينة الرئيسية، بنت العروس معابد على المرتفعات. فأتلفت جمالها الذي وهبه الله إياها. فأصبحت مستعدة للزنى مع أي أجنبى يعبر بها، فتفتح رجليها له لتزنى معه، أى تقبل الآلهة الوثنية الجديدة التي للشعوب المحيطة، وتبنى لها معابد وتقدم لها عبادات. وهكذا أصبح الزنى هو الشئ الطبيعي في كل طرق المدينة، أي انتشرت عبادة الأوثان في كل مكان.
وهذا يرمز إلى سيطرة الأفكار والكلمات والأعمال الشريرة على أولاد الله، وجريهم وراء كل جديد من الشر؛ ليلتصقوا به، فيصيروا زناة كل يوم أكثر مما قبله. ويتكلم الله هنا بكلام مباشر عن تفاصيل الزنى الروحي لشعبه؛ ليبين لهم شناعة خطيتهم.
ع26: الغلاظ اللحم : المتكبرون.
لم تكتفِ عروس الله الخائنة بالزنى، أي الالتصاق بالآلهة الوثنية للشعوب المحيطة بها، مثل الفلسطينيين والموآبيين والعمونيين والآدوميين، بل أكثر من هذا تذكروا آلهة مصر الوثنية، وعادوا ليعبدوها في أرض كنعان. وهكذا عادت للزنى مع مصر المتكبرة التي أذلتها مئات السنين. وقد زنى شعب الله مع مصر عندما اتكل عليها وعقد معاهدات معها، بدلًا من أن يتكل على الله.
ويرمز أيضًا لتذكر الإنسان خطاياه القديمة، فيستعيدها ويسقط فيها ثانية.
وهذا يرمز إلى جرى الإنسان وراء الخطية فيقبلها حتى ممن يتكبر عليه ويذله.
ع27: فريضتك : الخبز والأطعمة الأساسية لحياة الإنسان.
في محاولة من الله لإرجاع عروسه الخائنة، أعلن غضبه عليها، فمنع عنها احتياجاتها المادية، أى سمح بالجوع والوبأ لعلها ترجع إليه وتتوب. وبعد هذا سمح لها أن تذل في الحروب مع الفلسطينيين جيرانها، ورغم أن الفلسطينيين يعبدون الأوثان، ولكن تفوق شعب الله في كثرة الأوثان أخجل الفلسطينيين من هذه العبادات الكثيرة، وكل ما يتصل بها من إتمام للشهوات الردية، أي أصبح أهل العالم غير محتملين لزيادة شر أولاد الله، وصاروا يوبخون أولاد الله من أجل شرورهم.
ع28: امتد زنى العروس الخائنة للأشوريين - الذين سيطروا على العالم واحتلوا مملكة إسرائيل، المملكة الشمالية - فأخذ اليهود آلهة الأشوريين أيضًا وعبدوها. وهذا يرمز للانسياق وراء المسيطرين والقادة في العالم في كل ما يتبعونه من خطايا لا ترضى الله.
ع29: وعندما قامت الإمبراطورية البابلية وسيطرت على العالم، بما فيه بلاد اليهود، وأخذت بالوثنيين اليهود وبعثرتهم في أرجاء مملكتها، اختلطوا بالوثنيين وعبدوا آلهتهم، أي آلهة بابل التي كانت تقود العالم وقتذاك. ويرمز هذا لاتباع الرئاسات في شرورها.
ع30: سليطة : وقحة وجريئة في الشر.
يتعجب الله من أجل جرأة عروسه الخائنة في الشر، فهي لا تعمل كل ما سبق بخجل، أو في الخفاء، ولكنها تعمله بوقاحة وبجاحة غريبة.
إن أخطأت راجع نفسك، خاصة إن وبخك أحد. وإياك أن تبرر خطاياك وتتمادى فيها؛ فتفقد تمييزك، وتفتخر بالشر، وتصير مصدرًا للشر لكل من حولك.
ع31-34: من محبة العروس الخائنة للخطية أصبحت تكافئ كل من يزنى معها، أي كل من يدعوها لعبادة الأوثان، أو عمل أية شهوات شريرة، وهذا بخلاف العرف السائد في العالم الشرير، أنهم يدفعون مكافآت لإسقاط الأبرياء.
عندما عقد شعب الله معاهدات مع البلاد المجاورة، مثل أشور؛ لتحميه، كان من شروط المعاهدة أن يقدم شعب الله العبادة لآلهة الأمم الغريبة، ويدفعون هدايا ثمينة لهذه الشعوب لتحميهم، أي اتكلوا على هذه الشعوب بدلًا من الله، وعبدوا أوثانهم بدلًا منه، وقدموا لهذه الشعوب هدايا تأكيدًا لتعلقهم بالزنى الروحي. وهذا يرمز لمن يجرى وراء الخطية، ويبذل أمواله وممتلكاته وطاقاته حتى يحصل عليها، فهو أصبح مصرًا على الشر، يدبر له، ويبذل من أجله، وليس إنسانًا ساذجًا يغوونه بالمكافآت المادية حتى يفعل الشر. كل ما مر من شرور، أو صفات سيئة للعروس الخائنة تم مع شعب الله في أوقات مختلفة وتزايد جدًا في النهاية، حتى اضطر الله أن يسمح لهم بالسبي الأشوري، ثم السبي البابلي.
(4) الله يؤدب شعبه ( ع35-51)
35- «فَلِذلِكَ يَا زَانِيَةُ اسْمَعِي كَلاَمَ الرَّبِّ: 36- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أُنْفِقَ نُحَاسُكِ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُكِ بِزِنَاكِ بِمُحِبِّيكِ وَبِكُلِّ أَصْنَامِ رَجَاسَاتِكِ، وَلِدِمَاءِ بَنِيكِ الَّذِينَ بَذَلْتِهِمْ لَهَا، 37- لِذلِكَ هأَنَذَا أَجْمَعُ جَمِيعَ مُحِبِّيكِ الَّذِينَ لَذَذْتِ لَهُمْ، وَكُلَّ الَّذِينَ أَحْبَبْتِهِمْ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ، فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ حَوْلِكِ، وَأَكْشِفُ عَوْرَتَكِ لَهُمْ لِيَنْظُرُوا كُلَّ عَوْرَتِكِ. 38- وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ أَحْكَامَ الْفَاسِقَاتِ السَّافِكَاتِ الدَّمِ، وَأَجْعَلُكِ دَمَ السَّخْطِ وَالْغَيْرَةِ. 39- وَأُسَلِّمُكِ لِيَدِهِمْ فَيَهْدِمُونَ قُبَّتَكِ وَيُهَدِّمُونَ مُرْتَفَعَاتِكِ، وَيَنْزِعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ، وَيَأْخُذُونَ أَدَوَاتِ زِينَتِكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 40- وَيُصْعِدُونَ عَلَيْكِ جَمَاعَةً، وَيَرْجُمُونَكِ بِالْحِجَارَةِ وَيَقْطَعُونَكِ بِسُيُوفِهِمْ، 41- وَيُحْرِقُونَ بُيُوتَكِ بِالنَّارِ، وَيُجْرُونَ عَلَيْكِ أَحْكَامًا قُدَّامَ عُيُونِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ. وَأَكُفُّكِ عَنِ الزِّنَا، وَأَيْضًا لاَ تُعْطِينَ أُجْرَةً بَعْدُ. 42- وَأُحِلُّ غَضَبِي بِكِ فَتَنْصَرِفُ غَيْرَتِي عَنْكِ، فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ. 43- مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، بَلْ أَسْخَطْتِنِي فِي كُلِّ هذِهِ، فَهأَنَذَا أَيْضًا أَجْلِبُ طَرِيقَكِ عَلَى رَأْسِكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَلاَ تَفْعَلِينَ هذِهِ الرَّذِيلَةَ فَوْقَ رَجَاسَاتِكِ كُلِّهَا. 44- «هُوَذَا كُلُّ ضَارِبِ مَثَل يَضْرِبُ مَثَلًا عَلَيْكِ قَائِلًا: مِثْلُ الأُمِّ بِنْتُهَا. 45- اِبْنَةُ أُمِّكِ أَنْتِ، الْكَارِهَةُ زَوْجَهَا وَبَنِيهَا. وَأَنْتِ أُخْتُ أَخَوَاتِكِ اللَّوَاتِي كَرِهْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَأَبْنَاءَهُنَّ. أُمُّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وَأَبُوكُنَّ أَمُورِيٌّ. 46- وَأُخْتُكِ الْكُبْرَى السَّامِرَةُ هِيَ وَبَنَاتُهَا السَّاكِنَةُ عَنْ شِمَالِكِ، وَأُخْتُكِ الصُّغْرَى السَّاكِنَةُ عَنْ يَمِينِكِ هِيَ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا. 47- وَلاَ فِي طَرِيقِهِنَّ سَلَكْتِ، وَلاَ مِثْلَ رَجَاسَاتِهِنَّ فَعَلْتِ، كَأَنَّ ذلِكَ قَلِيلٌ فَقَطْ، فَفَسَدْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فِي كُلِّ طُرُقِكِ. 48- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّ سَدُومَ أُخْتَكِ لَمْ تَفْعَلْ هِيَ وَلاَ بَنَاتُهَا كَمَا فَعَلْتِ أَنْتِ وَبَنَاتُكِ. 49- هذَا كَانَ إِثْمَ أُخْتِكِ سَدُومَ: الْكِبْرِيَاءُ وَالشَّبَعُ مِنَ الْخُبْزِ وَسَلاَمُ الاطْمِئْنَانِ كَانَ لَهَا وَلِبَنَاتِهَا، وَلَمْ تُشَدِّدْ يَدَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ،50- وَتَكَبَّرْنَ وَعَمِلْنَ الرِّجْسَ أَمَامِي فَنَزَعْتُهُنَّ كَمَا رَأَيْتُ. 51- وَلَمْ تُخْطِئِ السَّامِرَةُ نِصْفَ خَطَايَاكِ. بَلْ زِدْتِ رَجَاسَاتِكِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ، وَبَرَّرْتِ أَخَوَاتِكِ بِكُلِّ رَجَاسَاتِكِ الَّتِي فَعَلْتِ.
ع35، 36: يذكر الله عروسه الخائنة بخطاياها، وهي أنها قدمت كل خيراتها التي وهبها الله لها، كل ما على أرضها، بل وحتى ما في باطن الأرض من معادن، كالنحاس وهو من المعادن الغالية القيمة، كل مقتنيات العروس قدمتها لعبادة الأوثان وللشر بكل نوع، حتى قدمت في النهاية كل طاقاتها وأغلى ما عندها وهو بنيها، الذين قدمتهم ذبائح بشرية للأوثان. وهذا معناه أنها أضاعت كل ما عندها وبذلته للشيطان، ورفضت الله تمامًا.
ع37: لذذت لهم : الذين تلذذوا بك.
يعلن الله تأديبه لعروسه، أي شعبه، بأنه سيفضحها ويظهر ضعفها وخزيها، عندما يعاقبها وتجتمع حولها كل الشعوب، التي أخذت عبادتهم الوثنية وتصادقت معهم في الشر، أو الذين كانوا يعادونها، الكل سيجتمع لينظر فضيحتها وعقاب الله الشديد لها، عندما تدمرها بابل وتحرقها بالنار. والله يسمح بهذا حتى تتعظ كل الشعوب؛ لأنه إن كان قد فعل هكذا بعروسه فكم يفعل بباقى الشعوب؟ فهي دعوة لكل الشعوب حتى تخاف الله، وينذرها بهذا لتؤمن به وترجع إليه.
ع38: الفاسقات : المتماديات في الزنى والانحرافات الجنسية.
السافكات الدم : العنيفات جدًا لدرجة قتل الآخرين.
عقوبة الله لعروسه الخائنة الزانية هي العقوبة التي توقع على الفاجرات والقاتلات. إن الإعدام هو أصعب عقوبة يعرفها العالم لمثل هذه الجرائم، والله سيدمر أورشليم ويحرقها بالنار. وهكذا تسيل دماء عروسه لأن سخط الله، أي غضبه الشديد قد أتى عليها، بسبب غيرته القوية عليها؛ لأنه أحبها محبة كاملة، وهي خائنة خيانة كاملة، أي استهانت ورفضت حبه تمامًا.
ع39: عندما تهجم بابل على أورشليم ستدمرها تمامًا، وتدمر كل معابد الأوثان التي فيها، مع هيكل الرب الذي ستحرقه، وتتعرى أورشليم من كل بهائها ومجدها، وتهدم قصورها وكل ما تزينت به، وهكذا تصير مهجورة وعريانة من كل بهائها. فالله لابد أن يزيل الشر تمامًا ويبيد الأشرار، بعد أن أطال أناته عليهم طويلًا، وأعطاهم من محبته الكثير والكثير.
ع40: ستهجم جيوش بابل بأعداد ضخمة على أورشليم، ويصعدون مرتفعاتها، ويدمرونها، ويقتلون كل من يصادفهم فيها وخاصة العظماء والرؤساء.
وهذا يرمز إلى أن الله يسمح بأن يفقد الإنسان كل قوته وجماله الذي استخدمه في الشر حتى يكاد يموت، لعله بهذا يتوب ويرجع عن شره، ومن ناحية أخرى عندما يقتل الكثيرين ويهلكون فالبقية، إذ تفقد كل قوتها وغناها، تعود لله، وهذا ما حدث مع سكان أورشليم.
ع41: نساء كثيرة : الشعوب المحيطة.
ستحرق جيوش بابل أورشليم والأسوار والهيكل والقصور، ويدمرون كل ما يقابلهم، ويقتلون بعنف، ويعملون فضائح لم تحدث من قبل، كل هذا يتم أمام الشعوب المحيطة بأورشليم، فهي إن كان يشبهها بعروس، فالنساء المحيطة، أي الشعوب المحيطة، ترى كل هذا التدمير وتتعجب لتخلى إلهها عنها. وعندما تتساءل هذه الشعوب ستعرف أن السبب هو تمادى أورشليم في الزنى، وسيرون الباقين في أورشليم قد ابتعدوا عن عبادة الأصنام وكل الشهوات الشريرة. ولا تطلب وقتذاك أجرة، أي ماديات، من الشعوب المحيطة كما كانت ترضى قديمًا الشعوب الوثنية، وتضمن التحالف معهم بإقامة معابد لأوثانهم داخل أورشليم. أما الآن، بعد توبتها، لم تعد أورشليم محتاجة أن تعبد الأوثان، فالباقون فيها يعبدون الله، الذي يحفظهم ويباركهم ويكفيهم بخيراته، وهذا ما حدث بعد الرجوع من السبي.
ع42: بتنفيذ هذه العقوبة وتدمير أورشليم يكون الله قد سكب غضبه عليها، ونالت عقابها، فتهدأ غيرته على هيكله، وعلى نفوس أولاده، الذين باعوه، وأسلموا نفوسهم للشر. وبعد هذا لا يبقى في أورشليم إلا القليلون الذين يخافون الله ويعبدونه، فيهدأ غضب الله ولا يعاقبهم بل يحفظهم ويباركهم.
ع43: يوضح الله سبب العقاب العنيف الذي سيحل بأورشليم، وهو أنها نسيت وأهملت محبة الله التي أعطاها لها حين أخرجها من مصر بالضربات العشر، وعبر بها البحر الأحمر، وعالها في البرية 40 سنة، وسكن في وسطها، وأدخلها أرض الميعاد التي تفيض لبنًا وعسلًا، وأباد من أمامها شعوب كثيرة؛ كل هذا الحب أهملته وارتبطت بالأوثان.
وعلى العكس تذمرت على الله وغضبت عليه بشدة، فلم يعجبها المن في البرية، وحاولت الرجوع إلى مصر، فأتاهها في البرية واحتملها. فالله بعقابه يعاقب شرورها الكثيرة التي احتملها على مدى السنين، والتي زادت جدًا قبل التدمير البابلي؛ حتى لا ترتبط بالأوثان، وهي الخطية الفظيعة التي زادت على كل خطاياها السابقة من التذمر والظلم والشهوات الشريرة مثل الزنى.
ع44: من كثرة شر العروس الخائنة صارت مضربًا للأمثال في الشر بين شعوب العالم، فيقولون مثل الأم إبنتها، أي أن هذه العروس الخائنة مثل أمها، فأجيال الأمة اليهودية كلهم أشرار، بل ويتزايدون في الشر؛ حتى زاد شرهم، فاستحقوا تدمير مدينتهم أورشليم، أي أنهم أصبحوا أشر من آبائهم. ويقصد أيضًا بالأم الشعوب الوثنية المحيطة ببني إسرائيل، كما قال أن أمك حثية في (ع3، 45) فهي تنسب لهن كأم لها بسبب تشابهها معهن في عبادة الأوثان.
ع45، 46: يشبه شعبه بزوجة شريرة في سلوكها، تكره زوجها وبنيها، وتعاملهم معاملة سيئة، والمقصود بزوجها هو الله، وبنوها هم أبناؤها الجسديون الذين تعلمهم الشر؛ ليكونوا بعيدين عن الله مثلها ويعبدون الأوثان.
وهى بهذا تشبه جيرانها الشهيرات بالشر وهن المملكة الشمالية مملكة إسرائيل، ويسميها الأخت الكبرى؛ لأنها تشمل عشرة أسباط. أما العروس الخائنة التي تحدث معها الله، فهي مملكة يهوذا، التي عاصمتها أورشليم، وكانت موجودة في هذا الوقت؛ لأن المملكة الشمالية كانت قد سبيت بالأشوريين، وهي تمثل الشر لانشغالها بعبادة الأوثان.
وأختها الصغرى هي سدوم التي اشتهرت في الكتاب المقدس بالشذوذ الجنسى أيام لوط، وهي مدينة أصغر من مملكة يهوذا، وقد احترقت بالنار من السماء (تك19: 24). ويقارن بها هنا، ليس لأنها موجودة، بل لأنها تمثل الشر، فهي تحت الماء الآن ولا يعرف مكانها إلا أنها جنوب البحر الميت. يوحد الله بين عروسه الخائنة وأختيها السامرة عاصمة مملكة إسرائيل وسدوم، حيث جميعهن أصلهن حثى وأمورى، أي شعوب وثنية، فانتشرت العبادات الوثنية في الثلاثة بلاد، بل واشتهرن بهذه العبادات، إلى هذه الدرجة وصل شعب الله في خيانته له.
إذا تهاون الإنسان في علاقته مع الله، واستباح بعض الشرور، يتعلق بها، بل يصير مثالًا للشر. فكن حريصًا واقطع الخطية من بدايتها، وإن كنت قد توغلت فيها فارجع الآن؛ لأن الله مازال يحبك، ومستعد أن يغفر لك كل خطاياك
ع47، 48: يتعحب الله لتزايد عروسه في شرها، ففاقت البلاد المشهورة في عبادة الأوثان والشر التي دعاها أخواتها، أي مثيلاتها في الشر، وهما السامرة وسدوم، ففاق شر العروس الخائنة شرهما.
ع49، 50: يعلن الله تفاصيل شرور البلاد المشهورة بالشر والتي تفوقت عليها عروسه، فيبدأ هنا بتوضيح شرور سدوم وكل بناتها، أي شعبها، وهي:
الكبرياء : فلم تخضع لله وشعرت بقوتها في ذاتها، وتكبرت على الشعوب المحيطة بها من اجل غناها.
الشبع من الخبز : أي الانشغال بالماديات والترف والبعد عن الله.
سلام الاطمئنان : من أجل غناها وقوة رجالها عاشت في سلام، فأرجعت الفضل في هذا لقوتها وخيراتها، وليس لله الذي أعطاها كل هذا الذي تفعله، أي سدت أبواب التوبة أمام نفسها، لذلك احترقت وفنيت تمامًا، ولم تعد تشعر بوخز الضمير على الزنى.
ولم تشدد يد الفقير : انشغل الأغنياء بلذاتهم وأهملوا الفقراء والمساكين الذين لا يجدون قوتهم اليومى.
عملن الرجس : أي كل النجاسات، سواء عبادة الأوثان، أو الزنى والشذوذ الجنسى وكل الشهوات الشريرة.
في النهاية بعد طول أناة كبير من الله اضطر أن يزيل الشر، كما فعل مع سدوم وأحرقها.
ع51: يهوذا التي عاصمتها أورشليم، وفيها هيكل الله، والتي يسميها الله عروسه، لها أخت ثانية في الشر هي السامرة، ويقصد المملكة الشمالية التي تسمى إسرائيل، وتشمل العشرة أسباط. هذه عبدت الأصنام التي أقامتها، رغم إيمانها بأسفار موسى، وسقطت في شهوات كثيرة. ولكن يعلن الله أن عروسه قد زادت أضعاف عن شر السامرة، إذ يقول أن السامرة لم تفعل نصف شر يهوذا، وبهذا أصبحت السامرة وسدوم بارتين بالمقارنة بيهوذا.
(5) الإصلاح والعودة إلى الله (ع52-63)
52- فَاحْمِلِي أَيْضًا خِزْيَكِ، أَنْتِ الْقَاضِيَةُ عَلَى أَخَوَاتِكِ، بِخَطَايَاكِ الَّتِي بِهَا رَجَسْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ. هُنَّ أَبَرُّ مِنْكِ، فَاخْجَلِي أَنْتِ أَيْضًا، وَاحْمِلِي عَارَكِ بِتَبْرِيرِكِ أَخَوَاتِكِ. 53- وَأُرَجِّعُ سَبْيَهُنَّ، سَبْيَ سَدُومَ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ السَّامِرَةِ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ مَسْبِيِّيكِ فِي وَسْطِهَا، 54- لِكَيْ تَحْمِلِي عَارَكِ وَتَخْزَيْ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلْتِ بِتَعْزِيَتِكِ إِيَّاهُنَّ. 55- وَأَخَوَاتُكِ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَالسَّامِرَةُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَأَنْتِ وَبَنَاتُكِ تَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِكُنَّ الْقَدِيمَةِ.56- وَأُخْتُكِ سَدُومُ لَمْ تَكُنْ تُذْكَرْ فِي فَمِكِ يَوْمَ كِبْرِيَائِكِ، 57- قَبْلَ مَا انْكَشَفَ شَرُّكِ، كَمَا فِي زَمَانِ تَعْيِيرِ بَنَاتِ أَرَامَ وَكُلِّ مَنْ حَوْلَهَا، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ اللَّوَاتِي يَحْتَقِرْنَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. 58- رَذِيلَتُكِ وَرَجَاسَاتُكِ أَنْتِ تَحْمِلِينَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ. 59- « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَفْعَلُ بِكِ كَمَا فَعَلْتِ، إِذِ ازْدَرَيْتِ بِالْقَسَمِ لِنَكْثِ الْعَهْدِ. 60- وَلكِنِّي أَذْكُرُ عَهْدِي مَعَكِ فِي أَيَّامِ صِبَاكِ، وَأُقِيمُ لَكِ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 61- فَتَتَذَكَّرِينَ طُرُقَكِ وَتَخْجَلِينَ إِذْ تَقْبَلِينَ أَخَوَاتِكِ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، وَأَجْعَلُهُنَّ لَكِ بَنَاتٍ، وَلكِنْ لاَ بِعَهْدِكِ. 62 وَأَنَا أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، 63 لِكَيْ تَتَذَكَّرِي فَتَخْزَيْ وَلاَ تَفْتَحِي فَاكِ بَعْدُ بِسَبَبِ خِزْيِكِ، حِينَ أَغْفِرُ لَكِ كُلَّ مَا فَعَلْتِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع52: قاضية : إذا قورنت خطايا يهوذا بخطايا الأمم المحيطة، تحكم وتقضى بأنهن أبرّ منها.
يطالب الله عروسه مملكة يهوذا أن تحمل خزيها، أي تُنخس في قلبها وتشعر بمدى جرمها في حق الله، فهذا هو السبيل الوحيد لإصلاحها، أي أن بدء التوبة هو أن تشعر بخطيتها.
يذكرها الله بأن آثامها الشنيعة وزناها الروحي جعلاها قاضية على أخواتها السامرة وسدوم، فتجعلهن أفضل منها، أي تبررهن، ليس لأن خطاياها أكثر منهن، ولكن لأن فيها هيكل الله وتعرف وصاياه، فكيف تصنع الشر؟! "ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات، يضرب قليلًا. فكل من أعطى كثيرًا يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو12: 48). فرجاسة ونجاسة مملكة يهوذا أكثر؛ لأن خطيتها تجازى بعقوبة أكبر من السامرة، حيث في السامرة اختلطت عبادة الله بعبادة الأصنام التي أقامها يربعام بعد حكم سليمان، وخطايا السامرة أصعب من سدوم؛ لأن سدوم وثنية لا تعرف الله ولا وصاياه.
ثم يطالب الله عروسه مملكة يهوذا بأن تخجل، والخجل نتيجة الخزي، فبعد أن ينخس قلبها وتشعر بشناعة شرورها تكون متضعة أمام الله في دموع التوبة وتخجل؛ لأنها أساءت إلى حبيبها وعريسها، وتطلب غفرانه ليعيدها إلى أحضانه. ويظل خجلها كلما نظرت إلى أخواتها في الشر؛ السامرة وسدوم، وكيف زادت عنهن في الشر وبررتهن؟! فتزداد توبتها أمام الله. مثلما كان بولس الرسول يتذكر خطيته أنه اضطهد كنيسة المسيح، فيزداد اتضاعًا وتوبة. وكما كان يقول داود النبي "خطيتى أمامي دائمًا" (مز51: 3) ليحتفظ بمشاعر التوبة والخجل أمام الله.
ع53: سبى مسبييك في وسطها : شعب مملكة يهوذا المسبيين في إسرائيل وسدوم. ويقصد رجوع المسبيين بيد الأمم إلى الله بالتوبة، وليس الرجوع إلى أورشليم.
تظهر هنا محبة الله الذي يشتاق إلى توبة عروسه، التي بسبب شرها تعرضت للسبى الأشوري والبابلي، وبعده احتلال مادي وفارس، ثم الاحتلال الإغريقى. ولكن يقصد بالأكثر سبى الخطية الذي خضعت له سنينًا طويلة، فتوبتها تعيدها إلى علاقتها الأولى مع الله في محبة العروس لعريسها.
ولكن عندما يعيد المسبيين، يبدأ بإعادة سدوم وبناتها، أي شعبها؛ لأن سدوم أقل شرًا بالقياس بشعب الله. ثم يعيد سبى السامرة وشعبها؛ لأنهم وإن كان أصلهم يهودي إلا أنهم اختلطوا بعبادة الأوثان. ويعود معهم المسبيون شعب مملكة يهوذا، أي بناتها، الذين كانوا يسكنون في سدوم وفى السامرة، فيرجعون كلهم إلى الله. وحتى وقت كتابة هذه الآية لم يكن المسبيون قد عادوا إلى أورشليم؛ ولأنهم كانوا يسكنون حول الهيكل، فشرهم أعظم من الكل، لذلك لم يرحمهم الله إلا في النهاية، أي ترك اليهود الذين كانوا يسكنون أورشليم في احتقار، وذلك لعلهم يتوبون. وكان المفروض أن يكونوا أول التائبين بسبب قربهم من الهيكل، ومعرفتهم بالعبادة ولكن بسبب قساوة قلوبهم انغمسوا في الخطية، ولكن في النهاية تابوا، فأرجع إليهم المسبيين من اليهود بين الأمم، أي عادوا إلى أورشليم في بداية مملكة مادي وفارس.
ع54: يرحم الله شعب سدوم الذين يعودون للإيمان بالله، وهذا يكمل في الإيمان بالمسيح في ملء الزمان. ويرحم أيضًا شعب السامرة، ويرحم كذلك المسبيين من شعب يهوذا في سدوم وفى السامرة. وتخزى مملكة يهوذا، وتشعر بجرم خطيتها وعارها، إذ لم تستحق رحمة الله وبقيت للنهاية بعد هذه الشعوب. ولكثرة خطاياها جعلت هذه الشعوب تتعزى بغفران الله، والإيمان بالمسيح قبلها، فعندما يقول "بتعزيتك إياهن" يقصد أن شرورك جعلتهن يتعزين وينلن مراحم الله وغفرانه. وهذا واضح تاريخيًا، إذ أن اليهود في أورشليم هم الذين اضطهدوا المسيحية، أما الأمم واليهود الساكنين بينهم بعيدًا عن أورشليم، فآمنوا خاصة على يد بولس الرسول. وحتى الآن مازال اليهود في أورشليم وما حولها لم يرجعوا بعد إلى الله ويؤمنوا بالمسيح.
ع55: الحالة القديمة : العلاقة النقية مع الله، كما خلق الله آدم وحواء في الجنة، أي حالة ما قبل السقوط.
أخيرًا يرحم الله شعبه بأن يعيده إلى الحياة النقية قبل السقوط، وذلك من خلال الإيمان بالمسيح وسر المعمودية. وهذا حدث لسدوم أولًا، ثم السامرة، ثم يهوذا. وذلك كما شرحنا في (ع52) لأن خطية يهوذا كانت أكبر من السامرة بسبب وجود هيكل الله عندها ومعرفتها الكاملة لوصاياه.
والمقصود بسدوم والسامرة ليس مدينة سدوم؛ لأنها قد اختفت الآن عن وجه الأرض، كما ذكرنا (ع45، 46) ولكن المقصود الشعوب الوثنية التي تخطئ خطايا كثيرة، كما هو مذكور في (ع49). والمقصود بالسامرة الذين يؤمنون بالله ولهم بعض عقائد خاطئة؛ كل هؤلاء يرحمهم الله ويقبلهم ويؤمنون بالمسيح ويغفر خطاياهم السابقة.
ع56، 57: آرام : تقع شمال شرق بلاد اليهود وعاصمتها دمشق، أي سورية الحالية.
الفلسطينيين : يسكنون جنوب بلاد اليهود وجنوب شرقها حتى البحر الأبيض.
يوبخ الله عروسه مملكة يهوذا أنه في أيام ابتعادها عن الله وكبريائها كانت تعتبر سدوم مثالًا للشر وتعتبر نفسها مبررة. فبكبرياء كانت لا تتحدث عن سدوم فهي مدينة ليست ذات قيمة في نظرها لأنها شريرة، والحقيقة أن مملكة يهوذا كانت أشر من سدوم وقتذاك ولكن الكبرياء أعمى عينيها. وذلك كان في فترة ما قبل سبى بابل، أي قبل أن تفضح خطاياها، وتعاقب بتدميرها وحرقها، في هذا الوقت كانت الشعوب الأرامية وكذلك الفلسطينيون يحتقرون ويعيرون مملكة يهوذا لتزايدها في الشر.
ع58: ويوجه الله كلامه لعروسه مملكة يهوذا بأنها مسئولة عن خطاياها ولا تنسب أخطاءها للبلاد المحيطة بها، أو تلتمس العذر لنفسها.
ع59: نكث العهد : الرجوع عن الالتزام بالعهد.
يعلن الله عقابه لشعبه بأنه سيجازيه بحسب أفعاله، ولأن أفعاله شريرة جدًا سيعاقب عقابًا شديدًا، لأنه رجع عن عهده مع الله أن يحيا له ولا يتكل على الأمم المحيطة، أو يرتبط بأوثانها بل كان المفروض ألا يخالطها. ولأن شعبه رجع عن عهده، فالله بالتالي مضطر أن يرجع عن عهده في المحافظة على شعبه، فيعاقبه مستخدمًا بابل لتأديبه.
ع60: اضطرار الله أن يرجع عن عهده ويعاقب شعبه ليس معناه رجوع الله عن العهد إلى الأبد، بل الله في حنانه عندما يرى شعبه يتوب ويرجع إليه يسامحه ويذكر عهده مع شعبه عندما بدأ معه في أيام صباه، أي عندما أدخله في أرض الميعاد، وسحق الشعوب الوثنية أمامه. وقد تمم هذا الوعد بإرجاع شعبه من السبي، ثم تممه بالكمال في المسيح الفادى الذي أعطى المؤمنين به حياة أبدية، أي يمتعهم بملكوته الأبدي.
ع61، 62: عندما يرى شعب الله غفرانه ومراحمه برجوعه من السبي، ثم إيمانه بالمسيح، يخجل من خطاياه السابقة وكل طرق الشر التي سار فيها ثم تاب عنها. في هذا الوقت، أي بعد الإيمان بالمسيح تصبح أورشليم مركزًا لكنيسة العهد الجديد تنطلق منها نحو الأمم، فتقبل أخواتها السامرة، وسدوم ولكن في الإيمان، ليس بعهد الشر الذي سارت فيه مع هذه الشعوب، بل بعهد جديد يهبه الله لها، هو عهد النعمة في المسيح يسوع، الذي ستتمتع به مع جميع المؤمنين في كل العالم.
والمقصود أيضًا بعهدها هو العهد القديم، عهد الناموس، الذي كسرته وسارت في الخطية وعهد الله هو العهد الجديد في المسيح يسوع.
ع63: فى العهد الجديد عندما تذكر عروسه، أي شعبه، الخطايا القديمة يخزى في توبة واتضاع، ويرفض هذه الشرور، ويقبل إلى الله لينمو في معرفته، ويظل في حياة الاتضاع لا يفتح فاه بكبرياء متذكرًا خطاياه السابقة دائمًا فيحيا حياة التوبة ويعرف الله عندما يتم كل ما سبق الذي أنبأه به الله.
نلاحظ في هذا الأصحاح سبعة مراحل مرت بها عروس الله، أي شعبه هي:
سقوطها في الخطية وارتباطها بالأوثان.
مرور الله بها والستر عليها وغسلها وتطهيرها؛ لتصير عروسًا له. وهذا ما حدث عند اختيار الله لنفسه شعبًا خاصًا أيام إبراهيم واسحق ويعقوب.
انحرافها وزناها روحيًا بعبادتها الأوثان واتكالها على نفسها.
تأديب الله لها بحرمانها من البركات الروحية والمادية بمضايقة الشعوب المحيطة بها.
إذ لم تتجاوب العروس وتزايدت في زناها، سمح الله لها بالتأديب الشديد في السبي البابلي عند تدمير أورشليم وحرقها.
غفران الله لعروسه ورجوعها من السبي وذلك على يد مادي وفارس.
رحمة الله الكاملة لعروسه عند فدائها بدم المسيح؛ لتحيا له، بل تنضم الشعوب إليها عندما تؤمن.
إن رحمة الله تفوق كل تصور، فمهما كانت خطاياك، ومهما كانت التأديبات التي مررت بها، فهو مستعد أن يغفر لك إن تبت، ويرفع عنك كل الضيقات ويرفعك ويباركك كأن لم يحدث شيء. فقم الآن، إرجع إليه بالتوبة، واقطع الخطية الشريرة التي تستعبدك من أجل محبته، مقدمًا توبة واعترافًا، ثم تتناول من الأسرار الإلهية، فتمتلئ قوة وتتمتع بعشرته.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السابع عشر
(1) اللغز (ع1 - 10):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، حَاجِ أُحْجِيَّةً وَمَثِّلْ مَثَلًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: نَسْرٌ عَظِيمٌ كَبِيرُ الْجَنَاحَيْنِ، طَوِيلُ الْقَوَادِمِ، وَاسِعُ الْمَنَاكِبِ، ذُو تَهَاوِيلَ، جَاءَ إِلَى لُبْنَانَ وَأَخَذَ فَرْعَ الأَرْزِ. 4- قَصَفَ رَأْسَ خَرَاعِيبِهِ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَةِ التُّجَّارِ. 5- وَأَخَذَ مِنْ زَرْعِ الأَرْضِ وَأَلْقَاهُ فِي حَقْلِ الزَّرْعِ، وَجَعَلَهُ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. أَقَامَهُ كَالصَّفْصَافِ،6- فَنَبَتَ وَصَارَ كَرْمَةً مُنْتَشِرَةً قَصِيرَةَ السَّاقِ. انْعَطَفَتْ عَلَيْهِ زَرَاجِينُهَا وَكَانَتْ أُصُولُهَا تَحْتَهُ، فَصَارَتْ كَرْمَةً وَأَنْبَتَتْ فُرُوعًا وَأَفْرَخَتْ أَغْصَانًا. 7- وَكَانَ نَسْرٌ آخَرُ عَظِيمٌ كَبِيرُ الْجَنَاحَيْنِ وَاسِعُ الْمَنْكَبِ، فَإِذَا بِهذِهِ الْكَرْمَةِ عَطَفَتْ عَلَيْهِ أُصُولَهَا وَأَنْبَتَتْ نَحْوَهُ زَرَاجِينَهَا لِيَسْقِيَهَا فِي خَمَائِلِ غَرْسِهَا. 8- فِي حَقْل جَيِّدٍ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ هِيَ مَغْرُوسَةٌ لِتُنْبِتَ أَغْصَانَهَا وَتَحْمِلَ ثَمَرًا، فَتَكُونَ كَرْمَةً وَاسِعَةً. 9- قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ تَنْجَحُ؟ أَفَلاَ يَقْلَعُ أُصُولَهَا وَيَقْطَعُ ثَمَرَهَا فَتَيْبَسَ؟ كُلٌّ مِنْ أَوْرَاقِ أَغْصَانِهَا تَيْبَسُ، وَلَيْسَ بِذِرَاعٍ عَظِيمَةٍ أَوْ بِشَعْبٍ كَثِيرٍ لِيَقْلَعُوهَا مِنْ أُصُولِهَا. 10- هَا هِيَ الْمَغْرُوسَةُ، فَهَلْ تَنْجَحُ؟ أَلاَ تَيْبَسُ يَبْسًا كَأَنَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً أَصَابَتْهَا؟ فِي خَمَائِلِ نَبْتِهَا تَيْبَسُ».
ع1، 2: أحجية : لغز.
ينادى الله نبيه حزقيال معلنًا له النبوة الآن بشكل لغز، أو مثل، أو تشبيه؛ ليقرب المعنى حتى يتأثر شعبه، ويفهم مقاصده الإلهية، ويرجع إليه بالتوبة.
ع3: القوادم : الريش الطويل الذي يوجد في مقدم جناح النسر.
المناكب : الأكتاف ومفردها منكب وهو الكتف ويقصد به الجناح.
تهاويل : ألوان.
الأرز : شجر طويل خشبه متين وثمين ودائم الخضرة وينبت بكثرة على جبال لبنان وتتميز به.
تبدأ النبوة، أو اللغز بتقديم نسر ضخم شكله عظيم، له جناحان كبيران، وريشه طويل، خاصة الذي في مقدمة جناحه، وبالتالي أجنحته طويلة، ولون ريشه مختلف، أي ذو ألوان كثيرة جميلة. وقد جاء هذا النسر العظيم إلى لبنان، وأخذ الفرع المميز في شجرة الأرز، أو شجرة مميزة بين أشجار الأرز.
ع4: خراعيبه : فروعه الطرية الحديثة النبت.
هذا الفرع المميز، أو الشجرة المميزة كسر النسر الكبير فروعها، ثم أخذها إلى كنعان في مدينة التجار وهي مدينة متسعة تكثر فيها التجارة ووضعها هناك.
ع5: يستكمل اللغز فيقول أن النسر الكبير أخذ من نباتات الأرض التي أخذ منها شجرة الأرز، وغرس هذا النبات في نفس الأرض التي كان بها، وغرسه على مجرى مياه حيث تكثر المياه، وجعله مثل شجرة الصفصاف الكثيرة
ع6: زراجينها : فروع الكرمة التي تسمى القضبان.
أصولها : جذورها.
هذا النبات المزروع على المياه الذي يشبه الصفصاف ازداد نموه، فصار كشجرة العنب، أي قصير الطول وممتد الأغصان. وامتدت قضبان هذه الكرمة نحو النسر الكبير، وجذورها كانت تحته. واستمر هذا النبات، الذي مثل الكرمة، في النمو، فأعطى أغصانًا وفروعًا كثيرة.
ع7: الخمائل : الشجر الكثيف المتشابك.
يضيف الله هنا ظهور نسر آخر عظيم في شكله وقوته، له جناحان كبيران طويلان. ولكن يفهم أنه أقل من النسر الأول، إذ ليس له قوادم ولا تهاويل. هذا النسر امتدت إليه جذور الكرمة المزروعة على المياه الكثيرة وكذلك فروعها؛ ليساعدها هذا النسر الثاني بسقيها بالماء في مكانها لتكثر فروعها المتشابكة.
ع8: بهذا تصير الكرمة مغروسة في حقل جيد، وبجوار مياه كثيرة ترويها كما تحتاج؛ لتنمو بقوة، ويكون لها أغصان كثيرة، وثمار جيدة، فتصبح كرمة ممتدة الأغصان.
ع9، 10: ثم يتساءل الله داخل اللغز ويقول لحزقيال هل تنجح هذه الكرمة باتصالها بالنسرين فتصير كرمة عظيمة، أم يقلعها النسر الأكبر بجذورها وفروعها ويقضى على ثمارها بسهولة، أي لا يحتاج إلى عدد كبير معه لقلعها؟ وفى النهاية هل تيبس هذه الكرمة كأن ريحًا شرقية حارة قد لفحتها رغم فروعها الكثيفة فتجف وتنتهي؟
† إن الله مضطر أن يحدثنا بالأمثال من خلال الأحداث التي تمر بنا، لأننا نهمل قراءة كلامه وطاعة وصاياه. فليتنا نتعلم من الأحداث المحيطة بنا، فهي رسالة شخصية من الله موجهة لنا.
(2) تفسير اللغز ( ع11-21):
11- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:12- «قُلْ لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ: أَمَا عَلِمْتُمْ مَا هذِهِ؟ قُلْ: هُوَذَا مَلِكُ بَابِلَ قَدْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخَذَ مَلِكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا وَجَاءَ بِهِمْ إِلَيْهِ إِلَى بَابِلَ. 13- وَأَخَذَ مِنَ الزَّرْعِ الْمَلِكِيِّ وَقَطَعَ مَعَهُ عَهْدًا وَأَدْخَلَهُ فِي قَسَمٍ، وَأَخَذَ أَقْوِيَاءَ الأَرْضِ، 14- لِتَكُونَ الْمَمْلَكَةُ حَقِيرَةً وَلاَ تَرْتَفِعَ، لِتَحْفَظَ الْعَهْدَ فَتَثْبُتَ.15- فَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِهِ رُسُلَهُ إِلَى مِصْرَ لِيُعْطُوهُ خَيْلًا وَشَعْبًا كَثِيرِينَ. فَهَلْ يَنْجَحُ؟ هَلْ يُفْلِتُ فَاعِلُ هذَا؟ أَوْ يَنْقُضُ عَهْدًا وَيُفْلِتُ؟ 16- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّ فِي مَوْضِعِ الْمَلِكِ الَّذِي مَلَّكَهُ، الَّذِي ازْدَرَى قَسَمَهُ وَنَقَضَ عَهْدَهُ، فَعِنْدَهُ فِي وَسْطِ بَابِلَ يَمُوتُ. 17- وَلاَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ يُعِينُهُ فِرْعَوْنُ فِي الْحَرْبِ، بِإِقَامَةِ مِتْرَسَةٍ وَبِبِنَاءِ بُرْجٍ لِقَطْعِ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ. 18- إِذِ ازْدَرَى الْقَسَمَ لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَهُوَذَا قَدْ أَعْطَى يَدَهُ وَفَعَلَ هذَا كُلَّهُ فَلاَ يُفْلِتُ. 19- لأَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حَيٌّ أَنَا، إِنَّ قَسَمِي الَّذِي ازْدَرَاهُ، وَعَهْدِي الَّذِي نَقَضَهُ، أَرُدُّهُمَا عَلَى رَأْسِهِ. 20- وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي، وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ وَأُحَاكِمُهُ هُنَاكَ عَلَى خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَنِي بِهَا. 21- وَكُلُّ هَارِبِيهِ وَكُلُّ جُيُوشِهِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَالْبَاقُونَ يُذَرُّونَ فِي كُلِّ رِيحٍ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ.
ع11، 12: قد يتساءل البعض لماذا يفسر الله اللغز بعده مباشرة؟ قد يكون هناك فترة زمنية بين إلقاء حزقيال اللغز، ثم تفسيره، هل مدة أسبوع أو شهر؟ لا تعرف. ولكن وجود فترة تجعل شعب الله ينتبه ويشتاق لمعرفة تفسير اللغز، والمقصود في النهاية التوبة.
يبدأ الله بنفسه في تفسير اللغز الذي أعطاه لشعبه فقال، إن النسر الأعظم المذكور أولًا هو ملك بابل الذي جاء إلى يهوذا، فأخذ ملكها الذي هو فرع الأرز؛ لأن الأرز يقصد به ليس أرز لبنان المعروف باسمها الآن، ولكن الأشجار الكبيرة التي تنمو بجوار قرى مملكة يهوذا. وترمز هذه الأشجار الكبيرة، أي الأرز، إلى ملك يهوذا وهو يهوياكين، الذي لم يملك إلا ثلاثة أشهر، ثم قبض عليه نبوخذنصر هو والرؤساء الذين معه، وأتى بهم إلى بابل. وكنعان المذكورة في (ع4) ترمز إلى بابل، إذ أن كنعان تعنى اللعنة، فنوح لعن ابنه كنعان. وبابل تمثل الشر. كما أن لبنان - كما قلنا - ترمز إلى قرى يهوذا حيث تكثر الأشجار على جبالها مثل الأرز على جبال لبنان.
يقدم الله هذا التفسير على لسان حزقيال لشعبه الذي يصفهم الله بالتمرد، أي يدعوهم الله للرجوع عن تمردهم عليه والتوبة.
ع13، 14: ثم اختار نبوخذنصر ملك بابل من العائلة الملكية شخصًا آخر غير الملك يهوياكين وهو متنيا عمه، أي أخى الملكين يهوياقيم ويهوآحاز، الذين هم جميعًا أولاد الملك يوشيا الصالح. ثم غير اسم متنيا إلى صدقيا وجعله ملكًا على البلاد بدلًا من يهوياكين، وكان عمره وقتذاك 21 عامًا، ويتميز بشخصية ضعيفة؛ لذا اختاره نبوخذنصر ليكون خاضعًا له بسهولة. والمقصود بالحقل في (ع5) هو مملكة يهوذا، والمياه الكثيرة هي خيرات هذه المملكة. ويؤكد في هذه الآية ما قاله في الآية السابقة أنه أخذ أقوياء الأرض، أي كل المتميزين في الحرف والعلم ليدعم بها مملكته، ووضعهم في العاصمة بابل، وهم الذين يرمز إليهم بالخراعيب في (ع4). وبهذا بعد أخذ الأقوياء والملك القوى تصبح مملكة يهوذا ضعيفة، وتخضع بسهولة في عهودها مع مملكة بابل.
ع15: نقض صدقيا ملك يهوذا الجديد الذي أقامه نبوخذنصر عهده معه، وقطع عهدًا مع مصر التي كانت الإمبراطورية الأولى في العالم قبل آشور وبابل ومازالت تحتفظ وقتذاك بقوة ليست بقليلة. وغرض هذا العهد أن يساند خفرع ملك مصر صدقيا ملك يهوذا بالخيل والرجال الكثيرين ليكون له قوة حربية أكبر. وخفرع ملك مصر هو النسر العظيم المذكور في اللغز، أي النسر الثاني، الذي امتدت إليه جذور وفروع الكرمة، أي أرسل صدقيا رسله إلى مصر ليعاهده ويعتمد عليه. وتناسى صدقيا هنا أمرين:
أنه تحت سيطرة ملك بابل وقد عقد معه معاهدة، كما يذكر في اللغز أن جذور ملك يهوذا كانت تحت النسر الأعظم، أي تحت سيطرة بابل، وأن فروعه امتدت نحو ملك بابل أي عاهده. ومن الخطأ الكبير أن يكسر عهده فيكون صورة سيئة لأولاد الله الذين لا يحترمون العهود، رغم أن ملك بابل شرير، ولكن لا يصح أن يكسر صدقيا عهده معه.
كان ينبغى على صدقيا أن يلتجئ إلى الله ولا يعتمد على مصر، أو على أية قوة للتخلص من ملك بابل.
† كن صادقًا في كلامك مع الجميع وأمينًا في عهودك، حتى مع من يسيئون إليك؛ لتكون صورة للمسيح وتمجد اسمه، فيرون محبتك وأمانتك، ويحبون المسيح الذي فيك.
ع16: عندما رأى نبوخذ نصر صدقيا يكسر عهده معه ويعاهد ملك مصر تدخل بجيوشه وحاصر أورشليم، وقبض على صدقيا وقتل أولاده، وأخذ رؤساءه وفقأ عينيه، وأتى به وسجنه في بابل وعاش هناك حتى مات.
ع17: مترسة : حائط يحتمى وراءه المهاجمون المحاصرون للمدينة؛ حتى لا يهرب أحد من أهلها.
عندما هاجم نبوخذنصر أورشليم خاف ملك مصر ولم يأتِ لنجده صدقيا بجيش عظيم، ولم يقم مترسة ولا برجًا لمقاومة نبوخذنصر، بل على العكس أقام نبوخذنصر متاريس وأبراج على أورشليم عندما حاصرها، ثم هاجمها وقبض على ملكها ورؤسائها ودمرها.
ع18: ازدرى : احتقر.
كل هذا العقاب وقع على صدقيا ملك يهوذا، لأنه نقض عهده مع بابل، فقبض عليه وسجنوه في بابل.
ع19: إن كان صدقيا قد نقض عهده مع نبوخذنصر فهاجمه وقبض عليه ودمر أورشليم، كل هذا حدث لأن صدقيا قبل ذلك نقض عهده مع الله، وأقام الأوثان في أورشليم، وترك شعبه يكسرون وصايا الله، ويسقطون في شهوات كثيرة. فنبوخذنصر أداة يستخدمها الله لتأديب صدقيا وشعبه، وليس مجرد انتقام بابل من أحد الممالك التي هي يهوذا.
ع20: شرك : فخ.
يعلن الله أنه هو المسئول عن تأديب صدقيا والشعب الساكن في أورشليم وما حولها. ويعلن أن بابل هي الشبكة والفخ الذي وضعه لتأديب شعبه وملكهم صدقيا. وأن الله هو الذي قبض على صدقيا وسجنه في بابل عقابًا على خطاياه.
ع21: يستكمل الله كلامه عن أبناء شعبه الذين سيهربون من أورشليم، سيقتلهم جيش بابل. والباقون يقبض عليهم، ويشتتهم في بلاد المملكة البابلية، وبهذا تنتهي قوة مملكة يهوذا بعد قتل وتشتيت جيشها ورجالها. وعندما يحدث كل هذا يتأكد شعب الله من صدق كلامه؛ لعلهم حينئذ يتوبون.
(3) المملكة الجديدة (ع22-24):
22- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَآخُذُ أَنَا مِنْ فَرْعِ الأَرْزِ الْعَالِي وَأَغْرِسُهُ، وَأَقْطِفُ مِنْ رَأْسِ خَرَاعِيبِهِ غُصْنًا وَأَغْرِسُهُ عَلَى جَبَل عَال وَشَامِخٍ. 23- فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي أَغْرِسُهُ، فَيُنْبِتُ أَغْصَانًا وَيَحْمِلُ ثَمَرًا وَيَكُونُ أَرْزًا وَاسِعًا، فَيَسْكُنُ تَحْتَهُ كُلَّ طَائِرٍ، كُلُّ ذِي جَنَاحٍ يَسْكُنُ فِي ظِلِّ أَغْصَانِهِ. 24- فَتَعْلَمُ جَمِيعُ أَشْجَارِ الْحَقْلِ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، وَضَعْتُ الشَّجَرَةَ الرَّفِيعَةَ، وَرَفَعْتُ الشَّجَرَةَ الْوَضِيعَةَ، وَيَبَّسْتُ الشَّجَرَةَ الْخَضْرَاءَ، وَأَفْرَخْتُ الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ وَفَعَلْتُ».
ع22: يعلن الله أنه سيأخذ فرع أرز عالى، أي شجرة قوية مرتفعة نحو السماء، ويقصد بها داود النبي ونسله، فداود إنسان روحانى قلبه مثل قلب الله، ويخرج من نسله ملوك صالحين، ثم يأتي المسيح مخلص العالم كله.
بعد أن يغرس شجرة الأرز العالية، أي التي تحيا حياة سماوية، وهي داود ونسله، يأخذ منها فرعًا طريًا، هو المسيح الذي عاش متضعًا في العالم بين البشر وحمل خطايا العالم كله على الصليب وفدانا.
هذا الغصن يغرسه الله على جبل عال. والجبل يرمز للثبات والقوة والارتفاع نحوالسماء، أي الحياة السماوية وكل هذا ينطبق على المسيح وكنيسته، أي جسده وهم المؤمنين به.
ع23: يستكمل الله كلامه عن المملكة الجديدة، أى كنيسة العهد الجديد، التي يؤسسها المسيح بدمه المسفوك على الصليب، فيقول عنها، أنها تكون في جبل إسرائيل، أي أن المسيح يولد ويعيش ويصلب في أورشليم وهي جبل، ليس فقط لأن أورشليم مبنية على مجموعة جبال، ولكن لأن فيها الآباء والأنبياء والوصايا والوعود الإلهية، فهم شعب الله الذي هو مثل جبل بين الأمم البعيدين عن الله.
هذا الغصن، أي المسيح ينبت أغصانًا ويحمل ثمرًا، هم المؤمنين به، الذين يتحلون بالفضائل، وهي ثمار الروح القدس.
شجرة الأرز هذه، أي المسيح، يصفها بأنها تكون متسعة، كما وصف المسيح الكنيسة عندما قال مثل حبة الخردل الصغيرة التي تصير شجرة كبيرة جدًا (مت13: 31-34).
ويضيف أيضًا أن في هذه الشجرة تتآوى طيور السماء، ويقصد المؤمنين بالمسيح الذين يحيون حياة سماوية، ويأتون من كل العالم، سواء من أصل يهودي، أو أممى. فالمسيح يعطى الخلاص للعالم كله.
ع24: يعلن الله حقيقة هامة أن كل أشجار الحقل، أي كل البشر سيعلمون أمرًا هامًا، وهو أن الله يضع المتكبرين ويرفع المتضعين، كما قالت العذراء في تسبحتها (لو1: 52).
والشجرة الرفيعة يقصد بها إمبراطوريات العالم، وهي مصر وأشور وبابل ومادى وفارس واليونان والرومان، أي كل متعظم ظهر على الأرض. ويقصد بالشجرة الوضيعة مملكة يهوذا، التي كانت مذلولة، أو شعبه الذي تذلل تحت يد الأمم يرفعه بالإيمان إلى الحياة السماوية.
ويقول الله أيضًا أن الشجرة الخضراء المملوءة قوة وحيوية، ويقصد بها الأمم المتعظمة، والإمبراطوريات القوية، وكل إنسان متكبر، يجعل الله كل هؤلاء يابسين وفى جفاف، أى يفقدون قوتهم وعظمتهم. وفى نفس الوقت يجعل الشجرة اليابسة، أي شعبه المذلول يفرخ ويعطى أغصانًا كثيرة قوية، ويقصد بها كنيسته المضطهدة في أورشليم تنتشر في العالم كله وتضم الأمم.
ويقصد بالشجرة اليابسة أيضًا شعوب الأمم الذين كانوا مرفوضين بسبب عدم الإيمان، فيصيروا مملوءين قوة وحيوية عندما يؤمنون.
والشجرة الخضراء يمكن أن ترمز لليهود المتعظمين في نظر أنفسهم، فيفقدوا علمهم وقوتهم بسبب عدم إيمانهم بالمسيح.
† عجيب أنت يا رب في محبتك للضعفاء والمتضعين المتكلين عليك، فترفعهم وتمجدهم، ليس فقط في السماء، ولكن أيضًا على الأرض، عندما تخزى بهم كبرياء المتعظمين وحكمة الحكماء في أعين أنفسهم. لذلك يا أخى ليتنا نتضع أمام الله من أجل كثرة خطايانا؛ حتى نتعلم أن نتضع أمام كل أحد، فيرحمنا الله ويرفعنا إليه، فنشعر بوجوده في حياتنا، ثم ننال أمجاد الملكوت.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثامن عشر
(1) مسئولية الإنسان عن أخطائه (ع1-4):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:2- «مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ 3- ٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ يَكُونُ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ أَنْ تَضْرِبُوا هذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ. 4- كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ.
ع1، 2: الحصرم : هو العنب غير مكتمل النضج، ويكون جافًا وطعمه حمضيًا لاذعًا.
ضرست : احتكت الأسنان ببعضها وتعبت من تناول طعام حمضى لاذع.
فالطبقة الخارجية للأسنان تسمى "المينا" (Enamel)، وهي مادة شفافة تغطى مادة أخرى تسمى بالعاج (dentin). فإذا احتكت طبقة المينا بين ضرسين، ثم أتت عليها المادة الحمضية، فإنها تكشف جزء من المينا غير الحساسة وتظهر طبقة العاج الحساسة لاتصالها بالشعيرات العصبية الآتية من عصب الضرس الموجود في اللب (Pulp)، فتعطى إحساسًا بالتضريس، أو القشعريرة.
قال الله لحزقيال معاتبًا انتشار فكر غريب بين شعب الله في صورة مثل يضربونه وهو أن الآباء يأكلون الحصرم، ثم يفاجأ الناس بأن أبناءهم يعانون من تعب في أسنانهم. وهذا معناه أن خطية الآباء يعانى الأبناء من نتائجها.
وقد اعتمد شعب الله في ضرب هذا المثل على تفسيرهم الخاطئ للوصية الثانية (خر20: 5)، وهي التي تنادى بافتقاد الله لذنوب الآباء في الأبناء. ففهموا أن الآباء يخطئون والأبناء يعاقبون، ونسوا بقية الآية (خر20: 5) وهي كلمة من مبغضى، أي استمرار الأبناء في ممارسة خطايا آبائهم ولكن إن تابوا فلا تنطبق عليهم الوصية الثانية، وبالتالي يعتبر هذا المثل خاطئًا عند تعميمه على الكل؛ لأنه يمكن أن يخرج أبناء أشرار من أب صالح، مثل الملك منسى الشرير ابن حزقيا الملك الصالح (2 مل20: 21)، وكذلك يهوآحاز الملك الشرير ابن يوشيا الملك الصالح (2 أى 36: 1)، ويمكن أن ينشأ ابن بار في وسط شرير، مثل صموئيل الذي نشأ في الهيكل المدنس بأخطاء حفنى وفينحاس (1 صم2).
ع3: يشهد الله على شعبه بحياته التي هي أزلية أبدية، فيأمرهم بعد أن أعلن وجوده وحياته أن لا يضربوا هذا المثل، ولا يقتنعوا بتفسيره الخاطئ.
ع4: يعلن أيضًا محبته ومسئوليته عن كل البشر فكلهم من الله وملكًا له، سواء نفس الأب، أو نفس الإبن، الاثنان لهما قيمة كبيرة في نظر الله. والنفس التي تخطئ هي فقط تعاقب بعقاب الخطية وهو الموت، كما قال الكتاب المقدس إن "أجرة الخطية هي موت" (رو6: 23). والمقصود هنا بالموت، العذاب والهلاك الأبدي، وهو يختلف عن الموت الجسدي الذي يسود على الأبرار والأشرار. وكذلك يختلف عن موت الخطية، وهو ما يحدث في حياتنا على الأرض ولكن يمكن التخلص منه بواسطة التوبة. أما الموت الأبدي فهو الجزاء الذي لا يمكن تغييره في حالة الأشرار الذين أصروا على شرورهم.
ثم يقسم في الأعداد التالية البشر إلى أربعة أقسام هي:
1- البار؛ 2- الشرير؛ 3- ابن شرير لأب بار؛ 4- ابن بار لأب شرير.
† لا تلتمس الأعذار لنفسك وتبرر خطاياك بسبب الظروف المحيطة في بيتك، أو في أي مكان توجد فيه. ولكن ارجع إلى الله بالتوبة إن أخطأت، واطلب معونته فسينجيك ويحفظك مهما أحاط بك الشر.
(2) مكافأة البار (ع5-9):
5- وَالإِنْسَانُ الَّذِي كَانَ بَارًّا وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا، 6- لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يُنَجِّسِ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، وَلَمْ يَقْرُبِ امْرَأَةً طَامِثًا، 7- وَلَمْ يَظْلِمْ إِنْسَانًا، بَلْ رَدَّ لِلْمَدْيُونِ رَهْنَهُ، وَلَمْ يَغْتَصِبِ اغْتِصَابًا بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ، وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْبًا، 8- وَلَمْ يُعْطِ بِالرِّبَا، وَلَمْ يَأْخُذْ مُرَابَحَةً، وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ الْجَوْرِ، وَأَجْرَى الْعَدْلَ الْحَقَّ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَالإِنْسَانِ، 9- وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظَ أَحْكَامِي لِيَعْمَلَ بِالْحَقِّ فَهُوَ بَارٌّ. حَيَاةً يَحْيَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع5: يعرف هنا الإنسان البار بأنه من يسلك بالحق، أي بحسب وصايا الله ويخافه، ويكون عادلًا في حكمه على الأمور، فلا تكون له أغراض شخصية، أو تحيز لأحد ضد الآخر وهذا هو سلوكه الإيجابى.
ع6: يستكمل في هذه الآية شرح سلوك الأبرار من الناحية السلبية ويفصل ذلك فيما يلى:
لم يأكل على الجبال : أي لم يقدم ذبائح للأوثان على الجبال، ولم يأكل منها. إذ كانوا يقدمون ذبائح لآلهة السماء، مثل الشمس والقمر والنجوم على الأماكن المرتفعة في طقوس العبادة الوثنية. والخلاصة فالمقصود عدم اشتراكه في العبادة الوثنية.
ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل: عندما وجد الشر في أورشليم والبلاد اليهودية في شكل إقامة أصنام والتعبد لها رفض الاشتراك في هذه العبادات.
ولم ينجس امرأة قريبه: أي لم يضطجع ويزنى مع امرأة، أى إنسان يعيش معه من اليهود، والمقصود أنه عاش بطهارة، ورفض تمامًا خطية الزنى بكل صورها مع آية إنسانة.
ولم يقرب امرأة طامثًا : كانت الشريعة (لا20: 18) تنص على أن مضاجعة الرجل لامرأته وهي طامث، أي عندها عادة النساء الشهرية يعتبر نجاسة وكسر للوصية. فهو بار، أي يتمسك بكل ما في الشريعة، وكان الطمث قديمًا يعتبر نجاسة لأن فيه نزف دم، والدم يرمز للحياة، ولم يكن المسيح قد تمم الفداء بسفك دمه على الصليب، فكان الموت والدم يعتبران من الأمور النجسة، أما في العهد الجديد فكل شيء طبيعي يعتبر طاهرًا في المسيح. ولكن الكنيسة توصى في العهد الجديد بعدم المضاجعة في حالة الطمث بسبب الظروف الصحية وللتعفف.
ع7: يستكمل هنا صفات البار من الناحية الإيجابية والسلبية التي بدأها في (ع6) وهي:
ولم يظلم إنسانًا : أي يأخذ ويسلب حقوق غيره سواء بالقوة، أو بأى تحايل ومكر.
رد للمديون رهنه : أي عندما يدفع المديون ماعليه ينبغى أن يعطيه ما ارتهنه ولا يماطل في ذلك، أو يطلب مزيدًا من المال والمقتنيات. فالمقصود الإسراع بإرجاع الشئ المرتهن. وإن امتلأ قلب البار بالحب يساعد أيضًا هذا المديون من ماله الخاص لسد احتياجاته الضرورية.
لم يغتصب اغتصابًا : لم يستخدم مركزه وسلطانه ليسلب بالقوة حقوق غيره، مثل حفنى وفينحاس الكاهنين أولاد عالى الكاهن، اللذين استخدما سلطانهما للزنى مع النساء الآتيات للهيكل وسرقة اللحوم من مقدمى الذبائح في الهيكل (1 صم2).
بذل خبزه للجوعان : يتميز بعمل الرحمة، فيطعم الفقراء. وهذا سلوك إيجابى يظهر بر البار.
وكسا العريان ثوبًا : يستكمل الأعمال الإيجابية للبار وهي الاهتمام بملابس وكسوة الفقراء، فلا يتركهم بثياب بالية، أو في عرى نتيجة فقرهم.
ع8: الربا : هو الاقتراض مع أخذ فوائد.
المرابحة : هي بيع شيء ما بثمن أغلى من ثمنه الأصلى.
الجور : الظلم.
يضيف هنا صفات جديدة للبار بعد ما ذكره في (ع6، 7) وهي:
لا يعط بالربا ولم يأخذ مرابحة: البار لا يستغل الآخرين الفقراء، فلا يقرض أحدًا لاحتياجاته الضرورية ويأخذ منه فوائد، وإن احتاج إنسان لشراء شيء من ممتلكاته لا يأخذ أكثر من ثمنه الأصلى، وهذا غير نظام القروض في البنوك، أو أنواع التجارة المختلفة التي يأخذ فيها التاجر هامش ربح معقول.
كف يده عن الجور وأجرى العدل الحق بين الإنسان والإنسان : يتميز البار بالعدل، فلا يظلم أحدًا محاباة لشخص آخر، بل يحكم بالحكم دون أي غرض شخصى، أو تحيزًا لإنسان ضد آخر. وإن رأى شخصًا مظلومًا لا يكون سلبيًا بل يعلن الحق وينصفه.
ع9: فرائضى : العبادات الطقسية التي أمرت بها الشريعة.
أحكامى : وصاياى وأوامرى.
يختم الله في كلامه مع حزقيال صفات البار (ع6-8).
فيقول:
سلك فى فرائضى: أي اهتم بإتمام كل نواحى العبادة التي أمر بها الله في الشريعة من جهة الذبائح والتطهيرات وكل شيء.
حفظ أحكامى : أي أطاع وصاياى، وداوم على تنفيذها.
كل هذه الصفات الثلاثة عشر السابقة تؤكد أن هذا البار يعمل أعمال الحق، أي المرضية لله. فهذا يعده الله بالحياة معه، ليس فقط على الأرض، بل أيضًا في السماء لأنه بار بالحقيقة، وليس بره ظاهريًا، والدليل على ذلك الصفات السابقة.
† ليكن سلوكك يؤكد إيمانك ومحبتك لله، وإن كانت لك أخطاء ظاهرة فاهتم أن تتوب عنها وتصلحها، بالإضافة إلى توبتك عن خطاياك الداخلية من أفكار ومشاعر؛ حتى تكون إبنًا حقيقيًا لله ويتمجد في حياتك.
(3) ابن شرير لأب بار (ع10-13):
10- «فَإِنْ وَلَدَ ابْنًا مُعْتَنِفًا سَفَّاكَ دَمٍ، فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ هذِهِ، 11- وَلَمْ يَفْعَلْ كُلَّ تِلْكَ، بَلْ أَكَلَ عَلَى الْجِبَالِ، وَنَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، 12- وَظَلَمَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ، وَاغْتَصَبَ اغْتِصَابًا، وَلَمْ يَرُدَّ الرَّهْنَ، وَقَدْ رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى الأَصْنَامِ وَفَعَلَ الرِّجْسَ، 13- وَأَعْطَى بِالرِّبَا وَأَخَذَ الْمُرَابَحَةَ، أَفَيَحْيَا؟ لاَ يَحْيَا! قَدْ عَمِلَ كُلَّ هذِهِ الرَّجَاسَاتِ فَمَوْتًا يَمُوتُ. دَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ.
ع10: معتنفا : قاسي القلب وعنيف في معاملاته.
سفاك دم : محب للقتل.
إن ولد البار إبنًا ولم يسلك بحسب سلوك أبيه، بل على العكس صار قاسى القلب وعنيفًا، وفعل شرورًا كثيرة حتى استباح القتل، أي فعل الشرور التي ابتعد عنها البار المذكورة (ع6-8).
ع11، 12: هذا الابن الشرير لم يفعل الصالحات التي يفعلها أبوه البار، والمذكورة في (ع5، 8، 9)، بل فعل الشرور السابق شرحها في (ع6-8).
ع13: يستكمل هنا الشرور التي يفعلها هذا الابن الشرير والسابق شرحها في (ع8)، ويتساءل الله هل يستحق هذا الشرير أن تكون له حياة أمام الله؟ ويرد الله على الفور لا بل يستحق الموت، أي الهلاك الأبدي. ويكون سبب هلاكه هو خطاياه. وهذا هو المقصود بكلمة دمه على نفسه، أي هو المسئول عن هلاكه ولا يطالب أحد بدمه؛ لأن أباه كان قدوة له في البر ولكنه أصر على الشر.
† ليتك تتعلم من فضائل المحيطين بك، فقد وضعهم الله في طريقك لتتلمذ عليهم. ولكن إن أهملت هذا فأنت معرض لمزيد من السقوط في الخطية، وبالتالي الهلاك الأبدي.
(4) ابن بار لأب شرير (ع14-20):
14- «وَإِنْ وَلَدَ ابْنًا رَأَى جَمِيعَ خَطَايَا أَبِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا، فَرَآهَا وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَهَا. 15- لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ، وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ نَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، 16- وَلاَ ظَلَمَ إِنْسَانًا، وَلاَ ارْتَهَنَ رَهْنًا، وَلاَ اغْتَصَبَ اغْتِصَابًا، بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ، وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْبًا 17- وَرَفَعَ يَدَهُ عَنِ الْفَقِيرِ، وَلَمْ يَأْخُذْ رِبًا وَلاَ مُرَابَحَةً، بَلْ أَجْرَى أَحْكَامِي وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي، فَإِنَّهُ لاَ يَمُوتُ بِإِثْمِ أَبِيهِ. حَيَاةً يَحْيَا. 18- أَمَّا أَبُوهُ فَلأَنَّهُ ظَلَمَ ظُلْمًا، وَاغْتَصَبَ أَخَاهُ اغْتِصَابًا، وَعَمِلَ غَيْرَ الصَّالِحِ بَيْنَ شَعْبِهِ، فَهُوَذَا يَمُوتُ بِإِثْمِهِ. 19- «وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الابْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الابْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. 20- اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ.
ع14: يحدثنا الله هنا عن النوع الأخير من البشر، وهو أب شرير ولد ابنًا، فلما رأى شرور أبيه اتعظ منها وتجنبها، فعاش في البر.
ع15، 16: يشرح هنا الشرور التي رفضها هذا الابن البار والصالحات التي تمسك بها، وهي السابق شرحها في (ع5-9)، وخاصة اهتمامه بالفقراء واحتياجاتهم الضرورية، وعدم قبول أخذ الرهن من الفقير إن كان من ضروريات حياته، بل يساعده ليعيش مثل الباقين الذين حوله.
ع17: يستكمل هنا ما سبق شرحه في (ع8) ويؤكد أنه لا يستغل الفقراء بأى شكل من الأشكال ليحصل على مكاسب خاصة به، واهتم بوصايا الله وعبادته السابق شرحها في (ع9). ويحكم الله هنا أن هذا الابن البار الذي رفض شرور أبيه لا تأتى عليه أية نتائج من هذه الشرور المهلكة، بل يحيا أمام الله إلى الأبد في ملكوت السموات.
ع18: على العكس، أبوه الشرير الذي فعل شرورًا مختلفة -يذكر بعضها هنا- فإنه يهلك هلاكًا أبديًا.
† عندما ترى أخطاء الآخرين لا تدينهم، بل اعلم أن هذه رسالة من الله لك حتى تحترس لئلا تسقط فيها، وتصلى لأجل نفسك، ولأجلهم، ليرحمهم الله، فيحميك وينقذهم من الخطية.
ع19: يرد الله على الأفكار الخاطئة التي يرددها شعبه، وهي أن الابن البار يصيبه عقوبات نتيجة شر أبيه. ويقرر هنا الله عكس هذا الكلام، فيقول لشعبه أن الابن البار نتيجة فعله الصالحات يحيا إلى الأبد أمام الله.
ع20: يؤكد الله حقيقة مسئولية الإنسان عن أخطائه، فيعلن أن شر الأشرار يأتي على رؤوسهم فيهلكوا بها، أما الأبرار فينالون مكافأة برهم حياة أبدية. ولا يتأثر البار بشرور الأشرار، ولا الشرير يستفيد من بر الأبرار، بل كل إنسان بحسب ما فعل. كل هذا الكلام ليؤكد حقيقة النهاية المحددة لكل منهما، فالشرير يهلك، والبار يحيا في الملكوت. ولكن هناك بركات للأبرار تعم على أولادهم إن كانوا يعيشون في البر، فتزداد لهم البركات نتيجة بر أبيهم لتساندهم وتنميهم في البر. والأبناء الأبرار لآباء أشرار يساعدهم الله أيضًا ليحيوا في البر، فيعطيهم معونة خاصة حتى لا يتأثروا بسلوك آبائهم، بل يبتعدوا عن شرورهم.
(5) رجوع الإنسان عن طريقه (ع21-32):
21- فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 22- كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا. 23- هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ 24- وَإِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَفَعَلَ مِثْلَ كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشِّرِّيرُ، أَفَيَحْيَا؟ كُلُّ بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ لاَ يُذْكَرُ. فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَهَا وَفِي خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا يَمُوتُ. 25- «وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. فَاسْمَعُوا الآنَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: أَطَرِيقِي هِيَ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ؟ أَلَيْسَتْ طُرُقُكُمْ غَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ؟ 26- إِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَمَاتَ فِيهِ، فَبِإِثْمِهِ الَّذِي عَمِلَهُ يَمُوتُ. 27- وَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ الَّذِي فَعَلَ، وَعَمِلَ حَقًّا وَعَدْلًا، فَهُوَ يُحْيِي نَفْسَهُ. 28- رَأَى فَرَجَعَ عَنْ كُلِّ مَعَاصِيهِ الَّتِي عَمِلَهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 29- وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. أَطُرُقِي غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَتْ طُرُقُكُمْ غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ؟ 30- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كُلِّ وَاحِدٍ كَطُرُقِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ كُلِّ مَعَاصِيكُمْ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمُ الإِثْمُ مَهْلَكَةً. 31- اِطْرَحُوا عَنْكُمْ كُلَّ مَعَاصِيكُمُ الَّتِي عَصَيْتُمْ بِهَا، وَاعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا وَرُوحًا جَدِيدَةً. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 32- لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا.
ع21: يعلن الله حقيقة أخرى، وهي أن الشرير إن رجع عن شره يقبله الله، ويسامحه، ويرفع عنه عقوبة خطاياه، وهي الهلاك الأبدي، ويهبه حياة أمامه، فيتمتع بعشرة الله، وينتظره ملكوت السموات.
ع22: يمسح الله كل شروره، فيبقى له البر الذي يفعله، فيحيا فيه أمام الله إلى الأبد. وهذا بالطبع في حالة التائب الحقيقي، الذي رفض الخطية مهما طال زمانها، مثل اللص اليمين، فهي ليست فقط لحظة توبة، فينال بها ملكوت السموات، ولكنها توبة حقيقية رفض فيها الشر تمامًا، وطلب البر، فيكافئه الله بالحياة الأبدية.
ع23: هذه الحقيقة المعلنة في الآيتين السابقتين تظهر مدى محبة الله الذي يريد أن "الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تى2: 4). فهو يريد رجوع جميع الأشرار عن شرورهم، فيكافئهم بالحياة الأبدية. فالله يفرح برجوع الخاطئ، ويحزن لإصرار الكثيرين على شرورهم.
ع24: يعلن الله حقيقة أخرى، وهي عكس السابقة، وهي أن الذي يحيا في البر إن رجع عن بره وسلك في الشر، فإن بره الأول لا يحسب له، ويهلك هلاكًا أبديًا. وهذا معناه ضمنيًا أن بره الأول كان ظاهريًا، ونتيجة بعض الظروف المحيطة، ولكن ليس من قلبه، لذا رجع عنه وعاش في الشر وأصر عليه. بل يُجازى بعذاب أكثر من غيره؛ لأنه اختبر البر لفترة من حياته، فلماذا تركه؟ خاصة بعد أن سلك في الشر وفقد بركة الله في حياته وفقد سلامه الداخلي. فلماذا لم يرجع؟ إنها خيانة كبيرة لله الذي أحبه وأعطاه فرصة أن يحيا في البر، ولكنه إن كان قد خان الله وسلك في الشر، ثم عاد بتوبة إليه وسلك في البر، فإن الله يقبله، كما أوضح ذلك في (ع21، 22).
ع25: إدعى وظن شعب الله أن الله يجازى البار شرًا لأجل أبيه الشرير، والشرير خيرًا لأجل أبيه البار. وعلى هذا الكلام الخاطئ اتهموا الله بعدم العدل، أي أن طرقه غير مستوية. ويرد الله أنه عادل، أما هم فطرقهم، أي أفكارهم وسلوكهم هي غير مستقيمة؛ لأجل تمسكهم بأفكارهم الخاطئة، التي تنحرف بأعمالهم، فيتمادوا في الشر اعتمادًا على بركة آبائهم، أو ييأسوا في حالة الآباء الأشرار، فيتمادوا في الشر أيضًا.
ع26: يؤكد هنا ما قاله في (ع24)، وهو أن البار إن رجع عن بره وسلك في الشر وأصر عليه، فإنه يهلك مهما كانت مدة بره؛ لأنه كان ظاهريًا، كما في حالة يهوذا الاسخريوطى. وكذلك في حالة من يترك البر، ويسير فترة طويلة في الشر، مثل شاول الملك، الذي بدأ حسنًا خاضعًا لله وصموئيل، ولكنه تكبر وسلك في الشر حتى نهاية حياته.
ع27، 28: يؤكد الله ما قاله سابقًا، وهو أن الشرير إن تاب فإن الله يقبل توبته، فيستعيد حياته الأبدية في الملكوت، وبهذا ينجو من الهلاك الأبدي. يعتمد كل هذا على مراجعته لنفسه، التي يرى فيها خطورة شروره فيتركها، ويرجع إلى الله، فينجى نفسه من الهلاك.
ع29: يؤكد الله هنا عدله وشر شعبه كما شرحنا في (ع25).
ع30: لا يكون لكم الإثم مهلكة : لا تنالوا هلاكًا أبديًا بسبب شروركم.
يعلن الله أن كل إنسان سينال مجازاة ما فعل خيرًا، أو شرًا. وبالتالي يدعو شعبه للتوبة، وترك الشر؛ حتى ينجو من الهلاك.
ع31: يستمر الله في دعوة شعبه للتوبة لترك شرورهم، والبدء الجديد مع الله بقلوب نقية ترغب في الحياة معه، وبهذا ينجون أنفسهم من الموت الأبدي. وهنا تظهر رحمة الله الذي ينذر شعبه في (ع30) حتى لا يهلكوا، ويدعوهم في هذا العدد ليتمتعوا بالحياة فيه.
ع32: الخلاصة يظهرها في هذه الآية، وهي رحمة الله ومحبته التي تجعله يريد خلاص الكل، ويحزن لهلاك الأشرار، وبالتالي يدعو شعبه للتوبة، فيجدوا حياتهم فيه.
† إن التوبة هي طريق الحياة لنا يا أخى مهما كانت شرورنا، فليتك تسرع إليها كل يوم لتغسل نفسك من كل شر، وتتمتع برحمة الله الذي يلح في طلب خلاصك؛ ليمتعك بملكوت السموات معه.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح التاسع عشر
(1) اللبؤة وشبلاها (ع1-9):
1- «أَمَّا أَنْتَ فَارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ، 2- وَقُلْ: مَا هِيَ أُمُّكَ؟ لَبْوَةٌ رَبَضَتْ بَيْنَ الأُسُودِ، وَرَبَّتْ جِرَاءَهَا بَيْنَ الأَشْبَالِ. 3- رَبَّتْ وَاحِدًا مِنْ جِرَائِهَا فَصَارَ شِبْلًا، وَتَعَلَّمَ افْتِرَاسَ الْفَرِيسَةِ. أَكَلَ النَّاسَ. 4- فَلَمَّا سَمِعَتْ بِهِ الأُمَمُ أُخِذَ فِي حُفْرَتِهِمْ، فَأَتَوْا بِهِ بِخَزَائِمَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. 5- فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا قَدِ انْتَظَرَتْ وَهَلَكَ رَجَاؤُهَا، أَخَذَتْ آخَرَ مِنْ جِرَائِهَا وَصَيَّرَتْهُ شِبْلًا. 6- فَتَمَشَّى بَيْنَ الأُسُودِ. صَارَ شِبْلًا وَتَعَلَّمَ افْتِرَاسَ الْفَرِيسَةِ. أَكَلَ النَّاسَ. 7- وَعَرَفَ قُصُورَهُمْ وَخَرَّبَ مُدُنَهُمْ، فَأَقْفَرَتِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا مِنْ صَوْتِ زَمْجَرَتِهِ. 8- فَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ شَبَكَتَهُمْ، فَأُخِذَ فِي حُفْرَتِهِمْ، 9- فَوَضَعُوهُ فِي قَفَصٍ بِخَزَائِمَ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى الْقِلاَعِ لِكَيْلاَ يُسْمَعَ صَوْتُهُ بَعْدُ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ.
ع1: طلب الله من حزقيال أن يرثى رؤساء إسرائيل، والرؤساء هنا هم الملوك، والمقصود بإسرائيل مملكة يهوذا؛ لأن مملكة إسرائيل كانت قد انتهت وسبيت منذ زمن طويل. واستخدام لفظ إسرائيل يقصد به بنى إسرائيل؛ لأن مملكة يهوذا هي جزء من شعب بني إسرائيل، وتألم عضو هو تألم لباقى الأعضاء (1 كو12: 27)، أي أن رثاء ملوك يهوذا وأورشليم هو رثاء لكل شعب بنى إسرائيل المسبيين وغير المسبيين. وقد لقبهم برؤساء، وليس ملوك لضعفهم وقرب انتهاء ملكهم بالسبي، بعد حوالي ثلاثة شهور، كما سيظهر فيما بعد. ولم يسمهم رعاة لأنهم كانوا أشرارًا، واهتموا بمصالحهم الشخصية، ولم يرعوا شعب الله.
ع2:
جرائها : جمع جرو وهو الحيوان حديث الولادة للأسد، أو الكلب، وعندما يكبر يسمى شبلًا وإذا اكتمل نمو الشبل يسمى أسدًا.
ربضت : رقدت، أي جلست على الأرض وقوائمها تحت.
يشبه الله في هذه المرثاة مملكة يهوذا بلبؤة؛ لأنها تلد أشبالًا، والمقصود بهم ملوك أقوياء. وقد ربضت بين الأسود، أي الأمم الوثنية المحيطة بها. وللأسف تعلم أشبالها من جيرانهم الوثنيين الشر وابتعدوا عن الله؛ لأن مملكة يهوذا اختلطت بالأمم، فعبدت أوثانهم، وتزاوجت منهم.
ع3، 4: أخذ في حفرتهم : قبض عليه وسبى إلى مصر.
خزائم : جمع خزامة، وهي حلقة معدنية توضع في الأنف دليل على العبودية، وكذلك توضع في أنف الحيوان، أي يصبح الملك أسيرًا وعبدًا ويشبه الحيوان ذليلًا تحت يد ملك مصر.
هذه اللبوة، أي مملكة يهوذا ربت أحد جرائها فكبر وصار شبلًا، أي صار ملكًا قويًا. ولكنه للأسف لم يملك ليرعى شعبه ويهتم بمصالحهم، بل كان شريرًا (2 مل23: 32) فظلم الناس واهتم بمصالحه الشخصية على حساب شعبه، فغضب الله عليه، لذلك سمح أن يقبض عليه ملك مصر الذي يدعى نخو، ويسبيه إلى مصر. والمقصود هنا بهذا الملك آحاز، ويدعى أيضًا يهوآحاز، وهو ابن يوشيا الملك الصالح. وأقام الملك نخو بعده أخوه يهوياقيم ملكًا على يهوذا.
ع5: هلك رجاؤها : لم يعد يهوآحاز من سبيه في مصر، وكذلك مات أخوه الملك يهوياقيم.
بعد أسر الملك يهوآحاز وقيام أخوه يهوياقيم ملكًا، ثم سُبى الأخير غالبًا إلى بابل، احتاجت مملكة يهوذا إلى ملك، فربت هذه اللبؤة، أي مملكة يهوذا أحد جرائها وصيرته شبلًا، أي جعلته ملكًا، والمقصود هناغالبًا يهوياكين ابن يهوياقيم الذي كان شابًا صغيرًا عمره ثمانية عشر عامًا (2 مل 24: 8).
ع6، 7: للأسف عندما ملك يهوياكين سار في الشر، فافترس شعبه وظلمهم وسلك بأنانية، فأغضب الرب؛ لأنه سلب مقتنيات الأغنياء الذين يعيشون في القصور، وخرب المدن التابعة له بسلب غنائمها ومحاصيلها لمصالحه الشخصية. وبالتالي صارت مملكة يهوذا في ضعف، مخربة بسبب ملكها الجديد يهوياكين، الذي كان يشارك أباه يهوياقيم الشرير في شره أثناء ملكه، ويساعده في الملك، ثم ملك بعده ثلاثة أشهر فقط وحده (2 مل24: 8). وبسبب ظلمه صارت الأرض، أي مملكة يهوذا في خراب، فكان مثالًا للملك الطاغية الظالم.
ع8، 9: فبسطوا عليه شبكتهم وأخذ في حفرتهم : قبضوا عليه.
قفص : كانت عادة الملوك القدماء إذلال المسبيين بوضعهم في أقفاص حقيقية، وعرضهم على الناس كأنهم حيوانات؛ ليشاهدوها. ويظهر هذا قوة المملكة إلى تقبض على الملوك وتذلهم.
القلاع : المقصود بالقلاع مدينة بابل الحصينة.
عندما سمعت الأمم الوثنية المحيطة بمملكة يهوذا يهوياكين الملك الطاغية المفترس لشعبه، خافوا من طغيانه، فتقدمت أقوى البلاد وقتذاك وهي بابل وقبضت عليه، وأخذته مسبيًا إلى بلادهم.
† لا تتمادى في الشر، أو تستغل سلطاتك لأنها نعمة معطاة من الله، فأنت وكيل مؤتمن عليها لتؤدى عنها حسابًا له؛ لأنك إن لم تكن أمينًا وظلمت غيرك، سينزع الله منك هذا السلطان، ويذلك، لعلك تتوب فتجد خلاصك. فلا تنزعج من الضيقات، بل افحص نفسك لعل الضيقة تكون تأديب إلهي تجتذبك إلى التوبة فتخلص.
(2) الكرمة (ع10-14):
10- «أُمُّكَ كَكَرْمَةٍ، مِثْلِكَ غُرِسَتْ عَلَى الْمِيَاهِ. كَانَتْ مُثْمِرَةً مُفْرِخَةً مِنْ كَثْرَةِ الْمِيَاهِ. 11- وَكَانَ لَهَا فُرُوعٌ قَوِيَّةٌ لِقُضْبَانِ الْمُتَسَلِّطِينَ، وَارْتَفَعَ سَاقُهَا بَيْنَ الأَغْصَانِ الْغَبْيَاءِ، وَظَهَرَتْ فِي ارْتِفَاعِهَا بِكَثْرَةِ زَرَاجِينِهَا. 12- لكِنَّهَا اقْتُلِعَتْ بِغَيْظٍ وَطُرِحَتْ عَلَى الأَرْضِ، وَقَدْ يَبَّسَتْ رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ ثَمَرَهَا. قُصِفَتْ وَيَبِسَتْ فُرُوعُهَا الْقَوِيَّةُ. أَكَلَتْهَا النَّارُ. 13- وَالآنَ غُرِسَتْ فِي الْقَفْرِ فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ عَطْشَانَةٍ. 14- وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ فَرْعِ عِصِيِّهَا أَكَلَتْ ثَمَرَهَا. وَلَيْسَ لَهَا الآنَ فَرْعٌ قَوِيٌّ لِقَضِيبِ تَسَلُّطٍ. هِيَ رِثَاءٌ وَتَكُونُ لِمَرْثَاةٍ».
ع10: يشبه الله أيضًا مملكة يهوذا وهو يرثيها بكرمة، هذه الكرمة غرست على مياه كثيرة، أي أعطاها الله خيرات وفيرة فصار لها عظمة، أي ثمار كثيرة. وهذا يظهر طول أناة الله، فرغم شر ملوك يهوذا باركهم الله وحفظهم وأعطاهم خيرات كثيرة، لعلهم يزيلون الأوثان، ويرجعون بالتوبة إليه، ويشكروه على عطاياه.
ع11: قضبان : أغصان.
الغبياء : أغصان كثيرة كثيفة متشابكة وذات أوراق.
زراجينها : فروع الكرمة.
من بركة الله على مملكة يهوذا أنه أعطاها ملوكًا لهم سلطان وقوة، يشبههم هنا بالفروع القوية الخارجة من الشجرة. وارتفعت هذه الشجرة بين باقي الأشجار، كما ارتفعت مملكة يهوذا بين الأمم المحيطة بها، لبركة الله التي فيها، فصار لها خيرات كثيرة، يشبهها هنا بالفروع الكثيفة. وهذا الكلام هو عن مملكة يهوذا أيام صدقيا الملك الذي صار له مجد وسلطان وقوة وخيرات كثيرة، رغم أنه كان شريرًا، ولم يقاوم عبادة الأوثان في أورشليم، بل وداخل هيكل الله. وصدقيا هذا هو أخو يهوياقيم ويهوآحاز الملكين، وإبن يوشيا الملك، وقد أقام ملك بابل صدقيا ملكًا بعد سبيه ليهوياكين ابن أخيه.
ع12: اغتاظ ملك بابل من خداع صدقيا بتحالفه مع مصر، فمد يده بغيظ وغضب شديد، وحاصر أورشليم، وقبض على صدقيا الملك، وقتل بنيه أمام عينيه، ثم فقأ عينيه، واقتاده أسيرًا إلى بابل، وأحرق أورشليم وهيكلها وقصورها. كل هذه نبوة يعلنها حزقيال؛ لأنه لم يكن قد تم حرق أورشليم على يد نبوزردان رئيس الشرط البابلي حتى وقت هذه النبوة.
والمقصود بالريح الشرقية جيوش بابل التي أتت من الشرق، وأتلفت ويبست الكرمة، أي مملكة يهوذا. والمقصود بفروع الكرمة رؤساء يهوذا، الذين سباهم أيضًا ملك بابل نبوخذ نصر مع صدقيا وكل عظمائه.
ع13: غرس الكرمة في أرض يابسة عطشانة هو سبى صدقيا الملك إلى أرض غريبة وهي بابل بعيدًا عن الله مصدر كل الخيرات والشبع، أي صار في جفاف روحي، بالإضافة إلى الذل المادي.
ع14: يؤكد هنا ثانية أن سبب حرق أورشليم هو شر صدقيا الملك وابتعاده عن الله، فاستطاعت بابل الاستيلاء على أورشليم وحرقها، فلم يعد في أورشليم ملكًا قويًا يتسلط عليها مستقلًا عن بابل، في حين لوكان الملك مع الله مثل حزقيا الملك، لم تستطع كل جيوش الأعداء أن تقهر أورشليم مدينته، بل يخرج ملاك من عند الله ويقتل مئة وخمسة وثمانين ألفًا من جيش الأعداء ويهرب الباقون (أش37: 36).
إن حالة أورشليم - الحالية التي يشبهها باللبؤة - محزنة، وحالتها المستقبلية التي ستتم بحرق أورشليم وسبى صدقيا يزيد الحزن ويحتاج إلى هذا الرثاء. والرثاء معناه حزن، أما المرثاة فهي قصيدة أو كلام حزين يتلوه الناس عند تذكرهم ما حدث لأورشليم، وهكذا تصبح أورشليم مثلًا أمام الناس على مدى الأجيال، يظهر تأديب الله لمن يعصاه من أولاده وتنقلب حالتهم من الخير الكثير والسلطان إلى الفقر والذل.
† اشكر الله كل يوم على عطاياه، واستغل بركاته لمجد اسمه والاقتراب إليه، فيحفظك الله بسلام ويبعد عنك الشياطين أعداءك.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح العشرون
(1) تمردهم في مصر (ع1-9):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ،فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ جَاءُوا لِيَسْأَلُوا الرَّبَّ، فَجَلَسُوا أَمَامِي. 2- فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 3- «يَا ابْنَ آدَمَ، كَلِّمْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتُمْ آتُونَ لِتَسْأَلُونِي؟ حَيٌّ أَنَا، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 4- هَلْ تَدِينُهُمْ؟ هَلْ تَدِينُ يَا ابْنَ آدَمَ؟ عَرِّفْهُمْ رَجَاسَاتِ آبَائِهِمْ، 5- وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي يَوْمِ اخْتَرْتُ إِسْرَائِيلَ وَرَفَعْتُ يَدِي لِنَسْلِ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَعَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَرَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي قَائِلًا: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، 6- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسْتُهَا لَهُمْ، تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي، 7- وَقُلْتُ لَهُمُ: اطْرَحُوا كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 8- فَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ يَطْرَحِ الإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَصْنَامَ مِصْرَ. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ عَلَيْهِمْ سَخَطِي فِي وَسْطِ أَرْضِ مِصْرَ. 9- لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسْطِهِمِ، الَّذِينَ عَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي أَمَامَ عُيُونِهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
ع1: يذكر هنا أن مجموعة من شيوخ اليهود أتوا إلى حزقيال ليسألوه ويسمعوا صوت الله منه لأنه نبيه، فيسأل الله ويجيبهم. وهؤلاء الشيوخ مسبيون مع حزقيال في مملكة بابل. ويحدد ميعاد حضور هؤلاء الشيوخ بالسنة السابعة، وهي السابعة من سبى يهوياكين، حيث سباه الملك نبوخذ نصر، وأخذ معه عدد كبير من الشبان منهم حزقيال النبي، الذي كان يبلغ وقتذاك خمسة وعشرين عامًا. ويحدد أيضًا اليوم والشهر، فهو اليوم العاشر من الشهر الخامس، وهو يقابل شهرى تموز وآب، أي يوليو وأغسطس، فالشهر الخامس يأخذ جزءًا من كلا الشهرين.
ويلاحظ أن بداية رؤيا حزقيال المذكورة في الأصحاح الأول كانت في السنة الخامسة لسبى يهوياكين، حين كان حزقيال عمره ثلاثين عامًا. وبعدها حدثت معه رؤيا أخرى في الأصحاح الثامن، وكان ذلك بعد حوالي أربعة عشر شهرًا من الرؤيا الأولى، وهذا اللقاء جاء بعد حوالي إحدى عشر شهرًا من الرؤيا المذكورة في الأصحاح الثامن.
لا ننسى أن مجموعة من الشيوخ أيضًا حضرت لسؤال حزقيال في الأصحاح الرابع عشر، وكانوا مثل هؤلاء المذكورين هنا مازالوا متمسكين بعبادة الأوثان، فأظهر الله غضبه عليهم على فم حزقيال، كما سيظهر الله غضبه هنا على هؤلاء الشيوخ أيضًا.
ع2، 3: أظهر الله ضيقه من هؤلاء الشيوخ وسؤالهم لأنهم متمردين عليه ومتمسكين بعبادة الأوثان كما سيظهر في (ع33)، ورفض أن يسمع سؤالهم أو يجيب عليهم. وهو نفس إجابة الله في (حز 14: 3).
ع4: يعقد الله مقارنة بين هؤلاء الشيوخ، الذين يمثلون الشعب المتمسك بعبادة الأوثان، وبين حزقيال وهو إنسان مثلهم، إذ يناديه يا ابن آدم، ولكن يعبد الله ويرفض الأصنام. ويعلن أن حياة حزقيال تدين سلوكهم، كما سيدين التلاميذ الإثنى عشر أسباط بني إسرائيل في يوم الدينونة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح كما آمن التلاميذ (مت19: 28).
طلب الله أيضًا من حزقيال أن ينبه هؤلاء الشيوخ والشعب التابع له، أي كل شعب الله إلى رجاساتهم، أي عبادتهم للأوثان، وكل شهواتهم الشريرة التي عصوا بها الله.
ع5: رفعت يدى : أقسمت وتعهدت لهم.
يذكر الله حزقيال وشعبه بأنه اختارهم شعبًا له، فقد دخلوا كعائلة صغيرة عددها سبعين فردًا هم بنو يعقوب فصاروا شعبًا كبيرًا في مصر رغم العبودية القاسية، وأنه أقسم أن يكون لهم إلهًا ويكونون شعبًا له، ويحفظهم، ويباركهم كل أيامهم إن أطاعوه، بعد أن عرفهم بنفسه على يد الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، ثم على يد موسى.
ع6: ووعد الرب شعبه وأخرجهم من مصر، واستخدم الجواسيس إلى أرض كنعان أيام موسى، ثم أيام يشوع؛ ليشجعهم على دخول أرض كنعان المملوءة بالخيرات. ويعلن الله هنا أنه هو الذي كان حارسًا للجواسيس والعامل فيهم، فيقول "تجسست". فهي عناية الله التي دبرت خروج الشعب من العبودية ودخولهم أرض الميعاد؛ ليتمتعوا بالخيرات الوفيرة، فقد اختار لهم من فرط محبته أفخر الأراضي.
ع7: أرجاس عينيه : الأصنام النجسة التي عبدها المصريون أمام عيونهم.
أمرهم الله أن ينفصلوا عن عبادة الأصنام التي عاشوا في وسطها بين المصريين. فإن كانت قلوبهم قد تأثرت بها وانبهرت بجمالها؛ فلينزعوا كل هذا من قلوبهم. وإن كان معهم أى تماثيل صغيرة قد أخذوها من مصر، فليطرحوها بعيدًا عنهم ليعبدوا الله وحده.
ع8، 9: لكن للأسف ظلت قلوب شعب الله متعلق بالأوثان، ولم يطيعوا الله من كل قلوبهم. ولكن محبة الله خلصتهم من عبودية مصر؛ ليتمجد إسمه فيهم، وبطول أناته أعطاهم فرصة للتوبة وترك عبادة الأصنام. وهكذا أظهر الله نفسه أنه إله الآلهة، وأقوى من جميع آلهة مصر من خلال الضربات العشر، وإخراج شعبه بقوة عظيمة عندما شق البحر الأحمر وأغرق فرعون وكل جيشه.
من هذا يظهر أن تمرد شعب الله بدأ من أيام كانوا في مصر رغم قوة الله العظيمة المساندة لهم، ولكن طول أناة الله كانت تطلب توبتهم.
† ليتك تطيع وصايا الله ولا تخدع نفسك، أو تنساق في شهواتك حتى لو انساق كل من حولك في تيار الشر. وثق أن الله قادر أن يحفظك ويخلصك من كل شر، ويعطيك بركات لا يعبر عنها من أجل محبته لك وتمجيد اسمه القدوس.
(2) تمردهم في البرية (ع10-17):
10- فَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 11- وَأَعْطَيْتُهُمْ فَرَائِضِي وَعَرَّفْتُهُمْ أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا. 12- وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا سُبُوتِي لِتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِيَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ. 13- «فَتَمَرَّدَ عَلَيَّ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَرَفَضُوا أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي كَثِيرًا. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لإِفْنَائِهِمْ. 14- لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. 15- وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ بِأَنِّي لاَ آتِي بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي. 16- لأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَحْكَامِي وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي، بَلْ نَجَّسُوا سُبُوتِي، لأَنَّ قَلْبَهُمْ ذَهَبَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ. 17- لكِنَّ عَيْنِي أَشْفَقَتْ عَلَيْهِمْ عَنْ إِهْلاَكِهِمْ، فَلَمْ أُفْنِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ.
ع10، 11: أخرج الرب شعبه ليس من عبودية المصريين لكن بالأحرى من بين أوثان مصر. وحفظهم في البرية بعيدًا عن الأصنام بوصاياه التي من خلالها يتمتعون بعشرته، وهذه قمة الحماية الإلهية، أكثر من عنايته بهم عن طريق الطعام الطازج يوميًا، وهو المن والماء المتجدد كل يوم من الصخرة، والهداية بعمود السحاب وعمود النار، وحفظهم من أخطار الأعداء، بل تغلبهم عليهم، مثل هزيمتهم لعماليق. فأفضل عناية هي أن يحوطنا الله بوصاياه، فيبعدنا عن كل شر ونعرفه ونتمتع به من خلال تطبيقها.
ع12: أعطاهم أيضًا الله من عنايته طقس تقديس السبت، وهو ليس فقط تقديس يوم لعبادة الله، بل هو رمز لتقديس الحياة كلها له، كما قدس المسيح نفسه لأجلنا وفدانا على الصليب. ونحن نقدس حياتنا له فندخل في اختبار أعمق لمحبته، فالعلامة التي تظهر بنوتنا لله وتبعيتنا له، هي تقديس يوم الرب وتقديس الحياة له.
ع13: رجزى : غضبى الشديد.
للأسف لم يحفظ الشعب وصايا الله في البرية، ولم يقدسوا يوم السبت لعبادته، فاستحقوا بالعدل الإلهي العقاب، لتمردهم عليه ورفضهم طاعته، أي استحقوا أن يبيدهم الله ويفنيهم.
ع14: ولكن رحمة الله تؤجل تنفيذ العدل الإلهي، فلم يبد شعبه في البرية، لأجل محبته لهم، وأعطاهم فرصة أن يتوبوا، ولكن منعهم من دخول أرض الميعاد، فماتوا في البرية، وسمح لأبنائهم عندما يكبرون أن يدخلوا.
سبب آخر لعدم إفناء شعبه هو ألا تظن الأمم أن الله قاس، أو غير قادر على إعالة شعبه فقتلهم في البرية، لذلك حفظهم وأدخل أبناءهم أرض الميعاد التي وعد بها، فظهرت قوة الله التي هي أقوى من كل الآلهة الوثنية.
ع15-17: فى غضب الله أقسم أنه لن يدخل شعبه إلى أرض الميعاد التي تفيض لبنًا وعسلًا، وسمح فقط لأطفالهم - الذين كبروا فيما بعد - أن يدخلوا أرض الميعاد.
وسبب عدم دخولهم وغضب الله عليهم هو عدم حفظ وصاياه، وكسر سبوته، وتعلق قلوبهم بأصنام مصر. ولم يقتلهم الله في الحال وأعطاهم فرصة للتوبة، ولكنهم جميعًا ماتوا في البرية، سواء من تاب عن تمرده أو ظل متمردًا.
† رحمة الله وطول أناته عجيبة، فهو يعطيك فرصة هذا العمر لتتوب عن كل خطاياك، فلا تستهن بطول أناته؛ لأن الحكم صادر عليك بالموت نتيجة خطاياك، ولكن بالتوبة تسترد حياتك، بل وتتمتع بعشرته ومحبته.
(3) تمرد أبنائهم في البرية (ع18-26):
18- وَقُلْتُ لأَبْنَائِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: لاَ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِ آبَائِكُمْ، وَلاَ تَحْفَظُوا أَحْكَامَهُمْ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِهِمْ. 19- أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، فَاسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَاحْفَظُوا أَحْكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا، 20- وَقَدِّسُوا سُبُوتِي فَتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 21- فَتَمَرَّدَ الأَبْنَاءُ عَلَيَّ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَلَمْ يَحْفَظُوا أَحْكَامِي لِيَعْمَلُوهَا، الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، َنَجَّسُوا سُبُوتِي. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ سَخَطِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. 22- ثُمَّ كَفَفْتُ يَدِي وَصَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. 23- وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لأُفَرِّقَهُمْ فِي الأُمَمِ وَأُذَرِّيَهُمْ فِي الأَرَاضِي، 24- لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25- وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26- وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع18: عندما فسد الآباء من شعب الله واستحقوا العقاب بالموت في البرية، لم يمتهم الله في الحال، بل أتاههم أربعين سنة في البرية، حتى لا يشمت بهم أعداؤهم إذا قتلهم سريعًا. لم يفقد الله رجاءه في شعبه، بل توجه إلى الأبناء، وحذرهم من السلوك في الفرائض الوثنية وعادات الشعوب الأجنبية المحيطة بها التي سلك فيها الآباء، أي ذكرهم أنهم شعب الله؛ لينفصلوا عن عبادة الأصنام.
† ليكن لك رجاءٌ دائمًا في نفسك وفى الآخرين؛ فلا تنزعج من خطاياك، أو الأيام التي تنقضى في الخطية، بل إسرع للتوبة مستغلًا باقي عمرك. ولا تيأس من خلاص من حولك، بل اطلب إلى الله من أجلهم، وأرشدهم، واظهر محبتك لهم؛ ليعودوا إلى الله.
ع19: أوصاهم الله أن يتمسكوا بوصاياه، أي أحكامه، ويحفظوا أيضًا عبادته، فيتمتعوا بعشرته.
رب أسرة يقرأ الكتب المقدسة لأسرته: "وقدسوا سبوتي فتكون علامة بيني وبينكم، لتعلموا أني أنا الرب إلهكم" (حزقيال 20: 20) - للفنان تشارلز جوزيف ستانيلاند
ع20: أوصاهم أيضًا أن يقدسوا يوم السبت ليتميزوا عن باقي الشعوب في عبادتهم لله. والسبت كما قلنا يرمز لتكريس، ليس فقط يوم لله كل أسبوع، بل لتكريس القلب كله له. وكما أن السبت هو اليوم الذي استراح الله فيه بعد خلقة العالم، هكذا أيضًا يستريح الإنسان بتكريس حياته لله والسبت يرمز للمسيح الذي فيه تستريح قلوبنا من كل متاعب هذه الحياة، وتستريح فيه إلى الأبد في ملكوت السموات.
ع21: رفض الأبناء طاعة الله فتركوا وصاياه وعبادته، وبالتالي استحقوا غضب الله وعقابه. وكما أعطى الله وصية للإنسان في جنة عدن ليحفظه في الجنة، متمتعًا بعشرة الله، ولكنه كسر الوصية، وفقد الحياة مع الله، وطرد من الجنة. هكذا أيضًا رفض شعب الله وصاياه في البرية، فحرموا أنفسهم من الحياة مع الله، واستحقوا الموت.
ع22: كففت يدى : لم أمد يدى بالإساءة إليهم، وأوقفت غضبى.
ولكن الله في محبته أوقف غضبه، ولم يمس الأبناء بأذى؛ لئلا يهين اسمه العظيم بين الأمم، فيقولوا أنه لم يستطع أن يحفظ شعبه فقتلهم في البرية، أي أن شعبه نال رحمة من الله من أجل تمجيد اسمه القدوس، وليس من أجل صلاحهم.
ع23، 24: أقسم الرب في غضبه - من أجل ابتعاد شعبه عن وصاياه واتباع عبادة الأصنام - أنه سيشتتهم بين الأمم إن أصروا على هذه الخطايا. وقد حدث هذا فعلًا بالسبي، فتفرقوا بين بلاد العالم الوثنية بيد المملكة الأشورية ثم المملكة البابلية.
ع25: عندما أصر الأبناء على الشر تركهم الله؛ ليذوقوا خطورة ما يفعلون؛ لعلهم عندما يتعبون من الخطية وآثارها يعودون إليه بالتوبة. فهذه الفرائض هي الفرائض الوثنية التي تميت صاحبها وتبعده عن الله، فتتعذب نفسه، فالله لم يعطهم فرائض غير صالحة، بل تركهم لفرائضهم الوثنية الشريرة.
ع26: أجازوا : عبروا أطفالهم في النار، أي أحرقوهم بالنار.
فاتح رحم : بكر.
انحط شعب الله بالعبادة الوثنية إلى أحط مرتبة وهي عبادة الإله الوثني مولك إله بنى عمون، الذي كانوا يقدمون له أطفالهم، ويحرقونهم بالنار إرضاءً له. وهكذا تنجسوا بالعبادات الوثنية أكبر نجاسة، وكان هذا هو سبب إبادتهم؛ حتى صاروا عددًا قليلًا متفرقين بين الأمم.
† إن الخطية تفقدك حياتك مع الله، وتحرمك من البركة، كما قللت أعداد شعب الله. وعلى العكس فالبر يزيد بركات الله للإنسان ويملأه بالفضائل والبركات الروحية والمادية. فتمسك بالعبادة بالكنيسة، واحرص على التوبة؛ لتحفظ حياتك في الله.
(4) تمردهم في أرض كنعان (ع27-29):
27- «لأَجْلِ ذلِكَ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي هذَا أَيْضًا جَدَّفَ عَلَيَّ آبَاؤُكُمْ، إِذْ خَانُونِي خِيَانَةً 28- لَمَّا أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، فَرَأَوْا كُلَّ تَلّ عَال وَكُلَّ شَجَرَةٍ غَبْيَاءَ، فَذَبَحُوا هُنَاكَ ذَبَائِحَهُمْ، وَقَرَّبُوا هُنَاكَ قَرَابِينَهُمُ الْمُغِيظَةَ، وَقَدَّمُوا هُنَاكَ رَوَائِحَ سُرُورِهِمْ، وَسَكَبُوا هُنَاكَ سَكَائِبَهُمْ. 29- فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هذِهِ الْمُرْتَفَعَةُ الَّتِي تَأْتُونَ إِلَيْهَا؟ فَدُعِيَ اسْمُهَا «مُرْتَفَعَةً» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
ع27، 28: سكائبهم : كانوا يسكبون خمرًا على الذبائح عند تقديمها.
يبين الله مرحلة أخرى من التمرد سقط فيها شعبه، فبعدما رحمهم وأعطاهم خيرات لا يتخيلونها بدخولهم أرض الميعاد، عادوا - رغم تعهدهم بعبادة الله - فسقطوا في عبادة الأوثان التي تعبدها الأمم المحيطة بهم. لقد أبعدهم الله أربعين سنة عن أصنام مصر في برية سيناء، ولكنهم عادوا فعبدوا الأصنام عندما دخلوا أرض الميعاد. إنه إصرار عجيب على إغاظة الله الرحيم كثير الخيرات، فبعد أن أوفى الله وعده وأدخلهم الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا واستراحوا، استغلوا الأشجار الكثيفة، فعبدوا الآلهة الوثنية تحتها، وكذلك قدموا ذبائحهم للأصنام على التلال؛ لترتفع كرائحة ذكية يسرون بها الأوثان. وسكبوا الخمر على هذه الذبائح إرضاءً للآلهة بدلًا من تقديم الذبائح لله في بيت الرب.
ع29: وبخهم الله على عبادة الأوثان على المرتفعات، لكنهم أهملوا كلامه، واستمروا في عبادتهم الشريرة.
† ليتك تشكر الله على عطاياه وتستخدمها لتمجيد إسمه القدوس، وتعطى المحتاجين، وتقدم من وقتك الكثير لخدمته. لا تعتمد على الماديات فهي زائلة في حد ذاتها، ولكنها عطية الله لتتذكره وتعبده وتشكره وتخدمه.
(5) تمردهم أيام حزقيال (ع30-32):
30- « لِذلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ تَنَجَّسْتُمْ بِطَرِيقِ آبَائِكُمْ، وَزَنَيْتُمْ وَرَاءَ أَرْجَاسِهِمْ؟ 31- وَبِتَقْدِيمِ عَطَايَاكُمْ وَإِجَازَةِ أَبْنَائِكُمْ فِي النَّارِ، تَتَنَجَّسُونَ بِكُلِّ أَصْنَامِكُمْ إِلَى الْيَوْمِ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ. 32- وَالَّذِي يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ لَنْ يَكُونَ، إِذْ تَقُولُونَ: نَكُونُ كَالأُمَمِ، كَقَبَائِلِ الأَرَاضِي فَنَعْبُدُ الْخَشَبَ وَالْحَجَرَ.
ع30، 31: يتعجب الله من شعبه المصر على عبادة الأوثان، وترك وصاياه، وإتباع أحط عادات الأمم الوثنية وهي حرق الأطفال بالنار إرضاءً للإله مولك، ثم بعد هذا يدعون أنهم يعبدون الله، ويأتون ليسألوه، فالله يعلن أنه لن يجيب عليهم، بل ما داموا مصرين على إغاظته، فلا يستحقون إلا الغضب الإلهي، وحرمانهم من كل بركة. فتمسكهم بعبادة الأصنام، مثل آبائهم، يعتبر زنى روحي؛ لأنهم كعروس تركوا عريسهم السماوى وهو الله، فمن حق العريس أن يغضب لخيانة عروسه له.
والعجيب في تصرف هؤلاء الشيوخ أنهم يعبدون الأوثان علانية، ثم يأتون في خفية ليسألوا الله عن طريق حزقيال، هذا يغيظ الله جدًا ويبين إعوجاج قلوبهم.
ع32: يظهر الله غضبه، في تجاسر هؤلاء الشيوخ ليسألوا حزقيال أن يسمح الله لهم بعبادة الأصنام إلى جانب عبادته. إلى هذه الدرجة يغيظون الله مبتعدين عن التوبة، إذ لا يشعرون بجرم ما يفعلون. والله يجيب بأنه لن يجيبهم على سؤالهم، ولن يقبل أن يشركوه مع الأوثان في قلوبهم، فإما أن يعبدوه، أو يعبدوا الأوثان؛ لأن عبادة الأوثان هي عبادة الشياطين ورفض لله، فكيف يعبدون الله ويرفضونه في نفس الوقت؟!
† لا تبرر الخطية فهذا أصعب شيء لأنك بهذا تبتعد عن التوبة، وتبتعد عن الله والملكوت وتستحق العذاب الأبدي. لا تخدع نفسك فتهلكها، بل اعترف بخطاياك، واعتذر للآخرين حتى لا تتعود تبرير نفسك فيتقسى قلبك.
(6) تأديبهم بالسبي (ع33-39):
33- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ أَمْلِكُ عَلَيْكُمْ. 34- وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ. 35- وَآتِي بِكُمْ إِلَى بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ، وَأُحَاكِمُكُمْ هُنَاكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ. 36- كَمَا حَاكَمْتُ آبَاءَكُمْ فِي بَرِّيَّةِ أَرْضِ مِصْرَ، كَذلِكَ أُحَاكِمُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 37- وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ. 38- وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالْعُصَاةَ عَلَيَّ. أُخْرِجُهُمْ مِنْ أَرْضِ غُرْبَتِهِمْ وَلاَ يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 39- «أَمَّا أَنْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: اذْهَبُوا اعْبُدُوا كُلُّ إِنْسَانٍ أَصْنَامَهُ. وَبَعْدُ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي فَلاَ تُنَجِّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بَعْدُ بِعَطَايَاكُمْ وَبِأَصْنَامِكُمْ.
ع33: تظهر محبة الله نحو شعبه الخائن المتمرد، أنه لم يمل منهم وييأس من خلاصهم، بل يعلن محبته في قلبه المفتوح لهم، ورغبته أن يملك عليهم، مستخدمًا التأديب، ليرجعوا إليه.
ع34: يمد الله يده فيجمع شعبه للعناية بهم، ليس بعطايا مادية، بل تأديب وغضب؛ لينتبهوا ويتركوا خطاياهم، ويرجعوا إليه، فيتمتعوا بأبوته وحنانه. فيجمعهم هنا تعنى إحصاء الله لهم، واهتمامه بكل فرد منهم، وطلبه لخلاص الكل عن طريق التأديب في السبي، إذ لاقى شعب الله ذل وعبودية وجوع واضطهاد حتى الموت، كل هذا تأديب إلهى؛ ليرجع من يريد منهم إلى الله، فيقبله ويفرح به.
ع35: برية الشعوب : المقصود بها مملكة بابل التي تشتتوا فيها أثناء السبي.
والله يحاكمهم هناك، أي يعاقبهم على خطاياهم في عبادة الأوثان والشهوات الشريرة بكل الاضطهادات والآلام التي لاقوها في السبي، فالمحاكمة الإلهية يستد فيها كل فم، وينال عقاب الله؛ لأن الخطية واضحة وليس لها تبرير. ويقول "وجهًا لوجه" بمعنى أنه بالسبي وذله يتذكرون خطاياهم، أي يواجههم الله بخطاياهم، ويعلمون أن السبي هو تأديب بسبب خطاياهم ليتوبوا.
ع36: يذكرهم بمحاكمته وتأديبه لآبائهم قديمًا في برية سيناء، حينما تذمروا عليه ورفضوا دخول أرض الميعاد، فآتاههم في البرية أربعين سنة حتى ماتوا جميعهم فيها. هكذا سيؤدب الله شعبه في السبي.
ع37: يخبرنا سفر اللاويين بأن الله أمر شعبه أن يجعلوا الخراف تمر تحت العصا والعاشر يفرزوه لله (لا27: 32)، وشعب الله هو هذا الخروف المفرز والمخصص لعبادة الله من بين جميع الشعوب، ولكنهم من أجل زيغانهم في عبادة الأوثان احتاجوا للتأديب بالعصا، أي التأديب في السبي بالآلام كثيرة؛ حتى يتوبوا ويعودوا لله مفرزين لعبادته، فيجددوا عهدهم معه كشعب خاص له.
ع38: أما الذين يصرون على التمرد وعبادة الأصنام فالله سيخرجهم من عنايته؛ لأنهم أخرجوه من تفكيرهم وعبدوا الأوثان مع أنهم شعب الله، فيموتون في السبي، ولا يعودون منه إلى أورشليم واليهودية وكل أرض إسرائيل.
ع39: فى النهاية يستنكر الله إصرارهم على عبادة الأوثان، ويقول لهم إن استمراركم في خيانتى بعبادة الأوثان تفقدكم بنوتكم لى، وتحكمون على أنفسكم بالهلاك، يقول هذا بكل حزن وأسى على شعبه المصر على التمرد.
ولكن يستدرك فيقول إن كنتم مصرين على عبادة الأوثان، فلا تعودوا تقدموا ذبائح، أو تقدمات لى؛ لأنى أرفضها، إذ لا اقبل عطايا ممن يخونوننى ويغيظوننى ويصرون على الشر، أي كفاكم خداعًا. هذا أفضل لهم إذ يعطيهم فرصة لمراجعة النفس والتوبة.
† لا تصر على خطية، مثل عدم التسامح، أو التهاون في أية خطية؛ لأن صلواتك وصدقاتك تكون مرفوضة من الله، والأجدر بك أن تتوب، فتنال رضى الله، وحينئذ يفرح بعبادتك المقدمة له.
(7) إعادتهم من السبي (ع40-44):
40- لأَنَّهُ فِي جَبَلِ قُدْسِي، فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، هُنَاكَ يَعْبُدُنِي كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّهُمْ فِي الأَرْضِ. هُنَاكَ أَرْضَى عَنْهُمْ، وَهُنَاكَ أَطْلُبُ تَقْدِمَاتِكُمْ وَبَاكُورَاتِ جِزَاكُمْ مَعَ جَمِيعِ مُقَدَّسَاتِكُمْ. 41- بِرَائِحَةِ سُرُورِكُمْ أَرْضَى عَنْكُمْ، حِينَ أُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا، وَأَتَقَدَّسُ فِيكُمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، 42- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، حِينَ آتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُعْطِي آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. 43- وَهُنَاكَ تَذْكُرُونَ طُرُقَكُمْ وَكُلَّ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَنَجَّسْتُمْ بِهَا، وَتَمْقُتُونَ أَنْفُسَكُمْ لِجَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلْتُمْ. 44- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِذَا فَعَلْتُ بِكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. لاَ كَطُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، وَلاَ كَأَعْمَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع40: جزاكم : مكافأتكم لله، أي تقدماتكم.
يبشر الله شعبه أنهم إذا قبلوا تأديبه، فسيعيدهم من السبي إلى أورشليم المبنية على الجبال، هناك هيكل قدس الله، الذي هو أسمى مكان في العالم، وهناك يعبده شعب الله، ويقبل ذبائحهم وتقدماتهم وبكورهم وكل ما يقدسونه ويخصصونه ويهبونه لله؛ فيفرح بكل عطاياهم.
وهذا رمز لرجوع الإنسان من الخطية، والإيمان بالمسيح في ملء الزمان، فيعبد المؤمنون الله في كنيسته، التي هي أسمى مكان في العالم، وهي بدورها ترمز أيضًا إلى أورشليم السمائية، أي ملكوت السموات.
ع41: هنا يجمع الله شعبه، لا للتأديب والمحاكمة، كما حدث في السبي، بل للتكريم والبركة، فيعبدونه في هيكله المقدس في أورشليم، ويفرح الله بمحرقاتهم، التي ترتفع كرائحة زكية أمامه وتسر قلبه. ويظهر شعب الله أنه مقدس ومخصص لعبادته وينال بركاته أمام جميع الأمم، فيكون مثالًا حسنًا وقدوة للأمم؛ حتى يؤمنوا بالله وهذا هو الغرض من اختيارهم كشعب خاص له.
† لا تنسى أنك نور للعالم وملح للأرض، فتدقق في كل كلماتك وتصرفاتك لترضى الله، وتكون قدوة لمن حولك، فيمجدوا الله الذي فيك.
ع42: حينئذ يتأكد وعد الله، الذي تعهد أن يعطى أرض كنعان لنسل إبراهيم. فإن كانوا قد طردوا منها بسبب شرورهم، فالله يعيدهم إليها بسبب توبتهم، ويتحقق كلام الله الذي أعلنه في شريعته لموسى، أنه كما طردت أرض كنعان شعوبها من أجل شرورهم، ستطرد أيضًا شعب الله من أجل شروره، ولكن إن تاب يعيده الله إليها.
ع43: حينما يتمتع شعب الله الراجع من السبي بعبادته في هيكله وببركاته التي ستفيض عليه، يحاسبون أنفسهم، ويتذكرون خطاياهم، فتظهر أنها خاطئة جدًا، فيكرهونها لأنها أبعدتهم عن الله، وحرمتهم من عشرته. فحياة البر تظهر شناعة الخطية، فتعمق توبة الإنسان.
ع44: هكذا تظهر رحمة الله العجيبة، الذي يغفر الخطايا، فهو يؤدب إلى حين، ولكن إن تاب أولاده يسامحهم، عن كل طرقهم الشريرة، ويعاملهم بحنانه، ويوفى لهم وعوده الرحيمة؛ حتى يثبت إيمانهم به ويحيون معه إلى الأبد.
(8) التأديب البابلي (ع45-49):
45- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 46- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ التَّيْمَنِ، وَتَكَلَّمْ نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَتَنَبَّأْ عَلَى وَعْرِ الْحَقْلِ فِي الْجَنُوبِ، 47- وَقُلْ لِوَعْرِ الْجَنُوبِ: اسْمَعْ كَلاَمَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُضْرِمُ فِيكَ نَارًا فَتَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِيكَ وَكُلَّ شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ. لاَ يُطْفَأُ لَهِيبُهَا الْمُلْتَهِبُ، وَتُحْرَقُ بِهَا كُلُّ الْوُجُوهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. 48- فَيَرَى كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَضْرَمْتُهَا. لاَ تُطْفَأُ». 49- فَقُلْتُ: «آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هُمْ يَقُولُونَ: أَمَا يُمَثِّلُ هُوَ أَمْثَالًا؟».
ع45، 46: التيمن : المقصود ناحية الجنوب.
وعر الحقل : المناطق الصخرية بجوار الحقول.
بعدما بشرهم الله بالرجوع من السبي، يعود فيؤكد ضرورة التأديب البابلي حتى يتوبوا؛ لئلا في نشوة فرحهم بالرجوع ينسون ضرورة قبول التأديب. فيعلن الله لهم أن التأديب سيكون في منطقة الجنوب، والمقصود بها منطقة اليهودية وأورشليم، وهي تقع في الجنوب الغربي من بابل، حيث يقيم حزقيال.
ع47: يؤكد أن بابل ستحرق وتبيد أورشليم وسكانها، وتقضى على الحياة التي تمثلها الأشجار الخضراء، أي أن التأديب سيكون قاسيًا لأجل صعوبة خطاياهم في عبادتهم للأوثان وانغماسهم في الشهوات.
ع48: أضرمتها : أشعلتها.
سيفهم حينئذ الناس، من شعبه ومن الأمم أيضًا أن الله وراء هذا التأديب؛ لأن الله أعلنه في نبوات أنبيائه، قبل أن يحدث، لعل شعبه والأمم أيضًا يؤمنون به ويرجعون إليه بالتوبة.
ع49: باستخفاف رفض شعب الله قبول تحذيراته، وقالوا عن كلام الله على فم حزقيال أنه مجرد أمثال لن تتحقق، أي تشككوا ورفضوا كلام الله ليبقوا في الخطية.
† لا ترفض كلام الله في الكتاب المقدس، وفى الكنيسة، وعلى فم كل من حولك، إنه يدعوك للتوبة، فراجع نفسك لأنه يحبك ويريد أن يغفر خطاياك. إن الكلام موجه لك أنت وليس للآخرين فقط، فاقبله واحيا به، فيكون لك مكان في السماء.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الحادى والعشرون

(1) التنهد على أورشليم (ع1-7):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، وَتَكَلَّمْ عَلَى الْمَقَادِسِ، وَتَنَبَّأْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، 3- وَقُلْ لأَرْضِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكِ، وَأَسْتَلُّ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ فَأَقْطَعُ مِنْكِ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ. 4- مِنْ حَيْثُ أَنِّي أَقْطَعُ مِنْكِ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ، فَلِذلِكَ يَخْرُجُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. 5- فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، سَلَلْتُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ. لاَ يَرْجعُ أَيْضًا. 6- أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَتَنَهَّدْ بِانْكِسَارِ الْحَقَوَيْنِ، وَبِمَرَارَةٍ تَنَهَّدْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. 7- وَيَكُونُ إِذَا قَالُوا لَكَ: عَلَى مَ تَتَنَهَّدُ؟ أَنَّكَ تَقُولُ: عَلَى الْخَبَرِ، لأَنَّهُ جَاءٍ فَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبٍ، وَتَرْتَخِي كُلُّ الأَيْدِي، وَتَيْأَسُ كُلُّ رُوحٍ، وَكُلُّ الرُّكَبِ تَصِيرُ كَالْمَاءِ، هَا هِيَ آتِيَةٌ وَتَكُونُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع1، 2: بعد أن أظهر الله لشعبه تمردهم عليه على مدى الأجيال في الأصحاح السابق، لم يتوبوا، بل استهانوا بكلامه، وقالوا في نهاية الأصحاح أنها مجرد أمثلة وليست واقع سيحدث (حز 20: 49). ففى هذا الأصحاح يتكلم الله بوضوح عن بابل التي ستدمر أورشليم ومملكة يهوذا، وينادى حزقيال يا ابن آدم، ليشهد الإنسان البشرى العادي على شرور شعبه التي تستحق العقاب. والتنبؤ هنا موجه لأورشليم حيث هيكل الله، الذي يسميه المقادس التي نجسوها بأصنامهم وشرورهم، وعلى كل أرض يهوذا التي يسميها إسرائيل؛ لأنهم شعبه بنى إسرائيل، فالمقصود بإسرائيل ليست مملكة إسرائيل الشمالية، بل بني إسرائيل الموجودين في يهوذا.
ع3: غمده : الجراب، أو الحافظة التي يوضع فيها السيف حتى لا يجرح أحدًا بحديه.
النبوة تعلن أن سيف الله سيخرج من غمده ليقتل الكثيرين، ويقصد بسيف الله بابل التي ستهجم على أورشليم ومملكة يهوذا. وما أصعب أن يكون الله على إنسان وليس معه، لأن يد الله قوية وثقيلة، وهي تكون على الأبرار لينقلوا إلى بابل ويعيشوا وينجحوا هناك مثل حزقيال ودانيال، وتكون أيضًا على الأشرار فيقتلوا بالسيف، أو تكون على الأبرار فيقتلوا وتحفظ أرواحهم لتدخل الفردوس، أما الأشرار فعندما يقتلون فإنهم يُحْفَظون ليذهبوا للعذاب الأبدي.
ع4: سيكون الهلاك عامًا لكل مملكة يهوذا من الجنوب إلى الشمال، أي سيهلك الكل الأبرار والأشرار، إعلانًا عن غضب الله الذي أطال أناته على شعبه من بعد أيام يوشيا الملك الصالح، حيث عبدوا الأصنام وتمموا شهواتهم الشريرة.
ع5: سللت سيفى : أخرجت سيفى من جرابه.
يؤكد الله هنا أن غضبه سيظهر من خلال بابل، فيدعوها سيفه الذي سيهلك به شعبه في مملكة يهوذا. وسيستمر هذا مدة طويلة ليهلك الكثيرين، فلا يرجع إلى غمده بسرعة. ويظهر أمام كل البشر أن الله غاضب على شعبه بسبب خطاياهم.
ع6: انكسار الحقوين : بانحناء وتوجع وهي كناية عن الحزن الشديد.
يطلب الله من حزقيال أن يظهر حزنه الشديد في تنهدات وتألم في جسده وتوجع، أو مرارة في قلبه على كل هذه الأحداث، حتى عندما يسأله الناس عن سبب حزنه يشرح لهم هذه النبوة والدمار الذي سيحل على أورشليم وأرض يهوذا.
ع7: عندما يسأل الناس حزقيال عن تنهده وحزنه يقول لهم إن السبب هو الخبر، أي كلام الله وأمره بتخريب مملكة يهوذا، وهذا سيجعل كل القلوب في ألم شديد وخوف، وستضعف تمامًا كل قوة في شعب الله، التي يمثلها بالأيدى. ويشعر كل سكان أورشليم ومما حولها باليأس أمام هجوم بابل العنيف، ويفقدون قوتهم على الحركة، التي يرمز إليها بالركب الضعيفة جدًا التي صارت كالماء. ثم يؤكد حزقيال أن كل هذه المصائب ستأتي حتمًا على شعب الله كما أمر الله.
(2) سيف حاد مدمر (ع8-17):
8- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 9- «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قُلْ: سَيْفٌ سَيْفٌ حُدِّدَ وَصُقِلَ أَيْضًا. 10- قَدْ حُدِّدَ لِيَذْبَحَ ذَبْحًا. قَدْ صُقِلَ لِكَيْ يَبْرُقَ. فَهَلْ نَبْتَهِجُ؟ عَصَا ابْنِي تَزْدَرِي بِكُلِّ عُودٍ. 11- وَقَدْ أَعْطَاهُ لِيُصْقَلَ لِكَيْ يُمْسَكَ بِالْكَفِّ. هذَا السَّيْفُ قَدْ حُدِّدَ وَهُوَ مَصْقُولٌ لِكَيْ يُسَلَّمَ لِيَدِ الْقَاتِلِ.12- اصْرُخْ وَوَلْوِلْ يَا ابْنَ آدَمَ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى شَعْبِي وَعَلَى كُلِّ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ. أَهْوَالٌ بِسَبَبِ السَّيْفِ تَكُونُ عَلَى شَعْبِي. لِذلِكَ اصْفِقْ عَلَى فَخْذِكَ. 13- لأَنَّهُ امْتِحَانٌ. وَمَاذَا إِنْ لَمْ تَكُنْ أَيْضًا الْعَصَا الْمُزْدَرِيَةُ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 14- فَتَنَبَّأْ أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ وَاصْفِقْ كَفًّا عَلَى كَفّ، وَلْيُعَدِ السَّيْفُ ثَالِثَةً. هُوَ سَيْفُ الْقَتْلَى، سَيْفُ الْقَتْلِ الْعَظِيمِ الْمُحِيقُ بِهِمْ. 15- لِذَوَبَانِ الْقَلْبِ وَتَكْثِيرِ الْمَهَالِكِ، لِذلِكَ جَعَلْتُ عَلَى كُلِّ الأَبْوَابِ سَيْفًا مُتَقَلِّبًا. آهِ! قَدْ جُعِلَ بَرَّاقًا. هُوَ مَصْقُولٌ لِلذَّبْحِ. 16- انْضَمَّ يَمِّنِ، انْتَصِبْ شَمِّلْ، حَيْثُمَا تَوَجَّهَ حَدُّكَ. 17- وَأَنَا أَيْضًا أُصَفِّقُ كَفِّي عَلَى كَفِّي وَأُسَكِّنُ غَضَبِي. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ».
ع8، 9: حدد : جعله حادًا ليقتل بسرعة.
صقل : تم جليه فصار ناعمًا ليسهل القتل به.
أعطى الله حزقيال نبوة جديدة أكد فيها أن بابل التي ستهجم على شعب الله ستكون عنيفة جدًا. ويشبهها هنا بالسيف الذي أعد ليصير ناعمًا وحادًا جدًا ليقتل بكثرة.
والسيف المصقول براق فيخيف من يراه، أي أن بابل ستصير عنيفة ومخيفة جدًا في هجومها على أورشليم.
ويكرر كلمة سيف مرتين ليؤكد أن بابل مقبلة بسرعة وحتمًا ستسحق شعبه.
ع10: يبرق : يضئ بقوة كالبرق لأن السيف لامع جدًا.
تزدرى : تحتقر.
يوضح هنا سبب إعداد السيف وهو أن يكون حادًا جدًا ليقتل الكثيرين، وصقل لكي يكون براقًا فيخيف شعب الله. ويتساءل الله، أو يسأل شعبه إن كان الهجوم البابلي عنيف ورهيب إلى هذه الدرجة، فهل يفرح شعب الله ويبتهج؟ بالطبع لا بل ينبغى أن يحزن ويتوب عن خطاياه؛ لأن الكثيرين من بني إسرائيل كانوا يظنون أنه لن تخرب أورشليم لأن فيها هيكل الله، واستهانوا بإنذارات الله، وظنوا أنها مجرد قصص وأمثلة لن تتحق، واستمروا في أفراحهم العالمية وانغماسهم في شهواتهم، لذا يتعجب الله ويقول هل أمام سيف بابل نبتهج؟! ويعبر الله عن حزنه ويتكلم بصيغة الجمع، أي بثالوثه القدوس فيقول هل نبتهج؟! بالطبع لا فالله حزين على شعبه.
يؤكد الله عنف بابل التي يشبهها بالعصى التي أعدها لتأديب ابنه إسرائيل. ويقول عن هذه العصا أنها تحتقر كل عود، أي كل إنسان مهما كان عظيمًا، فهذه العصا ستحطمه، فهو يشبه بابل - الأداة التي يستخدمها - بالسيف وبالعصا إظهارًا لقوتها التي ستكتسح أورشليم.
† إفحص خطاياك لتتوب عنها ولا تخدع نفسك بأن الله طيب وحنون، فتتمادى في شرك مستهينًا بطول أناته، أو تحاول أن تفرح فرحًا خارجيًا والخطية مازالت داخلك، وتوهم نفسك بأن أولاد الله فرحون فتلقى عنك التوبة والندم والدموع. ثق أنك إن لم تخف الله فلن تستطع التمتع بالفرح الحقيقي.
ع11: الله هو الذي أمر أن يصقل السيف ويحدد، حتى يكون بيد القاتل الذي هو بابل، أو السيف هو بابل وفى يد الله الذي سمح أن يقتل الكثيرون لأجل شرورهم وتأديبًا للأمة اليهودية؛ لتتوب البقية.
ع12: أصفق على فخذك : علامة الحزن الشديد.
ينادى الله حزقيال ليحزن بشدة على المصائب الكثيرة التي ستحل بشعب الله، وهذا يبين أن الله بأبوته حزين جدًا على شعبه، إذ يدعوه شعبى مرتين، ولكنه مضطر لتأديبهم حتى يتوبوا، وسيكون التأديب على الشعب والرؤساء، أي كل مملكة يهوذا.
ع13: إن الله يسمح بالتأديب البابلي كامتحان لشعبه حتى يرجعوا إليه. فالمقصود ببابل، العصا التي تزدرى بكل الرؤساء والعظماء، فتضرب الكل حتى يتوبوا، الكل ويندموا على خطاياهم.
ومن المطمئن أن العصا في يد الله ولا تتحرك ضد مشيئته،فهو لا يسمح لها بتأديب شعبه فوق طاقته؛ لأن المقصود بالتأديب هو التوبة وليس الإهلاك والتخلص من شعبه.
والمقصود بعبارة "إن لم تكن أيضًا العصا المزدرية" أي كانت العصا غير مزدرية، أي أن بابل ضعيفة ولن تؤدب شعب الله، وهذا غير سليم، لأنه امتحان كما تقول بداية الآية، أي أنه لابد أن تكون مزدرية، أي عنيفة، ويستخدمها الله لتأديب شعبه بغرض توبته. وفى الترجمة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين "لأنه ماذا تكون المحنة لو لم يكن الصولجان المزدرى" أي كيف يكون امتحان لشعب الله إن لم يزدرِ ملك بابل بملوك الشعوب ويؤدبهم.
ع14: أصفق كفًا على كف : علامة الحزن والتعجب.
المحيق : الساحق المهلك.
يؤكد الله للمرة الثالثة أنه يعد السيف ليسحق شعبه، وتأكيده ثلاثة مرات يبين أن الأمر قريب وعنيف؛ لأنها آخر فرصة ليتوب الشعب، لأنهم إن تابوا كان الله سيبعد بابل، كما حدث مع أهل نينوى عندما تابوا فرفع الله غضبه عنهم.
ع15: يبين الله أن الهجوم البابلي سيؤدى إلى الانهيار النفسى لكل السكان، ويعبر عنه بذوبان القلب، أي يصير قلبهم ضعيفًا كأنه كمية ماء، بلا أية قوة للتماسك أمام العدو، خاصة عندما يرون القتلى من شعب الله كثيرين. وسيشمل الهلاك والقتل كل البيوت، فلن ينجو بيتٌ. ويعبر عن كثرة القتلى بتقلب السيف، فيضرب في كل اتجاه، ويتقلب ويخيف الناظرين، ولن توجد حماية ولا بيت محصن، أي أن السيف سيكون على كل الأماكن، وعلى باب كل بيت.
ونرى مشاعر الله كأب نحو شعبه وهو يتأوه على شعبه، لأنه يرى عنف بابل وما ستعمله بأولاده. إنه يود أن يتوبوا ولا يأتي عليهم سيف بابل، ولكنه مضطر لهذا السيف لعلهم يتوبون ويخلصون. وهكذا أيضًا يشعر كل خادم وكل أب عندما يرى أولاده يسيرون في طريق الشر والهلاك، فينصحهم ويمنعهم من مواصلة الطريق الشرير، وإن لم يستطع، يتأوه أمام الله لأجلهم ويعتصر قلبه.
ع16: يمن : اتجه نحو اليمين.
شمل : اتجه نحو الشمال.
ينادى الله سيفه الذي هو بابل أن يتحرك يمينًا وشمالًا ليقتل في كل اتجاه بحده المعد، فيقتل ويجرح، أي يؤكد أن الضيق سيكون في كل مكان.
ع17: الله حزين على شعبه الذي يؤدبه، ويعبر عن هذا بتصفيق يده على اليد الأخرى، ولكن بهذا التأديب يظهر عدل الله، ويهدأ غضبه، إذ سمح بتجارب عنيفة ليعطى آخر فرصة للتوبة؛ لأنه يحب شعبه ويريد رجوعهم. وفعلًا سيتأثر جزء من الشعب ويرجعوا لله بالتوبة، وهؤلاء هم الذين عبدوا الله في السبي وعاد منهم الكثيرون إلى أورشليم واليهودية.
(3) طريقا ملك بابل (ع18-24):
18 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 19- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، عَيِّنْ لِنَفْسِكَ طَرِيقَيْنِ لِمَجِيءِ سَيْفِ مَلِكِ بَابِلَ. مِنْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ تَخْرُجُ الاثْنَتَانِ. وَاصْنَعْ صُوَّةً، عَلَى رَأْسِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ اصْنَعْهَا. 20- عَيِّنْ طَرِيقًا لِيَأْتِيَ السَّيْفُ عَلَى رَبَّةِ بَنِي عَمُّونَ، وَعَلَى يَهُوذَا فِي أُورُشَلِيمَ الْمَنِيعَةِ. 21- لأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ وَقَفَ عَلَى أُمِّ الطَّرِيقِ، عَلَى رَأْسِ الطَّرِيقَيْنِ لِيَعْرِفَ عِرَافَةً. صَقَلَ السِّهَامَ، سَأَلَ بِالتَّرَافِيمِ، نَظَرَ إِلَى الْكَبِدِ. 22- عَنْ يَمِينِهِ كَانَتِ الْعِرَافَةُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِوَضْعِ الْمَجَانِقِ، لِفَتْحِ الْفَمِ فِي الْقَتْلِ، وَلِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْهُتَافِ، لِوَضْعِ الْمَجَانِقِ عَلَى الأَبْوَابِ، لإِقَامَةِ مِتْرَسَةٍ لِبِنَاءِ بُرْجٍ. 23- وَتَكُونُ لَهُمْ مِثْلَ عِرَافَةٍ كَاذِبَةٍ فِي عُيُونِهِمِ الْحَالِفِينَ لَهُمْ حَلْفًا. لكِنَّهُ يَذْكُرُ الإِثْمَ حَتَّى يُؤْخَذُوا. 24- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ ذَكَّرْتُمْ بِإِثْمِكُمْ عِنْدَ انْكِشَافِ مَعَاصِيكُمْ لإِظْهَارِ خَطَايَاكُمْ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ، فَمِنْ تَذْكِيرِكُمْ تُؤْخَذُونَ بِالْيَدِ.
ع18: صوة : حجر، أو مجموعة أحجار توضع على الطريق كعلامة لمعرفة الاتجاه إلى أي الطرق.
المدينة : يقصد بها أورشليم.
طلب الله من حزقيال في هذه النبوة أن يرسم كوسيلة إيضاح أمام الشعب طريق يخرج من بابل ثم ينقسم إلى اتجاهين، أحدهما يتجه إلى عاصمة بنى عمون وهي ربة، والآخر يتجه إلى أورشليم، ويضع عند مفترق الطرق علامة من الأحجار تظهر أن هناك طريقين ينبغى على المسافر أن يتجه إلى أحدهما، إما ربة، أو أورشليم.
ع20: وهذا الرسم التوضيحي، الذي سيصنعه حزقيال، إما بخطوط على الأرض، أو بوضع أخشاب، أو حجارة تبين أن هناك طريق ينقسم إلى طريقين؛ يقصد به إعلان أن بابل ستتحرك بجيوشها وتقترب من أورشليم، وقبل أن تصل إليها تجد نفسها في مفترق طرق إما أن تتجه في محاربة بنى عمون، أو تواصل سيرها إلى أورشليم.
وكان سكان مملكة يهوذا قد تجمعوا في أورشليم لثقتهم أن مدينتهم منيعة لا يمكن اقتحامها، إذ فيها هيكل الله الذي يحميها، ونسوا أن شرهم سيؤدى إلى عقابهم، وعدم احترامهم لهيكل الله جعله يغضب عليهم.
ع21: أم الطريق : مفترق الطرق.
عرافة : التنبؤ باستخدام وسائل السحرة وهي بالطبع كاذبة لأنها شيطانية، أو نوع من الدجل.
الترافيم : تماثيل صغيرة للأوثان يستخدمها الناس في بيوتهم ويحملونها معهم في أسفارهم لترشدهم وتحميهم، وهي غير تماثيل الأوثان الكبيرة التي تقام في أماكن العبادة.
الكبد : كان الوثنيون، أو العرافون يؤمنون أن كبد الحيوان بعد ذبحه ووضعه في الشمس يستدلون من لونه والتجاعيد التي فيه على إرشادات في حياتهم، مثلما يقرأون الآن الكف والفنجان، إذ كانوا يعتقدون بأهمية الكبد لكثرة الدم الواصل إليه أنه مصدر الحياة وقراءته ترشد الإنسان في طرق حياته.
سيصل ملك بابل إلى مفترق الطرق ويجد أمامه طريقين، أحدهما إلى أورشليم، والآخر إلى ربة، ولا يعرف أي طريق يسلكه، وبالتالي أي بلد يبدأ بالهجوم عليها، ويقف هناك ويعد أسلحته، فيصقل السهام لتصير براقة وحادة، ويكتب على أحدها ربة وعلى السهم الآخر أورشليم، ويضعها في الجراب، ويهزها، ثم يختار أحدها فيعرف أي طريق يسلكه، وقد يستخدم الترافيم، أي تماثيل الأوثان لترشده. ومن الطرق التي يستخدمها أيضًا ذبح حيوان، ووضع كبده في الشمس ليستدل العرافون من شكله على الطريق الذي يسلكه. والخلاصة أن ملك بابل سيستخدم طرق السحر ليعرف أي طريق يسلكه، وسيرشدوه إلى أورشليم، والله سيسمح بهذا لتأديب شعبه، وليس معنى هذا موافقة الله على طرق السحر، لكنه يستخدمها لتحقيق أوامره، فهو ضابط الكل ويحول كل شيء، حتى لو كان شريرًا، لتمجيد اسمه.
ع22: المجانق : أدوات حربية قديمة يستخدمونها لرمى الحجارة، أو الكور النارية.
مترسة : حائط يبنيه الأعداء حول المدينة ليحتموا وراءه ويمنعوا أي إنسان أن يهرب من المدينة.
عندما يقف ملك بابل عند مفترق الطرق ويعتمد على العرافة، أي تكون عن يمينه، ويثق فيها وتدله على مهاجمة أورشليم، يعد أسلحته وتدابيره الحربية، ويتحرك نحو أورشليم، وقد أعد المجانيق ليلقى بها الحجارة والكور النارية، فترتفع فوق الأسوار، وتسقط داخل المدينة. وحينئذ يفتح اليهود أفواهم خوفًا وفزعًا من سيف بابل الذي يقتلهم، وفى نفس الوقت يفتح البابليون أفواههم، ويهتفون هتاف النصرة عند مهاجمتهم أورشليم التي أقاموا حولها المتاريس ليحتموا وراءها، ويراقبوا من الأبراج العالية ما يحدث داخل المدينة عند حصارهم لها، أي أن ملك بابل سيتحرك لأورشليم ويحاصرها، ويهتف عليها، ويهاجمها ليقتل من فيها.
ع23: أما شعب الله فيسقطون في عرافة كاذبة بسؤال أنبيائهم الكذبة، الذين يخبرونهم بأن مدينتهم لن يهاجمها أحد، لوجود الهيكل بها، وكذلك اتكلوا على تحالفهم مع مصر القوية، فهي تحميهم من بابل. وآخرون قالوا إن صدقيا قد تعاهد مع ملك بابل ليخضع له، وبالتالي لا يمكن أن تهاجمهم بابل، ونسوا أن بابل يمكن أن تعرف خداع صدقيا لأنه تحالف معها، وتحالف في نفس الوقت مع مصر، فغضبوا عليه. والخلاصة أن شعب الله لم يتكل على الله، بل على أفكاره الخاصة وأنبيائه الكذبة، ولم يفكروا في التوبة عن خطاياهم؛ لذلك استحقوا غضب الله الذي ذكر خطاياهم، وسيؤدبهم عليها بالهجوم البابلي، والله لم يكن ناسيًا خطاياهم، ولكن ذكره لها يعنى أنه أطال أناته عليهم كثيرًا، ثم أتى وقت التأديب والعقاب.
وكان حزقيال قد أخبرهم بأن ملك بابل سيقف عند مفترق الطرق ويسأل عرافيه، فقالوا له إن عرافة ملك بابل التي سترشدهم في مهاجمة أورشليم هي عرافة كاذبة، لأنها سحر وعمل شياطين وعبادة أوثان، ولن تتم؛ بسبب ما يعتقدونه من حصانة مدينتهم.
† كن متضعًا وارجع عن خطاياك ولا تتكل على قوتك، أو أفكار عقلك التي توهمك بقوتك؛ لأن الله فوق الكل ولن يقف بجوارك إلا إذا كنت تائبًا متضعًا.
ع24: في النهاية يعلن الله لشعبه أنه من أجل إصرارهم على خطاياهم سيجعلونه يذكر خطاياهم ويعاقبهم عليها بيده، أي بيد ملك بابل، فالله سيذكر آثامهم القديمة التي لم يتوبوا عنها عندما يرى معاصيهم التي تصاحب أعمالهم، أي تظهر خطاياهم في كل تصرفاتهم، فيستحقون بالتالى أن يضربوا بيد بابل التي هي يد الله المؤدبة.
(4) صدقيا الشرير (ع25-27):
25- «وَأَنْتَ أَيُّهَا النَّجِسُ الشِّرِّيرُ، رَئِيسُ إِسْرَائِيلَ، الَّذِي قَدْ جَاءَ يَوْمُهُ فِي زَمَانِ إِثْمِ النِّهَايَةِ، 26- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: انْزِعِ الْعَمَامَةَ. ارْفَعِ التَّاجَ. هذِهِ لاَ تِلْكَ. ارْفَعِ الْوَضِيعَ، وَضَعِ الرَّفِيعَ. 27- مُنْقَلِبًا، مُنْقَلِبًا، مُنْقَلِبًا أَجْعَلُهُ! هذَا أَيْضًا لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ.
ع25: هذه النبوة قالها حزقيال ضد ملك يهوذا وهو صدقيا، ويصفه الله بأنه نجس وشرير؛ لأنه ليس فقط عبد الأوثان وسار في شهواته الشريرة، بل أيضًا شجع شعبه على الشر ولم يحاول إرجاعهم إلى الله، فكان بهذا قائدهم في الشر، وامتلأ كأس غضب الله عليه، وأتى زمان معاقبته على شروره، أى نهاية مملكته.
ع26: العمامة : التاج، المقصود الملك.
أنذر حزقيال صدقيا بأن تاج الملك سينزع عن رأسه، وينزلونه عن عرشه، ويقودونه أسيرًا إلى بابل، وبعد أن يضعونه إلى الأرض، وهو الرفيع الشأن، ويرفعون واحدًا من الشعب ويجعلونه حاكمًا للمملكة وهو جدليا، الذي ليس من النسل الملكى. وعندما يقول "هذه لا تلك" يقصد أن نهاية ملك صدقيا ستأتي لأن شره قد زاد، ولن تبقى تلك، أي العمامة والتاج على رأسه، وفى الترجمة اليسوعية للكاثوليك يقول هذه لا تبقى، أي أن التاج لن يبقى على رأسه فهو تأكيد لزوال ملك صدقيا.
† اعلم أن كل مواهبك وقدراتك هي نعمة من الله، فكن أمينًا عليها لئلا تنزع منك وتفقدها، مثلما فقد صدقيا تاجه. لذلك حاسب نفسك كل يوم، ليس فقط عن خطاياك السلبية، بل أيضًا على مدى أمانتك في استغلال قدرتك.
ع27: يؤكد هنا ثلاث مرات أن عرش صدقيا سينقلب ولن يكون، وهكذا يزول الملك من نسل داود إلى أن يأتي المسيح في ملء الزمان؛ ليملك على الصليب ويفدى شعبه، ليس فقط اليهود، بل كل من يؤمن به في العالم، ويملك عليهم إلى الأبد.
(5) معاقبة العمونيين (ع28-32):
28- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَتَنَبَّأْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فِي بَنِي عَمُّونَ وَفِي تَعْيِيرِهِمْ، فَقُلْ: سَيْفٌ، سَيْفٌ مَسْلُولٌ لِلذَّبْحِ! مَصْقُولٌ لِلْغَايَةِ لِلْبَرِيقِ. 29- إِذْ يَرَوْنَ لَكَ بَاطِلًا، إِذْ يَعْرِفُونَ لَكَ كَذِبًا، لِيَجْعَلُوكَ عَلَى أَعْنَاقِ الْقَتْلَى الأَشْرَارِ الَّذِينَ جَاءَ يَوْمُهُمْ فِي زَمَانِ إِثْمِ النِّهَايَةِ. 30- فَهَلْ أُعِيدُهُ إِلَى غِمْدِهِ؟ أَلاَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خُلِقْتِ فِيهِ فِي مَوْلِدِكِ أُحَاكِمُكِ! 31- وَأَسْكُبُ عَلَيْكِ غَضَبِي، وَأَنْفُخُ عَلَيْكِ بِنَارِ غَيْظِي، وَأُسَلِّمُكِ لِيَدِ رِجَال مُتَحَرِّقِينَ مَاهِرِينَ لِلإِهْلاَكِ. 32- تَكُونِينَ أُكْلَةً لِلنَّارِ. دَمُكِ يَكُونُ فِي وَسْطِ الأَرْضِ. لاَ تُذْكَرِينَ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ».
ع28: شمت العمونيون جيران وأعداء بني إسرائيل عندما وجدوا أورشليم قد دمرت وأحرقت بالنار. فيعلن حزقيال لهم أن سيف بابل سيكون حادًا ومصقولًا وبراقًا ومهلكًا لهم بشدة، لأجل شرهم وتعييرهم لشعب الله. فالله يستاء ممن يعير أولاده حتى لو كان أولاده أشرارًا، فهو يحب أولاده ويدعوهم إلى التوبة، ويمكن أن يستجيبوا، أما الأشرار فهم مصرون على شرهم، فغضبه شديد عليهم. ونفهم من هذا أن حزقيال يتنبأ على شعب الله، وأيضًا على الأمم؛ لأن الله إله كل الشعوب ويريد خلاص الكل، فهو يقصد بهذه النبوة التي ستصل إلى بنى عمون أن يخافوا ويؤمنوا بالله فيقبلهم.
ع29: كان للعمونيين أنبياء كذبة وسحرة عرفوا لهم عرافة كاذبة، فقالوا لهم إن تحطيم أورشليم قوة لبنى عمون، إذ لن يوجد بعد منافس لهم في المنطقة من الجيران، وأنهم سيقفون على أعناق القتلى من بنى إسرائيل، الذين أتت نهاية شرورهم وغضب الله عليهم، وذلك من عمل الشيطان، ليبعدهم عن الخوف من الله والإيمان به. ولكن ما حدث فعلًا هو أن بابل هاجمت بنى عمون بعد خمس سنوات من تدمير أورشليم.
ع30: يعلن الله أنه لن يرجع سيفه، أي بابل، إلى غمده، بل ستهاجم العمونيين في مكان مولدهم وإقامتهم، أي يحطمهم ويقتلهم في بلادهم التي أطمأنوا داخلها لأنها محصنة وتحيط بها الخيرات.
† لا تشمت في مصيبة من حولك مهما كانوا أشرارًا، أو مسيئين إليك، بل اتعظ من أخطائهم، وارجع إلى الله بالتوبة، وصلى لأجل الذين في تجارب؛ ليرفع عنهم الله، فيرحمك الله أيضًا؛ لأجل محبتك لهم.
ع31: يوضح الله عقابه الشديد للعمونيين بأنه سيسكب الغضب بشدة، فيغرق العمونيون وذلك بهجوم رجال بابل العنفاء المملوئين غيظًا وشرًا، فيقتلون العمونيين ويدمرون بلادهم وهكذا يهلكون ويفنون، وليس مثل بني إسرائيل يؤدبون ليتوبوا، إذ أن العمونيين لا يؤمنون بالله ومنغمسون في الشر، وهم في نظر الله الشر نفسه، وليسوا أشرارًا فقط، يمكن أن يتوبوا؛ لأن الله يريد خلاص الكل وتوبة الأشرار.
ع32: والخلاصة أن بلاد العمونيين ستأكلها نيران بابل، وتملأها بالدماء، وتنتهي لأجل شرها. وهذا مختلف تمامًا عن شعب الله الذي يؤدب مؤقتًا بالسبي، ثم سيرجع منه بعد أن يتوب، ثم يعطيهم ملكًا إلى الأبد هو المسيح.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثانى والعشرون

(1) أنواع الخطايا (ع1-12):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ تَدِينُ، هَلْ تَدِينُ مَدِينَةَ الدِّمَاءِ؟ فَعَرِّفْهَا كُلَّ رَجَاسَاتِهَا، 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ السَّافِكَةُ الدَّمِ فِي وَسْطِهَا لِيَأْتِيَ وَقْتُهَا، الصَّانِعَةُ أَصْنَامًا لِنَفْسِهَا لِتَتَنَجَّسَ بِهَا، 4- قَدْ أَثِمْتِ بِدَمِكِ الَّذِي سَفَكْتِ، وَنَجَّسْتِ نَفْسَكِ بِأَصْنَامِكِ الَّتِي عَمِلْتِ، وَقَرَّبْتِ أَيَّامَكِ وَبَلَغْتِ سِنِيكِ، فَلِذلِكَ جَعَلْتُكِ عَارًا لِلأُمَمِ، وَسُخْرَةً لِجَمِيعِ الأَرَاضِي. 5- الْقَرِيبَةُ إِلَيْكِ وَالْبَعِيدَةُ عَنْكِ يَسْخَرُونَ مِنْكِ، يَا نَجِسَةَ الاسْمِ، يَا كَثِيرَةَ الشَّغَبِ. 6- هُوَذَا رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ، كَانُوا فِيكِ لأَجْلِ سَفْكِ الدَّمِ.7- فِيكِ أَهَانُوا أَبًا وَأُمًّا. فِي وَسْطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. 8- ازْدَرَيْتِ أَقْدَاسِي وَنَجَّسْتِ سُبُوتِي. 9- كَانَ فِيكِ أُنَاسٌ وُشَاةٌ لِسَفْكِ الدَّمِ، وَفِيكِ أَكَلُوا عَلَى الْجِبَالِ. فِي وَسْطِكِ عَمِلُوا رَذِيلَةً. 10- فِيكِ كَشَفَ الإِنْسَانُ عَوْرَةَ أَبِيهِ. فِيكِ أَذَلُّوا الْمُتَنَجِّسَةَ بِطَمْثِهَا. 11- إِنْسَانٌ فَعَلَ الرِّجْسَ بِامْرَأَةِ قَرِيبِهِ. إِنْسَانٌ نَجَّسَ كَنَّتَهُ بِرَذِيلَةٍ. إِنْسَانٌ أَذَلَّ فِيكِ أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ. 12- فِيكِ أَخَذُوا الرَّشْوَةَ لِسَفْكِ الدَّمِ. أَخَذْتِ الرِّبَا وَالْمُرَابَحَةَ، وَسَلَبْتِ أَقْرِبَاءَكِ بِالظُّلْمِ، وَنَسِيتِنِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع1، 2: يتحدث الله في الإصحاح عن مدينته المقدسة أورشليم؛ لأن هيكله فيها، فيدين الظلم. الذي فيها. ويصف مدينته أنها مدينة الدماء؛ من أجل دماء الأبرياء الذين حُكم عليهم بالقتل ظلمًا، ومن أجل أيضًا سلب حقوق الكثيرين ظلمًا، ومن أجل قتل الأطفال بتقديمهم ضحايا للإله مولك، إله بنى عمون.
ويطالب حزقيال أن يدينها، أولًا بحكم الله عليها، ثم بسلوكه هو النقى، فهو ابن آدم وإنسان مثلهم ويسلك بالاستقامة، أما هم فيسلكون بالشر.
ويطلب من حزقيال أن يعرف سكان أورشليم بالرجاسات، أي الشرور التي يسقطون فيها، ومن كثرة السقوط تعودوا الخطية، فلم يعودوا يشعرون بالذنب.
ع3: كانت العادة أن يجلس الشيوخ والقضاة في وسط المدينة في ساحة كبيرة ليقضوا للشعب. ولكن للأسف في أورشليم حكم القضاة بالظلم على الأبرياء، فسفكوا دماءهم وظلموهم.
وطلب من حزقيال أن ينذرهم بأن وقت العقاب الإلهي قد اقترب، فتدمر وتحرق أورشليم بسبب شرورها على يد بابل.
ويوضح الله سببًا ثانيًا لمعاقبة أورشليم وهو عبادتها للأصنام، أي الآلهة الغريبة، وبهذا تنجست؛ لأن هذا يسمى الزنى الروحي، كما تترك المرأة رجلها وترتبط بآخر، هكذا شعب الله عروسه تركته وارتبطت بالآلهة الغريبة.
ع4، 5: نجسة الإسم : سمعتها سيئة ومثالًا للشر.
كثرة الشغب: كثيرة الاضطراب بسبب خطاياها، ففقدت سلامها، وكانت مضطربة تعرج بين عبادة الله وعبادة الأصنام.
من أجل سفك أورشليم للدماء وتنجسها بالأصنام، يعلن لها الله أنه قد اقترب وقت عقابها، فتدمرها بابل وتصير مثالًا للعار والسخرية بين كل الأمم المحيطة بها، القريبة منها والبعيدة؛ عندما يرون عقاب أورشليم على شرورها واضطرابها، فأصبحت سمعتها سيئة في كل مكان.
† إن الله يعطيك فرصة الآن لتتوب وتتمتع بعشرته وتكون لك أمجاد في السماء. ولكن إن تهاونت وبررت خطاياك، ستكون عارًا وسخرية في يوم الدينونة بين جميع الأشرار، عندما تلقى في العذاب الأبدي.
ع6: تمادى رؤساء الشعب في أورشليم في الشر بكل قوتهم قدر ما استطاعوا، وبالتالي شجعوا الشعب على الظلم وفعل الشر، أي تمادت المدينة كلها في شرورها، مستخدمة إمكانيات الله وعطاياه لإغاظته بالشر.
ع7: يبدأ هنا، فيعدد أنواع الخطايا التي سقط فيها شعب الله وهي:
عدم احترام الوالدين بل إهانتهم، وهذا كسر للوصية الخامسة التي توصى بإكرام الأب والأم.
بدلًا من أن يهتموا بإضافة الغرباء، استغلوا عدم معرفة الغريب بظروف البلد، فظلموه واستغلوه لمصلحتهم.
بدلًا من الاهتمام بالضعفاء، مثل اليتيم والأرملة، أساءوا إليهم واضطهدوهم واستغلوهم؛ لتحقيق شهواتهم.
ع8: يستكمل قائمة خطايا شعب الله، فيقول:
أهمل شعب الله واحتقر عبادته في الهيكل، فقدموا تقدمات معيبة، ولم يطيعوا الشريعة في عبادة الله ومخافته وهذا إهمال واحتقار لله نفسه.
أهملوا الوصية الرابعة الخاصة بتقديس السبت، فعملوا أعمالًا عالمية، وتركوا عبادة الله ولم يتفرغوا لها، وهذا إهانة واضحة لله.
ع9: يضيف هنا أيضًا لقائمة خطايا أورشليم ما يلى:
سقط بعض الشعب في الوشاية، فاتهموا الأبرياء زورًا وبالتالي عوجوا القضاء؛ فظلموا الأبرار.
قدموا ذبائح للأوثان على الجبال، أي عبدوا الأصنام وصنعوا شهوات شريرة كثيرة، التي هي جزء من العبادات الوثنية، مثل الزنى.
ع10: مازال يعدد خطايا أورشليم فيقول:
يقصد بعورة أبيه زوجته، أي زنى الابن مع زوجة أبيه سواء أمه، أو أية زوجة أخرى، وهذا شيء فظيع يتنافى مع المشاعر الطبيعية في النقاوة والاحترام للوالدين.
نهت الشريعة عن العلاقة الجسدية بالمرأة الطامث، أي في فترة الدورة الشهرية، ولكن اشتعلت شهوات شعب الله فاضطجعوا مع نسائهم أثناء هذه الفترة.
ع11: ويضيف إلى قائمة الخطايا هذه الشرور:
سقوط البعض في الزنى، بنساء متزوجات من أقاربهم وهذا صعب؛ لأن السقوط مع المرأة المتزوجة هو اعتداء عليها وعلى زوجها، بالإضافة إلى أنه زنى وتحدى لله. وقد يكون المقصود بقريبه أي يهودي، أو أي إنسان، وهذا يعنى الزنى مع آية امرأة متزوجة في المدينة.
بخلاف الأوضاع الطبيعية بين الآباء والأبناء، حيث الأمان الكامل، تطاول بعض الآباء وزنوا مع زوجات أبنائهم، أي نسائهم.
وتطاول البعض الآخر ليزنى مع أخته إبنة أبيه وهذا شيء في غاية الفظاعة.
ع12: يختم قائمة الخطايا بما يلي:
أخذ بعض القضاة الرشوة، فحكموا على الأبرياء ظلمًا، وسفكوا دماءهم، وهذا ضد الشريعة تمامًا.
قدم البعض قروضًا للمحتاجين وأخذوا فوائد عند استردادها، وهذا هو الربا الذي نهت عنه الشريعة لأن فيه استغلال للمحتاج. كذلك سقط البعض في المرابحة، أي قاموا بالمتاجرة والبيع والربح وهم ليسوا تجارًا، فاستغلوا ثقة الناس بهم، وكذبوا عليهم كأنهم اشتروا لهم هذه الماديات وأخذوا ربحًا كبيرًا.
ظلم الآخرين بالقوة وسلب أموالهم، أو خداعهم وسلب حقوقهم، بكل هذه الخطايا المذكورة في هذه القائمة، أي الخمسة عشر نوعًا من الخطايا انشغل شعب الله بها عنه، وتركوا عبادته ومحبته.
(2) العقاب (ع13-22):
13- «فَهأَنَذَا قَدْ صَفَّقْتُ بِكَفِّي بِسَبَبِ خَطْفِكِ الَّذِي خَطَفْتِ، وَبِسَبَبِ دَمِكِ الَّذِي كَانَ فِي وَسْطِكِ. 14- فَهَلْ يَثْبُتُ قَلْبُكِ أَوْ تَقْوَى يَدَاكِ فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أُعَامِلُكِ؟ أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ وَسَأَفْعَلُ. 15- وَأُبَدِّدُكِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُذَرِّيكِ فِي الأَرَاضِي، وَأُزِيلُ نَجَاسَتَكِ مِنْكِ. 16- وَتَتَدَنَّسِينَ بِنَفْسِكِ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، وَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ». 17- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 18- «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ صَارَ لِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ زَغَلًا. كُلُّهُمْ نُحَاسٌ وَقَصْدِيرٌ وَحَدِيدٌ وَرَصَاصٌ فِي وَسْطِ كُورٍ. صَارُوا زَغَلَ فِضَّةٍ. 19- لأَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ حَيْثُ إِنَّكُمْ كُلَّكُمْ صِرْتُمْ زَغَلًا، فَلِذلِكَ هأَنَذَا أَجْمَعُكُمْ فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، 20- جَمْعَ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصْدِيرٍ إِلَى وَسْطِ كُورٍ لِنَفْخِ النَّارِ عَلَيْهَا لِسَبْكِهَا، كَذلِكَ أَجْمَعُكُمْ بِغَضَبِي وَسَخَطِي وَأَطْرَحُكُمْ وَأَسْبِكُكُمْ. 21- فَأَجْمَعُكُمْ وَأَنْفُخُ عَلَيْكُمْ فِي نَارِ غَضَبِي، فَتُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا. 22- كَمَا تُسْبَكُ الْفِضَّةُ فِي وَسْطِ الْكُورِ، كَذلِكَ تُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ سَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْكُمْ».
ع13: الله يصفق منذرًا شعبه؛ ليتوب، وذلك عن طريق نبوات حزقيال وكل الأنبياء، ينذرهم بالخراب الآتي على يد بابل؛ بسبب خطفهم، أي ظلمهم بعضهم لبعض، وسلب حقوق الضعفاء، وقتل الأبرياء، ويصفق أيضًا بيديه، تعنى التعجب والحزن على ما صار إليه شعبه.
ع14: يتساءل الله محدثًا مدينته أورشليم لينبهها، فيقول لها هل تستطيعين أن تثبتى أمام غضبى الآتي على يد بابل؟ هل تستطيعين أن تتحدينى؟ هل تقوى يداك أن تدافعا وتصدا غضبى؟ لأنى أؤكد لك أنى أصدرت أمرًا بعقابك وسأنفذه. كل هذا يقوله الرب، لعل شعبه ينتبه ويتوب في آخر لحظة، فيسامحهم، كما سامح أهل نينوى؛ لأن هذا الوقت قد اقترب جدًا من تنفيذ العقاب.
ع15: من أجل تخليص الله شعبه من شروره ونجاساته، سيسمح بإذلالهم بالسبي كعبيد، ويتفرقون بين الأمم، كغرباء؛ حتى يتوبوا، ويشتاقوا للرجوع إليه وعبادته في هيكله الذي أحرقه البابليون، وحينئذ يستطيع بقوته أن يعيدهم. وهذا ما حدث عندما أرجعهم من السبي وبنوا هيكلهم من جديد.
ع16: تصير أورشليم نجسة ودنسة؛ بسبب شرورها وعقاب الله لها وتنظر الأمم ذلها. وعندما يحدث هذا سيعرف شعبه أنه هو الرب؛ لأنه أنبأهم بهذا ولم يسمعوا له، ولكن تحقق كلامه وتشتتوا بالسبي، كل هذا إذا حدث يريد به أن يتوبوا ويرجعوا إليه. فالله لا يسر بموت الخاطئ أو عقابه؛ لكنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلوه (1 تى2: 4).
ع17، 18: زغل : شوائب.
كور : فرن، أو مجمرة يشتعل فيها النار لتسخين وصهر المعادن.
يعلن الله بحزن أن شعبه لم يعد فضة، والفضة ترمز لكلمة الله، أي أن شعبه لم يعد يحيا بكلمة الله ويحفظ وصاياه، بل للأسف صاروا شوائب، فالفضة قليلة جدًا ومعظم الشعب معادن أخرى، مثل النحاس والقصدير والحديد والرصاص. وقد ظهروا كشوائب عندما دخلوا في الكور، حيث تنصهر المعادن، فيظهر بريق الفضة، أما المعادن الأخرى الأقل، مثل النحاس والقصدير ... فتحترق.
ع19: يقرر الله ويوبخ شعبه، لأنهم صاروا كلهم زغلًا، فسيجمعهم في وسط أورشليم، وسيحرقهم بنار بابل، فسيموتون من أجل إصرارهم على الشر، ولن يبقى منهم إلا القليل الذين يصبرون ويحتملون ويتمسكون بالإيمان، وهم الذين يرمز إليهم بالفضة كما سيظهر في الآية التالية. وهكذا يرون أورشليم التي ادعوا أنها تحميهم بسبب هيكل الله الذي فيها، تتحول إلى كور يحترقون فيه بنار بابل؛ لأجل شرورهم، وهيكل الله نفسه، يسمح الله أن يحرق، لأنهم دنسوه بعبادة الأوثان.
ع20: يؤكد الله هنا أنه سيجمع كل شعبه بأنواعهم المختلفة المؤمنين الأبرار، بالإضافة إلى شعبه الشرير المتمرد ويحترقون في كور أورشليم بنار بابل، فتحترق المعادن التي هي زغل وتبقى فقط الفضة، بل يزداد بريقها أي يبارك الله أولاده المتمسكين بالإيمان وصمدوا وسط شرور باقي الشعب.
ع21: كما ينفخ الصانع في النار التي في الكور ليساعد على تسخين المعادن وصهرها، هكذا ينفخ الله بغضبه على أورشليم على يد بابل، فتحرق الشوائب وتسبك الفضة بعد أن تتنقى من الشوائب ويزداد بريقها.
ع22: عندما يتم سبك الفضة، واحتراق الشوائب في أورشليم، ويرى المؤمنون ذلك، أو من بقوا من غير المؤمنين، يتأكدون أن هذا هو غضب الله، كما أعلن على فم حزقيال فيتوبون ويتمسكون بالله.
† لا تنزعج من الضيقات، فرغم صعوبتها ثق أنها لتزكيتك. تمسك بالله واطلب معونته، فيسندك ويمجدك ويعزى قلبك، ثم يذخر لك أمجادًا في السماء.
(3) سقوط كل فئات الشعب (ع23-31):
23- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 24- «يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لَهَا: أَنْتِ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تَطْهُرْ، لَمْ يُمْطَرْ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ. 25- فِتْنَةُ أَنْبِيَائِهَا فِي وَسْطِهَا كَأَسَدٍ مُزَمْجِرٍ يَخْطُفُ الْفَرِيسَةَ. أَكَلُوا نُفُوسًا. أَخَذُوا الْكَنْزَ وَالنَّفِيسَ، أَكْثَرُوا أَرَامِلَهَا فِي وَسْطِهَا. 26- كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسْطِهِمْ. 27- رُؤَسَاؤُهَا فِي وَسْطِهَا كَذِئَابٍ خَاطِفَةٍ خَطْفًا لِسَفْكِ الدَّمِ، لإِهْلاَكِ النُّفُوسِ لاكْتِسَابِ كَسْبٍ. 28- وَأَنْبِيَاؤُهَا قَدْ طَيَّنُوا لَهُمْ بِالطُّفَالِ، رَائِينَ بَاطِلًا وَعَارِفِينَ لَهُمْ كَذِبًا، قَائِلِينَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ لَمْ يَتَكَلَّمْ. 29- شَعْبُ الأَرْضِ ظَلَمُوا ظُلْمًا، وَغَصَبُوا غَصْبًا، وَاضْطَهَدُوا الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ، وَظَلَمُوا الْغَرِيبَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. 30- وَطَلَبْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ رَجُلًا يَبْنِي جِدَارًا وَيَقِفُ فِي الثَّغْرِ أَمَامِي عَنِ الأَرْضِ لِكَيْلاَ أَخْرِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ. 31- فَسَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ. أَفْنَيْتُهُمْ بِنَارِ غَضَبِي. جَلَبْتُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع23، 24: أعلن الرب على فم حزقيال لأورشليم أنها الأرض المملوءة شرًا، التي لم تتطهر حتى الآن بالغضب الإلهي، ولم يمطر عليها بسخطه، كما حدث أيام الطوفان، فمات الأشرار، وطهرت الأرض، ونجا نوح وأسرته (تك7: 23) وكما ظهر الله سدوم عندما أمطر عليها نارًا فطهرت الأرض ونجا فقط لوط وبنيه (تك19: 24).
ع25: يوضح الله هنا سبب نجاسة أورشليم وهو سقوط كل فئات الشعب في الشر. ويبدأ بالأنبياء الكذبة الذين يشبههم بأسد يصدر أصواتًا مخيفة، ليس ليدافع عن شعبه ولكن ليفترسهم. فكانوا أنانيين يبحثون عن مصالحهم، فيأخذون أموالًا ومقتنيات مقابل نبؤاتهم، وأي رجل يتعرض لهم ويعارضهم يقتلونه، وبهذا زاد عدد الأرامل في أورشليم. وأيضًا بنبواتهم الكاذبة طلبوا من الرجال أن يقاوموا بابل، فتعرضوا للقتل، وزادت الأرامل، مع أن كلام الله على فم إرميا كان واضحًا في ضرورة الاستسلام لبابل لأنها يد الله المؤدبة.
ع26: الفئة الثانية التي رفضت الله هي الكهنة، وهم قادة الشعب في عبادة الله، هؤلاء لم يطيعوا الشريعة ونجسوا هيكل الله المقدس، فلم يطبقوا الشريعة في أن جزءًا من الذبيحة يخصص لله فيحرق على المذبح، وجزءًا آخر يقدس لله ويعطى للكهنة، ثم الباقى من ذبيحة السلامة يحل للشعب الذي يقدم الذبائح أن يأكل منه. فكان الشعب يأكل الأجزاء المقدسة لله وللكهنة، والكهنة يأكلون أي جزء من الذبيحة، كذلك لم يميزوا بين النجس والطاهر، فلم يدققوا في تنفيذ الشريعة عند اختيار الذبيحة، أو التقدمة المقدمة لله، فقبلوا تقديم الذبائح التي بها عيب. والخلاصة أنهم أهملوا عبادة الله، وخالفوا الشريعة فنجسوا بيت الرب، وبالتالي أضلوا الشعب فسقط الكل في مخالفة عبادته، بالإضافة إلى إهمال تقديس يوم السبت فصار يومًا عاديًا يعملون فيه كل أعمالهم، فنجسوا اسم الله بكل أفعالهم السابقة.
ع27: أما الفئة الثالثة التي سقطت في الشر فهم الرؤساء، الذين بدلًا من أن يقودوا الشعب في طريق الله قادوه في طريق الشر. ويشبههم بذئاب خاطفة، تفترس من يقاومها وتقتله، حتى تحقق أكبر مكسب مادى، أي من لا يدفع لهم يقتلونه، أو من يحاولون معارضتهم في ظلمهم يهلكونه.
ع28: يعود فيتكلم عن الأنبياء الكذبة الذين يضلون الناس، وبدلًا من أن يوبخونهم عن خطاياهم ليتوبوا، يوهمونهم بصلاحهم، كمن يغطى الحائط المبنى من الحجارة بالطفال، أي الطين، فيغطى شقوقه وعيوبه، فيقولون نبوات كاذبة، ويدعون أن الله سلمهم إياها، وهذا بالطبع لم يحدث، مثل أن يقول الشعب سلام سلام مع أن الله قد أعلن على فم أنبياءه التأديب الآتي عليهم بسبب خطاياهم ليتوبوا، فهم بكذبهم هذا يضلون الشعب ويبعدونه عن التوبة.
ع29: وأخيرًا الفئة الرابعة، هي عامة الشعب، الذين ساروا وراء قياداتهم المنحرفة من الأنبياء والكذبة والكهنة والرؤساء، فظلموا بعضهم بعضًا، واستغلوا ضعف الفقراء فسلبوهم حقوقهم، واضطهدوا أيضًا الغرباء، أي كل واحد بأنانية كان يفكر في مصلحته على حساب من حوله، واستغلوا ضعف كل ضعيف.
† إعلم أن الله يرى كل أفعالك وكلامك فلا تظلم أحدًا؛ لأن إلهه يدافع عنه، وأن طول أناة الله يعطيك فرصة للتوبة؛ لأنه يريد خلاصك، فاسرع للتوبة لتنقذ نفسك من الهلاك. وإن كنت ضعيفًا وسلب أحد حقوقك فلا تضطرب، لأن الله قادر أن يعوضك عن كل حقوقك في الأرض وفى السماء.
ع30، 31: انتظر الرب أحدًا يشفع في أورشليم، فيبنى جدارًا يحميها من غضب الله ويسد الثغرات التي في علاقة أورشليم بإلهها ولكنه لم يجد؛ لأن الوحيد القادر على هذا هو المسيح الفادى، الذي يأتي في ملء الزمان ويحمينا ويحصنا بإسمه القدوس، ويسد كل الثغرات في علاقتنا بالله، وبه نستطيع أن نقف أمام الله ونتكلم مستترين في دمه الفادى.
ويقول "عن الأرض" وهي تعنى ليس فقط أرض أورشليم ومملكة يهوذا، بل كل العالم، فالمسيح هو فادى البشرية كلها.
وبفداء المسيح يرفع عنا الهلاك والغضب الإلهي وكل الخراب والدمار؛ لأنه حمل كل هذا في جسده على الصليب، وأعطانا الحياة بإسمه القدوس إلى الأبد.
إذ لم يجد الله من يفدى أورشليم ووجدها مصرة على خطاياها سكب الله سخطه في الهجوم البابلي وأباد الكثيرين من شعبه الأشرار، وبهذا جاءت شرور شعبه على رؤوسهم فأهلكتهم، فالله يتمنى أن يتوب كل شعبه، حتى وقت إعلان هذه النبوة، ولكن إذا لم يتوبوا أهلكهم على يد بابل.
† إن كان المسيح قد تقدم كشفيع وحيد كفارى عنا وفدانا بدمه، فهو يفرح بصلواتنا وجهادنا من أجل كل البعيدين، وشفاعتنا فيهم ليخلصوا، ويفرح أيضًا عندما نتشفع بقديسيه. فليكن عندك روح الفداء والاستعداد أن تتعب وتضحى من أجل خلاص نفوس من حولك.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثالث والعشرون

(1) السامرة الزانية (ع1-10):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، كَانَ امْرَأَتَانِ ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ، 3- وَزَنَتَا بِمِصْرَ. فِي صِبَاهُمَا زَنَتَا. هُنَاكَ دُغْدِغَتْ ثُدِيُّهُمَا، وَهُنَاكَ تَزَغْزَغَتْ تَرَائِبُ عُذْرَتِهِمَا. 4- وَاسْمُهُمَا: أُهُولَةُ الْكَبِيرَةُ، وَأُهُولِيبَةُ أُخْتُهَا. وَكَانَتَا لِي، وَوَلَدَتَا بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَاسْمَاهُمَا: السَّامِرَةُ «أُهُولَةُ»، وَأُورُشَلِيمُ «أُهُولِيبَةُ». 5- وَزَنَتْ أُهُولَةُ مِنْ تَحْتِي وَعَشِقَتْ مُحِبِّيهَا، أَشُّورَ الأَبْطَالَ 6- اللاَّبِسِينَ الأَسْمَانْجُونِيَّ وُلاَةً وَشِحَنًا، كُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ، فُرْسَانٌ رَاكِبُونَ الْخَيْلَ. 7- فَدَفَعَتْ لَهُمْ عُقْرَهَا لِمُخْتَارِي بَنِي أَشُّورَ كُلِّهِمْ، وَتَنَجَّسَتْ بِكُلِّ مَنْ عَشِقَتْهُمْ بِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. 8- وَلَمْ تَتْرُكْ زِنَاهَا مِنْ مِصْرَ أَيْضًا، لأَنَّهُمْ ضَاجَعُوهَا فِي صِبَاهَا، وَزَغْزَغُوا تَرَائِبَ عِذْرَتِهَا وَسَكَبُوا عَلَيْهَا زِنَاهُمْ. 9- لِذلِكَ سَلَّمْتُهَا لِيَدِ عُشَّاقِهَا، لِيَدِ بَنِي أَشُّورَ الَّذِينَ عَشِقَتْهُمْ. 10- هُمْ كَشَفُوا عَوْرَتَهَا. أَخَذُوا بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتْ عِبْرَةً لِلنِّسَاءِ. وَأَجْرَوْا عَلَيْهَا حُكْمًا.
ع1، 2: يظهر الله في هذا الإصحاح خيانة شعبه له بالزنى، أي الالتصاق بالآلهة الغريبة، وتركه هو الإله الحي. وقد تكرر الكلام عن زنى شعبه في الأصحاحات (16، 20) من هذا السفر وهذه هي المرة الثالثة، التي يتكلم فيها الله عن زنى شعبه. ويوضح الله هنا أن شعبه بقسميه، إسرائيل ويهوذا، أى السامرة وأورشليم عاصمتا المملكة الشمالية والجنوبية. ويقول أنهما امرأتان أختان بنتا امرأة واحدة، أي أن شعب الله كان واحدًا، وانقسم إلى مملكتين في عهد رحبعام ابن سليمان.
ع3: دغدغت : لمس الزناة وجسوا ثدييهما.
تزغزغت : داعبوا ثدييها.
ترائب : أعلى الثديين.
عذرتهما : عذراويتهما وبكوريتهما كفتاتين غير متزوجتين.
يخبرنا حزقيال أن شعب الله قد زنى في مصر، أي عبد الأصنام وترك الله. وأكد ذلك، ليس فقط في هذه الآية، بل أيضًا في (حز 20: 7، 8).
فكانت بداية تكوين شعب الله وتزايده في مصر، ويشبهه بأنه فتاة صغيرة، لم تعرف رجلًا، ولكنها ارتبطت بعبادة الأوثان المصرية، فزنت وهي فتاة، ولمسوا ثدييها وهي عذراء فتدنست. كان هذان الشعبان؛ السامرة وأورشليم يشكلان شعبًا واحدًا هو هذه العذراء التي تدنست بأصنام مصر، بدليل أنهم في البرية عبدوا العجل الذهبى، أي عادوا إلى عبادة الأصنام التي مارسوها في مصر.
† تعود الخطية منذ الصغر يضعف الإنسان، فكن حريصًا وتباعد عن مصادر الخطية، خاصة التي عرفتها، أو مارستها منذ زمن، وثق أن الله قادر أن يجدد حياتك ويغفر خطاياك ويبعدك عن كل شر.
ع4: أهولة : كلمة عبرية تعنى خيمتها.
أهوليبة : كلمة عبرية تعنى خيمتى فيها.
يتكلم الله عن المرأتان، ويقصد بهما السامرة وأورشليم، فيعلن أنهما أنجبتا نسلًا كثيرًا، أي تزايد الشعبان على مر السنين، ببركة الله. والأخت الكبرى؛ لأن فيها عشرة أسباط، يدعوها أهولة أي خيمتها، لأن فيها عبادة منفصلة عنه، أي عبادة الأوثان، فينسبها إليها، وهذه العبادة هي التي بدأها يربعام ابن نباط، أول ملوك مملكة إسرائيل. أما الأخت الصغرى، ويقصد بها أورشليم، أي مملكة يهوذا، ففيها سبطان فقط هما يهوذا وبنيامين، فيدعوها أهوليبة أي خيمتى فيها؛ لأن هيكل الله في أورشليم.
ومن ناحية أخرى ترمز الخيام لغربة العالم، فشعب الله، بمملكتيه إسرائيل ويهوذا، المفروض أن يعيشوا غرباء عن العالم، متعلقين بالله في السماء.
ويعلن الله أن هاتين الأختين كانتا لله، أي هما شعبه الذي اختاره من بين الأمم؛ ليعبدوه ويعيشوا معه، ولكنهما لم يستمرا معه، فلم يعودا له، إذ ارتبطا بعبادة الأوثان وأهملا عبادته.
ع5: يوضح الله زنى المملكة الشمالية إسرائيل، التي عاصمتها السامرة ودعاها أهولة، بأنها انبهرت بمملكة أشور، التي سيطرت على العالم وقتذاك، فعبدت آلهتها، واستعانت بها في حروبها، وبهذا تركت إيمانها واتكالها على عريسها الإله الوحيد. فكان المفروض أن تظل مملكة إسرائيل في أحضان الله، منشغلة بحبه، ولكنها تركته وتعلقت بالآلهة الوثنية.
ع6: شحنًا : حكامًا.
إنبهار أهولة بالأشوريين كان بأسباب هي:
كانت لهم ملابس فاخرة، ملفتة للنظر من الأسمانجونى، أي اللون السماوى، أي انبهرت بمظهرهم وغناهم.
انبهرت أيضًا بمراكزهم، إذ وجدتهم ولاة وحكام على البلاد التي استولت عليها آشور، فشعرت بقوتهم وسلطانهم.
شعرت بقوتهم الحربية، التي اكتسحت العالم، ويعبر عنها الله هنا بأنهم كلهم راكبين الخيول، وهي تمثل القوة الحربية وقتذاك.
شعرت فيهم بحيوية الشباب والقوة، فاشتهتهم وتعلق قلبها بهم. كل هذه الأسباب جعلت مملكة إسرائيل تتعلق بآلهة أشور، وتقيم لها معابد، وتتعبد لها. وهذا يبين أنها تنبهر بالمظاهر، وكل ما هو جديد، فتنسى الله قوتها الحقيقية وتنشغل عن عبادته.
† لا تجرى وراء إبهارات العالم، فهي سطحية ومزيفة وشهوتها تخرجك عن محبة الله. فلا تبيع مسيحك بسهولة من أجل أمور عالمية زائلة، خاصة وأنك تكتشف مع الوقت أنك تسقط في خطايا كثيرة، وتبتعد عن الله وتفقد سلامك.
ع7: عقرها : مهرها، أو الثمن الذي يقدم للزانية.
من كثرة تعلق أهولة بأشور بدلًا من أن تأخذ منهم أجرة زناها مثل باقي الزوانى، على العكس دفعت لهم الثمن؛ ليقبلوا أن يزنوا معها، فدفعت الذهب والفضة؛ لتحالف آشور وتجعلها ترضى عليها، ثم عبدت آلهة آشور الوثنية، وبهذا تنجست بالشر.
ع8: يوضح الله سبب انزلاق أهولة في الزنى، أنها تعودته منذ صباها، عندما كانت فتاة صغيرة، أي عندما كان شعب الله صغيرًا في مصر، وتزايد هناك، وأثناء ذلك ارتبطت أهولة بأصنام مصر، وتركت عبادة الأوثان تشغل قلبها وفكرها، وقدمت عبادة لها، والآن تستعيد هذا الشر بعبادة أوثان آشور. ويشبه زنى أهولة بأنها فتاة صغيرة أهملت طهارتها، وارتبطت بعبادة الأوثان، التي يشبهها برجل يزنى معها، ويلمس جسدها، ويحتضنها. ولعل أهولة، أي إسرائيل استعادت أيضًا عبادة آلهة مصر الوثنية، بالإضافة إلى الآلهة الآشورية.
ع9، 10: من أجل تمادى مملكة إسرائيل في عبادة أوثان آشور، سمح الله لآشور أن تهاجمها وتسبى بنيها، فدمروها، أي ذبحوها، وشتتوا بنيها في أرجاء المملكة الأشورية، وأتوا بالأمم، وأسكنوهم فيها، وجعلوا حكامًا عليها من قبلهم. فصارت بهذا عبرة لمن يترك إلهه، ويلتصق بالآلهة الغريبة، بدلًا من أن تكون نورًا للعالم بعبادتها لله.
(2) أورشليم الزانية (ع11-21):
11- «فَلَمَّا رَأَتْ أُخْتُهَا أُهُولِيبَةُ ذلِكَ أَفْسَدَتْ فِي عِشْقِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَفِي زِنَاهَا أَكْثَرَ مِنْ زِنَا أُخْتِهَا. 12- عَشِقَتْ بَنِي أَشُّورَ الْوُلاَةَ وَالشِّحَنَ الأَبْطَالَ اللاَّبِسِينَ أَفْخَرَ لِبَاسٍ، فُرْسَانًا رَاكِبِينَ الْخَيْلَ كُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ. 13- فَرَأَيْتُ أَنَّهَا قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَلِكِلْتَيْهِمَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ. 14- وَزَادَتْ زِنَاهَا. وَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى رِجَال مُصَوَّرِينَ عَلَى الْحَائِطِ، صُوَرُ الْكَلْدَانِيِّينَ مُصَوَّرَةًٍ بِمُغْرَةٍ، 15- مُنَطَّقِينَ بِمَنَاطِقَ عَلَى أَحْقَائِهِمْ، عَمَائِمُهُمْ مَسْدُولَةٌ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. كُلُّهُمْ فِي الْمَنْظَرِ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ شِبْهُ بَنِي بَابِلَ الْكَلْدَانِيِّينَ أَرْضُ مِيلاَدِهِمْ، 16- عَشِقَتْهُمْ عِنْدَ لَمْحِ عَيْنَيْهَا إِيَّاهُمْ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلًا إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 17- فَأَتَاهَا بَنُو بَابِلَ فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ، فَتَنَجَّسَتْ بِهِمْ، وجَفَتْهُمْ نَفْسُهَا. 18- وَكَشَفَتْ زِنَاهَا وَكَشَفَتْ عَوْرَتَهَا، فَجَفَتْهَا نَفْسِي، كَمَا جَفَتْ نَفْسِي أُخْتَهَا. 19- وَأَكْثَرَتْ زِنَاهَا بِذِكْرِهَا أَيَّامَ صِبَاهَا الَّتِي فِيهَا زَنَتْ بِأَرْضِ مِصْرَ. 20- وَعَشِقَتْ مَعْشُوقِيهِمِ الَّذِينَ لَحْمُهُمْ كَلَحْمِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. 21- وَافْتَقَدْتِ رَذِيلَةَ صِبَاكِ بِزَغْزَغَةِ الْمِصْرِيِّينَ تَرَائِبَكِ لأَجْلِ ثَدْيِ صِبَاكِ.
ع11: يتكلم الله بحزن على شعبه في مملكة يهوذا ومدينة أورشليم، التي دعاها أهوليبة أنها لم تتعظ مما حدث لأختها أهولة، بل سارت في عبادة الأوثان مثل اختها، بل وأكثر منها. فقد بدأت حسنًا في أيام بعض الملوك، مثل آسا وحزقيا، ولكنها فسدت بعبادة الأوثان، خاصة في أيام منسى ابن حزقيا، ففاقت السامرة في عبادة الأوثان. فقد كانت أورشليم أفضل في علاقتها بالله من السامرة؛ لذلك سبيت السامرة أولًا، وأعطى الله فرصة لأورشليم عندما نصرها على سنحاريب أيام حزقيا (2 أى32: 22). ولكنها للأسف فسدت أيضًا أكثر من السامرة، فعاقبها بالسبي أيضًا.
ع12: تعلقت أورشليم أيضًا بأشور مثل أختها أهولة، من أجل قوة أشور ومركزها وسلطانها ونشاطها. فقد أرسلت إلى أشور أيام آحاز، ودفعت الفضة والذهب، وأعلنت خضوعها لها وعبدت أوثانها، وطلبت من أشور مساعدتها وحمايتها من آرام ومملكة إسرائيل، فمملكة يهوذا هي التي طلبت من أشور، ولم تطلب أشور منها شيئًا، فهي التي تسعى إلى الزنى.
ع13: وهكذا تنجست أهوليبة بعبادة الأوثان، مثل أختها أهولة.
ع14: مغرة : أكسيد الحديد ولونه أصفر، أو أحمر بنى يستخدم في الطلاء.
يتعجب الله أن مدينته أورشليم تعلقت بأشور بمجرد رؤيتها صور الكلدانيين، الذين هم الآشوريين مرسومة على الحوائط، سواء رآها شعب الله في البلاد المحيطة التي انتصر عليها الأشوريون، أو عندما سمعوا عن عظمة الأشوريين من أفواه التجار، ورسمها بعض الفنانين على الحوائط في أورشليم، فانبهروا بها. وكانت مرسومة بالمغرة بشكل جميل، فتعلقوا بها واشتاقوا للتحالف مع الأشوريين، وعبدوا أوثانهم، وبهذا زادوا في زناهم عن السامرة؛ لأنهم سعوا بأنفسهم إلى أشور.
ع15: مسدولة : مرتخية.
رأى شعب الله في يهوذا رسوم الأشوريين، سواء في المناطق التي يلبسونها من وسطهم فما أسفل، وعمائمهم التي على رؤوسهم، بمنظر جذاب، يظهر عظمتهم كرؤساء في الحرب يركبون مركباتهم، مثل البابليين العظماء أيضًا في مظهرهم، فتعلقوا بهم وسعوا نحوهم.
ع16: عندما رأتهم مرسومين على الحوائط، أرسلت إليهم برغبتها الشخصية، ولم يجبرها أحد على ذلك؛ لتتحالف معهم وتعبد أوثانهم.
ع17: جفتهم : كرهتهم.
انتهز الآشوريون الفرصة وتحالفوا مع أورشليم وزنوا معها، أي استغلوا رغبتها في الالتصاق بهم، فدفعوها لعبادة أوثانهم واستغلوها، فتضايقت منهم وكرهتهم، ولكنها أصبحت ضعيفة وذليلة تحت أيديهم؛ لأنها لم ترجع إلى الله قوتها. وهذه هي النتيجة الطبيعية للزنى أن يتضايق الزانى من زناه ويحتقر نفسه ومن يزنى معهم.
† لا تنجذب إلى الشهوات الشريرة، فإن مظهرها جذاب وطعمها حلو كالعسل ولكن داخلها السم المميت. ابتعد عن كل مصادر الخطية؛ لتحيا في نقاوة وتتمتع بعشرة الله.
ع18: عندما خضعت أورشليم للأشوريين كشفت مقدساتهم، أي هيكلها المقدس، وقشرت الذهب، وأخذت الفضة والذهب من خزائن بيت الرب وأعطتها لآشور، وفى كبرياء كشفت أورشليم خزائنها، كما في أيام حزقيا للبابليين، فغضب الله عليها وكرهها من أجل كثرة زناها، وتعلقها بالعالم واتكالها عليه وليس على الله.
ع19: وتذكرت أورشليم أوثان مصر التي عبدتها في بداية حياتها عندما كانت شعبًا واحدًا مع باقي الأسباط، وبدأت تقيم مذابح لهذه الآلهة المصرية وتتعبد لها، أي تمادت في زناها وشرها، ليست مع آلهة أشور وبابل، بل أيضًا مع آلهة مصر.
ومع أنها كرهت عبادة أوثان أشور، كما تذكر ذلك في (ع17)، لكنها لم تعد لله، بل للأسف عادت إلى أوثان مصر، فهي مصرة على الخطية والابتعاد عن الله بكل نوع.
ع20: منيهم : السائل المنوى.
تعلقت أورشليم ليس فقط بالأشوريين والمصريين، بل بمعشوقهم، أي أوثانهم، وصارت بهذا مثل الحيوانات كالحمار والحصان. وأيضًا كان في عبادة بعض الآلهة الوثنية يكرمون الآلهة بالزنى في هذه المعابد. وكذلك قد يكون انحطاط أورشليم لدرجة أنها قبلت الزنى فعلًا ليس فقط مع البشر، بل أيضًا مع الحيوانات مثل الحمار والحصان، وهذا منتهى الانحطاط أن تترك الطهارة وتنغمس في الزنى لهذه الدرجة.
ع21: يخاطب الله أورشليم معاتبًا وموبخًا أنها بعبادتها للأوثان أظهرت أشواقها لعبادة أصنام مصر. ويشبهها بإمرأة تزنى وتشتاق للزنا الذي بدأته وهي فتاة، عندما كانت في مصر وتركت الأصنام تلعب بقلبها وتلمس ثدييها، أي أن أورشليم ليس فقط تعبد الأوثان، بل قلبها متعلق بها، ومعتبرة أن هذه هي حياتها التي بدأتها منذ زمن طويل، عندما كانت في مصر، متناسية بهذا إلهها الحقيقي، الذي أخرجها من أرض مصر، ورعاها في البرية، وأعطاها أرض الميعاد، ومازال يحفظها حتى الآن.
(3) عقاب أورشليم (ع22-35):
22- «لأَجْلِ ذلِكَ يَا أُهُولِيبَةُ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ، وَآتِي بِهِمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: 23- بَنِي بَابِلَ وَكُلَّ الْكَلْدَانِيِّينَ، فَقُودَ وَشُوعَ وَقُوعَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ بَنِي أَشُّورَ، شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وُلاَةٌ وَشِحَنٌ كُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ وَشُهَرَاءُ. كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ الْخَيْلَ. 24- فَيَأْتُونَ عَلَيْكِ بِأَسْلِحَةٍ مَرْكَبَاتٍ وَعَجَلاَتٍ، وَبِجَمَاعَةِ شُعُوبٍ يُقِيمُونَ عَلَيْكِ التُّرْسَ وَالْمِجَنَّ وَالْخُوذَةَ مِنْ حَوْلِكِ، وَأُسَلِّمُ لَهُمُ الْحُكْمَ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْكِ بِأَحْكَامِهِمْ. 25- وَأَجْعَلُ غَيْرَتِي عَلَيْكِ فَيُعَامِلُونَكِ بِالسَّخَطِ. يَقْطَعُونَ أَنْفَكِ وَأُذُنَيْكِ، وَبَقِيَّتُكِ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. يَأْخُذُونَ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ، وَتُؤْكَلُ بَقِيَّتُكِ بِالنَّارِ. 26- وَيَنْزِعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ، وَيَأْخُذُونَ أَدَوَاتِ زِينَتِكِ. 27- وَأُبَطِّلُ رَذِيلَتَكِ عَنْكِ وَزِنَاكِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فَلاَ تَرْفَعِينَ عَيْنَيْكِ إِلَيْهِمْ وَلاَ تَذْكُرِينَ مِصْرَ بَعْدُ. 28- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُسَلِّمُكِ لِيَدِ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ، لِيَدِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ. 29- فَيُعَامِلُونَكِ بِالْبُغْضَاءِ وَيَأْخُذُونَ كُلَّ تَعَبِكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً، فَتَنْكَشِفُ عَوْرَةُ زِنَاكِ وَرَذِيلَتُكِ وَزِنَاكِ. 30- أَفْعَلُ بِكِ هذَا لأَنَّكِ زَنَيْتِ وَرَاءَ الأُمَمِ، لأَنَّكِ تَنَجَّسْتِ بِأَصْنَامِهِمْ. 31- فِي طَرِيقِ أُخْتِكِ سَلَكْتِ فَأَدْفَعُ كَأْسَهَا لِيَدِكِ. 32- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنَّكِ تَشْرَبِينَ كَأْسَ أُخْتِكِ الْعَمِيقَةَ الْكَبِيرَةَ. تَكُونِينَ لِلضَّحِكِ وَلِلاسْتِهْزَاءِ. تَسَعُ كَثِيرًا. 33- تَمْتَلِئِينَ سُكْرًا وَحُزْنًا، كَأْسَ التَّحَيُّرِ وَالْخَرَابِ، كَأْسَ أُخْتِكِ السَّامِرَةِ. 34- فَتَشْرَبِينَهَا وَتَمْتَصِّينَهَا وَتَقْضَمِينَ شُقَفَهَا وَتَجْتَثِّينَ ثَدْيَيْكِ، لأَنِّي تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 35- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ نَسِيتِنِي وَطَرَحْتِنِي وَرَاءَ ظَهْرِكِ، فَتَحْمِلِي أَيْضًا رَذِيلَتَكِ وَزِنَاكِ».
ع22: يبدأ الله يعاقب أورشليم التي يدعوها أهوليبة ويكون عقابه شديدًا؛ لأنه يسمح لمن تعلقت بهم، أي الكلدانيين وهم البابليين، ثم كرهتهم، أن يقدموا عليها، ويهاجموها من كل ناحية؛ ليدمرونها، وهذا ما حدث في السبي البابلي.
ع23: فقود : قبيلة آرامية تسكن في السهل الشرقى، شرق نهر دجلة، قرب مصبه (إر50: 21).
شوع : اسم قبيلة تسكن في شرق بابل وكانت في حرب دائم مع الأشوريين.
قوع : قبيلة تسكن شرق نهر دجلة.
شهراء : مشهورين.
يعدد الله عشاق أورشليم، أي التي تعلقت بأوثانهم، والذين هجموا عليها، وكلهم من منطقة واحدة هي قريبة من بابل، ويتميزون كلهم بالحيوية والقوة الحربية والعظمة.
ع24: الترس والمجن : ما يدافع به الجندى عن نفسه لصد السهام.
الخوذة : ما يلبس على الرأس والجبهة وهو معدنى؛ لحماية الرأس.
يعدد الله أسلحة المهاجمين لأورشليم، فهي مركبات حربية، وأعداد ضخمة من الجنود، يحملون أسلحة الدفاع عن أنفسهم، مثل الترس والمجن والخوذة، وأقوياء يسيطرون على أورشليم ويحتلونها، فبدلًا من أن يحكم الله عليها بالعقاب بنفسه، ترك البابليون يسيطرون عليها ويذلونها ويتحكمون فيها، أي أن بابل هي الأداة التي في يد الله؛ لإذلال شعبه.
ع25: غيرة الله كعريس كانت قديمًا تحمى عروسه أورشليم، أما الآن فهو يعاقبها، فتكون غيرته ضدها، فيقطع أنفها، أي كبرياءها وقدرتها على التمييز؛ لأن الأنف يرمز للملك، والرئيس، والقدرة على الشم، أي التمييز.
ويقطع أيضًا أذنيها، أي قدرتها على السمع والتعلم، فتضل؛ لأنها لم تطع الله ووصاياه. والأذن أيضًا ترمز للكهنة والمشيرين، الذين يسمعون صوت الله ويرشدون الشعب، فهؤلاء يوجدون ويضلون الشعب، بل أكثر من هذا يظهر الأنبياء الكذبة؛ ليعلموا تعاليم غريبة؛ ليزيدوا الضلال. ويقتل البابليون الكثيرين من الشعب، ويسبون عددًا كبيرًا منهم إلى بابل وإلى بلاد الإمبراطورية البابلية، وكذلك تحرق النار الكثيرين؛ لأن أورشليم تهاونت وقدمت بنيها ذبائح بشرية تحرق إرضاء للآلهة الوثنية، مثل مولك؛ لذلك يؤدبهم الله بالحرق بنار البابليين.
والبنين والبنات يرمزون للمواهب والقدرات، فسبيها معناه سيطرة الشيطان عليها، أي يفقد الإنسان قدراته عندما يبتعد عن الله.
ع26: تتعرى أورشليم من جمالها، فيقشرون الذهب من هيكل الله، بل يأخذون أيضًا الفضة والنحاس وكل شيء جميل في الهيكل وفى أورشليم، فتصير أورشليم قبيحة المنظر من أجل شرورها، أي في عار وذل أمام جميع الأمم.
ع27: تضطر أورشليم في هذه الضيقة العظيمة أن تترك عبادة الأوثان وكل الشهوات الشريرة؛ لأن الأصنام لم تنفعها في ساعة الضيقة ولا كل ممتلكاتها؛ فترفض الآلهة المصرية التي بلا قيمة ولا تعود تطلبها، بعد التأكد من أنها لا شيء وهذه هي فائدة الضيقة، التي يريدها الله، أن يكره الخاطئ خطاياه، وهذا ما يقصده الله من التجارب.
† تأمل نتائج خطاياك لتتوب وترفض لذة الخطية، مهما بدت جذابة؛ لأن عاقبتها عار وحزن.
ع28، 29: عندما يتخلى الله عن أورشليم، يترك أعداءها البابليين يهجمون عليها، وهم أقوى منها، كما أن الشيطان أقوى من الإنسان، وهؤلاء الأعداء بعدما تعلقت بهم أورشليم كرهتهم؛ لأن نتيجة الخطية ضيق وذل، فهؤلاء الأعداء يحملون كراهية لأورشليم وليس حبًا، فيستغلونها، ويأخذون محاصيلها ومقتنياتها من الذهب والفضة، وكل شيء نفيس فيها، وتصبح خربة خالية وعارية من كل زينة، بل قبيحة المنظر بعد تدميرها. بهذا تظهر نتيجة الزنى الروحي، أي عبادة الأوثان وترك الله وهذه النتيجة هي الذل وفقدان كل عظمة، فتصبح المدينة عارية وتسلب مقدساتها، أي هيكل الله، فتظهر عورتها، بالإضافة إلى جثث القتلى والتخريب، فيظهر ضعفها ونجاستها. ويشبهها بامرأة تلذذت بالزنى فتعاقب بأن تلقى عريانة وتظهر عورتها بكل ما تحمل من نجاسة وعار، فلا يطيق أحد النظر إليها.
ع30: يؤكد الله أن هذا التأديب والعقاب الذي سيحل بأورشليم، بسبب زناها مع الأمم، أي عبادتها للأوثان، وليس لأى سبب آخر، مثل قوة بابل.
ع31: ويوضح هنا اشتراك أورشليم مع السامرة في نفس الخطأ وعبادة الأوثان؛ لذلك تعاقب أورشليم مثل السامرة بنفس كأس الغضب الإلهي وهو السبي، بكل ما يشمل من عقاب.
ع32: يوضح الله أن كأس الغضب الذي سيحل بأورشليم هو كأس غضبه على السامرة. وهذه الكأس كبيرة وتسع كثيرًا من التأديبات الإلهية، التي ستحل على أورشليم وما حولها، فتصير سبب ضحك واستهزاء وشماته الأمم المحيطة بها، فقد انحطت أورشليم، التي كانت في قوة وعظمة.
كان الله يود ألا يصب كأس غضبه على السامرة، وبالأكثر على أورشليم؛ لأن هيكله فيها وكان المفروض أن يساعدهم على الالتصاق به والاتكال عليه، ولا يخونوه ويتركوا وصاياه ويعبدوا الأوثان ولكنه اضطر في النهاية أن يصب كأس غضبه على السامرة، وهو كأس كبير يصبه، ويصب نفس الكأس أيضًا على أورشليم.
ع33: يبين الله أن تأديبه لأورشليم سيجعلها تفقد كيانها وتوازنها، وتصير مثل السكارى، وتصبح في حزن شديد وحيرة، فلا تعرف ماذا تفعل بعد أن تخربت وقتل أبناؤها، وأخذ البعض في السبي؛ مثلما حدث مع مملكة إسرائيل.
ع34: تقضمين : تقرضين، أو تكسرينها بأسنانك.
شقفها : قطع من الفخار المصنوع منها الكأس.
تجتثين : تستأصلين.
يوضح الله مدى صعوبة العقاب الذي سيحل بأورشليم، ويعبر عن غضبه كما قلنا بكأس كبيرة عميقة متسعة مصنوعة من الفخار، فعندما يصب غضبه عليها لا تترك أورشليم شيئًا من هذا الغضب، بل تمتص كل ما بقى في الكأس، بل وتكسر الكأس بأسنانها لتلحس كل ما تعلق بأجزائه، وتأكل هذه الشقف، أي أنها تنال كل الغضب الإلهي حتى النهاية. وبقبولها هذا الغضب تكره وترفض كل شهواتها القديمة لعبادة الأوثان، وكل شهوة ردية، ويمثل ذلك باستئصاله ثدييها، أي كل شهوتها، وكل ممارسات الزنى، فترفض كل ما يتعلق بعبادة الأوثان، وتعلقها بالأمم، وترجع إلى الله بكل قلبها، وهذه هي التوبة الحقيقية التي يهدف إليها الله من هذه التأديبات.
ع35: في النهاية يؤكد الله أن سبب كل هذا التأديب، نسيان أورشليم له، فلابد أن تحتمل نتيجة زناها الروحي، أي هذا العقاب.
من هذا نفهم ما يلي:
لذة الخطية مؤقتة وتخلف وراءها ضيق وندم.
من تتعلق به النفس وتزنى معه هو أول من يعاديها ويذلها، مثل قصة أمنون ابن داود مع أخته ثامار (2 صم13: 15).
الله ينادى شعبه كثيرًا للتوبة بطول أناة ولكنه يرفض الله.
الله يضطر في النهاية لتأديب شعبه ليتوب فيخلص.
الله يستخدم شر الإنسان ليتذوق مرارة الخطية وينال عقاب من نفس الخطية، حتى يكرهها، مثلما جعل أشور وبابل هي التي تذل شعبه؛ ليكرهوا عبادة الآلهة الغريبة.
(4) شرور السامرة ويهوذا وعقابهما (ع36-49):
36- وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَحْكُمُ عَلَى أُهُولَةَ وَأُهُولِيبَةَ؟ بَلْ أَخْبِرْهُمَا بِرَجَاسَاتِهِمَا، 37- لأَنَّهُمَا قَدْ زَنَتَا وَفِي أَيْدِيهِمَا دَمٌ، وَزَنَتَا بِأَصْنَامِهِمَا وَأَيْضًا أَجَازَتَا بَنِيهِمَا الَّذِينَ وَلَدَتَاهُمْ لِي النَّارَ أَكْلًا لَهَا. 38- وَفَعَلَتَا أَيْضًا بِي هذَا: نَجَّسَتَا مَقْدِسِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَدَنَّسَتَا سُبُوتِي. 39- وَلَمَّا ذَبَحَتَا بَنِيهِمَا لأَصْنَامِهِمَا، أَتَتَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى مَقْدِسِي لِتُنَجِّسَاهُ. فَهُوَذَا هكَذَا فَعَلَتَا فِي وَسْطِ بَيْتِي. 40- بَلْ أَرْسَلْتُمَا إِلَى رِجَال آتِينَ مِنْ بَعِيدٍ. الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ فَهُوَذَا جَاءُوا. هُمُ الَّذِينَ لأَجْلِهِمِ اسْتَحْمَمْتِ وَكَحَّلْتِ عَيْنَيْكِ وَتَحَلَّيْتِ بِالْحُلِيِّ، 41- وَجَلَسْتِ عَلَى سَرِيرٍ فَاخِرٍ أَمَامَهُ مَائِدَةٌ مُنَضَّضَةٌ، وَوَضَعْتِ عَلَيْهَا بَخُورِي وَزَيْتِي. 42- وَصَوْتُ جُمْهُورٍ مُتَرَفِّهِينَ مَعَهَا، مَعَ أُنَاسٍ مِنْ رَعَاعِ الْخَلْقِ. أُتِيَ بِسَكَارَى مِنَ الْبَرِّيَّةِ، الَّذِينَ جَعَلُوا أَسْوِرَةً عَلَى أَيْدِيهِمَا وَتَاجَ جَمَال عَلَى رُؤُوسِهِمَا. 43- فَقُلْتُ عَنِ الْبَالِيَةِ فِي الزِّنَا: آلآنَ يَزْنُونَ زِنًا مَعَهَا وَهِيَ. 44- فَدَخَلُوا عَلَيْهَا كَمَا يُدْخَلُ عَلَى امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ. هكَذَا دَخَلُوا عَلَى أُهُولَةَ وَعَلَى أُهُولِيبَةَ الْمَرْأَتَيْنِ الزَّانِيَتَيْنِ. 45- وَالرِّجَالُ الصِّدِّيقُونَ هُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِمَا حُكْمَ زَانِيَةٍ وَحُكْمَ سَفَّاكَةِ الدَّمِ، لأَنَّهُمَا زَانِيَتَانِ وَفِي أَيْدِيهِمَا دَمٌ. 46- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أُصْعِدُ عَلَيْهِمَا جَمَاعَةً وَأُسَلِّمُهُمَا لِلْجَوْرِ وَالنَّهْبِ. 47- وَتَرْجُمُهُمَا الْجَمَاعَةُ بِالْحِجَارَةِ، وَيُقَطِّعُونَهُمَا بِسُيُوفِهِمْ، وَيَذْبَحُونَ أَبْنَاءَهُمَا وَبَنَاتِهِمَا، وَيُحْرِقُونَ بُيُوتَهُمَا بِالنَّارِ. 48- فَأُبَطِّلُ الرَّذِيلَةَ مِنَ الأَرْضِ، فَتَتَأَدَّبُ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَلاَ يَفْعَلْنَ مِثْلَ رَذِيلَتِكُمَا. 49- وَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمَا رَذِيلَتَكُمَا، فَتَحْمِلاَنِ خَطَايَا أَصْنَامِكُمَا، وَتَعْلَمَانِ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع36: قبل أن يبين عقاب السامرة ويهوذا ويقول لحزقيال لا تحاول أن تدافع عنهما، بل إخبرهما بشرورهما؛ لعل الباقين فيهما يتوبون، فقد اضطررت لتأديبهما بسبب قائمة خطاياهما، وقصدى من هذا أن البقية تتعظ وتتوب.
ع37: يشير الله إلى ثلاث خطايا كبيرة سقطتا فيهما هاتان المملكتان وهي:
الزنا الروحي بعبادة الآلهة الغريبة وتركى أنا الإله الحي.
الظلم لأقرب الناس إليهما، فلم تكتفيا بقتل الأبرياء؛ إرضاء للظالمين، بل أيضًا قتل أبنائهما بتقديمهم محرقات للإله مولك إله بنى عمون، الذي عبدتاه.
اغتصاب وسرقة ما ليس لهما، فتقديمهما بنيهما للآلهة الوثنية هو سرقة ما لله؛ لأن هؤلاء البنين هم أبناء الله، فكيف يأخذونهم من الله ويقدمونهم للآلهة الوثنية سواء قدموهم محرقات، أو إجازاتهم في النار فقط، أي احترق جزء من أجسادهم عند لمس النحاس المحمى بالنار لتمثال الإله علامة لتكريسهم للآلهة ونوال بركاتها.
† تذكر أن أبناءك هم عطية من الله ينبغى أن تربيهم، كأبناء للملكوت، فتربطهم بالكنيسة منذ طفولتهم. وتذكر أيضًا أن كل أعضائك وحواسك هي ملك لله، فتستخدمها فيما يرضى الله.
ع38: يضيف الله هنا خطيتين في قائمة خطايا هاتين المملكتين هما:
تنجيس مقادس الله، أي هيكله، بكسر الشريعة، وعمل ممارساتها حسبما يرون. بالإضافة إلى خطية أفظع وهي وضع الأصنام في هيكل الله.
تدنيس سبوت الله، فقد كان ينبغى التفرغ في هذا اليوم لعبادة الله، أما هما فقد استخدمتا السبوت لأعمالهما التجارية، وكل عمل مادى، وتركوا عبادة الله.
ونلاحظ هنا تفنن وانشغال الشعب بإرضاء الآلهة الوثنية، لدرجة تقديم الأبناء محرقات لها، وفى نفس الوقت إهمال عبادة الله، أي أن قلوبهم قد انشغلت بالشر تمامًا.
ع39: الغريب أن شعب الله خلط بين عبادة الأوثان، وعبادة الله، فبعد تقديم العبادة للآلهة الوثنية، بما فيها من عمل الفظائع مثل حرق البنين، كانوا يدخلون إلى هيكل الله ويقدمون العبادة له، دون الشعور بأى خطأ. فكيف يدخلون بنجاستهم إلى هيكل الله؛ فهذه استهانة كبيرة وقساوة قلب ورفض للتوبة.
ع40: من فظاعة خطية هاتين المملكتين أنهما سعتا إلى الخطية بنفسيهما، فهما اللتان أرسلتا إلى آشور وبابل تطلبان التحالف معهما وحمايتهما. فهما في هذا مثل زانيتين ترسلان إلى الرجال الغرباء، تتطلبان أن يأتوا إليهما ليزنوا معهما، واستعدت هاتان الزانيتان للزنى بالاستحمام والتزين، فقد غسلت الزانية جسدها، ونسيت أن تغسل قلبها من الشر، وكحلت عينيها بالكحل، ففقدت بصيرتها لرؤية الله، وتحلت بالحلى المادية؛ لتفقد كل فضيلة. والخلاصة أن شعب الله تعلق بشعوب العالم وأوثانهم وتركه، فتدنس واستحق كل عقاب.
ع41: منضضة : مرتبة ومهيأة.
يبين الله مدى اهتمام شعبه بعبادة الأوثان، مثل زانية هيأت سرير فاخر لتتم زناها، هكذا شعبه اهتم بكل طقوس واحتفالات وعبادة الأوثان، وقدموا لها البخور والزيت على مائدة مهيأة في المعابد الوثنية التي أقاموها في جوانب أورشليم، وفى المرتفعات وتحت الأشجار، مع أن هذا البخور والزيت كان المفروض أن يقدم لله في هيكله، ولكن انحراف الإنسان يجعله يقدم كل إمكانياته للشر. ويؤكد الله أنه "بخورى وزيتى"، أى سرقوا ما يقدم لى، وقدموه للآلهة الوثنية؛ ليغيظونى.
وقد يقصد بالسرير الفاخر، المعاهدات التي قطعها شعب الله مع البلاد القوية المحيطة، مثل آشور وآرام وبابل، فاستراح كأنه على سرير فاخر، مع أنه لا توجد راحة إلا في الاتكال على الله، وليس الزنى الروحي.
ع42: مترفهين : متنعمين وفرحين.
رعاع : أدنياء القوم.
الخلق : البشر.
إذ عمل شعب الله معاهدات مع الشعوب القوية، فرح جمهور الشعب الذي يضم الرعاع، وهم من يسهل قيادتهم في أي اتجاه. فأوهمهم الرؤساء أنهم بهذا التحالف في قوة كبيرة. وحضر إليهم أمميون من الشعوب المحيطة، مثل العرب وبنى عمون وموآب، وهم يشاركونهم أفراحهم مترنحين كالسكارى من تعلقهم بعبادة الأوثان، وهكذا اشترك الكل في احتفالات وثنية، واتكال على قوى العالم، وتركوا الإله الحقيقي، بأن قدمت الأمم المحيطة هدايا لملك يهوذا، كما قدم البابليون هدايا لحزقيا، يرمز إليها هنا بالأساور والتاج المعطى للزانية أورشليم.
ع43: البالية : القديمة والمزمنة في الزنى.
وهى : أي وهي تزنى معهم.
لما رأى الله هذه المعاهدات، قال عن شعبه الذي زنى من وراءه روحيًا منذ سنين طويلة، أنه يزنى مع الأمم المحيطة، أي يتعلق بهم ويعبد آلهتهم الغريبة.
ع44: دخلت الأمم على شعب الله في السامرة ويهوذا بسهولة، بل وترحيب من شعب الله، كما ترحب الزانية بزبائنها، أي عبد شعب الله الأوثان بسهولة دون أية مقاومة، بل فرحوا بهذه الآلهة الغريبة.
ع45: يعطى الله الرجاء في وجود بقية صالحة في شعبه، هم الرجال الصديقين، الذين رفضوا الاشتراك في عبادة الأوثان والاتكال على الأمم. فتقوى هؤلاء الرجال تدين وتحكم على شعب الله الزانى، لأنهم لم يثبتوا مثلهم في عبادة الله والاتكال عليه.
ع46: الجور : الظلم لشعبه في السامرة وأورشليم.
يبدأ هنا الله في إعلان عقابه لشعبه على كل الخطايا السابق ذكرها، فيسمح للأمم من آشور وبابل بالهجوم عليهما وتدميرهما وسلب ممتلكاتها، وإجراء كل ظلم فيهما، فكما ظلمتا الله والأبرياء هكذا تظلمان من خلال السبي.
ع47: يستكمل الله تفاصيل العقاب الذي يتم على شعبه بواسطة الأمم فيما يلي:
تدمير أورشليم والسامرة ويشبه ذلك بالرجم بالحجارة.
قتل الكثيرين من شعبيهما بالسيف.
لم تشفق أعين أشور وبابل على البنين مهما كانوا صغارًا، فذبحوهم أمام أعين أبائهم وأمهاتهم.
حرق أورشليم، أي هيكل الله وقصور العظماء بالنار.
ع48: بهذا التأديب الإلهي يخاف شعب الله ويشعرون بأن الآلهة الوثنية بلا قيمة وأن التحالف مع الأمم لا يفيد شيئًا، فيتوبون ويبتعدون عن خطاياهم ويرجعون إلى الله بالتوبة، وبهذا يبطل الله الخطية من شعبه، بل يكونوا قدوة للأمم المحيطة؛ لتخاف الله وتؤمن به، وهذا ما حدث في ملء الزمان عندما آمنت الأمم بالمسيح.
ع49: عندما يتم السبي بكل الذل الذي فيه، تنال المملكتان عقاب خطاياهما ويتأكدان من صحة كلام الله، الذي تنبأ به، فيرجعا إليه بالتوبة.
† عندما ترى نتيجة الخطية وعقابها في حياتك لا تيأس، بل ليكن هذا دافعًا لك للتوبة والرجوع إلى الله؛ لأنه مستعد أن يسامحك عن كل شيء ويبدأ معك بدءًا جديدًا.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح

(1) القدر والنار (ع1-14):
1- وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اكْتُبْ لِنَفْسِكَ اسْمَ الْيَوْمِ، هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. فَإِنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. 3- وَاضْرِبْ مَثَلًا لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضَعِ الْقِدْرَ. ضَعْهَا وَأَيْضًا صُبَّ فِيهَا مَاءً. 4- اِجْمَعْ إِلَيْهَا قِطَعَهَا، كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ. امْلأُوهَا بِخِيَارِ الْعِظَامِ. 5- خُذْ مِنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا. أَغْلِهَا إِغْلاَءً فَتُسْلَقَ أَيْضًا عِظَامُهَا فِي وَسْطِهَا. 6- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ، الْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا زِنْجَارُهَا، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا زِنْجَارُهَا. أَخْرِجُوهَا قِطْعَةً قِطْعَةً. لاَ تَقَعُ عَلَيْهَا قُرْعَةٌ. 7- لأَنَّ دَمَهَا فِي وَسْطِهَا. قَدْ وَضَعَتْهُ عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ. لَمْ تُرِقْهُ عَلَى الأَرْضِ لِتُوَارَيهُ بِالتُّرَابِ. 8- لِصُعُودِ الْغَضَبِ، لِتُنْقَمَ نَقْمَةً، وَضَعْتُ دَمَهَا عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ لِئَلاَّ يُوارَى. 9- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ. إِنِّي أَنَا أُعَظِّمُ كُومَتَهَا. 10- كَثِّرِ الْحَطَبَ، أَضْرِمِ النَّارَ، أَنْضِجِ اللَّحْمَ، تَبِّلْهُ تَتْبِيلًا، وَلْتُحْرَقِ الْعِظَامُ. 11- ثُمَّ ضَعْهَا فَارِغَةً عَلَى الْجَمْرِ لِيَحْمَى نُحَاسُهَا وَيُحْرَقَ، فَيَذُوبَ قَذَرُهَا فِيهَا وَيَفْنَى زِنْجَارُهَا. 12- بِمَشَقَّاتٍ تَعِبَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا كَثْرَةُ زِنْجَارِهَا. فِي النَّارِ زِنْجَارُهَا. 13- فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ. 14- أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ. لاَ أُطْلِقُ وَلاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَنْدَمُ. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع1: يحدد هنا الله موعد حصار جيوش بابل لمدينة أورشليم، وكان ذلك في اليوم العاشر من الشهر العاشر في السنة التاسعة لملك صدقيا آخر ملوك يهوذا، واستمر هذا الحصار مدة عام ونصف، بعده سقطت أورشليم في يد بابل.
ع2: طلب الله من حزقيال أن يكتب هذا اليوم بالتحديد، وهو اليوم العاشر من الشهر العاشر للسنة التاسعة لصدقيا؛ إذ فيه تبدأ آخر مرحلة في حياة أورشليم قبل أن تسبى. فأحداث الحياة كلها بترتيب من الله وسابق علمه، ويستخدمها لخلاص أولاده وتوبتهم، ولكى إذا ما حدثت هذه الأحداث يتأكد الشعب من صدق نبوة حزقيال، وتم هذا بالفعل (2 مل25: 1).
ع3، 4: يشبه الله نهاية أورشليم بقدر، يضع فيها حزقيال الماء، الذي يرمز إلى ميوعة وتهاون شعب الله في عبادته. ثم يأمر حزقيال بوضع اللحم في القدر بعد تقطيعه، ويرمز إلى تدمير أورشليم. وقطع اللحم الطيبة، وخيار العظام ترمز إلى عظماء أورشليم، فالتأديب سيأتى على الشعب كله بما فيهم عظمائه، بل سيكون القتل والتعذيب أولًا للرؤساء، الذين أشار إليهم بالقطع الطيبة وخيار العظام التي فيها نخاع.
وكذلك اللحم الطيب وخيار العظام ترمز للصالحين في أورشليم، فسيأتى التأديب عليهم لتزكيتهم، أما الأشرار فلإهلاكهم.
ع5: يطلب الله من حزقيال أن يضع في القدر خيار الغنم، الذين يرمزون للعظماء، أو الصالحين. وكذلك يضع كومة العظام تحتها في القدر، وهذه العظام جافة وميتة، فترمز للأشرار، أو عامة الشعب.
كل هذا يجعله في الماء الذي على النار، حتى يغلى الماء، فيُسلق كل ما في القدر، وهذا يرمز للتأديب الذي يحل على كل الشعب بفئاته المختلفة.
† لا تنزعج من الضيقات، فهي تظهر مدى تمسكك بالله، وتكتسب فيها فضائل كثيرة، فتتزكى أمامه. ولا تتأثر بتذمر الأشرار، بل اثبت في شكرك لله، فتنال المجازاة العادلة والبركات الوفيرة في النهاية.
ع6: زنجارها : صدأها.
يعلن الله أن وضع القدر على النار هو تأديب لأورشليم التي امتلأت ظلمًا، إذ يظلم كل واحد صاحبه، وخاصة ذوى السلطة للضعفاء، فيسمى أورشليم مدينة الدماء، وهذا بدلًا من إسمها القديم المدينة المقدسة التي يحل الله فيها في هيكله المقدس. وقد تعاظم ظلمهم وتعدوا على الله فوضعوا الأصنام في هيكله وفى مدينته ليغيظوه. ويوضح الله أن القدر فيها زنجارها، ويرمز هذا لفسادها الذي مازال فيها لإصرار الشعب على خطاياهم.
ويطلب الله أن يتم سلق جميع قطع اللحم في القدر، ولا يلقوا قرعة على الشعب ليؤخذ بعضهم ويؤدب، والبعض يعفى عنه، ولكن التأديب سيقع على الكل.
ع7، 8: ضح الصخر : المكان البارز من الصخر الذي تسطع عليه أشعة الشمس.
يبين الله أن أورشليم قد أراقت الدماء الزكية على أعلى الصخر، أي ظاهرًا بلا خجل؛ لأنها فاجرة ولم تحاول أن تواريه التراب، أي تعمله في خفية، فالدم يرمز لحياة الإنسان، أي أن الشعب ظلم بعضه، وأراق دماء زكية ولم يخافوا الله؛ لذا سيؤدبهم الله علنًا على مرأى من كل الأمم، عندما تحاصرهم بابل وتدمر مدينتهم. كل هذا الفجور أثار غضب الله عليها. وقد تشير هذه الآيات إلى الذبح للأوثان في أورشليم على المرتفعات في فجور وبلا خجل، وفى تحدى لله.
ع9: يعلن الله عقاب أورشليم مدينة الدماء، أي الظلم، أنه سيسمح بتدميرها وتحطيمها فتصير كومة من الحجارة بدلًا من أبنية ضخمة، أي تنتهي معالمها التي افتخرت بها.
ع10: يطالب الله حزقيال أن يضع حطبًا كثيرًا ويوقد النار فيه، فيشتعل بشدة، ويضع القدر الذي به اللحم عليه، فيسلق، ويأمره الله أن يضع عليه توابل ليصبح طعم اللحم لذيذًا. كل هذا نفذه حزقيال فعلًا أمام الشعب؛ لينظروه ويسألوه عن سبب ما يعمل، فيشرح لهم معنى النبوة، وهو أن بابل ستهجم على أورشليم وتحرقها بالنار بشدة، فيتعذب الكثيرون، الذين يرمز إليهم باللحم ويعانون ضيقًا شديدًا، أما جيوش بابل فتتلذذ بتحطيم أورشليم وقتل سكانها، كما يستطعم الإنسان اللحم المتبل جيدًا.
أما العظام فلن تحتمل النار الشديدة، بل ستحرق، وهي ترمز لموت الكثيرين من سكان أورشليم.
اللحم إذًا يرمز للمؤمنين الأتقياء الذين في أورشليم ويحتملون آلام الجوع والوبأ والضرب والجرح، فيؤدى كل هذا إلى تمسكهم بالله ورفضهم للخطية، فينمون في حياتهم الروحية وهذا ما يشير إليه إنضاج اللحم وتتبيله أيضًا، فيصير لذيذًا وعظيمًا في نظر الله. فهو لذيذ في نظر البابليين لإهلاك وتعذيب الآخرين، ولكن الله يحول الشر إلى خير وهو إنضاج ونمو روحيات شعبه، فيصير ذا طعم لذيذ أمام الله.
ع11: يأمر الله حزقيال بأن لا يرفع القدر من على النار حتى بعد أن يأخذ اللحم الذي نضج داخلها، بل تظل فارغة وهي على النار، حتى تتخلى عن زنجارها، الذي يرمز إلى الشرور التي في أورشليم. فالله مضطر لتأديب أورشليم بشدة، حتى تضطر أن ترفض خطاياها، فتتنقى وتصبح مدينة الله المقدسة، حتى وإن كانت خربة ومن فيها ضعفاء ومذلولين لكنهم أمام الله مقدسون؛ لأنهم رجعوا بالتوبة إليه.
ع12، 13: يبين الله أن خطية أورشليم متغلغلة فيها، فتحتاج إلى استمرار التأديب؛ لأن القدر لن تتخلص من زنجارها بسهولة، بل تظل النار مشتعلة تحت القدر، حتى يكمل غضب الله على أورشليم، وحينئذ يتوقف الله عن تأديبها.
وهذا يبين مدى شر أورشليم وطول أناة الله، الذي اضطره أن يؤدبها كل هذا التأديب.
ع14: يظهر الله أن استمرار غضبه وتأديبه لأورشليم سبب خطاياها، فهذا التأديب هو حكم الله عليها بسبب شرورها؛ ليتوب المؤمنون به ويرجعون إليه. والله سيضبط مشاعر حبه وحنانه، حتى يكمل غضبه ليخلص شعبه من الهلاك الأبدي، فهو لن يشفق، أي لن يتراجع عن تأديب أورشليم؛ لأنه أمر بهذا لخلاصهم.
† كن حازمًا عندما يخطئ الآخرون الذين أنت مسئول عنهم. لا تتراجع عن حزمك لتقودهم إلى التوبة؛ لأن إشفاقك عليهم سيكون تهاونًا، على شرط أن يكون هذا من أجل الله، وأنت محتفظ بسلامك ومحبتك لهم، ثم تعود فتظهر حنانك وتشجيعك.
(2) موت زوجة حزقيال (ع15-18):
15- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 16- «يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ بِضَرْبَةٍ، فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. 17- تَنَهَّدْ سَاكِتًا. لاَ تَعْمَلْ مَنَاحَةً عَلَى أَمْوَاتٍ. لُفَّ عِصَابَتَكَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْ نَعْلَيْكَ فِي رِجْلَيْكَ، وَلاَ تُغَطِّ شَارِبَيْكَ، وَلاَ تَأْكُلْ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ». 18- فَكَلَّمْتُ الشَّعْبَ صَبَاحًا وَمَاتَتْ زَوْجَتِي مَسَاءً. وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ.
ع15، 16: الله هنا يستخدم حزقيال كمثال للشعب كله، فسمح له بضيقة شديدة، وهذه الضربة هي أخذ زوجته المحبوبة، وغالبًا كانت الضربة مرض أصاب زوجته، التي تعلق بها قلبه؛ لأنها امرأة فاضلة، وطلب منه أنه عندما يراها تموت أمام عينيه لا يبكى ولا يصيح حزنًا عليها. وكان هذا بالطبع أمر صعب ولكن حزقيال، كخادم مطيع لله نفذ الأمر بكل تدقيق، وكان هذا مثالًا أمام الشعب كله، ليتذكر ذلك عندما تدمر أورشليم بيد بابل ويقتل الكثيرون ويخاف ويهرب الباقون، فلا يكون لهم فرصة أن يبكوا على موتاهم. وهو بهذا يحاول تنبيه قلب حزقيال وقلوب شعبه إلى مشاعره هو نفسه عندما يرى أورشليم مدينته المقدسة وشعبه الخاص يبتعد عنه، فهذا يؤثر جدًا في قلب الله، ولكنه صامت ويطيل أناته على شعبه ليتوبوا.
وقد اعتاد الله استخدام أنبيائه كأمثلة لشعبه، لعلهم ينتبهون ويرون النبوات منفذة عمليًا أمام عيونهم، كما جعل حزقيال ينام على جنبه ويأكل طعامًا قليلًا (حز 4) ليكون نبوة عن سبى شعبه وضيقهم، وكما جعل هوشع يتزوج زانية، ليبين لشعبه مدى انحرافهم عنه وإساءاتهم له.
ع17: يستكمل الله منع حزقيال من أي مظاهر للحزن على زوجته، فيطالبه بما يلي:
أن يكون حزنه داخليًا، فيتنهد في قلبه، لكن لا يظهر أحزانه، كما سيفعل شعب الله عند تدمير أورشليم. وهذا إظهار لأن الله سيتمم هذه النبوة، ولن يتراجع عنها رغم أن قلبه حزين على مدينته.
لا يرتب مناحة، إذ كانوا يحضرون بعض النساء الندابات ليثيروا أحزان الناس، ويعملوا استقبالًا للمعزين، فيمنع كل مظاهر الحزن على زوجته.
يهتم بملابسه للخروج للعمل، فيلف عصابته - وهي قطعة طويلة من القماش تلف حول الرأس - إذ كانوا في أيام الحزن ينزعون هذه العصابة، دليل الوقار والاحترام.
يلبس نعليه ليخرج ويعمل ولا يستقبل المعزين. وكانوا يخلعون نعالهم ويمشون حفاة في المآتم لإظهار زهدهم وحزنهم وتذللهم.
كانوا في المآتم يغطون شواربهم التي تدل على الوقار، إعلانًا لتذللهم وحزنهم.
كانت العادة قديمًا وحتى الآن، أن يقدم الجيران والأقارب أطعمة في المآتم للمعزين، ولكن أمر الله حزقيال أن لا يعمل مأتم، وبالتالي لا يقبل هدايا الناس من أطعمة.
(3) حزقيال مثال للشعب عند تدمير أورشليم (ع19-27):
19- فَقَالَ لِيَ الشَّعْبُ: «أَلاَ تُخْبِرُنَا مَا لَنَا وَهذِهِ الَّتِي أَنْتَ صَانِعُهَا؟» 20- فَأَجَبْتُهُمْ: «قَدْ كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 21- كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُنَجِّسٌ مَقْدِسِي فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، 22- وَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ: لاَ تُغَطُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ. 23- وَتَكُونُ عَصَائِبُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَنِعَالُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ. لاَ تَنُوحُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَتَفْنَوْنَ بِآثَامِكُمْ. تَئِنُّونَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. 24- وَيَكُونُ حِزْقِيَالُ لَكُمْ آيَةً. مِثْلَ كُلِّ مَا صَنَعَ تَصْنَعُونَ. إِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ. 25- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَفَلاَ يَكُونُ فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ، سُرُورَ فَخْرِهِمْ، شَهْوَةَ عُيُونِهِمْ وَرَفْعَةَ نَفْسِهِمْ: أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، 26- أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الْمُنْفَلِتُ لِيُسْمِعَ أُذُنَيْكَ. 27- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. وَتَكُونُ لَهُمْ آيَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع19: تعجب الشعب لعدم عمل حزقيال مناحة على زوجته المحبوبة، ولم يظهر أي مظاهر للحزن، رغم علمهم بتعلق قلبه بها. فسألوه، لماذا فعلت هذا؟
ع20-24: أخبرهم حزقيال بكلام الله للشعب أن الله جعله مثالًا للشعب، فكما لم يظهر حزقيال أي مظاهر للحزن على زوجته، كذلك شعب الله في أورشليم، عندما يموت أبناؤهم وأحباؤهم أمام عيونهم عند هجوم بابل على أورشليم لن يستطيعوا البكاء، أو إظهار أي مشاعر حزن لفقدانهم هؤلاء الأحباء، وذلك بسبب فزعهم وهروبهم أمام جنود بابل.
وقد كان شعب الله في أورشليم مخطئين؛ لذا سيأتى عليهم هذا الدمار، أما حزقيال فلم يخطئ حتى تموت زوجته هكذا فجأة، وذلك ليكون رمزًا للمسيح البار القدوس، الذي قتله اليهود بلا خطية منه؛ ليفدى شعبه. ونرى هنا أن الله قد سمح بتنجيس مقدسه، أي هيكله بدخول الأمم فيه، وسرقتهم لكل مقتنياته وتدميره وحرقه، وهذا الهيكل هو أعظم شيء يفتخر به اليهود، وتتعلق عيونهم وقلوبهم به، ثم يضيف إلى هذا التدمير للهيكل وكل المدينة، موت أعز الأحباء وهم الأبناء، أي أن اليهود الباقين في أورشليم قد فقدوا أغلى ما عندهم في الحياة، كما حدث لحزقيال.
يؤكد الله أن سبب هذا الدمار لأورشليم هو آثام الشعب في حق الله، عندما يقول "تفنون بآثامهم"، ولن يستطيعوا البكاء علنًا أمام البابليين؛ لخوفهم، فيئنون ويبكون في الخفاء فيما بينهم.
موت زوجة حزقيال وكلام الله للشعب سيعرفهم - عند حدوث تدمير لأورشليم - أن كلام الله حق ونبوات حزقيال كانت سليمة؛ لعلهم يرجعون إلى الله ويتوبون عن خطاياهم.
† لا تنزعج إن أتت عليك ضيقات دون أن يكون فيك خطأ واضح، وثق أن الله سيسندك بمعونته فلا تشعر بثقل التجربة، بل وتختبر أعماقًا جديدة في محبته، وتكون مثالًا للاحتمال وعمل الله فيك أمام الآخرين.
ع25-27: المنفلت : الذي يستطيع أن يهرب من أورشليم عند تدميرها بيد بابل، ويؤمن بالله، فيأتى إلى حزقيال ليخبره أن نبواته قد تحققت.
أبكم : أخرس غير قادر على الكلام.
يعلن الله لحزقيال أنه عندما تخرب أورشليم فخر اليهود وشهوة قلوبهم، ويقتل أعز ما عندهم وهم أبناؤهم سيستطيع القليلون أن يهربوا، وأحد المؤمنين منهم سيأتى إلى حزقيال؛ ليخبره بتحقيق نبواته، وتدمير وحرق أورشليم، وقتل الكثيرين من اليهود، وسبى الباقين. ولم يستطع أن يهرب إلا القليلون.
ويخبرنا حزقيال هنا أنه ظل مدة ساكتًا، هذه المدة غير محددة في الكتاب المقدس، ولكن يؤكد حزقيال صحته في (حز 33: 22)، بعد هذا الصمت نطق وتكلم مع المنفلت الذي أتى إليه، فقد صمت عن الكلام، ثم بدأ يتكلم نبوات عن إسرائيل، وتكون النبوات المذكورة عن الأمم (حز 25: 32) قد قيلت قبل هذا الزمن، ولكن وضعت في الكتاب المقدس بعد الأحداث المذكورة (حز 24).
هناك رأى آخر بأن هذه الأعداد التي تكلم عنها الآن هي آخر ما قاله حزقيال عن بني إسرائيل شعب الله. وابتداءً من الأصحاح الخامس والعشرين حتى الأصحاح الثاني والثلاثين سيتكلم حزقيال بنبوات عن الأمم، ثم بعد ذلك حتى نهاية السفر سيتكلم عن إسرائيل الجديد، أي نبوات عن المسيح والكنيسة. ومعنى هذا الرأى أن صمت حزقيال لم يكن صمتًا كاملًا، بل صمتًا عن التنبؤ على إسرائيل. وسكوت حزقيال عن التنبؤ على إسرائيل يرمز إلى أن إسرائيل كشعب الله سينتهى، والنبوات عن الأمم ترمز لسقوط الشيطان؛ لأنه يتكلم سبع نبوات عن الأمم ترمز للسقوط الكامل للشيطان. ثم النبوات من (حز 33) التي تتكلم عن إسرائيل الجديد التي ترمز للكنيسة والأبدية.
تنبؤ حزقيال عن تدمير أورشليم، وتأديب شعب الله ليس معناه غضبه على شعبه أكثر من باقى الشعوب، بل الذي يعرف أكثر يطالب بأكثر فيؤدب أولًا، ويكون بهذا عظة للأشرار. ولكن للأسف لم تتعظ الأمم، فأتى الخراب عليها، كما يظهر في نبوات حزقيال عن السبعة أمم (حز 25-32).

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الخامس والعشرون
(1) بنو عمون (ع1-7):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ بَنِي عَمُّونَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ، 3- وَقُلْ لِبَنِي عَمُّونَ: اسْمَعُوا كَلاَمَ السَّيِّدِ الرَّبِّ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ قُلْتِ: هَهْ! عَلَى مَقْدِسِي لأَنَّهُ تَنَجَّسَ، وَعَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهَا خَرِبَتْ، وَعَلَى بَيْتِ يَهُوذَا لأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى السَّبْيِ، 4- فَلِذلِكَ هأَنَذَا أُسَلِّمُكِ لِبَنِي الْمَشْرِقِ مِلْكًا، فَيُقِيمُونَ صِيَرَهُمْ فِيكِ، وَيَجْعَلُونَ مَسَاكِنَهُمْ فِيكِ. هُمْ يَأْكُلُونَ غَلَّتَكِ وَهُمْ يَشْرَبُونَ لَبَنَكِ. 5- وَأَجْعَلُ «رَبَّةَ» مَنَاخًا لِلإِبِلِ، وَبَنِي عَمُّونَ مَرْبِضًا لِلْغَنَمِ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 6- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ صَفَّقْتَ بِيَدَيْكَ وَخَبَطْتَ بِرِجْلَيْكَ وَفَرِحْتَ بِكُلِّ إِهَانَتِكَ لِلْمَوْتِ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 7- فَلِذلِكَ هأَنَذَا أَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأُسَلِّمُكَ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ، وَأَسْتَأْصِلُكَ مِنَ الشُّعُوبِ، وَأُبِيدُكَ مِنَ الأَرَاضِي. أَخْرِبُكَ، فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع1-3: بنى عمون : هم نسل بنو عمى ابن لوط من ابنته الصغرى، وكانوا في حروب دائمة ضد شعب الله، حتى بعد سقوطهم في السبي قتلوا حاكمهم جدليا (إر40: 14)، وكانوا يعبدون إلههم ملكوم الذي يقدمون له ذبائح بشرية.
هه : صيحة فرح وشماتة.
مقدس : هيكل الله في أورشليم.
أمر الله حزقيال أن يترك شعب الله، ويوجه نبواته نحو الأمم، وبدأ بمملكة بنى عمون، فأظهر غضب الله على شرورهم؛ لأنهم شمتوا بكبرياء وصاحوا فرحين، عندما دمرت بابل هيكل الله وأحرقته، وخربت أورشليم ومملكة يهوذا، وأخذت سكانها سبايا إلى بابل.
لم تكن هذه الأحداث قد تمت في أورشليم، أي لم يكن قد تم السبي وحرق الهيكل وقت نبوة حزقيال، ولم تظهر شماته بنى عمون، ولكن حزقيال رآها بروح النبوة. ومن أجل هذه الشرور سيعاقبهم الله.
ع4، 5: صيرهم : حظائر أغنامهم.
مناخًا : مكان راحة الجمال، أي الحظائر الخاصة بهم.
مربضًا : حظائر الأغنام حيث تربض، أي تستريح.
من أجل هذه الشرور، يسلم الله مملكة بنى عمون لبابل الآتية بجيوشها من المشرق، فتخرب بلاد بنى عمون، حتى تصير أماكن لرعى الغنم، إذ أصبحت مهجورة ومخربة، ويقيم البابليون فيها حظائر لأغنامهم وجمالهم ومساكن لرعاتهم، ينهبون كل خيرات بنى عمون، سواء محاصيل الحقل، أي غلاتها، أو المواشى التي ترعى فيها التي تعطى لبنًا، فيعبر عنها هنا بلبن بنى عمون.
ع6: يظهر الله هنا مدى شماتة بنى عمون في خراب مملكة يهوذا، فأعلنوا ذلك بأن صفقوا بأيديهم، وأخذوا يخبطون الأرض بأرجلهم، وفرحوا بكل الطرق لمقتل الكثيرين من شعب الله بيد بابل، فهم حقًا يرمزون لشماتة الشيطان بسقوط أولاد الله.
ع7: من أجل كل هذه الشرور السابقة يسمح الله لبابل أن تفترس بنى عمون، وتأخذها غنيمة. وقد تم بالفعل تخريب مملكة بنى عمون بيد بابل، بعد خمسة سنوات من تخريب أورشليم ومملكة يهوذا. وظلت معرضة للتخريب، حتى انتهت تمامًا في عهد المكابين في القرن الثاني قبل الميلاد، وتقوم الآن مكان عاصمتهم ربة بنى عمون مدينة عمان عاصمة الأردن.
† مهما أساء إليك أي إنسان، فلا تشمت بمصيبته، أي لا تحب الشر لأحد وضع نفسك مكانه، حتى تشعر بمتاعبه، فتسامحه وتصلى لأجله، فيتحنن عليك الله ويسامحك ويرحمك.
(2) موآب (ع8-11):
8- «هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ مُوآبَ وَسَعِيرَ يَقُولُونَ: هُوَذَا بَيْتُ يَهُوذَا مِثْلُ كُلِّ الأُمَمِ. 9- لِذلِكَ هأَنَذَا أَفْتَحُ جَانِبَ مُوآبَ مِنَ الْمُدُنِ، مِنْ مَدُنِهِ مِنْ أَقْصَاهَا، بَهَاءِ الأَرْضِ، بَيْتِ بَشِيمُوتَ وَبَعْلِ مَعُونَ وَقِرْيَتَايِمَ، 10- لِبَنِي الْمَشْرِقِ عَلَى بَنِي عَمُّونَ، وَأَجْعَلُهُمْ مُلْكًا، لِكَيْلاَ يُذْكَرَ بَنُو عَمُّونَ بَيْنَ الأُمَمِ.11- وَبِمُوآبَ أُجْرِي أَحْكَامًا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع8: موآب : هم نسل موآب ابن لوط من إبنته الكبرى، وكانوا يعبدون إلههم كموش، وقد دخلوا في حروب كثيرة مع بني إسرائيل، وضايقوهم، مثل أيام القضاة، ولكن أهود القاضى قتل ملكهم وتحرروا منهم (قض3: 12-30) ثم أخضعهم داود وسليمان. ولكن عادوا وهاجموا بني إسرائيل أيام يهوشافاط (2 مل3)، ثم تحالفوا مع الكلدانيين ضدهم أيام يهوياقيم (2 مل24: 2).
سعير : كلمة معناها كثرة الشعر، وهي المنطقة التي استولى عليها أدوم، أي عيسو وسكن فيها هو ونسله (تك32: 3) وهي تقع جنوب بني إسرائيل وشمال شرق شبه جزيرة العرب.
الخطية التي سقط فيها موآب واشترك معه الأدوميون سكان سعير، هي أنهم عندما رأوا تدمير أورشليم ومملكة يهوذا، قالوا باحتقار إن بني إسرائيل مثل باقي الأمم، إلههم ضعيف أمام قوة إله بابل، فهم مصرون على رفض الإيمان بالله، والشماتة بشعبه واحتقارهم؛ لأنهم ضعفاء.
† لا تتسرع في الحكم على الأمور؛ لئلا يكون حكمك سطحيا وغير سليم، فمن أنت يا من تدين غيرك. إتعظ مما يحدث للآخرين واتضع أمام الله في توبة، لعل قلبك يتحرك بالشفقة على المخطئين، فتصلى لأجلهم، وتصلى من أجل ضعفك ليرحمك الله وإياهم.
ع9-11: بيت بشيموت وبعل معون وقريتايم : مدن موآبية قوية وحصينة. تقع على حدود موآب لتحمى باقي مدن موآب.
بنى المشرق : البابليون.
يعلن الله على فم حزقيال عقاب موآب، وهو هجوم بابل عليه، وتدمير مدنه الحصينة التي على حدوده، ثم تدمير باقي مدنه. كل هذا لم يتم وقت نبوة حزقيال، لأن السبي البابلي لم يكمل لمملكة يهوذا، ولكن رآه حزقيال بروح النبوة، فهو تحذير لموآب؛ حتى لا يتمادى في شره وعدائه لشعب الله واحتقاره لإلههم. وقد هاجمت بابل موآب بعد انتصارها على بنى عمون، أي بعد خمسة سنوات من سبى أورشليم، إذ بتدمير بنى عمون انفتح الطريق لبابل؛ حتى تدمر موآب، ثم أتى العرب بعد هذا واستولوا على بلاد بنى عمون وموآب.
عندما يحدث هذا التدمير لموآب، يعلم الباقون منهم أن كلام حزقيال، الذي تنبأ به عليهم كان صحيحًا، لعلهم يؤمنون بالله ويتركون عبادة الأوثان.
(3) أدوم (ع12-14):
12- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَدُومَ قَدْ عَمِلَ بِالانْتِقَامِ عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا وَأَسَاءَ إِسَاءَةً وَانْتَقَمَ مِنْهُ، 13- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ، وَأَقْطَعُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَأُصَيِّرُهَا خَرَابًا. مِنَ التَّيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. 14- وَأَجْعَلُ نَقْمَتِي فِي أَدُومَ بِيَدِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيَفْعَلُونَ بِأَدُومَ كَغَضَبِي وَكَسَخَطِي، فَيَعْرِفُونَ نَقْمَتِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع12: آدوم : كلمة معناها أحمر، أي دم، أو تراب. وبنو أدوم هم نسل عيسو، الذين سكنوا في منطقة سعير، التي تسمى أيضًا أدوم، وكانوا يتميزون بالعنف، وقد رفضوا مرور بنى إسرائيل في أرضهم عند مجيئهم من برية سيناء (عد20: 14-21) وأخضعهم داود ولكنهم قاوموا سليمان (1 مل11: 14-17) ودخلوا في حروب كثيرة مع بني إسرائيل، وتحالفوا مع شعوب أخرى ضدهم، وشمتوا ببني إسرائيل عند سبيهم.
يتكلم هنا حزقيال عن أدوم وحده، فبالإضافة إلى اشتراكه مع موآب في احتقار شعب الله عند السبي البابلي له، زاد أدوم لعدائه الشديد لشعب الله، فانتقم منهم، إذ بعد انتصار بابل على يهوذا، استغل أدوم هذه الفرصة واستولى على بعض البلاد الجنوبية من مملكة يهوذا، مثل حبرون، وقتلوا الهاربين من بني إسرائيل. وأدوم هنا يرمز للشيطان الذي يريد إهلاك أولاد الله بعنف ودموية، ولكن انتصر عليه شعب الله الذي يرمز للمسيح، هذا الذي قيد الشيطان بصليبه، وأصبح للمؤمنين به القدرة أن يدوسوا كل قوة إبليس.
† لا تستغل ضعف الذين أساءوا إليك قبلًا، فتذلهم، أو تحتقرهم، فإن هذا يظهر إمتلاء قلبك بالشر وعدم تسامحك، وبهذا تذخر لنفسك غضبًا إلهيًا. ليتك تسامح الآخرين سريعًا، وإن لم تستطع فواظب على الصلاة باتضاع؛ ليرفع عنك الله هذا الفكر الشرير وتتوب، فيرحمك الله وتصبح رحيمًا على الكل حتى المسيئين.
ع13: التيمن : الجزء الشمالى من بلاد أدوم.
ددان : مدينة تقع في جنوب أدوم.
يعلن الله عقاب أدوم أنها ستخرب ويقتل بنوها، بل وأيضًا الحيوانات التي فيها، وسيكون التخريب شاملًا لكل بلاد أدوم من شمالها إلى جنوبها.
ع14: سيتم العقاب الإلهي لأدوم بيد بنى إسرائيل، وليس أي شعب آخر؛ ليعلن الله قوته في شعبه، بعد أن أطال أناته مدة طويلة على أدوم. وقد تم هذا الانتقام أيام المكابيين في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد على يد يهوذا المكابى، الذي استعاد مدن بني إسرائيل منهم، مثل حبرون (1 مكابيون 5)، ثم ألزمهم يوحنا هيركانوس بالاختتان وضمهم إلى شعب الله.
بهذا العقاب الإلهي يعرف أدوم أن كلام الله حق، الذي أعلنه حزقيال حتى يؤمنوا به ويخضعوا له.
(4) فلسطين (ع15-17):
15-« هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَدْ عَمِلُوا بِالانْتِقَامِ، وَانْتَقَمُوا نَقْمَةً بِالإِهَانَةِ إِلَى الْمَوْتِ لِلْخَرَابِ مِنْ عَدَاوَةٍ أَبَدِيَّةٍ، 16- فَلِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَسْتَأْصِلُ الْكَرِيتِيِّينَ، وَأُهْلِكُ بَقِيَّةَ سَاحِلِ الْبَحْرِ. 17- وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ نَقْمَاتٍ عَظِيمَةً بِتَأْدِيبِ سَخَطٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، إِذْ أَجْعَلُ نَقْمَتِي عَلَيْهِمْ».
ع15: الفلسطينيين : سكنوا جنوب بني إسرائيل، وعلى ساحل البحر الأبيض. وأصلهم جاء من جزيرة كريت، ومن مصر، وبدأت عداوتهم مع شعب الله منذ استولى يشوع على أرض كنعان وأخذ منهم مدنهم (قض1: 18). واستمرت الحروب مع شعب الله حتى أيام داود.
عداوة أبدية : عداوة قديمة كما في الترجمة اليسوعية.
يعلن الله خطية الفلسطينيين، وهي انتقامهم من شعب الله مثل الأدوميين، ولعل الأدوميين هيجوا الفلسطينيين وذكروهم بالعداوة القديمة بينهم وبين بني إسرائيل، فأذلوا وأهانوا شعب الله وخربوا مدنهم، وهم يرمزون للشيطان الذي يريد إسقاط أولاد الله في الخطية وإذلالهم بها.
ع16: الكريتيين: سكان جزيرة كريت، الذين هاجروا وكونوا إحدى عشائر الفلسطينيين، كما ذكرنا.
أظهر الله عقاب الفلسطينيين، وهو استئصال وقتل الكثيرين من الفلسطينيين الذين أصلهم من كريت، ويسكنون في مدن على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ع17: سيكون انتقام الله منهم عظيمًا؛ لأنهم استهانوا بإسمه القدوس، لعل كل هذا يقودهم للإيمان به وترك كل عبادتهم الوثنية.
† لا تستهن بطول أناة الله، فهو يعطيك فرصة للتوبة والرجوع إليه. لا تظلم الآخرين ولا تكون أنانيًا؛ لأن المستهين ينتظره هلاكًا أبديًا عظيمًا.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح السادس والعشرون
(1) خطية صور (ع1-2):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ صُورَ قَالَتْ عَلَى أُورُشَلِيمَ: هَهْ! قَدِ انْكَسَرَتْ مَصَارِيعُ الشُّعُوبِ. قَدْ تَحَوَّلَتْ إِلَيَّ. أَمْتَلِئُ إِذْ خَرِبَتْ.
ع1، 2: صور : مدينة ساحلية في فينيقية، أي لبنان الحالية وتقع على البحر الأبيض. ويوجد أيضًا جزيرة في البحر تسمى صور البحرية. وصور البرية والبحرية كانتا مدينتان مشهورتان بالتجارة عن طريق البحر أكثر من كل مدن العالم القديم وخاصة مصر. وقد حاصر نبوخذنصر صور البرية مدة حوالي أربعة عشر سنة، ولم يستطع أن يدمرها، ولكنها تفاوضت معه وخضعت له، ولكن بعد ذلك جاء الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، ودمر صور البرية، وألقى حجارتها في البحر فصارت جسرًا عبر عليه إلى صور البحرية، ودمرها. ومازالت صور البحرية صخرة مهجرة وسط البحر حتى الآن، وأسست فيها كنيسة كانت تابعة لكرسى أنطاكية. وكانت صور القديمة تتميز بالغنى والكبرياء، اعتمادًا على غناها وحصانتها، إذ يصعب اقتحامها خاصة صور البحرية. وقد بنيت مدينة جديدة صغيرة سميت باسم صور، وهي ليست لها علاقة بصور القديمة، ولا تقارن بعظمتها، وذكرت أيام المسيح (مت15: 21) [خريطة رقم (1)]↓.
كانت أورشليم في يد بابل في هذا الوقت، وهو عام 586 ق.م. جاءت هذه النبوة لحزقيال عن صور العظيمة، التي تميزت عن باقي بلاد العالم في التجارة. وخطية صور هي الطمع والشماتة في سقوط أورشليم، فعندما سقطت أورشليم فرحت صور واستهزأت وشمتت بقولها "هه".
وأطلقت على أورشليم "مصاريع الشعوب"، إذ أن أورشليم كانت مدينة كبيرة حصينة وتنافسها أيضًا في التجارة، فكانت أورشليم تستولى على الطرق البرية في التجارة الآتية من مصر والذاهبة إلى بابل والبلاد المختلفة، أما صور فسيطرت على التجارة البحرية. فعندما سقطت أورشليم فرحت صور بأن منافستها قد زالت، وبهذا يحدث ما يلي:
تتحول التجارة كلها إلى صور.
كانت أورشليم تفرض ضرائب على القوافل الآتية من صور، فبسقوط أورشليم تزول هذه الضرائب، مما يزيد تجارة صور.
إذ خربت أورشليم، داستها واستغلتها الشعوب المحيطة، ومنها صور التي تستطيع أيضًا أن تدخل أورشليم، وتأخذ من خيراتها، وتسبى من سكانها عبيدًا.
† لا تتعلق بشهوات العالم ومادياته، حتى لا تنجرف في الطمع، فتدين غيرك وتسقط في الغيرة منه، وتطمع في ممتلكاته، فهذا فخ شيطانى يبعدك عن الله. ولا تنسى أن ماديات العالم زائلة ومتقلبة، ويمكن أن تخسر كل شيء فجأة نتيجة تقلبات العالم المستمرة.
(2) عقاب صور (ع3-6):
3- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكِ يَا صُورُ فَأُصْعِدُ عَلَيْكِ أُمَمًا كَثِيرَةً كَمَا يُعَلِّي الْبَحْرُ أَمْوَاجَهُ. 4- فَيَخْرِبُونَ أَسْوَارَ صُورَ وَيَهْدِمُونَ أَبْرَاجَهَا. وَأَسْحِي تُرَابَهَا عَنْهَا وَأُصَيِّرُهَا ضِحَّ الصَّخْرِ، 5- فَتَصِيرُ مَبْسَطًا لِلشِّبَاكِ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ، لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَتَكُونُ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ. 6- وَبَنَاتُهَا اللَّوَاتِي فِي الْحَقْلِ تُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع3: يعلن الله عقابه لصور بالأسلوب الذي تفهمه، فإن كانت صور شمتت بأورشليم، وانتظرت أن تتحول سفن التجارة إليها، فعلى العكس ستهجم عليها الأمواج، أي الهجوم البابلي، ثم الهجوم اليوناني، الذي يدمرها تمامًا على يد الإسكندر الأكبر.
ع4: أسحى : أجرف وأكنس.
ضح الصخر : يصير الصخر عاريًا.
يذكر الله تفاصيل هجوم الشعوب على صور، ويقصد الهجوم اليوناني الذي يخرب المدينة البرية ويهدم أسوارها وأبراجها، ويجرف حجارتها وترابها إلى البحر، فتصير معبرًا لجنود اليونان، فيدمرون أيضًا صور البحرية. ونلاحظ أن الله يعلن أنه هو الذي يعاقب صور، فيسحى ترابها، ويجعلها صخورًا عارية، وذلك عن طريق الجيش اليوناني.
ع5: بعد هدم صور البحرية تصير صخرة في البحر، يبسط عليها الصيادون شباكهم بعد انتهائهم من الصيد، وينهب خيراتها الشعوب، لأن القرار من الله ولابد أن يتم.
ع6: يعلن الله أيضًا أن بنات صور سيقتلن بالسيف ويقصد بهن:
سكان صور الذين كانوا في الحقول المحيطة بها.
البلاد المجاورة التي أنشأتها صور، وكانت ترعاها وتقتات من تجارتها.
بإهلاك صور وكل من يتبعها، سيعلم العالم كله والباقون من صور أن كلام الله على فم حزقيال قد تحقق؛ لعل هذا يدعوهم إلى الإيمان.
† إن الشر نتيجته الحتمية هي الهلاك؛ لذلك احترس من الشر مهما بدا جذابًا فالكبرياء تملأ الإنسان زهوًا وفرحًا، ولكنها لابد أن تهلكه. فابتعد عن كل ما يقودك للكبرياء، مثل محبة المديح.
(3) كيف تسقط صور (ع7-14):
7- « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى صُورَ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ مِنَ الشِّمَالِ، مَلِكَ الْمُلُوكِ، بِخَيْل وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِفُرْسَانٍ وَجَمَاعَةٍ وَشَعْبٍ كَثِيرٍ، 8- فَيَقْتُلُ بَنَاتِكِ فِي الْحَقْلِ بِالسَّيْفِ، وَيَبْنِي عَلَيْكِ مَعَاقِلَ، وَيَبْنِي عَلَيْكِ بُرْجًا، وَيُقِيمُ عَلَيْكِ مِتْرَسَةً، وَيَرْفَعُ عَلَيْكِ تُرْسًا، 9- وَيَجْعَلُ مَجَانِقَ عَلَى أَسْوَارِكِ، وَيَهْدِمُ أَبْرَاجَكِ بِأَدَوَاتِ حَرْبِهِ. 10- وَلِكَثْرَةِ خَيْلِهِ يُغَطِّيكِ غُبَارُهَا. مِنْ صَوْتِ الْفُرْسَانِ وَالْعَجَلاَتِ وَالْمَرْكَبَاتِ تَتَزَلْزَلُ أَسْوَارُكِ عِنْدَ دُخُولِهِ أَبْوَابَكِ، كَمَا تُدْخَلُ مَدِينَةٌ مَثْغُورَةٌ. 11- بِحَوَافِرِ خَيْلِهِ يَدُوسُ كُلَّ شَوَارِعِكِ. يَقْتُلُ شَعْبَكِ بِالسَّيْفِ فَتَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ أَنْصَابُ عِزِّكِ. 12- وَيَنْهَبُونَ ثَرْوَتَكِ، وَيَغْنَمُونَ تِجَارَتَكِ، وَيَهُدُّونَ أَسْوَارَكِ، وَيَهْدِمُونَ بُيُوتَكِ الْبَهِيجَةَ، وَيَضَعُونَ حِجَارَتَكِ وَخَشَبَكِ وَتُرَابَكِ فِي وَسْطِ الْمِيَاهِ. 13- وَأُبَطِّلُ قَوْلَ أَغَانِيكِ، وَصَوْتُ أَعْوَادِكِ لَنْ يُسْمَعَ بَعْدُ. 14- وَأُصَيِّرُكِ كَضِحِّ الصَّخْرِ، فَتَكُونِينَ مَبْسَطًا لِلشِّبَاكِ. لاَ تُبْنَيْنَ بَعْدُ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع7: نبوخذراصر : أعظم ملوك زمانه، وهذا هو النطق البابلي لإسمه، ومعنى إسمه الإله نبو حامى الحدود. أما اليهود فدعوه نبوخذنصر.
يذكر تفاصيل سقوط صور، وذلك بهجوم نبوخذراصر ملك بابل أعظم الملوك وقتذاك. وقد هجم من الشمال الشرقى، أي من بابل، وأتى على أورشليم، ثم ربة بنى عمون، ثم صور. وكان جيشه عظيمًا، يشمل مركبات وخيل وفرسان وعدد ضخم من الجنود، محملين بأسلحة كثيرة تستطيع التغلب على البلاد المختلفة.
ع8: معاقل : حصون.
ترس : قطعة خشبية مغطاة بالجلد، لها عروة من الخلف، يدخل فيها الجندى يده، ويحركها أمام رأسه وجسده لتحميه من سهام الأعداء.
في هجوم نبوخذراصر على صور؛ ليستولى عليها عمل ما يلي:
قتل بناتها بالسيف، وليس المقصود فقط قتل سكانها الموجودين في الحقول، ولكن هدم المدن الصغيرة التابعة لصور والمجاورة لها، والتي تقتات من تجارتها.
بنى حول صور معاقل ليتحصن جيشه فيها، ويضرب كل شخص يحاول الهروب منها.
بنى أبراجًا حول المدينة، لمراقبة كل ما يحدث في داخلها؛ ليسهل عليه اقتحامها في الوقت المناسب.
أقام حول أسوار صور مترسة، أي حوائط يحتمى جيشه وراءها، ويضرب كل من يحاول الخروج من المدينة.
هجم بجيوشه، وكل جندى يحمل في ذراعه ترسًا يحميه، فيضرب الصوريين ويحمى نفسه من أية ضربة.
ع9: مجانق : آلات حربية قديمة، يلقى من خلالها أحجار، أو كرات مشتعلة بالنار، فتقذف من بعد على المدينة.
يستكمل الله مايعمله جيش نبوخذراصر عند استيلائه على صور فيقول:-
وضع المجانق حول الأسوار؛ ليلقى من خلالها النار والحجارة داخل المدينة لإشعالها وإصابة سكانها.
هدم الأبراج، التي بناها الصوريون على أسوار مدينتهم؛ ليراقبوا مايحدث خارجًا، وبهذا عجزوا عن رؤية ما يعمله البابليون. واستخدم جيش بابل كل أسلحته؛ حتى سقطت هذه الأبراج.
ع10: مثغورة : مدينة عملت في أسوارها فتحات ليدخل منها الجنود.
بعد فتح المدينة يهجم جيش بابل بخيوله وفرسانه ومركباته، فيدوس شوارع صور، وإذ يجرون بسرعة يثيرون غبارًا كثيرًا يغطى المدينة وذلك لكثرة خيول بابل. ويكون صوتهم قويًا، حتى أنه يهز أسوار المدينة، وهكذا تظهر صور أنها مدينة فتحها واستولى عليها نبوخذراصر ويظهر ضعفها، فلم تعد مدينة حصينة، بل كمدينة بها ثغرات وليس لديها حماية.
ع11: أنصاب عزك : حوائط وأعمدة عظيمة تقام لتمجيد آلهة المدينة.
وفيما تجرى الخيول والمركبات داخل المدينة، تدوس كل من يقابلها من السكان وتقتله.
وعندما يدخلون المدينة يهدمون كل ما فيها، خاصة أنصاب الآلهة؛ ليشعر السكان بتحطيم قوتهم وسندهم، فيستسلمون.
ع12: بعد دخول المدينة وقتل الكثيرين فيها، يستولون على خيراتها وبضائعها الموجودة داخلها والتي كانت كثيرة ونفيسة.
ويستكملون هدم أسوار المدينة؛ لتفقد أية حماية لها.
ويهدمون القصور المقامة فيها والبيوت العظيمة.
بعد هدم الكثير من بيوت المدينة وأسوارها، يلقون حجارتها وأخشابها وترابها في البحر، أي يغرقون المدينة في البحر وهذه الأحجار هي التي استطاع - فيما بعد، الإسكندر الأكبر - استخدامها في العبور إلى صور البحرية، التي في وسط البحر وتدميرها.
ع13: بهذا تبطل بابل كل الأفراح داخل صور. وهذه الأفراح كان جزءًا كبيرًا منها شماتة في سقوط أورشليم، فيحولها جيش بابل إلى أحزان.
ع14: بهذا تجعل بابل صور صخورًا عالية يلقى عليها الصيادون شباكهم، بعد انتهاء صيدهم، أي أنها أصبحت مدينة مهجورة، عبارة عن أطلال.
يقرر الله أن صور لن تبنى بعد ذلك، وهذا ما حدث فعلًا ولكن على بعد منها بنيت مدينة حقيرة وصغيرة دعت نفسها بإسم صور.
بهذا يتم كلام الله على فم حزقيال، وعندما يتم، تعرف الشعوب أن الله هو الإله الذي يتنبأ عن كل مدن العالم، مهما كانت عظيمة، فيؤمنون ويرجعون إليه.
ونرى بسقوط صور كيف تحولت أطماعها في الغنى والشهرة واللذة إلى العكس تمامًا، فتحطمت وفقدت غناها وقوتها وتجارتها وكل أفراحها.
† إن الشيطان يريد أن يحطم كل شيء فيك، ويظهر جبروته عليك، ولكنك تستطيع أن تقف أمامه وتهزمه، فقط بالاعتماد على الله، وليس على قوتك وإمكانياتك الشخصية، فأنت أقوى منه بالله مهما كان ضعفك. آمن بهذا وتمسك بوصايا الله فيخاف منك إبليس.
(4) خوف الجزائر من سقوط صور (ع15-19):
15- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِصُورَ: أَمَا تَتَزَلْزَلُ الْجَزَائِرُ عِنْدَ صَوْتِ سُقُوطِكِ، عِنْدَ صُرَاخِ الْجَرْحَى، عِنْدَ وُقُوعِ الْقَتْلِ فِي وَسْطِكِ؟ 16- فَتَنْزِلُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْبَحْرِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ، وَيَخْلَعُونَ جُبَبَهُمْ، وَيَنْزِعُونَ ثِيَابَهُمُ الْمُطَرَّزَةَ. يَلْبِسُونَ رَعْدَاتٍ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَيَرْتَعِدُونَ كُلَّ لَحْظَةٍ، وَيَتَحَيَّرُونَ مِنْكِ. 17- وَيَرْفَعُونَ عَلَيْكِ مَرْثَاةً وَيَقُولُونَ لَكِ: كَيْفَ بِدْتِ يَا مَعْمُورَةُ مِنَ الْبِحَارِ، الْمَدِينَةُ الشَّهِيرَةُ الَّتِي كَانَتْ قَوِيَّةً فِي الْبَحْرِ هِيَ وَسُكَّانُهَا الَّذِينَ أَوْقَعُوا رُعْبَهُمْ عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهَا؟ 18- اَلآنَ تَرْتَعِدُ الْجَزَائِرُ يَوْمَ سُقُوطِكِ وَتَضْطَرِبُ الْجَزَائِرُ الَّتِي فِي الْبَحْرِ لِزَوَالِكِ. 19- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حِينَ أُصَيِّرُكِ مَدِينَةً خَرِبَةً كَالْمُدُنِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، حِينَ أُصْعِدُ عَلَيْكِ الْغَمْرَ فَتَغْشَاكِ الْمِيَاهُ الْكَثِيرَةُ،
ع15: الجزائر : الجزر الموجودة في البحر والمدن الساحلية.
كانت صور أقوى المدن الساحلية التجارية في العالم، فعندما تسقط على يد بابل، ثم اليونان فإن الجزر والمدن الساحلية، التي تشتغل بالتجارة في كل العالم تخاف جدًا، عندما تسمع بقتل وجرح الكثيرين في صور وكل التخريب الذي يحدث فيها.
ع16: كان رؤساء البحر، أي كبار التجار المنتشرين في العالم لهم مركزًا وغنى كبيرًا، يعبر عنه بالكراسى العظيمة والثياب المطرزة، كل هؤلاء يخافون عند سماعهم بسقوط صور، ويخافون على أنفسهم، فيخعلون كل واحد جبته، أي ثيابه المطرزة العظيمة ويلبسون بدلًا منها الخوف والرعب، بل يتذللون، فيجلسون على الأرض، وينوحون ويصيرون في رعب وحيرة، كيف سقطت أعظم المدن، التي كانوا يتاجرون معها ! وهكذا يظهر الله أن كل الأمور العالمية والقوة والسلطان المادي زائل، حتى لا يعتمد أحد عليه، بل على الله.
† اشكر الله على إمكانياتك التي وهبها لك ولكن لا تتكبر، أو تنسبها لنفسك، لئلا تفقدها وتنفضح وتذل.
ع17: فى حزن التجار والعالم كله على صور يقولون تعبيرات عن حزنهم، عبارات الرثاء، إذ يتعجبون لدمار أعظم المدن التجارية، التي كانت غنية بالتجارة الآتية إليها من بحار العالم والمشهورة بقوتها وغناها، بل وكانت في عظمتها تخشاها كل البلاد المجاورة.
وهكذا نرى رثاء لصور العظيمة في قوتها المادية. أما أورشليم مدينة الله المقدسة، فلم يرثها أحد من الشعوب عند سقوطها، فأهل العالم ينشغلون بالغنى والعظمة، ولا يلتفتون إلى المقدسات وسكنى الله في وسطهم. ولكن الله يهتم بمن ليس له أحد .. يهتم بشعبه عندما يتوب إليه، وهذا ما حدث لأورشليم، فعندما تاب شعبها أعادهم من السبي إليها، وبناها من جديد وعظمها.
ع18: يعم الخوف البلاد الساحلية العاملة في التجارة، وكذا الجزر التي في وسط البحر، فكلها تعتمد على قوة صور التجارية. ويشبه حزن التجار والمدن المتعاملة مع صور ما يذكره سفر الرؤيا عن حزن التجار المتعاملين مع بابل (رؤ18).
ع19: تغشاك : تغطيك.
كل ما سبق من خوف وحزن العالم والتجار على صور، يحدث عندما يرون صور قد خربت، وبدلًا من أن أمواج البحر كانت تحميها، فلا يستطيع أحد مهاجمتها لضعف الأساطيل البحرية وقتذاك، الآن بعد خرابها، تهجم عليها الأمواج، فلا تجد أسوارًا، بل حطام مدينة، فتغطيها بمياهها، وهكذا تتحول الأمواج التي تحمى إلى قوة، تعلن خراب المدينة.
† لا تعتمد على علاقاتك بالآخرين أنها تحميك وتعطيك نجاحًا في الحياة؛ لأن كل البشر زائلون، والله وحده هو الثابت إلى الأبد، فاتكل عليه تحيا مستقرًا ومطمئنًا.
(5) فناء صور (ع20، 21):
20- أُهْبِطُكِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، إِلَى شَعْبِ الْقِدَمِ، وَأُجْلِسُكِ فِي أَسَافِلِ الأَرْضِ فِي الْخِرَبِ الأَبَدِيَّةِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، لِتَكُونِي غَيْرَ مَسْكُونَةٍ، وَأَجْعَلُ فَخْرًا فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 21- أُصَيِّرُكِ أَهْوَالًا، وَلاَ تَكُونِينَ، وَتُطْلَبِينَ فَلاَ تُوجَدِينَ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع20: الجب : حفرة عميقة.
أرض الأحياء : أورشليم، حيث هناك الحياة المقدسة، فسكانها أحياء، أما الأثمة فهم موتى لبعدهم عن الله.
يلخص الله في النهاية مصير صور وسكانها، أنهم سيهبطون إلى الهاوية، مع من سبقهم من الأشرار القدماء، الذين ماتوا. ويعبر عن الجحيم بالخرب الأبدية والجب وأسافل الأرض، فبعد أن صارت صور أطلالًا ومات من فيها، يكون سكانها في الجحيم؛ لأنهم طماعون، وتعلقوا بالمال وكل الشهوات المصاحبة له ونسوا الله وعبدوا الأوثان، فمصيرهم العذاب الأبدي. أما أورشليم التي أدبها الله لكنها تابت، فيعيدها من السبي ويعظمها، فتصير مدينة تفتخر بالله الساكن فيها، ويحيا شعبها في فرح معه، كما حدث برجوع الكثيرين من السبي، وكما عظمت أيام المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد. وأيضًا يكمل الفخر في أورشليم السمائية، حيث الحياة الأبدية، فهي الأرض الجديدة التي يحيا فيها أولاد الله إلى الأبد.
ع21: أهوالًا : رعب وخوف شديد.
بهذا تصير صور رعبًا لمن يتذكرها، وتمحى صور من على وجه الأرض، بل وإلى الأبد أيضًا، أي لا يكون لسكانها الأشرار مكانًا في الملكوت، بل يتعذبون إلى الأبد. فنرى كيف أن سكان المدينة الأشرار يأتي شرهم على أنفسهم وعلى مدينتهم، فيعذبون إلى الأبد، وتمحى عظمتهم التي على الأرض. وبهذا نرى أن الله ينتقم من الأشرار نقمة أبدية، أما أولاده فيؤدبهم فقط؛ ليتوبوا ويعودوا ويقبلهم ويعوضهم عن كل ما أصابهم.
† إن فرصة التوبة مفتوحة لك كل يوم؛ لتمحى زلاتك وتستعيد بهاءك، وتجد حياتك في المسيح يسوع الذي يحبك. أسرع إلى التوبة كل يوم؛ لتجد راحتك.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السابع والعشرون

(1) صور كاملة الجمال (ع1-11):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى صُورَ، 3- وَقُلْ لِصُورَ: أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ عِنْدَ مَدَاخِلِ الْبَحْرِ، تَاجِرَةُ الشُّعُوبِ إِلَى جَزَائِرَ كَثِيرَةٍ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: يَا صُورُ، أَنْتِ قُلْتِ: أَنَا كَامِلَةُ الْجَمَالِ. 4- تُخُومُكِ فِي قَلْبِ الْبُحُورِ. بَنَّاؤُوكِ تَمَّمُوا جَمَالَكِ. 5- عَمِلُوا كُلَّ أَلْوَاحِكِ مِنْ سَرْوِ سَنِيرَ. أَخَذُوا أَرْزًا مِنْ لُبْنَانَ لِيَصْنَعُوهُ لَكِ سَوَارِيَ. 6- صَنَعُوا مِنْ بَلُّوطِ بَاشَانَ مَجَاذِيفَكِ. صَنَعُوا مَقَاعِدَكِ مِنْ عَاجٍ مُطَعَّمٍ فِي الْبَقْسِ مِنْ جَزَائِرِ كِتِّيمَ. 7- كَتَّانٌ مُطَرَّزٌ مِنْ مِصْرَ هُوَ شِرَاعُكِ لِيَكُونَ لَكِ رَايَةً. الأَسْمَانْجُونِيُّ وَالأُرْجُوانُ مِنْ جَزَائِرِ أَلِيشَةَ كَانَا غِطَاءَكِ. 8- أَهْلُ صِيدُونَ وَإِرْوَادَ كَانُوا مَلاَّحِيكِ. حُكَمَاؤُكِ يَا صُورُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكِ هُمْ رَبَابِينُكِ. 9- شُيُوخُ جُبَيْلَ وَحُكَمَاؤُهَا كَانُوا فِيكِ قَلاَّفُوكِ. جَمِيعُ سُفُنِ الْبَحْرِ وَمَلاَّحُوهَا كَانُوا فِيكِ لِيُتَاجِرُوا بِتِجَارَتِكِ. 10- فَارِسُ وَلُودُ وَفُوطُ كَانُوا فِي جَيْشِكِ، رِجَالَ حَرْبِكِ. عَلَّقُوا فِيكِ تُرْسًا وَخُوذَةً. هُمْ صَيَّرُوا بَهَاءَكِ. 11- بَنُو إِرْوَادَ مَعَ جَيْشِكِ عَلَى الأَسْوَارِ مِنْ حَوْلِكِ، وَالأَبْطَالِ كَانُوا فِي بُرُوجِكِ. عَلَّقُوا أَتْرَاسَهُمْ عَلَى أَسْوَارِكِ مِنْ حَوْلِكِ. هُمْ تَمَّمُوا جَمَالَكِ.
ع1، 2: طلب الله من حزقيال أن يرثى صور، وذلك لما يلي:
صور تمثل الإنسان الذي أعطاه الله خيرات كثيرة، ولكنه تكبر فسقط، وسقوطه يثير الحزن.
كانت صور جميلة جدًا كمدينة عظيمة، فتحطيمها يحزن أي إنسان روحي، فيتمنى البنيان لا الهدم.
لعل حزقيال يتذكر هو وشعبه تدمير أورشليم، الذي تم في هذا الوقت عام 586 ق.م، بينما كانت بابل تعد نفسها لمحاصرة صور، ثم تحطيمها.
ع3: يوبخ الله صور؛ لأنها تكبرت، إذ شعرت بأنها كاملة في جمالها، ونسبته لنفسها، وليس لله، لأن موقعها كان هامًا على البحر، فكانت تمر عليها السفن الآتية من الجزائر وبلاد العالم الساحلية؛ لتتاجر فيها، وكانت تلزمهم بدفع ضرائب.
ع4: يبين الله أهمية موقع صور، الذي يوصل إلى أهم مدن العالم القديم، سواء صور البرية، أو صور البحرية التي تقع في قلب البحار، لأنها جزيرة بالإضافة إلى عظمة موقعها، اهتم البنائون بتشييدها على أفضل ما يكون البناء، لكن لم تشكر الله، بل تكبرت بجمالها.
إن صور ترمز للإنسان الذي خلقه الله مركزًا للكون، وخلقه بدقة على أحسن صورة، أي أن بناءه أفضل ما يكون، ولكنه تكبر فسقط.
ع5: سنير : هو جبل حرمون ويقع بين دمشق وحمص، وهو من جبال لبنان، ويتميز بأشجار السرو النامية فيه.
يشبه الله صور؛ التي تميزت بالتجارة العظيمة، بسفينة كبيرة، صنعت ألواحها من خشب ثمين أحضروه من جبل سنير، من أشجار السرو المزروعة هناك. أما سوارى السفينة وهي الأعمدة الخشبية التي يربط بكل منها شراع، أو قلع السفينة، فقد صنعوها من خشب الأرز، الذي أحضروه من لبنان، أي أحضروا أفضل الخشب من الأماكن البعيدة والقريبة ليصنعوا مدينة صور بكل عظمة.
ع6: بلوط : أشجار خشبها ثمين وترتفع إلى خمسة عشر مترًا، وهو خشب السنديان، وتنمو في منطقة باشان.
باشان : سهل خصب يقع شمال شرق نهر الأردن، فيحده من الشرق والشمال سوريا، ومن الجنوب جلعاد.
مجاذيفك : جمع مجذاف وهو لوح خشبى يساعد السفينة على السير في البحر.
البقس : نوع ثمين من الأخشاب، هو من شجر الآس، وهو شجيرات صلبة صغيرة، ويطعم بالعاج لصنع المقاعد الثمينة.
كتيم : جزيرة قبرص.
يستمر في وصف صور المشبهة بسفينة، والسفينة تحتاج إلى مجاذيف صنعت من خشب ثمين هو بلوط باشان. أما مقاعد السفينة فهي مصنوعة من خشب البقس المستورد من جزيرة كتيم، ويطعم أيضًا بالعاج.
وهذا يبين عظمة المدينة، وأنها مقامة على أفخر طراز وبأجود الخامات.
ع7: الأسمانجونى : قماش لونه أزرق.
الأرجوان : القماش الأحمر ويستخدم في ملابس الملوك.
أليشة : جزء من جزيرة قبرص.
شراع السفينة صنع من الكتان المستورد من مصر، التي اشتهرت قديمًا بزراعته. والشرع هو ما يرفع في الهواء، فيكون كراية، أو علم يراها الناس عن بعد، فجمال صور كان جذابًا لكل أعين بلاد العالم.
أما غطاء السفينة فكان قماشه أسمانجونيًا وأرجوانيًا مستوردًا من جزيرة قبرص.
الكتان كان ملابس للكهنة، ويرمز إلى أن الله خلق الإنسان كاهنًا ليقدم ذبائح حب له وغطاه بالفكر السماوى، أي الأسمانجونى. والأرجوان يرمز إلى أنه جعله ملكًا؛ حتى يحيا مع الله ويتمتع بعشرته.
ع8: صيدون : مدينة على ساحل البحر الأبيض بجوار صور، اشتهرت بالصيد والملاحة.
أرواد : جزيرة تبعد عن الشاطئ السورى حوالي ميلين، بنيت عليها مباني ضخمة وحصون، وكان لها أسطول قوى.
ملاحيك : جمع ملاح وهو بحار، أي العمال المدربون في السفر بالسفن.
ربابينك : جمع ربان وهو قائد السفينة.
جلبت صور ملاحين من البلاد المحيطة بها مثل صيدون وأرواد، وكانوا تحت قيادة حكمائها، أي كان الربان، أو القبطان صوريا، ويقود مجموعة من العمال المدربين من المدن المحيطة بصور.
أى كانت صور تستخدم كل الإمكانيات المحيطة بها لتصير أعظم المدن البحرية والتجارية في العالم. وتميز رجال صور بالحكمة، فقادوها إداريًا وتجاريًا على أحسن ما يكون.
ع9: جبيل : مدينة على ساحل البحر الأبيض، وتقع على سفح جبل لبنان شمال صور، اشتهرت بتصدير الأخشاب، وتميز رجالها بصناعة بناء السفن وقطع الأخشاب. وقد عاونوا في بناء هيكل سليمان (1 مل5: 18).
قلافوك : جمع قلاف وهو العامل الذي يهتم بسد شقوق السفينة وطلائها بالقار.
رؤساء العمال المهرة في صناعة بناء السفن، الذين من مدينة جبيل، اهتموا بصيانة سفنك يا صور، أى استخدمت أمهر العمال في العالم.
وجميع السفن التجارية كانت تأتى إليك من بلاد العالم المختلفة؛ لتشترك في تجارتك، وهذا بالطبع يسبب لك غنى وعظمة.
هذا يرمز إلى نعمة الله التي تعطى الإنسان أن يستخدم الإمكانيات المحيطة به ويعطيه، نعمة في أعين الآخرين، فيستفيد ممن حوله، لأن صور كانت تتعامل مع أهم البلاد المعروفة في العالم وقتذاك، مثل مصر وكتيم وباشان وسنير، فهي ترمز للبشرية كلها. فالمعانى المذكورة عن صور يقصد بها الإنسان الذي اهتم به الله، وأعطاه بركات لا حصر لها. وسقوط صور يرمز لسقوط الإنسان، ويحتاج إلى مرثاة يرفعها حزقيال عليه، ولكن هذا الحزن سيتبدد بتجسد المسيح وفدائه للبشرية.
† تعلم أن تستفيد من كل من حولك، بل تتعلم أيضًا من أخطاء الآخرين، وليس فقط من فضائلهم، فترى الله أمامك في كل حين وتنمو في محبتك له.
ع10: فارس : تقع شمال وشرق العراق وهي إيران الحالية، وصارت الإمبراطورية التي حكمت العالم بعد وقت هذه النبوة بحوالي خمسين عامًا.
لود : تقع شمال شرق البحر المتوسط غرب تركيا، وهناك رأي آخر أنها تقع شرق ليبيا. وتميز رجالها بقدرتهم الحربية.
فوط : تقع شمال أفريقيا على البحر الأبيض، وهي ليبيا الحالية، وتميز رجالها بقدرتهم الحربية.
كان لصور جيش عظيم، انتدبوا إليه جنود مرتزقة من أهم البلاد التي تميزت بقدرتها الحربية، مثل فارس ولود وفوط، واستخدموا الأسلحة المعروفة وقتذاك، ولبس الجنود الملابس الدفاعية، مثل الخوذة على الرأس، والترس في اليد لحماية الجندى نفسه من السهام.

وبهذا صارت صور مدينة قوية وبهية، لها جيش عظيم يدافع عنها، فيخشى أي إنسان مهاجمتها؛ لذا اضطر نبوخذ نصر محاصرتها مدة طويلة، حوالي خمسة عشر عامًا.
ع11: اشترك أيضًا في جيش صور رجال أرواد (ع8) المتميزون بالقدرة الحربية في البحر، إذ كان لها أسطول كبير، فحملوا تروسهم، وكانوا يعلقونها على أسوار صور، ويجلسون في أبراجها العالية؛ ليراقبوا كل من يأتى من بعيد، وبهذا أعطوا حماية لصور، فاهتم من فيها بتجميلها بكل وسيلة، إذ عاشوا في أمان، سهل لهم التمتع بكل الخيرات. وعظمة قوة صور زادها جمالًا.
(2) تجارة صور العظيمة (ع12-24).
12- تَرْشِيشُ تَاجِرَتُكِ بِكَثْرَةِ كُلِّ غِنًى. بِالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَصْدِيرِ وَالرَّصَاصِ أَقَامُوا أَسْوَاقَكِ. 13- يَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ هُمْ تُجَّارُكِ. بِنُفُوسِ النَّاسِ وَبِآنِيَةِ النُّحَاسِ أَقَامُوا تِجَارَتَكِ. 14- وَمِنْ بَيْتِ تُوجَرْمَةَ بِالْخَيْلِ وَالْفُرْسَانِ وَالْبِغَالِ أَقَامُوا أَسْوَاقَكِ. 15- بَنُو دَدَانَ تُجَّارُكِ. جَزَائِرُ كَثِيرَةٌ تُجَّارُ يَدِكِ. أَدَّوْا هَدِيَّتَكِ قُرُونًا مِنَ الْعَاجِ وَالآبْنُوسِ. 16- أَرَامُ تَاجِرَتُكِ بِكَثْرَةِ صَنَائِعِكِ، تَاجَرُوا فِي أَسْوَاقِكِ بِالْبَهْرَمَانِ وَالأُرْجُوانِ وَالْمُطَرَّزِ وَالْبُوصِ وَالْمَرْجَانِ وَالْيَاقُوتِ. 17- يَهُوذَا وَأَرْضُ إِسْرَائِيلَ هُمْ تُجَّارُكِ. تَاجَرُوا فِي سُوقِكِ بِحِنْطَةِ مِنِّيتَ وَحَلاَوَى وَعَسَل وَزَيْتٍ وَبَلَسَانٍ. 18- دِمَشْقُ تَاجِرَتُكِ بِكَثْرَةِ صَنَائِعِكِ وَكَثْرَةِ كُلِّ غِنًى، بِخَمْرِ حَلْبُونَ وَالصُّوفِ الأَبْيَضِ. 19- وَدَانُ وَيَاوَانُ قَدَّمُوا غَزْلًا فِي أَسْوَاقِكِ. حَدِيدٌ مَشْغُولٌ وَسَلِيخَةٌ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ كَانَتْ فِي سُوقِكِ. 20- دَدَانُ تَاجِرَتُكِ بِطَنَافِسَ لِلرُّكُوبِ. 21- اَلْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ هُمْ تُجَّارُ يَدِكِ بِالْخِرْفَانِ وَالْكِبَاشِ وَالأَعْتِدَةِ. فِي هذِهِ كَانُوا تُجَّارَكِ.22- تُجَّارُ شَبَا وَرَعْمَةَ هُمْ تُجَّارُكِ. بِأَفْخَرِ كُلِّ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَبِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ وَالذَّهَبِ أَقَامُوا أَسْوَاقَكِ. 23- حُرَّانُ وَكِنَّةُ وَعَدَنُ تُجَّارُ شَبَا وَأَشُّورَ وَكِلْمَدَ تُجَّارُكِ. 24- هؤُلاَءِ تُجَّارُكِ بِنَفَائِسَ، بِأَرْدِيَةٍ أَسْمَانْجُونِيَّةٍ وَمُطَرَّزَةٍ، وَأَصْوِنَةٍ مُبْرَمٍ مَعْكُومَةٍ بِالْحِبَالِ مَصْنُوعَةٍ مِنَ الأَرْزِ بَيْنَ بَضَائِعِكِ.
ع12: ترشيش : ميناء تجارى هام يقع جنوب أسبانيا. هناك رأي آخر أنها تقع شمال أفريقيا وهي مدينة قرطاجنة.
تاجرت صور مع كل البلاد التجارية الهامة في العالم، وذلك كان سبب عظمتها وغناها. ويمكن أن ترمز صور روحيًا للنفس التي تستفيد من فضائل الآخرين.
ترشيش تمثل تجارة غرب أوربا، بل كانت السفن تمتد بعدها إلى الجزر البريطانية، فالمقصود هنا تجارة كل غرب أوربا.
كانت ترشيش - وهي أقصى العالم القديم المعروف وقتذاك - تصدر وتتاجر مع صور بالمعادن الهامة وهي والفضة والحديد والقصدير والرصاص، فقد كثرت مناجم المعادن في هذه المناطق.
ع13: ياوان : اليونان.
توبال وماشك : بلاد تقع شمال وشرق اليونان، أي في شرق أوروبا وفى آسيا، فيها عاش الموسكوبيون الذين أتى منهم الشعب الروسى.
هذه البلاد، اليونان وتوبال وماشك تقع في الشرق وتاجرت مع صور، أي أن أوروبا شرقًا وغربًا تاجرت مع صور، بالإضافة إلى آسيا. وكانت تتاجر في أمرين:
1- العبيد.
2- النحاس وهو من المعادن الهامة.
ع14: توجرمة : تقع جنوب أرمينيا، أي في شمال آشور في قارة أسيا.
من البلاد الشرقية التي تاجرت مع صور هي توجرمة وكانت تجارتها في ثلاثة أشياء:
الخيل، وكانت من أهم الوسائل الحربية في ذلك الوقت.
الفرسان، أي الرجال المدربون على ركوب الخيل، سواء في الحرب، أو أي أعمال أخرى.
البغال، وكانت من وسائل الركوب الثمينة أيضًا، بالإضافة للخيل في ذلك الوقت، حيث كانت تجر المركبات الكبيرة.
ع15: ددان : شمال شبه الجزيرة العربية، أي جنوب الأدوميين، الذين سكنوا في جبال سعير.
ينتقل هنا إلى البلاد التي تقع في الجنوب، بالإضافة إلى جزر كثيرة تاجرت كلها مع صور في مواد ثمينة وهي:
1- العاج وهو أنياب الفيلة.
2- الأبنوس: وهو خشب يؤخذ من أشجار سوداء تنمو في المناطق الحارة، ويتميز بالصلابة وهو غالى الثمن.
ع16: آرام : سورية الحالية.
من البلاد الشرقية التي تقع في آسيا وتاجرت مع صور، بلاد آرام، وهي مجموعة دول متجاورة بين لبنان والعراق وقد تاجرت في مواد ثمينة كثيرة، هي:
البهرمان : وهو حجر كريم لونه أحمر.
الأرجوان : وهو قماش أحمر اللون ثمين يلبسه الملوك والعظماء.
المطرز : وهو الثياب الثمينة المشغولة بنقوش كثيرة ويلبسها الملوك والعظماء.
البوص : وهو الكتان الذي كان يلبسه الكهنة والعظماء.
المرجان : وهو حيوان بحرى ينمو في قاع البحر، ويشبه النبات، ويشكل شعاب تسمى الشعاب المرجانية ويمثل خطرًا على السفن، وله ألوان كثيرة أهمها الأحمر ويعتبر من الأحجار الكريمة.
الياقوت : وهو حجر كريم لونه أزرق شفاف، أو أحمر، أو أصفر.
ع17: منيت : جزء من بلاد بنى عمون، أي شرق نهر الأردن.
كذلك تاجر شعب الله بمملكتيه يهوذا وإسرائيل، اللذين يقعان جنوب صور، وكانت تجارتهما مع صور فيما يلى:
الحنطة، أى القمح، الذي كان يزرع في شرق الأردن وكانت منطقة منيت تابعة لبني إسرائيل.
حلاوى : أي الحلويات المختلفة.
عسل وهو العسل الأبيض.
زيت المستخرج غالبًا من الزيتون، وهو أفخر أنواع الزيت.
بلسان : وهو مادة صمغية ذات رائحة نفاذة تؤخذ من شجر البلسان الذي كان ينمو في فلسطين قديمًا، ويستخدم في أغراض طبية مثل تسكين الآلام.
ع18: حلبون : مدينة في سورية مشهورة بإنتاج الخمر.
من البلاد الهامة التي تاجرت مع صور، مدينة دمشق وهي عاصمة سوريا الحالية، وهي مركز تجارى قديم، ومدينة حلبون التابعة لها. وكانت التجارة في أمرين:
1- الخمر
2- الصوف الأبيض.
ع19: دان : مدينة تقع في سبط دان شمال البلاد اليهودية.
تاجرت مع صور أيضًا مدينة دان، واشتركت مع اليونان في تصدير ما يلي لصور:
غزلًا أى الخيوط المستخرجة من الكتان، أو القطن أو الصوف.
الحديد المشغول : أي المطروق ومشغول عليه أشكال مختلفة.
سليخة : نوع من العطور يشبه القرفة.
قصب الذريرة : نوع من العطور.
ع20: ددان : أحد القبائل التي تسكن في شبه الجزيرة العربية.
طنافس : سجاد يوضع على ظهر الحيوانات ليركب عليها الإنسان.
اشتهرت ددان بإنتاج نوع خاص من السجاد يوضع على الحيوانات للركوب عليها، فكانت توردها إلى صور.
ع21: قيدار : من أشهر القبائل العربية التي سكنت في شبه الجزيرة العربية، وكانت تسكن في خيام سوداء.
تاجر العرب بقبائلهم، ومن أهمهم قبيلة قيدار، مع صور، فيما يلى:
الخرفان.
الكباش، أى ذكور الخراف.
الأعتدة وهي جمع التيوس، أي ذكور الماعز الجبلية وتتميز بالقوة.
ع22: شبا : قبائل سكنت جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وبعضهم هاجر إلى الحبشة، ودعوهم سبأ، الذي زارت ملكتهم سليمان.
رعمة : أحد القبائل العربية التي سكنت في شبه الجزيرة العربية شرق قبائل شبا.
تاجرت بعض القبائل العربية، مثل شبا ورعمة مع صور فيما يلي:
أنواع الأطياب، أو العطور المختلفة.
الأحجار الكريمة.
الذهب.
ع23، 24: حران : هي حاران الواقعة في الشمال بين النهرين الواقعة في العراق الحالية.
كنة : مدينة تجارية قريبة من حاران، أي بين النهرين.
عدن : مدينة ما بين النهرين، وهي غير عدن التي في اليمن جنوب شبه الجزيرة العربية.
شبا : بعض من قبائلها التي سكنت جنوب شبه الجزيرة العربية هاجرت إلى الشمال نواحى العراق.
أشور : شمال العراق.
كلمد : مدينة تقع ما بين النهرين، أو شرقهما.
معكومة :مربوطة.
يوضح في النهاية مجموعة من المدن التجارية التي تقع في الشرق في شمال العراق، وكانت تتاجر مع صور، فتعطيها بضائعها، وتأخذ منها البضائع التي تحتاجها بنظام المقايضة، فكانت تورد إليها:
أردية، أى ملابس نفيسة وثمينة لونها أسمانجونى، أي أزرق وملابس مطرزة أيضًا.
أصونة : وهي حقائب مصنوعة من خشب الأرز بشكل معين يمكن أن تبرم وتربط بالحبال.
يفهم مما سبق أن صور كانت تتحكم في الاقتصاد العالمى، إذ تتاجر معها كل البلاد التجارية الهامة في العالم، ولذلك تكبرت معتمدة على وضعها الاقتصادى أنها لا يمكن أن تدمر، إذ ظنت أن بتدميرها يتدمر الاقتصاد العالمى، فلن يجرؤ إنسان على مهاجمتها، ونسيت أن القوة من الله وليس من المال، فتحطمت على يد نبوخذنصر، ثم الإسكندر الأكبر.
† أشكر الله على عطاياه التي تتمتع بها، ولكن اعتمد عليه وليس عليها، فهي قابلة للتغير، أما هو فثابت قادر أن يسندك تحت كل الظروف، ويضمن لك سلامك، ثم ملكوت السموات لتسعد معه إلى الأبد.
(3) تحطيم صور (ع25-36).
25- «سُفُنُ تَرْشِيشَ قَوَافِلُكِ لِتِجَارَتِكِ، فَامْتَلأْتِ وَتَمَجَّدْتِ جِدًّا فِي قَلْبِ الْبِحَارِ. 26- مَلاَّحُوكِ قَدْ أَتَوْا بِكِ إِلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. كَسَرَتْكِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ. 27- ثَرْوَتُكِ وَأَسْوَاقُكِ وَبِضَاعَتُكِ وَمَلاَّحُوكِ وَرَبَابِينُكِ وَقَلاَّفُوكِ وَالْمُتَاجِرُونَ بِمَتْجَرِكِ، وَجَمِيعُ رِجَالِ حَرْبِكِ الَّذِينَ فِيكِ، وَكُلُّ جَمْعِكِ الَّذِي فِي وَسْطِكِ يَسْقُطُونَ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ فِي يَوْمِ سُقُوطِكِ. 28- مِنْ صَوْتِ صُرَاخِ رَبَابِينِكِ تَتَزَلْزَلُ الْمَسَارِحُ. 29- وَكُلُّ مُمْسِكِي الْمِجْذَافِ وَالْمَلاَّحُونَ، وَكُلُّ رَبَابِينِ الْبَحْرِ يَنْزِلُونَ مِنْ سُفُنِهِمْ وَيَقِفُونَ عَلَى الْبَرِّ، 30- وَيُسْمِعُونَ صَوْتَهُمْ عَلَيْكِ، وَيَصْرُخُونَ بِمَرَارَةٍ، وَيُذَرُّونَ تُرَابًا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، وَيَتَمَرَّغُونَ فِي الرَّمَادِ. 31- وَيَجْعَلُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ قَرْعَةً عَلَيْكِ، وَيَتَنَطَّقُونَ بِالْمُسُوحِ، وَيَبْكُونَ عَلَيْكِ بِمَرَارَةِ نَفْسٍ نَحِيبًا مُرًّا. 32- وَفِي نَوْحِهِمْ يَرْفَعُونَ عَلَيْكِ مَنَاحَةً وَيَرْثُونَكِ، وَيَقُولُونَ: أَيَّةُ مَدِينَةٍ كَصُورَ كَالْمُسْكَتَةِ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ؟ 33- عِنْدَ خُرُوجِ بَضَائِعِكِ مِنَ الْبِحَارِ أَشْبَعْتِ شُعُوبًا كَثِيرِينَ. بِكَثْرَةِ ثَرْوَتِكِ وَتِجَارَتِكِ أَغْنَيْتِ مُلُوكَ الأَرْضِ. 34- حِينَ انْكِسَارِكِ مِنَ الْبِحَارِ فِي أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ سَقَطَ مَتْجَرُكِ وَكُلُّ جَمْعِكِ. 35- كُلُّ سُكَّانِ الْجَزَائِرِ يَتَحَيَّرُونَ عَلَيْكِ، وَمُلُوكِهِنَّ يَقْشَعِرُّونَ اقْشِعْرَارًا. يَضْطَرِبُونَ فِي الْوُجُوهِ. 36- اَلتُّجَّارُ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَصْفِرُونَ عَلَيْكِ فَتَكُونِينَ أَهْوَالًا، وَلاَ تَكُونِينَ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ».
ع25: يؤكد هنا عظمة صور التجارية التي تأتى إليها السفن. ويستعير هنا كلمة قوافل، التي تتحرك في الصحارى؛ لأن التجار يأتون إلى صور إما برًا بالقوافل، أو بحرًا بالسفن. ويستخدم تجار ترشيش، أي أبعد البلاد عن صور، ويشير بها إلى كل تجار العالم، كل هذا جعلها عظيمة جدًا ولكنها ستتحطم لأجل كبريائها.
ع26: يشبه صور بسفينة يقودها الملاحون، ويعنى هنا أن رؤساء صور تحدوا نبوخذنصر، مما أدى إلى دمارها وسقوطها في المياه الكثيرة العميقة، أي البحر. ويقصد بالريح الشرقية بابل، التي هجمت على العالم كله واستولت عليه، وأيضًا على صور، فكسرت كبرياءها وحطمتها.
وترمز صور للنفس المتكبرة، التي ستهلك في النهاية ولا توجد فيما بعد، أي تظل في العذاب الأبدي؛ لأجل القيادة الخاطئة، أي إرادة الإنسان، التي ترفض الخضوع لله، وتتمادى في شرورها، فتحكم على نفسها بالهلاك.
ع27: يعدد هنا كل القوى التي اعتمدت عليها صور، ويؤكد أنها ستسقط في البحر وتنتهي قوتها وهذه القوى هي:
ثروتك : أموالك.
أسواقك وبضاعتك : التجارة، أي النظام الاقتصادى.
ملاحوك وربابينك : قادتك والمسئولون عن نظامك التجارى.
قلافوك : الذين يعالجون مشاكلك الاقتصادية.
المتاجرون بمتجرك : جميع المنتفعين من التجارة معك.
رجال حربك : المسئولون عن الدفاع عنك وحمايتك.
وسقوط صور يرمز، كما قلنا، إلى سقوط بابل في سفر الرؤيا، أي كل اعتماد على القوى البشرية سيهلك، ويهلك معه كل المنتفعين به والمعتمدين عليه التاركين الإيمان والإتكال على الله.
ع28: مسارح : هي مراعى الأغنام، والمقصود بها هنا الأراضي المحيطة بصور، ويعنى بها كل البلاد المحيطة بها والتي تتاجر معها وتعتمد عليها.
عندما تتحطم بابل سيصرخ قادتها فزعًا ويأسًا، ويكون صراخهم شديدًا حتى يهز كل بلاد العالم المنتفعة من صور. ويقصد أن تحطيم صور هو تحطيم للتجارة العالمية، لعل هذا الدمار يعود بالبشر إلى الله الذي في يده سلطان وتدبير كل شيء.
ع29، 30: تحطيم صور سيؤثر على كل البلاد المتاجرة معها، سواء الآتين في البحار فعلًا، أو الآتين في البر. ويشبه هذه البلاد بسفن يعمل عليها عمال يمسكون المجداف، وبحارة وقادة السفن، أي الربابين، كلهم يصلون إلى صور، وينزلون على البر، وحولها، ويحزنون جدًا على دمارها، ويعبرون عن حزنهم بأشكال كثيرة:
يصرخون في حزن ويقدمون رثاء على صور.
يضعون التراب على رؤوسهم، دليل الحزن الشديد.
يتمرغون في التراب، أى لا كرامه لهم، بل التراب يغطى أجسادهم ورؤوسهم، فقد فقدوا مجدهم، أي تجارتهم مع صور.
ع31: يواصل المنتفعون من تجارة صور الحزن عليها في مظاهر جديدة هي:
يقصون شعور رؤوسهم ويتركون جزءًا مستديرًا أقرعًا في وسط رؤوسهم، دليلًا على الحزن، وكانت هذه عادة قديمة. وكانوا يعملونها لإرضاء الآلهة الوثنية.
يتنطقون، أى يلبسون ملابس خشنة على وسطهم، فما أسفل وهي المسوح.
يبكون بكاء شديدًا أى نحيبا من أعماقهم بمرارة قلب وحزن صادر من الأعماق.
ع32: المسكتة : التي لم يعد لها صوت، عندما دمرت وألقيت حجارتها في البحر بيد بابل والإسكندر. في النهاية يعلن المتاجرون مع صور حزنهم بعمل مناحة، أي تجمع، يقولون فيه كلمات تعبر عن حزنهم هي المراثى؛ لأجل فناء صور العظيمة. ولكن لا فائدة من الحزن إن لم يتحول إلى عمل إيجابى بترك الاعتماد على الماديات والرجوع إلى الله.
ع33، 34: بحزن في المناحة يحدثون صور التي خربت ويقولون لها، أنك بتجارتك سببت غنى ورخاء لكل بلاد العالم المتاجرة معك، والآن بعد أن دمرك الأعداء وألقوا حجارتك في البحر ضاعت وانتهت تجارتك وكل الجموع التي كانت تتاجر معك.
ع35: يواصل حزقيال تعجبه لدمار صور، فيقول أن كل سكان الجزائر، ولا يقصد الجزائر التي في البحار فقط، بل أيضًا المدن الساحلية التي تتاجر مع صور - يتعجبون هم وملوكهم لسقوطها، فقد كان أبعد ما يكون في خيالهم سقوط صور العظيمة.
ع36: والخلاصة أن كل تجار العالم يعلنون تعجبهم لسقوط صور، فيصفرون دهشة لفظاعة دمارها، ثم يقرر ويعلن الله أن صور لن تبنى ثانية. أما صور التي ظهرت أيام المسيح فهي مدينة أخرى صغيرة، بنيت بجوار صور القديمة، وسميت على إسمها.
† لا تنبهر بنجاح الأشرار، فهو مؤقت وينتظرهم الهلاك الأبدي. لا تتشكك في مبادئك وتمسك بوصايا الله مهما قاومك الأشرار، واتكل على الله، فيسندك وتتزكى أمامه.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثامن والعشرون
إدانة رئيس صور
يتكلم الله هنا في هذا الأصحاح عن شخصيتن، الشخصية الأولى هي ملك صور، والشخصية الثانية هي الشيطان، الذي يعمل في ملك صور، ويتكلم عنه الله كلامًا مباشرًا، أي عن سقوط الشيطان. وقد تكرر هذا الأمر في الكتاب المقدس، مثل الكلام عن سقوط رئيس بابل، وسقوط الشيطان (أش14) وعن ملك فارس والشيطان (دا10) وعن انطيوخس ملك السلوقيين وضد المسيح (2 مك11
(1) كبرياء رئيس صور ( ع1- 10)
(2) إذلال وهلاك رئيس صور ( ع11-19)
(3) تأديب صيدون ( ع20-23)
(4) سلام لشعب الله ( ع24-26)
(1) كبرياء رئيس صور ( ع1- 10):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِرَئِيسِ صُورَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ وَقُلْتَ: أَنَا إِلهٌ. فِي مَجْلِسِ الآلِهَةِ أَجْلِسُ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ. وَأَنْتَ إِنْسَانٌ لاَ إِلهٌ، وَإِنْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ كَقَلْبِ الآلِهَةِ! 3- هَا أَنْتَ أَحْكَمُ مِنْ دَانِيآلَ! سِرٌّ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ. 4- وَبِحِكْمَتِكَ وَبِفَهْمِكَ حَصَّلْتَ لِنَفْسِكَ ثَرْوَةً، وَحَصَّلْتَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي خَزَائِنِكَ. 5- بِكَثْرَةِ حِكْمَتِكَ فِي تِجَارَتِكَ كَثَّرْتَ ثَرْوَتَكَ، فَارْتَفَعَ قَلْبُكَ بِسَبَبِ غِنَاكَ. 6- فَلِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ جَعَلْتَ قَلْبَكَ كَقَلْبِ الآلِهَةِ، 7- لِذلِكَ هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ غُرَبَاءَ، عُتَاةَ الأُمَمِ، فَيُجَرِّدُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى بَهْجَةِ حِكْمَتِكَ وَيُدَنِّسُونَ جَمَالَكَ. 8- يُنَزِّلُونَكَ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَمُوتُ مَوْتَ الْقَتْلَى فِي قَلْبِ الْبِحَارِ. 9- هَلْ تَقُولُ قَوْلًا أَمَامَ قَاتِلِكَ: أَنَا إِلهٌ؟ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ لاَ إِلهٌ فِي يَدِ طَاعِنِكَ! 10- مَوْتَ الْغُلْفِ تَمُوتُ بِيَدِ الْغُرَبَاءِ، لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع1، 2: يوبخ الله رئيس صور؛ لأنه تكبر، وجعل نفسه إلهًا بين الآلهة الوثنية، التي كان الإيمان بها منتشرًا في هذا الوقت، ونسى أنه إنسان؛ لأنه إذ شعر بقوته بالتحكم في التجارة العالمية قال أنه إله، ونسى أن الله قادر أن يبيده في لحظة. وهذا ما حدث على يد ملك بابل، ثم الإسكندر
ع3: إذ سيطرت بابل على بلاد العالم، وصلت شهرة دانيال النبي، الذي فيه روح الله، ويعرف تفسير الأحلام، ومعرفة الغيب، أكثر ممن حوله. وعندما سمع ملك صور بحكمة دانيال، قال في نفسه بكبرياء، أنا أفضل منه، وحكمتى أعلى من كل حكمة بشرية، وأعرف كل الأسرار؛ لذا رأى في نفسه أنه إله. ولعل ما ساعده هو غناه العظيم، فظن أنه قادر أن يفعل بماله كل ما يريد.
ونفس هذا التفكير هو ما سقط فيه الشيطان، لأنه رئيس في رتبة الكاروبيم المملوئين أعينًا، أى معرفة. فظن أنه يستطيع أن يكون مثل الله، أي ظن أنه إله، فسقط. ونسى أن حكمته هي نعمة من الله، وليست منه، ولم يشكر الله عليها.
ع4، 5: استخدم ملك صور حكمته في تدبير التجارة في بلده مع بلاد العالم، ونجح في سياساته الاقتصادية، فحصل على ثروات عظيمة ملأ بها خزائنه من الذهب والفضة. وهذا هو أقصى ما تحققه الحكمة الأرضية، أما الحكمة الحقيقية، أي الحكمة الروحية، فنطلب بها السماويات، وننال الملكوت الذي هو أعظم من كل ما على الأرض (يع3: 15).
هذه الثروات التي حصل عليها ملك صور زادت كبرياءه وقست قلبه، فشعر أنه إله.
ع6، 7: من أجل كبرياء ملك صور، قرر الله عقابه عن طريق ملوك بابل، ثم الإسكندر الأكبر، فيقتلونه هو وشعبه ويدمرون مدينته، فيظهر عجز حكمته وضعفه أمام الله بعد أن تدنست مدينته، أي تهدمت وداسها الأعداء.
ع8: يخاطب حزقيال رئيس صور وهو في مجده كرئيس على المدينة، بأنه لأجل كبريائه سيقتل بيد الأعداء، ولن يستطيع أن يحمى مدينته؛ لأنه لا يستطيع أن يحمى نفسه. ثم يلقون جثته في البحر، التي يعبر عنها بالحفرة، فلا يدفن بإكرام مثل الملوك والرؤساء، بل تهمل جثته ويزدرى بها، أي لا تدفن.
ويرمز رئيس صور كما قلنا للشيطان، الذي يلقى في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ20: 10)، أي في العذاب الأبدي. هذه هي الحفرة وقلب البحار، ولا يكرم مثل القديسين، بل يزدرى ويحتقر ويذل في العذاب الأبدي.
ع9: يسأل حزقيال رئيس صور: ماذا ستقول لمن سيهجم عليك ويطعنك بالخنجر ويقتلك؟ هل تستطيع أن تقول له حينئذ أنك إله. كما تدعى الآن؟ فالله يعطيك فرصة أخيرة للتوبة والنزول عن كبريائك. ولكنه للأسف لم يستجب.
ع10: غلف: غير مختتنين.
يقرر الله في النهاية أن رئيس صور سيموت موتًا حقيرًا، أي مقتول بيد الأعداء، كما يموت الغلف.
وقد كان الفينيقيون، الذين منهم مدينة صور، قد تعودوا الختان، ليس كأمر إلهى، بل مجرد عادة، وكانوا يعتقدون أن من لا يختتن يكون موته محتقرًا. فالخلاصة أن رئيس صور تكون نهايته مخزية. وموت رئيس صور يرمز روحيًا إلى موت غير المؤمنين، أي الغلف الذين يذهبون إلى الجحيم، كما تنص الشريعة اليهودية؛ لأن الاختتان شرط لتبعية شعب الله.
وترمز أيضًا هذه الآية إلى هلاك الشيطان، الذي يرفض الإيمان والخضوع لله، فيهلك هلاكًا مخزيًا في العذاب الأبدي.
† إن كانت الكبرياء أم لرذائل كثيرة، فالاتضاع أب للفضائل؛ لذلك اتضع أمام الله والناس، واشكر الله دائمًا على عطاياه، ووجه الشكر والمديح للآخرين لتحتفظ باتضاعك.
(2) إذلال وهلاك رئيس صور ( ع11-19):
11- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 12- «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ. 13- كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ اللهِ. كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ، عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ. أَنْشَأُوا فِيكَ صَنْعَةَ صِيغَةِ الفُصُوصِ وَتَرْصِيعِهَا يَوْمَ خُلِقْتَ. 14- أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. 15- أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ. 16- بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ ظُلْمًا فَأَخْطَأْتَ. فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ اللهِ وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. 17- قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ. أَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ، وَأَجْعَلُكَ أَمَامَ الْمُلُوكِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْكَ. 18- قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ بِظُلْمِ تِجَارَتِكَ، فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ، وَأُصَيِّرُكَ رَمَادًا عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ يَرَاكَ. 19- فَيَتَحَيَّرُ مِنْكَ جَمِيعُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَتَكُونُ أَهْوَالًا وَلاَ تُوجَدُ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ».
ع11، 12: يتحدث هنا الله عن ملك صور بالأكثر عن الشيطان. وملك صور هو صورة للشيطان في كبريائه، كما ظهر في الآيات السابقة، ويصف الشيطان بأنه:
خاتم الكمال : إن الله خلق الشيطان ملاكًا عظيمًا من رتبة الكاروبيم الكاملين في صفاتهم، إذ يمثلون العدل الإلهي، فهو ختم لله، أي صورة واضحة له في كماله. وكان قريبًا من العرش الإلهي، فالله أعطاه بوفرة عندما خلقه ليتمتع بعشرة الله.
ملآن حكمة : لأنه رئيس في رتبة الكاروبيم المملوئين أعينًا، أي معرفة وحكمة.
كامل الجمال : ملأه الله من فضائل كثيرة بالإضافة للحكمة، فكان كاملًا في جماله الروحي.
وتظهر مشاعر الله الرقيقة في حزنه على الشيطان، وعلى ملك صور، إذ يطلب من حزقيال أن يرفع مرثاة تعبيرًا عن الحزن عليهما؛ لأنه كان يود أن يستجيبا له ويخضعا لكلامه فلا يهلكان. والله عندما يدين ملك صور لا يدينه فقط، بل يدين الشيطان العامل فيه، الذي سقط قديمًا.
ع13: يذكر الله الشيطان بأنه خلقه قبل الإنسان، ورأى العالم عندما خلق وفى جنة عدن، كان قائمًا مغطى ومتزينًا بالفضائل كستارة له. وذكر له عشرة فضائل في شكل تسعة أحجار كريمة، وذهب. وعدد عشرة يرمز للكمال، أي أنه كان متمتعًا بفضائل الله التي وهبها له. وقد سبق شرح معانى هذه الأحجار الكريمة في آخر أجزاء الموسوعة لتفسير العهد الجديد، أي تفسير سفر الرؤيا (رؤ21: 19، 20). وكانت هذه الفضائل متكاملة في صياغة جميلة؛ ليستطيع هذا الكاروبيم أن يقود غيره من الملائكة، وكذا الإنسان في تسبيح الله والتمتع بحضرته.
وكلمة عدن تعنى بهجة، فالشيطان كان كاروبًا عظيمًا يحيا في فرح وتسبيح في الجنة قبل سقوطه.
وكانت صدرة رئيس الكهنة الهارونى ترصع بالأحجار الكريمة، وكذا الآلهة الوثنية كانوا يغطون تماثيلها بثياب مرصعة بالاحجار الكريمة؛ لذا استخدم الله ما هو معروف عند شعبه والأمم وهو أن السترة والرداء المرصع بالأحجار الكريمة دليل العظمة والفضائل، فألبسه للشيطان قبل أن يسقط.
† تأمل الفضائل والإمكانيات والبركات التي وهبك الله إياها لتستخدمها في تمجيده وتسبيحه، فلا تهملها وتنشغل عن عملك الأساسى، وهو التسبيح، وتنهمك في أمور هذه الحياة المادية الزائلة.
ع14: يضيف الله أيضًا أن الشيطان هو الكروب الذي يبسط جناحيه في حضرة الله؛ لتسبيح إسمه القدوس، ويظلل حول العرش الإلهي معلنًا عدل الله، وبأجنحته يظلل على وجهه وعلى رجليه من بهاء عظمة الله.
الله أقام الشيطان قبل سقوطه على جبله، أي مرتفعًا في السماء مثل الجبل المرتفع، حيث كان في الحضرة الإلهية يسبحه على الدوام.
إن الله نار آكلة، فكان هذا الكروب يتمشى، أي يرفرف ويسبح في حضرة الله. وتعنى أيضًا حجارة النار الملائكة المتقدون بنار الحب الإلهي، أي السيرافيم، فكان معهم، أي الشاروبيم والسيرافيم حول العرش الإلهي يسبحون الله. والعجيب أن يترك الشيطان كل هذا المجد ويسقط بسبب الكبرياء. إن كل الملائكة الذين مازالوا في حضرة الله يدينون الشيطان؛ لأنهم ثبتوا في محبة الله، أما هو فسقط وانفصل عن الله.
† ليتك تتعلم من الروحانيين المحيطين بك، فتقترب إلى الله وتقتدى بفضائلهم، لأنك إن صنعت الشر وتماديت فيه ولم تتب فإن هؤلاء الروحانيين يدينونك في اليوم الأخير؛ لأنك لم تشاركهم وتستمر معهم في الفضيلة ومحبة الله.
ع15: يقرر الله أن الشيطان، ككروب عظيم، عاش كاملًا في سلوكه أمام الله مسبحًا وممجدًا في حضرته، إلى أن سقط في وقت محدد لا نعلمه ولكنه بالتأكيد كان قبل سقوط الإنسان. سقوط الشيطان لم يكن بإيعاز من أحد، بل سقط من ذاته، إذ فكر في نفسه أن يصير مثل الله وبسبب هذا الكبرياء انفصل عن الله وسقط، فهو مخلوق سماوى على أعلى مستوى، وليس هناك مايدعو لسقوطه، فالخطية غريبة عنه، وكل الجو المحيط به يدعوه للتمتع في حضرة الله، فكبرياؤه وسقوطه كان أمرًا شنيعًا؛ لأنه هو وحده المسئول عنه.
ع16: يتكلم هنا عن سقوط ملك صور وسقوط الشيطان في آن واحد. فسقوط ملك صور كان بسبب عظمة تجارته التي ملأته بالشر والكبرياء ومحبة المال، بل وظلم الآخرين واستغلالهم من خلال بعض المعاملات التجارية القاسية، كالإحتكار، أو فرض الضرائب الكبيرة لاحتياج العالم كله إلى صور.
وتنطبق الآية أيضًا على الشيطان الذي لم يرجع الفضل لله في كل فضائله ويشكره، بل تاجر بهذه الفضائل، ظانًا أنها من ذاته، وحاول بها أن يجعل كرسيه مثل الله، فامتلأ قلبه ظلمًا، إذ ظلم نفسه، وظلم الآخرين من الملائكة الذين اعثرهم وأسقطهم معه، وظلم كل الذين سقطوا من البشر، إذ أغواهم الشيطان، مثل ملك صور، ومازال يظلم البشر حتى الآن ويسقطهم.
وكان العقاب الإلهي هو أن يطرح من جبل الله، فيفقد مكانه في الحضرة الإلهية وبين حجارة النار، أي بين الملائكة؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع الشر مع الخير في حضرة الله، أي أن الشيطان بخطيته فصل نفسه وطرد وأصبح غريبًا عن تمجيد الله، بل على العكس مضادًا ومحاربًا له على مر الزمان، إلى أن يلقى في يوم الدينونة في العذاب الأبدي. وهكذا يباد الشيطان من حضرة الله ويفقد عمله كمسبح ومظلل حول العرش الإلهي، فيطرد ويحيا للشر إلى الأبد، لأنه مصر عليه.
ويمكن أن يقصد أيضًا بجبل الله، المسيح المتجسد، إذ لم يستطع الشيطان أن يغويه ويسقطه في الخطية، بل قال المسيح للجموع بوضوح "من منكم يبكتنى على خطية" (يو8: 46) وعندما مات على الصليب لم يستطع إبليس أن يقبض على روح المسيح، بل قبض هو على الشيطان وقيده، فهو عاجز أمام بر المسيح ومطروح خارجًا عنه.
ع17: يواصل الله حديثه الذي ينطبق على ملك صور وعلى الشيطان في نفس الوقت، فيعلن أن سر سقوطهما هو الكبرياء، الذي عبر عنها بارتفاع القلب، وذلك بسبب العظمة والبهجة والبهاء الذي وصل إليه كليهما، وبهذه الكبرياء أفسدا حياتهما، فمات ملك صور وحكم على الشيطان بالعذاب الأبدي. فطرح ملك صور مقتولًا في البحر أمام جميع ملوك الأرض، حتى يتضع الكل أمام الله، وحتى يثبت الملائكة في محبتهم لله، بعد أن رأوا سقوط الشيطان بسبب كبريائه.
ع18، 19: يستكمل الله شرح عقاب ملك صور والشيطان، فيقول لكليهما أنه خلقهما مقدسين له، أما هما فبخطيتهما نجسا نفسيهما بالتجارة الظالمة كما شرحنا في (ع16).
وكان العقاب ناتج من الشر الذي في رئيس صور وفى الشيطان، فخرجت نار العقاب من داخل كل منهما، فهلك كلاهما وصارا بلا قيمة كالرماد. وقد حدث مرارًا كثيرة مع الشيطان عندما كان يتحول الشيطان بصلاة القديسين إلى دخان وتنطفئ نار شره.
وكان هلاك رئيس صور، أو الشيطان أمام أعين كل البشر عبرة للكل؛ حتى يبتعدوا عن الشر. إذ يتعجب الكل لرؤيتهم زوال عظمة الكبرياء، والنهاية الفظيعة المهولة لكل منهما وفناء قوتهما إلى الأبد.
(3) تأديب صيدون ( ع20-23):
20- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 21- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ صَيْدُونَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا، 22- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكِ يَا صَيْدُونُ وَسَأَتَمَجَّدُ فِي وَسْطِكِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أُجْرِي فِيهَا أَحْكَامًا وَأَتَقَدَّسُ فِيهَا. 23- وَأُرْسِلُ عَلَيْهَا وَبَأً وَدَمًا إِلَى أَزِقَّتِهَا، وَيُسْقَطُ الْجَرْحَى فِي وَسْطِهَا بِالسَّيْفِ الَّذِي عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع20-22: صيدون : مدينة تجارية تشتهر أيضًا بصيد السمك، وتقع شمال صور على بعد خمسة وأربعين كيلو مترًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
طلب الله من حزقيال أن يتنبأ عن مدينة صيدون، التي كانت مدينة عظيمة وتتعاون مع صور في التجارة، وذلك بسبب خطيتها الكبيرة في الشماتة بشعب الله، عندما هجمت عليه بابل، وسبى إليها، فشمت الصيدونيون وسخروا بكبرياء من مملكة يهوذا.
فالله سيعاقب صيدون، وبهذا العقاب، أي الأحكام، يتمجد الله أمام كل الأمم وأمام شعبه أيضًا. فإن من يصر على الكبرياء ويستهزئ بغيره، لاعتماده على قوته وتجارته وغناه، مثل صيدون، سيهلك في النهاية. وغرض الله من هذا أمرين:
تشجيع شعبه ليثبت في الإيمان، فلا ينزعج من الأعداء مهما كانت التجارب التي تمر به.
دعوة لكل الأمم حتى يتوبوا ويتضعوا ويؤمنوا بالله إله إسرائيل، وهذا ما سيحدث بوضوح في ملء الزمان، عند إيمان الأمم بالمسيح.
ع23: يحدد الله عقابه لصيدون في أمرين:
انتشار الوبأ فيها فيهلك الكثيرون.
هجوم بابل عليها، فتقتل الكثيرين، وتسيل الدماء وتملأ الجثث شوارع صيدون.
ويعلن الله غرضه وهو أن يؤمن الباقون في صيدون بالله، كذا باقي الأمم.
وقد بنيت بجوار صور وصيدون القديمة مدينتا صور وصيدا، فأكد المسيح كبرياء صور وصيدون، حتى أنهما لم يستحقا أن يوجدا أيام المسيح، حين قال أنه لو صنعت في صور وصيدا (المقصود صيدون القديمة) الآيات التي عملها في مدن الجليل لتابتا قديمًا؛ ليوبخ المدن التي كرز بها في أيامه (لو10: 13).
† الله يطيل أناته عليك حتى تتضع أمامه وأمام الآخرين ولا تستهزئ بأحد. ولكن إن تماديت في هذا معتزًا بقوتك، فلن ينتظرك إلا الهلاك الأبدي، فاحترس وأسرع إلى باب التوبة الذي مازال مفتوحًا لك مادمت حيًا.
(4) سلام لشعب الله ( ع24-26):
24- «فَلاَ يَكُونُ بَعْدُ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ سُلاَّءٌ مُمَرِّرٌ وَلاَ شَوْكَةٌ مُوجِعَةٌ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ، الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ. 25- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُ: عِنْدَمَا أَجْمَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ، وَأَتَقَدَّسُ فِيهِمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لِعَبْدِي يَعْقُوبَ، 26- وَيَسْكُنُونَ فِيهَا آمِنِينَ وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا، وَيَسْكُنُونَ فِي أَمْنٍ عِنْدَمَا أُجْرِي أَحْكَامًا عَلَى جَمِيعِ مُبْغِضِيهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ».
ع24: سُلاءٌ : نوع من الورد له شوك، وخزه مؤلم.
بشر الله شعبه بالرجوع من السبي عند مهاجمة أعدائهم لهم، وإن حاولوا مضايقتهم لا يستطيعون؛ لأن الله سيحمى شعبه، فلا يوجد من ينخسهم، مثل شوك السلاء الذي يجعل حياتهم مرة، أي يعيش شعب الله في سلام. كما حدث في رجوعهم على يد زربابل وعزرا ونحميا وسكناهم بسلام وبنائهم للهيكل وأسوار المدينة، فرغم غيظ الأعداء، لم يستطيعوا إيقاف أعمالهم.
وهذه البشرى كملت في فداء المسيح، الذي أعطى لشعبه سلام لا تنقضه الخطية، فلا يعود أولاد الله إلى مرارتها، بل يحيون في فرح مع المسيح في كنيسته.
ع25: سيتم هذا السلام الإلهي عندما يجمع الله أولاده المشتتين في بلاد المملكة البابلية، فيعيديهم كورش أول ملوك فارس إلى أرض الميعاد، التي أعطاها ليعقوب والأسباط، فتتجلى قوة الله في شعبه أمام عيون الأمم؛ لعل هذا يقودهم للإيمان بالله.
وفى هذه الآية يؤكد أيضًا أنه إن كانت صيدون قد شمتت باليهود، وقبضت على بعض منهم وباعتهم عبيدًا، عند السبي البابلي لأورشليم، فهذا يرمز للشيطان الذي يستعبد أولاد الله في الخطية، لكن بموت المسيح على الصليب كسر شوكة الموت (السلاء)، واشترى شعبه بدمه وجمعهم في كنيسته؛ ليحيوا إلى الأبد معه، وهذا يكون أمام عيون العالم ليدعوا الكل للإيمان.
ع26: يعلن الله أن شعبه سيستقر في أرضه بعد الرجوع من السبي، فيبنون بيوتًا ويغرسون كرومًا، أي يعيشون في سلام وراحة. وهذا يرمز للاستقرار الروحي في الحياة مع المسيح واقتناء الفضائل والفرح الذي ترمز إليه الكروم.
† الله يريد أن يعطيك راحة وسلام وفرح إذا عدت إليه بكل قلبك، فاحترس من الخطية، وإن سقطت فيها، تب سريعًا، وليكن هدفك الوحيد هو التمتع بعشرة الله فتنجح في حياتك، ثم تنال أمجاد أبدية.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح التاسع والعشرون

(1) تشبيه فرعون بالتمساح ( ع1- 7):
1- فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَعَلَى مِصْرَ كُلِّهَا. 3- تَكَلَّمْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ، الَّذِي قَالَ: نَهْرِي لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي. 4- فَأَجْعَلُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ وَأُلْزِقُ سَمَكَ أَنْهَارِكَ بِحَرْشَفِكَ، وَأُطْلِعُكَ مِنْ وَسْطِ أَنْهَارِكَ وَكُلُّ سَمَكِ أَنْهَارِكَ مُلْزَقٌ بِحَرْشَفِكَ. 5- وَأَتْرُكُكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَنْتَ وَجَمِيعَ سَمَكِ أَنْهَارِكَ. عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ تَسْقُطُ فَلاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُلَمُّ. بَذَلْتُكَ طَعَامًا لِوُحُوشِ الْبَرِّ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ. 6- وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِمْ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 7- عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ، انْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ.
ع1: يحدد حزقيال ميعاد هذه النبوة، وهو اليوم الثاني عشر من الشهر العاشر في السنة العاشرة، وهو يقابل شهر كانون الثاني، الذي هو شهر يناير من عام 587 ق.م. وفى هذا الوقت تحرك فرعون مصر بجيوشه لمساندة مملكة يهوذا، التي تحاصرها بابل؛ لأن شعب الله تحالف واعتمد على مصر، مخالفًا كلام الله على فم أنبيائه (اش20: 5) فكانت هذه النبوة على فرعون مصر المتكبر، معلنًا أنه سيتحطم هو وشعبه؛ ليظهر بوضوح أن الاتكال هو على الله فقط وليس على البشر مهما كانت قوتهم.
ع2: هذه النبوة لا تقتصر على فرعون مصر، بل على مصر كلها؛ لأنها انقادت إلى خطية الكبرياء التي سقط فيها فرعون، فقد جعلوه إلهًا وعبدوه، وهم أنفسهم شعب مصر شعروا بكبرياء أنهم أفضل جميع الشعوب؛ لأن مصر هي أول إمبراطورية ظهرت في العالم، وكانت تضم فلسطين والشام وسوريا وكذا النوبة والسودان والحبشة.
وكان هذا الفرعون هو خفرع الذي ظل على العرش 25 عامًا، وساد الرخاء على أيامه مما دفعه إلى الكبرياء، مرجعًا فضل القوة في كل هذا إلى نفسه وقوته.
ع3: الرابض : المستقر، أو المسترخى.
كثرت التماسيح في نهر النيل، ولأن مصر تعتمد على نهر النيل في زراعتها وحياتها، وإذ يعتبر التمساح من الحيوانات المفترسة التي تعيش في النيل؛ لذا شبه الله فرعون بالتمساح الكبير؛ لأن فرعون مصر اعتمد على النيل وكل خصوبة مصر ونسبها إلى نفسه، واعتبر نفسه مصدر كل رخاء، وأنه لا يستطيع أحد أن يقاومه، ولا الله نفسه، فشبهه بالتمساح المفترس، أي الذي لا يقاوم، الرابض في النيل، أي المعتمد على النيل. ويقول "أنهاره"، إذ للنيل فروع تخرج منه تروى أماكن كثيرة في مصر.
ويقول الله لفرعون مصر "ها أنذا عليك"، أي سأعاقبك وأهلكك؛ لأنك تكبرت ونسيت أنك مجرد إنسان، أما أنا فالله الذي فوق الكل.
ع4، 5: خزائم : حلقات معدنية توضع في أنف العبيد، إعلانًا لخضوعهم وعبوديتهم لسيدهم.
حرشفك : قطع جافة قوية تغطى جسم التمساح، متراصة لتغطى ظهره وتحميه.
يعلن الله أنه سيتحكم في فرعون مصر، ويجرده من قوته التي يرمز إليها بالنيل، ويلقيه في البرية ليموت. ولا تقتصر العقوبة على فرعون، الذي يُذل كعبد، بل أيضًا على كل التابعين له من قادة وضباط وكبار شعب مصر الذين يرمز إليهم بالسمك، فيلتصقون بهذا التمساح ليلقوا معه إلى البرية ويموتوا. وقد حدث هذا فعلًا، إذ علم خفرع بعزل ليبيا لملكهم، فذهب بجيش لنجدته، لكنه فشل في مهمته، أما شعب مصر فكان قد قاسى الكثير من عبودية خفرع، الذي سخرهم في بناء الأهرامات والأعمال المختلفة، فجمع جيشًا ومنع خفرع من الرجوع إلى مصر، فتبدد خفرع وكل جيشه في برية ليبيا ولم يعد إلى مصر، أي أنه مات ميتة شنيعة فألقيت جثته وجثث رجاله على وجه الحقول، فأكلتهم وحوش البرية وطيور السماء. والوحوش ترمز للشهوات، أما طيور السماء فترمز للكبرياء، فمن أجل شهوات قلبه وكبريائه مات ميتة حقيرة، وحرم من تحنيط جثته ودفنها في مدفنه الضخم، أي هرمه.
ع6، 7: قصب : بوص.
قلقلت كل متونهم : أضعفت الظهر، أي جعلت أقوى ما فيهم ضعيفًا.
بهذه النبوة تظهر مصر أنها ليست سندًا للشعوب المتحالفة معها، بل يشبهها بعكاز مصنوع من البوص، وهي ساق ضعيفة جدًا لا يمكن الاستناد عليها، فيظهر ضعف مصر أمام سكانها وعجزهم عن مساندة بيت إسرائيل، أي مملكة يهوذا التي تحاصرها بابل، لأن بابل ستنتصر على مصر انتصارًا عظيمًا، وتدمر وتحرق أورشليم ولا تستطيع مصر نجدتها.
فعندما اعتمدت مملكة يهوذا على مصر، انكسر هذا العكاز أي البوصة، وهي مصر بهزيمتها أمام بابل، أما مملكة يهوذا التي أمسكت بكفها هذه البوصة، فلم تجد شيئًا تستند عليه. ثم شبه تشبيهًا آخر لإظهار الضرر الكبير الذي حل بيهوذا عندما وضعت البوصة تحت إبطها، فتمزق كتفها، وضعفت قوتها.
† إن الكبرياء تحدى لله، فاشكر الله على عطاياه واتضع أمامه وأمام الآخرين، فتنال مساندة الله، ويرفعك ويعليك، وتحيا مطمئنًا بين يديه.
(2) تأديب مصر ( ع8-16):
8- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ سَيْفًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْكَ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. 9- وَتَكُونُ أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَالَ: النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ. 10- لِذلِكَ هأَنَذَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَنْهَارِكَ، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، إِلَى تُخْمِ كُوشَ. 11- لاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ، وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 12- وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَمُدُنَهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي. 13- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ نَهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ، 14- وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً. 15- تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ فَلاَ تَرْتَفِعُ بَعْدُ عَلَى الأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ لِكَيْلاَ يَتَسَلَّطُوا عَلَى الأُمَمِ. 16- فَلاَ تَكُونُ بَعْدُ مُعْتَمَدًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مُذَكِّرَةَ الإِثْمِ بِانْصِرَافِهِمْ وَرَاءَهُمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع8: يحدد الله تأديبه لمصر بأنه سيقتل من فيها، سواء الإنسان، أو الحيوان وذلك بيد نبوخذنصر، الذي استولى على العالم وخضعت له مصر. وهذا العقاب كما قلنا تأديب من الله لكبرياء مصر وملكها.
الإنسان يرمز للعقل في الشخص، والحيوان يرمز إلى الجسد وغرائزه، أي أن فرعون المتكبر، أو الإنسان المتكبر يتخلى عنه الله، فيهلك عقله وجسده ويذل، لعل هذا ينبهه، فيعود إلى الله بالتوبة.
† أنظر آثار الكبرياء على حياتك وكم أتعبتك؛ حتى ترجع إلى الله وتتضع أمام الناس، فتحتملهم، حينئذ يرفع الله عنك خطاياك، وينقيك بل تختبر محبته وقوته.
ع9، 10: مجدل : مدينة في شمال شرق مصر قرب حدوده. وكلمة مجدل معناها برج، فكانت المدينة كبرج مراقبة لحدود مصر الشرقية، وقد زالت هذه المدينة ولا توجد الآن.
أسوان : المدينة المعروفة بهذا الاسم وتقع شرق النيل قرب الحدود الجنوبية لمصر.
كوش : وهي الحبشة ويقصد بها هنا بلاد النوبة.
اعتمد فرعون على النيل الذي يروى مصر ويجعلها أرضًا زراعية خصبة، فالله يواصل عقابه لمصر بأن ينشف أنهارها، أي نهر النيل وفروعه المختلفة. وهذا من السهل حدوثه عندما يسمح الله بأن يكون الماء قليلًا في فترة الصيف، إذ يمتنع الفيضان ولا تروى الأراضي الزراعية في مصر، وبالتالي لا تنتج مزروعات وتحدث مجاعة. وقلة الفيضان حدثت مرات كثيرة في تاريخ مصر، فيُفهم من هذا أن الله سمح بها في هذا الوقت؛ حتى يشعر المصريون بضعفهم في المجاعة فيتضعون. وكانت المجاعة والخراب في مصر كلها، أى لم ترو كل أرض مصر من أقصى شمالها في مجدل إلى أقصى جنوبها في أسوان وحتى النوبة. التي كانت تتبع مصر وقتذاك، أي أن الخراب كان شاملًا لكل أرض مصر تأديبًا لها.
ع11، 12: تظهر رحمة الله على مصر في أن العقاب يكون مؤقتًا لمدة أربعين سنة وليس إفناءً لمصر؛ كماحدث مع بعض الدول والمدن، مثل صور وصيدون.
وبسبب المجاعة والخوف من الهجوم البابلي هرب المصريون وهاجروا إلى البلاد المحيطة، فتشتتوا، فزاد هذا مصر خرابًا.
ع13، 14: فتروس : مصر العليا أي الصعيد الأعلى وهو جنوب مصر، فقد كانت مصر تقسم إلى مصر العليا وهي من أسوان إلى حوالي أسيوط، ومصر السفلى أي الأرض المنخفضة وهي الدلتا.
يكمل الله رحمته على مصر بعد خراب أربعين سنة وتشتت المصريين وقتل الكثيرين منهم، وتظهر هذه الرحمة في أمرين:
انتهاء العقاب بعد أربعين سنة ورجوع الحياة الطبيعية والسلام إلى مصر.
تعود مصر ولكن كدولة ضعيفة صغيرة، حتى تكون متضعة وتحيا لله، تمهيدًا لقبولها الإيمان بالمسيح.
ع15، 16: برجوع مصر كدولة حقيرة ضعيفة تحدث نتيجتان هامتان:
اتضاع مصر.
درس لشعب الله حتى يتذكر خطيته في اعتماده على مصر، فعندما يراها ضعيفة يتأكد أن الاتكال هو على الله فقط، وليس على البشر.
(3) بابل تهجم على مصر ( ع17-21):
17- وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلًا: 18- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَخْدَمَ جَيْشَهُ خِدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى صُورَ. كُلُّ رَأْسٍ قَرِعَ، وَكُلُّ كَتِفٍ تَجَرَّدَتْ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَ لِجَيْشِهِ أُجْرَةٌ مِنْ صُورَ لأَجْلِ خِدْمَتِهِ الَّتِي خَدَمَ بِهَا عَلَيْهَا. 19- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَبْذُلُ أَرْضَ مِصْرَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْخُذُ ثَرْوَتَهَا، وَيَغْنَمُ غَنِيمَتَهَا، وَيَنْهَبُ نَهْبَهَا فَتَكُونُ أُجْرَةً لِجَيْشِهِ. 20- قَدْ أَعْطَيْتُهُ أَرْضَ مِصْرَ لأَجْلِ شُغْلِهِ الَّذِي خَدَمَ بِهِ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَجْلِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 21- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُنْبِتُ قَرْنًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَأَجْعَلُ لَكَ فَتْحَ الْفَمِ فِي وَسْطِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع17، 18: كل رأس قرع: كان حلق الرأس وعمل قرعة فيها تعبيرًا عن الحزن.
كل كتف تجردت : أي تعبت جدًا وتسلخ جلدها من كثرة الأحمال التي حملتها.
هذه نبوة ثانية لحزقيال على مصر، يحدد ميعادها في اليوم الأول من الشهر الأول في السنة السابعة والعشرين لسبى يهوياكين، الذي يسمى السبي العظيم الذي سبى فيه يهوياكين إلى بابل.
أعلن الله على فم حزقيال أن الله يرى مدى التعب الذي احتمله ملك بابل في محاصرة صور مدة تقرب من خمسة عشر عامًا، احتمل فيها جيشه كثيرًا، ولكنه لم يجد غنيمة؛ لأن صور البرية استطاعت أن تنقل نفائسها إلى صور البحرية، أي الجزيرة التي وسط البحر ولا يمكن الوصول إليها ومهاجمتها. وبهذا عندما دخل نبوخذنصر صور لم يجد فيها شيئًا، أي أنه تعب جدًا ولم يأخذ مكافأته، ولكنه بهذا دون أن يقصد نفذ عقاب الله في صور المتكبرة.
ع19، 20: مكافأة لبابل التي لم تغتنم شيئًا من صور، أعطاها الله قوة لتهجم على مصر وتأخذ خيراتها الكثيرة، فتكون مكافأة لها على تعبها؛ لأنها نفذت كلام الله في صور. فهذا يبين أن بابل دون أن تشعر هي أداة في يد الله ينفذ بها مشيئته.
ع21: عندما تحطم بابل صور وبعدها مصر تضعف الدول المحيطة بشعب الله، فيعطى الله لشعبه قوة، التي يعبر عنها بإنبات قرن لبيت إسرائيل، لأن القرن هو أقوى شيء في الحيوان. ويقول لحزقيال أيضًا أنه سيفتح فمه ويشكر الله ويسبحه على صنيعه، أي أنه بعد تحطيم أورشليم تحطمت مصر، فحدث أمران هما:
آمن شعب الله بأن الاتكال ليس على البشر مهما كانت قوتهم مثل مصر؛ لأنها تحطمت ولكن الاتكال على الله فقط. فبدأ شعب الله يستعيد إيمانه بالله، فينبت له قرن وقد كمل هذا القرن بالرجوع من السبي في أول عهد المملكة الفارسية وبدء بناء الهيكل مرة ثانية.
استطاع حزقيال حينئذ أن يفتح فمه ويشكر الله برجوع شعبه للإيمان، فيثبتهم ويشجعهم.
نلاحظ أنه قد مرت سبعة عشر عامًا بين النبوة الأولى (ع1) والنبوة الثانية (ع17) أي أنه تنبأ عن هلاك فرعون وتأديب مصر، ثم بعد سبعة عشر عامًا تنبأ عن الهجوم البابلي، واستعادة شعب الله قوته؛ فالله أعطى فرعون ولكل شعبه فرصة للتوبة ولكنهم لم يستجيبوا.
تحطمت مصر وظهر قرن لشعب الله وانفتح فم حزقيال، وكان هذا رمزًا لموت المسيح على الصليب وفدائه لشعبه، ثم إعلان قيامته ليقوم فيه المؤمنون به، أي كنيسته وينفتح فم تلاميذه بالبشارة في العالم كله. فتحطيم مصر يرمز لموت المسيح، وإنبات القرن يرمز لقيامته، وانفتاح فم حزقيال يرمز لكرازة الرسل.
† إن الله ينذرنا في الكتاب المقدس لنرجع إليه، فليتنا نستجيب لوصاياه، فنخلص من شر العالم، ونجد حياتنا فيه إلى الأبد.



تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثلاثون
(1) تهديد مصر وخوفها (ع1-9):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ تَنَبَّأْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَلْوِلُوا: يَا لَلْيَوْمِ! 3- لأَنَّ الْيَوْمَ قَرِيبٌ، وَيَوْمٌ لِلرَّبِّ قَرِيبٌ، يَوْمُ غَيْمٍ. يَكُونُ وَقْتًا لِلأُمَمِ. 4- وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ، وَيَكُونُ فِي كُوشَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، عِنْدَ سُقُوطِ الْقَتْلَى فِي مِصْرَ، وَيَأْخُذُونَ ثَرْوَتَهَا وَتُهْدَمُ أُسُسُهَا. 5- يَسْقُطُ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ كُوشُ وَفُوطُ وَلُودُ وَكُلُّ اللَّفِيفِ، وَكُوبُ وَبَنُو أَرْضِ الْعَهْدِ. 6- هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: وَيَسْقُطُ عَاضِدُو مِصْرَ، وَتَنْحَطُّ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا. مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ يَسْقُطُونَ فِيهَا بِالسَّيْفِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 7- فَتُقْفِرُ فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَتَكُونُ مُدُنُهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ. 8- فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ إِضْرَامِي نَارًا فِي مِصْرَ، وَيُكْسَرُ جَمِيعُ أَعْوَانِهَا. 9- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِي رُسُلٌ فِي سُفُنٍ لِتَخْوِيفِ كُوشَ الْمُطْمَئِنَّةِ، فَيَأْتِي عَلَيْهِمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ كَمَا فِي يَوْمِ مِصْرَ، لأَنَّهُ هُوَذَا يَأْتِي.
ع1، 2: إن كان الأصحاح السابق قد انتهى بإظهار قوة شعب الله المتكل عليه، وانفتاح فم نبيه حزقيال، فهذا الأصحاح يحدثنا عن انهزام البعيدين عن الله الوثنيين، الذين تمثلهم مصر ويرمزون للشيطان.
ينادى الله كل الأمم لتبكى وتصرخ بحزن على يوم تحطيم مصر، وهو يرمز أيضًا ليوم الدينونة، حيث يلقى الشيطان في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
عندما يقول "يا" يقصد كل الأمم، فلا تبكى مصر فقط، أو دولة معينة، بل العالم كله؛ لأنهم ظنوا أن مصر دولة عظيمة جدًا، فيرونها الآن تتحطم، وكذلك كل من سلك في الشر وراء الشيطان يرونه يلقى في العذاب الأبدي.
ع3: يعلن الله أن يوم تحطيم مصر وتأديبها سيكون قريبًا، ويظهر فيه الغيم، الذي يرمز للحزن وعدم وضوح الرؤية، إذ انقلبت آمال العالم في مصر، وتحطمت، ولعل هذا الغيم يدعو الأمم للبحث عمن يتكلون عليه، فيصلوا إلى الله.
† ليتنا نستعد ليوم الدينونة كل يوم، لأننا لا نعرف متى نخرج من هذا العالم. وهذا الاستعداد يكون بالتوبة والالتصاق بالله، وهذا ينتج عن محبة وتسامح للكل وعمل الخير مع كل محتاج. ويدعوه يومًا للرب؛ لأنه يطلب نفوس كل العالم لتؤمن به، ومن لا يؤمن سينال عذابه.
ع4: كوش: الحبشة والمقصود هنا النوبة.
عندما تهجم بابل على مصر، وتقتل الكثيرين من أبنائها، وتنهب ثروتها، وتهدم قصورها ومعابدها، يخاف ليس فقط المصريون، بل أيضًا البلاد التابعة لمصر، مثل النوبة، إذ رأوا الدولة التي تحميها تتحطم.
ع5: فوط ولود وكوب: مناطق في شمال أفريقيا، أي في ليبيا وما حولها.
اللفيف : الأقليات المقيمة في مصر من غير المصريين.
بنو أرض العهد : البلاد التي تحالفت مع مصر.
سيغطى الخوف جميع البلاد المحيطة بمصر، والتي تحالفت معها، وكذلك أيضًا غير المصريين، الذين سكنوا في مصر؛ لأن بابل ستقتل منهم أيضًا الكثيرين.
ع6: يؤكد الله أن الخراب والهجوم البابلي سيشمل مصر كلها من أقصى شمالها، أي مجدل إلى أقصى جنوبها، أي أسوان. ويضعف عاضدو مصر ويخافون؛ لأن مصر العظيمة قد سقطت، فيخاف كل من كان يساندها.
ع7: وتصبح مصر قفرًا وخرابًا وتعتبر من الأماكن الخربة في العالم، وليست من الدول العظيمة الغنية.
ع8: عندما ترى الأمم تحطيم مصر وكل من يساندها، يعلمون أن القوة الحقيقية هي الله وحده وليس البشر مثل مصر؛ لعلهم يرجعون لله ويؤمنون. وإضرام النار المقصود بها تخريب مصر، كما تحرق النار وتخرب كل ما تأتى عليه.
والله هو الذي سيضرم النار، أي أن الله هو الذي يسمح لبابل أن تحطم مصر ليكسر كبرياءها.
ع9: وعند تحطيم مصر سيهرب البعض من المصريين في سفن إلى كوش، التي يقصد بها هنا ليس فقط النوبة بل الحبشة أيضًا، أي تخاف كل البلاد التي تعيش في سلام، المتكلة على مصر.
(2) تحطيم مصر وسبيها (ع10-19):
10- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أُبِيدُ ثَرْوَةَ مِصْرَ بِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ. 11- هُوَ وَشَعْبُهُ مَعَهُ، عُتَاةُ الأُمَمِ يُؤْتَى بِهِمْ لِخَرَابِ الأَرْضِ، فَيُجَرِّدُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى مِصْرَ وَيَمْلأُونَ الأَرْضَ مِنَ الْقَتْلَى. 12- وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَابِسَةً وَأَبِيعُ الأَرْضَ لِيَدِ الأَشْرَارِ، وَأُخْرِبُ الأَرْضَ وَمِلأَهَا بِيَدِ الْغُرَبَاءِ. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ.13- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَأُبِيدُ الأَصْنَامَ وَأُبَطِّلُ الأَوْثَانَ مِنْ نُوفَ. وَلاَ يَكُونُ بَعْدُ رَئِيسٌ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَأُلْقِي الرُّعْبَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 14- وَأُخْرِبُ فَتْرُوسَ، وَأُضْرِمُ نَارًا في صُوعَنَ، وَأُجْرِي أَحْكَامًا فِي نُو. 15- وَأَسْكُبُ غَضَبِي عَلَى سِينَ، حِصْنِ مِصْرَ، وَأَسْتَأْصِلُ جُمْهُورَ نُو. 16- وَأُضْرِمُ نَارًا فِي مِصْرَ. سِينُ تَتَوَجَّعُ تَوَجُّعًا، وَنُو تَكُونُ لِلتَّمْزِيقِ، وَلِنُوفَ ضِيقَاتٌ كُلَّ يَوْمٍ. 17- شُبَّانُ آوَنَ وَفِيبِسْتَةَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَهُمَا تَذْهَبَانِ إِلَى السَّبْيِ. 18- وَيُظْلِمُ النَّهَارُ فِي تَحْفَنْحِيسَ عِنْدَ كَسْرِي أَنْيَارَ مِصْرَ هُنَاكَ. وَتَبْطُلُ فِيهَا كِبْرِيَاءُ عِزِّهَا. أَمَّا هِيَ فَتَغْشَاهَا سَحَابَةٌ، وَتَذْهَبُ بَنَاتُهَا إِلَى السَّبْيِ. 19- فَأُجْرِي أَحْكَامًا فِي مِصْرَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع10: تميزت مصر بأنها من أغنى الدول في العالم القديم لوجود نهر النيل بها، ووفرة الزراعة والمحاصيل، ومن ناحية أخرى تربية المواشى بها. فيعلن الله أنه سيبيد ويفنى ثروة مصر العظيمة بيد بابل. حتى لا تتكل عليها مصر وتتكبر، بل وتصير أمة حقيرة وفقيرة وقفر، كما ذكر في هذا الأصحاح والأصحاح السابق، وحينئذ تتكل على الله ويباركها، فتصير من أعظم الدول في الإيمان.
الله أعطى مصر خيرات كثيرة ولكنها لم تكن أمينة عليها وتشكر الله، بل تكبرت بسببها وأرجعت الفضل لآلهتها ونسيت الله؛ فأزال خيراتها.
† اشكر الله دائمًا على إمكانياتك ومواهبك، فيباركك ويزيد عطاياه لك وتتمتع بما هو أعظم وهو الغنى الروحي، فتشعر بوجود الله معك وتذوق الملكوت وأنت على الأرض.
ع11: عتاة: جبابرة وأقوياء.
يعلن الله أن الذي سيبيد ثروة مصر ويحطمها هو ملك بابل، ويقصد نبوخذنصر الذي سيقتل المصريين، ومعه جيشه الجبار، فيكثر القتل في كل أنحاء مصر.
ع12: يبين الله أن إبادة ثروة مصر ستتم بأمرين:
جفاف أنهارها، أي نهر النيل وفروعه، إذ سيسمح ألا تأتى مياه الفيضان وبالتالي تحدث مجاعة في مصر لضعف الزراعة بها.
هجوم بابل على كل أنحاء مصر، فيستولون على أراضيها. ويسميهم الله الأشرار والغرباء لأنهم يسيئون إلى مصر جدًا وهم غرباء عنها. وفى النهاية يقرر الله أنه هو المسئول عن هذا التأديب لمصر، وأن بابل مجرد أداة لتنفيذ خطته، وبالطبع يقصد الله اتضاع مصر وتوبتها.
ع13: نوف: مدينة عظيمة كانت عاصمة لمصر، وتسمى ممفيس باليونانية، وهي تبعد 10 أميال جنوب القاهرة الحالية وقامت فيها الأهرامات المعروفة حتى الآن، أي أنها كانت في مكان الجيزة الحالية بجوار قرية تسمى ميت رهينة، وقد زالت نوف.
كانت مصر تعتمد في قوتها على آلهتها الوثنية، فيعلن الله أنه سيحطم هذه الأصنام بيد بابل، وسيخاف كل المصريين عندما تحتلهم بابل ولا يوجد ملك لمصر بسبب خضوع مصر لبابل، إذ كانت مصر قديمًا تفتخر بفراعينها وتعبدهم، ولكن بعد احتلالها تعود إلى الله وتتكل عليه.
ع14: فتروس: مصر العليا، أي جنوب مصر وتشمل منطقة قنا والأقصر وأسوان، أي ما هو جنوب أسيوط.
صوعن : مدينة عظيمة تقع شرق الدلتا، أي مكان محافظة الشرقية الحالية، وتسمى أيضًا مدينة تانيس، وكانت فيها مقابلات موسى وفرعون والضربات العشر. وقد بنيت صوعن بعد مدينة حبرون التي تقع جنوب بلاد اليهود وذلك بسبع سنوات (عد13: 22).
نو : هي مدينة طيبة، وكانت عاصمة لمصر، وتقع في محافظة الأقصر حاليًا، وفيها معبد الكرنك، أي عبادة الإله أمون، وكانت تسمى نو آمون أو آمون نون.
يقرر الله أن تخريب بابل لمصر سيشمل كل مدنها العظيمة ويكون أقصى الجنوب، وهي منطقة فتروس، وفيها مدينة نو، وأيضًا في شمال مصر، أي مصر السفلى حيث مدينة صوعن.
ع15: سين: حصن مصرى في الناحية الشرقية منها يقع شمال مدينة القنطرة على بعد عشرين ميلًا وشرق مدينة بورسعيد الحالية.
يتنبأ حزقيال بأن الله سيسمح بتحطيم أقوى حصون مصر الشرقية وهي سين. ثم يكرر هنا أنه سيقتل الجمهور الكبير المجتمع في مدينة نو لتقديم العبادة لأشهر الآلهة المصرية وهي آمون رع.
أى أن الله سيجعل مصر غير محصنة يغزوها أي إنسان، وفى نفس الوقت يحطم أهم معابدها لتشعر بضعف آلهتها لعلها تؤمن بالله.
ع16: يلخص الله في النهاية الدمار الذي يحل في مصر، وإزالة ثرواتها، كأن نارًا قد أحرقتها ولعل البابليين، قد أحرقوا مدنًا في مصر. ثم يبين أن أهم مدن مصر كانت في ضيق وألم شديد ومنها الحصون، مثل سين ونو التي فيها أهم العبادات المصرية، وكانت عاصمة مصر ثم العاصمة إلى تليها وهي نوف المدينة العظيمة.
ع17: آون: أي مدينة الشمس وهي عين شمس، وتسمى أيضًا هليوبوليس، وتبعد سبعة أميال شمال شرق القاهرة وكان فيها بيت حمى يوسف.
فيبسته : ومعناها بيت الآلهة باست، ومكانها الآن تل بسطا شرق الدلتا بجوار الزقازيق، ومرت به العائلة المقدسة.
يقرر الله أن الشبان في مدن الآلهة المشهورة مثل آون وفيبسته ستقتلهم سيوف بابل، ثم يأخذون الباقين من سكانها سبايا. ولأن الشباب يمثل القوة، فمعنى ذلك، فقد مصر قوتها، والباقى من قوتها يؤخذون سبايا، أي تتجرد من كل قوة فيها.
ع18: تحفنحيس: هو أحد الحصون المصرية المشهورة، ويقع غرب القنطرة على بعد عشرة أميال أي شرق الدلتا. وقد هرب إليها بنو إسرائيل ومعهم إرميا (أر43: 7).
أنيار : جمع نير، وهي الخشبة المستعرضة التي توضع على رقبتى الحيوانين اللذين يجران الآلات الزراعية. والنير يرمز للتسلط واستعباد الآخرين.
يواصل وصف الدمار الذي يحل بمصر، بأن الظلام يغطى تحفنحيس، أي أن الغبار الحادث من تدمير هذه المدينة يغطى الجو حتى يكاد النهار يظلم، وبهذا يظهر ضعف الإله رع إله الشمس الذي يعبدونه، فلا يستطيع أن يضئ على المدن المصرية المخربة.
بهذا لم يعد لمصر سلطانًا على مدنها، أو سلطانًا على البلاد المجاورة، أي كسرت أنيارها، وهو استعبادها وتسلطها على البلاد المجاورة لها. ويبطل الله كبرياء مصر وتفاخرها، إذ تحطمت وصارت حقيرة، وقد غطتها سحابة التراب الناتج من تدمير المدن، بالإضافة إلى ذلك تؤخذ بناتها سبايا؛ أي سكانها يسبون إلى بابل والدول التابعة لها. وبكسر كبرياء مصر تحررت من سلطان الشيطان عليها، فصارت مستعدة لأن تقبل عليها سحابة الإيمان، أي العائلة المقدسة، العذراء ويوسف النجار والمسيح الذي يبارك أرضها، كما تنبأ أشعياء (اش19: 25).
ع19: بإتمام هذه العقوبات الإلهية على مصر، وعندما تحدث، سيعلم الناس بصدق كلام الله الذي تنبأ به على فم حزقيال لعل هذا يدعوهم إلى الإيمان به.
ويلاحظ في هذا الدمار الذي سيسمح به الله أنه سيكون منتشرًا في مصر كلها، بدليل كثرة المدن العظيمة المذكورة. وسيكون أيضًا هذا الدمار عميقًا في تأثيره بسبب جفاف نهر النيل، فيموت الكثير من الإنسان والحيوان.
(3) تدمير مصر وتشتيتها (ع20-26):
20- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي السَّابعِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ صَارَ إِلَيَّ قَائِلًا: 21- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنِّي كَسَرْتُ ذِرَاعَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، وَهَا هِيَ لَنْ تُجْبَرُ بِوَضْعِ رَفَائِدَ وَلاَ بِوَضْعِ عِصَابَةٍ لِتُجْبَرَ فَتُمْسِكَ السَّيْفَ. 22- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأُكَسِّرُ ذِرَاعَيْهِ الْقَوِيَّةَ وَالْمَكْسُورَةَ، وَأُسْقِطُ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ. 23- وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُذَرِّيهِمْ فِي الأَرَاضِي. 24- وَأُشَدِّدُ ذِرَاعَيْ مَلِكِ بَابِلَ وَأَجْعَلُ سَيْفِي فِي يَدِهِ، وَأُكَسِّرُ ذِرَاعَيْ فِرْعَوْنَ فَيَئِنُّ قُدَّامَهُ أَنِينَ الْجَرِيحِ. 25- وَأُشَدِّدُ ذِرَاعَيْ مَلِكِ بَابِلَ، أَمَّا ذِرَاعَا فِرْعَوْنَ فَتَسْقُطَانِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ سَيْفِي فِي يَدِ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَمُدُّهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ. 26- وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ وَأُذَرِّيهِمْ فِي الأَرَاضِي، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع20: يحدد الله ميعاد هذه النبوة، أنه في أول الشهر السابع من السنة الحادية عشر لسبى يهوياكين، كان كلام الله بالنبوة على فم حزقيال النبي، وفى هذه السنة تم سقوط أورشليم. فهو يتنبأ عن سقوط مصر وتدمير قوة فرعون مصر خفرع، وكان ذلك في عام 587 ق.م.
ع21: رفائد: جمع رفادة وهي قطع من القماش توضع على الجروح والكسور وتحتها بعض الأدوية لعلاج المصاب.
عصابة : قطعة طويلة من القماش تربط بها الكسور لتكون مساندة لها.
يعلن الله أنه قرر تحطيم قوة مصر التي يرمز إليها بذراعيها، وأن الأذرع المكسورة لا يمكن علاجها بالأدوية البشرية، وربطها بالرفائد والعصابات، لأن التحطيم هو من قبل الله، ولن تستطيع أن تدافع عن نفسها بحمل السيف، وبالتالي أيضًا ليس لها سلطان أن تهاجم غيرها من البلاد، أي أصبحت ضعيفة جدًا. كل هذا لتتضع ولا يكن أمامها إلا أن تؤمن بالله.
ع22: يؤكد الله أنه يحطم قوة فرعون، وإن كانت بعض قوته قد ضاعت، أي كُسرت إحدى ذراعيه، فسيكسر الله ذراعه الأخرى التي مازالت قوية، وبها يحطم كل قوته، فلا يستطيع أن يمسك بالسيف؛ أي يعجز عن الدفاع عن نفسه.
ع23: إذ ضعفت قوة مصر، أصبح المصريون ضعفاءً فهربوا إلى البلاد المحيطة وأخذ منهم الكثيرون سبايا بواسطة بابل.
ع24، 25: على الجانب الآخر يعطى الله قوة لملك بابل، أي يشدد ذراعيه ويعطيه سيف ليقتل ويخيف مصر، ويكون المصريون بقيادة ملكهم مكسورين وضعفاء ومجروحين ويتوجعون من جروحهم وضعفهم أمام ملك بابل. وعندما يحدث هذا يعلم العالم كله صدق نبوة حزقيال.
وفرعون مصر يرمز إلى الشيطان، الذي قيده المسيح على الصليب، والمسيح يرمز إليه بملك بابل. ويلاحظ أن ملك بابل حطم ذراعى فرعون فقط ولم يقتله، كما أن المسيح قيد الشيطان فقط بالصليب، فلم يعد له سلطان على المؤمنين، يخيفهم فقط ويغريهم، ولكن لا يستطيع أن يقبض عليهم ويذهب بهم إلى الجحيم. وإذا تمسك المؤمنون بالمسيح، يستطيعون قهر الشيطان ويصلون إلى الملكوت.
ع26: يكمل عقاب الله للمصريين بهروبهم إلى البلاد المحيطة، وتشتيتهم بالسبي ليفقدوا ارتباطهم بأرضهم التي افتخروا بها، فيؤمنوا بالله ويتكلوا عليه.
† ليتك تفهم معنى الضيقات التي تمر بك، والتي تقودك للتمسك بالله والاتكال عليه حين تبطل كل مساندة أرضية، ولا يبقى إلا الله القوى، فيملك على قلبك ويريحك ويفرحك.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الحادى والثلاثون

(1) عظمة شجرة الأرز (ع 1-9)
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ، فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلًا: 2-«يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَجُمْهُورِهِ: مَنْ أَشْبَهْتَ فِي عَظَمَتِكَ؟ 3- هُوَذَا أَعْلَى الأَرْزِ فِي لُبْنَانَ جَمِيلُ الأَغْصَانِ وَأَغْبَى الظِّلِّ، وَقَامَتُهُ طَوِيلَةٌ، وَكَانَ فَرْعُهُ بَيْنَ الْغُيُومِ. 4- قَدْ عَظَّمَتْهُ الْمِيَاهُ، وَرَفَعَهُ الْغَمْرُ. أَنْهَارُهُ جَرَتْ مِنْ حَوْلِ مَغْرِسِهِ، وَأَرْسَلَتْ جَدَاوِلَهَا إِلَى كُلِّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. 5- فَلِذلِكَ ارْتَفَعَتْ قَامَتُهُ عَلَى جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَقْلِ، وَكَثُرَتْ أَغْصَانُهُ، وَطَالَتْ فُرُوعُهُ لِكَثْرَةِ الْمِيَاهِ إِذْ نَبَتَ.6- وَعَشَّشَتْ فِي أَغْصَانِهِ كُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَتَحْتَ فُرُوعِهِ وَلَدَتْ كُلُّ حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَسَكَنَ تَحْتَ ظِلِّهِ كُلُّ الأُمَمِ الْعَظِيمَةِ. 7- فَكَانَ جَمِيلًا فِي عَظَمَتِهِ وَفِي طُولِ قُضْبَانِهِ، لأَنَّ أَصْلَهُ كَانَ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. 8- اَلأَرْزُ فِي جَنَّةِ اللهِ لَمْ يَفُقْهُ، السَّرْوُ لَمْ يُشْبِهْ أَغْصَانَهُ، وَالدُّلْبُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ فُرُوعِهِ. كُلُّ الأَشْجَارِ فِي جَنَّةِ اللهِ لَمْ تُشْبِهْهُ فِي حُسْنِهِ. 9- جَعَلْتُهُ جَمِيلًا بِكَثْرَةِ قُضْبَانِهِ، حَتَّى حَسَدَتْهُ كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ الَّتِي فِي جَنَّةِ اللهِ.
ع1: يحدد الله ميعاد النبوة، وهو قبل سقوط أورشليم وتدميرها بفترة وجيزة؛ ليعلن الله لشعبه على فم نبيه حزقيال شر فرعون والدمار الذي سيحل به، حتى لا يتكل شعب الله عليه، بل يتكلوا على الله.
ع2: حتى يفهم فرعون وكل شعب مصر كلام الله يقدم له تشبيهًا، لأنه لا يصدق الكلام المباشر، فالله يضطر أن يستخدم الأمثال، كما استخدمها في العهد الجديد لتوصيل تعاليمه.
ع3: الأرز: شجرة طويلة مستديمة الخضرة طوال السنة، وعمرها طويل أكثر من باقي الأشجار، وتتزين به لبنان لجماله.
أغبى الظل : كثير الظل.
يقدم الله لفرعون مثالًا، وهو شجرة الأرز العظيمة التي تنمو في لبنان، فهي تتميز بما يلى:
مرتفعة جدًا، وهذا يرمز لعظمتها، ولكنها تكبرت.
جمال الأغصان، إذ هى شجرة مستديمة الخضرة وأوراقها جميلة، فهذا استخدمته في التباهى بجمالها.
كان ظلها كثيرًا، أى تستطيع أن تظلل على الكثيرين حولها، فتفرض حمايتها وسلطانها عليهم.
فرعه بين الغيوم: من فرط ارتفاعه يكاد يصل إلى السحاب، وهذا جعله يتكبر ويرتفع على كل الأشجار.
هذا التشبيه ينبه فرعون إلى خطورة الكبرياء مهما كانت إمكانياته، فلا يجب أن يتكبر بسبب خيرات بلاده العظيمة، بل يعلم أن الفضل كله من الله.
وفى الكتاب المقدس ذى الشواهد، نجد نص هذه الآية يختلف فيقول "هوذا آشور كان أرزًا" بدلًا من "هوذا أعلى الأرز" ونفس هذه الترجمة، أي ذكر آشور يوجد في الترجمة اليسوعية الكاثوليكية. ومعنى هذا أن الله ينبه فرعون إلى أن آشور الإمبراطورية العظيمة، التي ظهرت بعد مصر وسيطرت على العالم، وكان ملكها يسمونه ملك الملوك، ونشرت سلطانها على كل من حولها، وتعاظمت كأنها وصلت إلى السماء، وكانت عاصمتها نينوى جميلة وعظيمة، ورغم كل هذا سقطت وتحطمت أمام بابل، فيجب على فرعون أن يتضع ولا يتكبر؛ لأنه إن لم يتضع سيتحطم. وهذا ما تنبأ به حزقيال عليه في هذا الأصحاح (ع10-18) وتم فعلًا.
ع4، 5: اعتمد أرز لبنان على وجود مياه كثيرة تغذية، فتميز بكثرة أغصانه. بل أن هذه المياه امتدت لتروى باقي الأشجار، وهذا يشير إلى فرعون الذي اعتمد على نهر النيل وكل خيرات الزراعة التي نتجت عنه، بل أن النيل وفروعه غذى بلاد كثيرة، مثل النوبة والسودان. وفرعون يعتبر أن النيل هو نهره، وهو مصدر الخير له ولكل من حوله، وأن النيل تحت سلطانه، فهو بالتالى مصدر حياة الشعوب المحيطة به. وهكذا أيضًا ظن أشور أنه بمياه دجلة والفرات يتغذى ويغذى كل من حوله، أو أنه عمومًا يتمتع بخيرات أكثر من غيره، بل ويوزع الخير على من حوله.
والخلاصة أنه ينسب خيرات الله إلى نفسه، فيتكبر بها بدلًا من أن يشكره على عطاياه.
ع6: يعلن الله سلطان شجرة الأرز، الذي يتمثل في أمرين:
صنعت الطيور أعشاشًا لها بين فروعه، وهذا يرمز لكل الأمم العظيمة التي احتمت بمصر، أو بأشور.
تحت شجرة الأرز ولدت الحيوانات لأن ظل الأرز كبير، وهذا يرمز لكل مدن الأرض التي خضعت لمصر، أو أشور.
والخلاصة أن فرعون تكبر بامتداد امبراطوريته وسلطانه على بلاد كثيرة، ولكن الله ينبهه إلى أن شجرة الأرز، أو أشور، عظيمة ولكنها تحطمت، فهو أيضًا سيتحطم إن لم يتضع.
ع7: قضبانه: فروعه.
يؤكد هنا ثانية جمال شجرة الأرز وفروعها لأنها تتغذى بمياه كثيرة، وهذا يرمز لفرعون العظيم المعتمد على خيرات وإمكانيات مصر.
ع8، 9: السرو: شجرة عظيمة مرتفعة تنمو في لبنان دائمة الخضرة وهي من الفصيلة الصنوبرية ولكنها أقل عظمة من شجرة الأرز.
الدلب : شجرة عظيمة تنمو على المياه، ولكنها أقل عظمة من شجر الأرز.
يعلن الله أن شجرة الأرز هذه هي أعظم الأشجار، حتى أن الأشجار في جنة عدن، مثل الأرز والسرو والدلب لم تصل إلى جمالها، فحسدتها هذه الأشجار، إعلانًا لتميز شجرة الأرز هذه عليها، أي أن فرعون شعر أنه أعظم ملوك الأرض وكل الملوك لم تصل إلى عظمته. والله ينبهه هنا إلى أن هذا الأرز العظيم الذي ليس له مثيل سيتحطم، لأنه تكبر ولم ينسب جماله إلى الله خالقه.
ويرمز هنا الأرز الذي في جنة عدن وسقط، والذي كان أعظم من كل الأشجار إلى آدم الذي كان عظيمًا أكثر من جميع الخلائق، وسقط وطرد من الجنة. وقد كان آدم متسلطًا على كل الحيوانات والبناتات وتميز بعلمه الفائق، وكان راعيًا لكل الخلائق، ولكن عندما تكبر فقد كل سلطانه.
† أشكر الله كل يوم على عطاياه التي يريد بها أن يرفعك إلى السماء، وتتمتع بعشرته على الأرض، فتحمى نفسك بهذا من حروب إبليس المتكبر؛ لأنك فعلًا متميز، ولكن بنعمة الله، فيفرح قلبك، وتفرح وجه الله، بل يزيد عطاياه لك لأنك متضع وتنسب المجد له.
(2) سقوط شجرة الأرز (ع10-18):
10- «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ ارْتَفَعَتْ قَامَتُكَ، وَقَدْ جَعَلَ فَرْعَهُ بَيْنَ الْغُيُومِ، وَارْتَفَعَ قَلْبُهُ بِعُلُوِّهِ، 11- أَسْلَمْتُهُ إِلَى يَدِ قَوِيِّ الأُمَمِ، فَيَفْعَلُ بِهِ فِعْلًا. لِشَرِّهِ طَرَدْتُهُ. 12- وَيَسْتَأْصِلُهُ الْغُرَبَاءُ عُتَاةُ الأُمَمِ، وَيَتْرُكُونَهُ، فَتَتَسَاقَطُ قُضْبَانُهُ عَلَى الْجِبَالِ وَفِي جَمِيعِ الأَوْدِيَةِ، وَتَنْكَسِرُ قُضْبَانُهُ عِنْدَ كُلِّ أَنْهَارِ الأَرْضِ، وَيَنْزِلُ عَنْ ظِلِّهِ كُلُّ شُعُوبِ الأَرْضِ، وَيَتْرُكُونَهُ. 13- عَلَى هَشِيمِهِ تَسْتَقِرُّ جَمِيعُ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَجَمِيعُ حَيَوَانِ الْبَرِّ تَكُونُ عَلَى قُضْبَانِهِ. 14- لِكَيْلاَ تَرْتَفِعَ شَجَرَةٌ مَّا وَهِيَ عَلَى الْمِيَاهِ لِقَامَتِهَا، وَلاَ تَجْعَلُ فَرْعَهَا بَيْنَ الْغُيُومِ، وَلاَ تَقُومُ بَلُّوطَاتُهَا فِي ارْتِفَاعِهَا كُلُّ شَارِبَةٍ مَاءً، لأَنَّهَا قَدْ أُسْلِمَتْ جَمِيعًا إِلَى الْمَوْتِ، إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى، فِي وَسْطِ بَنِي آدَمَ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. 15- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي يَوْمِ نُزُولِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ أَقَمْتُ نَوْحًا. كَسَوْتُ عَلَيْهِ الْغَمْرَ، وَمَنَعْتُ أَنْهَارَهُ، وَفَنِيَتِ الْمِيَاهُ الْكَثِيرَةُ، وَأَحْزَنْتُ لُبْنَانَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ ذَبُلَتْ عَلَيْهِ. 16- مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِ أَرْجَفْتُ الأُمَمَ عِنْدَ إِنْزَالِي إِيَّاهُ إِلَى الْهَاوِيَةِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، فَتَتَعَزَّى فِي الأَرْضِ السُّفْلَى كُلُّ أَشْجَارِ عَدْنٍ، مُخْتَارُ لُبْنَانَ وَخِيَارُهُ كُلُّ شَارِبَةٍ مَاءً. 17- هُمْ أَيْضًا نَزَلُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ مَعَهُ، إِلَى الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ، وَزَرْعُهُ السَّاكِنُونَ تَحْتَ ظِلِّهِ فِي وَسْطِ الأُمَمِ. 18- مَنْ أَشْبَهْتَ فِي الْمَجْدِ وَالْعَظَمَةِ هكَذَا بَيْنَ أَشْجَارِ عَدْنٍ؟ سَتُحْدَرُ مَعَ أَشْجَارِ عَدْنٍ إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى، وَتَضْطَجعُ بَيْنَ الْغُلْفِ مَعَ الْمَقْتُولِينَ بِالسَّيْفِ. هذَا فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع10: يعلن الله سبب عقاب شجرة الأرز، أي فرعون وتحطيمه، وهو الكبرياء إذ بسبب إمكانياته تكبر قلبه ونسبها لنفسه، فسقط.
ع11: قوى الأمم : نبوخذنصر ملك بابل.
يتم عقاب الله لفرعون ومصر عن طريق نبوخذنصر، أقوى رجل في العالم، فيحطم مصر، أما خفرع فرعون مصر فذهب لمعاونة ملك ليبيا ومات هناك بسبب شروره، أي كبريائه؛ لأنه عندما حاول الرجوع لمصر تصدى له شعبه، فمات طريدًا عن بلده في صحراء ليبيا.
ع12: عتاة: جبابرة.
يتم تحطيم مصر عن طريق الغرباء، أي البابليين، وهم أقوياء جدًا، فيحطمونه تمامًا، وتتساقط عظمته وتصير مصر محتقرة بين جميع الأمم. وفى تشبيهه فرعون بشجرة الأرز يعلن أن قضبانها، أي فروعها تتساقط في الأماكن الآتية:
على الجبال : التي ترمز إلى الكبرياء، فبسبب كبريائه يتحطم.
في الأدوية : التي ترمز إلى الإنحطاط، فبسبب شهواته وعبادته للأوثان يموت.
عند أنهار الأرض : التي ترمز إلى خيرات الله التي وهبها لفرعون، فنسبها لنفسه بكبرياء وصارت مثالًا للشهوات الأرضية فبسببها يعاقب.
وإذ يتحطم فرعون، أى شجرة الأرز تفقد فروعها، وبالتالي تظليلها لماحولها، أي رعايتها للآخرين، فيتركها الكل؛ لأن مصر صارت حقيرة.
ع13: هشيمة: الأغصان الجافة المحطمة.
إذ تحطمت شجرة الأرز تأتى الطيور الجارحة على بقايا هذه الشجرة المحطمة، أي هشيمها. والطيور ترمز للكبرياء؛ لأنها ترتفع إلى فوق، أما الحيوانات التي تحطم البقية الباقية من الشجرة فهي ترمز للشهوات، فبسبب الكبرياء والشهوات تحطم فرعون.
ع14: تجعل فرعها بين الغيوم: تتكبر.
بلطواتها : أي شجرات البلوط، وهي أشجار ضخمة، بعض أنواعها دائم الخضرة وافر الظل، فهي من الأشجار العظيمة.
شاربة ماء : أي شجرة تشرب الماء، أي تمتصه بجذورها لتحيا وتنمو.
الأرض السفلى : الهاوية.
الجب : حفرة عميقة متسعة، ويقصد بها هنا الهاوية أيضًا، أي الجحيم.
سقوط وتحطيم فرعون سيكون مثالًا أمام كل ملوك العالم؛ حتى لا يتكبر أحد معتمدًا على قوته وإمكانياته؛ لأنه إن كان الكبير وهو فرعون قد تحطم، فيخاف الباقون، ولعل هذا يدعوهم للرجوع إلى الله والاتضاع.
ويرمز للملوك بأشجار البلوط الضخمة فلا يرتفع البلوط، أي لا يرتفع الملوك والرؤساء، بل وكل من يشرب الماء ويحيا على الأرض، أي كل إنسان يحاول أن يتكبر، خاصة بعدما يرون تحطيم أقوى الممالك وهي مصر وملكها فرعون، أي تتضع جميع الشعوب والبشر.
وفرعون هنا يرمز إلى الشيطان الذي سقط بسبب الكبرياء. فعندما يتأمل البشر سقوط الشيطان يبتعدون عن الكبرياء التي أسقطتهم.
سقوط وتحطيم فرعون لا يكون فقط بالموت، بل بنزول روحه أيضًا إلى الجحيم، أي ليس فقط نهاية وجوده على الأرض، بل يحيا في العذاب الأبدي، لأجل كبريائه وشروره.
ع15: يظهر حنان الله وصلاحه في حزنه على سقوط ونهاية فرعون؛ لأنه نزل إلى العذاب الأبدي بالموت الذي يرمز إليه بالغمر، أي غرق في شروره حتى الموت. وحرم بموته من كل نعمة، التي تمثلها الأنهار، وهي ترمز لعمل الروح القدس. وحزن عليه لبنان، أي كل الأشجار الحية، وهي ترمز للمؤمنين الذين يحزنون على الأشرار الذين يموتون ويفقدون ملكوت السموات.
ع16: أرجفت : أقشعرت وخافت.
تتعزى : تفرح.
خياره : مختاريه، أي أفضل ما فيه.
شاربة ماء : المقصود كل إنسان شرير.
انزعجت كل الأمم وخافت عندما رأت مصر تتحطم بيد بابل. وعند سقوط فرعون إلى الهاوية فرح كل الأشرار، الذين يرمز إليهم بأشجار عدن ومختارى لبنان، أي العظماء في الشر الذين سقطوا. وهذا يبين مشاعر الأشرار في الجحيم، أنهم يفرحون بسقوط البشر وانضمامهم إليهم، تمامًا كما يشعر الشياطين الآن فيفرحون بسقوط الأشرار.
ع17: كل الأشرار المتكبرين سقطوا مع فرعون إلى الهاوية، وكل زرعه، أي نسله الأشرار الذين قتلهم البابليون بالسيف، وكل المتحالفين معه والمحتمين به هلكوا لاعتمادهم عليه وليس على الله.
ع18: أشجار عدن : يقصد بها آدم الذي سقط إلى الجحيم، ولكن المسيح أصعده من الجحيم بفدائه على الصليب. وقد يقصد كل نسل آدم المتكبرين الذين سقطوا إلى الجحيم.
وهكذا يستقر فرعون وكل الأشرار التابعين له في الجحيم بين الأشرار المقتولين بسيف بابل. وكان القتل بالسيف يعتبر عارًا عند المصريين، كذلك أيضًا غير المختونين يعتبرهم المصريون نجسين، أما في شريعة اليهود فيعتبروا غير مؤمنين، أي من جميع النواحى هم بعيدون عن الله وأشرار. والخلاصة، يستقر فرعون الشرير بين الأشرار في العذاب الأبدي.
وهكذا تعرض فرعون لحروب من الشيطان أسقطته إلى الهاوية، وهذه الحروب المذكورة هنا هي:
الكبرياء الظاهر في ارتفاعه إلى الغيوم (ع10).
الجفاف (ع12) أي فقدانه البركات؛ لأنه نسبها إلى نفسه فنزعها الله منه.
الشهوات التي تظهر في الحيوانات التي تأتى على هشيمه (ع13).
إعثار الآخرين بإنزال كثيرين في الشر إلى الهاوية مع فرعون (ع17).
† احترس من التمادي في الخطايا، مثل الكبرياء والشهوات؛ لأن الله عادل وسيعاقب كل متهاون ومتجاسر. والله لا يريد أن تسقط في العذاب، بل يحزن جدًا بسبب هذا الأمر، ويفرح على العكس بتوبتك ورجوعك إليه. فلا تتوانى في التوبة؛ لأنه رحيم ومستعد أن يغفر لك كل خطاياك.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثانى والثلاثون
تدمير مصر والأمم القوية
(1) هلاك فرعون (ع1- 10)
(2) هلاك المصريين (ع11-16)
(3) تدمير الأمم القوية ( ع17-32)
(1) هلاك فرعون (ع1- 10):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ صَارَ إِلَيَّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَقُلْ لَهُ: أَشْبَهْتَ شِبْلَ الأُمَمِ وَأَنْتَ نَظِيرُ تِمْسَاحٍ فِي الْبِحَارِ. انْدَفَقْتَ بِأَنْهَارِكَ، وَكَدَّرْتَ الْمَاءَ بِرِجْلَيْكَ، وَعَكَّرْتَ أَنْهَارَهُمْ. 3- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَبْسُطُ عَلَيْكَ شَبَكَتِي مَعَ جَمَاعَةِ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ، وَهُمْ يُصْعِدُونَكَ فِي مِجْزَفَتِي. 4- وَأَتْرُكُكَ عَلَى الأَرْضِ، وَأَطْرَحُكَ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ، وَأُقِرُّ عَلَيْكَ كُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، وَأُشْبعُ مِنْكَ وُحُوشَ الأَرْضِ كُلَّهَا. 5- وَأُلْقِي لَحْمَكَ عَلَى الْجِبَالِ، وَأَمْلأُ الأَوْدِيَةَ مِنْ جِيَفِكَ. 6- وَأُسْقِي أَرْضَ فَيَضَانِكَ مِنْ دَمِكَ إِلَى الْجِبَالِ، وَتَمْتَلِئُ مِنْكَ الآفَاقُ. 7- وَعِنْدَ إِطْفَائِي إِيَّاكَ أَحْجُبُ السَّمَاوَاتِ، وَأُظْلِمُ نُجُومَهَا، وَأُغْشِي الشَّمْسَ بِسَحَابٍ، وَالْقَمَرُ لاَ يُضِيءُ ضَوْءَهُ. 8- وَأُظْلِمُ فَوْقَكَ كُلَّ أَنْوَارِ السَّمَاءِ الْمُنِيرَةِ، وَأَجْعَلُ الظُّلْمَةَ عَلَى أَرْضِكَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 9- وَأَغُمُّ قُلُوبَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ عِنْدَ إِتْيَانِي بِكَسْرِكَ بَيْنَ الأُمَمِ فِي أَرَاضٍ لَمْ تَعْرِفْهَا.10- وَأُحَيِّرُ مِنْكَ شُعُوبًا كَثِيرِينَ، مُلُوكُهُمْ يَقْشَعِرُّونَ عَلَيْكَ اقْشِعْرَارًا عِنْدَمَا أَخْطِرُ بِسَيْفِي قُدَّامَ وُجُوهِهِمْ، فَيَرْجِفُونَ كُلَّ لَحْظَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْسِهِ فِي يَوْمِ سُقُوطِكَ.
ع1: ميعاد هذه النبوة كان بعد تدمير أورشليم بحوالي ثمانية أشهر (إر39: 2)، وبعد النبوة المذكورة في الأصحاح السابق بأكثر من سنة ونصف. ونلاحظ تكرار النبوات على مصر في أربع أصحاحات؛ لأن مصر تمثل الكبرياء والعناد، فليس المقصود مصر في حد ذاتها، ولكن خطية الكبرياء التي أسقطت الإنسان الأول، ومازالت تحارب كل البشر، ومسيحنا يطالبنا بوضوح أن نتعلم منه الاتضاع (مت11: 29).
ع2: اندفقت: اندفعت بشدة، وهو يتكلم عن مياه النيل.
كدرت : عكرت، أي جعلت المياه غير نقية لاختلاطها بالطين وأصبحت بالتالى غير صالحة للشرب.
في حزن يطلب الله من حزقيال أن يرفع مرثاة على فرعون مصر، وهذا يبين أبوة الله الذي يريد أن الجميع يخلصون ولا يسر بموت الخاطئ (1 تى2: 4). ويستهزئ الله بفرعون؛ لأنه ظن أنه شبل، أو أسد سيحمى الأمم المحيطة به، المتحالفة معه، ولكن في الحقيقة هو تمساح محبوس في مياه النيل، التي يشير إليها ببحاره، فهو عاجز عن إنقاذ غيره؛ لأنه ضعيف ومسجون داخل بلاده، فهو ليس أسدًا يحمى غيره، بل تمساحًا يأكل الأسماك، أي يفترس غيره لأنه أنانى. بل وأكثر من هذا أنه سبب مصائب لمصر، فهو يعكر مياهها، بمعنى أنه بدخوله في حروب وهزيمته فيها أهلك كثير من المصريين، وسبب مصائب للشعب، أي أن غرور فرعون هو وهم يحيا فيه لكبريائه، والحقيقية أنه لا يريد أن يعترف بضعفه، فيرجع إلى الله ويؤمن به، فيرحمه ويسنده.
واندفاع أنهاره، أي اندفاع فرعون في حروب غير مدروسة؛ لأنه متكبر، جعله يدخل في سلسلة هزائم، وبدلًا من أن تكون المياه مصدر بركة له ولمن حوله صارت سببًا لخسائر كثيرة؛ كل هذا بسبب الكبرياء.
ويعلن الله لفرعون أنه لم يعكر فقط أنهار مصر، أي لم يسبب مصائب لشعبه فقط، بل أيضًا عكر أنهارهم، أي أنهار الأمم المحيطة به، أو المتحالفة معه، فهو سبب متاعب للأمم الأخرى، فبدلًا من أن يتكلوا عليه، أبغضوه نتيجة ما سببه لهم من متاعب.
وفرعون هنا يرمز للشيطان في نهاية الأيام، الذي سيتحرك أثناء فترة الضيقة العظيمة ليزعج المؤمنين، ويحاول أن يساند الأشرار، ولكنه لن يفيد تابعيه، بل يقودهم للهلاك الأبدي؛ لأن سفر الرؤيا يذكر مصر مع سدوم رمزًا للكبرياء، وبالتالي استحقاقًا الهلاك (رؤ11: 8) فهو يتكلم عن الكبرياء الذي في فرعون والمصريين، والذي بسببه سيهلكون.
ع3: مجزفتى: شبكتى.
يقرر الله أنه سيأمر بإلقاء شبكته على فرعون، فالله هو المدبر والذي سمح بهجوم بابل على مصر، أي أن بابل أداة بيد الله شبهها بالشبكة. وأن هذه الشبكة، أي بابل ستهاجم، ليس فقط مصر، بل أممًا كثيرة. ولم يعد الولاء لمصر وفرعونها، فتقوم ضده الأمم المحيطة، ويساعدون بابل في إلقاء شبكتها على مصر، أي يصعدون فرعون في مجزفة، أو شبكة بابل.
فهكذا بدأت سلسلة تأديبات الله لفرعون ببسط شبكته عليه، وفى الأعداد التالية يذكر باقى التأديبات.
ع4: أقر عليك: اجعلها تستقر عليك.
التأديب الثاني من الله لفرعون، هو أن يسمح له كتمساح أن يُترك على الأرض، أي يتركه على الأرض، وليس في الماء، ويظل مطروحًا على وجه الحقل، فيموت، لأن التمساح لا يستطيع أن يعيش كل حياته خارج المياه. وقد حدث هذا فعلًا عندما سمح الله بجفاف النيل حينما لم يأت الفيضان، وهذا بالطبع سبب مجاعة لمصر أدت لخسائر كثيرة.
أما التأديب الثالث فهو أن تهجم عليه طيور السماء لتأكل جثته، بل وتستقر عليه، أي تستمر في إهلاكه ونهبه. والطيور ترمز للأمم القوية مثل بابل، أما وحوش الأرض فترمز للبلاد المختلفة التي انتهزت ضعف مصر لتنهب منها ما تستطيع.
وهكذا يهلك فرعون التمساح الكبير، وكل الأسماك المتعلقة بحراشيفه، أي الأمم المتحالفة معه، وذلك لأنهم لم يتكلوا على الله، واتكلوا على البشر.
ع5: جيفك: جثتك المتعفنة ذات الرائحة الكريهة.
أما التأديب الرابع فهو قتل الكثير من المصريين، وطرح جثثهم على الجبال وفى الأودية أيضًا، فتنبعث منهم رائحة نتنة تضايق الناس. فبعد أن كان فرعون مصدر مساندة للأمم بقوته هو وجنوده، أصبح مصدرًا لضيق الناس منه واحتقاره، وهذه هي نهاية المتكبر.
ع6: يستكمل شرح هلاك المصريين وانتشار دمائهم على الأرض، فتسقيها بدلًا من مياه النيل، والدم يرمز لانتهاء حياة الإنسان، أي هلاكه، فينشرون الموت في كل مكان بدلًا من الماء الذي هو الحياة، وذلك أيضًا بسبب الكبرياء. وانتشار الموت يكون في الوديان، وأيضًا في الجبال والآفاق، أي الأماكن المرتفعة، التي ترمز إلى الأمم الضعيفة والقوية، فالكل يتضايق من فرعون والمصريين.
يقول "فيضان دمك" إشارة إلى العقاب الشديد بهلاك الكثيرين، فكما أن فيضان الماء ينشر الخير بقوة، هكذا أيضًا عقاب الله للمتكبرين يكون بشدة.
† الكبرياء يخدعك، فتظن أنك أقوى من غيرك والكل يحترمونك، مع أن الحقيقة أن الكبرياء تكسب بها كراهية الناس، أما بالاتضاع فتكسب محبتهم. لا تنخدع بقوتك وإمكانياتك، وأنسب المجد لله، واتضع تحت أقدام الكل، فتحيا مطمئنًا، فيحبك ويمجدك الناس.
ع7، 8: يعلن الله أنه عند إهلاكه فرعون، أي إطفاء بهائه ومجده، تظلم السماء بكل نجومها، وكذا الشمس والقمر، فيتحول فرعون من مصدر بريق وإبهار للعالم إلى مصدر ظلمة وضيق.
والكبرياء تفقد الإنسان كل نور إلهي في داخله، فتغطى على الأفكار السامية، أي السموات التي فيه، وكل قوة وإمكانية وهبها له الله لا تعمل فيه، والشمس، أي شمس البر وهو المسيح لا يكون له مكان في داخله، والقمر، أي الكنيسة التي تأخذ نورها من الشمس، أي المسيح، لا تعمل في داخله، وفى النهاية يصبح مصدر عثرة وظلمة لكل من حوله لأنه رفض الله بكبريائه.
ونلاحظ أن ظلمة الشمس والقمر والنجوم يتكلم عنها الله في نهاية الأيام كدليل على انتشار شر الإنسان، ففقد نور الله، وتعرض للعقاب الأبدي، أي تظل الكبرياء تحارب الإنسان، وإذا سيطرت عليه تهلكه في النهاية.
ع9، 10: أغم: اجعله في غمه، أي في حزن شديد.
أخطر بسيفى: ألوح بسيفى.
عندما ترى الأمم هلاك فرعون وجيشه يحزنون جدًا ويخافون لسقوط عظيمهم، خاصة عندما يموت ميتة حقيرة في بلاد غريبة. وقد حدث هذا فعلًا بموت خفرع فرعون مصر، عندما ذهب إلى ليبيا، وفشل في إعادة ملكها إلى عرشه، وطارده الليبيون، ورفض المصريون رجوعه فمات في البرية، هو وجنوده، في بلاد غريبة وليس في أرضه مصر. ويكون ملوك الأرض في خوف عندما يرون سيف بابل يهاجم مصر، بل في رعبهم يقشعرون، إذ يتوقعون هلاكهم في أي لحظة.
يرمز السيف هنا أيضًا إلى الضربات في نهاية الأيام كعقاب إلهى؛ لتدعو الناس إلى التوبة. والله يريد من هذه العقوبات أن يؤمن البشر به، ويتركوا أوثانهم الضعيفة، ويتوبوا عن خطاياهم.
(2) هلاك المصريين (ع11-16)
11- « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: سَيْفُ مَلِكِ بَابِلَ يَأْتِي عَلَيْكَ. 12- بِسُيُوفِ الْجَبَابِرَةِ أُسْقِطُ جُمْهُورَكَ. كُلُّهُمْ عُتَاةُ الأُمَمِ، فَيَسْلُبُونَ كِبْرِيَاءَ مِصْرَ، وَيَهْلِكُ كُلُّ جُمْهُورِهَا. 13- وَأُبِيدُ جَمِيعَ بَهَائِمِهَا عَنِ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، فَلاَ تُكَدِّرُهَا مِنْ بَعْدُ رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تُعَكِّرُهَا أَظْلاَفُ بَهِيمَةٍ. 14- حِينَئِذٍ أُنْضِبُ مِيَاهَهُمْ وَأُجْرِي أَنْهَارَهُمْ كَالزَّيْتِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 15- حِينَ أَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خَرَابًا، وَتَخْلُو الأَرْضُ مِنْ مِلْئِهَا. عِنْدَ ضَرْبِي جَمِيعَ سُكَّانِهَا يَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 16- هذِهِ مَرْثَاةٌ يَرْثُونَ بِهَا. بَنَاتُ الأُمَمِ تَرْثُو بِهَا. عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ جُمْهُورِهَا تَرْثُو بِهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع11: يعلن الله بوضوح أن هلاك فرعون والمصريين يكون بيد بابل، التي تهزم العالم وتسيطر عليه.
ع12: عتاة : أقوياء جدًا.
يصف جنود بابل بأنهم جبابرة، فيهلكون المصريين، وبهذا تذل مصر وتفقد كبرياءها وكرامتها، ولعل هذا يقودها إلى الاتضاع والإيمان بالله.
ع13: أظلاف : أقدام، أو حوافر الحيوانات.
يمتد الإهلاك البابلي ليس للمصريين فقط، بل أيضًا لممتلكاتهم من الماشية، فلا يوجد حيوان يشرب من ماء النيل، أو يعكر الماء عندما يدخل إليه بحوافره، أي أن الهلاك سيكون شاملًا. وهلاك الإنسان والحيوان يرمز إلى هلاك النفس والجسد في الإنسان، فالكبرياء تسلب الإنسان عقله وتسئ إلى جسده، أي تخرب كل ما فيه، فتفسد أفكاره، وتسقطه في خطايا كثيرة مثل الزنى.
ع14: أنضب : أنشف، أو أجفف.
من الضربات التي يضرب بها الله مصر ألا يسمح بالفيضان، فتجف الأنهار في مصر، ويجرى الماء فيها بصعوبة كما يجرى الزيت، أي تكون المياه قليلة وضعيفة، وليست في اندفاع مياه الفيضان التي تجعل الخير يعم على مصر، وهذا يرمز إلى ضعف عمل نعمة الله للإنسان؛ لأجل كبريائه.
ع15: عندما يضرب الله مصر بيد بابل يموت الكثيرون، وتصير أرض مصر مهجورة. وحينئذ يعرف الباقون، الأحياء من المصريين صدق كلام الله على فم حزقيال، لعلهم يرجعون إليه ويؤمنون.
† عندما تمر بك ضيقات وخسائر لا تنزعج، لأنها رسالة من الله؛ لتعتمد عليه، ولا تتكل على الماديات. وثق أن الله لا يرفض المتضعين الملتجئين إليه، بل على العكس يسندهم ويرفعهم، مهما كان ضعفهم.
ع16: الله ينظر في أبوته بحزن على هلاك مصر، فيجعل الأمم حزينة على مصر، حتى ترجع قلوبهم إلى الله.
(3) تدمير الأمم القوية ( ع17-32):
17- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ، فِي الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلًا:18- «يَا ابْنَ آدَمَ، وَلْوِلْ عَلَى جُمْهُورِ مِصْرَ، وَأَحْدِرْهُ هُوَ وَبَنَاتِ الأُمَمِ الْعَظِيمَةِ إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ.19- مِمَّنْ نَعِمْتَ أَكْثَرَ؟ انْزِلْ وَاضْطَجعْ مَعَ الْغُلْفِ. 20- يَسْقُطُونَ فِي وَسْطِ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. قَدْ أُسْلِمَ السَّيْفُ. اُمْسُكُوُهَا مَعَ كُلِّ جُمْهُورِهَا.21- يُكَلِّمُهُ أَقْوِيَاءُ الْجَبَابِرَةِ مِنْ وَسْطِ الْهَاوِيَةِ مَعَ أَعْوَانِهِ. قَدْ نَزَلُوا، اضْطَجَعُوا غُلْفًا قَتْلَى بِالسَّيْفِ.22- هُنَاكَ أَشُّورُ وَكُلُّ جَمَاعَتِهَا. قُبُورُهُ مِنْ حَوْلِهِ. كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ.23- اَلَّذِينَ جُعِلَتْ قُبُورُهُمْ فِي أَسَافِلِ الْجُبِّ، وَجَمَاعَتُهَا حَوْلَ قَبْرِهَا، كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ جَعَلُوا رُعْبًا فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 24- هُنَاكَ عِيلاَمُ وَكُلُّ جُمْهُورِهَا حَوْلَ قَبْرِهَا، كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ هَبَطُوا غُلْفًا إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى، الَّذِينَ جَعَلُوا رُعْبَهُمْ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. فَحَمَلُوا خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. 25- قَدْ جَعَلُوا لَهَا مَضْجَعًا بَيْنَ الْقَتْلَى، مَعَ كُلِّ جُمْهُورِهَا. حَوْلَهُ قُبُورُهُمْ كُلُّهُمْ غُلْفٌ قَتْلَى بِالسَّيْفِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ جُعِلَ رُعْبُهُمْ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. قَدْ حَمَلُوا خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. قَدْ جُعِلَ فِي وَسْطِ الْقَتْلَى.26- هُنَاكَ مَاشِكُ وَتُوبَالُ وَكُلُّ جُمْهُورِهَا، حَوْلَهُ قُبُورُهَا. كُلُّهُمْ غُلْفٌ قَتْلَى بِالسَّيْفِ، مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا رُعْبَهُمْ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.27- وَلاَ يَضْطَجِعُونَ مَعَ الْجَبَابِرَةِ السَّاقِطِينَ مِنَ الْغُلْفِ النَّازِلِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ بِأَدَوَاتِ حَرْبِهِمْ، وَقَدْ وُضِعَتْ سُيُوفُهُمْ تَحْتَ رُؤُوسِهِمْ، فَتَكُونُ آثَامُهُمْ عَلَى عِظَامِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ رُعْبُ الْجَبَابِرَةِ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.28- أَمَّا أَنْتَ فَفِي وَسْطِ الْغُلْفِ تَنْكَسِرُ وَتَضْطَجعُ مَعَ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ.29- هُنَاكَ أَدُومُ وَمُلُوكُهَا وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا الَّذِينَ مَعَ جَبَرُوتِهِمْ قَدْ أُلْقُوا مَعَ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ، فَيَضْطَجِعُونَ مَعَ الْغُلْفِ وَمَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ.30- هُنَاكَ أُمَرَاءُ الشِّمَالِ كُلُّهُمْ وَجَمِيعُ الصَّيْدُونِيِّينَ الْهَابِطِينَ مَعَ الْقَتْلَى بِرُعْبِهِمْ، خَزُوا مِنْ جَبَرُوتِهِمْ وَاضْطَجَعُوا غُلْفًا مَعَ قَتْلَى السَّيْفِ، وَحَمَلُوا خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ إِلَى الْجُبِّ.31- يَرَاهُمْ فِرْعَوْنُ وَيَتَعَزَّى عَنْ كُلِّ جُمْهُورِهِ. قَتْلَى بِالسَّيْفِ فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.32- لأَنِّي جَعَلْتُ رُعْبَهُ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَيُضْجَعُ بَيْنَ الْغُلْفِ مَعَ قَتْلَى السَّيْفِ، فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع17: يحدد هنا ميعاد نبوة ثانية أعطاها الله لحزقيال، وهي بعد خمسة عشر يومًا من النبوة الأولى المذكورة في هذا الأصحاح، والتي تكلمت عن هلاك فرعون والمصريين. أما في هذه النبوة فيتكلم عن هلاك الأمم القوية في العالم آنذاك، فليس المقصود إهلاك مصر، بل كبريائها وكبرياء الأمم المتكبرة في العالم.
ع18: أحدره: أنزله إلى أسفل.
الجب : حفرة عميقة وترمز إلى الجحيم.
يطلب الله من حزقيال أن يبكى ويصرخ في حزن على هلاك المصريين وشعوب العالم المختلفة التي ستهلك بيد بابل. وعندما يموتون ينزلون إلى الأرض السفلى والجب، أي الجحيم مكان انتظار الأشرار.
ع19، 20: نعمت: تنعمت وترفهت.
الغلف : غير المختونين.
يستهزئ الله بفرعون ويسأله لماذا تكبرت وشعرت أنك متنعم وأعلى ممن حولك؟ فإنك ستهلك وتلقى جثتك على الأرض، وهذا الأمر يعتبر عارًا عند المصريين، أن لا تدفن جثة إنسان، وتسقط بالسيف، وتلقى على الأرض. ثم أن سقوط جثة فرعون ستكون بين الجنود الغلف، والأغلف محتقر أيضًا عند المصريين. والمقصود "بأسلم السيف" أي أن الله سمح لبابل أن تقتل المصريين بسيف تأديب الله. وعندما يقول "إمسكوها" يقصد مصر وكل جمهورها، أي شعبها. وبهذا ستقتل بابل جمهور المصريين، وليس فقط فرعون وبعض جنوده، أي أن الهلاك سيكون شاملًا للمصريين، وتقتل أعداد ضخمة منه.
ع21: الهاوية: الجحيم.
عندما يسقط فرعون إلى الجحيم سيلتقى بالرؤساء والقادة والعظماء من الأمم الذين هلكوا وسقطوا في الجحيم؛ لأجل شرورهم ورفضهم عبادة الله. فعندما يرونه نازلًا إلى الجحيم يصرخون استهزاءً به؛ لأنه رغم كبريائه قد سقط بينهم، وإن كان قد احتقر الغلف، فقد صار محتقرًا مثلهم، وسقط بينهم، هو وأعوانه من الأمم.
ع22، 23: أشور: الإمبراطورية التي عاصمتها نينوى على نهر دجلة في شمال العراق، والتي سيطرت على العالم.
سيلتقى فرعون عند سقوطه إلى الجحيم بالجبابرة من الأشوريين الذين سيطروا على العالم بعد مصر، وها هم الآن يقتلون بيد بابل، وينزلون بسبب شرورهم إلى الجحيم، هناك تكون قبورهم، أي مستقرهم، فيعذبون إلى الأبد.
ع24، 25: عيلام: مملكة عظيمة تقع شرق بابل، أي العراق، وكانت عاصمتها تسمى شوشن، وكان لها قوة كبيرة منذ 2000 عامًا قبل الميلاد.
عند نزول فرعون الهابط إلى الجحيم استقبله أيضًا أقوياء عيلام، الذين قتلتهم بابل، فسقطوا لأجل شرورهم إلى العذاب الأبدي وكانواغلفًا. فسقط بينهم فرعون في مهانة. وهكذا فإن الذين ازعجوا سكان الأرض بقوتهم أصبحوا مستقرين في الجحيم بخزى شديد.
ع26: ماشك وتوبال: أمتان قويتان من نسل يافث، سكنتا شرق تركيا، وكان رجالها رجال حرب معروفين في العالم، وهم أصل الدولة الروسية الحديثة.
من الجبابرة الذين في الجحيم الذين يستقبلون فرعون الساقط هو وجنوده إليهم رجال ماشك وتوبال. وهؤلاء كانوا أقوياء لدرجة أنهم أرعبوا سكان الأرض، ولكنهم سقطوا بيد بابل، ونزلوا إلى لاعذاب الأبدي.
ونلاحظ أن كل هؤلاء الذين سقطوا كانوا مرعبين، ولكن نهايتهم كانت في العذاب. فليس معنى القوة في العالم والسلطان أن الإنسان مقبول من الله، بل قد تكون سيطرته وإزعاجه لغيره سببًا في عذابه الأبدي.
† لا تستخدم قوتك لإزعاج غيرك، فالله يراقب كل أعمالك، وسيجازيك عليها. فكن شفوقًا على الآخرين، واستخدم قوتك التي وهبها الله لك لمساعدة من حولك، فتجد راحة في السماء.
ع27، 28: عندما ينزل فرعون وجنوده إلى الجحيم لا يكونوا مع الجبابرة في الحرب من ماشك وتوبال، الذين كانوا يدفنون ويضعون سيوفهم وأسلحتهم تحت رؤوسهم دليلًا على قوتهم، بل يضطجع فرعون في مكان أحقر في الجحيم. وهؤلاء الجبابرة من الغلف، أي ليسوا من اليهود المؤمنين، مع أنهم كانوا مرعبين على الأرض، لكن أمام الله مرفوضون، فتأتى شرورهم على رؤوسهم وينزلون إلى الجحيم. وفرعون يكون مع المقتولين بالسيف، أي الأكثر حقارة في الجحيم، والمقصود أنه يُذل ليس فقط على الأرض، بل أيضًا إلى الأبد، لأجل كثرة شروره وكبريائه.
ع29: أدوم: نسل عيسو وسكنوا في سلسلة جبال سعير الممتدة جنوب بلاد اليهود من جنوب البحر الميت إلى صحراء سيناء، وتميزوا بالكبرياء والقوة العسكرية؛ لسكناهم على الجبال التي كانت حصنًا لهم.
سيقابل فرعون أيضًا في الجحيم ملوك ورؤساء أدوم المتكبرين الأقوياء، ولكنهم أشرار وغلف، فيضطجعون في الجحيم.
ع30: أمراء الشمال: الذين سكنوا شرق البحر الأبيض في منطقة فينيقيا، أي لبنان الحالية.
الصيدونيين: سكان صيدون، وهي مدينة ساحلية على البحر الأبيض في لبنان الحالية، وتميزت بالتجارة وصيد السمك، فهي من البلاد الغنية ولها قوة حربية.
سيقابل فرعون أيضًا في الجحيم رؤساء وملوك الشمال وصيدون، وقد سقطوا في الجحيم بين قتلى السيف في خزى لكثرة شرورهم. وقد شعروا أن جبروتهم على الأرض بلا قيمة، إذ يقابلهم خزى شديد في الأبدية، حيث العذاب الذي لا ينتهى.
يلاحظ أن فرعون لم يقابل في الجحيم سكان أورشليم، أي المؤمنين، بل قابل فقط الوثنيين الذين رفضوا الله بعبادتهم للأوثان وانغماسهم في سائر الشهوات.
ع31، 32: عندما يرى فرعون كل هؤلاء الشعوب الجبابرة والرؤساء والملوك في خزى ساقطين في الجحيم يتعزى، إذ ليس هو وحده في الخزى، ولكنها تعزية بلا قيمة، لأنه يظل في العذاب إلى الأبد.
كل هذه النبوة أعلنها حزقيال لتصل إلى فرعون؛ ليعرف نهايته ونهاية كل رؤساء العالم الأشرار، لعله يتوب ويؤمن بالله، ويرجع عن شروره.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثالث والثلاثون

الشر والرياء سبب الخراب
يبدأ من هذا الأصحاح حتى أصحاح 39 نبوات مختلفة، هدفها إعداد الشعب للرجوع من السبي، فيبدأ في هذا الإصحاح إظهار خطورة الشرور التي أدت إلى خراب أورشليم، وبالتالي يدعو الشعب إلى التوبة وتحمل مسئولياتهم أمام الله؛ لينالوا بركات، لأن الله حنون ويريد عودة شعبه، بل كل إنسان إليه.
ونلاحظ في الأصحاحات (حز 25-32) في نبوات حزقيال عن الأمم، أنه تنبأ عن بلاد كثيرة، ولكنه لم يتنبأ عن بابل مع أنها أشهر دولة وقتذاك، وكانت ستخرب بعد سنوات على يد مادي وفارس بسبب شرورها وذلك لما يلي:
حتى يحتمل شعب الله التأديب بيد بابل، فيساعدهم ذلك على التوبة.
حتى لا يقاوم شعب الله بابل الذي كان قد سُبى إليها، فتحدث صدامات بينهم وبين الدولة الحاكمة.
لأنه سيظهر دور دانيال في قيادة وتوجيه الدولة البابلية، فلا يتعطل هذا الدور إذا علم الشعب أنها ستخرب، فدانيال أعلن قوة الله التي فوق جميع الآلهة البابلية، وهذا ساعد في خلاص وإيمان بعض البابليين.
(1) مسئولية حزقيال كرقيب (ع1-9)
(2) رجاء للتائبين وعقاب للمتهاونين (ع10-20)
(3) خراب أورشليم بسبب شرورها (ع21-29)
(4) رفض تحذير النبي (ع30-33)
(1) مسئولية حزقيال كرقيب (ع1-9):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:2- «يَا ابْنَ آدَمْ، كَلِّمْ بَنِي شَعْبِكَ وقُلْ لَهُمْ: إِذَا جَلَبْتُ السَّيْفَ عَلَى أَرْضٍ، فَإِنْ أَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ رَجُلًا مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلُوهُ رَقِيبًا لَهُمْ،3- فَإِذَا رَأَى السَّيْفَ مُقْبِلًا عَلَى الأَرْضِ نَفَخَ فِي الْبُوقِ وَحَذَّرَ الشَّعْبَ،4- وَسَمِعَ السَّامِعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَهُ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ.5- سَمِعَ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ. لَوْ تَحَذَّرَ لَخَلَّصَ نَفْسَهُ.6- فَإِنْ رَأَى الرَّقِيبُ السَّيْفَ مُقْبِلًا وَلَمْ يَنْفُخْ فِي الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرِ الشَّعْبُ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَ نَفْسًا مِنْهُمْ، فَهُوَ قَدْ أُخِذَ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِ الرَّقِيبِ أَطْلُبُهُ. 7- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَسْمَعُ الْكَلاَمَ مِنْ فَمِي، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي.8- إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: يَا شِرِّيرُ مَوْتًا تَمُوتُ. فَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لِتُحَذِّرَ الشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ.9- وَإِنْ حَذَّرْتَ الشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ لِيَرْجعَ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ طَرِيقِهِ، فَهُوَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَلَّصْتَ نَفْسَكَ.
ع1-5: كلم الله حزقيا لينذر شعبه، ويلاحظ أن الله لم يقل شعبى بل قال للنبى شعبك؛ لأن الشعب كان بعيدًا عن الله بسبب كثرة خطاياه التي سببت له السبي. ولكن عندما يخضع الشعب لله يقول عنهم شعبى (حز 37: 27).
اختار الله مثالًا معروفًا للشعب وهو الرقيب الذي يقف على أسوار المدينة في حالة الخطر؛ ليراقب تحركات الأعداء، فالله يبين أن الشعب في خطر بسبب كثرة الخطايا.
هذا الرقيب مسئوليته أن يضرب بالبوق عندما يرى هجوم الأعداء، فإذا تهاون إنسان من الشعب الذي داخل الأسوار ولم يحترس وهجم عليه الأعداء وقتلوه، فدمه على رأسه؛ لأنه لم يطع إنذار الرقيب؛ لأنه لو كان قد تسلح بأسلحته، أو تحصن في المخابئ؛ لكان قد نجى نفسه من الموت، فهو مسئول عن موته بسب تهاونه.
هذا الرقيب يرمز للنبى حزقيال ولكل الكهنة والخدام في كل جيل، المسئولين عن إنذار شعبهم ليتوبوا ويرجعوا عن خطاياهم. ويرمز أيضًا للضمير الخاضع للروح القدس، فإذا أطاع الإنسان إنذارات ضميره نجى نفسه.
† إذا سمعت صوت الله في داخلك، أو من الكتاب المقدس، أو من أب اعترافك، أو بأية طريقة فلا تتهاون، أو تؤجل التوبة لئلا تفتر ويضعف صوت الله في داخلك، فيسهل على الشيطان أن يفترسك. إن الله يريد خلاصك، فأطعه بتدقيق؛ لتنجى نفسك.
ع6: هذا الرقيب الواقف على الأسوار إذا رأى العدو مقبلًا ولم ينفخ في البوق، فهو متهاون في مسئوليته. وعند هجوم الأعداء على المدينة إذا وجدوا شخصًا متهاونًا غير متسلح بأسلحته فقتلوه؛ فالذى مات دمه على رأسه؛ لأنه كان متهاونًا؛ فمات بخطيته، ولكن في نفس الوقت يحاسب الرقيب؛ لأنه لم يقم بواجبه، ولم يضرب بالبوق لينذر هذا المتهاون، لعله ينتبه؛ لذا يحاسب الرقيب ويدان من الله.
هذه الآية تبين قيمة كل نفس في نظر الله، فهي غالية جدًا؛ لأنها صورة له، وقد دفع ثمنًا غاليًا - وهو دمه على الصليب - لتؤمن وتخلص به.
ومن ناحية أخرى تظهر مسئولية الخدام عن كل نفس مهما بدت بعيدة ومعاندة، فيلزم أن يقدموا لها المسيح، ويحذرونها من خطورة الهلاك.
يلاحظ أن المعنى المذكور في الآيات السابقة تكرر ذكره في نفس السفر في (حز 3: 17-21؛ 18) وهذا يبين اهتمام الله بإظهار خطورة إهمال الإنسان مسئوليته عن نفسه وعن خدمته للآخرين. ولكن نلاحظ في (حز 3) أنه تكلم عن الرقيب كمنذر بالعقاب للمتهاونين، ولكن في هذا الأصحاح يظهره كمنذر بالعقاب، وأيضًا مبشر بالخلاص للتائبين، كما سيظهر في الآيات التالية (ع10-20). ولذا فينبغى أن يقوم الخادم بالدورين، دوره كمنذر بالعقاب للمتهاونين، ودوره كمبشر بالخلاص لكل من يتوب.
ع7-9: يعلن بوضوح أن مثل الرقيب يقصد به حزقيال نفسه. أنه هو الرقيب على شعبه، ويطالبه أن يحذر شعبه من الخطية ليتوبوا، فإن لم يحذرهم فشعبه سيهلك بخطاياه، ويدان هو هنا؛ لعدم قيامه بمسئوليته. ولكن إن حذر شعبه ولم يطيعوه، فسيهلكون بسبب تمردهم، أما حزقيال فينجو من الدينونة.
نلاحظ أن بولس الرسول في (أع20: 26) في كلامه مع كهنة أفسس يعلن براءته من دماء الأقسسيين؛ لأنه قام بمسئوليته وحذرهم من الخطية.
(2) رجاء للتائبين وعقاب للمتهاونين (ع10-20):
10- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَكَلِّمْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ: أَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ هكَذَا قَائِلِينَ: إِنَّ مَعَاصِيَنَا وَخَطَايَانَا عَلَيْنَا، وَبِهَا نَحْنُ فَانُونَ، فَكَيْفَ نَحْيَا؟ 11-قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 12- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَقُلْ لِبَنِي شَعْبِكَ: إِنَّ بِرَّ الْبَارِّ لاَ يُنَجِّيهِ فِي يَوْمِ مَعْصِيَتِهِ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَعْثُرُ بِشَرِّهِ فِي يَوْمِ رُجُوعِهِ عَنْ شَرِّهِ. وَلاَ يَسْتَطِيعُ الْبَارُّ أَنْ يَحْيَا بِبِرِّهِ فِي يَوْمِ خَطِيئَتِهِ.13- إِذَا قُلْتُ لِلْبَارِّ: حَيَاةً تَحْيَا. فَاتَّكَلَ هُوَ عَلَى بِرِّهِ وَأَثِمَ، فَبِرُّهُ كُلُّهُ لاَ يُذْكَرُ، بَلْ بِإِثْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ يَمُوتُ. 14- وَإِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ خَطِيَّتِهِ وَعَمِلَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، 15- إِنْ رَدَّ الشِّرِّيرُ الرَّهْنَ وَعَوَّضَ عَنِ الْمُغْتَصَبِ، وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِ الْحَيَاةِ بِلاَ عَمَلِ إِثْمٍ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ.16- كُلُّ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. عَمِلَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَيَحْيَا حَيَاةً. 17- وَأَبْنَاءُ شَعْبِكَ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. بَلْ هُمْ طَرِيقُهُمْ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ! 18- عِنْدَ رُجُوعِ الْبَارِّ عَنْ بِرِّهِ وَعِنْدَ عَمَلِهِ إِثْمًا فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِهِ.19- وَعِنْدَ رُجُوعِ الشِّرِّيرِ عَنْ شَرِّهِ وَعِنْدَ عَمَلِهِ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَإِنَّهُ يَحْيَا بِهِمَا.20- وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ طَرِيقَ الرَّبِّ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ. إِنِّي أَحْكُمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَطُرُقِهِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ».
ع10: فانون: أي أننا حتمًا سنفنى ونبيد ونهلك.
شعر شعب الله بخطاياهم، بسبب تحذيرات حزقيال والأنبياء لهم، ولكنهم في ندمهم لم يكن لهم رجاء، فشعروا أنهم سيموتون حتمًا بسبب خطاياهم.
ع11: يعلن الله نفسه لحزقيال وشعبه بأنه الحي إلى الأبد، ويقسم بحياته أنه لا يريد هلاك أولاده، بل يُسر بتوبتهم ورجوعهم إليه، ويدعوهم على لسان حزقيال للتوبة. فالله يعطى رجاء لكل الخطاة، مهما كانت خطاياهم، ولكن بشرط عدم إتخاذ الرجاء فرصة للتهاون، بل تكون توبة حقيقية وقطع الشر واستمرار في هذه التوبة.
ع12: يكرر الله هنا لحزقيال أن الشعب هو شعبه؛ لأنهم مازالوا منغمسين في الخطية ولم يتوبوا ويعلن لهم أن البار لا ينفعه بره الذي عاشه فترة طويلة، إن كان يرجع عنه وينغمس في الخطية ولا يريد التوبة، فهو سيهلك بخطاياه. ومن ناحية أخرى فالشرير إن تاب لا يهلك. والبار يسقط إما لأنه لم يواجه حروب قوية من إبليس، فعندما يختبر يسقط، أو لأنه تكبر بسبب بره، فسقط، وقد لا يكون بارًا بالحقيقة، بل في نفسه يظن أنه بار بسبب بعض الممارسات الدينية الجوفاء، بلا روح مع تهاونه في خطايا أخرى، وبالطبع فالله لا يرضى عنه، ثم يواجه حربًا من الشياطين، فيسقط سقوطًا عظيمًا.
ومثال لذلك، الفريسى المتكبر ببره (لو18: 11) ويحذرنا الكتاب المقدس بوضوح بقوله "إذًا من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو10: 12). ومن ناحية أخرى قد تكون ظروف الشرير قد ساعدته لفترة طويلة على التمرغ في الخطية، ولكنه تجاوب مع صوت الله وتاب؛ فيحيا إلى الأبد معه.
ع14-16: يفتح الله باب الرجاء لكل الخطاة إن تابوا عن خطاياهم، مثل رد الشئ المرهون عندهم للفقراء المحتاجين، أي أنهم أشفقوا عليهم، وكذلك عوضوا كل إنسان اغتصبوا منه شيئًا، أي ردوا له حقوقه.
وهؤلاء التائبون إن استمروا في الابتعاد عن الخطية وتمسكوا بوصايا الله، فإنهم يحيون إلى الأبد مع الله. وتمحى كل خطاياهم مهما كانت صعبة؛ لأنهم تابوا وسلكوا باستقامة أمام الله.
ع17: يتمادى الأشرار في شرهم فيتهمون الله، بأنه غير عادل وأحكامه خاطئة، مع أنهم هم المخطئون؛ إنها خطيئة التذمر، التي تزيد الخاطئ في خطيته بدلًا من أن يتوب.
ع18، 19: الإنسان يحاسب على نهاية حياته، فإن رجع البار عن بره وعاش في الخطية يهلك، وإن رجع الشرير عن شره بالتوبة وسلك بالبر فإنه يحيا. فيهوذا الاسخريوطى رغم أنه تلميذ المسيح لكن كانت نهايته الهلاك، ولم ينفعه مظهر البر الذي عاش فيه سنينًا، أما شاول الطرسوسى عندما تاب صار رسولًا عظيمًا هو بولس الرسول.
† إن التوبة هي الحضن المفتوح لك مهما كانت خطاياك لترجع إلى الله، وهو مستعد أن يمسح كل شرورك، بل يجملك بالبر، فتحيا معه إلى الأبد. أسرع إلى التوبة كل يوم، فهي طريق خلاصك.
ع20: يرد الله على اتهام الخطاة المتمردين المتذمرين عليه، بأن طرقهم غير مستوية، فيقرر أنه سيحاسب كل إنسان بحسب أعماله، فكل فرد مسئول عن تصرفاته. ولا يعاقب إنسان على شرور من حوله، ولا يكافأ إنسان بسبب بر المحيطين به.
ونلاحظ أن هذا الجزء (ع10-20) تكرارًا للتأكيد لما ذُكِرَ في (حز 18).
(3) خراب أورشليم بسبب شرورها (ع21-29):
21- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ مِنْ سَبْيِنَا، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ،فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَيَّ مُنْفَلِتٌ مِنْ أُورُشَلِيمَ، فَقَالَ: «قَدْ ضُرِبَتِ الْمَدِينَةُ».22- وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ مَسَاءً قَبْلَ مَجِيءِ الْمُنْفَلِتِ، وَفَتَحَتْ فَمِي حَتَّى جَاءَ إِلَيَّ صَبَاحًا، فَانْفَتَحَ فَمِي وَلَمْ أَكُنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. 23- فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:24- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ السَّاكِنِينَ فِي هذِهِ الْخِرَبِ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ يَتَكَلَّمُونَ قَائِلِينَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ وَاحِدًا وَقَدْ وَرِثَ الأَرْضَ، وَنَحْنُ كَثِيرُونَ، لَنَا أُعْطِيَتِ الأَرْضُ مِيرَاثًا.25- لِذلِكَ قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وَتَرْفَعُونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى أَصْنَامِكُمْ وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ، أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟26- وَقَفْتُمْ عَلَى سَيْفِكُمْ، فَعَلْتُمُ الرِّجْسَ، وَكُلٌّ مِنْكُمْ نَجَّسَ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ، أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟27- قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حَيٌّ أَنَا، إِنَّ الَّذِينَ فِي الْخِرَبِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَالَّذِي هُوَ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ أَبْذِلُهُ لِلْوَحْشِ مَأْكَلًا، وَالَّذِينَ فِي الْحُصُونِ وَفِي الْمَغَايِرِ يَمُوتُونَ بِالْوَبَإِ.28- فَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً، وَتَبْطُلُ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا، وَتَخْرَبُ جِبَالُ إِسْرَائِيلَ بِلاَ عَابِرٍ.29- فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً عَلَى كُلِّ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا.
ع21: منفلت: هارب
يحدد حزقيال موعد، هو الشهر الخامس من السنة الثانية عشر، وهو بعد ستة شهور من سقوط أورشليم. في هذا الوقت وصل إلى حزقيال الذي في السبي رجل هرب من أورشليم، بعد اقتحام بابل لها وتدميرها وقتل الكثيرين من أبنائها، وأخبره هذا المنفلت بسقوط أورشليم.
ونلاحظ هنا طول أناة الله، فقد بدأ حزقيال نبواته منذ سبع سنوات تقريبًا قبل هذا التاريخ وأنذر الشعب ليتوبوا، وأعلن أن العقاب قريب، ولكنهم تهاونوا، فسقطت أخيرًا أورشليم وخربت.
ع22: يخبرنا حزقيال أنه في الليلة السابقة لحضور هذا المنفلت حل عليه روح الله فأعلمه بسقوط أورشليم. ومن ذهوله فتح فمه ولم ينطق بكلمة تعجبًا وحزنًا، وظل هكذا حتى الصباح، حتى جاءه هذا الرجل المنفلت، وأخبره بسقوط أورشليم، وحينئذ بدأ حزقيال يتكلم بعد صمت طويل ذكر في (حز 24: 26، 27). وكما ذكرنا أن هذا الصمت إما كان كاملًا، لم يتكلم فيه حزقيال بأية نبوة، أو صمت عن الكلام بخصوص أورشليم، وتكلم بنبوات عن الأمم، ثم عاد يفتح فمه عن أورشليم التي سُبيت ولكن أبناءها سيعودون إليها، فيتكلم عن التوبة والاستعداد لشعب الله الجديد الذي يحيا معه.
ع23، 24: بعد أن سقطت أورشليم وأصبحت خربة، لم يخضع شعبها لله بالتوبة. ولكنهم بكبرياء قالوا إن كان إبراهيم قد أعطاه الله الوعد بكل أرض الميعاد، فبالأولى نحن الشعب الكثير لنأخذ أرض كنعان، أي ظنوا أنهم لكثرتهم لهم الحق في دوام امتلاك أرض كنعان. وهذا أمر خاطئ تمامًا، لأن الوعد كان لإبراهيم بسبب بره، والله لا تعنيه الكثرة، بل يعنيه البر، فمن أجل بار واحد تخلص المدينة، أما الكثيرون الأشرار فبلا قيمة.
ع25: يعلن الله لشعب أورشليم واليهودية أنه بسبب خطاياه، إذ أكل الذبائح بدمها، وعبد الأوثان، وظلم بعضهم البعض، وسفكوا دماء المظلومين، فبسبب هذا تم خراب أورشليم ولن يعودوا إليها، إلا إذا تابوا. فتحقيق وعود الله لشعبه بامتلاك الأرض مشروطة بسلوكهم في وصاياه.
ع26: وقفتم على سيفكم: اعتمدتم على قوتكم وظلم بعضكم البعض وقتلتم المظلومين بالسيف.
الرجس : النجاسة، أي الزنى والشرور المختلفة.
يضيف الله ويوضح لشعبه خطاياه، وهي اعتمادهم على الظلم، وقتل الآخرين، وعمل الشرور المختلفة، واغتصاب كل واحد لزوجة قريبة؛ كل هذا أدى إلى غضب الله وتدمير أورشليم.
ع27: يعلن الله عقابه لكل سكان أورشليم بعد أن خربتها بابل، ويظهر هذا العقاب في ثلاثة أمور:
قتل الموجودين في البيوت المخربة بأورشليم.
افتراس الوحوش للهاربين في الحقول حول المدينة، أي يهيج الله عليهم الوحوش بعد أن كان يحميهم منها.
الذين تحصنوا من بابل والوحوش باختبائهم في الحصون تقتلهم الأوبئة، أي تنتشر بينهم الأمراض وتميت الكثيرين.
كل هذا لأن الله تخلى عن شعبه لابتعادهم ورفضهم إياه.
ع28، 29: بهذا تصبح أورشليم واليهودية خرابًا وقفرًا، مهجورة من سكانها، وتنحط كرامتها. وأورشليم المبنية على خمسة جبال لا يعبر فيها إنسان، لكثرة الوحوش ولخرابها وعندما يحدث هذا يتأكد الباقون من اليهود والأمم أن كلام الله حق، الذي أعلنه على فم أنبيائه، مثل حزقيال، وأن الدمار الذي تم كان بسبب شرور اليهود.
† عندما تزداد الضيقات عليك وتحاصرك من كل جانب، إعلم أن الله ينتظر توبتك ورجوعك إليه. فأسرع إلى التوبة لتنال مراحمه، حينئذ تتمتع بوجهه الحنون، وتتبدل كل متاعبك إلى راحة وفرح.
(4) رفض تحذير النبي (ع30-33):
30- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّ بَنِي شَعْبِكَ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْكَ بِجَانِبِ الْجُدْرَانِ، وَفِي أَبْوَابِ الْبُيُوتِ، وَيَتَكَلَّمُ الْوَاحِدُ مَعَ الآخَرِ، الرَّجُلُ مَعَ أَخِيهِ قَائِلِينَ: هَلُمَّ اسْمَعُوا مَا هُوَ الْكَلاَمُ الْخَارِجُ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ!31- وَيَأْتُونَ إِلَيْكَ كَمَا يَأْتِي الشَّعْبُ، وَيَجْلِسُونَ أَمَامَكَ كَشَعْبِي، وَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ، لأَنَّهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُظْهِرُونَ أَشْوَاقًا وَقَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ كَسْبِهِمْ.32- وَهَا أَنْتَ لَهُمْ كَشِعْرِ أَشْوَاق لِجَمِيلِ الصَّوْتِ يُحْسِنُ الْعَزْفَ، فَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ.33- وَإِذَا جَاءَ هذَا، لأَنَّهُ يَأْتِي، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ فِي وَسْطِهِمْ».
ع30: بجانب الجدار وفى أبواب البيوت، يتكلمون سرًا وليس علنًا في الساحات، والمقصود هنا غالبًا أنهم تكلموا رديًا على حزقيال، ولكنهم قرروا أن يأتوا ليسمعوه. يكرر هنا الله لحزقيال كلمة شعبك، فمازال الله غاضبًا عليهم، بسبب عدم توبتهم. وأخبر حزقيال أنهم يدينونه سرًا فيما بينهم؛ لإصرارهم على خطاياهم ورفضهم دعوته للتوبة، ولكنهم قرروا أن يأتوا ليسمعوه وذلك لأحد الأسباب الآتية:
عندما رأى الشعب تحقق نبوة حزقيال بسقوط أورشليم، اجتذبهم حب استطلاعهم ليعرفوا الجديد عن المستقبل من فم حزقيال، مجرد معرفة بلا استعداد للتوبة.
لعلهم صدقوا كلام حزقيال، وعلموا أنهم مخطئون، ولكن اعتيادهم الخطية منعهم من التوبة، فهم يريدون أن يعرفوا كلام الله، ولكن غير مستعدين لتغيير حياتهم لتعلقهم بالخطية، مثل المكاسب المادية (ع31).
كان كلام حزقيال بالشعر والفصاحة الأدبية (ع32)، فأرادوا التلذذ بسماع هذا الكلام البليغ.
ع31: أخبر الله حزقيال أن الشعب سيأتى إليه لسماع نبواته وتعاليمه كأنهم شعب الله الخاضع لوصاياه، مع أنهم في الحقيقة كاذبون، إذ يظهرون غير ما يبطنون، فبأفواههم يبينون اشتياقهم لسماع كلام الله، أما قلوبهم فمتعلقة بخطاياهم وبمحبة المال. وفى الترجمة السبعينية لهذه الآية بدلًا "بأفواههم يظهرون أشواقًا" نجد الترجمة تقول "الأكاذيب في أفواههم" فهذا يؤكد أنهم كذابون ومراؤون.
ع32: يبين هنا الله لحزقيال المواهب التي وهبها له وهي الصوت الجميل، الذي يبدو كنغمات موسيقية جذابة، وكذلك قدرته البلاغية في الشعر والأدب. هذه وسائل وهبها الله لحزقيال؛ ليقدم بها كلام الله، فيجتذب الناس للاستماع والتوبة، ولكنهم اكتفوا بالاستماع.
ونرى هنا انطلاق حزقيال في الكلام بالشعر، بعد أن تحقق كلام الله بسقوط أورشليم، وشعر اليهود بصدق نبواته، فانطلق يدعوهم للتوبة، ويبشرهم بحياة جديدة مع الله.
ع33: عند تحقق كلام حزقيال الأخير هذا، وهو البشارة بحياة جديدة مع الله، هي في المعنى القريب الرجوع من السبي وبناء الهيكل وتقديم العبادة لله فيه، أما المعنى البعيد فهو إيمانهم بالمسيح في ملء الزمان، فيصيروا شعب الله الجديد إسرائيل، أي المسيحيين. عندما يتم هذا يتأكدون من صدق كلام الله على فم نبيه حزقيال، أي أن حزقيال نبى حقيقي يتكلم بكلام الله.
ونلاحظ هنا إيمان حزقيال عندما يقول "إذا جاء هذا؛ لأنه يأتى" فهو يثق أن كلام الله سيأتى حتمًا ويتم.
† لا تهمل كلام الله الذي تستمع إليه؛ لأنه رسالة شخصية لك لا تستخدمها كمجرد تعاليم للآخرين، أو معلومات لملء ذهنك، بل إخضع لها؛ لتحيا بها فتخلص.
ليتنا نطيع كلام الله الذي أعلنه في خمس خطوات للخلاص في هذا الأصحاح هي:
يكون ضميرك رقيبًا لك تخضع لصوته فتبتعد عن الخطية (ع2-6).
يكون لك رجاء مهما كانت خطاياك؛ لأن الله يحبك ويريد خلاصك (ع11).
الاستمرار في التوبة حتى نهاية الحياة (ع18، 19).
يكون الإيمان عملى، أي مصحوب بالأعمال الصالحة، فهي التعبير الحقيقي عن إيماننا ومحبتنا لله (ع24).
لا نكون مرائين فنسمع فقط، بل نحول ما نسمعه إلى تطبيق عملى (ع32).

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الرابع والثلاثون
عزل الرعاة الأشرار ووعد بالكنيسة
يتابع الله في الأصحاحات من (33-39) إعداده لشعبه الجديد، فبعد أن نادى لكل شعبه حتى يتوبوا، يركز في هذا الأصحاح على خطايا الرعاة؛ لعظم مسئولياتهم، فيواجههم بخطاياهم وينذرهم بعزلهم، ثم يقوم هو بنفسه برعاية شعبه، وذلك من خلال تجسده وإقامة كنيسته، وهذا رجاء لكل المُهْمَلين والمرذولين والمظلومين.
(1) خطايا الرعاة (ع1-6)
(2) حكم الله على الرعاة (ع7-10)
(3) رعاية الله لشعبه (ع11-31)
(1) خطايا الرعاة (ع1-6):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:2- «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى رُعَاةِ إِسْرَائِيلَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلرُّعَاةِ: وَيْلٌ لِرُعَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَرْعَوْنَ أَنْفُسَهُمْ. أَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ الْغَنَمَ؟ 3- تَأْكُلُونَ الشَّحْمَ، وَتَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ السَّمِينَ، وَلاَ تَرْعَوْنَ الْغَنَمَ. 4- الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ. 5- فَتَشَتَّتَتْ بِلاَ رَاعٍ وَصَارَتْ مَأْكَلًا لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ، وَتَشَتَّتَتْ. 6- ضَلَّتْ غَنَمِي فِي كُلِّ الْجِبَالِ، وَعَلَى كُلِّ تَلّ عَال، وَعَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ. تَشَتَّتَتْ غَنَمِي وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يَسْأَلُ أَوْ يُفَتِّشُ.
ع1، 2: يوبخ الله رعاة شعبه ويناديهم برعاة إسرائيل، أي يجمع رعاة مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، وهذا ما حدث بعد السبي، أي اتحاد المملكتين. فهو يوبخ سلوكهم قبل السبي وبعده. وذلك؛ لأنهم أهملوا رعاية شعبه، واهتموا في أنانية باحتياجاتهم الشخصية وهي ملذات العالم، من طعام وشراب وأموال وملابس ومقتنيات ومراكز، أي أنهم تركوا هدفهم، الذي تكرسوا له وهو خدمة الله، وانشغلوا بالعالم وشهواته. ونلاحظ أن الرعاة وهم الكهنة كان لهم سلطان دينى ومدنى في نفس الوقت، مما سمح لهم أن يستغلوا الشعب لمصالحهم الشخصية.
ع3: يوضح هنا خطايا الكهنة الرعاة في استغلالهم لمركزهم فيما يلي:
أكل شحم خرافهم، وهذا هو الجزء الدسم فيهم، أي أخذ أفضل ما عندهم من ماديات وهذا ظلم واضح.
لبس الصوف، أي نزع غطائهم عنهم، فيسلبون ملابسهم الفاخرة وزينتهم وكل مظاهر العظمة التي عندهم؛ ليتمتع بها الكهنة. وهكذا يتركون الشعب فقراء وعراة من كل مجد. وتعنى أيضًا أن الكهنة يأخذون كل كرامة ويتركون شعبهم في ذل، بل قد يفضحونهم ويمسكون عليهم أخطاء، مستخدمين سلطانهم الكهنوتى.
ذبح السمين، أي استغلال المتيسرين من شعبهم وأكل لحومهم، أي سلب حاجاتهم الضرورية، فهم يستغلون أغنياء شعبهم استغلالًا كاملًا.
عدم رعاية الغنم والمقصود الاهتمام باحتياجات الشعب الروحية، أي دعوتهم للتوبة وتشجيعهم وحثهم على التقوى، وإهمالهم أيضًا للفقراء والمحتاجين من الشعب.
ع4: تعصبوه: المعنى ربط الجرح بعصائب، أي قطع طويلة من القماش لإيقاف نزف الدم.
تجبروه : المقصود وضع جبيرة، أي قطعة خشبية لمساندة الكسر الذي حدث في الرجل حتى يحدث التحام العظم مع نفسه ويعود صحيحًا.
يواصل الله توبيخ الكهنة على خطاياهم، فيسرد بالتفصيل ما قاله في نهاية الآية السابقة، وهو عدم رعايتهم للغنم. وبمعنى آخر يبين عدم قيامهم بمسئولياتهم وهي:
المريض لم تقووه: وهذا يعنى عدم تشجيعهم لصغيرى النفوس، ومن يعانون من خطايا، أو شكوك. فالواجب على الكاهن أن يهتم بكل شعبه، فيعالج مرض كل واحد؛ ليعود صحيحًا بقوة الله.
المجروح لم تعصبوه: والمقصود الاهتمام بآلام الشعب ومواساتهم فيها ومساندتهم؛ حتى يجتازوا التجارب التي يعانون منها.
المكسور لم تجبروه: والمقصود رفع معنويات من سقط في اليأس، أو تحطم من التجارب العنيفة، فيعطونه رجاءً في الحياة واستعادة قوته بالله.
المطرود لم تستردوه: ومعنى هذا أن كل مرذول من الناس لم يهتم به الكهنة ليعطونه رعاية حتى لا يشعر بغربته بعد رفض الناس له نتيجة ضعفه، أي يشعره الكهنة في محبتهم بأهميته؛ ليعيش مع الله.
الضال لم يطلبوه: والمقصود كل من ابتعد عن الله وسقط في شهوات وخطايا كثيرة لم يهتم به الكهنة لتنبيهه؛ حتى يعود بالتوبة إلى الله.
بشدة وعنف تسلطتم عليهم: وهذا يعنى استغلال الكهنة لسلطانهم في التسلط والسيطرة على الشعب بقسوة لأجل مصالحهم، مما سحق الشعب وأذله، وبالتالي أعثروا في الله وكهنته، فابتعدوا عن الله وعن عبادته، وسقطوا في عبادة الأوثان.
ع5: نتيجة عدم الرعاية تشتت الغنم، أي صارت بلا حماية ولا مأكل، أو مشرب، وتعرضت للضياع والموت. وصارت من السهل أن تأكلها الوحوش التي هي:
الشهوات الشريرة والكبرياء.
الهراطقة والمبتدعون ومثيرو الشكوك.
جميع المستغلين من ذوى الأغراض.
ع6: يظهر الله هنا محبته لشعبه، فينسبهم إليه فيقول غنمى. والمقصود بالجبال والتلال الكبرياء، سواء سقطت الغنم في الكبرياء، أو أصبحوا تابعين للهراطقة المتكبرين، ولم يجدوا من يهتم بهم. وهذا يتعب قلب الله جدًا، أن أولاده بلا سند أو معونة.
† إن الله يحب أولاده جدًا، ويطلب منك أن تعتنى بكل من حولك لأنهم أولاده، فتحاول أن تظهر لهم المحبة، وتجذبهم إليه، وتثبتهم في كنيسته فلا يكونوا عرضة للضلال والضياع.
(2) حكم الله على الرعاة (ع7-10):
7- «فَلِذلِكَ أَيُّهَا الرُّعَاةُ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ:8- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ غَنَمِي صَارَتْ غَنِيمَةً وَ صَارَتْ غَنَمِي مَأْكَلًا لِكُلِّ وَحْشِ الْحَقْلِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ رَاعٍ وَلاَ سَأَلَ رُعَاتِي عَنْ غَنَمِي، وَرَعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ وَلَمْ يَرْعَوْا غَنَمِي،9- فَلِذلِكَ أَيُّهَا الرُّعَاةُ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ: 10- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى الرُّعَاةِ وَأَطْلُبُ غَنَمِي مِنْ يَدِهِمْ، وَأَكُفُّهُمْ عَنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، وَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ بَعْدُ، فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلًا.
ع7، 8: يوضح الله أسباب الحكم على الرعاة وهي:
تعرض غنمه أن تكون فريسة للوحوش.
انشغال الرعاة بشهواتهم وإهمالهم رعاية الغنم.
ع9، 10: أكفهم عن رعاية: أوقفهم.
صدر الحكم الإلهي على الرعاة بما يلي:
يعلن الله أنه ضد الرعاة، وهذا أمر في غاية الخطورة.
يطالبهم بنفوس أولاده، أي الغنم وكل ما حدث من إتلاف لها.
يوقفهم عن رعاية الغنم، أي لا يعودوا رعاة. وهذه نبوة لإيقاف الكهنوت الهارونى وبدء الكهنوت المسيحى.
يمنع الرعاة من التمادي في استغلال الغنم، إرضاءً لشهواتهم الخاصة.
يخلص غنمه من افتراس الرعاة لهم ويعيدهم إلى أحضانه، فيرعاهم ويحيوا أمامه.
† إن الله الحنون عادل أيضًا، فهو يطالبك بكل الإمكانيات التي وهبها لك، فإن لم تكن تستغلها جيدًا ينزعها ويحرمك منها. فانتبه لتحتفظ بإمكانيات الله الموهوبة لك، فترضيه ويرفع غضبه عنك.
(3) رعاية الله لشعبه (ع11-31):
11- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا.12- كَمَا يَفْتَقِدُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ يَوْمَ يَكُونُ فِي وَسْطِ غَنَمِهِ الْمُشَتَّتَةِ، هكَذَا أَفْتَقِدُ غَنَمِي وَأُخَلِّصُهَا مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالضَّبَابِ.13- وَأُخْرِجُهَا مِنَ الشُّعُوبِ وَأَجْمَعُهَا مِنَ الأَرَاضِي، وَآتِي بِهَا إِلَى أَرْضِهَا وَأَرْعَاهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَفِي الأَوْدِيَةِ وَفِي جَمِيعِ مَسَاكِنِ الأَرْضِ.14- أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ، وَيَكُونُ مَرَاحُهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِيَةِ. هُنَالِكَ تَرْبُضُ فِي مَرَاحٍ حَسَنٍ، وَفِي مَرْعًى دَسِمٍ يَرْعَوْنَ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ.15- أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.16- وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل. 17- وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ، بَيْنَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ. 18- أَهُوَ صَغِيرٌ عِنْدَكُمْ أَنْ تَرْعَوْا الْمَرْعَى الْجَيِّدَ، وَبَقِيَّةُ مَرَاعِيكُمْ تَدُوسُونَهَا بِأَرْجُلِكُمْ، وَأَنْ تَشْرَبُوا مِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ، وَالْبَقِيَّةُ تُكَدِّرُونَهَا بِأَقْدَامِكُمْ؟19- وَغَنَمِي تَرْعَى مِنْ دَوْسِ أَقْدَامِكُمْ، وَتَشْرَبُ مِنْ كَدَرِ أَرْجُلِكُمْ!20- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لَهُمْ: هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ الشَّاةِ السَّمِينَةِ وَالشَّاةِ الْمَهْزُولَةِ.21- لأَنَّكُمْ بَهَزْتُمْ بِالْجَنْبِ وَالْكَتِفِ، وَنَطَحْتُمُ الْمَرِيضَةَ بِقُرُونِكُمْ حَتَّى شَتَّتْتُمُوهَا إِلَى خَارِجٍ. 22- فَأُخَلِّصُ غَنَمِي فَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ غَنِيمَةً، وَأَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ.23- وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ، هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا.24- وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسًا فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ.25- وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، وَأَنْزِعُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ، فَيَسْكُنُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ مُطْمَئِنِّينَ وَيَنَامُونَ فِي الْوُعُورِ.26- وَأَجْعَلُهُمْ وَمَا حَوْلَ أَكَمَتِي بَرَكَةً، وَأُنْزِلُ عَلَيْهِمِ الْمَطَرَ فِي وَقْتِهِ فَتَكُونُ أَمْطَارَ بَرَكَةٍ.27- وَتُعْطِي شَجَرَةُ الْحَقْلِ ثَمَرَتَهَا، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَيَكُونُونَ آمِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ تَكْسِيرِي رُبُطَ نِيرِهِمْ، وَإِذَا أَنْقَذْتُهُمْ مِنْ يَدِ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوهُمْ.28- فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ، وَلاَ يَأْكُلُهُمْ وَحْشُ الأَرْضِ، بَلْ يَسْكُنُونَ آمِنِينَ وَلاَ مُخِيفٌ.29- وَأُقِيمُ لَهُمْ غَرْسًا لِصِيتٍ فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ مَفْنِيِّي الْجُوعِ فِي الأَرْضِ، وَلاَ يَحْمِلُونَ بَعْدُ تَعْيِيرَ الأُمَمِ.30- فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ مَعَهُمْ، وَهُمْ شَعْبِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.31- وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، غَنَمُ مَرْعَايَ، أُنَاسٌ أَنْتُمْ. أَنَا إِلهُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع11-13: يبدأ الله في إعلان تفاصيل رعايته لغنمه، فيجمعها من الأماكن التي تشتتت فيها، أي ضلت؛ بسبب تعاليم غريبة، أو شهوات شريرة، في الوقت الذي غابت فيه الرعاية. ويلقبه الله بيوم الغيم والضباب، الذي لا يستطيع أحد فيه أن يميز الرؤيا فيتعرض للضلال، أي لا توجد فيه تعاليم صحيحة ورعاية، فيسهل الضلال. والآن الله برعايته يعيدها إلى بيته، وهذه الرعاية تشمل الغنم والرعاة أيضًا، الذين فقدوا مكانهم القيادى، فصاروا محتاجين لرعاية الله بواسطة كهنة جدد، هم كهنة العهد الجديد، الذين يقدمون تعاليم المسيح كلها، بما فيهم اليهود الرافضين للمسيح.
ونلاحظ أن الله يبدى إعلانات وسط خرافه المشتتة، فرغم أن شعب الله مشتت ومذلول بين بلاد الإمبراطورية البابلية؛ لكن الله في وسطهم يرعاهم، حتى يعيدهم إلى بلادهم. كمايظهر في رعايته لطوبيا ولأستير وكل شعب اليهود، فهذا يطمئن أولاد الله أنه معهم في ضيقاتهم حتى يرفعها عنهم.
إن كانت خطايا بنى شعبه قد أدت إلى سبيهم وتشتتهم في بلاد العالم المختلفة، فإن الله يعيدهم عندما يتوبون إلى أورشليم؛ ليعبدوه. وأورشليم ترمز لكنيسة العهد الجديد، التي يرعى فيها الله كل شعبه من اليهود والأمم. ورعاية الله لشعبه تكون على الجبال، أي السمو الروحي والنظر إلى السماويات، وأيضًا في الأودية، أي يعلمهم الاتضاع، أي يعيشون معه في كل أماكن الأرض؛ لأن كنيسة العهد الجديد ستملأ العالم كله ولا تكون في أورشليم فقط، أي لا تقدم ذبيحة لله في مكان واحد، بل في كل مكان.
ع14: مراحها: أماكن الرعى التي تشبع فيها وتشرب وتلعب وتستريح.,
تربض : تجلس على الأرض وتستريح.
يوضح الله أن رعايته لشعبه تكون على أعلى مستوى، إذ يعطيهم أماكن الغذاء الكامل والراحة الحقيقية. وأيضًا على الجبال، حيث السمو الروحي. كل هذا يكون ليس فقط في العودة من السبي والعبادة في هيكل أورشليم، ولكن بالأكثر في كنيسة العهد الجديد، والتي ترمز إلى ملكوت السموات.
ع15: يتعهد الله برعاية غنمه، فتأكل وتشرب وتشبع وتمرح، ثم تربض وتستريح، فهو يقدم عناية متكاملة لنفوس أولاده.
ع16: يعد الله بإصلاح الأخطاء الناتجة من عدم رعاية الكهنة، أي الرعاة الأشرار السابقين، فيرد النفوس الضالة والمطرودة من الناس والمكسورة بسبب حروب إبليس، أي يجمع كل النفوس البعيدة، التي كانت في نظر الناس مفقودة ولا أمل فيها.
ومن ناحية أخرى يبيد ويحكم على النفوس المتكبرة، الرافضة لله، والمعتمدة على قوتها أي السمين والقوى، وبهذا يقود شعبه بعدل، فينقذ المظلوم، ويعاقب المتكبر والظالم.
ع17: يؤكد الله أنه سيدين كل النفوس في يوم الدينونة العظيم، فيحكم بين شاة وشاة وبين كباش وتيوس، أي سيدين الكل أقوياء وضعفاء رجال ونساء. هذا الكلام يعطى رجاء للضعفاء المحتملين الآلام، فيجدوا مكافأة في الأبدية، ويخيف في نفس الوقت الأشرار المستبيحين والمتهاونين أن لهم عقاب في الأبدية، لعلهم يرجعون ويتوبون.
ويفهم من الآية أن الأشرار يستهينون بخطاياهم ويعتبرونها صغيرة أو لا شيء، إذ يقول لهم الله "أصغير عندكم". فإن أهملوا خطاياهم يدينهم الله، أما إن تابوا فيرفعها عنهم.
† إن باب التوبة مفتوح لك، فحاسب نفسك كل يوم عن كل كلمة، أو فكر ردئ، حتى تنال الغفران. ولا تحاول ان تبرر خطاياك؛ لئلا تفقد إحساسك بالتوبة، ثم يدينك الله. اليوم يوم مقبول، فقدم توبتك لتنال مراحم الله.
ع18: سيحاسب الله الشاة التي تأكل من الحشائش الجيدة، ثم تدوس الباقى بأقدامها؛ لتتلفه، حتى لا يأكل منه أحد. وأيضًا الشاة التي تشرب من المياه العميقة، ثم لا تترك غيرها يشرب، بل وتعكرها بأن تلهو بأقدامها المتسخة في هذه المياه، وتثير الطين الذي في القاع؛ لتمنع غيرها من الشرب منها.
وهذا معناه أن الله سيحاسب النفوس الأنانية، التي تبحث عن راحتها على حساب الآخرين، فيهتمون بتحصيل المال، وسد احتياجاتهم، وكذلك المعرفة الروحية، ثم يستغلون غيرهم ويضعون أمامهم عقبات كثيرة تعطلهم عن الوصول إلى الله، إما بكثرة التوبيخ وإظهار صعوبة تنفيذ الوصية، أو تخفيف تنفيذ الوصية، فلا يتحمسوا للجهاد الروحي ويسقطون في خطايا كثيرة.
وتنطبق هذه الآية أيضًا على الهراطقة ومثيرى الشكوك، والكهنة والخدام الذين يسلكون بطريقة معثرة لمن حولهم، مثل كهنة اليهود والكتبة والفريسيين أيام المسيح، الذين وبخهم المسيح لأجل شرورهم (مت23).
ويقصد أيضًا بالمرعى الجيد، النفوس التي يرجو الرعاة منها مكسبًا ماديًا، أما بقية مراعيكم فتدوسونها بأقدامكم، فالمقصود هنا إهمال وظلم النفوس الفقيرة والضعيفة التي لا يرجو منها الرعاة أي مكسب.
ع19: يعلن الله حزنه على النفوس المعثرة والتي تعانى من ظلم الأشرار والأنانيين المذكورين في الآية السابقة، فيضطر هؤلاء الضعفاء أن يشربوا من المياه المكدرة ويأكلوا من الأعشاب المداسة من الأرجل.
ع20: يؤكد الله أنه سيحاكم الظالم والمظلوم، أى الشاة السمينة على حساب الشاة الهزيلة، فالشاة التي تأكل طعام غيرها سيعاقبها الله، أما الضعيفة المظلومة فسينصفها ويعوضها.
ع21: بهزتم: الدفع بالجنب والكتف بشدة.
يدين الله الشاه الظالمة التي استخدمت قوة جسمها لتدفع الشاة الضعيفة وتطردها خارج المرعى وتنطحها بقرونها لتجرها. إنها كلها مظاهر لظلم القوى للضعيف، فالله هنا يعلن أنه سيحاكم كل النفوس، ليس فقط الرعاة المهملين رعايتهم، بل أيضًا كل من يظلم غيره.
ع22: برعاية الله، يخلص غنمه الضعيفة، ويعطيها فرصة للحياة، أي أنه يحكم على كل شاة فيعاقب الظالم وينصف المظلوم. ويفهم من هذا أن ليس كل إنسان يعلن تبعيته لله هو إنسان مقبول من الله، فالله لا يحكم حسب الظاهر، بل حسب القلب والسلوك السليم.
ع23: يعلن الله بوضوح أن الرعاية الكاملة ستكون من شخص واحد، هو المسيح الفادى الوحيد للبشرية، ابن داود، المسيا المنتظر، الذي ليس بغيره الخلاص. والمقصود طبعًا المسيح وليس داود لأن داود كان قد مات قبل أيام حزقيال بزمن بعيد.
ع24: يوضح الله أن المؤمنين به سيكونون شعبه وهو إلههم، وسيتجسد المسيح بينهم، ويقودهم ويعظهم ويشفى أمراضهم، ويكون رئيسًا بينهم يقودهم إلى الملكوت.
ع25: الوعور: جمع وعر وهو المكان المقفر المهجور، الذي لا يعيش فيه إنسان لأنه صحراء جرداء.
يشرح الله صفات مملكته الجديدة، وهي كنيسة العهد الجديد التي يهب المؤمنين فيها السلام الداخلي، ويعيشون بالحب والسلام بعضهم مع بعض، ويقيد الشياطين التي هي الوحوش. فلا يكون لها سلطان على البشر، بل تحاول إغراءهم فقط، ولكن لا تجبرهم على الخطية. وتتميز الكنيسة أيضًا بقوة الله العاملة فيها، وتستطيع أن تعيش في البرارى والصحارى. وهذا ما فعله الآباء الرهبان، فلم يعد للشياطين مكان في الأماكن المقفرة، بل ملأها الرهبان بالصلوات وقدسوها.
ع26: أكمتى: الأكمة هي تل، أو جبل صغير.
يتكلم هنا عن أورشليم المبنية على الآكام الخمسة التي فيها بيت الله. وهي ترمز لكنيسة العهد الجديد، فيجتمع فيها المؤمنون، وتكون الكنيسة بركة لكل ما حولها.
ويفيض الله عليها بالأمطار والبركات، التي هي العطايا السماوية التي يهبها الروح القدس لأولاده في الكنيسة. وتكون هذه العطايا لسد احتياجات أولاده وكنيسته في الوقت الذي يحتاجون فيه لعطايا الله، أي لا يتأخر الله عنهم، بل يشبعهم دائمًا بخيراته الروحية، بالإضافة لاحتياجاتهم المادية.
ع27، 28: ربط نيرهم: النير هو الخشبة التي توضع على رقبتى الحيوانين وتثبت في النير الآلات الزراعية، التي تجرها الحيوانات مثل المحراث. وتربط هذه الخشبة برقبتى الحيوانين بواسطة حبل، فالله يكسر هذه الخشبة ويقطع الربط، أي يحررهما من العبودية.
تكون الحياة الجديدة في الكنيسة مملوءة بالشبع، فالأشجار وكل النباتات تعطى ثمارها وغلاتها، أي أن المؤمنين يمتلئون بالفضائل والثمار الروحية، التي تؤكد تبعيتهم لله. ويحيون في سلام وطمأنينة داخل الكنيسة؛ لأن الله يهبهم السلام الداخلي، ويكسر نير عبوديتهم للخطية؛ لأنهم يعيشون في التوبة، فلا تستطيع الشياطين أن تغتصبهم، أو تخيفهم؛ لأن الله يحميهم فيعيشون في أمان، متمتعين بعشرة الله.
ع29: يجعل الله المؤمنين به في كنيسة العهد الجديد غروسًا قوية ذات سمعة جيدة وصيت عظيم بسبب ثمارها الجيدة، أي فضائل المؤمنين، التي تظهر بوضوح بين كل البشر، فيعرفهم الناس من ثمارهم أنهم أولاد الله.
ولا يتعرض أولاد الله للسبى، كما تعرضوا في العهد القديم، ويحيون مع الله؛ لأن الكنيسة تنتشر في كل مكان. وحتى لو تعرضوا للنفى كاضطهاد لهم، يجدون الله معهم، فيتمتعون به، فلا يكون للنفى أي تأثير عليهم.
لا تكون للمؤمنين خطايا ظاهرة يعيرهم بها أهل العالم، بل يكونوا أنقياء وسلوكهم المسيحى يصير نورًا للعالم.
الصيت الحسن الذي يناله أولاد الله القديسون هو جزء قليل من صيت المسيح غصن البر (إر23: 5)، الذي له اسم فوق كل اسم (فى2: 9)، فهم نور للعالم، كما أنه نور العالم.
ع30: عندما يتمتع المؤمنون بكل البركات السابقة؛ يثقون أن الرب معهم وهم شعبه إسرائيل الجديد، أي المسيحيون.
ع31: يؤكد الله هنا أن كلامه عن الغنم يقصد به أولاده البشر، الذين يتمتعون برعايته لهم.
وخلاصة هذا الأصحاح نجده يبين خطايا كهنة العهد القديم، ثم الرعاية الجديدة في كنيسة العهد الجديد، كما يلي:-
أ - خطايا الرعاة:
الأنانية : انشغل الرعاة برعاية أنفسهم وتركوا رعاية القطيع (ع1، 2).
الطمع : استغل الرعاة رعيتهم فأكلوا السمين .. وتركوا الرعية في فقر وذل (ع3).
إهمال خدمتهم ورعايتهم: فتركوا رعيتهم بأوجاعهم المختلفة يضلون ويهلكون (ع4).
العنف والقسوة: إذ استخدموا سلطانهم بالتسلط والسيطرة (ع10).
ب - رعاية الله لكنيسته في العهد الجديد:
رعاية الله بنفسه لشعبه (ع24).
يعيشون في سلام (ع25).
يبيد الوحوش، أي يقيد الشياطين (ع25).
لا يخافوا أن يسكنوا في البرارى، بل يعمروها بالصلوات (ع25، 28).
ينالون بركات سماوية كثيرة، هي عطايا ومواهب الروح القدس (ع26)
يعطى المؤمنين ثمارًا، أي يتميزون بفضائل كثيرة (ع27).
يكون لهم صيت حسن لفضائلهم ولايعيرهم أحد (ع29).


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الخامس والثلاثون
نبوة ضد الأدوميين
تكلم السفر من (حز 25) حتى (حز 32) على نبوات عن الأمم، أي الشر الخارجي، وضرورة الابتعاد عنه، ثم يبدأ من (حز 33) حتى (حز 39) الكلام عن الإعداد الداخلي لشعب الله. ولكنه يعود ثانية لهذا الأصحاح يتنبأ عن الأمم، فيتنبأ عن الأدوميين، الذين سبق التنبؤ عنهم في (حز 25) ولكن هنا يتنبأ بالتفصيل، معددًا خطاياهم وذلك لأمرين:
تنبيه شعب الله لأهمية اقتران طرد الشر الداخلي مع الابتعاد عن الشر الخارجي.
ضرورة احتراس شعب الله من خطايا العالم الشرير المحيط بهم؛ حتى لا يسقطوا فيه.
(1) كراهية الأدوميين لشعب الله (ع1-9)
(2) طمع الأدوميين (ع10-12)
(3) كبرياء الأدوميين (ع13-15)
(1) كراهية الأدوميين لشعب الله (ع1-9):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ جَبَلِ سَعِيرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ، 3- وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جَبَلَ سَعِيرَ، وَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأَجْعَلُكَ خَرَابًا مُقْفِرًا.4- أَجْعَلُ مُدُنَكَ خَرِبَةً، وَتَكُونُ أَنْتَ مُقْفِرًا، وَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.5- لأَنَّهُ كَانَتْ لَكَ بُغْضَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَدَفَعْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى يَدِ السَّيْفِ فِي وَقْتِ مُصِيبَتِهِمْ، وَقْتِ إِثْمِ النِّهَايَةِ.6- لِذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي أُهَيِّئُكَ لِلدَّمِ، وَالدَّمُ يَتْبَعُكَ. إِذْ لَمْ تَكْرَهِ الدَّمَ فَالدَّمُ يَتْبَعُكَ.7- فَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ خَرَابًا وَمُقْفِرًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْهُ الذَّاهِبَ وَالآئِبَ.8- وَأَمْلأُ جِبَالَهُ مِنْ قَتْلاَهُ. تِلاَلُكَ وَأَوْدِيَتُكَ وَجَمِيعُ أَنْهَارِكَ يَسْقُطُونَ فِيهَا قَتْلَى بِالسَّيْفِ.9- وَأُصَيِّرُكَ خِرَبًا أَبَدِيَّةً، وَمُدُنُكَ لَنْ تَعُودَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع1-3: الأدوميون هم نسل أدوم، أي عيسو، فهم أولاد عمومة لشعب الله، ولكنهم وثنيون، وكانوا في عداوة مع شعب الله، ومع هذا عندما أتى بنو إسرائيل من برية سيناء؛ ليعبروا إلى أرض كنعان وأرادوا أن يمروا في بلاد أدوم، أوصاهم الله ألا يقاتلوا الأدوميين؛ لأنهم أقرباؤهم (تث23: 7). وعندما لم يسمح الأدوميون لهم بالمرور، داروا حول أرضهم؛ ليصلوا إلى كنعان، وحدثت حروب كثيرة بينهم وبين شعب الله ولعل أقواها، عندما قتل داود الكثيرين منهم، ولكن بقيتهم ظلت تحت الحكم البابلي، ثم مادى وفارس واليونانيين، الذين أثناء حكمهم أجبرهم يوحنا هيركانوس من دولة المكابيين أن يتهودوا. وفى العصر الروماني عندما دمر الرومانيون أورشليم وقتلوا اليهود الذين فيها أبادوا أيضًا الأدوميين ولم يعد لهم ذكر في التاريخ بعد هذا.
وقد سكن الأدوميون في سلسلة جبال سعير التي تقع جنوب بلاد اليهود وشرق برية سيناء، فتمتد من جنوب البحر الميت إلى خليج العقبة. وعيسو كان مشعرًا وقد سكن نسله في هذه الجبال، وسعير معناها شعر وأدوم معناها أحمر، فلذلك سمى عيسو بأدوم؛ لأن لونه كان يميل إلى الحمرة.
ونتيجة كثرة شرور الأدوميين أمر الله حزقيال أن يتنبأ عليهم بالتفصيل في هذا الأصحاح، ويعلن أنه سيبيد الأدوميين ويجعل مساكنهم في جبال سعير خرابًا، وتكون الجبال مهجورة.
ولكثرة شرور أدوم فهو يرمز للشيطان، الذي يحارب أولاد الله؛ لأن أدوم كان يبغض ويقاتل يعقوب من البداية، وطوال تاريخ هذين الشعبين، كما يبغض الشيطان أولاد الله. وأدوم معناه أحمر، كما أن الشيطان سافك للدماء وقتال منذ البدء (يو8: 44). وكما شمت أدوم في شعب الله عند بليتهم (حز 25: 12)، هكذا يشمت الشيطان في أولاد الله عند سقوطهم في الخطيئة.
ع4: عندما تتم هذه النبوة بخراب أدوم يعلم الباقون وكل العالم أن كلام الله صادق لهم ويؤمنون به، إذ هو فوق كل الآلهة الغريبة.
ع5: إثم النهاية: أي عندما كملت آثام شعب الله في النهاية أدبهم بالسبي البابلي.
يذكر هنا الخطية الأولى، التي من أجلها أباد الله الأدوميين، وهي كراهيتهم لشعب الله؛ حتى أنهم استغلوا مصيبته، عندما هجم البابليون على أورشليم واليهودية، وقتلوا من فيها، وهرب الكثيرون، فقام الأدوميون بقتل الهاربين، بدلًا من استضافتهم، وذلك لكراهيتهم الشديدة لليهود.
ع6: يعاقب الله الأدوميين بنفس الطريقة التي عاملوا بها أولاده، فكما سفكوا دماء شعب الله، الله سيسفك دماءهم عن طريق الأمم، مثل بابل ومادى وفارس والرومان.
† احترس أن تظلم الآخرين بأن تدينهم، أو تسئ إليهم بأية طريقة؛ لئلا يعاقبك الله بنفس الطريقة، كما قال لا تدينوا لكي لا تدانوا، ودينونة الله فوق احتمالك؛ لأنها تؤدى بك إلى الهلاك، فكن رحيمًا مع الكل؛ لتنال مراحم الله.
ع7: الآئب: الراجع.
يؤكد الله أنه سيخرب جبال سعير، فتكون مهجورة ولا يمر بها أي إنسان أدومى؛ لأنهم سيفنون تمامًا.
ع8: من كثرة هجمات الأمم على الأدوميين ستمتلئ جبال سعير من قتلاهم.
ع9: هذا الخراب والإبادة للأدوميين ستكون إلى الأبد، إذ لا يوجد إنسان اليوم يستطيع أن ينسب نفسه إليهم.
(2) طمع الأدوميين (ع10-12):
10- لأَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الأُمَّتَيْنِ، وَهَاتَيْنِ الأَرْضَيْنِ تَكُونَانِ لِي فَنَمْتَلِكُهُمَا وَالرَّبُّ كَانَ هُنَاكَ، 11- فَلِذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لأَفْعَلَنَّ كَغَضَبِكَ وَكَحَسَدِكَ اللَّذَيْنِ عَامَلْتَ بِهِمَا مِنْ بُغْضَتِكَ لَهُمْ، وَأُعَرِّفُ بِنَفْسِي بَيْنَهُمْ عِنْدَمَا أَحْكُمُ عَلَيْكَ،12- فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ إِهَانَتِكَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ بِهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: قَدْ خَرِبَتْ. قَدْ أُعْطِينَاهَا مَأْكَلًا.
ع10: عندما هجمت أشور على مملكة إسرائيل وخربتها، ثم تلتها بابل، فخربت مملكة يهوذا، ظن أدوم في طمعه أنه سيستولى على أراضي هاتين الأمتين، أي إسرائيل ويهوذا، ونسى أن الله إلههم قادر أن يعيدهم، وهذا ما حدث عند إرجاع الله لشعبه من السبي.
وعندما يقول أن الله كان هناك، يظهر مدى عناية الله بأولاده، فهو وإن كان يؤدبهم، ولكنه كأب مازال في وسطهم، ينتظر توبتهم؛ ليعيد إليهم ممتلكاتهم، ويدافع عنهم ضد كل عدو.. فهو يحبهم لأنهم أولاده؛ حتى وإن كانوا أشرارًا، إلى أن يرجعوا إليه.
† ليتك تخشى الله إذا حاربك الشيطان، ودفعك لتسئ إلى أحد؛ لأن إلهه ينظر ويدافع عنه وينتقم منك، فكل إنسان هو صورة لله، فبإساءتك إليه تسئ لله نفسه.
ع11: يقسم الله بنفسه أنه سيعاقب أدوم على غضبه وكراهيته وحقده على شعب الله، حتى يعلم أدوم وكل الأمم أن الله وسط شعبه، فيخافونه عندما يرون انتقامه من الأدوميين، أي يخافه شعبه، وكل من يؤمن من الأمم، وينضمون إلى شعبه.
ع12: عندما ينتقم الله من الأدوميين، ستعلم بقيتهم وكل الأمم صدق كلام الله على فم حزقيال، لعلهم يرجعون إلى الله ويؤمنون به.
ويظهر طمع الأدوميين في رغبتهم أن يأكلوا خيرات شعب الله؛ عندما يستولون على أراضيهم، بعد تخريب الأشوريين والبابليين لها. ولكن هذا الطمع انقلب عليهم؛ إذ خربت مدنهم وأبادهم الله.
(3) كبرياء الأدوميين (ع13-15):
13- قَدْ تَعَظَّمْتُمْ عَلَيَّ بِأَفْوَاهِكُمْ وَكَثَّرْتُمْ كَلاَمَكُمْ عَلَيَّ. أَنَا سَمِعْتُ.14- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ فَرَحِ كُلِّ الأَرْضِ أَجْعَلُكَ مُقْفِرًا.15- كَمَا فَرِحْتَ عَلَى مِيرَاثِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ خَرِبَ، كَذلِكَ أَفْعَلُ بِكَ. تَكُونُ خَرَابًا يَا جَبَلَ سَعِيرَ أَنْتَ وَكُلُّ أَدُومَ بِأَجْمَعِهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع13: يعلن الله الخطية الثالثة للأدوميين وهي كبرياءهم على الله وعلى شعبه، معتمدين على آلهتهم الوثنية، وتكلمهم بكلمات غرور واستهزاء على شعب الله وإلههم. وأطال الله أناته ولكن كثر كبرياؤهم، حتى أن الله أمر بالانتقام منهم.
† إن الله يسمع كل كلمة تقولها، فكن محترسًا لأى كلمة شريرة تخرج من فمك، حتى لا تحاسب عليها. تذكر دائمًا أن الله يراك فتخافه وتبتعد عن كل شر، بل تمجده وتحسن إلى البشر أولاده.
ع14، 15: ميراث بيت إسرائيل: أراضي وخيرات شعب الله عندما يعود شعب الله من السبي ويزدهرون - أيام الدولة المكابية – يضعف الأدوميون وتخرب بلادهم؛ حتى تصير قفرًا مهجورًا.
فكما ظن أدوم في كبريائه أنه سيتعاظم عند مصيبة شعب الله في السبي تنقلب الأمور، فيثبت شعب الله الراجع إليه باتضاع ويفرحون، أما أدوم المتكبر، فيفنى بكبريائه. وحينئذ يعلم الباقون منه صدق كلام الله على فم حزقيال.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السادس والثلاثون
جبال إسرائيل
(1) انتقام الله من الأعداء (ع1-7)
[2] بركة الله لشعبه (ع 8 - 15)
[3] تأديب الله لشعبه (ع16-21)
(4) إنقاذ الله شعبه من أجل اسمه (ع22-32)
[5] إعادة بنيان الله لشعبه (ع33-38)
(1) انتقام الله من الأعداء (ع1-7):
1- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَتَنَبَّأْ لِجِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ: يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ اسْمَعِي كَلِمَةَ الرَّبِّ: 2- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْعَدُوَّ قَالَ عَلَيْكُمْ: هَهْ! إِنَّ الْمُرْتَفَعَاتِ الْقَدِيمَةَ صَارَتْ لَنَا مِيرَاثًا،3- فَلِذلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ أَخْرَبُوكُمْ وَتَهَمَّمُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِتَكُونُوا مِيرَاثًا لِبَقِيَّةِ الأُمَمِ، وَأُصْعِدْتُمْ عَلَى شِفَاهِ اللِّسَانِ، وَصِرْتُمْ مَذَمَّةَ الشَّعْبِ،4- لِذلِكَ فَاسْمَعِي يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبِّ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلْجِبَالِ وَالآكَامِ وَلِلأَنْهَارِ وَلِلأَوْدِيَةِ وَلِلْخِرَبِ الْمُقْفِرَةِ وَلِلْمُدُنِ الْمَهْجُورَةِ الَّتِي صَارَتْ لِلنَّهْبِ وَالاسْتِهْزَاءِ لِبَقِيَّةِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَهَا.5- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي فِي نَارِ غَيْرَتِي تَكَلَّمْتُ عَلَى بَقِيَّةِ الأُمَمِ وَعَلَى أَدُومَ كُلِّهَا، الَّذِينَ جَعَلُوا أَرْضِي مِيرَاثًا لَهُمْ بِفَرَحِ كُلِّ الْقَلْبِ وَبُغْضَةِ نَفْسٍ لِنَهْبِهَا غَنِيمَةً.6- فَتَنَبَّأْ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لِلْجِبَالِ وَلِلْتِّلاَلِ وَلِلأَنْهَارِ وَلِلأَوْدِيَةِ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا فِي غَيْرَتِي وَفِي غَضَبِي تَكَلَّمْتُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ حَمَلْتُمْ تَعْيِيرَ الأُمَمِ.7- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي رَفَعْتُ يَدِي، فَالأُمَمُ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ هُمْ يَحْمِلُونَ تَعْيِيرَهُمْ.
ع1: يخاطب الله في هذه النبوة جبال إسرائيل، ويقصد بها شعبه، ويلاحظ أن أورشليم مبنية على خمسة تلال، وتكثر في بلاد شعب الله الجبال والتلال، والجبل يرمز للمؤمن القوى، فالله يرى أولاده أقوياء في الإيمان رغم ضعفهم وذلهم أمام بابل بسبب خطاياهم، فيناديهم ليعيد إليهم قوتهم وثباتهم فيه، وينتقم من أعدائهم الذين أذوهم.
ع2: رغم أن شعب الله قد أخطأ واستحق تأديبه ولكن إلهه الحنون غار عليه كعريس يغار على عروسه، وأعلن أنه منتبه للشرور التي عملها أعداؤه وهم البلاد المحيطة بشعب الله، إذ استهزأوا به، مصدرين صوتًا تعبيرًا عن الاستهزاء. وظنوا عندما خربت بابل أورشليم وكل اليهودية أنها قد صارت فرصة لهم ليمتلكوها بعد خرابها، أي أن العدو سقط في خطأين:
استهزاء وشماتة في مصيبة شعب الله.
طمع في الإستيلاء على بلاد اليهود.
والمقصود بالمرتفعات القديمة ليست فقط قصور أورشليم، بل بالأحرى هيكلها المقدس. ومعنى سقوطه في نظر الأعداء أنهم فقدوا قوة إلههم ومساندته، لذلك شعر الأعداء بضعف إسرائيل وشمتوا به.
ع3: هموا بافتراسكم: أي طمعوا وأرادوا أن يستولوا على بلادكم.
يعلن الرب غضبه على أعداء شعبه بسبب:
قسوتهم وتخريبهم لبلاد شعبه، ويقصد هنا بابل وكل البلاد المجاورة لشعب الله التي ساعدت بابل في تخريبها لليهودية.
إحاطة الأعداء بشعب الله الذي كان يهرب من وجه بابل، وتسليمهم للبابليين، وطمعهم أن يهجموا ويستولوا على بلاد إسرائيل. وهؤلاء الأعداء هم فلسطين وأدوم وموآب وبنى عمون، أي كل البلاد المحيطة بشعب الله، الذين رأوا في مصيبة شعب الله قوة لهم؛ لأنهم كانوا يهابون شعب الله، وبتخريب بابل لهم تخلصوا منهم.
استهزاء البلاد المحيطة وشماتتهم بأقوال كثيرة ضد شعب الله.
يرمز شعب الله لأدوم، والأعداء للشيطان الذي شمت بسقوط آدم ولم يعلم محبة الله للبشر، الذين خلصهم في ملء الزمان بفدائه، أما الشيطان فسيلقيه في العذاب الأبدي.
ع4: يخاطب الله بلاد شعبه بكل تفاصيلها؛ والتلال والأنهار والأودية والمدن الخربة. فإن كان شعب الله قد صار ضعيفًا جدًا في نظر الناس، ولكنه غالى القيمة في نظر الله، لأنهم أولاده الذين يؤدبهم للتوبة، ولكنه يحبهم بكل فئاته كبيرهم وصغيرهم، ومهما شتمهم، أو ذمهم الأعداء واستهزأوا بهم فإن كرامتهم كبيرة في عينى الله؛ لأنهم يؤمنون به بخلاف الأمم التي لا تؤمن به.
ترمز الجبال للآباء والأنبياء أجداد شعب الله.
والأكام إلى الكهنة وقادة الشعب.
والأنهار إلى المعلمين الذين يروون الشعب بتعاليم الله.
والأودية هى شعب الله الضعيف الباقى في اليهودية بعد تخريب بابل لها.
الخرب المقفرة والمدن المهجورة هم الذين قتلوا من شعب الله بيد بابل.
فهذه التفاصيل تعنى شعب الله بفئاته المختلفة سواء الذين ماتوا منذ زمن، أو الأحياء، أو الذين قتلوا بيد بابل؛ من أجل كل هؤلاء يتحرك الله ويعاتب أعداء شعبه.
† تأمل إن كنت تقابل ضيقات وتظهر مظاهر الضعف عليك، فلا تنزعج؛ لأن الله يشعر بك، وهو قريب جدًا منك، وينتقم من الشياطين الذين يحاربونك، ويمجدك، ويرفع عنك الضيقات، بل يحول احتمالك لها لإكليل مجد على رأسك في السماء.
ع5: يبين الله أن غيرته قوية جدًا على شعبه، تشبه النار الملتهبة التي تأكل من يصادفها. فهو سينتقم من أعداء شعبه المحيطين به، الذين طمعوا في أرضه، وشمتوا به، وهم أدوم وكل البلاد المجاورة لشعب الله التي تعاديه.
ع6: غيرة الله وحكمه على الأمم بسبب وجع قلبه على شعبه، الذي احتمل تعيير الأمم الأشرار المحيطين به.
ع7: رفعت يدى : تعود اليهود في ذاك الوقت أن يرفعوا أيديهم عند القسم بشئ. ورفع الله يده معناه أنه يقسم، أي يؤكد الله ما سيحدث.
فلأنهم عيروا شعب الله بخرابهم، هكذا هم أيضًا يخربون ويهلكون لأجل شرورهم.
ونلاحظ في الأصحاح السابق نبوة الله ضد جبل سعير، أي الأدوميين لأجل شرورهم. ويواصل هنا التنبؤ عليهم هم وكل الأمم المحيطة بشعبه، فتأتى تعييراتهم على رؤوسهم؛ لأنهم شمتوا بشعب الله. أما نبوته على جبال إسرائيل فهي للخير؛ لأنهم احتملوا التأديب وتابوا ورجعوا إلى الله.
[2] بركة الله لشعبه (ع 8 - 15)
8- أَمَّا أَنْتُمْ يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّكُمْ تُنْبِتُونَ فُرُوعَكُمْ وَتُثْمِرُونَ ثَمَرَكُمْ لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَرِيبُ الإِتْيَانِ.9- لأَنِّي أَنَا لَكُمْ وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ فَتُحْرَثُونَ وَتُزْرَعُونَ.10- وَأُكَثِّرُ النَّاسَ عَلَيْكُمْ، كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، فَتُعْمَرُ الْمُدُنُ وَتُبْنَى الْخِرَبُ.11- وَأُكَثِّرُ عَلَيْكُمُ الإِنْسَانَ وَالْبَهِيمَةَ فَيَكْثُرُونَ وَيُثْمِرُونَ، وَأُسَكِّنُكُمْ حَسَبَ حَالَتِكُمُ الْقَدِيمَةِ، وَأُحْسِنُ إِلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا فِي أَوَائِلِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.12- وَأُمَشِّي النَّاسَ عَلَيْكُمْ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيَرِثُونَكَ فَتَكُونُ لَهُمْ مِيرَاثًا وَلاَ تَعُودُ بَعْدُ تُثْكِلُهُمْ. 13- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: أَنْتِ أَكَّالَةُ النَّاسِ وَمُثْكِلَةُ شُعُوبِكِ. 14- لِذلِكَ لَنْ تَأْكُلِي النَّاسَ بَعْدُ، وَلاَ تُثْكِلِي شُعُوبَكِ بَعْدُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.15- وَلاَ أُسَمِّعُ فِيكِ مِنْ بَعْدُ تَعْيِيرَ الأُمَمِ، وَلاَ تَحْمِلِينَ تَعْيِيرَ الشُّعُوبِ بَعْدُ، وَلاَ تُعْثِرِينَ شُعُوبَكِ بَعْدُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع8: على الجانب الآخر يعلن الله الجزء الثاني من قراره، وهو يخص شعبه، فيعدهم بما يلي
تنبتون فروعكم: فشجرتهم الضعيفة تخرج فروعها، أي الشعب الضعيف يصير قويًا ويزداد عدده.
تثمرون ثمركم: تزداد الخيرات لكم.
قريب الإتيان: سيتم هذا قريبًا، وقد حدث فعلًا بعد سنوات قليلة بأن عاد الشعب من السبي وكونوا دولة قوية.
وهذا يرمز من الناحية الروحية إلى امتداد العمل الروحي في حياة الإنسان المؤمن كالفروع، ويتزين بالفضائل التي هي الثمار، ويتمم الله وعوده لأولاده قريبًا، أي في هذا الدهر جزئيًا، ثم يكمل إتمامه في الحياة الأبدية.
ع9: ما أجمل أن يعلن الله أنه ملك لشعبه حين يقول "أنه لكم". ويعلن رعايته الأبوية لتائبيه عندما يقول "التفت إليكم". وتحت هذه الرعاية يقومون بأعمالهم في حراثة الأرض وزراعتها بعد أن خربها الأعداء.
هكذا الإنسان الروحي المتكل على الله يجاهد تحت رعايته، فيفحص نفسه ويتوب، أي يحرث أرضه، ثم يجاهد في تداريب روحية لاقتناء الفضائل الروحية، أي يزرع أرضه.
† ما دام الله يحبك ويهبك كل قوته فلماذا تتوانى وتيأس لأجل ضعفك؟ قم سريعًا واثقًا في محبته لتجاهد في التوبة وكل عمل صالح.
ع10: يتابع الله وعوده بالبركة لشعبه، فيعدهم بكثرة النسل وقوته، فبدلًا من وجود عدد قليل وضعيف بعد تخريب بابل يصيرون أقوياء وكثيرين.
ع11: يواصل الله وعوده بالبركة، فيعدهم بزيادة الإنسان والحيوان وليس فقط البشر، أي تكون لهم خيرات كثيرة.
ويرمز الإنسان والحيوان إلى الروح، والجسد في الإنسان، أي يبارك الله المؤمن كله.
ويعدهم أيضًا أن يعودوا إلى قوتهم الأولى قبل السبي، فيسكنون في أمان ويعمرون بلادهم، بل يزدادون كثرة وقوة عن حالتهم الأولى، فبركة الرب عظيمة للتائبين.
وهذا يشبه رجوع البشرية لله وخلاصها بفدائه، فصار المؤمن في العهد الجديد يتمتع ببركات أعظم من البركات إلى كانت لأدوم في القديم، أي حوَّل المسيح خطية الإنسان بفدائه إلى بركة له.
ع12: تثكلهم : الثكلى هي الأم التي مات أبناؤها والمقصود لا تعود تثكلهم، أي يحيا شباب اليهودية بحيوية وقوة ويصيرون شعبًا عظيمًا له قوة الشباب.
يؤكد الله أنه سيكون هناك عدد كبير في أمة اليهود يمشون في بلادها، ويرثون أرضها التي هي ميراث من الله، فتعود ممتلكاتهم التي نهبتها وخربتها الأمم إليهم.
ع13-14: أكالة الناس : أتهم أعداء الله شعبه بأنهم يأكلون أنفسهم عندما قتل عدد كبير منهم بيد بابل.
مثكلة شعوبك: أتهم شعب الله أنهم يقتلون أبناءهم، فتصير شعوبهم أي أسباط هم وعشائرهم كالأمهات الثكلى؛ أي سيدات ضعيفات بعد موت أبنائهن.
يعد الله شعبه بتغيير حالته الضعيفة التي شمت بها الأعداء عندما قُتل من شعبه الكثيرون، فيعد أنه لن يقتل منهم أحد، وسوف يعيشوا كشعب قوى لا يتعرض لهجوم الأعداء، ما داموا متمسكين بالله.
ع15: في النهاية يعد شعبه بالتخلص من تعييرات الأعداء لهم؛ لأنه سيصير شعبًا قويًا يخافه الأعداء. ولا يوجد في شعب الله عثرات، أو ضعفات، بل يمتلئون إيمانًا ورجاءً وقوة.
† كل هذه الوعود يقدمها الله للمؤمنين التائبين الراجعين إليه. وتتم أيضًا في كنيسة العهد الجديد عند الإيمان بالمسيح، ثم تكمل في ملكوت السموات.
[3] تأديب الله لشعبه (ع16-21):
16- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا:17- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لَمَّا سَكَنُوا أَرْضَهُمْ نَجَّسُوهَا بِطَرِيقِهِمْ وَبِأَفْعَالِهِمْ. كَانَتْ طَرِيقُهُمْ أَمَامِي كَنَجَاسَةِ الطَّامِثِ،18- فَسَكَبْتُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ لأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سَفَكُوهُ عَلَى الأَرْضِ، وَبِأَصْنَامِهِمْ نَجَّسُوهَا.19- فَبَدَّدْتُهُمْ فِي الأُمَمِ فَتَذَرَّوْا فِي الأَرَاضِي. كَطَرِيقِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ دِنْتُهُمْ.20- فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا نَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ، إِذْ قَالُوا لَهُمْ: هؤُلاَءِ شَعْبُ الرَّبِّ وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِهِ.21- فَتَحَنَّنْتُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ الَّذِي نَجَّسَهُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا.
ع16، 17: طامث : المرأة أثناء دورتها الشهرية.
أنعم الله على شعبه بامتلاك أرض كنعان بعد خروجهم من برية سيناء، ونزع الشعوب الوثنية منها، وأهلكها بسبب شرورهم، ولكن للأسف لم يحيا شعب الله في الإيمان. ولكن عمل مثل الأمم شرورًا كثيرة، فنجسوا الأرض بطريقة لا تحتمل. ويشبه الله سلوكهم الشرير بخرقة الطامث التي لا يطيق أحد أن يحتفظ بها لأجل رائحتها ومنظرها الكريه.
ع18: يوضح الله هنا أسباب غضب الله على شعبه وهما سببان:
سفك الدم ويقصد به ظلمهم بعضهم لبعض باغتصاب الحقوق والإساءة للضعفاء، والتي قد تصل إلى تدبير مؤامرات لهم وقتلهم.
تركهم عبادة الله الذي أنعم عليهم بالأرض المملوءة خيرات وعبادتهم للآلهة الغريبة التي للأمم المحيطة.
ع19: تذروا: إنتثروا كما ينتثر القش بواسطة آلة زراعية تسمى المذراة، التي تفصل القش الذي يتطاير بعيدًا في الهواء، فتسقط حبوب القمح على الأرض، وبهذا تفصل القش عن القمح.
نتيجة هذه الشرور السابقة اضطر الله إلى تأديب شعبه، فشتتهم في بلاد العالم عن طريق السبي الأشوري، ثم البابلي، أي أن تفريقهم بين الأمم كان نتيجة إدانة الله لخطاياهم.
ع20: انتظر الله من أولاده -عندما تحل بهم ضيقة السبي- أن يرجعوا إليه بالتوبة، ولكنهم للأسف أختلطوا بالأمم وعبدوا أوثانهم، وكان هذا إساءة لإسم الله؛ لأن الأمم عرفت أن هذا شعب الله ومع هذا ترك الله وعبد الآلهة الغريبة، أي أنهم زادوا على شرورهم خطايا جديدة. وبهذا ظهرت أمام الأمم عثرة من شعب الله بسبب:
رأوا أن شعب الله مذلول ولم يجدوا فيهم قوة إلههم، أي أظهروا الله كأنه ضعيف لا يستطيع حماية شعبه.
رأوا احتقار شعب الله له، فتركوه وعبدوا آلهة الأمم التي تفرقوا بينها.
فكان المفروض أن يبشروا باسم الله بين الأمم، ويعلنوا قوته لتؤمن الأمم، أما هم فصنعوا عكس ذلك. فزاد تمسك الأمم بآلهتهم، التي هي شياطين.
ع21: يعطى الله رجاء في نجاة شعبه، ليس بسبب صلاحهم، بل لحنان الله عليهم. وقد تدخل الله ليحرك مشاعرهم بالتوبة حتى يرحمهم، ثم يرجعهم من السبي.
† ما أعجب حنانك يا الله، لأنك لا تتركنى مهما كانت خطاياى، ومازلت تعتبرنى من أولادك. فأعطنى أن أنتبه إلى بنوتى لك لأتوب، وأترك كل شرورى، وأرفض الانقياد وراء خطايا العالم، وأتمسك بوصاياك.
(4) إنقاذ الله شعبه من أجل اسمه (ع22-32):
22- «لِذلِكَ فَقُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لَيْسَ لأَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ لأَجْلِ اسْمِي الْقُدُّوسِ الَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ فِي الأُمَمِ حَيْثُ جِئْتُمْ.23- فَأُقَدِّسُ اسْمِي الْعَظِيمَ الْمُنَجَّسَ فِي الأُمَمِ، الَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ فِي وَسْطِهِمْ، فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكُمْ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ.24- وَآخُذُكُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ.25- وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِرًا فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. 26- وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ.27- وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا.28- وَتَسْكُنُونَ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا، وَتَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا.29- وَأُخَلِّصُكُمْ مِنْ كُلِّ نَجَاسَاتِكُمْ. وَأَدْعُو الْحِنْطَةَ وَأُكَثِّرُهَا وَلاَ أَضَعُ عَلَيْكُمْ جُوعًا. 30- وَأُكَثِّرُ ثَمَرَ الشَّجَرِ وَغَلَّةَ الْحَقْلِ لِكَيْلاَ تَنَالُوا بَعْدُ عَارَ الْجُوعِ بَيْنَ الأُمَمِ.31- فَتَذْكُرُونَ طُرُقَكُمُ الرَّدِيئَةَ وَأَعْمَالَكُمْ غَيْرَ الصَّالِحَةِ، وَتَمْقُتُونَ أَنْفُسَكُمْ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ وَعَلَى رَجَاسَاتِكُمْ. 32- لاَ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكُمْ. فَاخْجَلُوا وَاخْزَوْا مِنْ طُرُقِكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.
ع22: يعلن الله لشعبه أنه سينقذهم من العبودية في السبي، ليس من أجل استحقاقهم؛ ولكن لأنهم نجسوا اسمه بعبادتهم آلهة الأمم التي سكنوا بينهم، وتدخل الله هنا من أجل مجد اسمه. ولا يعنى هذا اهتمام الله بإسمه وإهماله لشعبه، بل محبته الشديدة لأولاده، الذين يدعى اسمه عليهم، فإن كانوا قد أصبحوا ضعفاء مستعبدين للخطية، فهو يحررهم، ويتمجد فيهم، وتظهر قوته المخلصة رغم أنهم لم يفعلوا شيئًا سوى توبتهم عن خطاياهم، واستعدادهم للحياة الجديدة مع الله.
ع23: إذا ظهرت قوة الله في إرجاع شعبه من السبي، يزيل الله عن شعبه كل ضعف وتظهر قوتهم. وعندما ترى الأمم قوة ومجد شعب الله يمجدون إلههم، أي يتمجد الله في أعين العالم كله.
ولأن الله يحب العالم وليس شعبه فقط، فهو يريد أن يجذبهم إلى الإيمان؛ لأن شعب الله هو وسيلة إيضاح ومثال يعمل فيه الله، وهو يريد خلاص كل الأمم، فهم خليقته وصورته ومثاله.
† إذا عمل الله معك خيرًا فاعلم أنه من أجل اسمه، فاشكره، وتجاوب مع محبته، وتب عن خطاياك، فتفيض عليك عطايا الله. وبهذا تكون صورة حسنة تمجد الله أمام كل من حولك.
ع24: يظهر إنقاذ الله وإصلاحه لشعبه في جمعهم من بين الأمم الذين تشتتوا بينهم بالسبي، ويعيدهم إلى أرضهم كشعب واحد، ويبنون الهيكل ويعبدونه.
هذا لا ينطبق فقط على الرجوع من السبي، ولكن تطبيق هذه النبوة أيضًا في إيمان أولاد الله من كل العالم بالمسيح، فيصيرون أعضاء في جسده الواحد، أي الكنيسة، وأرضهم هى الكنيسة، التي يجتمعون فيها، بعد أن كانوا مشتتين بأفكارغريبة هي أفكار العالم الذي عاشوا فيه.
وأيضًا جمع أولاد الله وعودتهم إلى أرضهم يكمل في رجوعهم إلى الفردوس، فقد طردوا منه في شخص أبوينا آدم وحواء، وعندما يؤمنون بالمسيح يعودون إليه، ليحيوا إلى الأبد مع الله. ثم تتوالى في الآيات التالية إصلاحات الله لشعبه، التي هي نابعة من الخلاص المقدم على الصليب، فالله مستعد أن يعمل بطرق كثيرة لإصلاح أولاده وانقاذهم من الشر.
ع25: كما كانت تنص شريعة العهد القديم أن يرش ماء على الذي تنجس لأى سبب فيطهر (لا14: 9) هكذا يستعير الله هذه العملية، ويعد أن يعملها مع شعبه ليطهروا من نجاساتهم التي صنعوها، أي عبادة الأوثان وكل الشهوات الردية، وهذا الماء الطاهر يرمز لماء المعمودية في العهد الجديد، الذي يطهر كل من ينزل إليه من جميع خطاياه ونجاساته.
ع26: يعد الله أنه من خلال ماء المعمودية، يغير طبيعة أولاده، فيكون لهم قلبًا جديدًا وروحًا جديدة، أي تصير لهم ميول للحياة مع الله وليس للخطية.
وهنا نجد نبوة واضحة عن المعمودية وعمل الروح القدس في العهد الجديد الذي حل في يوم الخمسين، ولذلك تعجب المسيح من نيقوديموس في (يو3) عندما لم يفهم الولادة من فوق بالروح القدس التي تتم في سر المعمودية، مع أنه دارس للشريعة والأنبياء وقرأ هذه النبوة.
ويعبر عن قساوة قلوبهم في تركهم لله وعبادة الأوثان بأن قلوبهم حجرية؛ لا تتفاعل مع الماء، ولكن الله يغير هذه القلوب، فتصير لحمية، أي يتجاوبون مع الله، ويتمتعون ببركات خلاصهم في حياتهم.
ع27: فرائضى: عبادتى.
أحكامى : وصاياى.
تأتى بعد هذا، العطية العظمى من الله، أن يعطى أولاده روحه القدوس الذي يجعلهم قادرين على السلوك بوصاياه والقيام بعبادته، أي يصيروا أولادًا حقيقيين له يعبدونه بالروح والحق، وقد تم هذا في العهد الجديد من خلال سر الميرون بسكن الروح القدس سكنى دائمة في الإنسان.
ع28: يعدهم الله أيضًا أن يرجعوا إلى أرضهم ويسكنون فيها، وهذا حدث فعلًا في الرجوع من السبي، وبهذا يعودون شعبًا خاصًا يؤمنون بالله ويعبدونه، ويتمتعون برعاية إلههم لهم.
وهذا يرمز إلى ميراث الأرض الروحية، أي الحياة الجديدة مع الله في كنيسة العهد الجديد، عندما يملك المسيح على قلوب المؤمنين به.
ثم يرمز بالأكثر إلى ملكوت السموات وهي الأرض الجديدة والسماء الجديدة، حين يتمتع المؤمنون بفرح مع إلههم إلى الأبد.
ع29: يكرر هنا الله أنه يخلص شعبه من نجاسات خطاياهم كما قال في (ع25) فلماذا هذا التكرار؟ ليؤكد أن عملية الخلاص مستمرة طوال الحياة على الأرض، ولا يتم الخلاص في لحظة. ويعدهم بالخيرات التي يرمز إليها بالحنطة التي يؤخذ منها الخبز، وبالتالي لن يتعرضوا للمجاعات، فيعدهم أن يعيشوا أطهارًا وفى شبع مستمر.
هذا يرمز للحياة الجديدة مع الله في الطهارة والشبع الروحي، سواء عند الرجوع من السبي، أو في كنيسة العهد الجديد، والتي تكمل في ملكوت السموات (رؤ7: 16).
ع30: يعلن الله مرة أخرى كثرة غلات الأرض وثمار الأشجار، وهذا يعنى النمو الروحي المستمر، والتزين بالفضائل التي ترمز إليها الثمار.
ع31: تمقتون: تكرهون.
يذكرهم الله بأهمية استمرار التوبة بتذكر الخطايا السابقة التي سامحهم الله عنها، ليس لأنها لم تغفر، ولكن للندم ورفض الخطايا وكراهيتها، إذ يكرهون أنفسهم التي كانت خاضعة للخطية؛ ليحيوا في البر. وهنا يؤكد أهمية حياة التوبة؛ لأن التوبة ليست لحظة، بل عملية مستمرة طوال الحياة.
لكن يراعى ألا يستغرق الإنسان في تذكر تفاصيل خطاياه السابقة؛ لئلا يحاربه إبليس بها ثانية ويسقطه، ولكن يتذكر فقط أنه خاطئ ويبكى على خطاياه، كما قال داود النبي "خطيتى أمامي في كل حين" (مز51: 3).
ع32: عندما يتوب شعب الله يشكرونه على النعمة التي يتمتعون بها بعد التوبة؛ لأنه هو واهبها وليست من صلاحهم الشخصى، أي يظلون دائمًا في شعور أنهم خطاة، ولكن الله هو الذي بدل حياتهم، وأعطاهم النعمة والتميز والفرح معه.
[5] إعادة بنيان الله لشعبه (ع33-38):
33- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي يَوْمِ تَطْهِيرِي إِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ آثَامِكُمْ، أُسْكِنُكُمْ فِي الْمُدُنِ، فَتُبْنَى الْخِرَبُ.34- وَتُفْلَحُ الأَرْضُ الْخَرِبَةُ عِوَضًا عَنْ كَوْنِهَا خَرِبَةً أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ عَابِرٍ. 35- فَيَقُولُونَ: هذِهِ الأَرْضُ الْخَرِبَةُ صَارَتْ كَجَنَّةِ عَدْنٍ، وَالْمُدُنُ الْخَرِبَةُ وَالْمُقْفِرَةُ وَالْمُنْهَدِمَةُ مُحَصَّنَةً مَعْمُورَةً.36- فَتَعْلَمُ الأُمَمُ الَّذِينَ تُرِكُوا حَوْلَكُمْ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، بَنَيْتُ الْمُنْهَدِمَةَ وَغَرَسْتُ الْمُقْفِرَةَ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَسَأَفْعَلُ.37- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبِّ: بَعْدَ هذِهِ أُطْلَبُ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَفْعَلَ لَهُمْ. أُكَثِّرُهُمْ كَغَنَمِ أُنَاسٍ،38- كَغَنَمِ مَقْدِسٍ، كَغَنَمِ أُورُشَلِيمَ فِي مَوَاسِمِهَا، فَتَكُونُ الْمُدُنُ الْخَرِبَةُ مَلآنَةً غَنَمَ أُنَاسٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع33: يستمر الله في وعوده لأولاده بعد عودتهم من السبي، فيعلن لهم أنه سيعطيهم مدنًا بدلًا من الأماكن المخربة، فيسكنون فيها كما كانوا قبلًا.
وهكذا نرى أن الخطية تخرب الإنسان، أما التوبة فتعطيه الاستقرار، الذي ترمز إليه المدن؛ لأنهم أصبحوا أطهارًا، فيليق بهم أن يسكنوا في أحضان الله وتحت رعايته.
وهذا كما قلنا يرمز ليس فقط للرجوع من السبي، بل للاستقرار الروحي في كنيسة العهد الجديد، ويكمل هذا الاستقرار في الأبدية، حيث الطهارة الكاملة.
ع34: يستمر الله في إعادة بناء شعبه، فلا يسكنون فقط في مدن بدل الأماكن المخربة، بل أيضًا يصلحون الأراضي المحيطة بمدنهم فيحرثونها ويزرعونها لتعطى ثمارًا حسنة.
وهذه الفلاحة ترمز إلى محاسبة الإنسان نفسه في التوبة، وزراعتها بالجهاد الروحي؛ لتمتلئ بالفضائل، أي الثمار.
وهكذا تظهر نعمة الله التي تعمل في الإنسان، فتسكنه مدنًا وتحيطه بزراعات وثمار. وهذا هو الجهاد الروحي، أي تجاوب الإنسان مع نعمة الله.
† إن يد الله ممدودة لك بالبركات والمعونة، فلا تتوانى عن الجهاد الروحي برفض خطاياك، والتمسك بوصايا الله، والاهتمام بعمل الخير.
ع35: يضيف الله في بنيان شعبه أنه يعطيهم أمرين:
تصير بلادهم جميلة جدًا بدرجة تفوق العقل، فتصير مثل جنة عدن، التي يتخيلها الإنسان بحسب ما ذكر في الكتاب المقدس، فهي تمتع عجيب بشركة الإنسان مع الله وهو محاط بخيراته من كل جانب.
تصير مدنهم محصنة لا يستطيع العدو أن يقتحمها، كما يحيط الله بأولاده فيخاف منهم إبليس ولا يستطيع أن يسقطهم في خطية. وتكون هذه المدن معمورة، أي ملآنة بالبشر، وهذا كناية عن بركة الله بكثرة شعبه وقوتهم.
فالحياة الجديدة جميلة جدًا وقوية، هذا ما يختبره الإنسان بسكن الله في قلبه، فيغير حياته تمامًا من الخراب إلى الجنة، ومن الضعف الشديد إلى القوة المحصنة التي لا يستطيع إبليس أن يقتحمها، بل تكون معمورة، وهذا يرمز للثمار الروحية الكثيرة.
ع36: حينما سُبى بلاد شعب الله ترى الأمم المحيطة بهم، الذين بقوا بعد الهجوم البابلي وترك الله لهم فرصة أن يعيشوا، فيشاهدون هذا البنيان ويرون قوة إله إسرائيل، لعل هذا يقودهم إلى الإيمان به وترك آلهتهم الضعيفة.
من هذه الآية نفهم محبة الله للأمم وليس لشعبه فقط، فهو يريد خلاصهم ولكن أعطى بركاته لشعبه ليجذب ليس فقط المؤمنين، بل كل الأمم، وهذا ما حدث عند الإيمان بالمسيح. يؤكد الله في نفس الآية أنه تكلم بنبوات هذا الأصحاح وسيتتممها.
ع37: عندما يرى شعب الله أعماله العجيبة معهم يثبت إيمانهم به فيطلبونه؛ ويصير هو إلههم وليس أية آلهة غريبة.
يقول الله عن شعبه أنهم غنم أناس، أي يشبه الناس بالغنم، وقد سبق ذكر هذا في (حز 34). وتشبيه أولاده بالغنم لها معانٍ كثيرة، من أهمها:
الغنم يتميز بالطاعة للراعى والانقياد وراءه.
الغنم يتحرك كقطيع، كما أن المؤمنين أعضاء في جسد واحد، أي متحدون في المسيح.
الغنم مستعد أن يذبح لأجل راحة الآخرين، كما ذبح المسيح لأجل شعبه، وكذلك المؤمنون يبذلون حياتهم من أجل المسيح ولخدمة من حولهم.
ع38: يؤكد الله هنا أنه يقصد بالغنم أولاده، ويصفهم بأنهم مقدسون وأنهم يملأون أورشليم المدينة المقدسة، كما تدخل قطعان الغنم إلى أورشليم في مواسم الرب وفى أعياده؛ لتذبح على مذبحه، هكذا أيضًا تمتلئ أورشليم بشعب الله الذي يعبده ومستعد أن يضحى بحياته لأجله.
يختم الله هذه الآية بأن شعبه عندما يرى عمله ببنيان مدنهم وعمله الداخلي فيهم، يثقون أنه إلههم فيعبدونه بفرح.
نرى في هذا الأصحاح -كما قلنا- ليس فقط نبوات عن الرجوع من السبي، ولكن بالأكثر نبوات عن عمل الروح القدس في العهد الجديد والتي تظهر فيما يلي:
عناية الله بأولاده (ع8-15).
تحننه على شعبه من أجل اسمه (ع16-22).
جمع الله لشعبه (ع24).
تجديد الطبيعة في المعمودية (ع25، 26).
سكنى الروح القدس الدائم في المؤمن في سر الميرون (ع27).
القدرة على تنفيذ وصايا الله (ع27).
الوعد بالحياة الأبدية (ع28).
يهبهم الثمار الروحية (ع29).
يحيون التوبة الدائمة وسر الاعتراف (ع31).
البنيان الروحي والتزين بالفضائل، فيصير المؤمن كالجنة (ع35).

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السابع والثلاثون
رؤيا العظام الجافة ونبوة العصويين
(1) رؤيا العظام الجافة والقيامة (ع1-14)
[2] نبوة العصوين والوحدانية (15-28)
(1) رؤيا العظام الجافة والقيامة (ع1-14):
1- كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ، فَأَخْرَجَني بِرُوحِ الرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسْطِ الْبُقْعَةِ وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَامًا، 2- وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا عَلَى وَجْهِ الْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدًّا. 3- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هذِهِ الْعِظَامُ؟» فَقُلْتُ: «يَا سَيِّدُ الرَّبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ». 4- فَقَالَ لِي: «تَنَبَّأْ عَلَى هذِهِ الْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْيَابِسَةُ، اسْمَعِي كَلِمَةَ الرَّبِّ: 5- هكذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِهذِهِ الْعِظَامِ: هأَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحًا فَتَحْيَوْنَ.6- وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَبًا وأَكْسِيكُمْ لَحْمًا وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْدًا وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحًا، فَتَحْيَوْنَ وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».7- فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ صَوْتٌ، وَإِذَا رَعْشٌ، فَتَقَارَبَتِ الْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ.8- ونَظَرْتُ وَإِذَا بِالْعَصَبِ وَاللَّحْمِ كَسَاهَا، وبُسِطَ الْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ.9- فَقَالَ لِي: «تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هكذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ الرِّيَاحِ الأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هؤُلاَءِ الْقَتْلَى لِيَحْيَوْا». 10- فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ الرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدًّا جِدًّا. 11- ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هذِهِ العِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ انْقَطَعْنَا. 12- لِذلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هكذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي، وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 13- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. 14- وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيَوْنَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع1: البقعة : منطقة، أو مكان.
بدأت هذه الرؤية بقيادة الله لحزقيال، فأخرجه من المدينة التي يسكن فيها إلى مكان محدد، أو منطقة، لعلها كانت وادى، ليرى فيه هذه الرؤيا.
ونلاحظ ظهور الثالوث في هذه الآية، فاليد ترمز للأقنوم الثاني قوة الله، والرب يرمز للأقنوم الأول الآب، وروح الرب هو الروح القدس الأقنوم الثالث.
ويد الرب تظهر هنا؛ لتعلن لنا أنه بتجسد المسيح تتحول العظام الجافة إلى بشر أحياء، أي أن المسيح المتجسد ينقلنا من الموت إلى الحياة.
لا يستطيع حزقيال، أو أي إنسان أن يخرج وينظر الموت وحده وإلا ييأس، لكن لو كانت معه يد الرب - أي قوته تسنده - يستطيع أن يواجه نفسه، مهما كانت في ضعف، أو موت؛ لأن قوة الله قادرة أن تحييه.
ويقول هنا حزقيال أنه أنزلنى إلى البقعة إشارة إلى أمرين:
لعل هذه البقعة كانت وادي كما ذكرنا.
أن الخطية تحدر الإنسان إلى الموت إلى أسفل حيث العظام الجافة.
وهذه العظام ترمز إلى الموت الذي كان فيه:
شعب الله المسبى في العبودية، فهو كأنه ميت ليس له قومية، أو قوة، أو عبادة في الهيكل.
الأمم البعيدة عن الله في عبادة الأوثان، فهي ميتة في نظر الله.
الإنسان في حالة الخطية يعتبر ميت في نظر الله إلى أن يتوب.
ع2: أمرنى: أخذنى الرب حتى أمشى حول الوادى، أي البقعة؛ لأرى كل ما فيها.
أراد الله أن ينظر حزقيال بنفسه البقعة المملوءة عظامًا. وكانت هذه العظام جافة، أي أن أصحابها قد ماتوا منذ زمن طويل؛ لأن العظام تكون لينة وحولها بعض اللحم بعد الموت، ومع الوقت يتحلل اللحم وتصير العظام أيضًا جافة.
ومرور حزقيال يرمز لأهمية أن ينظر الإنسان ويفحص حالته، ليعرف إلى أي مدى قد وصل، أي أصبحت حياته موت وجفاف؛ حتى بعد هذا يتوب. وترمز أيضًا إلى أن الخادم ينبغى أن يفحص أولاده ويميز حالتهم مهما كانت سيئة؛ حتى يستطيع معالجتهم.
والبقعة ترمز لأرض شعب الله الذين أصبحوا أمواتًا روحيًا منذ زمن طويل. وترمز أيضًا إلى العالم كله، الذي مات فيه الوثنيون؛ لابتعادهم عن الله وعبادة الأوثان.
وكانت كثيرة جدًا، وهذا معناه أن معظم الناس، أو كلهم قد ماتوا روحيًا، كما يقول الكتاب "الجميع زاغوا وفسدوا معًا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو3: 12).
والعظام اليابسة تعنى أنهم انغمسوا في الخطية وماتوا منذ زمن طويل، وهم ليسوا حديثى الخطية ولكن حالتهم متأخرة، بل بحسب الرؤيا البشرية، لا أمل من إحيائهم، ولكن الله القادر على كل شيء يستطيع أن يقيمهم من الموت.
ع3: سأل الله حزقيال: هل يمكن أن تحيا هذه العظام اليابسة؟ والرد المنطقي لا. ولكن يظهر هنا إيمان حزقيال وخضوعه لله، فقال له "يا سيد الرب أنت تعلم"، كما قال بطرس للمسيح عند بحيرة طبرية "يا رب أنت تعلم كل شئ" (يو21: 17).
ويقصد بحياة هذه العظام، أي هل يمكن أن يعود شعب الله من السبي؟ أو هل يمكن أن يرجع الخاطئ المتمادي في خطيته؟ أو هل يمكن أن يؤمن العالم الوثني؟
كل هذا ممكن لأن الله قادر على كل شيء، وقد أرجع شعبه من السبي، عندما تابوا وآمنوا به. وخلص المسيح العالم بفدائه، فآمن به الكثيرون من الأمم واليهود ورجع كثيرٌ من الخطاة، الذين تمادوا سنينًا طويلة في خطاياهم، بل وصاروا قديسين.
ورغم أن النبوات كثيرة عن المسيا المنتظر، القادر على خلاص المؤمنين به من الموت، ولكن ذهن شعب الله كان منشغلًا بالخطية عن كلامه. فيسأل الله حزقيال، وهم في حالة الموت هذه، أي أنهم العظام اليابسة، هل ممكن أن يفهموا النبوات عن المسيا المنتظر ويؤمنوا فيحيوا؟
ع4: إذ ظهر عجز الإنسان في شكل حزقيال عندما سلم أمره لله وقال له أنت تعلم، تدخل الله وأمره أن يتنبأ على هذه العظام، ويأمرها أن تسمع كلمة الله. وكلمة الله هي المسيح الذي بفدائه أعطى الحياة للإنسان الذي كان محكومًا عليه بالموت نتيجة خطاياه.
وهنا يبدأ العمل الإلهي المعجزى فيما يلي:
إرجاع شعب الله المسبى في العبودية، أي كان شعبًا ميتًا، والآن يحييه الله بإعادته من السبي.
تتم هذه النبوة في كل إنسان عندما يحييه الله من موت الخطية بالتوبة، وهذا ما يسميه الكتاب المقدس القيامة الأولى.
تتم هذه النبوة في ملء الزمان بإحياء الإنسان من الموت بفداء المسيح له على الصليب.
تكمل هذه النبوة في القيامة الثانية، أي في نهاية الأيام، عندما تقوم الأجساد الميتة وتدخل إلى الحياة الأبدية.
ع5: أعلن الله للعظام أنه سيحييها بقوة روحه القدوس، وهنا يظهر تكامل عمل الأقانيم في حياة الإنسان. فالروح القدس هو المسئول عن إحياء الإنسان من موت الخطية، كلما سقط فيه وذلك عن طريق التوبة. وسيذكر في الآيات التالية تفاصيل إحياء الإنسان من الموت.
ع6: بين الله لحزقيال ما سيحدث لإحياء العظام اليابسة وهو:
يضع على العظام عصبًا. والأعصاب هي التي تعطى الإنسان الإحساس؛ لأن الخطية تفقد الإنسان إحساسه بالله والقدرة على التمييز.
يكسى العظام لحمًا. واللحم يعنى العضلات، أي يعطى الإنسان الميت القدرة على الحركة. فالميت في الخطية عاجز عن السير في طريق الله.
يضع على اللحم والأعصاب جلدًا. والجلد يمثل الحماية، وكذلك أيضًا الجمال الخارجي. لأن الميت بالخطية لا يستطيع مقاومة إبليس، بل يضربه بخطايا متوالية، ويفقده جماله الذي كان له أمام الله. فبإحياء الإنسان من موت الخطية، يستعيد جماله الذي خلقه الله عليه، ويصير في حماية الله.
بعد تكامل مظهر الإنسان يحتاج للروح التي تحييه. عندما تم تفاصيل إحياء الإنسان، يعرف الله ويؤمن به، لأنه سر حياته. وعمل الله هنا ليس في معجزة خارجية يراها الإنسان، بل في حياته الخاصة؛ لأن إحياء الإنسان من موت الخطية هو أهم معجزة.
ع7: رعش: اهتزاز، أو ارتجاف.
أطاع حزقيال الله وتنبأ على العظام في (ع4)، وعندما تنبأ سمع صوت، هو صوت الروح القدس الذي يعمل لإحياء الإنسان، وهو صوت كلمة الله المسيح المعطى الحياة بروحه القدوس.
ونظر حزقيال فوجد العظام اليابسة ترتعش وتتحرك وتقترب من بعضها؛ لتكون هيكل عظمى لإنسان وهذا يبين:
قدرة الله على إرجاع الإنسان من الموت إلى الحياة، كما أعاد شعبه من السبي.
دقة الله وترتيبه في إعادة الإنسان للحياة ووضع كل عظم في مكانه؛ ليكون الإنسان في صورة كاملة بدقة تساعده على أفضل حياة؛ لأن كل جزء في جسم الإنسان ونفسه رتبه الله بدقة تفوق العقل.
وهكذا نرى قدرة الروح القدس على إحياء الإنسان الذي حطمته الخطية وبعثرت إمكانياته وأفسدتها، فيعيدها لتكون على أكمل وجه، أي يخلقها من جديد.
ومن الجميل اهتمام الله بإشراك الإنسان الخادم في عمله، فقد كان الله قادرًا أن يحيى العظام بدون حزقيال، ولكنه يأمره أن يتنبأ على العظام؛ ليشترك في التمتع برؤية عمل الله. ويظهر هذا أيضًا اتضاع الله في أن يعطى مجده لخدامه.
وقد لاحظنا في الكتاب المقدس استخدام الله للرعش في أماكن كثيرة، مثل الزلزلة التي حدثت عند قيامة المسيح (مت28: 2)، وكذلك شاول الطرسوسى ارتعد عندما قابله المسيح في طريقه إلى دمشق (أع9: 6)، وصلى بولس وسيلا فحدثت زلزلة وتزعزعت أساسات السجن في فيلبى (أع16: 26).
† ما أعظم تدبير الله لحياتك، فاشكره على كل شيء يحدث معك. وثق أن تدابيره هي أفضل شئ، وأنه قادر على إحيائك، مهماكانت حياتك ميتة بالخطية، أو تعانى من مشاكل صعبة. أطلبه بلجاجة واطمئن فهو معك ويدبر كل أمورك.
ع8: بدأ الله في إحياء العظام، فوضع الأعصاب على العظام وكذلك اللحم، ثم كساها بالجلد. أصبح لها منظر الإنسان الكامل بكل أعضائه ولكن لا تتحرك، لأنه لم يعطها الروح بعد. وهذا ما يتم في سر المعمودية، إذ ينال الإنسان الطبيعة الجديدة، ولكن بعد هذا ينال الروح القدس، فيستطيع أن يحيا مع الله.
وإن كنا نرى في الآيات (ع5، 6) كلامًا على أن الله قد أعطى الروح، فهو يقصد أن يعطيها الطبيعة الجديدة بكل مكوناتها، ولكن القدرة على الحياة والحركة لم تأخذها بعد، بل ستنالها في مرحلة تالية، كما سيظهر في (ع9).
الله ليس عنده زمن، ولكن يذكر هنا المراحل بالتفصيل، ليفهم الإنسان ما يحدث في حياته لكيما يحيا. فالله يهبه طبيعة قابلة للتشبه به في المعمودية، ثم قوة ليحيا معه في الميرون. وهذا يشبه إعطاء المسيح الروح القدس لتلاميذه بعد قيامته، عندما نفخ في وجوههم وقال لهم اقبلوا الروح القدس وأعطاهم سلطان غفران الخطايا (يو20: 22)، ولكنهم لم يمارسوا سلطانهم هذا إلا بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين. فإعطائهم الروح القدس في المرة الأولى يعنى تأسيس سر الكهنوت وسر الاعتراف، ولكن القدرة على ممارسة هذه الأسرار تمت في يوم الخمسين.
ع9: بعد أن تكامل منظر البشر في الوادى، أمر الله حزقيال أن يتنبأ للروح حتى تحل عليهم. فبدأ حزقيال يتنبأ ويخاطب الروح؛ حتى تأتى وتحل وتُحي. وهذه هي المرة الوحيدة في الكتاب المقدس التي يخاطب فيها الإنسان الروح القدس، وامتدادًا لهذا نخاطبه في الأجبية في صلاة الساعة الثالثة ونقول له "أيها الملك السمائى .." ونفهم من هذا ضرورة أن يطلب الإنسان الروح القدس ليعمل فيه، لأنه إن لم يطلب فلن ينال؛ لأنه "يعطى الروح القدس للذين يسألونه" (لو11: 13). يفهم أيضًا من هذه الآية سلطان الكهنوت أن يستدعى الروح القدس ليحل في أسرار الكنيسة.
طلب حزقيال من الروح أن يأتي من الرياح الأربع، أي من أركان المسكونة الأربع؛ لأن روح الله سيحل في كل مكان على المؤمنين بالمسيح. ونرى العلاقة بين الروح والرياح واضحة؛ لأن أصل الكلمة العبري "رواح" معناه واحد. ويظهر هذا واضحًا في يوم الخمسين، عندما هبت ريح، ثم حل الروح القدس على شكل ألسنة نارية (أع2: 1).
يصف الله البشر الراقدين في الوادى بأنهم قتلى، لأن الخطية قتلتهم، والروح القدس الآن يحييهم.
وكان حزقيال يشعر بعدم تجاوب اليهود المحيطين به في السبي، إذ كانوا أمواتًا من جهة كلمة الله. ولكن في هذه الرؤيا يدب الرجاء في قلبه بقدرة الله على تغييرهم حتى يقبلوا كلامه.
ع10: أطاع حزقيال وطلب من الروح أن يحل على القتلى، فنالوا قوة وقاموا وتحركوا كجيش عظيم جدًا.
ونرى في هذا قوة الله القادرة على عمل المعجزات والتي تعطى الإنسان القدرة على العمل الإيجابى، فيستطيع أن يصد هجمات إبليس وينتصر.
ع11: يوضح الله لحزقيال حالة اليأس التي وصل إليها شعب الله لانغماسه في الخطية، فلم يعد له رجاء في الرجوع من السبي. والله هنا يعلن قدرته على إحيائهم. وإعادتهم إلى بلادهم كشعب واحد هو إسرائيل، وليس مملكتين منقسمتين، أي إسرائيل ويهوذا، كما كان قبل السبي.
وكلمة إسرائيل معناها يصارع الله، كما غير الله اسم يعقوب إلى إسرائيل عندما صارعه، أى أن شعبه يعود، فيكون بيت إسرائيل، الذي يعتمد في قوته على الصلاة ومصارعة الله، فيثبت أمام أعدائه. وهذا ما حدث في الرجوع من السبي، وكذلك في إسرائيل الجديد - أي المسيحيين - وما يحدث لكل إنسان عند توبته وما سيحدث في نهاية الأيام، عندما يدخل المؤمنون إلى الحياة الأبدية.
ويفهم من هذه الآية أن موت الجسد ليس هو المقصود بالعظام اليابسة، بل الموت الروحي. لأن شعب الله يقول عن نفسه أن عظامه قد يبست، هذا ما شعره بسبب خطاياه وذله في عبودية السبي، ولكن الله يعود فيحييه بسبب توبته وإيمانه به.
ع12، 13: يبشر الله شعبه بأنه سيصعدهم من قبورهم، فهم أحياء ولكن قبورهم الداخلية هي خطيتهم، التي انتنت في داخلهم. فماداموا قد تابوا، فهو يعدهم بأن يقيمهم من موت الخطية؛ ليحيوا معه. ويقيمهم أيضًا بعد ذلك من موت عبودية السبي، ويرجعهم إلى أرضهم.
وماداموا قد تابوا فالله بحنانه يلقبهم بشعبى، أي بالتوبة يستطيع الإنسان أن ينتسب لله، ويستعيد بنوته له.
عندما يتم كلام الله ويرجعون إلى أرضهم، أو عندما ينال التائب حياة جديدة في الله، يثق بصدق كلام الله ووعوده.
† عندما تسيطر الخطية عليك ويحاربك اليأس لطول مدة زمانها معك، فلا تنزعج، لأن الله قادر أن يقيمك من قبر خطيتك ويحررك من كل آثامك. ثق فيه واطلبه بلجاجة وثابر في جهادك، فبقوته حتمًا ستنتصر.
ع14: عندما يتم كل ما سبق يثق شعب الله في نبوات حزقيال، إذ يرون فعل الله في حياتهم، بل يعدهم الله أن يستمر في العمل معهم، عندما يقول في نهاية الآية "وأفعل"؛ لأن الإنسان محتاج لعمل الله الدائم في حياته الجديدة؛ ليثبت في الله طوال حياته.
[2] نبوة العصوين والوحدانية (15-28):
15- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 16- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، خُذْ لِنَفْسِكَ عَصًا وَاحِدَةً وَاكْتُبْ عَلَيْهَا: لِيَهُوذَا وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ رُفَقَائِهِ. وَخُذْ عَصًا أُخْرَى وَاكْتُبْ عَلَيْهَا: لِيُوسُفَ، عَصَا أَفْرَايِمَ وَكُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ رُفَقَائِهِ. 17- وَاقْرِنْهُمَا الْوَاحِدَةَ بِالأُخْرَى كَعَصًا وَاحِدَةٍ، فَتَصِيرَا وَاحِدَةً فِي يَدِكَ. 18- فَإِذَا كَلَّمَكَ أَبْنَاءُ شَعْبِكَ قَائِلِينَ: أَمَا تُخْبِرُنَا مَا لَكَ وَهذَا؟ 19- فَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا آخُذُ عَصَا يُوسُفَ الَّتِي فِي يَدِ أَفْرَايِمَ وَأَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ رُفَقَاءَهُ، وَأَضُمُّ إِلَيْهَا عَصَا يَهُوذَا، وَأَجْعَلُهُمْ عَصًا وَاحِدَةً فَيَصِيرُونَ وَاحِدَةً فِي يَدِي. 20- وَتَكُونُ الْعَصَوَانِ اللَّتَانِ كَتَبْتَ عَلَيْهِمَا فِي يَدِكَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. 21- وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا آخُذُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ الَّتِي ذَهَبُوا إِلَيْهَا، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَآتِي بِهِمْ إِلَى أَرْضِهِمْ، 22- وَأُصَيِّرُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الأَرْضِ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، وَمَلِكٌ وَاحِدٌ يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ أُمَّتَيْنِ، وَلاَ يَنْقَسِمُونَ بَعْدُ إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ. 23- وَلاَ يَتَنَجَّسُونَ بَعْدُ بِأَصْنَامِهِمْ وَلاَ بِرَجَاسَاتِهِمْ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ مَعَاصِيهِمْ، بَلْ أُخَلِّصُهُمْ مِنْ كُلِّ مَسَاكِنِهِمِ الَّتِي فِيهَا أَخْطَأُوا، وَأُطَهِّرُهُمْ فَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا. 24- وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ، فَيَسْلُكُونَ فِي أَحْكَامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. 25- وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ عَبْدِي يَعْقُوبَ إِيَّاهَا، الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 26- وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْدًا مُؤَبَّدًا، وَأُقِرُّهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 27- وَيَكُونُ مَسْكَنِي فَوْقَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 28- فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُ إِسْرَائِيلَ، إِذْ يَكُونُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ».
ع15-17: يعطى الله هنا نبوة جديدة لحزقيال بوسيلة إيضاح ملموسة مرئية، كما في نبوة العظام اليابسة، أي لم يكتف بنبوة كلامية، بل أيدها بشكل مرئى، ليؤكدها ويثبها لحزقيال وكل الشعب المحيط به.
فطلب الله من حزقيال أن يأخذ عصا ويكتب عليها اسم يهوذا ورفقائه، ويقصد من ضمنتهم مملكة يهوذا من الأسباط الأخرى، مثل سبط بنيامين وبعض من سبط شمعون، أو أي شخص من الأسباط الأخرى اقترن وعاش في مملكة يهوذا، أي المملكة الجنوبية.
وطلب منه أيضًا أن يأخذ عصا أخرى، ويكتب عليها اسم يوسف ويقصد به نسله، أي أفرايم؛ لأن أفرايم كان أكبر أسباط مملكة إسرائيل عددًا، وهذه العصا لأفرايم ورفقائه من باقى الأسباط، أي كل من سكنوا في مملكة إسرائيل، التي هي المملكة الشمالية.
أعطى الله عصا ليهوذا؛ لأن منه يأتي المسيح، والأخرى ليوسف لأن له البكورية (1 أخ5: 2)؛ لذا قال يوسف ثم أفرايم ولم يقل أفرايم فقط.
ثم طلب الله من حزقيال أن يقرن العصوين معًا؛ ليصيرا عصا واحدة في يده، وهذا يرمز لعدة أمور:
وحدانية شعب الله عند عودته من السبي، فيصير شعبًا واحدًا وينتهى الانقسام فيه؛ لأنه بالتوبة والرجوع إلى الله ينال الشعب وحدانيته، وكذلك الإنسان باتحاد روحه بجسده فلا يكون منقسمًا على نفسه.
هاتان العصوان هما العارضتان الرأسية والأفقية للصليب. ففى الصليب تنال البشرية الخلاص من عبودية الخطية، باتحادها مع الله، أي اتحاد الأرض والسماء؛ التي تمثلها العارضة الرأسية، أما العارضة الأفقية فتمثل اتحاد البشرية معًا في جسد المسيح. وهكذا بالصليب يستعيد الإنسان علاقته بالله واتحاده باخوته البشر، بعد أن فقد كل هذا بسبب الخطية. وعلى الصليب، أي العصوين كتبت أسماء شعب الله كله؛ لأن المسيح مات عن كل البشرية، فهذا يشجع الإنسان، ويعطيه رجاء ليتمسك بالصليب، مهما كان خاطئًا لينال الخلاص.
والعصوان ترمزان -في اتحادهما، بيد الله، في يد نبيه حزقيال- إلى القيامة، فهاتان العصوان الجافتان تعطيا حياة إذا كانتا في يد الله. وينال شعب الله كجماعة واحدة خلاصًا وقيامة في الكنيسة، بالإضافة إلى قيامة كل إنسان في المسيح، فالقيامة تعطى لكل إنسان كفرد، وفى نفس الوقت هي قيامة للكنيسة المتحدة في جسد المسيح.
ويفهم مما سبق أن العصوين ترمزان للكنيسة التي تحوى أسماء شعب الله المؤمنين به، وينالون الخلاص والقيامة في المسيح، وهو يكون رأسهم، كما يظهر من (ع22، 24). فالمؤمنون أعضاء في جسد واحد، والمسيح هو الرأس (كو2: 19).
ع18-21: أخبر الله حزقيال أنه إذا سأله شعبه عن العصوين يعلمهم أن العصوين صارتا واحدة في يد الله، أي أن مملكتى يهوذا وإسرائيل ستتحدان وتعودان شعبًا واحدًا من السبي، بعد أن تفرقا بين الأمم سنينًا طويلة في عبودية السبي.
وهذا الاتحاد يحدث أيضًا في كل إنسان عندما تتحد روحه بجسده ويخضع لله، فيملك عليه؛ لأنه صار في يد الله مؤمنًا به فينال هذه الوحدانية.
ع22: يضيف الله أن شعبه سيعود من السبي أمة واحدة وقوية، عندما يقول على جبال إسرائيل؛ لأن الجبل يرمز للقوة، والارتفاع إلى السماء للثبات، فيكونون شعبًا، قويًا، ثابتًا، مرتفعًا بقلبه إلى السماء.
ولن ينقسم بنو إسرائيل إلى مملكتين، هما يهوذا وإسرائيل، كما حدث قبلًا، بل يظلان في وحدانية؛ لأن الضيقة وحدتهما وأخضعتهما لله، وقد حدث هذا بالفعل، حتى أتى المسيح.
وسر قوة ووحدة هذا الشعب أنه يملك عليهم ملك واحد، هذا الملك، ليس فقط المقام من مملكتى مادى وفارس، أو المملكة اليونانية التي تلتها، ولكن يقصد بالأحرى المسيح الذي يملك على شعبه في كنيسته.
ع23: يعد الله شعبه المؤمن به والراجع من السبي أنه يخلصه من عبادة الأوثان والشهوات الشريرة، التي سيطرت عليه قبل السبي. ولن توجد مساكن للشر بينهم، مثل بيوت الدعارة وبيوت المأبونين، بل يملك الله على قلوبهم ويكون هو وحده إلههم، فيختبرون الملكوت على الأرض، إلى أن يصلوا إليه ويتمتعوا به في السماء.
ع24: يعلن الله بوضوح هنا أن الملك الحقيقي الذي يملك على شعبه هو داود. وبالطبع داود كان قد مات منذ زمن طويل قبل حزقيال، والمقصود هنا هو المسيح، الذي يملك على قلوب المؤمنين به في كنيسته ويرعاهم بعنايته، فيستطيعون أن يسلكوا في وصاياه، أي أحكامه ويتمسكون بعبادته، أي فرائضه.
ولكيما يتمتع الشعب برعاية الله ينبغى أن يخضع له كملك، أي يسلك في أحكامه وفرائضه.
ع25: عندما يعود اليهود من السبي سيسكنون في أرض كنعان، التي وهبها الله لأسباط إسرائيل نسل يعقوب، ويملكون فيها إلى الأبد. وليس المقصود بالطبع الملك الأرضى؛ لأن داود كان قد مات، بل المقصود المسيح الذي يملك على قلوب أولاده المسيحيين إلى الأبد، أي ليس في الأرض فقط، بل بالأحرى في السماء.
ع26: أقرهم: أثبتهم.
يستكمل الله حديثه عن شعبه في العهد الجديد، فيقطع معهم عهدًا أبديًا ليعطيهم ملكوت السموات، ويثبتهم فيه ويجعل مقدسه، أي مذبحه في وسطهم، ويتحد بهم في سر الإفخارستيا؛ حتى يرفعهم إلى السماء ليتحدوا به إلى الأبد.
وهكذا لا يتعلق شعب الله بمذبح فقط في أورشليم، بل بالمسيح الذبيح، الذي يتحد بأولاده في العهد الجديد، ويظل معهم إلى الأبد. ولا يستطيع أحد أن يهدم مذبحهم، كما حدث في تدمير هيكل أورشليم؛ لأن المسيح متحد بشعبه ويسكن فيهم وهم هياكل لروحه القدوس.
ويتمتعون بسلام العهد مع الله، إذا آمنوا بصليب الحب الذي بذل نفسه عليه لأجلهم، فيصيروا كالعصوين، ويستطيعوا أن يحبوا بعضهم بعضًا، فيدخلوا في عهد السلام مع الله ويملك عليهم.
ع27: يضيف الله أنه سيسكن فوق شعبه، أي يملك على قلوبهم، وبهذا يصيرون هيكلًا له، أو يرفعهم لمستوى الكاروبيم الذي يحمل عرشه، كما وصف لنا حزقيال في الأصحاح الأول من نبوته. وبهذا يتمتع شعب الله ببنوتهم له وبرعايته الإلهية.
ع28: الله يظهر محبته لكل البشرية، فعندما يملك على شعبه ويقدسهم، يكونون مثالًا ونورًا للعالم؛ حتى تؤمن الأمم بالمسيح ويحيون معه.
† الله يريد خلاص الكل، فلا تحتقر إنسانًا، أو تكرهه، أو تيأس منه، لأن نفسه غالية جدًا عند الله وهو مات لأجل خلاصنا، بل قدم محبتك للكل، وصلى لأجل كل من يسئ إليك.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثامن والثلاثون
جوج وماجوج
يتكلم هذا الأصحاح والأصحاح التالي عن حرب يقودها ملك يدعى جوج، ومعه مجموعة من الشعوب ضد شعب الله، وكيف تدخل الله وأنقذ شعبه. وتذكر إشارة إلى هذه الحرب التي ستتم في نهاية الأيام في (رؤ20). وهذا يبين أن عمل الله في تجديد شعبه وإحيائهم من بعد الموت كما جاء في (حز 37) ليس معناه أن يتكاسل شعبه؛ لأن أعداءه سيهاجمونه، فإن كان مستعدًا ومتمسكًا بالله سينجيه الله منهم وسينصره عليهم.
(1) مؤامرة جوج وجماعته على إسرائيل (ع1-13)
[2] هجوم جوج (ع14-16)
[3] انتقام الله من جوج (ع17-23)
(1) مؤامرة جوج وجماعته على إسرائيل (ع1-13):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ عَلَى جُوجٍ، أَرْضِ مَاجُوجَ رَئِيسِ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جُوجُ رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ. 4- وَأُرْجِعُكَ، وَأَضَعُ شَكَائِمَ فِي فَكَّيْكَ، وَأُخْرِجُكَ أَنْتَ وَكُلَّ جَيْشِكَ خَيْلًا وَفُرْسَانًا كُلَّهُمْ لاَبِسِينَ أَفْخَرَ لِبَاسٍ، جَمَاعَةً عَظِيمَةً مَعَ أَتْرَاسٍ وَمَجَانَّ، كُلَّهُمْ مُمْسِكِينَ السُّيُوفَ. 5- فَارِسَ وَكُوشَ وَفُوطَ مَعَهُمْ، كُلَّهُمْ بِمِجَنٍّ وَخُوذَةٍ، 6- وَجُومَرَ وَكُلَّ جُيُوشِهِ، وَبَيْتَ تُوجَرْمَةَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ، شُعُوبًا كَثِيرِينَ مَعَكَ. 7- اِسْتَعِدَّ وَهَيِّئْ لِنَفْسِكَ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَاتِكَ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَيْكَ، فَصِرْتَ لَهُمْ مُوَقَّرًا. 8- بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ تُفْتَقَدُ. فِي السِّنِينَ الأَخِيرَةِ تَأْتِي إِلَى الأَرْضِ الْمُسْتَرَدَّةِ مِنَ السَّيْفِ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي كَانَتْ دَائِمَةً خَرِبَةً، لِلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ الشُّعُوبِ وَسَكَنُوا آمِنِينَ كُلُّهُمْ. 9- وَتَصْعَدُ وَتَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ أَنْتَ وَكُلُّ جُيُوشِكَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ.10- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أُمُورًا تَخْطُرُ بِبَالِكَ فَتُفَكِّرُ فِكْرًا رَدِيئًا،11- وَتَقُولُ: إِنِّي أَصْعَدُ عَلَى أَرْضٍ أَعْرَاءٍ. آتِي الْهَادِئِينَ السَّاكِنِينَ فِي أَمْنٍ، كُلُّهُمْ سَاكِنُونَ بِغَيْرِ سُورٍ وَلَيْسَ لَهُمْ عَارِضَةٌ وَلاَ مَصَارِيعُ، 12- لِسَلْبِ السَّلْبِ وَلِغُنْمِ الْغَنِيمَةِ، لِرَدِّ يَدِكَ عَلَى خِرَبٍ مَعْمُورَةٍ وَعَلَى شَعْبٍ مَجْمُوعٍ مِنَ الأُمَمِ، الْمُقْتَنِي مَاشِيَةً وَقُنْيَةً، السَّاكِنُ فِي أَعَالِي الأَرْضِ.13- شَبَا وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ أَشْبَالِهَا يَقُولُونَ لَكَ: هَلْ لِسَلْبِ سَلْبٍ أَنْتَ جَاءٍ؟ هَلْ لِغُنْمِ غَنِيمَةٍ جَمَعْتَ جَمَاعَتَكَ، لِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، لأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْقُنْيَةِ، لِنَهْبِ نَهْبٍ عَظِيمٍ؟
ع1-3: جوج: ملك بربرى تميز بالعنف والوحشية، وكان ملكًا على ماجوج. ومعنى اسمه امتداد، وهو من نسل جوج ثانى ابن ليافث (تك10: 12).
ماجوج : البلاد التي حكمها جوج ومعنى اسمها اتساع، وهي تشمل روش وماشك وتوبال. ودعيت كل هذه بالقبائل السيكيثية. وكذلك أطلق عليهم التتار.
روش : هي البلاد التي صارت فيما بعد باسم روسيا، وتقع شمال بحر قزوين والبحر الأسود.
ماشك : هي المنطقة التي سميت فيما بعد موسكو عاصمة روسيا الحالية.
توبال : وهي توبالت وهذه تقع شمال آسيا وتسمى سيبريا.
أمر الله حزقيال أن يتنبأ عن شعب قوى يقع شمال قارة أسيا، في منطقة تسمى ماجوج، تحت رئاسة ملك دموى يسمى جوج. وأعلن الله غضبه عليه، وأنه سيقف ضده لإيقاف وحشيته والانتقام منه.
والكلام في هذا الأصحاح عن اقتحام بلاد إسرائيل، بعد رجوعهم من السبي، بواسطة هذا الملك جوج وحلفائه الذي كانت جيوشه عظيمة جدًا.
وهناك تفسير آخر بأن جوج يرمز لأعداء أولاد الله الذين سيظهرون في نهاية الأيام ويحاربون المؤمنين، ولكن الله سينتقم منهم، إذ هم يمثلون الشيطان (رؤ20).
ع4: شكائم : جمع شكيمة وهي اللجام الحديدى الذي يوضع في فم الفرس.
أتراس : جمع ترس وهو قطعة خشبية مغطاة غالبًا بالجلد، ولها عروة خلفية يضع فيها الجندى يده، فيحرك الترس أمام رأسه وجسمه، ليحمى نفسه به من سهام العدو.
مجان : جمع مجن وهو نوع من الأتراس يستخدمه الجندى في الدفاع عن نفسه.
يظهر الله في هذه النبوة قوة جيش ماجوج ويصفه بما يلي:
خيول عليها فرسان مدربة.
يلبسون أفخر الثياب الحربية.
عدد الجيش عظيم جدًا.
معهم أسلحة دفاعية تحميهم في الحرب هي الأتراس والمجان.
يحملون أسلحة هجومية هي السيوف.
ولكن يطمئن الله شعبه أنه رغم قوة جيش الأعداء، فإن الله لن يتركهم يهلكون شعبه، بل هو ضابط الكل الذي سيرجعهم في الوقت المناسب عن شعبه. ويعبرعن أنه هو المتحكم فيهم بما يلي:
يرجعهم في الوقت المناسب.
يضع شكيمة في فكيه، أي يتحكم في سرعة الحرب وقوة جيش الأعداء.
هو الذي سمح لهم أن يجتمعوا على شعبه ويهاجموه إذ قال "أخرجك".
وكون الله ضابط الكل يطمئن شعبه، ويظهر لهم أن قوة إلههم أقوى من جيش الأعداء مهما كان قويًا. كذلك الله يسمح بهذا الهجوم ليعلم شعبه أن يتمسكوا بالله، ويكونوا مستعدين في كل حين، ويكونوا أقوياء دائمًا.
† كن مطمئنًا دائمًا مهما كانت حروب إبليس، أو مهما أحاط بك الأشرار وهددوك، فإن إلهك ضابط الكل يحميك ولا يدعك تجرب فوق ما تحتمل، وينقذك من الأعداء. فهو يسمح لك بالتجربة لتثبت فيه وتتقوى وتزداد ثقتك به، فتمو في معرفته وتتقدم في طريق الملكوت.
ع5: فارس : وهي بلاد إيران الحالية.
كوش : وهي بلاد أثيوبيا الحالية.
فوط : وهي دولة ليبيا الحالية.
خوذة : غطاء معدنى يلبس على الرأس لحمايته.
انضمت إلى جيوش ماجوج جيوش أخرى من حلفائه من بلاد فارس وكوش وفوط، وكلهم كانوا مسلحين بالخوذة والترس. وهؤلاء الحلفاء كانوا مشهورين في الحرب، فالفرس تميزوا بالعنف، أما الكوشيون فكانوا طوال القامة، وكانت الحرب قديمًا تعتمد على القوة البدنية. والفوطيون أيضًا كانوا معروفين في الحروب القديمة، أي أن الجيوش كانت قوية جدًا عند هجومها على شعب الله.
ع6: جومر : قبائل سكنت تركيا، واستقرت على ضفاف نهرى الراين والدانوب بعد أن هاجرت من روسيا، وقد تكون هي أصل ألمانيا الشرقية.
توجرمة : قبائل سكنت جنوب شرق أرمينيا.
يستكمل الله ذكر حلفاء جوج، فيذكر قبائل جومر، وقبائل توجرمة التي سكنت في شمال قارة آسيا. وقد كونوا جيوشًا كبيرة انضمت إلى جوج لتهاجم شعب الله، وهذا يوضح شراسة وعنف الشر وتهييج الشيطان للأشرار ضد أولاد الله.
ع7: يخاطب الله جوج ليستعد ويهئ الأسلحة والطعام اللازم ويجمع جيوشه وحلفاءه، فقد صار لهم موقرًا، أي رئيسًا يخضعون له ويقودهم لمهاجمة شعب الله.
ع8: بعد أيام كثيرة، أي بعد رجوع شعب الله من السبي يفتقده الله بتجربة؛ لتثبيته في الإيمان. وهناك رأي آخر بأنه بعد أيام كثيرة مرت على جوج في رئاسته لبلاده وعظمته بين باقي الدول، يفتقده الله ليظهر له ضعفه أمام قوة الله المساند لشعب إسرائيل، حين يتقدم جوج بجيوش كثيرة ليهاجم شعب الله، ولا يستطيع؛ لأن الله يمنعه، فيعلم ضعفه أمام شعب صغير ولكن الله معه.
ثم يؤكد الله ثانية أن زمن هجوم الأعداء سيكون في السنين الأخيرة، أي بعد الرجوع من السبي بمدة، لذا ظن البعض أن المقصود بجوج هو أنطيوخس السلوقى، الذي كان في زمن الإمبراطورية اليونانية، وهاجم بلاد اليهود، فقامت الثورة المكابية ضده، كما يظهر في أسفار المكابيين وكان ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد. وقد يعنى بالسنين الأخيرة مجئ ضد المسيح في نهاية الأيام.
فتأتى جيوش الأعداء على أرض إسرائيل المستردة من سيف بابل، وذلك عندما قامت مملكة مادى وفارس، وأرجعت شعب الله بعد سقوط بابل عام 536 ق.م.
وكانت عشائر شعب الله مجموعة من شعوب كثيرة كانت مشتتة بينها في المملكة البابلية، فعادت إلى جبال إسرائيل، أي إلى أورشليم واليهودية وما حولها.
كانت بلاد إسرائيل خربة بعد تدمير بابل لها ومن قبلها أشور. في هذه البلاد الخربة سكن شعب الله الراجع من السبي بعد أن بنى المدن وعمر الخرب. فسكنوا في أمان، وزرعوا الحقول، وعاشوا في سلام تحت رعاية الله، لذلك صارت بلاد شعب الله مطمعًا للأعداء إذ كانت بلادًا مملوءة بالخيرات، فهجم عليها الأعداء. ولكن نسى هؤلاء الأعداء أن الله يحمى شعبه وخيراته ويحفظهم في طمأنينة بين يديه، فهذا ما سنراه في هذا الأصحاح والأصحاح لتالى.
وترمز هذه الآية إلى الأمم الراجعة إلى الإيمان في العهد الجديد. هؤلاء كانوا مشتتين في العالم وتحت قبضة إبليس، فاستردوا حياتهم من سيف الشر، وأتوا إلى الكنيسة، التي هى جبال إسرائيل الجديدة، حيث الخيرات الكثيرة والبنيان الروحي، بعد أن كانوا في خراب؛ ليعيشوا في أمان داخل الكنيسة بين يدى الله.
ويلاحظ أنه عندما يجتمع شعب الله حوله ويثبتوا فيه يسمح الله للشيطان أن يحاربهم وذلك؛ لأنهم أصبحوا أقوياء بالله؛ فلا ينزعجوا من حروب إبليس، بل ينهزم تحت أقدامهم.
ع9: تغشى : تغطى.
يستكمل الله حديثه مع جوج، فيقول له أنك ستصعد إلى جبال إسرائيل وتهاجمها بعنف كالزوبعة، التي تعصف فجأة بالساكنين في أمان. ولكثرة عدد جيوشه هو وحلفائه يشبهه بسحابة تغطى المكان، أي يبدومرتفعًا متسلطًا على شعب الله. هذا هو المظهر فقط، ولكن الحقيقة أن الله سيوقف كبرياءه، ويبين ضعفه في عجزه عن اقتحام شعب الله.
وهذا ما يحدث في كل جيل عندما يثور الأشرار على أولاد الله، سواء على شعب الله الراجع من السبي، أو في هياج الوثنيين واليهود على الكنيسة، ثم في هياج ضد المسيح في الضيقة العظيمة على أولاد الله في نهاية الأيام.
ع10: يخاطب الله جوج، أو ضد المسيح، أو الشيطان، بكل صورة في شكل الأشرار على مدى الأجيال، أنه في يوم تفكيرهم على أولاد الله بالشر، أن الله عالم بكل أفكارهم، ولن يسمح لهم أن يؤذوا أولاده، فهذا يطمئن جدًا المؤمنين أن إلههم لا يخفى عليه شيء، وهو قادر على كل شيء، فيستطيع أن يبطل مؤامرات الأعداء.
ع11: إعراء : أراضي بلا أسوار، أو حواجز مفتوحة ليدخل إليها أي إنسان.
عارضة : قطع خشبية هي القائمة العليا للباب، أو إحدى قائمتى الباب الجانبيتين، والمقصود أنه لا توجد أبواب للمدن.
مصاريع : هي الأبواب.
يكشف الله أفكار جوج، فيقول له أنك تفكر أن جيوشك عظيمة، وستهجم على بلاد إسرائيل، التي لا تحاط بأسوار، وليس لها أبواب تحميها، وسكانها يسكنون في هدوء داخلها، فيسهل الانقضاض عليها وإهلاكهم. ولكنك نسيت أيها الشرير أن الله ساكن وسط شعبه، وهو سور لهم ويحميهم (زك2: 5).
وهدوء أولاد الله والتصاقهم بإلههم يثير عدو الخير عليهم، فهم هادئون لا يهاجمون أحدًا، فيغتاظ منهم إبليس ويهاجمهم، فينهزم أمام الله الذي يحميهم.
ع12: يكشف الله أيضًا أطماع الأشرار الذين يريدون أن يسرقوا خيرات أولاده ويأخذونها كغنيمة لهم، بعد انتصارهم عليهم، إذ رأوا أن بلاد إسرائيل التي خربت بواسطة بابل عمرها الراجعون من السبي، الذين كانوا مشتتين، وجمعهم الله، وأرجعهم إلى بلادهم، فأصبح لهم مقتنيات كثيرة من الماشية، وزرعوا أراضيهم، فأعطت خيرات، وهم يسكنون جبال إسرائيل.
ويرمز اليهود إلى أولاد الله في كل جيل، الذين لهم بركات روحية كثيرة، ولهم سمو عن الأرضيات، فيحاول إبليس مهاجمتهم وسلب بركاتهم ولكنه يفشل لتمسكهم بالله.
وظاهر من هذه الآية أن أولاد الله بدونه حياتهم خربة وما فيها من خير معرض للسلب، أما بالله فيمتلئون خيرات روحية ومادية، ولا يستطيع إبليس أن يأخذها منهم؛ لأن الله يحميهم.
ع13: شبا : قبائل عربية تسكن جنوب شبه الجزيرة، أي في اليمن الحالية.
ددان : قبائل عربية تسكن شبه الجزيرة العربية وعلى صلة وثيقة بشبا ويعملون بالتجارة مثل شبا.
ترشيش : مدينة مشهورة بالتجارة تقع جنوب أسبانيا.
أشبالها : أبناؤها.
يثور تجار العالم المشهورون، ومنهم شبا وددان وترشيش عندما يرون أطماع جوج للإستيلاء على خيرات شعب إسرائيل؛ لأنه بهذا يضعف تجارتهم، فيقفون ضده لأن لهم أطماع في أرض إسرائيل. هكذا كل الأشرار يطمعون في سلب أولاد الله، ولكن الله، دائمًا يحمى أولاده.
[2] هجوم جوج (ع14-16)
14- «لِذلِكَ تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِجُوجٍ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ سُكْنَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ آمِنِينَ، أَفَلاَ تَعْلَمُ؟ 15- وَتَأْتِي مِنْ مَوْضِعِكَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ أَنْتَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ، كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ خَيْلًا، جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَجَيْشٌ كَثِيرٌ. 16- وَتَصْعَدُ عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ. فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ يَكُونُ. وَآتِي بِكَ عَلَى أَرْضِي لِكَيْ تَعْرِفَنِي الأُمَمُ، حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ يَا جُوجُ.
ع14: يخاطب الله جوج في هذه النبوة لينذره، إذ هو مزمع أن يهاجم شعب الله؛ لأنهم يسكنون في هدوء وأمان. ويظهر ضعفهم في عدم وجود أسوار حولهم. وتكراره لهذه الآية (ع11)؛ ليؤكد المعنى أنهم ضعفاء. ولكن ينبه جوج ويقول له "ألا تعلم" أي ألا تعلم أنى في وسطهم وأحميهم ! فقوتهم منى، رغم ضعفهم الظاهر، فمن يستطيع أن يقف أمامي !
† لا تندفع وتسئ إلى إنسان مهما كان خطأه لأن إلهه ينظر. ولا تستغل ضعف إنسان لأن الله يحمى الضعفاء الملتجئين إليه. إتضع وإخشى الله، فتنضبط في كل تصرفاتك وأفكارك؛ وبمعونة الله تستطيع ان تسامح المخطئين؛ كما يسامحك الله.
ع15، 16: يعيد أيضًا هنا ما ذكره في (ع9)؛ ليؤكد أن لا يعتمد جوج على قوته الحربية وحلفائه؛ لأن الله سيتقدس فيه أمام شعوب العالم عندما يهلكه، فيظهر ضعفه أمام قوة الله؛ لأنه تجاسر وهاجم شعبه.
ويقول في الأيام الأخيرة يكون، ويقصد إما أنه قبل ميلاد المسيح وذلك في عصر الإمبراطورية اليونانية، أو في الأيام الأخيرة قبل مجئ المسيح الثاني، عندما يقوم ضد المسيح ويهاجم أولاد الله، ولكن الله يهلكه ويحفظ أولاده.
[3] انتقام الله من جوج (ع17-23):
17- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ فِي الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ عَنْ يَدِ عَبِيدِي أَنْبِيَاءِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ سِنِينًا أَنْ آتِيَ بِكَ عَلَيْهِمْ؟ 18- وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَوْمَ مَجِيءِ جُوجٍ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنَّ غَضَبِي يَصْعَدُ فِي أَنْفِي. 19- وَفِي غَيْرَتِي، فِي نَارِ سَخَطِي تَكَلَّمْتُ، أَنَّهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَعْشٌ عَظِيمٌ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 20- فَتَرْعَشُ أَمَامِي سَمَكُ الْبَحْرِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَوُحُوشُ الْحَقْلِ وَالدَّابَّاتُ الَّتِي تَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَتَنْدَكُّ الْجِبَالُ وَتَسْقُطُ الْمَعَاقِلُ وَتَسْقُطُ كُلُّ الأَسْوَارِ إِلَى الأَرْضِ.21- وَأَسْتَدْعِي السَّيْفَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جِبَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَيَكُونُ سَيْفُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَخِيهِ.22- وَأُعَاقِبُهُ بِالْوَبَإِ وَبِالدَّمِ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ الَّذِينَ مَعَهُ مَطَرًا جَارِفًا وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً وَنَارًا وَكِبْرِيتًا.23- فَأَتَعَظَّمُ وَأَتَقَدَّسُ وَأُعْرَفُ فِي عُيُونِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع17: يوجه الله سؤال استنكارى إلى جوج، فيعنى بقوله هل أنت؟ أي أنى أعرفك وتنبأت عليك على يد أنبيائى منذ سنين كثيرة، عندما تنبأوا على أعداء شعبه، مثل نبوات موسى وداود وأشعياء (تث32: 43، مز9: 15، أش27: 1).
وهذا يبين أن الله يراقب جوج ويعرف ما سيعمله، فهو ضابط الكل، ويستطيع أن يمنعه من الإساءة إلى أولاده، بل يهلكه أمامهم، وبالتالي كل هذا يطمئن أولاد الله.
† كن دائمًا مطمئنًا لأن الله إلهك ضابط الكل يعرف كل شيء، ويستطيع إيقاف هجمات الشيطان، وإن سمح له أن يحاربك، فيستطيع أن يهزمه عند قدميك مهما كان ضعفك؛ لأن الله هو العامل فيك.
ع18: يعبر الله عن شدة غضبه على جوج، الذي يهاجم أولاده، بأن غضب الله يصعد إلى أنفه، أي أن غضبه سيكون شديدًا وانتقامًا قويًا؛ لأن جوج تجاسر واعتمد على قوته؛ متغافلًا قوة الله، بل متحديًا له.
ع19، 20: رعش : زلزال.
تندك : تنهدم وتتحطم.
المعاقل : الحصون والمخابئ التي على الجبال بين الصخور.
يغار الله على شعبه كعريس يغار على عروسه، فيتحرك لينقذها ممن يضايقونها. ويتقدم الله بقوة في غضب شديد؛ كأنه نار تحرق أعداء شعب الله، ويعبر عن هذا السخط بزلزال يخيف أعداء الله وينقذ شعبه.
وهذا الزلزال في نهاية الأيام الذي تشير إليه هذه الآية، يؤكده زكريا النبي في (زك14: 1-5) وأيضًا يوحنا في سفر الرؤيا (رؤ16: 18) وأن هذا الزلزال سيساعد على نجاة أولاد الله.
وفى قيامة رب المجد يسوع المسيح حدثت زلزلة، فخاف الحراس، وهو يشير إلى ما يحدث في قيامة كل إنسان من خطيته بالتوبة، فينزعج الشيطان، وينجو التائب المؤمن بالله ويفرح.

هذا الزلزال الذي سيكون قويًا لدرجة أن ترتعش منه كل الكائنات سواء الحيوانات، أو الجبال التي تبدو قوية بكل ما فيها من معاقل وتسقط أيضًا الأسوار التي يقيمها الأعداء، وهكذا يخيف الله الأشرار، ويبطل قوتهم ويحفظ أولاده.
وفى نهاية الأيام يحطم الله ضد المسيح وأعوانه، فتسقط قوته، سواء أفكاره، فيظهر بطلانها، أو إمكانياته فيظهر ضعفها، ويتمجد الله في أولاده الثابتين في الإيمان به.
ع21: الضربة الثانية التي يضرب بها الله أعداء شعبه هي السيف، أي تقوم حروب أهلية، فيضرب الأشرار بعضهم بعضًا، فينجو أولاد الله من أيديهم.
ع22: برد : أجزاء ثلجية مثل الحجارة تسقط من السماء، وتكون حادة، وتقتل من يصادفها.
الضربة الثالثة بعد الزلزال والسيف، يعاقب الله أعداءه بالوبأ، فتنتشر الأمراض بينهم، وتهلك الكثيرين، بالإضافة إلى الذين هلكوا وسالت دماؤهم من السيف.
والضربة الرابعة هي سقوط برد من الماء مع نار، فتهلك أعدادًا ضخمة من الأشرار.
هذه الضربات سمعنا عنها في ضربات الله للمصريين حتى ينقذ أولاده من عبودية مصر، ويخرجهم بقوته. وتكرار هذه الضربات يذكر أولاد الله أن إلههم الذي أخرجهم من أرض مصر ينجيهم من الأعداء في كل جيل، سواء قبل ميلاد المسيح، أو قبل مجيئه الثاني في نهاية الأيام (رؤ9: 17، 18).
ونرى عظمة الله في إهلاك أعدائه، بإرساله أمور متناقضة وهي البرد مع النار، أي يستخدم وسائل غير متوقعة لإهلاك الأشرار وإنقاذ أولاده.
ع23: من خلال كل هذه الضربات تعرف الأمم قوة الله التي تفوق كل الآلهة الوثنية، فيروا عظمة الله لعلهم بهذا ينجذبون إلى الإيمان به، ويتركون عبادة الأوثان، أو كل أفكارهم الشريرة.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح التاسع والثلاثون
الانتصار على جوج وجيوشه

نرى في هذا الأصحاح انتقام الله من الأشرار، الذين يمثلهم جوج وكل جيوشه، وفى نفس الوقت نرى تأديبه لشعبه. والفرق واضح، أنه لأجل عدم إيمان الأشرار يهلكون، أما أولاده المؤمنون فيؤدبهم لفترة هي السبي، ثم يعيدهم بعدها بكرامة عظيمة.
(1) هلاك جوج ومملكته (ع1-7)
(2) دفن جوج وجيشه (ع8-16)
[3] وليمة الطيور الجارحة (ع17-24)
[4] رد سبي إسرائيل (ع25-29)
(1) هلاك جوج ومملكته (ع1-7):
1- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى جُوجٍ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جُوجُ رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ. 2- وَأَرُدُّكَ وَأَقُودُكَ وَأُصْعِدُكَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ وَآتِي بِكَ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. 3- وَأَضْرِبُ قَوْسَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُسْرَى، وَأُسْقِطُ سِهَامَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. 4- فَتَسْقُطُ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ أَنْتَ وَكُلُّ جَيْشِكَ وَالشُّعُوبُ الَّذِينَ مَعَكَ. أَبْذُلُكَ مَأْكَلًا لِلطُّيُورِ الْكَاسِرَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَلِوُحُوشِ الْحَقْلِ. 5- عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ تَسْقُطُ، لأَنِّي تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 6- وَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مَاجُوجَ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي الْجَزَائِرِ آمِنِينَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 7- وَأُعَرِّفُ بِاسْمِي الْمُقَدَّسِ فِي وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَلاَ أَدَعُ اسْمِي الْمُقَدَّسَ يُنَجَّسُ بَعْدُ، فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ.
ع1، 2: يؤكد الله هنا لجوج الجبار العنيف، الذي يملك على بلاد روسيا، كما ذكرنا في الأصحاح الماضى، أن الله هو ضابط الكل، فهو الذي سمح له أن يصعد ويأتى على شعبه إسرائيل، وهو أيضًا الذي سيرده عنه ويهلكه. والعجيب أن الله يذكر أنه سيرده عن إسرائيل قبل أن يصعده عليها؛ لينبهه أنه يدافع عن شعبه وليطمئن شعبه، فلا ينزعج من تهديدات الأعداء.
ويذكر أن جوج سيأتى من الشمال؛ كما أتى أعداء كثيرون من الشمال على شعب الله مثل أشور وبابل، ثم مادي وفارس وبعدهم اليونان، ولكن كل هذا لا يصيب شعب الله بشئ مادام متمسك بالله، فهو يحميه.
ويؤكد هنا قوة أولاده عندما يصفهم بالجبال القوية الصامدة والمرتفعة إلى السماء، كما شرحنا في (حز 36).
ع3: يجرد الله جوج من أسلحته قبل أن يهلكه، فيضربه على يده اليسرى ويسقط منه قوسه، ثم يضربه على يده اليمنى، فتسقط منه سهامه. وهكذا يصير أعزلًا بلا سلاح، عاجزًا عن محاربة شعب الله، بعد هذا يحكم عليه ويهلكه (ع6).
هكذا أيضًا المسيح بالصليب جرد الشيطان من آخر سلطان له علينا وهو الموت؛ لذا فبالصليب نستطيع أن نكسر كل أسلحته، فيصير أعزلًا بلا سلاح أمامنا وننتصر عليه.
والله الذي قيد الشيطان بالصليب، ويشير إلى ذلك في (رؤ19)، بعد هذا يدينه ويلقيه في العذاب الأبدي في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
† كلما تجردت من شهوات العالم وخطاياه وكل التعلقات الماضية بالصوم تستطيع أن ترفع قلبك بالصلاة، وحينئذ تنتصر على الشيطان، ويصير تحت قدميك؛ لأن كلام المسيح واضح أن هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم (مت17: 21).
ع4، 5: يحدد الله مكان هزيمة جوج وجيوشه أنها على جبال إسرائيل. ويقصد هنا شعبه المؤمن به بقوة وصمود كالجبال، فيموت هناك جوج وكل تابعيه، ويصبحون مأكلًا للطيور الجارحة ووحوش الحقل. والطيور ترمز للمؤمن المحلق في السماء، فيستطيع أن ينتصر على الشيطان. وكذلك ترمز الوحوش للقوة الروحية التي لا تقوى عليها الخطية.
ويسقط قتلى جوج على وجه الحقل، والحقل يرمز للمؤمن المثمر الذي يعطى غلة، أي فضائل روحية، فينهزم الشيطان عند قدميه.
وقد سبق أن قتل الله 185000 جندى من جيش سنحاريب، وملأت جثثهم الأرض، فأكلتهم طيور السماء ووحوش الحقل (2 مل19: 35). وهذا ما سيحدث في نهاية الأيام (رؤ19: 17-21).
ع6: ينتقم الله من الأشرار الخارجين من أرض ماجوج بقيادة جوج فيحرقهم بالنار، هذه النار إما نار حقيقية، أو تعنى إهلاك لعدد كبير من الجيش الخارج من ماجوج.
وقد يكون المقصود هلاك الساكنين في ماجوج وليس فقط الجيش الذي خرج منها.
أما الجزائر فهي التي كانت متحالفة مع جوج، وقد يكون المقصود أيضًا البلاد الوثنية الغارقة في الشر وشهوات العالم، لأن الجزيرة محاطة بالبحر، الذي يرمز للعالم وشهواته. ويقول الكتاب أنهم يسكنون في هذه الجزائر آمنين، وهذا الأمن يعتمد على الماديات وليس على الله فهو أمن كاذب؛ لذا فجأة يهلكون؛ لرفضهم الله.
وسيتم هلاك الأشرار، ليس فقط قبل ميلاد المسيح، بل أيضًا قبل مجيئه الثاني، فتحرقهم النار، ثم يلقى إبليس في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ20: 10).
ونرى هنا أن الله لا يدين فقط الشيطان، بل يحكم عليه ويلقيه للعذاب الأبدي، أي أن الله سيحرقه هو وأتباعه بالنار الأبدية.
من الناحية الروحية فالمؤمن يحمل الروح القدس في داخله، وبنار الروح القدس يحرق كل شر فيه وينقيه، كما يخيف أيضًا الأشرار، إذ يروا قوة الله العاملة فيه.
ع7: إذ يظهر الله قوته في هلاك الأشرار يتمجد في وسط شعبه الذي يُظهر قوته فوق كل الآلهة الوثنية، فيتمسكون بوصاياه ويعبدونه بأمانة. وهذا ما حدث بعد الرجوع من السبي على يد زربابل وعزرا ونحميا.
ولا يعود اسم الله يتنجس، إذ يظل شعبه متمسكًا به، كما حدث أيام المكابيين. والأمم أيضًا تخاف الله.
من هذا نرى اهتمام الله بإيمان شعبه به، وكذلك أن تعرفه الأمم، لعلها تؤمن وتتوب؛ لأن الله خالق الكل ويريد خلاص الجميع.
(2) دفن جوج وجيشه (ع8-16):
8- «هَا هُوَ قَدْ أَتَى وَصَارَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ. 9- وَيَخْرُجُ سُكَّانُ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ وَيُشْعِلُونَ وَيُحْرِقُونَ السِّلاَحَ وَالْمَجَانَّ وَالأَتْرَاسَ وَالْقِسِيَّ وَالسِّهَامَ وَالْحِرَابَ وَالرِّمَاحَ، وَيُوقِدُونَ بِهَا النَّارَ سَبْعَ سِنِينَ. 10- فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنَ الْحَقْلِ عُودًا، وَلاَ يَحْتَطِبُونَ مِنَ الْوُعُورِ، لأَنَّهُمْ يُحْرِقُونَ السِّلاَحَ بِالنَّارِ، وَيَنْهَبُونَ الَّذِينَ نَهَبُوهُمْ، وَيَسْلُبُونَ الَّذِينَ سَلَبُوهُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.11- وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، أَنِّي أُعْطِي جُوجًا مَوْضِعًا هُنَاكَ لِلْقَبْرِ فِي إِسْرَائِيلَ، وَوَادِي عَبَارِيمَ بِشَرْقِيِّ الْبَحْرِ، فَيَسُدُّ نَفَسَ الْعَابِرِينَ. وَهُنَاكَ يَدْفِنُونَ جُوجًا وَجُمْهُورَهُ كُلَّهُ، وَيُسَمُّونَهُ: وَادِيَ جُمْهُورِ جُوجٍ.12- وَيَقْبِرُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ لِيُطَهِّرُوا الأَرْضَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ. 13- كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ يَقْبِرُونَ، وَيَكُونُ لَهُمْ يَوْمُ تَمْجِيدِي مَشْهُورًا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 14- وَيُفْرِزُونَ أُنَاسًا مُسْتَدِيمِينَ عَابِرِينَ فِي الأَرْضِ، قَابِرِينَ مَعَ الْعَابِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ بَقُوا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. تَطْهِيرًا لَهَا. بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ يَفْحَصُونَ. 15- فَيَعْبُرُ الْعَابِرُونَ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا رَأَى أَحَدٌ عَظْمَ إِنْسَانٍ يَبْنِي بِجَانِبِهِ صُوَّةً حَتَّى يَقْبِرَهُ الْقَابِرُونَ فِي وَادِي جُمْهُورِ جُوجٍ، 16- وَأَيْضًا اسْمُ الْمَدِينَةِ «هَمُونَةُ»، فَيُطَهِّرُونَ الأَرْضَ.
ع8: لأن كلام الله لابد أن يتم، لذلك يقول عن يوم انتصار شعب الله على أعدائه أنه قد "أتى وصار"، وهذا اليوم سبق وأنبأ به الله في (حز 38: 19-21).
ويوم النصرة هذا ليس فقط على جوج قبل مجئ المسيح، بل أيضًا في نهاية الأيام على الشيطان، فهو حتمًا سيأتى هذا اليوم، وينقذ الله أولاده ويهلك الشيطان. هذا الأمر يطمئن أولاد الله جدًا، فهو يبين اهتمام الله بهم وقدرته على إنقاذهم.
† آمن أن الله معك مهما كنت تعانى من الآلام. إصبر وتمسك بوصاياه، فسيتدخل في الوقت المناسب فينقذك ويباركك عوض كل احتمالك، ليس فقط في السماء، بل ويعطيك بركات أيضًا على الأرض.
ع9: بعد سقوط جثث جيش جوج، وهروب الباقين تاركين أسلحتهم، سيخرج شعب الله ويحرق المعدات الحربية المختلفة المصنوعة من الخشب، أو الجلد. ولكثرة الأسلحة يحرقونها، في مدة طويلة يذكر أنها سبعة سنوات. ورقم سبعة يرمز للكمال، أي لفترة طويلة، وتفسير آخر أنهم لم يحرقوا السلاح ليتخلصوا منه، ولكنهم احتفظوا به في بيوتهم ليستخدموه كوقود بدلًا من الحطب كما يظهر في (ع10).
وكانت كمية هذه الأسلحة كبيرة لدرجة أنها كانت كافية لإحتياجاتهم لمدة سبع سنوات. ومن هذا تظهر قوة الله الذي يحول حروب الشياطين إلى بركة في حياتنا كما تحولت أسلحة الأعداء إلى وقود لفائدة شعب الله.
وهذا يبين قوة الله في قهر جيوش عظيمة أمام شعب إسرائيل الصغير. وسيتم هذا في نهاية الأيام رمزيًا عندما يتخلص أولاد الله من الشيطان ويدخلون إلى الملكوت، فلا توجد حروب للشياطين، أو أسلحة لهم، بل يحترق الشيطان وكل قوته بالنار الأبدية، ويكون وقود النار الأبدية وسببها هو الشرور التي فعلها الأشرار بقيادة الشيطان، فأسلحتهم تظل تُحرق إلى الأبد، ويعانون من العذاب.
ع10: الوعور: الأماكن المهجورة التي تنبت فيها نباتات برية.
ولن يحتاج شعب الله لحطب، أو أي نبات جاف من الحقل، إذ أن النار المشتعلة في أسلحة الأشرار كافية، والله يلهبها بقوته، فلا يحتاج شعب الله إلى معونة مادية؛ لأن إلههم ينجيهم من أيدي الأعداء، ويعذب الأعداء بشرورهم.
وإن كان جوج قد استطاع أن يسلب شيئًا من أولاد الله، فيموت هو وجيشه، وعلى العكس يسلبه أولاد الله، ويغتنمون كل ما تركه جيشه. وفى نهاية الأيام إن كان الشيطان قد سلب أية إمكانيات من أولاد الله عندما أسقطهم في الخطية، ولكنهم بتوبتهم يقبلهم الله ويرفعهم إلى السماء ويعطيهم أماكن الشياطين التي تركوها بسقوطهم، فيحتلها أولاد الله، ويتمتعون إلى الأبد مع الملائكة.
ع11: عباريم: سلسلة من الجبال تقع جنوب شرق نهر الأردن، وشمال شرق البحر الميت ومعنى اسمها "عبور" وقد أعطيت نصيبًا لسبط رأوبين.
البحر : يقصد البحر الميت.
يحدد مكان هزيمة جيوش جوج، وهو شرق نهر الأردن وشرق البحر الميت، فتصبح هذه المنطقة قبرًا لجيوش الأعداء. وتصعد نتانة الجثث، فتصير الرائحة الكريهة غير محتملة، حتى أن من يعبر هناك يسد أنفه. وهكذا تحولت عظمة الأشرار إلى كراهة لكل من يعبر بهم. هذا هو الشيطان المستتر وراء لذة الشهوات ولكن في داخلها نتانة وموت.
وموت جوج وجيشه في أرض إسرائيل يرمز إلى موت الخطية داخل قلب الإنسان، فيتطهر ويحيا بكل قلبه لله.
وعلى رأس جبال عباريم فوق قمة جبل نبو صعد موسى لينظر أرض كنعان، فهناك في عباريم مات الأشرار ولم يدخلوا أرض كنعان، أما أولاد الله المشتاقين للوجود مع الله، مثل موسى وكل شعب إسرائيل، فإنهم ينعمون بكنعان السماوية، أي ملكوت السموات.
ونرى هنا أن الأرض التي اشتهى أعداء شعب الله أن يمتلكوها صارت قبرًا، والقبور نجسة عند شعب الله فلا يجرى الإنسان وراء محبته الوقتية لئلا تتجنس حياته.
ويسمون الوادى الذي سقطت فيه جثث جيش جوج وادي جمهور جوج؛ لأن عددهم كان كبيرًا.
ع12: يقوم شعب الله بدفن جثث جيش الأعداء ليتخلصوا من نجاستها، أي يصنعوا قبورًا لهم في الأرض، بهذا يطهرون الأرض من هذه الجثث والعظام، ويستغرق ذلك سبعة شهور. إن عمل أولاد الله هو تطهير العالم، وهو عمل مستمر مدى الحياة لأن رقم سبعة يرمز للكمال.
ع13: يشترك كل شعب الله في دفن جثث الأعداء؛ لكثرة الجثث وحتى يشعر شعب الله بالنصرة في دفن الأعداء ويثقون بالله، الذي نصرهم، بل يكون هذا تمجيدًا لله، الذي ظهرت قوته في غلبة الأعداء. ويقصد بيوم التمجيد يوم هزيمة الأعداء والفترة التي دفن فيها شعب الله جثثهم.
ولعل يوم النصرة هذا صار عيدًا عند شعب الله، معروفًا ومشهورًا على مدى الأيام. وهو يعنى في حياة كل إنسان أن يتذكر المواقف التي نصره فيها الله على الشيطان، فيشكره ويمجده طوال حياته.
ع14، 15: صوة: علامة مثل حجر أو عمود حجرى، أو أية علامة بعد تطهير الأرض.
يعين شعب الله مجموعة للتأكد من عدم بقاء أي عظام قد نسيت من جيش الأعداء، فيعبرون في كل مكان في الأرض، فإذا وجدوا عظمًا يحفرون ويدفنونه. وهذا يبين تدقيق شعب الله في تطهير الأرض، فالتطهير يحتاج إلى متابعة، كما يحاسب الإنسان نفسه كل يوم بعد توبته واعترافه ليتخلص أولًا بأول من كل خطية، فيعيش حياة التوبة والطهارة.
كذلك كل شعب الله لابد أن يشتركوا في عملية التطهير، فإذا وجد أي إنسان وهو يسير في طريقه عظمًا، لا يلمسه حتى لا يتنجس ولكن يضع بجواره علامة؛ حتى إذا عبر المكلفون بدفن بقايا الجثث يحفرون ويدفنونه، وهذا معناه أن كل إنسان مطالب أن يتابع حياة الطهارة في داخله، ولا يختص بهذا بعض الخطاة، ولكن كل إنسان مهما ارتفعت حياته الروحية لابد أن يظل مهتمًا بطهارة نفسه.
ع16: همونة: اسم عبري معناه جمهور.
ويسمون المدينة التي سقط بجوارها جيش جوج "همونة"، أي جمهور؛ لأن عدد القتلى كان كثيرًا جدًا. وكذلك أيضًا في نهاية الأيام سيكون عدد الهالكين من الأشرار كثيرًا جدًا.
[3] وليمة الطيور الجارحة (ع17-24):
17- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قُلْ لِطَائِرِ كُلِّ جَنَاحٍ، وَلِكُلِّ وُحُوشِ الْبَرِّ: اجْتَمِعُوا، وَتَعَالَوْا، احْتَشِدُوا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، إِلَى ذَبِيحَتِي الَّتِي أَنَا ذَابِحُهَا لَكُمْ، ذَبِيحَةً عَظِيمَةً عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، لِتَأْكُلُوا لَحْمًا وَتَشْرَبُوا دَمًا. 18- تَأْكُلُونَ لَحْمَ الْجَبَابِرَةِ وَتَشْرَبُونَ دَمَ رُؤَسَاءِ الأَرْضِ. كِبَاشٌ وَحُمْلاَنٌ وَأَعْتِدَةٌ وَثِيرَانٌ كُلُّهَا مِنْ مُسَمَّنَاتِ بَاشَانَ. 19- وَتَأْكُلُونَ الشَّحْمَ إِلَى الشَّبَعِ، وَتَشْرَبُونَ الدَّمَ إِلَى السُّكْرِ مِنْ ذَبِيحَتِي الَّتِي ذَبَحْتُهَا لَكُمْ. 20- فَتَشْبَعُونَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْخَيْلِ وَالْمَرْكَبَاتِ وَالْجَبَابِرَةِ وَكُلِّ رِجَالِ الْحَرْبِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.21- وَأَجْعَلُ مَجْدِي فِي الأُمَمِ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ يَرَوْنَ حُكْمِي الَّذِي أَجْرَيْتُهُ، وَيَدِي الَّتِي جَعَلْتُهَا عَلَيْهِمْ،22- فَيَعْلَمُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا.23- وَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ قَدْ أُجْلُوا بِإِثْمِهِمْ لأَنَّهُمْ خَانُونِي، فَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ وَسَلَّمْتُهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ، فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ بِالسَّيْفِ.24- كَنَجَاسَتِهِمْ وَكَمَعَاصِيهِمْ فَعَلْتُ مَعَهُمْ وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ.
ع17: يظهر الله قوته في هزيمة جيش جبار هو جيش جوج، فسقط قتلى كثيرين جدًا، حتى أنه ينادى الطيور الجارحة التي تأكل جثث الموتى والوحوش التي في الأرض؛ لتأتى كلها وتأكل هذه الجثث وتمص دماءها وهذا يبين ما يلي:
الحقارة والذل التي أصابتا جوج المتكبر وكل جيشه وحلفائه.
كثرة عدد الجيوش، ولكن هي بلا قيمة أمام قوة الله المساند لشعبه الضعيف.
لعل هذه الذبيحة تدعو الأمم للإيمان بإله إسرائيل، وفى نفس الوقت تثبت إيمان شعب الله به.
وتظهر كثرة الجثث في أن طيور السماء ووحوش الأرض أكلت منها قدر ما يشبعها، ثم بقيت العظام، وما تبقى من الجثث يدفنه شعب إسرائيل؛ حتى يطهروا الأرض.
ع18: اعتده: جمع عتود وهو ذكر الماعز الجبلي القوي.
باشان : وادي خصب يمتد شرق نهر الأردن من جلعاد جنوبًا إلى منابع الأردن شمالًا، وترعى فيها الماشية، فتتميز بأنها سمينة وقوية لأجل خصوبة المرعى.
يذكر الله بالتفصيل ما ستأكله طيور السماء ووحوش الأرض كما يلي:
الجنود والرؤساء الجبابرة في الحرب التابعون لجوج وكل حلفائه.
الماشية الثمينة القوية، مثل ماشية باشان التي اصطحبها معه جوج؛ لتكون مأكلًا لجنوده أثناء الحرب، فصارت مأكلًا للوحوش.
ع19: يوضح الله كثرة عدد الجثث في أنها ستشبع الطيور والوحوش إلى أقصى مايمكن، يعبر عن هذا بأمرين:
الشبع الكامل فلا تحتاج لتأكل شيئًا آخر وتبقى بعدها بعض الجثث.
تشرب من الدم كميات كبيرة حتى أنها تكاد تسكر من كثرة ما شربته. وهذا كناية عن شرب الدم بكثرة وليس السكر الحقيقي من الخمر.
ع20: يستكمل الله كلامه للطيور والوحوش بأنها ستأكل الخيول التي تجر المركبات، أو التي يركبها الفرسان، وكذلك جثث هؤلاء الفرسان والجنود ورؤساء الحرب. كل هذا ليؤكد عظمة جيش جوج، وبالتالي قوة الله الذي هزمه.
ع21: بهذا الانتصار الإلهي العظيم وهزيمة أقوى جيوش الأمم تخاف جميع الشعوب من إله إسرائيل وتمجده. والله يقصد من كل هذا أن يدعوهم للإيمان به، بعد أن يرون حكمه على جوج، ويده التي امتدت على جيوشه فأهلكته.
ع22: قصد الله أيضًا من هذه الهزيمة العظيمة لجيوش جوج أن يؤمن شعب الله بقوته، فلا يهتزوا من قوى العالم على مدى الأجيال؛ لأن إلههم أقوى من كل شيء.
† إن كان إلهك أقوى من كل قوى العالم فلا تضطرب من تقلبات الحياة وعنف البشر؛ لأن إلهك يحميك. استند عليه وارفع قلبك وتمتع بحبه واشكره وسبحه في كل يوم.
ع23، 24: أجلوا: تم إجلاءهم، أي سبيهم.
يوضح الله أن الهدف من سبى شعبه إلى أشور، ثم بابل هو بسبب خطاياهم، وأن إلههم قوى قادر على صد أشور وبابل، ولكنه سمح بهذا لتأديبهم حتى يتوبوا. وتظهر قوته بعد ذلك في صد جيوش جوج، إذن فلم يكن ضعيفًا عن أن يصد جيوش بابل أو أشور، كل هذا سيتضح أمام الأمم، حتى يؤمنوا بأن إله إسرائيل قادر على كل شيء وأقوى من جميع الآلهة.
وقد تكرر غضب الله على اليهود بسبب صلبهم للمسيح، فتخلى عنهم ودمر الرومان أورشليم وقتلوا اليهود عام 70 م، لعل الباقين يؤمنون.
[4] رد سبي إسرائيل (ع25-29):
25- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: الآنَ أَرُدُّ سَبْيَ يَعْقُوبَ، وَأَرْحَمُ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَأَغَارُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ. 26- فَيَحْمِلُونَ خِزْيَهُمْ وَكُلَّ خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُونِي إِيَّاهَا عِنْدَ سَكَنِهِمْ فِي أَرْضِهِمْ مُطْمَئِنِّينَ وَلاَ مُخِيفٌ. 27- عِنْدَ إِرْجَاعِي إِيَّاهُمْ مِنَ الشُّعُوبِ، وَجَمْعِي إِيَّاهُمْ مِنْ أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، وَتَقْدِيسِي فِيهِمْ أَمَامَ عُيُونِ أُمَمٍ كَثِيرِينَ، 28- يَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ بِإِجْلاَئِي إِيَّاهُمْ إِلَى الأُمَمِ، ثُمَّ جَمْعِهِمْ إِلَى أَرْضِهِمْ. وَلاَ أَتْرُكُ بَعْدُ هُنَاكَ أَحَدًا مِنْهُمْ، 29- وَلاَ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ بَعْدُ، لأَنِّي سَكَبْتُ رُوحِي عَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع25: يعلن الله بقوة أنه سيرجع شعبه من السبي البابلي إلى أورشليم واليهودية، وبهذا تظهر:
قوة الله القادرة أن تعيد شعبه إلى بلادهم.
رحمة الله الواسعة التي تغفر لشعبه كل خطاياهم.
محبة الله كعريس يغار على شعبه كعروس، فينقذهم من عبودية السبي.
وعندما يقول أرد سبى يعقوب، أي اسم يعقوب الأول إشارة إلى انغماسهم في خطاياهم، ثم يقول أرحم إسرائيل وهو الاسم الثاني ليعقوب الذي ناله عندما صارع الله ونال بركته، وهذا ما سيحدث عند رجوعه من السبي حيث ينال بركات الله العظيمة.
ع26: يصف الله حالة شعبه قبل السبي، عندما كانوا يسكنون آمين في أرض كنعان بحماية الله ورعايته، ولكنهم للأسف انغمسوا في شهواتهم وعبادة الأوثان، فغطاهم الخزي بسبب خيانتهم لله، أي كانوا مرفوضين من الله بسبب خطاياهم.
وللأسف لم يفهم شعب الله أن الأمن الذي يحيون فيه نعمة من الله وفرصة ليتوبوا، بل ظنوا أنهم بسبب تقواهم، وأنه بوجود هيكل الله في وسطهم لن يصيبهم ضرر.
ع27: ثم يتدخل الله بعد أن أدبهم بالسبي وتابوا ورجعوا إليه، فيجمعهم من بين الأمم الذين تشتتوا بينهم ويعيدهم إلى أورشليم، فيعودون مقدسين ومخصصين لعبادة الله، ولا يرجعون لعبادة الأوثان ويظهر هذا واضحًا أمام كل الأمم، أي تمسك شعب الله بعبادته.
ع28: من تشتيت الله لشعبه بين الأمم بالسبي ثم إرجاعهم إلى بلادهم تظهر محبة الله واهتمامه بكل فرد منهم، فلا يترك أحدًا منهم يريد الرجوع إلى أورشليم، إلا ويرجعه، فقد كان النداء على يد زربابل؛ ليعود كل يهودي يريد أن يعبد الله في هيكله.
ومن ناحية أخرى فالله لا يترك أحدًا ظروفه تمنعه من العودة لأورشليم بسبب المرض أو الشيخوخة، أو أي سبب آخر فيباركه ويسنده؛ لأنه يحب الله ويعبده وحده.
† إن الله يهتم بكل إنسان مهما بدا ضعيفًا. أو مرذولًا من الآخرين. فثق أن الله يسمع صلاتك ويهتم بك، حتى لو نسيك كل إنسان، أو وجدت بين غرباء، أو أناس لا يقدمون لك محبة.
ع29: بإرجاع الله شعبه يحل في وسطهم، وعندما يعبدونه بأمانة لا يحجب وجهه عنهم، بل يعمل بروحه القدوس فيهم ويباركهم.
يمتد معنى هذه الآية إلى كنيسة العهد الجديد، عندما يمتع أولاده في كنيسته بالأسرار المقدسة، ويسكب عليهم روحه القدوس فيسكن فيهم إلى الأبد، كما يؤكد ذلك يوحنا الحبيب (رؤ20: 4).
أما كمال تطبيق هذه الآية فيتم في ملكوت السموات، عندما يتمتع المؤمنون برؤية الله إلى الأبد، وبعمل روحه القدوس المسكوب عليهم.
وهكذا نرى في هذا الأصحاح النصرة على جوج الذي يرمز للشيطان ويتحقق هذا في ثلاثة اتجاهات :
رجوع شعب الله من السبي، وبناء الهيكل ومدينة أورشليم وأسوارها، وعبادة الله.
انتصار الكنيسة على الشيطان في المسيح المخلص، ووصول بنيها إلى ملكوت السموات.
انتصار كل مؤمن بالمسيح على الشيطان في حياته الخاصة وتمتعه بعشرة الله.
في الأصحاح الأول في سفر حزقيال أعلن الله أنه يفارق هيكله، وفى نهاية هذا الأصحاح يعلن أنه سيظل مع شعبه ولا يحجب وجهه عنهم، ثم في باقي إصحاحات السفر يحدثنا عن هيكل الله الجديد.
مقدمة للأصحاحات من 40 حتى 48
هذه الأصحاحات تتكلم بوضوح عن الهيكل الجديد، أي كنيسة العهد الجديد.
فيمكن تقسيم سفر حزقيال إلى ما يلي:
الجزء الأول (حز 1-24):
يتحدث عن ظهور الله في هيكله بمجده العظيم، ثم مفارقته للهيكل بسبب خطايا شعبه ورفضهم له. وهذا ما حدث مع البشرية، عندما تمتعت مع الله في جنة عدن، ثم طردت منه وعاشت في ألم وضيق طوال العهد القديم. وتحمل هذه الأصحاحات إنذارات ودعوة البشرية للتوبة حتى تستعيد طهارتها ومجدها.
الجزء الثاني (حز 25-32):
نبوات عن الأمم ترمز لقوة الله وقهره للشيطان، الذي تم بالصليب.
الجزء الثالث (حز 33-39):
نبوات عن شعب الله الجديد وانتصاره على الشيطان. وهو يرمز لحياة المؤمنين في العهد الجديد، التي تعتمد على التوبة ورعاية الله لهم وانتصارهم على حروب الشياطين. وضرورة تطهيرهم بالمعمودية (حز 36: 25) وسكب الروح القدس عليهم (حز 39: 29) وبهذا يتأهلون لدخول الهيكل المذكور في (حز 40-48).
الجزء الرابع (حز 40-48):
نبوات عن الهيكل الجديد، أي الكنيسة والخدمة فيها.
ونجد تشابه بين الكلام عن الهيكل هنا (حز 40-48) وبين ما كتب عن أورشليم السمائية في سفر الرؤيا (رؤ21، 22)، فكلاهما على جبل عالٍ، ويتكلم بطريقة رمزية، والمدينة من السماء، ويدخل إليها الآتين من الضيقة، ففى أيام حزقيال ضيقة السبي، وفى الأيام الأخيرة الضيقة العظيمة.
ونلاحظ أن الله يقدم الهيكل لحزقيال بطريقة رمزية، لذا فمقاساته لها معانٍ روحية، ولكن سنجد أن بعضها غير مناسب للتطبيق العملى لبناء واقعى؛ لأنه يركز على الرمز أهم من الواقع.
ويمكن تقسيم هذا الجزء الرابع كما يلي:
الهيكل (حز 40-43).
العاملون في الهيكل والأعياد (حز 44-46).
الأرض المقدسة (حز 47، 48).

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الاربعون
دارا الهيكل وحجرات الكهنة والحراسة
مقدمة:
بعد أن فارق الله هيكله في أورشليم بسبب نجاسات شعبه، أي عبادتهم للأوثان وانغماسهم في الشهوات الشريرة، الآن يعود إلى هيكله، أي هيكل العهد الجديد؛ ليطهر ويمجد أولاده، ويمتعهم بعشرته إلى أعلى مستوى.
ورؤيا حزقيال الأخيرة (حز 40-48) معزية جدًا للمقيمين في السبي، المحرومين من العبادة في هيكل أورشليم، فيحدثهم عن هيكل أعظم، الذي يرمز إليه هيكل أورشليم، وهو كنيسة العهد الجديد (أف2: 20-22، 1 بط 2: 4، 5).
(1) فكرة عن الهيكل والمدينة (ع1-4)
(2) السور وحجرات الحراسة (ع5-16)
(3) الدار الخارجية (ع17-27)
(4) الدار الداخلية (ع28-37)
(5) حجرات لإعداد الذبائح (ع38-43)
(6) حجرات المغنيين والكهنة (ع44-49)
(1) فكرة عن الهيكل والمدينة (ع1-4):
1- فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سَبْيِنَا، فِي رَأْسِ السَّنَةِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ عَشَرَةَ، بَعْدَ مَا ضُرِبَتِ الْمَدِينَةُ فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ، كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ وَأَتَى بِي إِلَى هُنَاكَ. 2- فِي رُؤَى اللهِ أَتَى بِي إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَوَضَعَنِي عَلَى جَبَل عَال جِدًّا، عَلَيْهِ كَبِنَاءِ مَدِينَةٍ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ.3- وَلَمَّا أَتَى بِي إِلَى هُنَاكَ، إِذَا بِرَجُل مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ، وَبِيَدِهِ خَيْطُ كَتَّانٍ وَقَصَبَةُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْبَابِ.4- فَقَالَ لِي الرَّجُلُ: «يَا ابْنَ آدَمَ، انْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاسْمَعْ بِأُذُنَيْكَ وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى كُلِّ مَا أُرِيكَهُ، لأَنَّهُ لأَجْلِ إِرَاءَتِكَ أُتِيَ بِكَ إِلَى هُنَا. أَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا تَرَى».
ع1: يحدد حزقيال ميعاد هذه الرؤية وهو السنة الخامسة والعشرين لسبى حزقيال من أورشليم إلى بابل. وكان ذلك السبي هو السبي المسمى سبى يهوياكين، أو السبي العظيم. ولا ننسى أن هذا السبي هو أحد مراحل السبي البابلي، وهو بالتحديد السبي الثاني (سنة السبي).
والسنة الخامسة والعشرين لسبى حزقيال تقابل السنة الرابعة عشر لضرب أورشليم؛ لأنه بعد سبى يهوياكين ملك صدقيا آخر ملوك مملكة يهوذا لمدة إحدى عشر سنة، بعدها حاصر نبوخذنصر المدينة، وسقطت بين يديه، ثم قبض على الملك وأولاده والرؤساء وحطم أورشليم
حدثت هذه الرؤيا في رأس السنة، أي في الشهر الأول منها، وفى اليوم العاشر من الشهر الأول، وهذا هو نفس اليوم الذي ضربت فيه أورشليم منذ أربعة عشر عامًا.
ولليهود تقويمان، التقويم الأول هو السنة المدنية، والعاشر من الشهر الأول فيها يوافق عيد الكفارة، والتقويم الثاني هو السنة الدينية، والعاشر من الشهر الأول يوافق عيد الفصح. وكلا العيدين يرمزان للمسيح الذبيح على الصليب، الذي به ننال خلاصنا، ففى هذا التوقيت رأى حزقيال رؤيا الهيكل، أي الكنيسة المؤسسة على فداء المسيح وصليبه.
في هذا الوقت كانت يد الرب على حزقيال، ليباركه ويحمله في نفس الوقت، من السبي حيث كان يسكن شمال بابل عند نهر خابور إلى أورشليم؛ ليرى هذه الرؤية في المدينة المقدسة. ولم يكن ممكنًا لحزقيال أن يتمتع بهذه الرؤيا إلا ببركة ومساندة يد الله؛ لأن الرؤيا عظيمة جدًا. ويد الرب تشير إلى المسيح المتجسد الذي يؤسس كنيسته ويظهرها لحزقيال هنا.
ونلاحظ أن حزقيال قد نقله الله قبل هذا إلى أورشليم (حز 8)، ليرى إنغماس الشعب في عبادة الأوثان، وبسبب ذلك سمح الله بحرق الهيكل وأورشليم، أما الآن فيد الله تحمله إلى أورشليم ليرى رؤية معزية، وهو كاهن يعيش في السبي محرومًا من تقديم العبادة في الهيكل، فيرى الهيكل الجديد، أي هيكل الكنيسة الذي ينتشر في العالم كله، فيتعزى قلبه بالله مخلصه ومقدسه، ويستطيع أن يعزى كل المسبيين معه، الذين مازالوا محرومين من رؤية الهيكل في أورشليم.
هذه النبوة آخر نبوة مؤرخة في سفر حزقيال، والنبوة السابقة لها المؤرخة كانت في (حز 32) حيث تنبأ على فرعون مصر. وحزقيال من بداية نبواته يصلى ويتنهد على حال شعبه (حز 21: 7) وكل الأمم وكل شعب الله، فأنعم عليه الله في نهاية حياته بهذه الرؤيا العظيمة رؤيا الهيكل (حز 40-48).
ع2: يحدد حزقيال هنا أن مكان الرؤيا كان في أرض إسرائيل، وبالتحديد في أورشليم؛ لأنه في (ع1) يشير إلى أنها المدينة المقدسة التي ضربت في السبي.
ورفعته يد الله إلى جبل عالٍ جدًا، وهو بهذا يبين أنه لابد أن يرتفع إلى السماء ليعاين هذه الرؤيا. وكل إنسان يحتاج أن يرتفع نحو السماء ليرى الله في حياته اليومية.
على هذا الجبل رأى "كبناء مدينة"، أي شبه مدينة. وهو بهذا يبين أن الرؤيا رمزية، وليست مدينة واقعية على الأرض، وهذا معناه أن كل التفاصيل القادمة في الآيات التالية كلها رمزية لا يمكن تطبيقها على أحداث معينة بعد الرجوع من السبي، ولكنها ترمز لكنيسة العهد الجديد.
ودعيت مدينة لأنها مسكن للناس، وفى نفس الوقت ستدعى أيضًا هيكل؛ لأنها مسكن الله. والمقصود أن الهيكل هو المدينة، أي مسكن الله مع شعبه، هذه هي الكنيسة. وفى السماء يتمتع المؤمنون بالمسيح في وسطهم، ونجد أن أورشليم السماوية كلها هيكل، لوجود الله بنفسه وسط شعبه، أي لا يوجد هيكل منفصل داخل المدينة السماوية، بل كلها صارت هيكلًا (رؤ21: 22).
يحدد أيضًا أن مكان هذه المدينة هو من جهة الجنوب؛ لأن حزقيال أتى من شمال بابل نحو الجنوب إلى أورشليم، فأورشليم تقع جنوب بابل. والجنوب تكون فيه الحرارة أعلى فيرمز للحرارة الروحية.
† إن كنت تريد أن تعاين عمل الله في حياتك فارتفع عن شهواتك الأرضية، وتب عنها، واطلب الله في الصلاة، مسلمًا حياتك له، حينئذ تستنير روحيًا، وتشعر بالله مع كل خطوة من خطواتك.
ع3: ولما أحضر الله بيده حزقيال إلى المدينة، التي على الجبل العالى وجد عند بابها رجلًا منظره كمنظر النحاس، هذا الرجل هو المسيح، الذي يقف عند باب المدينة؛ لأنه هو باب الخراف (يو10: 7). ومنظره كالنحاس لأن النحاس يرمز للقوة والاحتمال، فسفر الرؤيا يعلن أن المسيح رجلاه كالنحاس (رؤ1: 15)، والنحاس عمل منه المذبح النحاسى في خيمة الاجتماع، حيث تقدم الذبائح، فهو إذن رمز للصليب، وهنا يرمز للمسيح المصلوب الفادى، الذي احتمل عنا كل الآلام، وداس الموت، ودك الشيطان، وقيده ليحررنا نحن المؤمنين به. والنحاس يرمز لتجسد المسيح، وسفر الرؤيا يذكر أن النحاس محمى بالنار، والنار ترمز لللاهوت، أي اللاهوت متحد بالناسوت، وهنا يحدثنا عن المسيح المتجسد الآتي لخلاص البشرية، حتى يدخلهم إلى كنيسته بدمه.
وفى يد الرجل خيط من الكتان، والخيط يستخدم في القياس، ويرمز هنا إلى أن المسيح يحصى شعبه ويقيسهم ليعطيهم مكانًا في ملكوته. والكتان يرمز للطهارة والتقديس، فمنه كانت تصنع ملابس الكهنة في العهد القديم، أي أن المسيح يقيس أولاده بحسب طهارتهم وقداستهم.
والقصبة التي في يده، هي خشبة طولها ستة أذرع وشبر، أي حوالي 3.25 مترًا في القياس. وأيضًا هذه القصبة ترمز للصليب المصنوع من الخشب الذي يقيس الله به المؤمنين، فيقيسهم بحسب تجاوبهم مع نعمته الفائضة من الصليب، أي أسراره المقدسة، ووسائط النعمة الموجودة في كنيسته.
ع4: أريكه: أجعلك تراه، أي تشاهده وتنظره.
إرائتك : لتستطيع أن ترى.
طلب الرجل، أي المسيح من حزقيال أن يستخدم حواسه كلها وأهمها النظر والسمع؛ حتى يعاين تفاصيل الهيكل ويتمتع برؤية ما أعده الله لأولاده. ولا يكتفى فقط بإدراك ذلك بالحواس الخارجية، بل أيضًا يشعر بها في قلبه، أي يطلب الله منه أن ينتبه ويتيقظ بكل ما يستطيع، بهذا يبين عظمة المنظر الذي سيراه.
وواضح أن المسيح هو الذي يقوده؛ ليفهم ويعرف ما في الهيكل؛ ليتعزى وهو في السبي، وبعد ذلك يستطيع أن يعزى ويفرح المسبيين حوله. فحزقيال يمثل الخادم الذي ينبغى أن يرى الله ويشبع به حتى يستطيع أن يتكلم عنه للآخرين ويشبعهم بمحبة الله.
ونرى تدقيق الله مع حزقيال، أن يعلن له أمورًا عجيبة بنعمته؛ ليفهم ما هو فوق الإدراك البشرى، أي أن حضور الله في هيكله وعمله في الإنسان المؤمن، هذا ما قصده عندما قال إرائتك.
(2) السور وحجرات الحراسة (ع5-16):
5- وَإِذَا بِسُورٍ خَارِجَ الْبَيْتِ مُحِيطٍ بِهِ، وَبِيَدِ الرَّجُلِ قَصَبَةُ الْقِيَاسِ سِتُّ أَذْرُعٍ طُولًا بِالذِّرَاعِ وَشِبْرٌ. فَقَاسَ عَرْضَ الْبِنَاءِ قَصَبَةً وَاحِدَةً، وَسُمْكَهُ قَصَبَةً وَاحِدَةً.6- ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الشَّرْقِ وَصَعِدَ فِي دَرَجِهِ، وَقَاسَ عَتَبَةَ الْبَابِ قَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا، وَالْعَتَبَةَ الأُخْرَى قَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا.7- وَالْغُرْفَةَ قَصَبَةً وَاحِدَةً طُولًا وَقَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا، وَبَيْنَ الْغُرُفَاتِ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَتَبَةُ الْبَابِ بِجَانِبِ رِوَاقِ الْبَابِ مِنْ دَاخِل قَصَبَةٌ وَاحِدَةٌ.8- وَقَاسَ رِوَاقَ الْبَابِ مِنْ دَاخِل قَصَبَةً وَاحِدَةً. 9- وَقَاسَ رِوَاقَ الْبَابِ ثَمَانِيَ أَذْرُعٍ، وَعَضَائِدَهُ ذِرَاعَيْنِ، وَرِوَاقُ الْبَابِ مِنْ دَاخِل.10- وَغُرُفَاتُ الْبَابِ نَحْوَ الشَّرْقِ ثَلاَثٌ مِنْ هُنَا وَثَلاَثٌ مِنْ هُنَاكَ. لِلثَّلاَثِ قِيَاسٌ وَاحِدٌ، وَلِلْعَضَائِدِ قِيَاسٌ وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.11- وَقَاسَ عَرْضَ مَدْخَلِ الْبَابِ عَشَرَ أَذْرُعٍ، وَطُولَ الْبَابِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا. 12- وَالْحَافَّةُ أَمَامَ الْغُرُفَاتِ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَا، وَالْحَافَّةُ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَاكَ. وَالْغُرْفَةُ سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا، وَسِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ.13- ثُمَّ قَاسَ الْبَابَ مِنْ سَقْفِ الْغُرْفَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى سَقْفِ الأُخْرَى عَرْضَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا. اَلْبَابُ مُقَابِلُ الْبَابِ.14- وَعَمِلَ عَضَائِدَ سِتِّينَ ذِرَاعًا إِلَى عَضَادَةِ الدَّارِ حَوْلَ الْبَابِ.15- وَقُدَّامَ بَابِ الْمَدْخَلِ إِلَى قُدَّامِ رِوَاقِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. 16- وَلِلْغُرُفَاتِ كُوًى مُشَبَّكَةٌ، وَلِلْعَضَائِدِ مِنْ دَاخِلِ الْبَابِ حَوَالَيْهِ، وَهكَذَا فِي الْقُبَبِ أَيْضًا، كُوًى حَوَالَيْهَا مِنْ دَاخِل، وَعَلَى الْعَضَادَةِ نَخِيلٌ.
ع5: قصبة : عصا خشبية وهي وحدة لقياس الأطوال طولها ستة أذرع وشبر، والذراع حوالي خمسين سم والشبر حوالي عشرين سم، أي يكون طول القصبة حوالي 320 سم. رأى حزقيال في رؤياه الهيكل له سور، هذا السور سمكه قصبة، وعرضه، أي ارتفاعه قصبة، عندما قاسه الرجل الذي بيده القصبة الذي هو المسيح كما ذكرنا في (ع3). وهذا السور يمثل أمرين بالنسبة للهيكل:
الحماية، كما كانت تبنى المدن قديمًا وحولها أسوار. وهذا السور هو الله الذي يحمى أولاده كما يقول زكريا النبي أن الله سور نار لأولاده (زك2: 5).
التمييز، فالذين في الداخل، أي المؤمنين يختلفون عن الذين في الخارج، أي غير المؤمنين. فالمؤمنون يحيون في الهيكل، أي في الخير، أماغير المؤمنين فيحيون في العالم، أي في الشر.
والقصبة طولها ستة أذرع وشبر، رقم ستة يرمز إلى الإنسان، لأنه خلق في اليوم السادس، والشبر يرمز لعمل الله فيه في اليوم السابع من الخلقة، أي أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون عمل الله فيه. وهناك تأمل آخر بأن الستة أذرع ترمز لعمل الله الذي خلق الإنسان في اليوم السادس، والشبر يرمز لجهاد الإنسان، وخلاص الإنسان يتم بنعمة الله وجهاد الإنسان حتى لو كان صغيرًا ولكنه ضروريًا؛ ليعمل فيه الله. والهيكل كله يظهر النفس الإنسانية المتحدة بالله وعمل الله فيها من أجل جهادها الروحي.
ع6: جاء الرجل الذي بيده القصبة إلى الباب الشرقى وهو الباب الرئيسى للهيكل، ويوجد في السور وله درج من الخارج، أي سلم. وقاس الرجل عتبة الباب أي سمكه من جهة، فوجده قصبة، وقاسه من الجهة الأخرى، فوجده قصبة أيضًا، أي أن الباب له سمك قدره قصبة هي سمك السور.
الباب الشرقى يعتبر الباب الرئيسى؛ لأنه يقود إلى القدس وقدس الأقداس، إذ هو في مواجهته في الداخل. ويلاحظ أن الهيكل له بابان آخران، أحدهما من الشمال، والآخر من الجنوب، فالهيكل له ثلاثة أبواب رمزًا للثالوث القدوس الذي يقدس الهيكل، ولا نجد بابًا من جهة الغرب؛ لأن في الجهة الغربية للهيكل نجد قدس الأقداس.
نرى هنا ثلاثة أبواب للهيكل، في حين أن هيكل سليمان، أو خيمة الاجتماع لها باب واحد من جهة الشرق؛ لأن الباب الشرقى يرمز لدخول المؤمنين للهيكل، أما وجود بابين آخرين فيرمز لدخول الأمم أيضًا في كنيسة العهد الجديد.
والثلاثة أبواب لها مقاييس واحدة؛ لأن الثالوث القدوس أقانيمه متساوية، وكذلك الخلاص المقدم لليهود والأمم في الكنيسة هو واحد. والباب هو المسيح، كما قال (يو10: 7)؛ أي ليس بأحد غيره الخلاص، وفيه وحده ندخل إلى الخلاص الموجود في الكنيسة وأسرارها.
ع7: بعد المرور من الباب نجد أمامه رواق، أي دهليز، أو ممر، على جانبيه صفان من الحجرات يمينًا ويسارًا، الصف الواحد عبارة عن ثلاثة حجرات، بين الحجرة والتي تليها يوجد فراغ مغطى بقبة. والحجرة مقاسها قصبة طولًا وقصبة عرضًا، أما الفراغ بين الحجرتين فكان عرضه خمسة أذرع.
وسمك الباب الشرقى، أي عتبته من الداخل قصبة واحدة، أي أن الإنسان يسير لمسافة قصبة داخل الباب ثم قصبة بعرض الحجرة الأولى، ثم خمسة أذرع للفراغ بين الحجرتين، وبعد ذلك قصبة بعرض الحجرة الثانية، ثم خمسة أذرع للفراغ بين الحجرتين الثانية والثالثة، ثم قصبة للحجرة الثالثة، وفى النهاية فراغ بمسافة خمسة أذرع، فيكون المجموع من درج الباب حتى الفراغ بعد الغرفة الثالثة حوالي 40 ذراعًا لأن القصبة ستة أذرع وشبر.
الستة حجرات الموجودة بعد الباب الشرقى هي للحراسة. وهذا يؤكد أهمية السهر الروحي وحراسة الإنسان لنفسه في ثلاثة اتجاهات هي النفس والجسد والروح. وعدد ستة تأكيد للحراسة في الثلاثة اتجاهات. أما الفراغ بين الحجرات، الذي عرضه خمسة أذرع والذي يسمى عضد في (ع9) فهو يرمز للخمسة حواس التي يلزم حراستها.
ونلاحظ أن الباب قصبة واحدة والحجرات كلها قصبة واحدة؛ لأن الباب هو المسيح الذي به وحده نستطيع أن نحرس حياتنا، كما يقول المزمور "إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلًا يسهر الحارس (مز127: 1). وهكذا نجد المسيح هو الباب والسور والحارس لأنفس أولاده.
ع8: بعد أن انتهينا من الغرفات والعضائد وصلنا إلى الباب الداخلي مقابل الباب الشرقى، هذا الباب الداخلي سمكه مثل الباب الشرقى قصبة واحدة. فالأبواب كلها مقاس واحد هو قصبة؛ لأنها كلها ترمز للمسيح باب الخراف.
ع9: هذا الباب الداخلي المقابل للباب الشرقى سمكه ثمانى أذرع، وقبله عضادة، أي عمود سمكه ذراع، وبعده عضادة أخرى، أي عمود سمكه ذراع، فيكون سمك، أو امتداد هذا الباب عشرة أذرع، أما الباب الشرقى، أي الخارجي فكان قصبة واحدة، أي حوالي ستة أذرع.
ونلاحظ أن الباب الداخلي أكثر عمقًا من الباب الخارجي؛ لأنه كلما تقدم الإنسان في حياته الروحية يزداد عمقًا.
ع10: عضائد: جمع عضادة وهي مسافة بين كل حجرتين وفيها فتحات من السقف، كما سنرى في الآيات التالية وسقفها مقبب. وقد عملت بين الحجرات للإنارة والتهوية عن طريق نوافذ في الحجرات مطلة عليها. والعضائد هي إذن أعمدة خشبية مثبتة في الحجرات ولها سقف مقبب. وأحيانًا عندما يذكر عضادة يذكر عمود خشبى فقط، كما في الباب الداخلي المقابل للباب الشرقى.
يؤكد هنا ما سبق ذكره أن في رواق الباب الذي بين الباب الشرقى والباب الداخلي، أي الممر الذي بينهما يوجد على جانبيه ثلاث حجرات، وثلاث عضائد على اليمين، ومقابلهما ثلاث حجرات وثلاثة عضائد على اليسار، وللحجرات قياس واحد وللعضائد قياس واحد. ومعنى هذا أن طول الحجرات الثلاثية وعضائدها الثلاث يكون (6 × 3) + (5 × 3) =33 وهذا الرقم هو مدة حياة المسيح على الأرض، فالحجرات مخصصة للحراسة، أي أن الإنسان الذي يسهر على حياته ويحرسها يتمثل المسيح في حياته على الأرض ويسير في طريق الملكوت.
ع11: قاس عرض مدخل الباب فكان عشرة أذرع، أي أن رواق الباب عرضه عشرة أذرع، أما الباب فكان طوله، أي ارتفاعه ثلاثة عشر ذراعًا.
ع12: الحافة: عبارة عن رصيف أمام الحجرات.
على جانبى رواق الباب رصيف يمينًا بعرض ذراع عليه صف الحجرات، ورصيف يسارًا بعرض ذراع عليه صف الحجرات. وكان قياس الحجرات ستة أذرع كما ذكرنا سابقًا (ع7).
ع13: قاس الباب: أي حجرات الحراسة التي للباب.
وقياس المسافة بين طرف الحجرة الخارجي إلى الطرف الخارجي للحجرة المقابلة لها حوالي خمسة وعشرين ذراعًا هي ستة أذرع للحجرة، ثم حافة ذراع، وعرض الرواق عشرة أذرع، ثم حافة ذراع، وبعدها حجرة ستة أذرع. ونلاحظ أنه يذكر أن قياس الحجرة في (ع12) ستة أذرع وفى (ع7) قصبة واحدة أي ستة أذرع وشبر فتكون المسافة في الحالة الأولى 24 ذراعًا، وفى الحالة الثانية (القياس بالقصبة) تكون حوالي 25 ذراعًا.
ع14: قاس العضائد، أي الأعمدة الخشبية المثبتة في الحجرات والأبواب فوجدها ستون ذراعًا. ورقم ستون يذكرنا بكلام سفر نشيد الأنشاد بأنه حول تخت سليمان ستون جبارًا يحرسون حراسات الليل (نش3: 7). ورقم ستون هو حاصل ضرب 5 × 12 فالخمس هم الحواس الخمس و12 ترمز للكنيسة كلها ممثلة في الإثنى عشر رسولًا، أي أن الكنيسة بكل أعضائها حواسهم يقظة، يحرسون أنفسهم من كل شر، معتمدين على نعمة الله الذي هو الباب.
ع15: من ناحية أخرى يقيس المسافة طولًا من بداية الباب الشرقى من الخارج حتى نهاية الباب الداخلي من الداخل فيجدها حوالي خمسون ذراعًا وهي كما يلي:
ستة أذرع وشبر، أي حوالي ستة أذرع ونصف سمك الباب الشرقى، ثم 34.5 ذراع للحجرات والعضائد (حوالي 6.5 للحجرة × 3 + 5 للعضادة × 3).
وبعد ذلك عشرة أذرع للباب الداخلي، فيكون الإجمالى حوالي خمسين ذراعًا، فهي بالضبط أكثر قليلًا من خمسين ذراعًا.
ورقم خمسين يرمز لسنة اليوبيل التي يتم فيها تحرير العبيد، والذين سقطوا في القتل الخطأ وعاشوا في مدن الملجأ. فهنا يعلن أن من يمر من الباب الشرقى ويدخل إلى الساحة الخارجية التي بعد الباب الداخلي، يتحرر من كل خطاياه. فمن يمر من المسيح الباب بالإيمان والتوبة، ويسهر ويحرس حواسه، يحرره الله من قيود الشر التي تربطه.
ع16: كوى: نوافذ صغيرة.
مشبكة : عليها شبكة من الخشب، أو المعدن.
يصف هنا العضادات وعلاقتها بالحجرات، فهذه العضادة سقفها المقبب فيه نوافذ لتنير هذه المساحة وتعطيها تهوية، وفى نفس الوقت كل حجرة فيها نوافذ تطل على العضادة وعلى باقى جهات الحجرة للتهوية والإنارة. وعلى كل كوة شبكة لمنع دخول الطيور. هذه الكوى تستخدم في أمرين:
رؤية ما حول الحجرة للقيام بعمل الحراسة.
للتهوية والإنارة.
هذه القبب موجودة في العضائد، وقد تكون موجودة أيضًا في الحجرات. والقبب ترمز للسماء، أي أن الإنسان الروحي ينبغى أن يكون:
له فكر سماوى.
يستنير دائمًا بشمس البر ربنا يسوع المسيح. فالكوى في القبب، أي الاستنارة سماوية من الله للساكنين في السماء.
يحرس حياته بيقظة روحية.
يكون حريصًا ألا تدخل إلى داخله أفكار العالم، التي ترمز إليها الطيور؛ لذا كانت الكوى مشبكة.
يتميز بالثمار الروحية؛ لذا رسم النخيل على العضائد؛ لأن الصديق كالنخلة يزهو (مز92: 12). والمؤمنون سينيرون السماء بحياتهم الروحية، ويتمتعون برؤية المسيح الذي آمنوا به وعاشوا معه على الأرض. وقد زين هيكل سليمان بالنخيل (1 مل6: 29) وسعف النخيل يرمز للنصرة (رؤ7: 9).
والكوى تنظر إلى السماء الواسعة، فهي فتحات في الحجرات والعضائد لرؤية السماء. وهذا يرمز إلى أن الإنسان في الجسد يعاين بعض السماويات، أما عندما يترك العالم فيعاين مجد السماويات.
† اهتم أن تحرس حياتك الروحية بتدقيق، فهذا يظهر محبتك لله وللسماء. وثق أن الله سيسندك ويبعد عنك حروبًا كثيرة، بل يعضدك لتنتصر في كل حرب تقوم عليك من الشيطان
(3) الدار الخارجية (ع17-27):
17- ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِذَا بِمَخَادِعَ وَمُجَزَّعٍ مَصْنُوعٍ لِلدَّارِ حَوَالَيْهَا. عَلَى الْمُجَزَّعِ ثَلاَثُونَ مِخْدَعًا.18- وَالْمُجَزَّعُ بِجَانِبِ الأَبْوَابِ مُقَابِلَ طُولِ الأَبْوَابِ، الْمُجَزَّعُ الأَسْفَلُ. 19- وَقَاسَ الْعَرْضَ مِنْ قُدَّامِ الْبَابِ الأَسْفَلِ إِلَى قُدَّامِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ خَارِجٍ، مِئَةَ ذِرَاعٍ إِلَى الشَّرْقِ وَإِلَى الشِّمَالِ.20- وَالْبَابُ الْمُتَّجِهُ نَحْوَ الشِّمَالِ الَّذِي لِلدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ قَاسَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ. 21- وَغُرُفَاتُهُ ثَلاَثٌ مِنْ هُنَا وَثَلاَثٌ مِنْ هُنَاكَ، وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَانَتْ عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ الأَوَّلِ، طُولُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.22- وَكُوَاهَا وَمُقَبَّبُهَا وَنَخِيلُهَا عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَكَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَيْهِ فِي سَبْعِ دَرَجَاتٍ، وَمُقَبَّبُهُ أَمَامَهُ.23- وَلِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بَابٌ مُقَابِلُ بَابٍ لِلشِّمَالِ وَلِلشَّرْقِ. وَقَاسَ مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ مِئَةَ ذِرَاعٍ.24- ثُمَّ ذَهَبَ بِي نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَإِذَا بِبَابٍ نَحْوَ الْجَنُوبِ، فَقَاسَ عَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبَهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.25- وَفِيهِ كُوًى وَفِي مُقَبَّبِهِ مِنْ حَوَالَيْهِ كَتِلْكَ الْكُوَى. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا. 26- وَسَبْعُ دَرَجَاتٍ مَصْعَدُهُ وَمُقَبَّبُهُ قُدَّامَهُ، وَلَهُ نَخِيلٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَا وَوَاحِدَةٌ مِنْ هُنَاكَ عَلَى عَضَائِدِهِ. 27- وَلِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بَابٌ نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَقَاسَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الْبَابِ نَحْوَ الْجَنُوبِ مِئَةَ ذِرَاعٍ.
ع17: مجزع: رصيف مصنوع من الرخام الذي يختلط فيه اللون الأبيض والأسود.
مخادع : غرفات.
أدخل الله حزقيال بعد اجتياز حجرات الحراسة والباب الداخلي إلى الدار الذي تسمى الدار الخارجية. في هذه الدار رأى حزقيال حجرات على جوانبها، قد بنيت على رصيف مجزع، وكان عدد هذه الغرفات كلها ثلاثين.
هذه الحجرات خصصت لراحة الشعب الآتي لعبادة الله في هيكله. والراحة تكون في بيت الله وليس خارجه، هناك تستقر النفس، فإن كان الإنسان يعمل في حياته أعمالًا كثيرة، ولكن راحته في بيت الله حيث يصلى ويتأمل ويشعر بالله.
ورقم 30 هو سن النضج عند اليهود، فيعتبر إنسانًا كاملًا، كما بدأ المسيح خدمته في سن الثلاثين، أي أن الإنسان الناضج روحيًا هو الذي يدخل إلى بيت الله ويستقر فيه ويتمسك بحياته الروحية.
وللدخول لهذه الحجرات ينبغى الارتفاع درجة الذي هو المجزع، فمن يريد أن يتمتع بالراحة في بيت الله يلزم أن يرتفع عن الأمور العالمية.
والمجزع يختلط فيه اللون الأسود والأبيض، فهو يرمز لليهود والأمم، فالإثنان يتحدان بالإيمان بالمسيح، ويجدان راحتهما في كنيسته. والرخام شيء ثمين في العالم، فيرمز إلى أن الإنسان يلزمه أن يدوس على مباهج العالم، فيدخل إلى الراحة الروحية، فبالتنازل عن الجسديات تجد الروح راحتها.
ع18: بنيت الحجرات فوق المجزع على جانبى الأبواب. وكان في الدار الخارجية ثلاثة أبواب؛ واحد من الشرق، والثانى من الشمال، والثالث من الجنوب. ويقصد بكلمة "المجزع الأسفل" أي أن المجزع أسفل الحجرات.
ع19: قاس الرجل الذي بيده القصبة المسافة بين كل باب في الدار الخارجية حتى مقابلها في الدار الداخلية، فوجدها 100 ذراع.
ورقم 100 هو مضروب (10 × 10) فيرمز إلى حفظ الإنسان وصايا الله (أى الوصايا العشر) من جهة نفسه، ومن جهة علاقته بالآخرين. وعمومًا رقم 100 يمثل كمال المسئولية؛ فالإنسان مسئول عن حياته وكل من حوله وكل من يخدمهم، وهذا يظهر بالأكثر في حياة الكاهن والخادم، خاصة وأننا في الدار الخارجية وسندخل إلى الدار الداخلية، حيث العمل الكهنوتى وتقديم العبادة لله.
ع20-22: يوضح هنا أن الباب الذي من جهة الشمال شكله وحجرات الحراسة المتصلة به وعضائده وقبابه وكواه ونخيله، لها نفس مقاسات الباب الشرقى، التي ذكرناها في (ع5-16).
يوضح هنا أن الباب الذي يدخلنا إلى الدار الخارجية، سواء الشمالى، أو الشرقى، أو الجنوبى له 7 درجات في نهاية رواق الباب، ومعنى هذا أن الدار الخارجية أعلى من رواق الباب بسبع درجات، ويرمز هنا إلى أهمية الارتفاع عن العالم وشهواته حتى ندخل إلى الحياة مع الله. ورقم 7 يرمز إلى كمال عمل الله في الإنسان، الذي يجاهد ويترك عنه شهوات العالم، فيدخله الله بنعمته إلى الاتحاد به، والتمتع برؤيته. والسلم يرمز لأهمية التدرج في الجهاد الروحي.
ويلاحظ أيضًا وجود مقبب أمام الباب الذي في الدار الخارجية، فبعد صعود السلم والدخول في الباب نجد أمامه هذا المقبب الذي يرمز إلى السماء، أي أن الذي يصعد السلم، أى يرتفع عن الأرضيات، يدخل إلى الباب والمقبب، أي إلى السماء.
ع23: يؤكد هنا أن المسافة بين الباب الذي في الدار الخارجية مقابله في الدار الداخلية سواء الباب الشمالى، أو الشرقى هو 100 ذراع كما ذكرنا في (ع19)
ع24-27: يوضح هنا أن الباب الذي نحو الجنوب له غرفات حراسة، وعضائد، وقباب وكوى، ونخيل على العضائد، وسلم، ومقبب أمامه، تمامًا مثل الباب الشمالى والشرقى السابق ذكرهما. والمسافة كما ذكرنا بين الباب الجنوبى ومقابله في الدار الداخلية هو 100 ذراع.
يفهم من هذا أن الدخول إلى الله من جميع الجوانب هو بنفس الطريقة، فالجهاد الروحي واحد، كما تعلمنا الكنيسة، والمسافة بين الأبواب في الدار الخارجية والداخلية واحدة، أى 100 ذراع؛ ليؤكد نفس المعنى في ترك العالم والدخول في علاقة قوية مع الله.
† الله يدعوك أن ترتفع عن شهواتك الأرضية، وتصعد بالجهاد الروحي؛ لتتمتع بعشرته في كنيسته. وتذكر أنه أحبك ومات لأجلك، فمن الطبيعي أن تتجاوب معه، وتتعب ولو قليلًا في هذه الحياة، لترتفع إلى السماء.
(4) الدار الداخلية (ع28-37):
28- وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ بَابِ الْجَنُوبِ، وَقَاسَ بَابَ الْجَنُوبِ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ. 29- وَغُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ. وَفِيهِ وَفِي مُقَبَّبِهِ كُوًى حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.30- وَحَوَالَيْهِ مُقَبَّبٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا طُولًا وَخَمْسُ أَذْرُعٍ عَرْضًا.31- وَمُقَبَّبُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ.32- وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَقَاسَ الْبَابَ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.33- وَغُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ. وَفِيهِ وَفِي مُقَبَّبِهِ كُوًى حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا. 34- وَمُقَبَّبُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ. 35- وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ الشِّمَالِ وَقَاسَ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.36- غُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ وَالْكُوَى الَّتِي لَهُ حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.37- وَعَضَائِدُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ.
ع28، 29: أخذ حزقيال الرجل الذي بيده القصبة، وأتى إلى الباب الذي من جهة الجنوب والذي يدخل إلى الدار الداخلية. فرأى أمام الباب في الدار الداخلية غرف، ثلاث على اليمين وثلاث على اليسار، وبين هذه الغرف عضائد، وفى الغرفات والعضائد كوى مقاييسها مثل التي ذكرت في (ع5-16) وبنفس الشكل.
نلاحظ التماثل الكامل بين حجرات رواق الباب وحجرات الدار الداخلية، وهذا يرمز إلى أن الله يحرس أولاده ويرعاهم بنفس المقدار، ولكن البعض يتجاوبون جزئيًا، فيكونون في الكنيسة ولكن عند الباب، أما البعض الآخر فيتجاوب بشكل كبير، فيدخل إلى الأعماق، أي الدار الداخلية
ع30، 31: وهذا التماثل يؤكد أن الإيمان واحد، ووسائط النعمة واحدة في الكنيسة، ويستخدمها جميع المؤمنين، ولكن الفرق في مدى الاستفادة منها.
لهذا الباب الذي يدخل إلى الدار الداخلية مقبب طوله خمسة وعشرين ذراعًا وعرضه خمسة أذرع، وهو يطل على الدار الخارجية؛ لأن هذا الباب يفصل بين الدار الخارجية والداخلية. ووجد هناك ثمان درجات تصعد إلى هذا الباب من الدار الخارجية، أي أن الدار الداخلية أعلى من الدار الخارجية، كما أن الدار الخارجية أعلى من رواق الباب المذكور في (ع5-16).
نرى في هذه الآيات أن المقياس المستخدم هنا هو الذراع وليس القصبة المذكورة في الأبواب التي عند السور، والقصبة ستة أذرع وشبر، والذراع يرمز لعمل الله، والشبر يرمز لجهاد الإنسان. فجهاد الإنسان في بداية ممارساته الروحية أمر ضرورى، ولكن إن دخل إلى الأعماق مثل أعماق التأمل وصلاة القلب وكل ما اختبره القديسون، فهذا هو عمل الله فقط الذي يرمز إليه الذراع، كما قال القديس يوحنا الدرجى عن الصلاة "سكت لسانك ليتكلم قلبك، ثم سكت قلبك ليتكلم الله".
نجد أيضًا زيادة المقبب في الباب الذي يؤدى إلى الدار الداخلية، وهذا المقبب كما قلنا يرمز إلى السماء، فينبغى لمن يدخل إلى الأعماق أن يركز نظره نحو السماء ويحيا بقلبه فيها.
والدرج الذي يرفعنا إلى الباب الخارجي الذي في السور له درجات غير مكتوب عددها فهي درجات قليلة. أما الدرجات المؤدية للباب الذي في الدار الخارجية فعددها سبعة، وهي ترمز لكمال عمل الله في الكنيسة من خلال الأسرار السبعة. وللدخول إلى الدار الداخلية، أي الأعماق نرى الدرج له ثمانى درجات، ورقم ثمانية يرمز للأبدية. فمن يترك العالم ويدخل إلى الكنيسة يلزمه أن يرتفع ولو قليلًا عن العالم، ثم في داخل الكنيسة يرتفع سبع درجات، أي يمارس أسرار الكنيسة، وبعد ذلك يتأهل للصعود إلى الأبدية بثمانى درجات، أي يدخل إلى الدار الداخلية.
وهناك تأمل آخر في الدرج، فالدار الخارجية نصعد إليها بسبع درجات، فهي ترمز لكمال الناموس في العهد القديم، أما الدار الداخلية فترمز للكنيسة التي نجد فيها عربون الحياة الأبدية؛ لذا نصعد إليها بثمانى درجات، ومجموع سبع درجات وثمانى درجات يساوى 15، ورقم 15 هو عدد مزامير المصاعد التي كان يرددها شعب الله وهم صاعدون إلى الهيكل في أورشليم.
إن الدرجات الثمانية تذكرنا بسلم يعقوب الصاعد إلى السماء (تك28: 12).
† إن الدرجات تصعدنا إلى هيكل الله، سواء التي عند الباب الخارجي، أو السبعة المؤدية إلى باب الدار الخارجية، أو الثمانية المؤدية إلى باب الدار الداخلية. وأنت يا ترى تقف على أية درجة من هذه الدرجات. إن الله يقبلك في أية درجة، ولكن يشتاق أن تسعى للصعود إليه، وسيشجعك ويسندك ليعطيك من كنوزه الكثير ويفرح قلبك. فضع أمامك هدفك طوال حياتك، أن تصعد إليه لتتمتع بحبه من خلال ممارساتك الروحية.
ع32-34: بعد هذا ذهب حزقيال إلى الباب الشرقى للدار الداخلية، فوجده بنفس مقاييس وشكل الباب السابق الذي في ناحية الجنوب.
ع35-37: ثم ذهب حزقيال إلى الباب الذي من ناحية الشمال فوجده وكل ما يتصل به من غرفات وعضائد ومقبب بنفس شكل ومقاييس الباب الذي نحو الجنوب. ونرى أن الثلاثة أبواب للدار الداخلية متساوية في شكلها ومقاييسها، فهي ترمز إلى الثلاثة أقانيم المتساوية التي في جوهر الله، ومن خلالها ندخل إلى عشرة الله.
نلاحظ تكرار أمرين في وصف الأبواب الثلاثة هما:
رقمى 25، 50 الذين وهما مضاعفات الرقم 5، الذي يرمز إلى تحمل المسئولية، إذ للإنسان خمس حواس وأصابع خمسة، فكل من يريد أن يدخل إلى العمق ينبغى أن يتحمل المسئولية في جهاده الروحي؛ ليتمتع بعشرة الله.
النخيل الذي على العضائد يرمز لحياة البر، إذ أن البار يعطى ثمارًا حتى لو أساء إليه الآخرون وألقوا عليه حجرًا، فيعطيهم ثمرًا. فمن يدخلون إلى العمق مع الله لابد أن يكونوا أبرارًا. وفى نفس الوقت سعف النخيل يرمز إلى النصرة والأمجاد التي يتمتع بها أولاد الله في الملكوت.
(5) حجرات لإعداد الذبائح (ع38-43):
38- وَعِنْدَ عَضَائِدِ الأَبْوَابِ مِخْدَعٌ وَمَدْخَلُهُ. هُنَاكَ يَغْسِلُونَ الْمُحْرَقَةَ.39- وَفِي رِوَاقِ الْبَابِ مَائِدَتَانِ مِنْ هُنَا، وَمَائِدَتَانِ مِنْ هُنَاكَ، لِتُذْبَحَ عَلَيْهَا الْمُحْرَقَةُ وَذَبِيحَةُ الْخَطِيئَةِ وَذَبِيحَةُ الإِثْمِ.40- وَعَلَى الْجَانِبِ مِنْ خَارِجٍ حَيْثُ يُصْعَدُ إِلَى مَدْخَلِ بَابِ الشِّمَالِ مَائِدَتَانِ، وَعَلَى الْجَانِبِ الآخَرِ الَّذِي لِرِوَاقِ الْبَابِ مَائِدَتَانِ.41- أَرْبَعُ مَوَائِدَ مِنْ هُنَا، وَأَرْبَعُ مَوَائِدَ مِنْ هُنَاكَ عَلَى جَانِبِ الْبَابِ. ثَمَانِي مَوَائِدَ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا.42- وَالْمَوَائِدُ الأَرْبَعُ لِلْمُحْرَقَةِ مِنْ حَجَرٍ نَحِيتٍ، الطُّولُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَالسَّمْكُ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ. كَانُوا يَضَعُونَ عَلَيْهَا الأَدَوَاتِ الَّتِي يَذْبَحُونَ بِهَا الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبِيحَةَ.43- وَالْمَآزِيبُ شِبْرٌ وَاحِدٌ مُمَكَّنَةً فِي الْبَيْتِ مِنْ حَوْلِهِ. وَعَلَى الْمَوَائِدِ لَحْمُ الْقُرْبَانِ.
ع38: عند الباب الشمالى بعد صعود الثمانى درجات، نجد غرفة عند عضادة الباب اليمنى، وغرفة أخرى عند العضادة اليسرى، أي يوجد مخدعان أي غرفتان في نهاية الدار الخارجية، قبل الدخول من الباب إلى الدار الداخلية. هاتان الغرفتان يغسلون فيها الذبائح المقدمة كمحرقة لله.
غسل الذبائح يرمز إلى غسل القلب من كل خطية بالتوبة، وهذه التوبة أمر ضرورى لكل من يسمح له بالدخول إلى الدار الداخلية للملكوت، كما قال رب المجد في عظته على الجبل طوبى للحزانى الآن لأنهم يتعزون، أي من يتوبون لهم العزاء والفرح في ملكوت السموات (مت5: 4).
ع39: داخل رواق الباب الشمالى للدار الداخلية توجد مائدتان على كل جانب من جوانب الرواق، تقدم عليها الذبائح المعدة لتقديمها كمحرقات، أو ذبائح إثم، أو ذبائح خطية. وهذه الأنواع الثلاثة من الذبائح كانت تقدم بحسب شريعة موسى، وهي ترمز إلى ذبيحة المسيح على الصليب والتي ننالها على المذبح كل يوم في الكنيسة. فبالمسيح وحده ننال الخلاص الذي يدخلنا إلى الملكوت؛ الذي ترمز إليه الدار الداخلية.
ع40، 41: نجد أيضًا على جانبى رواق الباب من الخارج مائتين على كل جانب، وذلك بعد أن نصعد الثمانى درجات، وقبل الدخول إلى الدار الداخلية، أي أنه يوجد ثمانى موائد لذبح الذبائح قبل الباب الشمالى للدار الداخلية، أربعة منها داخل الغرفة، وأربعة خارج الغرفة على جانبيها من الخارج.
عدد ثمانية يرمز للأبدية، أي أنه بالتناول من ذبيحة المسيح والاتحاد به نستطيع أن ندخل إلى الأبدية. وعدد ثمانية يرمز للحياة الجديدة، فذبيحة المسيح ذبيحة جديدة كانت ترمز إليها ذبائح العهد القديم.
نلاحظ أيضًا أن الذبائح تقدم عند الباب الشمالى، وذلك لأن الشمال يرمز إلى قضاء الله وعقابه، فقد هجمت كل الممالك على شعب الله من الشمال، سواء أشور، أو بابل، أو مادى وفارس، ثم بعدهما اليونان والرومان. وإن كان قضاء الله ودينونته تأتيا من الشمال، فلا يخلصنا من هذه الدينونة إلا المسيح الفادى؛ لذا وضعت موائد الذبائح عند الباب الشمالى.
هذه الموائد الثمانية توضع خارج الدار الداخلية، كما ندخل الآن في الكنيسة بالحمل من خارج الهيكل، حيث يختاره الكاهن من بين القربان؛ ليدخله إلى المذبح في الداخل، وكما يأتون بالحمل في الأعياد من خارج الكنيسة؛ ليختاره الكاهن على باب الهيكل، ثم يدخله إلى الداخل.
ع42: هذه الموائد كانت تصنع من حجر نحيت، أي حجر واحد منحوت من الجبل، وليست مجموعة أحجار مركبة فوق بعضها. وهذا الحجر يرمز للمسيح حجر الزاوية (أف2: 20). وهذا الحجر قطعة واحدة، أي أنه ثابت ومستقر، ويرمز لأهمية الثبات في المسيح (يو6: 56). وكان قبر المسيح منحوت في الصخر، فهذه المائدة ترمز لقبر المسيح الفادى الذبيح الحقيقي عنا.
ونرى في مقاسات هذا الحجر أنه مربع طوله مثل عرضه، وله بالتالى أربعة أركان، فالمسيح يقدم ذبيحة وفائه عن العالم كله بأركانه الأربعة. أما سمك هذه المائدة، أي ارتفاعها فكان ذراعًا واحدًا؛ لأن المسيح واحد وليس بأحد غيره الخلاص، فبذبيحته وحده ننال الخلاص وندخل للملكوت (أع4: 12).
أما أدوات الذبح التي يذبحون بها الذبائح فترمز إلى الممارسات الروحية التي تؤهل الإنسان المؤمن للاتحاد بالمسيح، وتعده للدخول إلى الملكوت. وأدوات الذبح ترمز لما يسمح بوضعه الآن في الكنيسة على المذبح، أي الصليب والبشارة والبخور، وكلها ضرورية لتقديم ذبيحة المسيح، وعلى الصليب قدم المسيح ذاته بخورًا، فاشتمه أبوه الصالح، وقدم بشارة للعالم كله بالخلاص.
† المسيح يقدم لك محبته في ذبيحته المقدمة عنك كل يوم على المذبح، فلا تنشغل عنها؛ لأنها أهم شيء في العالم، واستعد لها بالصلاة والصوم والتوبة؛ حتى تتمتع بعملها فيك، فتؤهلك للدخول إلى الملكوت.
ع43: مآزيب: خطاطيف.
ممكنة : مثبتة.
كان مثبتًا في جدران هذه الغرفة خطاطيف لتعليق الذبائح بها، حتى يتم غسلها وكان الخطاف طوله شبر. والخطاف يرمز لجهاد الإنسان الذي يتمسك بذبيحة المسيح، فينال الخلاص. وإن كان طول الخطاف صغير، وهو شبر، لكنه ضرورى لنوال الخلاص، فإن لم يتمسك الإنسان بالمسيح المقدم نفسه عنا كهبة مجانية؛ فلن ينال الخلاص.
والمآزيب ممكنة في البيت، أي أنه ينبغى أن يثبت المؤمن في الكنيسة ليستطيع أن يتمتع بذبيحة المسيح، فيظل مداومًا على الصلاة وكل الممارسات الروحية وأسرار الكنيسة.
ويوضع على المذبح لحم القربان، أي لحم الذبائح المقدم قربانًا لله، وهو يرمز لجسدالمسيح المقدم على مذبح الكنيسة في شكل قربان يتحول إلى جسد المسيح.
هذه الغرفة التي داخلها الموائد ترمز إلى مخدع الصلاة، حيث ينسكب الإنسان المؤمن بالمسيح الذبيح ويرفض كل شر مهما كان عزيزًا لديه في توبة ودموع؛ ليرتفع إلى السماء.
وهكذا رأى حزقيال قصة الخلاص كلها، إذ رأى ذبائح العهد القديم؛ المحرقة والخطية والإثم، الى ترمز للمسيح الفادى الذي يقدم ذبيحته على مذبح الكنيسة، وإذ نتناوله نتأهل للدخول إلى ملكوت السموات، التي هي الدار الداخلية.
(6) حجرات المغنيين والكهنة (ع44-49):
44- وَمِنْ خَارِجِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ مَخَادِعُ الْمُغَنِّينَ فِي الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي بِجَانِبِ بَابِ الشِّمَالِ، وَوُجُوهُهَا نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَاحِدٌ بِجَانِبِ بَابِ الشَّرْقِ مُتَّجِهٌ نَحْوَ الشِّمَالِ.45- وَقَالَ لِي: «هذَا الْمِخْدَعُ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ هُوَ لِلْكَهَنَةِ حَارِسِي حِرَاسَةِ الْبَيْتِ.46- وَالْمِخْدَعُ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الشِّمَالِ لِلْكَهَنَةِ حَارِسِي حِرَاسَةِ الْمَذْبَحِ. هُمْ بَنُو صَادُوقَ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ بَنِي لاَوِي إِلَى الرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ». 47- فَقَاسَ الدَّارَ مِئَةَ ذِرَاعٍ طُولًا، وَمِئَةَ ذِرَاعٍ عَرْضًا، مُرَبَّعَةً، وَالْمَذْبَحَ أَمَامَ الْبَيْتِ. 48- وَأَتَى بِي إِلَى رِوَاقِ الْبَيْتِ وَقَاسَ عَضَادَةَ الرِّوَاقِ، خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا وَخَمْسَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ، وَعَرْضَ الْبَابِ ثَلاَثَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا وَثَلاَثَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ.49- طُولُ الرِّوَاقِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَالْعَرْضُ إِحْدَى عَشَرَةَ ذِرَاعًا عِنْدَ الدَّرَجِ الَّذِي بِهِ كَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَيْهِ. وَعِنْدَ الْعَضَائِدِ أَعْمِدَةٌ، وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَوَاحِدٌ مِنْ هُنَاكَ.
ع44: يحدثنا هنا عن حجرات للمغنين وهم من اللاويين والكهنة. هذه الحجرات داخل الدار الداخلية، ليست في الأبواب، ولكن بجوار الأبواب، وليست بجوار باب القدس، ولكن في محيط الدار الداخلية.
ويحدد أماكن هذه الغرفات أنها بجوار باب الشمال وتطل على الباب الجنوبى. وهناك غرفة، أو غرفات بجوار الباب الشرقى للدار الداخلية من ناحية الشمال وليس من ناحية الجنوب.
نرى هنا اهتمام الله بالتسابيح والغناء الروحي، فيخصص حجرات للمغنين في الدار الداخلية؛ ليكون التسبيح مستمرًا في هيكل الله. هذا ما بدأ به داود ونظمه، وهذا هو الموجود في كنيسة العهد الجديد، وسيكون هو العمل الوحيد في ملكوت السموات.
ونجد هنا ارتباطًا بين الذبائح المذكورة في (ع38-43) وبين الغناء والتسبيح المذكور في هذه الآية، وهذا يبين فرح الله بذبائح التسبيح التي هي صلواتنا وتسابيحنا المرفوعة أمامه في الكنيسة وفى مخادعنا.
† ليكن للتسبيح مكانًا واضحًا في صلواتك، إذ هو الصلاة التي بلا غرض إلا محبة الله، فهي تجاوب مع محبته المجانية. فسبح الله ليس فقط في الكنيسة ولكن في صلاتك الخاصة.
ع45، 46: خصص الله المخدع الذي بجوار باب الشمال ووجهه نحو الجنوب لإقامة الكهنة المسئولين عن حراسة البيت، أي القدس. وهذا المخدع إما غرفة، أو أكثر. وخصص المخدع الذي بجوار الباب الشرقى الذي يتجه وجهه نحو الشمال، أي المقام عن يمين الباب الشرقى لإقامة الكهنة المسئولين عن المذبح وحراسته والقيام بأعماله، ويسميهم بنى صادوق. وصادوق هذا هو رئيس الكهنة المعروف أيام داود وسليمان، وكان رجلًا صالحًا. وتحديد الله لإسمه يبين اختيار الله للصالحين، وهو يرمز للمسيح المختار من بين بنى البشر ليفدى البشرية كلها، خاصة أن اسم صادوق معناه بر، فهو يرمز للمسيح الذي بفدائه يبرر أولاده. ونلاحظ تنظيم الله لكل شيء، وتحديده للمسئوليات، فيضع مسئولية حراسة البيت على بعض الكهنة، وحراسة المذبح على كهنة آخرين، كما حدد البعض للتسبيح في (ع44).
ع47: نلاحظ أن الدار الداخلية مربعة طولها وعرضها 100 ذراع أمام القدس وقدس الأقداس، أي البيت، وفى وسط هذه الدار يوجد المذبح الذي يوجد أمام البيت.
ورقم 100 يرمز للقطيع الصغير المائة خروف، أي المؤمنين الذين يرعاهم المسيح ويعد لهم الملكوت.
والدار الداخلية مربعة لترمز إلى أنها تجمع المؤمنين من أركان المسكونة الأربعة؛ ليعبدوا الله في كنيسته ويتمتعوا به في الملكوت.
ع48: عندما وصل إلى نهاية الدرج وجد رواقًا عليه باب، هذا الباب عرضه ستة أذرع، منقسم إلى ثلاثة أذرع يمينًا وثلاثة أذرع شمالًا، هي ضلف الباب. وكانت ضلف الباب مثبتة على عضائد، خمسة أذرع يمينًا وخمسة أذرع يسارًا.
نلاحظ أن الباب عرضه ثلاثة من هنا وثلاثة من هناك، يرمز للثالوث القدوس، ويؤكد ذلك مرتين، فينبغى أن يحيا الكاهن في علاقة مع الله في ثالوثه القدوس.
والعضائد المثبت بها الباب عرض كل منها خمسة أذرع ترمز لحواس الإنسان، فيلزم أن يهتم الكاهن بتقديس حواسه، ويؤكد ذلك مرتين في العضائد اليمنى واليسرى.
ع49: كان الرواق الذي نصل إليه بعد صعود الدرج عشرون ذراعًا طولًا وإحدى عشر ذراعًا عرضًا، وكان فيه بعد صعود الدرج عمودان يمينًا ويسارًا نحو العضائد.
نجد هنا أنه ينبغى لدخول الكهنة للبيت ان يصعدوا درجًا، أي يرتفعوا نحو السماويات ويتركوا عنهم كل فكر أرضى. هذا الصعود يتميز به الكهنة بخلاف الدرجات التي يصعدها المؤمنون السابق ذكرها، أي أن الكاهن لابد أن تتميز حياته مع الله وعمقه عن باقي الشعب.
بعد صعود الدرج نجد رواقًا يسير فيه الكهنة حتى يصلوا إلى باب القدس، أي البيت. في هذا الرواق يخلى الكاهن كل أفكاره الأرضية، ويستعد لخدمة الله بكل قلبه، أي يستعد للدخول إلى حضرة الله بخشوع وحب.
نجد أيضًا عمودين بعد الدرج يرمزان إلى أن الكاهن لابد أن يكون ثابتًا في بيت الله، مثل العمود، ومرتفعًا إلى السماء مثله، ويذكرنا هذا بالعمودين اللذين كانا في هيكل سليمان (1 مل7: 21).
طول الرواق عشرون ذراعًا (10 × 2)، أي ينبغى أن يتميز الكاهن بحفظ الوصايا أكثر من باقى الشعب. وعرض الرواق 11 الذي يرمز إلى عدد التلاميذ ينقصهم يهوذا؛ ليكون الكاهن حذرًا من الكبرياء ومحبة المال التي سقط فيها يهوذا، أي بالجملة يحيا الكاهن مدققًا في حياته خاضعًا لله.
† تذكر ضرورة أن تثبت في الله مثل العمود، وذلك بالمواظبة على صلواتك وأصوامك وقراءاتك، متغذيًا بجسد الرب ودمه، فتنمو كل يوم في معرفة الله.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الحادى والاربعون
القدس وقدس الأقداس ونقوش الهيكل
(1) القدس وقدس الأقداس (ع1-11)
[2] المبنى المنفصل (ع12-17)
(3) نقوش الهيكل وأبوابه (ع18-26)
(1) القدس وقدس الأقداس (ع1-11):
1- وَأَتَى بِي إِلَى الْهَيْكَلِ وَقَاسَ الْعَضَائِدَ، عَرْضُهَا مِنْ هُنَا سِتُّ أَذْرُعٍ، وَمِنْ هُنَاكَ سِتُّ أَذْرُعٍ، عَرْضُ الْخَيْمَةِ. 2- وَعَرْضُ الْمَدْخَلِ عَشَرُ أَذْرُعٍ، وَجَوَانِبُ الْمَدْخَلِ مِنْ هُنَا خَمْسُ أَذْرُعٍ وَمِنْ هُنَاكَ خَمْسُ أَذْرُعٍ. وَقَاسَ طُولَهُ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضَ عِشْرِينَ ذِرَاعًا. 3- ثُمَّ جَاءَ إِلَى دَاخِل وَقَاسَ عَضَادَةَ الْمَدْخَلِ ذِرَاعَيْنِ، وَالْمَدْخَلَ سِتَّ أَذْرُعٍ، وَعَرْضَ الْمَدْخَلِ سَبْعَ أَذْرُعٍ. 4- وَقَاسَ طُولَهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَالْعَرْضَ عِشْرِينَ ذِرَاعًا إِلَى قُدَّامِ الْهَيْكَلِ. وَقَالَ لِي: «هذَا قُدْسُ الأَقْدَاسِ». 5- وَقَاسَ حَائِطَ الْبَيْتِ سِتَّ أَذْرُعٍ، وَعَرْضَ الْغُرْفَةِ أَرْبَعَ أَذْرُعٍ حَوْلَ الْبَيْتِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. 6- وَالْغُرُفَاتُ غُرْفَةٌ إِلَى غُرْفَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً، وَدَخَلَتْ فِي الْحَائِطِ الَّذِي لِلْبَيْتِ لِلْغُرُفَاتِ حَوْلَهُ لِتَتَمَكَّنَ، وَلاَ تَتَمَكَّنَ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ. 7- وَاتَّسَعَتِ الْغُرُفَاتُ وَأَحَاطَتْ صَاعِدًا فَصَاعِدًا، لأَنَّ مُحِيطَ الْبَيْتِ كَانَ صَاعِدًا فَصَاعِدًا حَوْلَ الْبَيْتِ. لِذلِكَ عَرْضُ الْبَيْتِ إِلَى فَوْقُ، وَهكَذَا مِنَ الأَسْفَلِ يُصْعَدُ إِلَى الأَعْلَى فِي الْوَسْطِ. 8- وَرَأَيْتُ سَمْكَ الْبَيْتِ حَوَالَيْهِ. أُسُسُ الْغُرُفَاتِ قَصَبَةٌ تَامَّةٌ سِتُّ أَذْرُعٍ إِلَى الْمَفْصَلِ. 9- عَرْضُ الْحَائِطِ الَّذِي لِلْغُرْفَةِ مِنْ خَارِجٍ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَمَا بَقِيَ فَفَسْحَةٌ لِغُرُفَاتِ الْبَيْتِ. 10- وَبَيْنَ الْمَخَادِعِ عَرْضُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا حَوْلَ الْبَيْتِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. 11- وَمَدْخَلُ الْغُرْفَةِ فِي الْفَسْحَةِ مَدْخَلٌ وَاحِدٌ نَحْوَ الشِّمَالِ، وَمَدْخَلٌ آخَرُ نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَعَرْضُ مَكَانِ الْفَسْحَةِ خَمْسُ أَذْرُعٍ حَوَالَيْهِ.
ع1: يبدأ هنا الحديث عن البيت الموجود في الدار الداخلية، ويشمل القدس ثم قدس الأقداس. هذا البيت سمك عضائده، أي سمك حائطه ستة أذرع من جميع الجوانب. ويقول "عرض الخيمة" ويقصد بها البيت الذي مثل خيمة الاجتماع في عرضها، إذ أن سفر الخروج يخبرنا أن عرض القدس وقدس الأقداس هو 12 ذراع (خر26: 16، 22، 23) وهنا سمك حائط البيت من هنا ومن هناك، أي الشمالى والجنوبى ستة أذرع من كل جانب، وهذا السمك لثلاثة حوائط هي الشمالى والغربي والجنوبى، أما الشرقى ففيه المدخل الباب، الذي سيأتى ذكره في (ع2، 23).
ونلاحظ أن عرض خيمة الاجتماع أصغر من عرض البيت، إذ أن عرضه 32 ذراعًا، فهو عشرون بالإضافة إلى ستة أذرع من كل جانب. وهذا الهيكل يرمز لكنيسة العهد الجديد، أي أن خيمة الاجتماع في العهد القديم كانت رمزًا ومدخلًا لكنيسة العهد الجديد.
ونرى أن حزقيال قد رأى رؤيا عامة للهيكل من الخارج في الأصحاح الماضى، أما هنا فيدخل إلى العمق، إذ يأتي إلى القدس وقدس الأقداس.
† لا تكتفى بمعرفتك السطحية للحياة الروحية، بل ينبغى أن تسعى للعمق في معرفتك ومحبتك لله، أي تعى ما تقوله في الصلاة، وتتأمل فيما تقرأه في الكتاب المقدس، فيكشف الله لك كنوزًا عجيبة وتستنير وتفرح مع الله.
ع2: يحدثنا عن مدخل القدس فيقول أن فتحة الباب، أي المدخل عشرة أذرع وجانبى الباب من هنا ومن هناك خمسة أذرع، فبالتالى يكون عرض القدس كله عشرين ذراعًا، أما طوله فأربعين ذراعًا.
والمدخل عشرة أذرع يرمز إلى أن الكاهن الذي يدخل إلى القدس ينبغى أن يكون متمسكًا بوصايا الله العشرة. وتتلخص الوصايا العشر في العهد الجديد في وصية المحبة التي تتميز باتساع القلب، لذا فالباب واسع، أي عشرة أذرع. أما الحائط الأيمن والأيسر على جانبى الباب فكان خمسة أذرع، وهو يرمز إلى أهمية أن يقدس الكاهن حواسه الخمسة الداخلية والخارجية. وعدد خمسة أيضًا يرمز إلى عمل النعمة الذي بارك الخمس خبزات فأشبعت الجموع، أي أن السلوك بمحبة وهو المدخل يعتمد من جانبه على العدد خمسة، أي عمل النعمة.
وطول القدس أربعون ذراعًا أي 10 × 4، فيحيا الكاهن بوصايا الله ويرفع صلواته عن العالم كله بأركانه الأربعة. وعرض القدس هو عشرون ذراعًا أي 5 × 4، أي يقدس حواسه من جهة كل العالم المحيط به.
ع3: بعد هذا جاء حزقيال إلى قدس الأقداس، وهذا لا يمكن دخوله إلا لرئيس الكهنة، وفى العهد الجديد رئيس كهنتنا هو المسيح، فيه نستطيع الدخول لأنه وحده دخل إلى الأقداس العليا في السماويات.
عضادة المدخل هي سمك الجدار الفاصل بين القدس وقدس الأقداس، وكانت ذراعين. ورقم 2 يرمز إلى التجسد، إذ فيه تم اتحاد اللاهوت مع الناسوت ويرمز أيضًا إلى الحب الذي يربط بين اثنين مثل آدم وحواء، أو الإنسان والله. فبالمسيح المتجسد وبمحبته لنا نستطيع الدخول إلى هيكل العهد الجديد لنتناول جسده ودمه، ثم إلى ملكوت السموات في نهاية الأيام. وهذا الحب نحياه في محبتنا بعضنا لبعض، فهذا يؤكد استعدادنا للدخول إلى الأقداس.
وجد حزقيال أن مدخل قدس الأقداس، أي فتحة الباب ستة أذرع، ورقم ستة يرمز للكمال الإنسانى، وأنه أنقص من الكمال الإلهي الذي هو رقم سبعة، وهذا يشير إلى أن الإنسان الناقص يستطيع بقوة الله وفدائه أن يدخل إلى الأقداس.
وعرض المدخل أي الحائطان على جانبى المدخل كل منهما سبعة أذرع، تأكيدًا على أن هذا المكان وهو قدس الأقداس يعتمد على قوة الله وعملها في الإنسان، فالدخول إلى الأقداس هو دخول إلى الله للاتحاد به والتمتع بعشرته.
ع4: قاس الرجل ذو القصبة (حز 40: 3) قدس الأقداس، فوجده 20 × 20 ذراعًا فهو مربع، أي أنه يتسع لقبول المؤمنين من العالم كله بأركانه الأربعة.
وعدد 20 هو مضروب 5 × 4 ورقم (5) يرمز لعمل النعمة، أي أنه لا يمكن دخول هذا المكان، أي هيكل الله في العهد الجديد، أو ملكوت السموات إلا بعمل النعمة الذي يعمل في المؤمنين من أركان العالم الأربعة.
ع5، 6: سمك حائط البيت، الذي هو القدس، ثم يليه قدس الأقداس، كان ستة أذرع. وحول البيت من الثلاثة جوانب الجنوبية والشمالية والغربية عملت غرفات، وترك بالطبع الجانب الشرقى، أي مدخل القدس.
وكانت هذه الحجرات، أو الغرفات محاطة بجدار من الخارج من الثلاثة جوانب السابق ذكرها، أي بين الجدارين عملت هذه الغرفات.
وكانت كل غرفة مربعة أي 4 × 4 أذرع.
وسمك الجدار المحيط بالبيت ستة أذرع يرمز كما قلنا للجهاد الإنسانى الناقص الذي يستطيع بنعمة الله أن يدخل إلى هيكل الله.
وكانت الغرفات مربعة 4 × 4 أذرع، رمزًا لاحتوائها المؤمنين من أركان العالم الأربعة.
كان عدد الغرفات 33 حول القدس وقدس الأقداس وهو عمر السيد المسيح على الأرض، أي أن الراحة في هذه الغرفات ترمز إلى الراحة في المسيح الفادى.
والحجرات المحيطة بالقدس وقدس الأقداس التي يقيم فيها البشر ترمز لناسوت المسيح. أما القدس وقدس الأقداس الذي يحل فيه الله، فيرمز إلى لاهوته، فالمسيح هو الإله المتجسد. ويقع القدس وقدس الأقداس داخل الحجرات، أي أن اللاهوت داخل الناسوت.
وكانت الأسقف الفاصلة بين الحجرات غير مثبتة في حائط البيت ولكنها تستند عليه، فهي غير ممكنة بمعنى أنه لم يحفر لها في حائط البيت لئلا يضعف، ولكن كانت هناك شفة بارزة في حائط البيت والحائط المقابل له أستندت عليه الألواح الخشبية المكونة للسقف، وهو في نفس الوقت أرضية الحجرات التي في الدور الأوسط والدور الأعلى، كما شرحنا في هيكل سليمان (1 مل6: 6). وهذا يرمز إلى أن الإنسان الروحي يستند على نعمة الله، ولكنه غير مثبت، أي غير مجبر على الحياة مع الله، ولكن إن أراد أن يستند فحينئذ ينال كل البركات.
والحجرات محيطة بالهيكل وهذا يرمز إلى أهمية التصاق المؤمنين وخاصة الكهنة والخدام بهيكل الله؛ ليشبعوا ويتقووا بقوة الله، وحينئذ يستطيعوا أن يخدموه.
والحجرات خمسة عشر من الجانب الشمالى وخمسة عشر من الجانب الجنوبى، وبينهما من الجانب الغربي ثلاث حجرات، أو بمعنى آخر خمس حجرات من الجانب الغربي، ثم على كل جانب من الجانبين أربعة عشر حجرة، مع وجود حوائط فاصلة بين الحجرات حوالي خمس ذراع فالحجرات على شكل مستطيل ناقص.
ع7: كانت الغرفات المحيطة بالبيت في ثلاثة طوابق، كان الطابق الأول أقل اتساعًا من الأوسط، والأوسط أقل اتساعًا من العلوى؛ لأن الحوائط التي للحجرات يقل سمكها كلما ارتفعنا، فالطابق العلوى أكثر الطوابق اتساعًا والسفلى هو أقلها.
واتساع الحجرات كلما صعدنا إلى فوق يرمز إلى اتساع القلب، واحساسه بالله كلما ارتفع إلى السماويات. أما جدار الحجرات فيقل كلما ارتفعنا للسماء، وهذا الجدار يرمز إلى الجسد، الذي تقل احتياجاته كلما تقدمنا في الحياة الروحية، فكلما اتحدنا بالمسيح يمكن الاستغناء عن الاحتياجات الأرضية.
لا ننسى وجود غرفات في الدار الخارجية، وهنا غرفات ملاصقة للهيكل، أي في الدار الداخلية، وهذه الغرفات كانت للخلوة. وهذه الغرفات التي في الدار الخارجية ترمز إلى أهمية العلاقة مع الله، التي تزداد عمقًا؛ لتصل إلى الغرفات التي في الدار الداخلية. لا يحدد ارتفاع للحجرات؛ لأنها ترمز إلى الارتفاع إلى الله، وهذا غير محدد وينمو فيه الإنسان قدر ما يستطيع.
ع8: المفصل: حدود سقف الحجرة الذي يفصلها عن الحجرة التالية كان عرض حائط البيت، كما ذكرنا قصبة واحدة، أي ستة أذرع، وسمك الحائط ستة أذرع يكون في الحجرات السفلية ولكن التي في الدور الأوسط يكون سمكه أقل كما ذكرنا.
ع9: الحائط الداخلي للغرفات، أي الذي يحيط بالقدس وقدس الأقداس ستة أذرع، ثم الحجرات أربعة أذرع، والحائط الخارجي الذي للحجرات سمكه خمسة أذرع. ويحيط بهذا الحائط من جميع الجوانب، أي الناحية الشمالية والغربية والجنوبية فسحة أي فناء عرضه خمسة أذرع (ع11).
ع10: أحاط بالفناء المحيط بالغرفات فناء آخر أوسع يمتد ليكون محيطًا بكل الدار الداخلية وعرضه عشرين ذراعًا.
ع11: يعيد الحديث عن الفسحة المحيطة بجدار الغرفات، فيؤكد أن عرضها خمسة أذرع، ويوجد فيها باب للدخول إلى الغرفات من الناحية الشمالية، وباب من الناحية الجنوبية، ويفهم ضمنيًا أن من هذا الباب درج، أي سلم يصعد إلى الطابق الأوسط والطابق العلوى.
[2] المبنى المنفصل (ع12-17):
12- وَالْبِنَاءُ الَّذِي أَمَامَ الْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ عِنْدَ الطَّرَفِ نَحْوَ الْغَرْبِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا عَرْضًا، وَحَائِطِ الْبِنَاءِ خَمْسُ أَذْرُعٍ عَرْضًا مِنْ حَوْلِهِ، وَطُولُهُ تِسْعُونَ ذِرَاعًا. 13- وَقَاسَ الْبَيْتَ مِئَةَ ذِرَاعٍ طُولًا، وَالْمَكَانَ الْمُنْفَصِلَ وَالْبِنَاءَ مَعَ حِيطَانِهِ مِئَةَ ذِرَاعٍ طُولًا. 14- وَعَرْضَ وَجْهِ الْبَيْتِ وَالْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ نَحْوَ الشَّرْقِ مِئَةَ ذِرَاعٍ. 15- وَقَاسَ طُولَ الْبِنَاءِ إِلَى قُدَّامِ الْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ الَّذِي وَرَاءَهُ وَأَسَاطِينَهُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ مِئَةَ ذِرَاعٍ. مَعَ الْهَيْكَلِ الدَّاخِلِيِّ وَأَرْوِقَةِ الدَّارِ. 16- الْعَتَبَاتُ وَالْكُوَى الْمُشَبَّكَةُ وَالأَسَاطِينُ حَوَالَيِ الطَّبَقَاتِ الثَّلاَثِ مُقَابِلُ الْعَتَبَةِ مِنْ أَلْوَاحِ خَشَبٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمِنَ الأَرْضِ إِلَى الْكُوَى، وَالْكُوَى مُغَطَّاةٌ. 17- إِلَى مَا فَوْقَ الْمَدْخَلِ، وَإِلَى الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ وَإِلَى الْخَارِجِ، وَإِلَى الْحَائِطِ كُلِّهِ حَوَالَيْهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِهذِهِ الأَقْيِسَةِ.
ع12: يحدثنا هنا عن بناء يلي البيت، أي القدس وقدس الأقداس من نحو الغرب. هذا البناء يكون أمام المكان المنفصل، ويقصد به الفناء المحيط بالبيت ومخادعه من كل جانب المذكور في (ع10).
هذا البناء المنفصل عرضه سبعين ذراعًا، وحوائطه من كل جانب خمسة أذرع، أي يبلغ عرضه 80 ذراعًا. ثم على جانبيه يمينًا ويسارًا فناء عرضه 10 أذرع، فيكون إجمالى عرضه 100 ذراع.
أما طول هذا البناء المنفصل فهو تسعون ذراعًا، وإذا أضفنا عرض حوائطه وهي خمسة أذرع من كل جانب يصبح طوله 100 ذراعًا.
أى أن مساحة هذا البناء في النهاية هي 100 × 100 ذراع ورقم 100 يرمز لما يلي:
قطيع المسيح المؤمنون به، كما يذكر في مثل المائة خروف (لو15: 4).
مكافأة الله التي يعطيها لمن يؤمن به ويترك من أجله العالم ومافيه، أي يحب الله أكثر من كل شيء، فيعوضه بمائة ضعف (مت19: 29).
الطول يرمز إلى علاقتنا بالله والعرض إلى علاقتنا مع الآخرين، أي أن محبتنا لله لابد أن تظهر في محبتنا للآخرين، لذا كل منهما 100 ذراع فالإثنان ضروريان لخلاص نفوسنا بنفس المقدار.
والبناء المنفصل كله يرمز إلى:
المؤمنون من الأمم هم في ذهن الله وخصص لهم هذا البناء المنفصل عن اليهود، ولكنهم سيؤمنون به في ملء الزمان، ويصيرون كنيسة واحدة مع المؤمنين من اليهود.
العلاقة الخاصة للمؤمن، أي الصلوات والقراءات التي يقدمها في مخدعه، بالإضافة لعبادته العامة في هيكل الله، أي الكنيسة.
ونلاحظ أن مساحة الدار الداخلية التي فيها القدس وقدس الأقداس 100 × 100 ذراع، والبناء المنفصل وما يحيط به مساحته 100 × 100 ذراع، وهذا معناه أن الله مهتم بخلاص الأمم الذين يرمز إليهم المكان المنفصل بمثل اهتمامه باليهود، الذين يرمز إليهم بالقدس وقدس الأقداس وما يحيط بهما.
ع13: قاس الرجل طول البيت، أي القدس وقدس الأقداس وما يحيط بهما، فوجده 100 ذراع؛ لأن طول القدس 40 ذراعًا وبعده طول قدس الأقداس 20 ذراع، ثم الحائط 6 أذرع والغرفات بعده 4 أذرع. وحائط الغرفات الخارجي 5 أذرع، ثم فسحة الغرفات 5 أذرع، ويليها فناء 20 ذراع، فيكون المجموع 100 ذراع.
والبناء المنفصل وجد طوله 100 ذراع أيضًا؛ لأنه كما ذكر في (ع12) طوله 90 ذراع وحائطه الأمامي والخلفى المحيط به 5 أذرع، فيكون الطول كله 100 ذراع.
ع14: كذلك عرض البيت، أي القدس وقدس الأقداس هو نفس عرض البيت المنفصل، فكل منهما عرضه 100 ذراع. نفهم من الأعداد (ع1-11) أن عرض البيت هو 20 ذراعًا للقدس ويحيط به من كل جانب حائط سمكه 6 أذرع، ثم 4 أذرع للغرفات، يليها حائط الغرفات وهو 5 أذرع وبعد هذا الحائط الخارجي فسحة عرضها 5 أذرع، يليها فناء عرضه 20 ذراعًا، فيكون الإجمالى هو 6 + 4 + 5 + 5 + 20 = 40، أي أن القدس عرضه 20 ويحيط به من كل جانب مساحة 40 ذراعًا، فيكون عرض البيت 100 ذراع.
وعرض المكان المنفصل هو 70 ذراعًا، كما ذكر في (ع12) وحائطه من كل جانب 5 أذرع، ثم فناء عرضه 10 أذرع من كل جانب، فيكون الإجمالى 10 + 5 + 70 + 5 + 10= 100 ذراعًا.
والخلاصة أن عرض البيت هو نفسه عرض المكان المنفصل الذي يلاصقه من جهة الغرب.
ع15: أساطينه: جمع أسطون، وهي من اسطوانة، والمقصود أعمدة البيت.
أروقة : جمع رواق وهو فناء.
يؤكد هنا أن طول البيت الذي أمام المكان المنفصل هو 100 ذراع، وهذه تشمل الهيكل، أي القدس وقدس الأقداس وأعمدته وأروقته.
ع16: العتبات: جمع عتبة، ويقصد بها العتبة العليا للباب التي فوق القائمتين.
الكوى المشبكة: النوافذ الموضوع عليها شبكة من الخشب لمنع دخول الطيور.
الطبقات الثلاث: التي للغرفات المحيطة بالقدس وقدس الأقداس.
يوضح هنا أن عتبات الأبواب والكوى المشبكة والأساطين المحيطة بالغرفات التي في ثلاثة طوابق، كلها مصنوعة من الخشب. ونلاحظ أنه يقول أن الخشب محيط بالبيت من كل جانب، وأيضًا من الأرض إلى الكوى، أي عرضًا وطولًا، وهذا يرمز لقائمتى الصليب العرضية والطولية المصنوعتين من الخشب، أي أن الهيكل يعتمد على صليب رب المجد يسوع المسيح، الذي يقدم جسده ودمه في هيكل العهد الجديد، فالقائمة الطولية للصليب تمثل علاقة الإنسان بالسماء والقائمة العرضية ترمز لعلاقة المؤمنين بعضهم ببعض، فالمحبة تكمل في علاقتنا مع الله وعلاقتنا ببعضنا البعض في جسد المسيح الواحد، أي الكنيسة.
† إن محبتك لله تظهر من خلال محبتك للآخرين، فهي الدليل على صدق محبتك لله، خاصة عندما تقدم محبتك لمن يسيئون إليك، فتحتملهم بالحب.
ع17: يكرر هنا أن مقاييس البيت من الخارج والداخل كذلك الأبواب كلها كما ذكرت سابقًا في الأعداد السابقة لهذا الأصحاح والأصحاح السابق.
(3) نقوش الهيكل وأبوابه (ع18-26):
18- وَعُمِلَ فِيهِ كَرُوبِيمُ وَنَخِيلٌ. نَخْلَةٌ بَيْنَ كَرُوبٍ وَكَرُوبٍ، وَلِكُلِّ كَرُوبٍ وَجْهَانِ. 19- فَوَجْهُ الإِنْسَانِ نَحْوَ نَخْلَةٍ مِنْ هُنَا، وَوَجْهُ الشِّبْلِ نَحْوَ نَخْلَةٍ مِنْ هُنَالِكَ. عُمِلَ فِي كُلِّ الْبَيْتِ حَوَالَيْهِ. 20- مِنَ الأَرْضِ إِلَى مَا فَوْقَ الْمَدْخَلِ عُمِلَ كَرُوبِيمُ وَنَخِيلٌ، وَعَلَى حَائِطِ الْهَيْكَلِ. 21- وَقَوَائِمُ الْهَيْكَلِ مُرَبَّعَةٌ، وَوَجْهُ الْقُدْسِ مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ وَجْهِ الْهَيْكَلِ. 22- اَلْمَذْبَحُ مِنْ خَشَبٍ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ ارْتِفَاعًا، وَطُولُهُ ذِرَاعَانِ، وَزَوَايَاهُ وَطُولُهُ وَحِيطَانُهُ مِنْ خَشَبٍ. وَقَالَ لِي: «هذِهِ الْمَائِدَةُ أَمَامَ الرَّبِّ».23- وَلِلْهَيْكَلِ وَلِلْقُدْسِ بَابَانِ. 24- وَلِلْبَابَيْنِ مِصْرَاعَانِ، مِصْرَاعَانِ يَنْطَوِيَانِ. مِصْرَاعَانِ لِلْبَابِ الْوَاحِدِ وَمِصْرَاعَانِ لِلْبَابِ الآخَرِ. 25- وَعُمِلَ عَلَيْهَا عَلَى مَصَارِيعِ الْهَيْكَلِ كَرُوبِيمُ وَنَخِيلٌ كَمَا عُمِلَ عَلَى الْحِيطَانِ، وَغِشَاءٌ مِنْ خَشَبٍ عَلَى وَجْهِ الرِّوَاقِ مِنْ خَارِجٍ، 26- وَكُوًى مُشَبَّكَةٌ وَنَخِيلٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى جَوَانِبِ الرِّوَاقِ وَعَلَى غُرُفَاتِ الْبَيْتِ وَعَلَى الأُسْكُفَّاتِ.
ع18، 19: يحدثنا هنا عن النقوش، التي زين بها الهيكل وهي:
النخيل : لأن النخلة ترمز إلى الصديق أو البار، كمايقول المزمور "الصديق كالنخلة يزهو" (مز92: 12)، فالصديق مرتفع إلى السماء بقلبه كالنخلة، ويبسط يديه أمام الله للصلاة، كما تبسط النخلة فروعها نحو السماء، وإذا أساء إليه أحد يباركه. كما إذا ألقى حجرًا على النخلة تعطى بلحًا حلوًا.
الكروبيم : وهي رتبة من الملائكة تعلن حضور الله. ولكل كروب وجهان ينظر كل منهما إلى نخلة معلنًا بذلك رعاية واهتمام الملائكة بالبشر.
ويلاحظ وجود نخلة بين كل كروبين؛ ليبين الرعاية الشديدة من الملائكة لكل إنسان، وليظهر أهمية رفع القلب إلى السماء حيث الملائكة، فمن يدخل هيكل الله ينبغى أن يكون قلبه مرتفع إلى السماء؛ ليسبح الله مثل الملائكة.
في الأصحاح الأول من حزقيال نجد أن الكروب له أربعة أوجه لأنه مجسم، أما هنا فهو منقوش على حوائط الهيكل، فيكون له وجهان أحدهما ينظر إلى اليمين والآخر إلى اليسار.
كان للكروب وجه إنسان، ليعلن إشفاقه ورعايته للبشر، أما الوجه الآخر فكان شبلًا؛ ليظهر قوة الملاك التي يساند بها البشر.
ع20: يبين هنا أن النقوش كانت على حوائط الهيكل كلها من الأرض إلى فوق؛ لتعلن أهمية البر والنظر إلى السماء، بالإضافة إلى أن الله يطمئنا برعاية ملائكته للبشر.
ع21: كانت القوائم الخشبية التي في الهيكل في قدس الأقداس مربعة وليست أسطوانية، وهذا يرمز إلى أن هيكل الله تُرفع فيه الصلوات من أجل العالم بأركانه الأربعة.
وكانت هذه القوائم مع النقوش على مدخل القدس مثلما كانت على مدخل قدس الأقداس، وهذا ليعلن أن الهيكل من الداخل كما من الخارج شيء واحد؛ ليرمز بذلك إلى أن الإنسان الروحي باطنه مثل ظاهره نقى ويتقى الله.
† إفحص نفسك لتنقى قلبك، فكما تهتم بالسلوك الحسن ومظهرك السليم أمام الناس، كذلك تكون أفكارك ونيات قلبك.
ع22: المذبح هنا الذي يصفه هو مذبح البخور الموجود داخل القدس، فيقول أن ارتفاعه 3 أذرع، رمزًا لأن الإنسان الذي يرفع صلاته إلى الله مثل البخور الصاعد رائحته إلى السماء يجب أن يكون من خلال الثالوث الأقدس.
أما طول المذبح وعرضه فهو ذراعان، ورقم 2 يرمز للحب، أي أن المصلى يتصل بالحب مع باقي أخوته المؤمنين. والخشب يرمز لصليب المسيح الذي صلب عليه، فارتفعت رائحة ذبيحته كالبخور أمام الآب، وهكذا ترتفع صلاة كل مؤمن كالبخور أمام الله.
يؤكد في نهاية الآية أن هذا المذبح، أي هذه المائدة المربعة بحيطانها الأربعة يرتفع عليها البخور أمام الرب، فالصلاة هدفها الحديث مع الله.
ونرى هنا - تأكيدًا إلى أن كل الكلام عن الهيكل رمزى - أنه لا يمكن حرق البخور على الخشب وإلا احترق.
ع23، 24: مصراعان: جزأى الباب، أي ضلفتيه.
يوضح هنا أن هناك باب للقدس وباب آخر لقدس الأقداس، وكل منها يتكون من مصراعين. وللمصراع الواحد جزءان؛ حتى يمكن أن ينطوى الجزء الواحد على الآخر، ومتصل به بمفصلات. والباب هو المسيح، كما أعلن ذلك إذ قال أنه هو باب الخراف (يو10: 7) فلا يستطيع أحد أن يدخل إلى الكنيسة، أوالحياة الأبدية إلا من خلال الإيمان بالمسيح. والباب هو الذي يحرس المكان، فالمسيح هو الذي يحرس كنيسته، كما يقول المزمور "إن لم يحفظ الرب المدينة، فباطلًا يسهر الحراس (مز127: 1)، فالمسيح يحمى أولاده من حسد الشياطين وشرهم.
وللباب مصراعان، وللمصراع جزءان، فرقم 2 يرمز للحب، فبالحب يرتبط الإنسان بالله وبإخوته البشر، وبهذا يكون له مكان في الكنيسة وفى ملكوت السموات، لأن المسيح أعلن أن الناموس كله يتلخص في محبة الله من كل القلب ... ومحبة القريب كالنفس (مر12: 30، 31).
ع25، 26: الأسكفات: العتبات العليا للأبواب.
كانت زينة الأبواب بالنقوش السابقة وهي النخيل والكاروبيم؛ لأن من يدخل إلى الكنيسة لابد أن يتميز بالبر والنظرة السماوية. وكان الرواق، أي الفناء المحيط بالبيت مغطى بالخشب، وبه كوى مشبكة، وهو يرمز للصليب الذي ينبغى أن يحمله المؤمنون؛ ليتبعوا المسيح ويحيوا معه.
وزين جوانب الرواق وحوائط الغرفات وعتبات الأبواب بأشكال النخيل، الذي يرمز إلى البر، فلا يمكن أن يدخل إلى الرواق المؤدى إلى الهيكل إلا الأبرار.
ويلاحظ أن الهيكل نُقش عليه النخيل والكاروبيم، أما الرواق فنقش عليه النخيل فقط؛ لأن الرواق يحوى المؤمنين، أما الهيكل فيدخله من له النظرة السماوية ويتمتع برعاية السماء.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثانى والاربعون
المخادع المقدسة
(1) مخادع الهيكل (ع1-12)
(2) استخدام المخادع (ع13، 14)
(3) قياس السور (ع15-20)
(1) مخادع الهيكل (ع1-12):
1- وَأَخْرَجَنِي إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَأَدْخَلَنِي إِلَى الْمِخْدَعِ الَّذِي هُوَ تُجَاهَ الْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ، وَالَّذِي هُوَ قُدَّامَ الْبِنَاءِ إِلَى الشِّمَالِ.2- إِلَى قُدَّامِ طُولِ مِئَةِ ذِرَاعٍ مَدْخَلُ الشِّمَالِ، وَالْعَرْضُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. 3- تُجَاهَ الْعِشْرِينَ الَّتِي لِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَتُجَاهَ الْمُجَزَّعِ الَّذِي لِلدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ أُسْطُوَانَهَ تُجَاهَ أُسْطُوَانَةٍ فِي الطَّبَقَاتِ الثَّلاَثِ. 4- وَأَمَامَ الْمَخَادِعِ مَمْشًى عَشَرُ أَذْرُعٍ عَرْضًا. وَإِلَى الدَّاخِلِيَّةِ طَرِيقٌ، ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ عَرْضًا وَأَبْوَابُهَا نَحْوَ الشِّمَالِ. 5- وَالْمَخَادِعُ الْعُلْيَا أَقْصَرُ. لأَنَّ الأَسَاطِينَ أَكَلَتْ مِنْ هذِهِ. مِنْ أَسَافِلِ الْبِنَاءِ وَمِنْ أَوَاسِطِهِ. 6- لأَنَّهَا ثَلاَثُ طَبَقَاتٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَعْمِدَةٌ كَأَعْمِدَةِ الدُّورِ، لِذلِكَ تَضِيقُ مِنَ الأَسَافِلِ وَمِنَ الأَوَاسِطِ مِنَ الأَرْضِ. 7- وَالْحَائِطُ الَّذِي مِنْ خَارِجٍ مَعَ الْمَخَادِعِ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ إِلَى قُدَّامِ الْمَخَادِعِ، طُولُهُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. 8- لأَنَّ طُولَ الْمَخَادِعِ الَّتِي لِلدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَهُوَذَا أَمَامَ الْهَيْكَلِ مِئَةُ ذِرَاعٍ. 9- وَمِنْ تَحْتِ هذِهِ الْمَخَادِعِ مَدْخَلٌ مِنَ الشَّرْقِ مِنْ حَيْثُ يُدْخَلُ إِلَيْهَا مِنَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ. 10- اَلْمَخَادِعُ كَانَتْ فِي عَرْضِ جِدَارِ الدَّارِ نَحْوَ الشَّرْقِ قُدَّامَ الْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ وَقُبَالَةَ الْبِنَاءِ. 11- وَأَمَامَهَا طَرِيقٌ كَمِثْلِ الْمَخَادِعِ الَّتِي نَحْوَ الشِّمَالِ، كَطُولِهَا هكَذَا عَرْضُهَا وَجَمِيعُ مَخَارِجِهَا وَكَأَشْكَالِهَا وَكَأَبْوَابِهَا، 12- وَكَأَبْوَابِ الْمَخَادِعِ الَّتِي نَحْوَ الْجَنُوبِ بَابٌ عَلَى رَأْسِ الطَّرِيقِ. الطَّرِيقِ أَمَامَ الْجِدَارِ الْمُوافِقِ نَحْوَ الشَّرْقِ مِنْ حَيْثُ يُدْخَلُ إِلَيْهَا.
ع1: أخرج المسيح (الرجل الذي بيده القصبة) حزقيال من الدار الداخلية من خلال الباب الشمالى إلى الدار الخارجية وأدخله إلى مخادع الهيكل، التي تقع شمال البيت، أي القدس وقدس الأقداس وشمال المكان المنفصل.
ع2: كانت مخادع الهيكل التي تقع ناحية الشمال طولها مئة ذراعًا وعرضها خمسون ذراعًا.
ع3: كانت هذه المخادع واقعة بين الساحة ذات العشرين ذراعًا المحيط بالبيت وبين المجزع، أي الغرفات المعدة للشعب في الدار الخارجية.
كانت هذه المخادع مقامة في ثلاثة طوابق، وكل طابق به صفين من المخادع وأمام كل صف صالة، أو دهليز طويل، ويسمى هنا اسطوانة وفى الترجمة الإنجليزية (Gallery) وفى الترجمة اليسوعية "ممشى".
ع4: كان بين صفى المخادع والصالات الملحقة بها طريق، أو ممر يسمى ممشى عرضه عشرة أذرع؛ للدخول منه إلى هذه المخادع والصالات المحاطة بها.
ومجموعة المخادع هذه يفصلها عن الدار الداخلية طريق ضيق، عرضه ذراع واحد؛ ليميزها عن الدار الداخلية، ولكن هذه الغرفات كان يقيم بها الكهنة الذين يخدمون الهيكل.
في (ع2) يذكر أن عرض هذه الغرفات خمسون ذراعًا، فيكون عرض كل صف من المخادع والصالة الملحقة به حوالي عشرين ذراعًا.
ع5، 6: أقصر: أضيق، كما هو مكتوب في الترجمة اليسوعية.
الأساطين : المقصود بها الأسطوانات المذكورة في (ع4)، أي الصالات الملحقة بالمخادع.
يحدثنا عن الصالات الملحقة بالمخادع أنها كانت عريضة أمام المخادع التي في الطابق العلوى، ثم تضيق الصالة وتتسع المخادع التي أمامها في الطابق الأوسط، أما في الطابق السفلى، أي الأرض فتكون الصالة أكثر ضيقًا وبالتالي تكون مخادعها أكثر اتساعًا، وهذا تفسير الآية "الأساطين أكلت من هذه"، أي أن الصالات تزداد اتساعًا على حساب المخادع كلما صعدنا إلى أعلى. وهذا يرمز إلى اتساع قلب الإنسان بالمحبة لله وللآخرين، كلما ارتفع نحو السماء. ولم تقم هذه المخادع على أعمدة، بل على حوائط.
† ليتك تهتم بصلواتك وبتأملاتك في الكتاب المقدس؛ حتى تحب الله وتستطيع أن تحب الناس ولا تغضب عليهم، أو تدينهم، بل تطيل أناتك وتشفق عليهم وتساعدهم قدر ما تستطيع.
ع7، 8: يؤكد لنا هنا ما سبق أن ذكر في (ع2) أن عرض هذه الوحدة من المخادع هو الخمسون ذراعًا، وطولها مئة ذراع، وتشمل صفى المخادع بصالاتها، والممشى الذي بينها، بالإضافة للطريق الضيق الذي نحو الدار الداخلية.
الثلاثة طوابق التي للمخادع ترمز إلى:
الطابق السفلى يرمز للمبتدئين في الحياة الروحية، والأوسط للسالكين بالكمال، أما العلوى فللمنطلقين بالروح.
الطابق السفلى يرمز لتفسير الكتاب المقدس تفسيرًا حرفيًا، والطابق الأوسط لمن يطبقونه في حياتهم وسلوكهم، أما العلوى فيرمز إلى التفسير الروحي بأعماقه المتسعة جدًا.
في ملكوت السموات نجمًا يمتاز عن نجم، أي توجد درجات في المجد، وهو ما يرمز إليه تعدد الطوابق.
وكانت المخادع قريبة جدًا من الهيكل؛ لأن الله يريد ان يكون كهنته وخدامه مرتبطين به جدًا.
والمخادع أيضًا، كما ذكرنا، ترمز إلى الحياة الداخلية للإنسان الروحي وعبادته الخاصة في بيته والتي تنتج عن عبادته في الكنيسة.
ع9-12: يحدثنا هنا عن وحدة ثانية من المخادع موجودة ناحية الجنوب، مقابلة للتى نحو الشمال، أي على الجانب الجنوبى من البيت وهو القدس وقدس الأقداس والبناء المنفصل.
هذه الوحدة مماثلة تمامًا لنظيرتها التي نحو الشمال، المذكور تفاصيلها في الأعداد السابقة. ولكل وحدة من هاتين الوحدتين الشمالية والجنوبية مدخل وباب نحو الشرق.
يلاحظ أن وحدتى المخادع الشمالية والجنوبية على جانبى البيت والبناء المنفصل الذي أمامه هما بطول 100 × 50 لكل وحدة على جانبى 200 × 100 ذراع (الهيكل والبناء المنفصل) فيكون الشكل العام لها جميعًا على شكل صليب، فالمسيح المصلوب هو محور خلاص اليهود في الهيكل، والأمم في البناء المنفصل، والحياة الروحية الخاصة في المخادع. بالإضافة إلى أن كل المؤمنين من أصل يهودي وأممى، وكذلك الشعب والكهنة، الكل أعضاء في جسد المسيح الواحد المصلوب على الصليب.
(2) استخدام المخادع (ع13، 14):
13- وَقَالَ لِي: «مَخَادِعُ الشِّمَالِ وَمَخَادِعُ الْجَنُوبِ الَّتِي أَمَامَ الْمَكَانِ الْمُنْفَصِلِ هِيَ مَخَادِعُ مُقَدَّسَةٌ، حَيْثُ يَأْكُلُ الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى الرَّبِّ قُدْسَ الأَقْدَاسِ. هُنَاكَ يَضَعُونَ قُدْسَ الأَقْدَاسِ وَالتَّقْدِمَةَ وَذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ وَذَبِيحَةَ الإِثْمِ، لأَنَّ الْمَكَانَ مُقَدَّسٌ. 14- عِنْدَ دُخُولِ الْكَهَنَةِ لاَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، بَلْ يَضَعُونَ هُنَاكَ ثِيَابَهُمُ الَّتِي يَخْدِمُونَ بِهَا لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ، وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا غَيْرَهَا وَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى مَا هُوَ لِلشَّعْبِ».
ع13: خصصت المخادع المذكورة في الآيات السابقة للكهنة، حيث يأكلون فيها اللحم المقدس الذي للذبائح، الذي لابد أن يؤكل في المكان المقدس، كما نصت الشريعة (لا6: 26). والمقصود بقدس الأقداس هو لحم الذبائح الذي خصص للكهنة؛ ليأكلوه بجوار الهيكل، وهو اللحم المأخوذ من ذبائح الخطية والإثم. وكذلك يأكل الكهنة أيضًا الجزء المخصص لهم من تقدمة القربان (لا2).
ع14: تستخدم هذه المخادع أيضًا ليبدل فيها الكهنة ثيابهم. فيلبسون ثياب الخدمة ليخدمون بها في الهيكل، وعند مقابلة الشعب يتركون ثياب الكهنوت في هذه المخادع ويلبسون ثيابهم العادية، ولا يخرج الكهنة بالثياب الكهنوتية إلى الدار الخارجية.
وهذا ما يحدث في الكنيسة عندما يلبس الكهنة ثياب الخدمة البيضاء ليدخلوا إلى الهيكل، وبعد انتهاء القداس يخرجون بثيابهم العادية إلى الشارع.
يلاحظ في المخادع الرموز الآتية:
كان فيها ممشى وهذا يرمز للنمو الروحي، أي السير في طريق الله.
كان للمخادع أبواب، وهذه ترمز إلى أن الله يدعو الكل ليؤمنوا به، ويصيروا كهنة يقدمون ذبائح روحية هي عبادتهم العقلية (رو12: 1).
كان الكهنة يأكلون اللحم المقدس في المكان المقدس في هذه المخادع، وهذا يرمز لتناول المؤمنين في العهد الجديد جسد الرب ودمه في الهيكل.
† تذكر عندما تتقدم للصلاة أمام الله أن تنقى قلبك بالتوبة من كل خطية، وتلبس ثياب البر، فترفع صلوات وتسابيح تقدسك وتفرح وجه الله.
(3) قياس السور (ع15-20):
15- فَلَمَّا أَتَمَّ قِيَاسَ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ، أَخْرَجَنِي نَحْوَ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَقَاسَهُ حَوَالَيْهِ. 16- قَاسَ جَانِبَ الْمَشْرِقِ بِقَصَبَةِ الْقِيَاسِ، خَمْسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ الْقِيَاسِ حَوَالَيْهِ. 17- وَقَاسَ جَانِبَ الشِّمَالِ، خَمْسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ الْقِيَاسِ حَوَالَيْهِ. 18- وَقَاسَ جَانِبَ الْجَنُوبِ، خَمْسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ الْقِيَاسِ. 19- ثُمَّ دَارَ إِلَى جَانِبِ الْغَرْبِ وَقَاسَ خَمْسَ مِئَةِ قَصَبَةٍ بِقَصَبَةِ الْقِيَاسِ. 20- قَاسَهُ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَعَةِ. لَهُ سُورٌ حَوَالَيْهِ خَمْسُ مِئَةٍ طُولًا، وَخَمْسُ مِئَةٍ عَرْضًا، لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ.
ع15-20: يحدثنا في النهاية في هذه الآيات عن السور المحيط بالهيكل وكل الدور والمخادع التي داخلها، فيقول أن طوله 500 قصبة من الأربعة جوانب وهذا يرمز إلى:
مكان الهيكل مربع؛ لأنه يتسع لكل المؤمنين بالمسيح من أركان العالم الأربع.
هذه المساحة أكبر من خيمة الاجتماع وهيكل سليمان، فهو بالتالى لابد أن ينطبق على كنيسة العهد الجديد المتسعة؛ لتضم العالم كله، ويقدم فيها ذبيحة واحدة ترمز لها كل الذبائح وهي جسد الرب ودمه.
رقم 5 يرمز إلى بركة الله الذي بارك الخمس خبزات، و100 تمثل قطيع المسيح، أي المائة خروف التي ضاع واحد منها، أي أن الهيكل الذي قياسه 500 من كل جانب وهو 5 × 100 يرمز إلى نعمة المسيح المعطاة للمؤمنين به في الكنيسة.
إذا كان رقم 5 يرمز إلى بركة الله، فرقم 100 يرمز أيضًا إلى مكافأة الله لمن يترك ماديات العالم فيكافئه الله بمئة ضعف، فرقم 500 يرمز لنعمة الله ومكافآته للمؤمنين به في الكنيسة وفى الحياة الأبدية.
رقم 1000 يرمز للحياة الأبدية لأن يومًا واحدًا عند الله كألف سنة. ورقم 500 هو نصف الـ1000، فيرمز للمؤمنين المجاهدين في الكنيسة على الأرض، الذين إذا أكملوا جهادهم يكملون إلى 1000 أي يدخلون ملكوت السموات.
السور من كل جانب هو المسيح الذي يحمى أولاده داخل كنيسته.
داخل هذه الأسوار، أي الكنيسة يأكل المؤمنون الطعام المقدس، الذي هو جسد الرب ودمه، وبهذا يتم الفصل بين المقدس وهو جسد الرب ودمه، والمحلل وهو كل ما في العالم، أى كل ما يحل للإنسان أن يستخدمه، ولكن يترك كل ما لا يوافقه منه.
† الكنيسة تنتظرك كل يوم؛ لتجد حياتك فيها من خلال جسد الرب ودمه، وداخل أسوارها تجد حمايتك ورعايتك، فلا تنشغل عن خلاص نفسك بأمور العالم الزائلة.
يخبرنا الأصحاح 46 من هذا السفر (ع19-24) أن هناك أربعة مطابخ في أركان الدار الخارجية؛ ليطبخ الطباخون فيها اللحم لأكل الشعب. بالإضافة إلى مطبخين بجوار مخادع الكهنة وتقدمة القربان فلا يحتاجوا للخروج إلى المطابخ الخارجية، ولأن هذا اللحم يأكله الكهنة فقط.
تذكر دائمًا أن الأصحاحات الثلاثة 40-43 بكل تفاصيلها هي رمزية ويصعب جدًا تطبيقها عمليًا، إذ تلاحظ أحيانًا عدم المنطقية في القياسات في الحجرات مثلًا عرضها 4 أذرع أما السور المحيط بها فهو 6 أذرع و5 أذرع (حز 41: 2، 5) أي أن المهم هو الفهم الروحي الرمزى، وكلها تشير إلى الكنيسة في العهد الجديد.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثالث والاربعون
عودة المجد
(1) عودة الله إلى هيكله (ع1-12)
(2) شكل المذبح النحاسي (ع13-17)
(3) تقديس المذبح (ع18-27)
(1) عودة الله إلى هيكله (ع1-12):
1- ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى الْبَابِ، الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ.2- وَإِذَا بِمَجْدِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ.3- وَالْمَنْظَرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ لَمَّا جِئْتُ لأُخْرِبَ الْمَدِينَةَ، وَالْمَنَاظِرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. 4- فَجَاءَ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ.5- فَحَمَلَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ الْبَيْتَ،6- وَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُنِي مِنَ الْبَيْتِ، وَكَانَ رَجُلٌ وَاقِفًا عِنْدِي.7- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هذَا مَكَانُ كُرْسِيِّي وَمَكَانُ بَاطِنِ قَدَمَيَّ حَيْثُ أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يُنَجِّسُ بَعْدُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمِي الْقُدُّوسَ، لاَ هُمْ وَلاَ مُلُوكُهُمْ، لاَ بِزِنَاهُمْ وَلاَ بِجُثَثِ مُلُوكِهِمْ فِي مُرْتَفَعَاتِهِمْ.8- بِجَعْلِهِمْ عَتَبَتَهُمْ لَدَى عَتَبَتِي، وَقَوَائِمَهُمْ لَدَى قَوَائِمِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَائِطٌ، فَنَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا، فَأَفْنَيْتُهُمْ بِغَضَبِي.9- فَلْيُبْعِدُوا عَنِّي الآنَ زِنَاهُمْ وَجُثَثَ مُلُوكِهِمْ فَأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ.10- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ لِيَخْزَوْا مِنْ آثَامِهِمْ، وَلْيَقِيسُوا الرَّسْمَ.11- فَإِنْ خَزُوا مِنْ كُلِّ مَا فَعَلُوهُ، فَعَرِّفْهُمْ صُورَةَ الْبَيْتِ وَرَسْمَهُ وَمَخَارِجَهُ وَمَدَاخِلَهُ وَكُلَّ أَشْكَالِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَكُلَّ شَرَائِعِهِ، وَاكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ رُسُومِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا.12- هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ: عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ. هذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ.
ع1: بعد أن حدثنا حزقيال عن الرؤيا العظيمة التي رأى فيها الهيكل (حز 40-42)، وهو يرمز لهيكل الكنيسة والملكوت. يطمئنا هنا بعودة الله إلى هيكله، ويقول أن الله قد جاء به، أي الروح القدس حمله إلى الباب الشرقى؛ ليرى منظرًا عظيمًا كان يتمناه منذ مدة طويلة، هو منظر الله الظاهر في هيكله، كماسنرى في الآيات التالية.
ومجد الله يظهر عند الباب الشرقى؛ لأن المسيح نجمه ظهر في الشرق، وهيكل الكنيسة في العهد الجديد ناحية الشرق، وسيأتى المسيح في مجيئه الثاني من الشرق.
ونلاحظ أن هذه هي المرة الخامسة عشر في هذا السفر التي يذكر فيها كلمة "مجد الرب"؛ لذا فهذا السفر يمكن أن يسمى سفر "مجد الرب".
ع2: أعلن حزقيال أنه رأى الله بظاهرتين واضحتين:
سمع صوتًا قويًا كصوت مياه كثيرة هو صوت الله، أو كلمة الله المتجسد المسيح إلهنا. وتشبيه صوت الله القوى بالمياه الكثيرة جاء أيضًا في سفر الرؤيا (رؤ1: 15).
ظهر الله بنور قوى جدًا، أضاء ليس فقط الهيكل، بل الأرض كلها، فهو شمس البر الذي يضئ العالم كله.
ع3: عندما رأى حزقيال مجد الله فهم بسرعة أن هذه الظواهر تعلن حضور الله؛ لأنه رأى هذا المجد عند نهر خابور (حز 1)، وعندما فارق الله هيكله (حز 10)، وبعدها خرب الهيكل ومدينة أورشليم على يد بابل. وهذا هو المقصود بقوله "عندما جئت لأخرب المدينة"، أي ظهور الله في (حز 10)، ومفارقته للهيكل كان إعلانًا بأن الهيكل والمدينة بدون حماية إلهية فخربت. فحزقيال جاء ليعلن في (حز 10) أن أورشليم ستخرب، وتم هذا فعلًا. وبعد ذلك حدثنا الله في سفر حزقيال في (حز 25-32) عن تحطيمه للأمم أعداء شعب الله، ثم بشرهم الله أن يكون راعيًا لهم بدلًا من الرعاة المخطئين (حز 34)، ودعاهم للتوبة في (حز 36)، ثم هنا بعد أن حدثهم عن الهيكل الجديد يعلن عن عودة مجده إلى هيكله.
عندما رأى حزقيال مجد الله العظيم سجد في خشوع أمام الله.
ع4، 5: رأى حزقيال مجد الله ظهر عند الباب الشرقى، ثم دخل إلى الدار الداخلية، وتمتع حزقيال برؤيته؛ لأن روح الله حمله وأدخله من عند الباب الشرقى إلى الدار الداخلية. وهكذا نرى أن الله يظهر مجده في الداخل، كما يقول "مجد ابنه الملك في خدرها (من داخل)" (مز45: 13).
ويتكرر حمل روح الله وتوجيهه لحزقيال مرات كثيرة في هذا السفر؛ حتى يصبح من السهل علينا أن نسمى هذا السفر سفر حزقيال والروح القدس، أو نسمى حزقيال نبى الروح القدس، كما يرى الآباء أن أشعياء هو نبى الابن وإرميا هو نبى الآب.
† إن الله مستعد أن يدخلك إلى الأعماق بواسطة الروح القدس؛ لتراه وتتمتع به، إن كنت تتجاوب معه وتهتم بممارساتك الروحية، وتخضع لوصاياه، وهكذا تتمتع بالملكوت وأنت على الأرض. أزل العوائق، وهي خطاياك، بالتوبة واطلب وجه الله، فيعلن لك مجده.
ع6: سمع حزقيال صوت الله يكلمه ويقول "الرجل واقفًا عندى" ولعله يقصد الرجل الحامل قصبة القياس المذكور في (حز 40: 3) وهو المسيح كما ذكرنا. وقد يكون هذا الرجل مختفيًا، أي سمع صوت فقط، ولكن الخلاصة أن الله نادى على حزقيال، والصوت والرجل يرمزان لتجسد المسيح.
ع7: أعلن الله أعظم خبر كان يتمناه حزقيال، وهو رجوع الله إلى هيكله، الذي يعلن الله أنه:
مكان كرسىَّ، أي أن الله يستريح ويستقر ويفرح أن يكون في هيكله وسط شعبه.
مكان باطن قدمى؛ لأن عرش الله في السماء ولكن تستقر قدماه في هيكله على الأرض؛ حتى يرفع أولاده في كنيسته إلى السماء، ويحيوا معه في الملكوت إلى الأبد. وباطن قدمىَّ تعلن بوضوح تجسد المسيح.
ولا ننسى هنا أن الله نادى حزقيال كما عوده يابن آدم وذلك لما يلي:
لأن حزقيال رأى رؤى كثيرة، فهو يذكره أنه إنسان؛ حتى لا يتكبر.
لأنه مسئول أن يوصل هذه الرؤى لإخوته البشر، بنى آدم؛ حتى يؤمنوا ويتوبوا.
لأن حزقيال يمثل الإنسان كما ينبغى، أي الإنسان الروحي، الذي ينعم عليه الله برؤيته حتى يدعوا كل البشر أن يتمثلوا بحزقيال، عندما يقرأون نبوته.
يعد الله حزقيال أنه يسكن وسط شعبه المؤمنين به إلى الأبد، وهذه نعمة مجانية يهبها لهم، ولكن حتى يتمتعوا بهذه النعمة ينبغى أن يلتزموا بما يلي:
الابتعاد عن كل النجاسات.
الانفصال عن الزنا وكل الشهوات الردية.
هدم وترك المرتفعات التي يقدمون عليها عبادة للأوثان، أي الابتعاد عن كل مكان يفصلهم عن الله في كل أجيالهم.
وعندما يقول ملوكهم يقصد الملوك الذين حكموهم. وعندما يقول "بزناهم" يقصد، ليس فقط الزنى الجسدي، بل أيضًا الزنى الروحي، وهو التصاقهم بعبادة الأوثان. وعند قوله "جثث ملوكهم" يقصد التماثيل التي وضعوها على المرتفعات، فهي أصنام ميتة تشبه الجثث، أما الله فحى إلى الأبد، والجثث أيضًا كانت نجسة عند اليهود في العهد القديم. والخلاصة أن اليهود وملوكهم الأرضيين ورؤساءهم لابد أن يبتعدوا عن النجاسة بكل أشكالها، وأهمها الآلهة الوثنية التي ملكت عليهم؛ ليعاينوا مجد الله.
ع8: يذكر الله شعبه بخطاياهم؛ حتى يتوبوا ويثبتوا في توبتهم؛ لأنهم في كبرياء وبجاحة أقاموا عبادات لأوثانهم بجوار بيت الرب، فكانت معابد الأوثان بعتباتها وقوائمها ملتصقة ببيت الرب، ولايفصلها عنه إلا حائط، ومن أجل هذه النجاسات التي فعلوها سمح الله لهم بالسبي والهلاك على يد بابل، ولكنه يعود فيحييهم، ما داموا قد تابوا إليه، فيبنون هيكله، ويأتى الله ويحل فيه، وهذا ما حدث بعد الرجوع من السبي على يد زربابل وعزرا.
ع9: يدعو الله شعبه دعوة واضحة للتوبة، وذلك بالبعد عن الزنى الروحي والزنى الجسدي. والمقصود بالزنى الروحي ترك الأصنام الميتة لملوكهم، أي آلهتهم الغريبة، فهذه الأصنام - كما قلنا - ميتة كالجثث. بهذه التوبة يرضى الله عنهم، فيسكن في وسطهم ويباركهم إلى الأبد. وهذه نبوة عن الكنيسة في العهد الجديد، التي تكمل في ملكوت السموات، حيث يسكن الله وسط المؤمنين به.
ع10: ليقيسوا الرسم: ليعرفوا عظمة بيت الله الذي أظهره لحزقيال في الرؤيا (حز 40-42).
يأمر الله حزقيال أن يخبر شعبه ببيته، الذي بناه سليمان، وحل فيه الله، وبارك شعبه، وكذلك عن البيت الأعظم، الذي أظهره الله لحزقيال في الرؤيا (حز 40-42)، وهذا يؤثر في الشعب بأمرين:
يدعوه للتوبة؛ لأنه بسبب خطاياهم فقدوا الهيكل وهدمه البابليون.
يفكرون في عظمة البيت الذي أعده الله لهم، فيتحرك الرجاء فيهم، ويشتاقون لسكن الله في وسطهم.
ع11: إن شعر الشعب بخطيته، واشتاق لرجوع الله ليسكن في وسطه في بيته، يأمر الله حزقيال أن يشرح لهم الرؤيا التي رأى فيها بيت الله، وعظمته، وتفاصيل مداخله ومخارجه. ويكتب ذلك أمامهم، حتى لا ينسوا، فلعله يكتبه على أوراق، أو حائط، ويعلمهم شرائعه وطقوسه، حتى يعملوا بها عند رجوعهم من السبي، فقد بنوا الهيكل واستكمل بناؤه على مراحل حتى تجسد المسيح. كل هذا يشير لعظمة كنيسة العهد الجديد، ثم بالأكثر إلى عظمة ملكوت السموات.
هذا التوضيح الذي طلبه الله من حزقيال، يظهر محبة الله لشعبه، إن تابوا ورجعوا إليه بكل قلوبهم، واشتياقه أن يسكن في وسطهم ويدخلهم إلى أعماقه؛ ليتمتعوا به في حياتهم على الأرض، عربونًا لملكوت السموات.
ع12: سنة: شريعة أو قانون.
تخمه : حدوده.
يتكلم الله هنا بصراحة عن البيت باعتباره كنيسة العهد الجديد، فيقول لحزقيال أن الرؤيا التي رأها عن بيت الله كانت على جبل (حز 40: 2)، وأن قانون هذا البيت أن يكون كله قدس أقداس، فهو ليس كهيكل سليمان، أو خيمة الاجتماع فيه جزء يحل فيه الله ولا يدخل إليه إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، بل كل البيت هو قدس أقداس. وهذا يتم في كنيسة العهد الجديد، عندما يحضر المؤمنون فقط في الكنيسة، ويتناولون كلهم من جسد الرب ودمه، وهذا يستمر إلى الأبد، فإن أورشليم السمائية كلها مقدسة والمسيح في وسطها يمتع شعبه به إلى الأبد.
ولكيما يعاين الشعب مجد الله ينبغى أن يؤمن بالله، ويرفض عبادة الأوثان، ويتوب عن كل شهواته الشريرة. لذا يحدثهم في باقي هذا الأصحاح عن المذبح النحاسى وتقديسه؛ حتى يقدم الشعب عليه ذبائحه معلنًا توبته ورجوعه إلى الله الواحد.
(2) شكل المذبح النحاسي (ع13-17):
13- «وَهذِهِ أَقْيِسَةُ الْمَذْبَحِ بِالأَذْرُعِ، وَالذِّرَاعُ هِيَ ذِرَاعٌ وَفِتْرٌ: الْحِضْنُ ذِرَاعٌ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ، وَحَاشِيَتُهُ إِلَى شَفَتِهِ حَوَالَيْهِ شِبْرٌ وَاحِدٌ. هذَا ظَهْرُ الْمَذْبَحِ. 14- وَمِنَ الْحِضْنِ عِنْدَ الأَرْضِ إِلَى الْخُصْمِ الأَسْفَلِ ذِرَاعَانِ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. وَمِنَ الْخُصْمِ الأَصْغَرِ إِلَى الْخُصْمِ الأَكْبَرِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. 15- وَالْمَوْقِدُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. وَمِنَ الْمَوْقِدِ إِلَى فَوْقُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ. 16- وَالْمَوْقِدُ اثْنَتَا عَشَرَةَ طُولًا، بِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ عَرْضًا، مُرَبَّعًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. 17- وَالْخُصْمُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ طُولًا بِأَرْبَعَ عَشَْرَةَ عَرْضًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. وَالْحَاشِيَةُ حَوَالَيْهِ نِصْفُ ذِرَاعٍ، وَحِضْنُهُ ذِرَاعٌ حَوَالَيْهِ، وَدَرَجَاتُهُ تُجَاهَ الْمَشْرِقِ».
ع13: ذراع: حوالي 45 سم، وهو المسافة بين المرفق، أو الكوع وطرف الأصابع.
الفتر : هو عرض أربع أصابع الكف، أي بدون الإبهام، وهي حوالي 8.5 سم، أي أقل من 10 سم.
الحضن : القاعدة.
حاشيته : البرواز المحيط به، وهو غالبًا نوع من الزينة.
شفته : حدود الحاشية، أي حرفها.
شبر : يساوى حوالي 20 سم، أو أكثر قليلًا، وهو المسافة بين طرف الإبهام وطرف الخنصر إذا تباعدت الأصابع عن بعضها قدر ما يستطيع الإنسان.
يشرح هنا مقاييس المذبح النحاسى، والوحدة التي يقيس بها ليست الذراع العادي، الذي يساوى 45 سم ويسمى الذراع المدنى، لكن الذراع هنا هو ذراع وفتر، أي 45 سم + حوالي 10 سم، فيساوى 55 سم تقريبًا، وهو ما يسمى بالذراع الدينى. وهذا يبين أن مقاييس الله تعلو عن مقاييس البشر، فمن يدخل في علاقة مع الله ينبغى أن تكون مقاييسه روحية.
يصف المذبح من قاعدته، أي حضنه، وهي كما سنفهم 18 ذراعًا طولًا و18 ذراعًا عرضًا، فهي مربعة وارتفاعها ذراعان، كما سيأتى في (ع14). فوقها قاعدة أخرى هي الخصم السفلى (ع14) وهو أضيق منها بذراعين، أي تكون 16 × 16 ذراعًا، وبهذا يكون عرض الحضن، أي الدرجة التي يمكن أن يقف عليها الإنسان مسافة ذراع، ثم يجد القاعدة المثبتة فوقها وهي 16 × 16 ذراعًا، فيكون هناك ذراعًا من كل ناحية، أي درجة بعرض ذراع من جميع جهات المذبح. معنى هذا أن هناك قاعدة سفلية هي الحضن، 18 × 18 ذراعًا، وفوقها قاعدة أضيق منها هي الخصم السفلى 16 × 16 ذراعًا، وبهذا تتكون درجة هي سطح الحضن بعرض ذراع من كل ناحية يستطيع أن يقف عليها الإنسان.
للحضن برواز للزينة بعرض شبر حول القاعدة السفلية، أي ظهر المذبح التي تسمى الحضن.
ع14: الخصم الأكبر: هي زاوية، أو قاعدة أصغر من القاعدة تثبت فوقها وهي 16 × 16 ذراعًا.
الخصم الأصغر: هي زاوية، أو قاعدة أصغر من الخصم الأكبر وتثبت فوقه وهي 14 × 14 ذراعًا.
يوضح هنا أن ارتفاع الحضن، أي القاعدة الكبيرة هو ذراعان، ثم نجد مسطح، هو درجة بعرض ذراع من كل ناحية ليقف عليها الإنسان، وبعد ذلك نجد قاعدة أخرى للمذبح تسمى الخصم الأكبر ارتفاعها 4 أذرع ومساحتها 16 × 16، ثم نجد فوقها مسطح بعرض ذراع هو درجة للوقوف عليها، وبعد ذلك نجد قاعدة ثالثة هي الخصم الأصغر ومساحتها 14×14 ذراعًا، أي أصغر من الخصم الأكبر.
ع15: الموقد: سطح المذبح الذي تحرق عليه الذبيحة، وهو تجويف في سطح المذبح، أى سطح الخصم الأصغر.
يؤكد هنا أن ارتفاع الخصم الأصغر هو 4 أذرع، ثم نجد سطح المذبح، أي الموقد حيث تحرق الذبائح. وسطح المذبح مجوف؛ لتوضع فيه الذبائح ولا تنتثر أجزاؤها. والموقد يرمز لذبيحة المسيح على الصليب ولكل تابعيه، الذين يحملون الصليب في حياتهم، فهو يتكلم بطريقة رمزية عن مذبح الكنيسة، إذ ليس فيه ذبائح دموية، بل ذبيحة المسيح الكفارية، أي جسده ودمه.
وعلى زوايا المذبح من فوق يوجد أربعة قرون، ترمز لقوة ذبيحة المسيح التي تفدى المؤمنين به من العالم كله.
ع16: يعلن الله لنا هنا أن مساحة الموقد هي 12 × 12 ذراعًا، أي أن تجويف الموقد أضيق من سطح الخصم الأصغر بذراع من كل ناحية، حتى لا تتساقط أية أجزاء من الذبيحة. ورقم 12 × 12 ترمز لأسباط إسرائيل الاثنى عشر، ورسل المسيح الإثنى عشر، أي أن ذبيحة المسيح تفدى كل المؤمنين به من العهدين القديم والجديد.
والموقد وجميع قواعده مربعة، ترمز إلى أن ذبيحة المسيح تفدى المؤمنين في العالم كله من أركانه الأربعة.
ع17: يؤكد في النهاية أن القاعدة العليا وهي الخصم الأصغر، الذي سطحه هو الموقد مساحته 14 × 14 ذراعًا وله حاشية، أي برواز حول سطحه العلوى بعرض شبر (أى حوالي نصف ذراع). والخصم الأصغر، كما ذكرنا، أصغر من الخصم الأكبر، الذي مساحته 16 × 16 ذراعًا، أي هناك درجة على سطح الخصم الأكبر بعرض ذراع من كل ناحية. يفهم من هذا أن المذبح مدرج الدرجة الأولى فوق الحضن (أى القاعدة الأرضية). ثم الدرجة الثانية فوق الخصم الأكبر المثبت على الحضن، ومثبت فوق الخصم الأكبر قاعدة ثالثة هي الخصم الأصغر الذي في سطحه يوجد الموقد.
كل هذا المذبح يوضع ناحية الشرق، أي يقابله الإنسان عند دخوله من الباب الشرقى، وبعده يجد القدس وقدس الأقداس.
نفهم من مقاييس المذبح أنه رمزى، لأن أبعاده ضخمة جدًا فقاعدته 18 × 18 ذراعًا أي 9 × 9 مترًا وارتفاعه هائل؛ لأنه 2 + 4 + 4 = 10 أذرع، أي 5 أمتار، فهو يرمز لكنيسة العهد الجديد وملكوت السموات.
المذبح له درجات؛ ليعلمنا أهمية التدرج في الحياة الروحية للوصول إلى قبول الإنسان ذبح حياته من أجل المسيح، الذي ذبح لأجلنا.
† المسيح في محبته قدم حياته لأجلك، وينتظر أن تتجاوب معه بالتضحية بما هو غالى عندك، مما يعطلك عن علاقتك به، سواء الخطايا، أو تعلقاتك المادية. فقدم محبتك له لتصعد درجات الحب، وتختبر عمله فيك؛ حتى تصل إلى استعدادك للموت من أجله، حينئذ تكون مؤهلًا للتمتع بملكوت السموات.
(3) تقديس المذبح (ع18-27):
18- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هذِهِ فَرَائِضُ الْمَذْبَحِ يَوْمَ صُنْعِهِ لإِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ عَلَيْهِ وَلِرَشِّ الدَّمِ عَلَيْهِ: 19- فَتُعْطِي الْكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ الَّذِينَ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ الْمُقْتَرِبِينَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ. 20- وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَضَعُهُ عَلَى قُرُونِهِ الأَرْبَعَةِ، وَعَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الْخُصْمِ وَعَلَى الْحَاشِيَةِ حَوَالَيْهَا، فَتُطَهِّرُهُ وَتُكَفِّرُ عَنْهُ. 21- وَتَأْخُذُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ فَيُحْرَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْبَيْتِ خَارِجَ الْمَقْدِسِ. 22- وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي تُقَرِّبُ تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ صَحِيحًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُطَهِّرُونَ الْمَذْبَحَ كَمَا طَهَّرُوهُ بِالثَّوْرِ. 23- وَإِذَا أَكْمَلْتَ التَّطْهِيرَ، تُقَرِّبُ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ صَحِيحًا، وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحًا. 24- وَتُقَرِّبُهُمَا قُدَّامَ الرَّبِّ، وَيُلْقِي عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ مِلْحًا وَيُصْعِدُونَهُمَا مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. 25- سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَيْسَ الْخَطِيَّةِ. وَيَعْمَلُونَ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحَيْنِ. 26- سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُكَفِّرُونَ عَنِ الْمَذْبَحِ وَيُطَهِّرُونَهُ وَيَمْلأُونَ يَدَهُ.27 فَإِذَا تَمَّتْ هذِهِ الأَيَّامُ يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا أَنَّ الْكَهَنَةَ يَعْمَلُونَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُحْرَقَاتِكُمْ وَذَبَائِحَكُمْ السَّلاَمِيَّةَ، فَأَرْضَى عَنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع18: أعلن الرب لحزقيال طقوس تقديس المذبح بعد إقامته، فلابد أن يبارك من الله؛ حتى يصير مخصصًا له، وليس مجرد مذبح مصنوع باليد، فكل شيء يقدس بالله يصير له قيمة كبيرة، كما نقدس اليوم مذابح الكنائس بالميرون، أما في العهد القديم فكانت تقدس بدم الذبائح، الذي يرمز إلى دم المسيح الفادى على الصليب.
ع19: الثور: ذكر البقر.
يقوم بتقديس المذبح الكهنة الذين من نسل صادوق، وليس أي إنسان عادى، ولا حتى النبي، أو الملك. فطلب الله من حزقيال أن يعطى الكهنة ثورًا؛ ليصعدوه عن خطايا الشعب كذبيحة خطية، وهي أحد رموز ذبيحة المسيح، الذي حمل كل خطايانا وذبح لأجلنا. وعندما يقول نسل صادوق يعنى أبناء الصدق والبر، فمن يتقدم لعبادة الله ينبغى أن يتحلى بالبر.
ع20: الكهنة يقومون بذبح الثور، ويأخذون من دمه، ويمسحون قرون المذبح الأربعة وزوايا الخصم الأصغر، أي العلوى، الأربعة، وزوايا حاشيته الأربعة؛ لأن دم المسيح يطهر كل المؤمنين في زوايا الأرض الأربعة.
ونلاحظ أن القرون تتقدس بالدم؛ لأن دم المسيح قوى قادر على إيفاء كل ديون البشر، ويعطيهم قوة ليغلبوا كل حيل الشياطين.
بسقوط الإنسان والحكم عليه بالموت لعنت الأرض كلها (تك3: 17) ولكن بدم المسيح الفادى يتطهر المؤمنون به وكذلك الخليقة، أي المادة التي منها هذا المذبح؛ لذا يقول "فتطهره وتكفر عنه".
ع21: يأمر الله الكهنة على يد حزقيال بحرق ثور الخطية خارج المكان المقدس، كما صلب المسيح عن خطايانا خارج المحلة، أي خارج أورشليم.
ع22: تيس: ذكر الماعز.
في اليوم التالى لتقديم ثور الخطية يذبح الكهنة تيسا أيضًا، كذبيحة خطية، ويأخذون من دمه ويمسحون قرون المذبح وزوايا الخصم العلوى وزوايا حاشيته، مثلما فعلوا بدم ثور الخطية (ع20)، ثم يحرقون التيس خارج المحلة، مثل ثور الخطية (ع21). وذبح التيس بعد الثور تأكيد للحاجة إلى دم المسيح الفادى، وأنه يكفر عن الكبار والصغار (الثور والتيس).
ع23، 24: كبش: ذكر الضأن.
بعد تقديم تيس الخطية، يقدم الكهنة ثورًا من البقر وكبشًا من الضأن في نفس اليوم على المذبح كمحرقة لله. والمحرقة أحد رموز ذبيحة المسيح، الذي مات عنا لإرضاء الله؛ لأنه وفى الدين الذي علينا، فالمحرقة تحرق فيها الذبيحة كلها على المذبح، ولا يؤكل منها شئٌ، ويوضع على الثور والكبش ملحٌ، الذي يرمز إلى عمل النعمة.
ع25، 26: يأمر الله بتكرار تقديم تيس الخطية مع ثور وكبش المحرقة لمدة ستة أيام أخرى، أي يكون الإجمالى سبعة أيام، بهذا يتم تقديس المذبح، أي يقدم أول يوم ثور للخطية، وفى السبعة الأيام التالية يقدم كل يوم تيس وثور وكبش.
ويقول "يملأون يده"، أي يد المذبح بوضع هذه الذبائح عليه وتقديسه بالدم، فيصير مقدسًا وصالحًا لاستخدامه كمذبح لله تقدم عليه الذبائح. ويقال نفس التعبير عن الكهنة تملأ يدهم، أي يحملون الذبائح لأول مرة، فيتقدسون ككهنة لله، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة.
† التصق بالمذبح، لأن فيه خلاصك، فالتناول من الأسرار المقدسة يملأ حياتك بالقوة وعمل النعمة، فتساندك في كل خطواتك، وتساعدك على قهر خطاياك وشهواتك.
ع27: بعد سبعة أيام التقديس، التي في كل منها يقدم تيس وثور وكبش، أي في اليوم الثامن، يصبح من حق الكهنة تقديم ذبائح سلامة مع جميع أنواع الذبائح على المذبح. وذبائح السلامة هي الذبائح المسموح للشعب أن يأكل منها، وهي ترمز للتناول من الأسرار المقدسة. واليوم الثامن يرمز ليوم القيامة، لأنه بقيامة رب المجد أعلن الله قوة الفداء، الذي به ننال جسده ودمه الأقدسين.
وتقديس المذبح في العهد القديم تم بتقديم ذبائح دموية وهذا كان رمزًا للذبيحة الحقيقية الكاملة، أي تقديم اليهود المسيح على الصليب؛ ليكون مخلصًا وفاديًا ومقدسًا لكل من يؤمن به.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الرابع والاربعون
شرائع لخدام الهيكل
يؤكد الله هنا الشرائع المذكورة في سفر اللاويين، والتي أغفلها شعبه وكهنته، لارتباطهم بعبادة الأوثان والشهوات الشريرة. فيؤكد هنا بعضها؛ حتى يدعوهم للعودة إلى التمسك بالشريعة.
(1) الباب الشرقي المغلق (ع1-3)
(2) شرائع اللاويين (ع4-14)
(3) شرائع الكهنة (ع15-31)
(1) الباب الشرقي المغلق (ع1-3):
1- ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ، وَهُوَ مُغْلَقٌ. 2- فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: «هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا. 3- اَلرَّئِيسُ الرَّئِيسُ هُوَ يَجْلِسُ فِيهِ لِيَأْكُلَ خُبْزًا أَمَامَ الرَّبِّ. مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ يَدْخُلُ، وَمِنْ طَرِيقِهِ يَخْرُجُ».
ع1: يوضح حزقيال أن الله أرجعه من الدار الداخلية (حز 43: 5) إلى الباب الشرقى الخارجي للمقدس، أي باب الهيكل الخارجي، فوجده حزقيال مغلقًا.
ع2: أعلن الله لحزقيال أن هذا الباب الشرقى سيظل مغلقًا ولن يفتح أبدًا لأى إنسان؛ لأن الله دخل منه. وهو هنا يتكلم عن العذراء مريم التي حبلت وولدت المسيح، وظلت بكرًا وعذراء ولم يقترب منها أي إنسان للتزوج بها.
ع3: يؤكد الله هنا أن الذي سيدخل من الباب الشرقى هو الرئيسى. ويكرر كلمة الرئيس تأكيدًا أنه هو الإله الوحيد للعهدين القديم والجديد، ويقصد المسيح رئيس الكهنة الأعظم الذي كان يرمز إليه رئيس الكهنة في العهد القديم، وهو وحده الذي يأكل ويشرب، فهو هنا يتكلم بوضوح عن الإله المتجسد، أي المسيح الذي كان يأكل ويشرب؛ لأن إله إسرائيل بالطبع لا يأكل ولا يشرب. وقد دخل عن طريق رواق الباب الشرقى وخرج منه، وهو قادر أن يدخل ويخرج دون أن يحل بتولية العذراء.
† ما أعظم محبتك يا الله لى في تجسدك وحفظك لبتولية العذراء، فهي أرادت أن تظل بتول، فولدت منها ومازالت عذراء؛ لأنى يا إلهي مشتاق أن أحيا لك في العالم، ولكن ليكن قلبى كله لك، فتحفظ لى عذراويتى؛ لأحيا مكرسًا قلبى لك.
(2) شرائع اللاويين (ع4-14):
4- ثُمَّ أَتَى بِي فِي طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ إِلَى قُدَّامِ الْبَيْتِ، فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. 5- فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ قَلْبَكَ وَانْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاسْمَعْ بِأُذُنَيْكَ كُلَّ مَا أَقُولُهُ لَكَ عَنْ كُلِّ فَرَائِضِ بَيْتِ الرَّبِّ وَعَنْ كُلِّ سُنَنِهِ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ عَلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ مَعَ كُلِّ مَخَارِجِ الْمَقْدِسِ.6- وَقُلْ لِلْمُتَمَرِّدِينَ، لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: يَكْفِيكُمْ كُلُّ رَجَاسَاتِكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، 7- بِإِدْخَالِكُمْ أَبْنَاءَ الْغَرِيبِ الْغُلْفَ الْقُلُوبِ الْغُلْفَ اللَّحْمِ لِيَكُونُوا فِي مَقْدِسِي، فَيُنَجِّسُوا بَيْتِي بِتَقْرِيبِكُمْ خُبْزِي الشَّحْمَ وَالدَّمَ. فَنَقَضُوا عَهْدِي فَوْقَ كُلِّ رَجَاسَاتِكُمْ. 8- وَلَمْ تَحْرُسُوا حِرَاسَةَ أَقْدَاسِي، بَلْ أَقَمْتُمْ حُرَّاسًا يَحْرُسُونَ عَنْكُمْ فِي مَقْدِسِي. 9- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ابْنُ الْغَرِيبِ أَغْلَفُ الْقَلْبِ وَأَغْلَفُ اللَّحْمِ لاَ يَدْخُلُ مَقْدِسِي، مِنْ كُلِّ ابْنٍ غَرِيبٍ الَّذِي مِنْ وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.10- بَلِ اللاَّوِيُّونَ الَّذِينَ ابْتَعَدُوا عَنِّي حِينَ ضَلَّ إِسْرَائِيلُ، فَضَلُّوا عَنِّي وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، يَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. 11- وَيَكُونُونَ خُدَّامًا فِي مَقْدِسِي، حُرَّاسَ أَبْوَابِ الْبَيْتِ وَخُدَّامَ الْبَيْتِ. هُمْ يَذْبَحُونَ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبِيحَةَ لِلشَّعْبِ، وَهُمْ يَقِفُونَ أَمَامَهُمْ لِيَخْدِمُوهُمْ. 12- لأَنَّهُمْ خَدَمُوهُمْ أَمَامَ أَصْنَامِهِمْ وَكَانُوا مَعْثَرَةَ إِثْمٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. لِذلِكَ رَفَعْتُ يَدِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ.13- وَلاَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ لِيَكْهَنُوا لِي، وَلاَ لِلاقْتِرَابِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَقْدَاسِي إِلَى قُدْسِ الأَقْدَاسِ، بَلْ يَحْمِلُونَ خِزْيَهُمْ وَرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا.14- وَأَجْعَلُهُمْ حَارِسِي حِرَاسَةَ الْبَيْتِ لِكُلِّ خِدْمَةٍ لِكُلِّ مَا يُعْمَلُ فِيهِ.
ع4: ظهر مجد الرب لعله بنور قوى، أو ضباب، أو أي مظهر آخر، ولكنه كان واضحًا تمامًا في الرؤيا، فسجد له حزقيال.
كان ظهور الله عند باب الشمال لماذا؟
لأن بني إسرائيل وضعوا صنمًا عند باب الشمال لهيكل سليمان، هو تمثال الغيرة، المذكور في (حز 8: 3) بكل بجاحة، أي لصقوا عبادة الأوثان بعبادة الله، فظهر الله؛ ليطهر هذا الباب.
لأجل شرور بني إسرائيل، سمح لهم الله أن تهاجمهم الأمم الوثنية من الشمال، مثل أشور وبابل، لتأديبهم. ويعود الله فيظهر بمجده من باب الشمال؛ ليطمئنهم أنه قادر أن يحميهم إذا عادوا إليه بالتوبة.
لذا ففى دورة الأناجيل بأحد الشعانين وأعياد الصليب تذكر الكنيسة عند باب الشمال (أى البحرى) مجئ المسيح الثاني للدينونة، وقوة الصليب التي تحمى أولاده المؤمنين وتبررهم في هذا اليوم.
ع5: يدعو الله حزقيال حتى ينتبه لوصايا الله (سننه) وعبادته (فرائضه)، ويستخدم حواسه الخارجية، وأهمها النظر والسمع، وحواسه الداخلية، أي قلبه، حتى يستطيع أن يحفظ مدخل بيت الله ومخارجه.
وبهذا يظهر أهمية التركيز في الممارسات الروحية بالحواس الداخلية والخارجية، فتكون الصلاة بالشفاه والذهن والقلب.
كما يظهر أهمية حراسة مداخل الإنسان وهي الفكر والنظر والسمع وكل المداخل؛ حتى يظل القلب نقيًا، ثم حراسة المخارج أيضًا، أي كل شيء يخرجنا من متعة الوجود مع الله إلى أباطيل العالم وشهواته.
ع6: يوجه الله توبيخًا شديدًا بيد حزقيال إلى شعبه؛ لتمردهم على وصاياه وشرائعه من جهة بيته، فبهذا نجسوه، وهو تحدى لله وإغاظة له، ويقصد بالأكثر اللاويين خدام بيته. ومعنى توبيخه، دعوتهم للتوبة، فإيقاف الرجاسة - أي الشرور هو - بالرجوع إلى الله.
ع7: خبزى الشحم والدم: الذبائح المقدمة لله.
يوضح الله شر شعبه في إدخالهم أناس من الأمم، أي غير يهود، وليسوا مختونين في أجسادهم، وأيضًا قلوبهم غير مؤمنة بالله الواحد، إله إسرائيل؛ حتى يخدموا في بيت الله بدل اللاويين. وبهذا يكون شعب الله قد نقض عهده مع الله، فبدلًا من أن يقدم اللاويون ذبائح وتقدمات لله، أدخلوا الغرباء الأمميين الممنوع دخولهم في الهيكل، بل وقاموا بأعمال الخدمة، التي كلف الله بها اللاويين، فهذا إهمال ونقض العهد مع الله.
هذا ما يفعله خدام الله الآن، عندما يبتعدوا عن الله، فيدخلوا أفكار العالم داخلهم، بل يتصرفوا بها داخل بيت الله وفى خدمته، ويعملوا بها، فبهذا ينقضون عهدهم وبنوتهم لله التي نالوها في أسراره المقدسة.
† إن حاربتك الأفكار الشريرة، فاطردها سريعًا؛ حتى لو انتشرت حولك، فقلبك مكرس لله وفكرك هو فكر المسيح؛ حتى تكون نقيًا ولا تتكلم إلا بما يليق بأولاد الله وتعلم بما يرضيه.
ع8: لم يكتف اللاويون بإدخال الغرباء إلى بيت الله، بل أقاموهم حراسًا عليه؛ لأنه لم يعد مهمًا في نظر شعب الله حفظ بيت الله من الغرباء فلا يدخله إلا اليهود، أي أن بيت الله أصبح في نظر شعبه مجرد مكان، مثل باقي أماكن العالم، وليس له قداسة.
† إلى أي مدى تحترم بيت الله، فعندما تقترب إليه ترشم ذاتك بعلامة الصليب، وعندما تدخله تقف فيه بخشوع وتركز في كلمات الصلوات، ولا تتكلم مع أحد، ولا تعمل أي شيء يغضب الله.
ع9، 10: يقرر الله شريعته، أنه ممنوع أن يدخل إلى بيته غير اليهود، بل اللاويين فقط كل واحد في مسئوليته، سواء الحراسة، أو مساعدة الكهنة في تقديم الذبائح، أو جمع التقدمات في المخازن ...
ويوبخ اللاويين المتمردين الذين تركوا خدمتهم جريًا وراء مكاسب العالم، ولعلهم خدموا في معابد الأوثان؛ لأجل المكاسب الأكبر. ويعلن أنهم يحملون إثمهم على رؤوسهم، وهذا معناه أن الله سيعاقبهم؛ لإصرارهم على خطاياهم.
ع11: يظهر حنان الله في قبول اللاويين إن تابوا، فيعودون لخدمة بيته، ويحرسون أبواب البيت، ويساعدون الكهنة في تقديم الذبائح، ويقومون بكل خدمة في بيت الله يحتاجها شعبه في عبادته.
ع12: يعود الله فيتكلم عن اللاويين المصرين على خطاياهم في خدمتهم للأصنام وصاروا عثرة للشعب، إذ شجعوهم على عبادة الأوثان، وأبعدوهم بالتالى عن عبادة الله في بيته. لذا قرر الله أن يرفع يده على هؤلاء اللاويين الأشرار من أجل آثامهم؛ التي لا يريدون التوبة عنها، فيعاقبهم بشدة.
ع13: عقاب الله لهؤلاء اللاويين المصرين على خدمة الأصنام، أن يستبعدوا من خدمة هيكله، ويحاسبوا على تماديهم في شرورهم ويعاقبوا.
ع14: يختم في النهاية حديثه مع اللاويين بالعودة للكلام عن اللاويين التائبين، الذين تركوا خدمة معابد الأصنام وعادوا لله، فيقبل توبتهم، ويجعلهم حراسًا لبيته، وخدامًا له في بيته.
الخلاصة أن الله يعاتب اللاويين على أمرين:
عدم حراستهم لبيته وإدخال الغرباء إليه، بل تكليف الغرباء بحراسة البيت، أي أنه لم تعد هناك حراسة وتقديس لبيته.
خدمتهم في معابد الأصنام، فشجعوا الشعب على هذه العبادة وأعثروهم .. والعلاج هو التوبة، والابتعاد عن معابد الأصنام، وقيامهم بحراسة البيت وخدمة الله وشعبه، فيزيلوا العثرة التي عملوها للشعب، والله في حنانه مستعد أن يقبلهم، ولكن إن أصروا على الخطية فسيعاقبهم.
(3) شرائع الكهنة (ع15-31):
15- «أَمَّا الْكَهَنَةُ اللاَّوِيُّونَ أَبْنَاءُ صَادُوقَ الَّذِينَ حَرَسُوا حِرَاسَةَ مَقْدِسِي حِينَ ضَلَّ عَنِّي بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي، وَيَقِفُونَ أَمَامِي لِيُقَرِّبُوا لِي الشَّحْمَ وَالدَّمَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 16- هُمْ يَدْخُلُونَ مَقْدِسِي وَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى مَائِدَتِي لِيَخْدِمُونِي وَيَحْرُسُوا حِرَاسَتِي. 17- وَيَكُونُ عِنْدَ دُخُولِهِمْ أَبْوَابَ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ، أَنَّهُمْ يَلْبَسُونَ ثِيَابًا مِنْ كَتَّانٍ، وَلاَ يَأْتِي عَلَيْهِمْ صُوفٌ عِنْدَ خِدْمَتِهِمْ فِي أَبْوَابِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وَمِنْ دَاخِل. 18- وَلْتَكُنْ عَصَائِبُ مِنْ كَتَّانٍ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَلْتَكُنْ سَرَاوِيلُ مِنْ كَتَّانٍ عَلَى أَحْقَائِهِمْ. لاَ يَتَنَطَّقُونَ بِمَا يُعَرِّقُ. 19- وَعِنْدَ خُرُوجِهِمْ إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، إِلَى الشَّعْبِ، إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، يَخْلَعُونَ ثِيَابَهُمُ الَّتِي خَدَمُوا بِهَا، وَيَضَعُونَهَا فِي مَخَادِعِ الْقُدْسِ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ ثِيَابًا أُخْرَى وَلاَ يُقَدِّسُونَ الشَّعْبَ بِثِيَابِهِمْ. 20- وَلاَ يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَلاَ يُرَبُّونَ خُصَلًا، بَلْ يَجُزُّونَ شَعْرَ رُؤُوسِهِمْ جَزًّا. 21- وَلاَ يَشْرَبُ كَاهِنٌ خَمْرًا عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ. 22- وَلاَ يَأْخُذُونَ أَرْمَلَةً وَلاَ مُطَلَّقَةً زَوْجَةً، بَلْ يَتَّخِذُونَ عَذَارَى مِنْ نَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، أَوْ أَرْمَلَةً الَّتِي كَانَتْ أَرْمَلَةَ كَاهِنٍ. 23- وَيُرُونَ شَعْبِي التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ، وَيُعَلِّمُونَهُمُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ. 24- وَفِي الْخِصَامِ هُمْ يَقِفُونَ لِلْحُكْمِ، وَيَحْكُمُونَ حَسَبَ أَحْكَامِي، وَيَحْفَظُونَ شَرَائِعِي وَفَرَائِضِي فِي كُلِّ مَوَاسِمِي، وَيُقَدِّسُونَ سُبُوتِي. 25- وَلاَ يَدْنُوا مِنْ إِنْسَانٍ مَيِّتٍ فَيَتَنَجَّسُوا. أَمَّا لأَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوِ ابْنٍ أَوِ ابْنَةٍ أَوْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ لَمْ تَكُنْ لِرَجُل يَتَنَجَّسُونَ. 26- وَبَعْدَ تَطْهِيرِهِ يَحْسِبُونَ لَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 27- وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ إِلَى الْقُدْسِ إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ لِيَخْدِمَ فِي الْقُدْسِ، يُقَرِّبُ ذَبِيحَتَهُ عَنِ الْخَطِيَّةِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 28- وَيَكُونُ لَهُمْ مِيرَاثًا. أَنَا مِيرَاثُهُمْ. وَلاَ تُعْطُونَهُمْ مِلْكًا فِي إِسْرَائِيلَ. أَنَا مِلْكُهُمْ. 29- يَأْكُلُونَ التَّقْدِمَةَ وَذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ وَذَبِيحَةَ الإِثْمِ، وَكُلُّ مُحَرَّمٍ فِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ لَهُمْ. 30- وَأَوَائِلُ كُلِّ الْبَاكُورَاتِ جَمِيعِهَا، وَكُلُّ رَفِيعَةٍ مِنْ كُلِّ رَفَائِعِكُمْ تَكُونُ لِلْكَهَنَةِ. وَتُعْطُونَ الْكَاهِنَ أَوَائِلَ عَجِينِكُمْ لِتَحِلَّ الْبَرَكَةُ عَلَى بَيْتِكَ. 31- لاَ يَأْكُلُ الْكَاهِنُ مِنْ مَيِّتَةٍ وَلاَ مِنْ فَرِيسَةٍ، طَيْرًا كَانَتْ أَوْ بَهِيمَةً.
ع15، 16: حرسوا حراسة المقدس: تمسكوا بشرائع بيت الله وتمموها بأمانة.
يقدم هنا الله شرائع للكهنة، ويقول "بنى صادوق"، وكلمة صادوق معناها صادق، أو بار، وصادوق هو رئيس الكهنة الذي كان أيام داود وسليمان، ويقصد الكهنة الصادقين الأبرار، الذين تمسكوا بالشريعة. هؤلاء هم وحدهم الذين يسمح لهم الله أن يقدموا الذبائح له، ويهتموا بكل خدمة الهيكل، أي أن الكهنة المتمسكين بالشريعة هم الذين يخدمون في الهيكل الذي سيبنيه زربابل وعزرا، وأيضًا يخدمون في كنيسة العهد الجديد، التي يؤسسها المسيح بدمه بدل دماء الذبائح.
ع17-19: ومن داخل: داخل الدار الداخلية.
عصائب : قطع من القماش تلف حول الرأس فتكون مثل عمامة.
سراويل : ما يلبس تحت الملابس الخارجية من على الوسط حتى قبل الركبتين، رمزًا للخطية.
أحقائهم : جمع حُق وهو وسط الجسم الذي يلبس عليه الحزام.
يتنطقون : يلبسون حزام أو ما يشبهه على وسطهم.
يضع الله شرائع للكهنة هي: أولًا الملبس: يأمر الله الكهنة أن تكون ملابسهم من الكتان، وهو نبات، وترمز الألياف المأخوذة منه إلى النقاوة. ولا تكون الملابس من الصوف لما يلي:
الصوف مأخوذ من الحيوانات، فهو يرمز للحياة الجسدانية الشهوانية التي يسمو عنها الكاهن.
الصوف يجعل الكاهن كثير العرق، والكاهن في العهد القديم كانت أعماله تحتاج إلى مجهود ومعرض للعرق، فلا يكون بأفضل مظهر أمام الله، بل العرق يجعل رائحته غير طيبة. والعرق قد يعوقه عن استكمال عمله، فيجعله مجهدًا ويميل للكسل.
إن كان الصوف مأخوذًا من حيوان ميت، فلا ينبغى أن يدخل شيء ميت إلى الهيكل مكان الحياة؛ لأن الموت رمز للخطية.
يستكمل الله شرح ملابس الكهنة، فيقول أن العصائب أيضًا التي على الروؤس والسراويل، وهي الملابس الداخلية، تكون من الكتان، فلا يلبس الكهنة أية ملابس من الصوف التي تساعد على العرق.
والعصائب التي تكون عمامة هي نوع من الوقار للكاهن، لأن الشيوخ يلبسون عمامة دليل وقارهم، ويكون هذا الوقار مرتبطًا بالنقاوة؛ لذا تكون من الكتان.
يطلب الله أيضًا من الكهنة أن تكون لهم ملابس خاصة بالخدمة في الدار الداخلية، ثم عند خروجهم لمباركة الشعب يغيرون ثيابهم الكهنوتية ويضعونها في غرف الكهنة الموجودة في الدار الداخلية بجوار القدس، ويلبسون ملابس أخرى عادية لمقابلة الشعب.
هذا ما يحدث حتى الآن في الكنيسة، فيلبس الكاهن ملابس الخدمة البيضاء، التي تعطى معنى البهاء والنقاوة عند مقابلة الله في هيكله لخدمته، وهذا يظهر أهمية النقاوة عند الدخول إلى خدمة الله.
ع20: خصلًا: جمع خصلة وهي مجموعة من الشعر تشبه الضفيرة.
يجزون : يحلقون.
ثانيًا المظهر: ينهى الله الكهنة أن يتمثلوا بكهنة الأوثان في حلق رؤوسهم بشكل معين، مثل ترك دائرة من الشعر فوق الرأس وحلق باقي الرأس، أو عمل خصل وضفائر كثيرة، ولكن يحلقون شعر رؤوسهم كله، فيحلقون باعتدال، والمعنى أن لا يهتموا بشعر الرأس، ولا يتشبهوا بكهنة الأوثان، ويكونون في اعتدالهم قدوة للشعب في السلوك المعتدل.
ع21: ثالثًا الشراب: ينهى الله الكهنة أيضًا عن شرب الخمر عند الدخول لخدمة الله في الدار الداخلية، وذلك لما يلى:
الخمر ترمز للتنعم والانشغال بالماديات، وينبغى أن يكون الكاهن جادًا ناسكًا ناظرًا إلى هدفه وهو محبة الله وعبادته.
قد يتهاون الكاهن فيشرب من الخمر أكثر مما يجب، فيدخل في حالة سكر ولو جزئى؛ وهذا بالطبع لا يصح أبدًا عند مقابلة الله، فينبغى أن يكون الإنسان في كامل وعيه. فتهاون نوح ساعة واحدة بعد تعففه ستين عامًا، جعله يتعرى في خزى أمام الله وأولاده (تك9: 21).
ع22: رابعًا الزواج: يوصى الله الكاهن أيضًا ألا يتزوج إلا بعذراء، فلا يتزوج بأرملة، أو مطلقة؛ لأن العذراء ترمز للعفة وعدم الارتباط بشهوات العالم، فتحيا هذه العذراء في حياة مقدسة ترضى الله.
ولا يستثنى من الأرامل إلا أرملة كاهن يكون قد مات، فيسمح لكاهن غيره أن يتزوجها؛ لأنها تعودت الحياة مع الله، فتساعد الكاهن على مواصلة حياته الروحية وخدمته.
ع23: خامسًا التعليم: من واجبات الكاهن أن يعلم الشعب كيفية عبادة الله والسلوك في الحياة، فيعرفونه الأمور المحرمة التي ينبغى أن يبتعد عنها، مثل الأطعمة النجسة، أو كل ما ينجس الإنسان، والأمور المحللة المقدسة، فكيف يتقرب إلى الله ويقدم ذبائحه له.
ع24: سادسًا القضاء: من واجبات الكاهن أيضًا القضاء في الأمور المتشابكة والمنازعات بين الشعب، ويكون حكم الكهنة بحسب شريعة الله.
† ليت حكمك على الأمور يكون بحسب وصايا الله، مهما كان الخطأ منطقيًا، أو يعمله كل الناس، بهذا تكون نورًا للعالم ومثالًا وقدوة وصورة حسنة لله.
ع25-27: سابعًا دفن الموتى: من جهة دفن الموتى يوصى الله الكهنة ألا يشتركوا في هذا الدفن؛ لأن لمس الميت ينجس من يلمسه، وذلك ليرفع قلوبهم إلى السماويات، ولكن يستثنى هؤلاء، فيُسمح للكاهن بدفنهم؛ لأن ليس لهم أحد يدفنهم وهم:
الوالدان.
البنون والبنات.
الأخ.
الأخت غير المتزوجة.
فإذا دفن أحد هؤلاء يتنجس ويلزمه أن يقوم بشريعة التطهير (لا21: 1-3) ويظل أسبوعًا بعيدًا عن خدمة الكهنوت، وبعد ذلك يقدم ذبيحة خطية، وبهذا يكون قد استكمل تطهيره فيستطيع أن يمارس خدمته الكهنوتية. ونرى هنا مراعاة الله لمشاعر الإنسان الطبيعية، فلا يستطيع أن يبتعد عن المقربين إليه جدًا بالجسد عند موتهم.
ع28: ثامنًا إعالتهم: يعلن الله أن الكهنة واللاويين لا يأخذون ميراثًا في الأرض؛ لأن الله هو ميراثهم وهو المسئول أن يوفر لهم كل احتياجاتهم.
ع29: يوضح الله كيف سيشبع الكهنة واللاويين، فيعطيهم أولًا: نصيبًا في التقدمات والقرابين، وكذلك ذبائح الخطية والإثم، وكذلك الغنائم التي يحرم على الشعب استخدامها مما استولى عليه من أعدائه، فيقدم للهيكل ويأكل منه الكهنة واللاويون.
ع30: كذلك يوفر الله احتياجات الكهنة واللاويين من الباكورات التي يقدمها الشعب لله في هيكله وكذلك الرفائع، أي التقدمات الاختيارية التي يقدمونها لله محبة فيه. وكذلك يقدم الشعب أوائل العجين الذي يخبزونه في بيوتهم للكاهن، فيبارك الله بذلك بيوت الشعب.
وشريعة البكور مستمرة في العهد الجديد، مثل العشور، حتى يشعر الإنسان عندما يقدم لله أن الله هو الذي يبارك حياته، ثم ينمو في مفهوم العطاء، فيتشبه بالمسيح الذي قدم حياته عنا على الصليب. وإن كان المسيح هو البكر بين إخوة كثيرين، ففى اتحادى به أصير أنا نفسي بكرًا، فأقدم حياتى للمسيح.
ع31: تاسعًا الطعام: يمنع الله الكاهن، مثل باقي الشعب، من أن يأكل حيوانًا قد مات، أو افترسه حيوان آخر؛ لأنه يُعتبر نجس وينجس كل من يأكل منه. وأكل الحيوان الميت يدل على دناءة الإنسان، والله يريد من كهنته التعفف.


تفسير سفر حزقيال الاصحاح الخامس والاربعون
شرائع للتقديس والعدل والأعياد
(1) أرض القدس والكهنة واللاويون والرئيس (ع1-8)
(2) العدل في الموازين والمكاييل والذبائح (ع9-17)
(3) تقديس البيت والأعياد (ع18-25)
(1) أرض القدس والكهنة واللاويون والرئيس (ع1-8):
1- «وَإِذَا قَسَمْتُمُ الأَرْضَ مِلْكًا، تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ قُدْسًا مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا طُولًا، وَالْعَرْضُ عَشَرَةُ آلاَفٍ. هذَا قُدْسٌ بِكُلِّ تُخُومِهِ حَوَالَيْهِ. 2- يَكُونُ لِلْقُدْسِ مِنْ هذَا خَمْسُ مِئَةٍ فِي خَمْسِ مِئَةٍ، مُرَبَّعَةٍ حَوَالَيْهِ، وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا مَسْرَحًا لَهُ حَوَالَيْهِ. 3- مِنْ هذَا الْقِيَاسِ تَقِيسُ طُولَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَعَرْضَ عَشَرَةِ آلاَفٍ، وَفِيهِ يَكُونُ الْمَقْدِسُ، قُدْسُ الأَقْدَاسِ. 4- قُدْسٌ مِنَ الأَرْضِ هُوَ. يَكُونُ لِلْكَهَنَةِ خُدَّامِ الْمَقْدِسِ الْمُقْتَرِبِينَ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ، وَيَكُونُ لَهُمْ مَوْضِعًا لِلْبُيُوتِ وَمُقَدَّسًا لِلْمَقْدِسِ. 5- وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا فِي الطُّولِ وَعَشَرَةُ آلاَفٍ فِي الْعَرْضِ تَكُونُ لِلاَّوِيِّينَ خُدَّامِ الْبَيْتِ لَهُمْ مِلْكًا. عِشْرُونَ مِخْدَعًا. 6- وَتَجْعَلُونَ مِلْكَ الْمَدِينَةِ خَمْسَةَ آلاَفٍ عَرْضًا وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا طُولًا، مُوازِيًا تَقْدِمَةَ الْقُدْسِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 7- «وَلِلرَّئِيسِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ مِنْ تَقْدِمَةِ الْقُدْسِ، وَمِنْ مِلْكِ الْمَدِينَةِ قُدَّامَ تَقْدِمَةِ الْقُدْسِ وَقُدَّامَ مِلْكِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ غَرْبًا، وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ شَرْقًا، وَالطُّولُ مُوَازٍ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ مِنْ تُخْمِ الْغَرْبِ إِلَى تُخْمِ الشَّرْقٍ. 8- تَكُونُ لَهُ أَرْضًا مِلْكًا فِي إِسْرَائِيلَ، وَلاَ تَعُودُ رُؤَسَائِي يَظْلِمُونَ شَعْبِي، وَالأَرْضُ يُعْطُونَهَا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَسْبَاطِهِمْ.
ع1: قام يشوع بتقسيم أرض كنعان بين الأسباط، ويكلم الله حزقيال أثناء السبي البابلي ويوصيه أنه عند العودة من السبي، أن يقسم أرض كنعان بين الأسباط. وعند هذا التقسيم أول شيء يخصص مكانًا للقدس، أي بيت الرب، وهذا المكان يكون عظيمًا، فتكون مساحته 25.000 × 10.000.
ويلاحظ أن الله لم يحدد وحدة القياس وغالبًا كانت بالقصبة، التي قاس بها الهيكل في بداية (حز 40)، وفى هذه الحالة تكون المساحة ضخمة جدًا؛ لأن القصبة تساوى أكثر من ستة أذرع، أي أكثر من ثلاثة أمتار، ولكن المقصود المعنى الرمزى، فهو يقصد كنيسة العهد الجديد وأن المؤمنين فيها ينبغى أن يعطوا أولًا مكانًا للرب في قلوبهم، ويكون مكانًا عظيمًا، إذ هو أساس حياتهم. و25 هو مضروب 5 × 5، أي استخدام الحواس الخمسة الخارجية والداخلية، فإن كان هناك البصر في الخارج فالبصيرة في الداخل ... وهكذا.
ورقم (10) يرمز للوصية، فوصايا الله في العهد القديم (10)، أي أن الكنيسة مبنية على أساس الجهاد حسب الوصية.
أما رقم (1000) فيرمز للأبدية، أي أن هذا هو الاستعداد للأبدية. ومن العجيب أن يهب الله الأرض لأولاده، ثم يطلب دليل محبتهم وتجاوبهم مع محبته، فيطلب نصيبه في الأرض التي وهبها لهم، حتى يظهر أهمية الإرادة الإنسانية وتجاوبها مع عمل النعمة.
ع2: هذه الأرض التي خصصت للقدس، يبنى في وسطها القدس، أي بيت الرب، وتكون مساحته 500 × 500. ولم يحدد أيضًا وحدة القياس؛ ليؤكد أن الأرقام رمزية. ورقم 500 هو مضروب 5 × 100 والخمسة هي الخمسة حواس، أي الجهاد الإنسانى، والـ100 هو عدد قطيع المسيح (التسعة والتسعين + الخروف الضال الذي يبحث عنه الراعى) أي المقصود جهاد كل المؤمنين بالكنيسة.
وبيت الرب مربع، أي يحوى المؤمنين من أركان العالم الأربع. وحوله مسرحٌ، أي مساحة فضاء، أو فناء للخدمات المرتبطة ببيت الرب، وهذه المساحة 50 ذراعًا من كل جانب. ولم يحدد هنا نوع الذراع هل هو ذراع إنسان، أو ملاك؛ لأن حزقيال رأى رؤيا وليست أحداث حقيقية، فالمقصود بالذراع وحدة رمزية. ورقم 50 هو مضروب 5 × 10، أي الجهاد بحسب الوصايا، ومعناه السلوك في قداسة، وهذا ما ينبغى أن يتصف به المؤمنون عندما يقتربون إلى بيت الرب.
ع3: يلخص الآيتين السابقتين في أن القدس يقع في وسط مساحة 25000 × 10000.
ع4: يقرر الله أن الكهنة سيسكنون في المساحة المخصصة للقدس حول بيت الرب (25,000 × 10.000)؛ لأن حياتهم هي مخصصة لمحبة الله وخدمته، بل هم ملتصقون به، فهم مكرسون قلبيًا وماديًا لله، لا يشغلهم إلا محبة الله وخدمته وجذب كل النفوس إليه.
ع5: يخصص الله مساحة بجوار مساحة القدس وبنفس مقاساته، فهي 25000 × 10000، ولا يذكر هنا أيضًا وحدة القياس؛ لأن الموضوع رمزى. والمعانى الرمزية لهذه المقاسات سبق ذكرها في (ع1).
ويظهر هنا اهتمام الله باللاويين خدام بيته أن يسكنوا بجواره مباشرة، لأن هدفهم الوحيد هو خدمته، إذ هم مكرسون له.
ويذكر أن لهم في مساحتهم عشرين مخدعًا. ورقم عشرين هو مضروب 5 × 4، أي استخدامهم كل حواسهم لخدمة المؤمنين من أركان المسكونة الأربعِ، فهم يحيون في هذه المخادع لخدمة أولاد الله في كل مكان.
والمخادع فيها يستريح الناس، فهذا يرمز إلى أن راحة اللاويين تكون في خدمة المؤمنين.
ع6: يخصص الله لشعبه الآتين لبيته مساحة 25000 × 5000، وقد سبق شرح المعنى الرمزى للأعداد في (ع1)، وهذا يبين اهتمام الله بكل نفس من المؤمنين الآتين لعبادته.
ع7: يخصص للرئيس، أي الملك مساحة على جانبى المساحات المذكورة، وهي مساحة سكنى اللاويين، ثم القدس، ثم مساحة المدينة التي يسكنها الشعب. أي يخصص للرئيس مساحتان، إحداهما من جهة الجنوب، والأخرى من الشمال.
الرئيس يرمز للمسيح، الذي يحيط بمدينة المؤمنين به، ويملك على قلوبهم.
وبهذا يكون الهيكل في منتصف هذه المنطقة، وهذا يرمز إلى القلب الذي في وسط الجسم، فيقدم عبادة ومشاعر روحية دائمة لله.
ع8: وبهذا يكون للرئيس وكل معاونيه المسئولين عن إدارة هذه المنطقة كلها مكانًا يسكنون فيه، وبالتالي لا يأخذون حقوق رعيتهم، ولا يظلمونهم، بل يسلك الرئيس ومعاونوه بالعدل.
لم يحدد الله المساحة للرئيس الموجودة على الجانبين، ولكنه حدد فقط طولها، أي حدود المساحات المذكورة؛ ليعلن أنه محيطٌ بشعبه وقد أخذ الرئيس ملكًا كافيًا، فلا يطمع في أماكن ملك رعيته، فهذا توجيه لكل الرؤساء والمسئولين في كل مكان ألا يستخدم أحد سلطانه لسلب حقوق غيره لمصلحته.
† إن كنت أبًا، أو رئيسًا في أي مكان، فاهتم أولًا برعاية من معك وراحتهم قبل نفسك، وثق أن الله قادر أن يشبعك، فتعطى أكثر مما تأخذه، وكلما أعطيت لغيرك يعطيك الله أكثر وأكثر.
إن كان القدس في مركز المساحات السابقة والكهنة يسكنون حوله فهم يرمزون إلى القلب المقدس لله. والرئيس يرمز إلى الذهن، أو العقل الذي يقود الإنسان، أما اللاويون الذين يحرسون القدس فيرمزون للحواس التي تحرس الإنسان، والشعب يرمز إلى الجسم كله، والكل مرتبط بالقدس الذي في الوسط، أي يحيون في قداسة.
وواضح مما سبق أن الله حدد أماكن لكل فئة، حتى يسود العدل ولا يجور أحد على نصيب الآخر، وبهذا يستطيع الكل أن يرفع قلبه بنقاوة أمام الله.
(2) العدل في الموازين والمكاييل والذبائح (ع9-17):
9- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: يَكْفِيكُمْ يَا رُؤَسَاءَ إِسْرَائِيلَ. أَزِيلُوا الْجَوْرَ وَالاغْتِصَابَ، وَأَجْرُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ. ارْفَعُوا الظُّلْمَ عَنْ شَعْبِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 10- مَوَازِينُ حَقّ، وَإِيفَةُ حَقّ، وَبَثُّ حَقّ تَكُونُ لَكُمْ. 11- تَكُونُ الإِيفَةُ وَالْبَثُّ مِقْدَارًا وَاحِدًا، لِكَيْ يَسَعَ الْبَثُّ عُشْرَ الْحُومَرِ، وَالإِيفَةُ عُشْرُ الْحُومَرِ. عَلَى الْحُومَرِ يَكُونُ مِقْدَارُهُمَا. 12- وَالشَّاقِلُ عِشْرُونَ جِيرَةً. عِشْرُونَ شَاقِلًا وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ شَاقِلًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ شَاقِلًا تَكُونُ مَنَّكُمْ. 13- « هذِهِ هِيَ التَّقْدِمَةُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا: سُدْسَ الإِيفَةِ مِنْ حُومَرِ الْحِنْطَةِ، وَتُعْطُونَ سُدْسَ الإِيفَةِ مِنْ حُومَرِ الشَّعِيرِ. 14- وَفَرِيضَةُ الزَّيْتِ بَثٌّ مِنْ زَيْتٍ. اَلْبَثُّ عُشْرٌ مِنَ الْكُرِّ، مِنْ عَشَرَةِ أَبْثَاثٍ لِلْحُومَرِ، لأَنَّ عَشَرَةَ أَبْثَاثٍ حُومَرٌ. 15- وَشَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الضَّأْنِ مِنَ الْمِئَتَيْنِ مِنْ سَقْيِ إِسْرَائِيلَ تَقْدِمَةً وَمُحْرَقَةً وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، لِلْكَفَّارَةِ عَنْهُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.16- وَهذِهِ التَّقْدِمَةُ لِلرَّئِيسِ فِي إِسْرَائِيلَ تَكُونُ عَلَى كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ.17- وَعَلَى الرَّئِيسِ تَكُونُ الْمُحْرَقَاتُ وَالتَّقْدِمَةُ وَالسَّكِيبُ فِي الأَعْيَادِ وَفِي الشُّهُورِ وَفِي السُّبُوتِ وَفِي كُلِّ مَوَاسِمِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَهُوَ يَعْمَلُ ذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ وَالتَّقْدِمَةَ وَالْمُحْرَقَةَ وَذَبَائِحَ السَّلاَمَةِ، لِلْكَفَّارَةِ عَنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ.
ع9: يبدو أن رؤساء شعب الله قد سلكوا بأنانية وظلموا الشعب لحسابهم، فيدعوهم الله للرجوع إلى العدل، ورفع كل المظالم، فيكونوا قدوة للشعب؛ حتى لا يظلم أحد الآخر. من هذا نفهم أنه بعدما يعطى الإنسان حق الله، كما ظهر في (ع1-8)، فتلقائيًا يكون قد تعلم العدل فيسلك به مع الآخرين؛ فلا يغتصب أي حق مستغلًا سلطانه، أو ضعف الآخر.
ع10، 11: الإيفة: مكيال للحبوب الجافة يساوى 22.9 لترًا.
البث : مكيال للسوائل يسع 22,9 لترًا، أي أن البث مكيال يساوى الإيفة.
الحومر : مكيال للحبوب الجافة يساوى عشرة أضعاف الإيفة، أي 229 لترًا.
يدعو الله الرؤساء وكل شعبه أن يلتزموا في تجارتهم بالموازين والمكاييل الصحيحة، أي يكون حجم المكاييل سليم؛ ليأخذ المشترى حقه.
ع12: المنا: (ويطلق عليه أحيانًا المن) يساوى 60 شاقلًا.
الشاقل : يساوى 20 جيرة، أي 12 جرامًا تقريبًا.
الجيرة : 0.6 جرامًا تقريبًا.
يؤكد الله قيمة العملات المستخدمة وقتذاك، فالشاقل يلزم أن يساوى 20 جيرة، والمنا يلزم أن يساوى 60 شاقلًا (20 + 25 + 15)، ويبدو أن هذه كانت العملات السائدة وقتذاك، أي العشرون والخمس وعشرون والخمسة عشر شاقلًا والتي مجموعها يكون المنا.
ع13: ينتقل الله للكلام عن العدل في تقديم حق الله، قبل أن يستخدم الإنسان ما يمتلكه من محاصيل، أو حيوانات؛ لأن الله هو صاحب ومعطى كل الأشياء للإنسان، فيطلب من شعبه أن يقدم سدس الإيفة من الحومر من منتجات الحبوب، مثل القمح والشعير، ولأن الحومر يساوى 100 إيفة، فالمطلوب أن يقدم الإنسان لله 1/600 من كل حومر يمتلكه.
القمح والشعير هما الطعام الأساسى لحياة الإنسان، فنحن عندما نقدم الحنطة والشعير للرئيس - كما يظهر في هذه الآيات - فهذا يرمز إلى:
أن البشرية قدمت للمسيح الجسد، أي أنه أخذ جسدنا وصار إنسانًا مثلنا بتجسده؛ ليموت عنا ويفدينا على الصليب.
المسيح بعدما أخذ جسدنا وفدانا على الصليب، يعطينا جسده ودمه على المذبح، تحت شكل الخبز المصنوع من الحنطة والشعير. وعندما نأكل جسده نحيا به، كما تقول تسبحة يوم الجمعة "هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له".
3- وعندما نتناول جسده ودمه ونحيا له تسرى فينا روح الفداء والحب الباذل ونقتدى به، فنقدم للمسيح في بذل، أي نضيع حياتنا من أجله، فنجدها ونربح الملكوت.
ع14: الكر = حومر = 229 لترًا تقريبًا، وهو عشرة أبثاث. أما من جهة الزيت فيقدم كل إنسان لله بث من كل كر، أو حومر يملكه.
والزيت يرمز لعمل الروح القدس، الذي يعطينا الله إياه، فنتجاوب معه، ونقدم أعمالًا صالحة بفعل روحه القدوس. أي أن الله أعطانا الروح القدس غير المحدود، الذي يرمز إليه كل الزيت الذي عندنا، فنتجاوب ونعطيه عشر الزيت، أي قدر ما نستطيع كبشر من أعمال صالحة.
ع15، 16: شاه: هي الحيوان الواحد من الضأن، أي الخروف.
سقى إسرائيل: هي الأرض التي تسقى بوفرة، فهي الأرض الجيدة، والمقصود أفضل الحيوانات التي ترعى في أجود الأراضي.
يأمر الله بتقديم شاة من كل 200 شاة يملكها الإنسان من شعبه. وتكون من أجود الحيوانات لتقدم لله كتقدمة، سواء كمحرقة، أو ذبيحة سلامة، وهما نوعان من الذبائح التي تقدم لله، كما أمر موسى في سفر اللاويين، وهي للتكفير عن الشعب، وترمز كلها لذبيحة الصليب.
ورقم 200 هو مجموع 100 + 100، ورقم 100 يرمز لشعب الله، كما ذكرنا في (ع2)، ويكون رقم 200 هو شعبه في العهدين القديم والجديد (100 + 100).
هذه التقدمات المذكورة يقدمها الشعب للرئيس، فيقدمها الرئيس عنهم أمام الله للتكفير عنهم.
وتقديم الشعب الذبائح للرئيس، يرمز للبشرية التي تقدم جسدها للمسيح، فيتجسد لأجل خلاصها ويفديها على الصليب؛ لأن على الرئيس تقديم الذبائح في كل المناسبات، كما سيظهر في (ع17)، أي أن المسيح هو المخلص لأولاده في جميع الظروف.
ع17: يطالب الله الرئيس أن يقدم الذبائح في الأعياد وفى رؤوس الشهور والسبوت، أي يقدم الذبائح كل عام في الأعياد المعروفة عند اليهود، وكل شهر وكل أسبوع، ويقدم جميع أنواع الذبائح والتقدمات التي أوصى بها الرب موسى، المذكورة في بداية سفر اللاويين. فهذا يبين مسئولية القائد عن شعبه وهذا رمز واضح عن المسيح رأس الكنيسة وفاديها. فالمسيح أخذ جسدنا وأعطانا فداءً على الصليب.
† إن كنت مسئولًا في بيتك، أو عملك، أو الكنيسة، أي خادمًا فيها، فتذكر المسيح فادى شعبه، حتى تضحى من أجل الكل لتريحهم وتكسبهم وتجمعهم في محبة، فالقائد هو الباذل، كما يذكر المسيح أن "الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11).
(3) تقديس البيت والأعياد (ع18-25):
18- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، تَأْخُذُ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ صَحِيحًا وَتُطَهِّرُ الْمَقْدِسَ. 19- وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَيَضَعُهُ عَلَى قَوَائِمِ الْبَيْتِ، وَعَلَى زَوَايَا خُصْمِ الْمَذْبَحِ الأَرْبَعِ، وَعَلَى قَوَائِمِ بَابِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ. 20- وَهكَذَا تَفْعَلُ فِي سَابعِ الشَّهْرِ عَنِ الرَّجُلِ السَّاهِي أَوِ الْغَوِيِّ، فَتُكَفِّرُونَ عَنِ الْبَيْتِ. 21- فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، يَكُونُ لَكُمُ الْفِصْحُ عِيدًا. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُؤْكَلُ الْفَطِيرُ. 22- وَيَعْمَلُ الرَّئِيسُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ ثَوْرًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 23- وَفِي سَبْعَةِ أَيَّامِ الْعِيدِ يَعْمَلُ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ: سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ صَحِيحَةٍ، كُلَّ يَوْمٍ مِنَ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ. وَكُلَّ يَوْمٍ تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 24- وَيَعْمَلُ التَّقْدِمَةَ إِيفَةً لِلثَّوْرِ، وَإِيفَةً لِلْكَبْشِ، وَهِينًا مِن زَيْتٍ لِلإِيفَةِ. 25- في الشَّهْرِ السَّابعِ، في الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، فِي الْعِيدِ يَعْمَلُ مِثْلَ ذلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَكَالْمُحْرَقَةِ وَكَالتَّقْدِمَةِ وَكَالزَّيْتِ.
إن سلك شعب الله بالقداسة والعدل ينال الفرح في الأعياد الإلهية؛ لذا يحدثنا هنا الله بعد كلامه عن القداسة والعدل، عن الفرح بالأعياد. والفرح يتم أيضًا بالذبائح التي ترمز للمسيح، والذي هو فرحنا الحقيقي.
ع18: يطلب الله في العيد الأول وهو رأس السنة، أي في الشهر الأول في أول الشهر أن يقدم شعبه ثورًا صحيحًا من البقر ذبيحة خطية لتطهير بيته.
إن كان الفرح في العهد القديم يتم بتقديم ذبيحة حيوانية، ففى العهد الجديد جميع أعياد الكنيسة تتم من خلال القداس الإلهي، أي ذبيحة المسيح غير الدموية.
ع19: خصم: سطح.
يتم تقديس بيت الرب بمسح قوائم البيت بدم ذبيحة الخطية، ثم زوايا خصم المذبح الأربع، أي زوايا سطح المذبح، وكذلك قوائم باب الدار الداخلية؛ لأن الخلاص في بيت الرب يقوم على الدم، كما أن حجر الأساس في الكنيسة هو دم المسيح. والمذبح في العهد القديم يقدس بدم الذبيحة، كما أن مذبح العهد الجديد يتقدس بذبيحة جسد الرب ودمه.
وقوائم الدار الداخلية ترمز لأهمية تقديس الحياة الداخلية للإنسان الروحي، فيكون القلب كله مكرس ومقدس لله.
† ليتك لا تنسى أن قلبك مقدس لله فترفض كل فكر شرير، أو مشاعر ردية، ولا تنزعج من أي مشاكل خارجية ما دام الله يسكن في قلبك ويقدسه له، فيعطيك طمأنينة وفرحًا حتى وسط الضيقات.
ع20، 21: الساهى: الذي يعمل خطيته سهوًا دون قصد.
الغوى : الذي يعمل الشر بإرادته وبوعى كامل.
ينبه الله إلى تقديم ذبيحة للخطية في اليوم السابع من الشهر الأول للتكفير عن الذين أخطأوا بإرادتهم، أو بغير إرادتهم، بمعرفة، أو بغير معرفة، كما أن الكنيسة في العهد الجديد تصلى عن المخطئ بمعرفة، أو بغير معرفة، بالإرادة، أو بغير الإرادة. وبتقديس شعب الله وتطهيرهم وهم الساهى والغوى يتقدس بيت الله؛ لأن بيت الله ليس فقط المكان، بل بالأكثر المؤمنين الذين فيه.
ونرى هنا رجاء لكل إنسان خاطئ، سواء كان ساهيًا، أو متعمدًا، فالله يريد أن الجميع يخلصون ويتوبون ويرجعون إليه. وبتوبة شعب الله يشعرون بالفرح ويفرح الله أيضًا بهم.
يحدث الله شعبه عن أهم الأعياد وهو عيد الفصح، الذي يتم في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، وهو رمز واضح لذبيحة المسيح على الصليب، ويشترك فيه كل شعب الله، ويأكل منه، كما يأكل المؤمنون في العهد الجديد من جسد الرب ودمه، ثم يستمرون في الفرح والاحتفال بهذا العيد سبعة أيام أخرى يأكلون فيها الفطير، أي الخبز الذي بلا خمير؛ إعلانًا لأهمية القداسة والطهارة؛ لأن الخمير يرمز للشر.
ع22: يأمر الرئيس أن يقدم ذبيحة خطية عن نفسه وعن كل الشعب، والرئيس كما ذكرنا يرمز للمسيح الذي قدم نفسه ذبيحة عن كل البشرية.
ع23: في سبعة أيام الفطير التي بعد عيد الفصح يقدم كل يوم سبعة ثيران وسبعة كباش محرقات للرب، ويقدم أيضًا كل يوم تيسًا ذبيحة خطية.
ورقم 7 يرمز لكمال العمل الإلهي، كما في السبعة أسرار. وكل هذه الذبائح ترمز لجوانب من ذبيحة الصليب، فالمحرقة إرضاءً للرب، وذبيحة الخطية تكفيرًا عن خطايا الشعب.
ع24: هين: مكيال للسوائل يساوى 4 لتر.
يقدم مع كل ذبيحة تقدمة دقيق مقداره إيفة، سواء للثور، أو للكبش، ويقدم أيضًا مقدار من الزيت هو الهين. والدقيق يرمز لجسد المسيح، والزيت يرمز للروح القدس، أي أن المسيح قدم ذاته ذبيحة عنا، والروح القدس يعمل فينا؛ لنحيا لله إلى الأبد.
ع25: العيد الأخير الذي يذكره هنا هو عيد عظيم يُعمل في الشهر السابع في اليوم الخامس عشر منه وهو عيد المظال، الذي يترك أولاد الله فيه بيوتهم ويسكنون في مظال؛ ليتذكروا غربتهم عن العالم ويهتموا بروحياتهم فقط، وبهذا يفرحون ويكون العيد لمدة 7 أيام، يقدمون فيها ذبائح الخطية والمحرقات والتقدمات والزيت على مذبح الله (لا23: 34-43).
وهكذا رأينا صور للفرح في الأعياد، ففى رأس السنة، أي اليوم الأول من الشهر الأول (ع18) نفرح بالمسيح رأس الجسد الذي هو الكنيسة وهو رأس أعيادنا وفرحنا.
وفى اليوم السابع من الشهر الأول يفرح الخطاة، إذ لهم رجاء سواء الساهى، أو الغوى (ع20).
أما عيد الفصح الذي يأتي في الشهر الأول في اليوم الرابع عشر منه، ويليه عيد الفطير (ع21)، فهو فرح واضح بالمسيح الفادى والحياة النقية، التي يتمتع بها المؤمنون به.
وأخيرًا يفرح أولاد الله بغربتهم عن العالم ونظرهم إلى الأبدية، وذلك في عيد المظال (ع25).

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السادس والاربعون
شرائع جديدة رمزية
(1) دخول الرئيس وتقدماته (ع1-15)
[2] الرئيس وقوانين الوراثة (ع16-18)
[3] مطابخ الهيكل (ع19-24)
(1) دخول الرئيس وتقدماته (ع1-15):
1-« هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: بَابُ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ الْمُتَّجِهُ لِلْمَشْرِقِ يَكُونُ مُغْلَقًا سِتَّةَ أَيَّامِ الْعَمَلِ، وَفِي السَّبْتِ يُفْتَحُ. وَأَيْضًا فِي يَوْمِ رَأْسِ الشَّهْرِ يُفْتَحُ. 2- وَيَدْخُلُ الرَّئِيسُ مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ مِنْ خَارِجٍ وَيَقِفُ عِنْدَ قَائِمَةِ الْبَابِ، وَتَعْمَلُ الْكَهَنَةُ مُحْرَقَتَهُ وَذَبَائِحَهُ السَّلاَمِيَّةَ، فَيَسْجُدُ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ ثُمَّ يَخْرُجُ. أَمَّا الْبَابُ فَلاَ يُغْلَقُ إِلَى الْمَسَاءِ. 3- وَيَسْجُدُ شَعْبُ الأَرْضِ عِنْدَ مَدْخَلِ هذَا الْبَابِ قُدَّامَ الرَّبِّ فِي السُّبُوتِ وَفِي رُؤُوسِ الشُّهُورِ. 4- وَالْمُحْرَقَةُ الَّتِي يُقَرِّبُهَا الرَّئِيسُ لِلرَّبِّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ: سِتَّةُ حُمْلاَنٍ صَحِيحَةٍ وَكَبْشٌ صَحِيحٌ. 5- وَالتَّقْدِمَةُ إِيفَةٌ لِلْكَبْشِ، وَلِلْحُمْلاَنِ تَقْدِمَةُ عَطِيَّةِ يَدِهِ، وَهِينُ زَيْتٍ لِلإِيفَةِ. 6- وَفِي يَوْمِ رَأْسِ الشَّهْرِ: ثَوْرٌ ابْنُ بَقَرٍ صَحِيحٌ وَسِتَّةُ حُمْلاَنٍ وَكَبْشٌ تَكُونُ صَحِيحَةً. 7- وَيَعْمَلُ تَقْدِمَةً إِيفَةً لِلثَّوْرِ وَإِيفَةً لِلْكَبْشِ. أَمَّا لِلْحُمْلاَنِ فَحَسْبَمَا تَنَالُ يَدُهُ، وَلِلإِيفَةِ هِينُ زَيْتٍ. 8- «وَعِنْدَ دُخُولِ الرَّئِيسِ يَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ يَخْرُجُ. 9- وَعِنْدَ دُخُولِ شَعْبِ الأَرْضِ قُدَّامَ الرَّبِّ فِي الْمَوَاسِمِ، فَالدَّاخِلُ مِنْ طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ لِيَسْجُدَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ بَابِ الْجَنُوبِ، وَالدَّاخِلُ مِنْ طَرِيقِ بَابِ الْجَنُوبِ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ. لاَ يَرْجعُ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ، بَلْ يَخْرُجُ مُقَابِلَهُ. 10- وَالرَّئِيسُ فِي وَسْطِهِمْ يَدْخُلُ عِنْدَ دُخُولِهِمْ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِمْ يَخْرُجُونَ مَعًا. 11- وَفِي الأَعْيَادِ وَفِي الْمَوَاسِمِ تَكُونُ التَّقْدِمَةُ إِيفَةً لِلثَّوْرِ وَإِيفَةً لِلْكَبْشِ. وَلِلْحُمْلاَنِ عَطِيَّةُ يَدِهِ، وَلِلإِيفَةِ هِينُ زَيْتٍ. 12- وَإِذَا عَمِلَ الرَّئِيسُ نَافِلَةً، مُحْرَقَةً أَوْ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، نَافِلَةً لِلرَّبِّ، يُفْتَحُ لَهُ الْبَابُ الْمُتَّجِهُ لِلْمَشْرِقِ، فَيَعْمَلُ مُحْرَقَتَهُ وَذَبَائِحَهُ السَّلاَمِيَّةَ كَمَا يَعْمَلُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثُمَّ يَخْرُجُ. وَبَعْدَ خُرُوجِهِ يُغْلَقُ الْبَابُ.13- وَتَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ حَمَلًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. صَبَاحًا صَبَاحًا تَعْمَلُهُ. 14- وَتَعْمَلُ عَلَيْهِ تَقْدِمَةً صَبَاحًا صَبَاحًا سُدْسَ الإِيفَةِ، وَزَيْتًا ثُلُثَ الْهِينِ لِرَشِّ الدَّقِيقِ. تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ، فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً دَائِمَةً. 15- وَيَعْمَلُونَ الْحَمَلَ وَالتَّقْدِمَةَ وَالزَّيْتَ صَبَاحًا صَبَاحًا مُحْرَقَةً دَائِمَةً.
هذه الشرائع لم ينفذوها وساروا على شريعة موسى؛ لأنهم فهموا أن هذه الشرائع ستتم في المستقبل. ومعنى هذا أن هذه الشرائع رمزية ستتم في العهد الجديد.
ع1: يحدثنا الله هنا عن الباب الشرقى الذي للدار الداخلية، ويعلن الله أنه يكون مغلقًا دائمًا، ولا يفتح إلا في يوم السبت وفى رأس الشهر. والسبت هو اليوم الذي استراح فيه الله بعد خلقة العالم. وراس الشهر يرمز للبداية الجديدة وقيامة المسيح. فالباب الشرقى الذي يفتح في السبت يرمز لراحة الله؛ لأنه تجسد في الشرق ومات وفدانا في الشرق، أي بجوار أورشليم، وقام من الأموات ليعطينا بداية جديدة فيه.
وقد تم التجسد من خلال أمنا العذراء، فالباب الشرقى يرمز للعذراء، كما يرمز للراحة والفداء والقيامة.
يلاحظ أن الله تحدث عن الباب الشرقى الخارجي في (حز 44: 1) الذي دخل منه الله ولا يدخل منه إنسان ويظل مغلقًا، وهو يرمز للعذراء، كما قلنا، وكلامه هنا عن الباب الشرقى الذي للدار الداخلية وهو أيضًا كما ذكرنا يرمز للعذراء.
إذن فالباب الشرقى الذي يُفتح في السبت وأول الشهر يرمز للمعانى الآتية:
راحة الله وفرحه بخلاص البشرية.
راحة المؤمنين بالمسيح الفادى.
قيامة المسيح هي البداية الجديدة للمؤمنين به.
العذراء التي تجسد المسيح منها وأعطى راحة للبشرية.
ع2: دخول الرئيس الذي يرمز للمسيح من رواق، أى فناء الباب الشرقى، ويصل إلى الباب يرمز لتجسده وطاعته حتى الصليب والفداء. وتظهر الطاعة أيضًا في سجوده، أي خضوعه ليتم خلاص البشرية.
ووصول الرئيس إلى باب الدار الداخلية يرمز لعمل المسيح في حياتنا الداخلية طوال النهار، أي طوال حياتنا قبل المساء. ثم يغلق الباب عند المساء، وهذا يرمز لنهاية حياتنا؛ لذا ففرصتنا هي أثناء عمرنا أن نتجاوب مع عمل الله فينا.
وعمل الكهنة، محرقته وذبائحه السلامة، ترمز لصلب كهنة اليهود المسيح على الصليب. أما خروج الرئيس من الباب فيرمز لقيامة المسيح.
وإن كان الباب الشرقى يرمز للعذراء، فسجود الرئيس، أي المسيح يرمز لتجسده من العذراء وخضوعه لها (لو2: 51).
واستمرار الباب الشرقى مفتوحًا حتى المساء يرمز لعمل المسيح الكفارى طوال حياة العالم؛ لأن المساء يرمز لنهاية العالم ويوم الدينونة.
ع3: سجود الشعب عند الباب الشرقى يرمز لإيمانهم بالمسيح، الذي فيه راحة قلوبهم وقيامتهم فيه.
وإن كان الباب الشرقى يرمز للعذراء، فسجود الشعب يرمز لإيمانهم بمكانة العذراء كوالدة الإله وتكريمهم لها.
ع4-7: يعلن الله تفاصيل تقدمات الرئيس، سواء من الذبائح، أو تقدمات الدقيق والزيت. والذبائح توفى العدل الإلهي، والدقيق يرمز لجسد المسيح، والزيت للروح القدس، كل هذه جوانب من ذبيحة المسيح على الصليب، الذي هو حمل بلا عيب، قدم نفسه عن حياة العالم.
ويقول الله أن الرئيس يقدم "عطية يده" أو "حسبما تنال يده" لأن العطاء في العهد الجديد لا يقتصر على العشور فقط، بل ما هو أكثر من هذا قدر ما يستطيع أن يعطى؛ لأن المسيح أعطانا حياته كلها على الصليب، فنحن نعطيه قدر ما نستطيع.
† تأمل عطايا الله لك واشكره عليها، فيفرح قلبك وتتحرك مشاعرك نحو الله وكل المحتاجين؛ فتعطى بسخاء لكل احتياج.
ع8: يظهر الله أن الرئيس يدخل من طريق رواق الباب، ويخرج أيضًا من خلاله. وطريق رواق الباب الذي يدخل منه الرئيس وحده يرمز لاجتياز المسيح المعصرة وحده وموته عنا وقيامته بقوته.
ع9: يأمر الله شعبه أن يدخلوا من باب الشمال، أو الجنوب، ولكن بشرط أن من يدخل من الشمال يخرج من الجنوب، والذي يدخل من الباب الجنوبى يخرج من الباب الشمالى، وذلك معناه الآتي:
أن الإنسان ينظر إلى أمامه ليتقدم دائمًا في حياته الروحية "أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام" (فى3: 13).
الاستمرار في الجهاد والنمو الروحي وعدم العودة، أو الانتكاسة مما سرنا فيه من خطوات الحياة الروحية.
أن فرصة العمر واحدة، والوقت الذي يمر لا يمكن أن نستعيده، وهذا يجعلنا نستغل وقتنا بكل تدقيق واهتمام.
ع10: يوضح الله أن الرئيس في وسط شعبه، ويدخل ويخرج في نفس الوقت الذي يدخلون ويخرجون فيه، وهذا يعنى ما يلي:
اهتمام القائد الروحي أن يكون وسط شعبه ليشاركهم حياتهم وجهادهم الروحي، وهذا ما فعله المسيح الرئيس الذي تجسد وتألم بآلامنا ليشعرنا بقربه منا، وكما قيل عنه "لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18).
أن الله ينظر للقائد وجميع المؤمنين بنظرة واحدة، ويحاسب كل واحد بحسب أعماله.
ع11: يوضح الله أن الرئيس في تقديمه الذبائح يقدم معها دقيقًا بمقدار إيفة، وزيتًا بمقدار هين، كل هذه كما ذكرنا ترمز لذبيحة الصليب، أي الذبائح والدقيق بالإضافة للزيت الذي يرمز للروح القدس.
ع12: نافلة: تقدمة اختيارية يقدمها الإنسان محبة لله، وليس لها علاقة بخطية، أو أي أوامر من الله.
عندما يقدم الرئيس محرقة، أو ذبيحة سلامة كنافلة لله يدخل من الباب الشرقى ويخرج منه ويغلق الباب؛ لأنه لا يفتح إلا للرئيس - كما ذكرنا - والنافلة ترمز لتقديم المسيح نفسه ذبيحة لأجلنا بإرادته وحده، محبة فينا ليفدينا (يو10: 18).
ع13-15: حوليا: حيوان عمره سنة.
يأمر الله أن يقدم له في كل صباح محرقة، هي حملًا صحيحًا حوليًا مع دقيقه وزيته، ويستمر هذا جميع الأيام إلى الأبد.
وكانت شريعة موسى تقضى بأن يقدم محرقة لله صباحًا ومساءً كل يوم، أما هنا فتقضى شريعة الله الجديدة بأن يكون صباحًا فقط، لأن المساء يعنى انتظار صباح تالى، وهذا يرمز لانتظار العهد القديم فجر المسيحية، أما هذه الشريعة فتتم في العهد الجديد، حيث يقدم الحمل الذي هو المسيح في كل صباح، أي في القداسات، ولا حاجة لعمل قداسات في المساء، هذا يستمر كل الأيام إلى نهاية العالم. وفى الأبدية يقوم الحمل الذي بلا عيب في وسط المؤمنين، أي المسيح الذي هو شبع ونور الملكوت لكل أولاده إلى الأبد.
[2] الرئيس وقوانين الوراثة (ع16-18)
16- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنْ أَعْطَى الرَّئِيسُ رَجُلًا مِنْ بَنِيهِ عَطِيَّةً، فَإِرْثُهَا يَكُونُ لِبَنِيهِ. مُلْكُهُمْ هِيَ بِالْوَرَاثَةِ. 17- فَإِنْ أَعْطَى أَحَدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَطِيَّةً مِنْ مِيرَاثِهِ فَتَكُونُ لَهُ إِلَى سَنَةِ الْعِتْقِ، ثُمَّ تَرْجعُ لِلرَّئِيسِ. وَلكِنَّ مِيرَاثَهُ يَكُونُ لأَوْلاَدِهِ. 18- وَلاَ يَأْخُذُ الرَّئِيسُ مِنْ مِيرَاثِ الشَّعْبِ طَرْدًا لَهُمْ مِنْ مُلْكِهِمْ. مِنْ مُلْكِهِ يُورِثُ بَنِيهِ، لِكَيْلاَ يُفَرَّقَ شَعْبِي، الرَّجُلُ عَنْ مِلْكِهِ».
ع16، 17: الرئيس يورث ممتلكاته لأبنائه، أما عبيده فإن أعطاهم عطايا، تكون في فترة وجودهم معه، وعندما يعتقهم، سواء في السنة السابعة، أو في السنة الخمسين، فيتحررون ويخرجون من عنده. أما عطاياه لهم فتعود إليه، ويورث ممتلكاته الخاصة فقط لأولاده، وهذا معناه أن الذي يرث الرئيس فقط هو الابن. والرئيس يرمز للمسيح، والأبناء هم نحن المؤمنين، الذين لنا ميراث الحياة الأبدية (رو8: 16، 17) أما العبيد فيرمزون لمن يتعاملون مع الله لإتمام أغراضهم الشخصية، أو غير المؤمنين.
ع18: ما دام الله قد أعطى الرئيس أرضًا يورثها لأولاده، فلا يحتاج أن يستخدم سلطانه؛ ليستولى على بعض الأراضي من شعبه، فهذا ظلم، والله يأمره ألا يأخذ أرضًا من شعبه، لأنها ليست من حقه، كما فعل آخاب واغتصب حقل نابوت اليزرعيلى وقتله ولحست الكلاب دمه، فوبخه إيليا، وأعلمه أنه سيموت لأجل شره وظلمه لنابوت، وستلحس الكلاب أيضًا دمه (1 مل21: 19).
† إياك أن تستخدم سلطانك لمصلحتك الشخصية، فإمكانياتك هي هبة من الله لتخدم بها من حولك، وسيحاسبك الله عنها. فلا تظلم إنسانًا، بل على العكس قدم محبة للكل. أما إن أصابك ظلمًا، فالله سيعوضك بسلام في الأرض وبركات، أما في السماء فبالحياة الأبدية.
[3] مطابخ الهيكل (ع19-24):
19- ثُمَّ أَدْخَلَنِي بِالْمَدْخَلِ الَّذِي بِجَانِبِ الْبَابِ إِلَى مَخَادِعِ الْقُدْسِ الَّتِي لِلْكَهَنَةِ الْمُتَّجِهَةِ لِلشِّمَالِ، وَإِذَا هُنَاكَ مَوْضِعٌ عَلَى الْجَانِبَيْنِ إِلَى الْغَرْبِ. 20- وَقَالَ لِي: «هذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْبُخُ فِيهِ الْكَهَنَةُ ذَبِيحَةَ الإِثْمِ وَذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ، وَحَيْثُ يَخْبِزُونَ التَّقْدِمَةَ، لِئَلاَّ يَخْرُجُوا بِهَا إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ لِيُقَدِّسُوا الشَّعْبَ». 21- ثُمَّ أَخْرَجَنِي إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ وَعَبَّرَنِي عَلَى زَوَايَا الدَّارِ الأَرْبَعِ، فَإِذَا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنَ الدَّارِ دَارٌ. 22- فِي زَوَايَا الدَّارِ الأَرْبَعِ دُورٌ مُصَوَّنَةٌ طُولُهَا أَرْبَعُونَ وَعَرْضُهَا ثَلاَثُونَ. لِلزَّوَايَا الأَرْبَعِ قِيَاسٌ وَاحِدٌ. 23- وَمُحِيطَةٌ بِهَا حَافَةٌ حَوْلَ الأَرْبَعَةِ، وَمَطَابِخُ مَعْمُولَةٌ تَحْتَ الْحَافَاتِ الْمُحِيطَةِ بِهَا. 24- ثُمَّ قَالَ لِي: «هذَا بَيْتُ الطَّبَّاخِينَ حَيْثُ يَطْبُخُ خُدَّامُ الْبَيْتِ ذَبِيحَةَ الشَّعْبِ».
ع19: أمر الله بإقامة مطبخين في الدار الداخلية، في الزاويتين ناحية الغرب، حيث مخادع الكهنة؛ ليطبخ الكهنة في هذه المطابخ اللحم المقدس لذبائح الخطية والإثم، ويخبزون التقدمات من خبز وعجائن مختلفة؛ لأنه مسموح للكهنة أن يأكلوا جزءًا من هذه الذبائح، ولكن يأكلوه في المكان المقدس، أي بجوار الهيكل وليس في الساحات الخارجية التي يقف فيها الشعب.
وإقامة هذه المطابخ لها سببان:
ليأكل الكهنة اللحم المطبوخ في المكان المقدس، أي في الدار الداخلية، وهذا يرمز إلى أن الكاهن في خلوته يشبع بالله، وحينئذ يستطيع أن يعطى شعبه عندما يخدمهم مما اختبره في حياته الداخلية.
عندما يأكل الكاهن في الدار الداخلية لا يحتاج أن يخرج اللحم المقدس إلى الدار الخارجية، عندما يخرج ليقدس الشعب ويباركه. ومن يخرج اللحم المقدس، فهو يخطئ إلى شريعة الله، وهذا ما حدث بعد السبي، ووبخ حجى النبي الكهنة عليه، لأنهم أخرجوا اللحم المقدس إلى الشعب من أجل مكاسب مادية (حجى2: 11، 12).
† اهتم بفترة خلوة تقضيها مع الله على الأقل كل أسبوع تتأمل فيها محبته، وتشكره، وتقدم توبة عن خطاياك، ويساعدك في هذه الخلوة الصلاة، والكتاب المقدس، والتسبحة، والترانيم، والكتب الروحية.
وقد دخل حزقيال من باب الشمال الذي يرمز للشر، إذ منه هاجمت الأمم أورشليم، مثل أشور وبابل، وهذا يرمز إلى أن الإنسان الذي يترك الشر ويدخل إلى الدار الداخلية، أي الحياة الداخلية مع الله، يخلص ويشبع به.
يلاحظ أن المطابخ عملت في زاويتى الدار الداخلية ناحية الغرب، أي بجوار قدس الأقداس، وهذا يرمز إلى أن من يقترب إلى حضرة الله يشبع بحبه.
ع21: عندما خرج حزقيال أثناء رؤياه إلى الدار الخارجية، رأى دارًا في كل زاوية من الزوايا الأربع، والمقصود بهذا الدار مطبخ، أى أربعة مطابخ في الأركان الأربعة وطبخ اللحم في المطابخ الأربعة يرمز إلى إشباع جميع المؤمنين من أركان المسكونة الأربعة.
ع22-24: مصونة : أي حولها سور من جميع الجهات.
المطابخ الأربعة التي في الدار الخارجية يطبخ فيها لحم ذبائح السلامة ويأكل منها الشعب. كان كل مطبخ عبارة عن مكان طوله أربعين وعرضه ثلاثين، ومحاط بسور منخفض، وتوضع النار في داخل هذه المساحة، ويوضع عليها لحم ذبائح ليطبخ، وهو يشبه "الكانون" الذي كان يستخدم قديمًا في المنازل قبل ظهور "وابور الجاز" والذي تم اختراع البوتاجاز ليحل محله. وتحت السور المحيط بالمطابخ توجد فتحات، ليدخل فيها الهواء حتى لا تنطفئ النار، عندما توضع الذبائح فوقها.
المطابخ الموجودة للشعب تبين اهتمام الله بإشباع أولاده، وليس فقط الكهنة خدامه. ومن يدخل إلى الله ولو لبعض خطوات، (أى الدار الخارجية) له شبع، ومن يتعمق ويدخل إلى الدار الداخلية ينال شبعًا خاصًا.
مقاس المطبخ 40 × 30، ولم يذكر له وحدة قياس لأنه رمزى، فرقم 3 يرمز للثالوث و4 إلى أركان العالم، و10 لوصايا الله، فمن يؤمن بالثالوث القدوس ويحيا بوصايا الله في أركان العالم الأربع يكون له شبع روحي.
والسور المصنوع حول النار الموقدة له فائدة في حفظ النار ومواد الاشتعال واللحم الذي يوضع فوقها، وهو يرمز إلى أهمية أن يصون الإنسان حياته الروحية وشبعه من الله، أى يتمسك بممارساته الروحية كقانون روحي؛ لتحفظ حياته مع الله.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح السابع والاربعون
المياه المقدسة والأرض المقدسة
(1) المياه المقدسة (ع1-12)
[2] الأرض المقدسة (ع13-23)
(1) المياه المقدسة (ع1-12):
1- ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمِيَاهٍ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ عَتَبَةِ الْبَيْتِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، لأَنَّ وَجْهَ الْبَيْتِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ. وَالْمِيَاهُ نَازِلَةٌ مِنْ تَحْتِ جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْمَنِ عَنْ جَنُوبِ الْمَذْبَحِ. 2- ثُمَّ أَخْرَجَنِي مِنْ طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ وَدَارَ بِي فِي الطَّرِيقِ مِنْ خَارِجٍ إِلَى الْبَابِ الْخَارِجِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَتَّجِهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَإِذَا بِمِيَاهٍ جَارِيَةٍ مِنَ الْجَانِبِ الأَيْمَنِ. 3- وَعِنْدَ خُرُوجِ الرَّجُلِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْخَيْطُ بِيَدِهِ، قَاسَ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ، وَالْمِيَاهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. 4- ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ، وَالْمِيَاهُ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا وَعَبَّرَنِي، وَالْمِيَاهُ إِلَى الْحَقْوَيْنِ. 5- ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا، وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أَسْتَطِعْ عُبُورَهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ، مِيَاهَ سِبَاحَةٍ، نَهْرٍ لاَ يُعْبَرُ. 6- وَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ؟». ثُمَّ ذَهَبَ بِي وَأَرْجَعَنِي إِلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. 7- وَعِنْدَ رُجُوعِي إِذَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. 8- وَقَالَ لِي: «هذِهِ الْمِيَاهُ خَارِجَةٌ إِلَى الدَّائِرَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَتَنْزِلُ إِلَى الْعَرَبَةِ وَتَذْهَبُ إِلَى الْبَحْرِ. إِلَى الْبَحْرِ هِيَ خَارِجَةٌ فَتُشْفَى الْمِيَاهُ.9- وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا. وَيَكُونُ السَّمَكُ كَثِيرًا جِدًّا لأَنَّ هذِهِ الْمِيَاهَ تَأْتِي إِلَى هُنَاكَ فَتُشْفَى، وَيَحْيَا كُلُّ مَا يَأْتِي النَّهْرُ إِلَيْهِ. 10- وَيَكُونُ الصَّيَّادُونَ وَاقِفِينَ عَلَيْهِ. مِنْ عَيْنِ جَدْيٍ إِلَى عَيْنِ عِجْلاَيِمَ يَكُونُ لِبَسْطِ الشِّبَاكِ، وَيَكُونُ سَمَكُهُمْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَسَمَكِ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ كَثِيرًا جِدًّا. 11- أَمَّا غَمِقَاتُهُ وَبِرَكُهُ فَلاَ تُشْفَى. تُجْعَلُ لِلْمِلْحِ. 12- وَعَلَى النَّهْرِ يَنْبُتُ عَلَى شَاطِئِهِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ كُلُّ شَجَرٍ لِلأَكْلِ، لاَ يَذْبُلُ وَرَقُهُ وَلاَ يَنْقَطِعُ ثَمَرُهُ. كُلَّ شَهْرٍ يُبَكِّرُ لأَنَّ مِيَاهَهُ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَقْدِسِ، وَيَكُونُ ثَمَرُهُ لِلأَكْلِ وَوَرَقُهُ لِلدَّوَاءِ.
ع1: هذا الجزء من الرؤيا التي رآها حزقيال يحدثنا عن الروح القدس، فيعلن أن المسيح أرجع حزقيال إلى مدخل البيت، أي أن المسيح يعيد للإنسان طبيعته الجديدة من خلال الكنيسة في جرن المعمودية؛ لأن المعمودية تجديد لطبيعة الإنسان، أو ميلاد ثانى له؛ لتصبح طبيعته مائلة للتشبه بالله وعمل الخير.
رأى حزقيال المياه تخرج من تحت عتبة البيت وهذا يعنى أن الروح القدس:
يعمل في النفوس المتضعة بفيض كثير.
يعمل في هدوء في الخفاء في الإنسان الداخلي؛ ليغير طبيعة الإنسان وينير قلبه بمعرفة الله.
وجه البيت كان نحو المشرق، فهو يتكلم هنا عن الكنيسة التي تتجه نحو الشرق، فالروح القدس يفيض من الكنيسة من خلال أسرارها المقدسة ووسائط النعمة.
المذبح هو صليب المسيح وقبره، فالمياه التي ترمز للروح القدس، تفيض من جنب المسيح، الذي طعن بالحربة لأجلنا، وبدمه الذي فاض من جنبه تأسست الكنيسة.
وجانب البيت الأيمن يبين قوة عمل الروح القدس؛ لأن اليمين يرمز إلى القوة. وجنوب المذبح هو الجانب الأيمن له، أي تأكيد قوة عمل الروح القدس.
إن مدخل البيت نحو المشرق هو الباب الشرقى، الذي دخل منه الرئيس وحده وليس الشعب (حز 46: 1-15). والرئيس هو المسيح. الذي تجسد من العذراء ودخل وخرج من الباب الشرقى والباب ظل مغلقًا لا يدخله أحد (حز 44: 1-3). وإذ تجسد المسيح وفدانا على الصليب وقام من الأموات أعطانا الروح القدس، الذي حل على الكنيسة يوم الخمسين، وفاض فيها بكل عطاياه ومواهبه.
ع2: كان حزقيال أمام باب الشرق الذي للدار الداخلية، كما ظهر في (ع1)، ثم أخرجه المسيح، أي الرجل اللابس الكتان، من باب الشمال إلى الخارج، وجاء به إلى الباب الشرقى الخارجي، فوجد المياه تخرج أيضًا من الجانب الأيمن للباب الشرقى.
والشمال هو الجهة التي تأتى منها الهجمات على شعب الله، مثل هجوم الأشوريين والبابليين، فهي ترمز إلى حروب الشيطان.
فاجتاز حزقيال هذه الحروب الشيطانية، أي من باب الشمال، وأتى من الخارج؛ ليدخل من الباب الشرقى، حيث ولد المسيح في الشرق، وأتم الفداء وأعطى خلاصه من خلال كنيسته بروحه القدوس، الذي ترمز إليه المياه الخارجة من الجانب الأيمن، والجانب الأيمن، كما قلنا يرمز لعمل الروح القدس. والخلاصة أن الروح القدس هو الذي يجتاز بالإنسان لينتصر في حروبه ضد الشيطان؛ ليدخل به من خارج الكنيسة؛ ليدخل ويجد حياته فيها من خلال الاسرار المقدسة التي يهبها الروح القدس.
ع3: الخيط: الخيط، أو الحبل هو وسيلة القياس القديمة للأطوال.
الذراع : حوالي 50 سم.
الرجل كما قلنا هو المسيح، فخروجه نحو المشرق يرمز لولادة المسيح في الشرق. وقاس بالخيط الذي في يده ودخل إلى البحر مسافة ألف ذراع، ورقم ألف يرمز للحياة السماوية. وعندما أدخل حزقيال هذه الألف ذراع، وجد حزقيال أن المياه وصلت إلى كعبيه، والكعبان يرمزان إلى القدرة على المشى، أي الجهاد الروحي، ولكن في بدايته، أي مازالت المياه تغطى فقط الكعبين، ومازال الإنسان قادرًا أن يمشى بإرادته على الأرض داخل الماء؛ لأنه سيأتى وقت يتقدم روحيًا ويسلم نفسه تمامًا للمسيح، كما سنرى في الآيات التالية. أى أن هذه هي بداية الحياة الروحية، والعلاقة مع الله، والسير في طريق الملكوت بمعونة الروح القدس، أي الماء، ولكن عمل الروح القدس مازال محدودًا لا يغطى إلا الكعبين؛ لأن الإنسان مازال مبتدئًا.
ع4: الحقوين: المنطقة التي تلى الوسط إلى أسفل.
قاس المسيح أيضًا مسافة ألف ذراع ثانية داخل الماء ومعه حزقيال، فوصلت المياه إلى ركبتى حزقيال، أي أن المسيح بحياته على الأرض يقدم للإنسان مثالًا للسلوك في الحياة الروحية بقوة الروح القدس، فيدخل الإنسان إلى العمق، إذ أن الركبتين ترمزان للصلاة والميطانيات (السجود)، فعندما يتقدم الإنسان في حياته الروحية تزداد صلواته وخضوعه أمام الله.
ثم قاس الرجل ألف ذراع ثالثة داخل الماء، فوصلت المياه إلى الحقوين، وهي ترمز لشهوات البطن وباقى الشهوات، أي أنه بقوة الروح القدس عندما يتعمق الإنسان في الحياة الروحية يستطيع أن يضبط الشهوات. وبضبط الشهوات يتذوق الإنسان أعماقًا جديدة في معرفة الله بعمل الروح القدس فيه.
ع5: طمت: غطت.
قاس الرجل بعد ذلك ألف ذراع رابعة في عمق المياه، فوجد حزقيال نفسه أمام مياه عميقة لا يمكن العبور فيها مشيًا على القدمين، بل تغطى رأسه وتحتاج إلى سباحة، وهذا يرمز إلى أن الإنسان لا يستطيع بإرادته أن يسير في الحياة الروحية، بل في الأعماق يسلم مشيئته لله، فيحمله الروح القدس، أي المياه؛ ليتذوق أمورًا لا يعبر عنها، هي أفراح الملكوت، يتذوقها على الأرض جزئيًا، ثم يتمتع بها بوضوح في السماء. والنهر الذي لا يعبر هو معرفة الله، التي ليس لها نهاية، والتي يدخلنا فيها الروح القدس، والتي نتمتع بها إلى الأبد.
والنهر في الكتاب المقدس يرمز للروح القدس، ففى بداية الكتاب المقدس في سفر التكوين يحدثنا عن نهر يتفرع إلى أربعة أفرع وسط الجنة ويرمز للروح القدس، الذي يعطى الحياة في الفردوس الأول. وفى نهاية الكتاب المقدس، في آخر سفر الرؤيا يحدثنا عن نهر ماء الحياة الصافى الخارج من عرش الله، أي الروح القدس، الذي يروى كل النفوس المحبة لله إلى الأبد في الملكوت.
وهذه المرحلة في الحياة الروحية، التي فيها يسلم الإنسان مشيئته لله، فيحمله الله؛ ليتذوق أمورًا لا يعبر عنها، هى نفس ما فعله الله مع شعبه في برية سيناء، عندما حملهم، كما يحمل الآب ابنه (تث1: 31).
وهذا ما قاله المسيح لبطرس "أنه لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشى حيث تشاء ولكنك متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء" (يو21: 18)، أي أنه مع التقدم الروحي يستسلم الإنسان لعمل الروح القدس؛ ليعمل فيه وبه كما يشاء الله.
ع6: قال المسيح، أي الرجل الذي بيده الخيط، لحزقيال بعد رؤيا النهر، الذي اجتاز فيه المذكورة في (ع3-5)، "أرأيت يا ابن آدم" ويقصد بذلك ما يلي:
قوة عمل الروح القدس، التي تدخل الإنسان إلى الأعماق، ثم تحمله ليتذوق أمورًا روحية عجيبة لا يعبر عنها.
أهمية الجهاد الروحي للسلوك في طريق الملكوت.
نعمة الله التي تعيد الإنسان إلى الفردوس، فإن كان آدم الأول قد طرد من الفردوس بسبب خطيته، فالمسيح آدم الثاني يعيده إلى الفردوس؛ لذا قال لحزقيال يا ابن آدم، أي الإنسان في العهد الجديد، الذي يعود إلى الفردوس بقوة الروح القدس.
وعندما يقول أرجعنى إلى شاطئ النهر يرمز إلى المعمودية التي تعيد الإنسان لطبيعته النقية؛ ليحيا مع الله، لأن النهر بما فيه من ماء يرمز لمياه المعمودية.
ع7: رأى حزقيال أشجارًا كثيرة على جانبى النهر وهي ترمز للمؤمين، كما في (مز1: 3)؛ لأن النهر هو المسيح كما تقول أبصالية الأربعاء، ِأو الروح القدس، كما في (يو7: 38، 39).
ع8: الدائرة الشرقية: شرق نهر الأردن.
العربة : وادي أو سهل شرق البحر الميت.
البحر : البحر الميت.
أعلن المسيح لحزقيال أن مياه النهر ستعبر في الدائرة الشرقية إلى العربة وتصب في البحر الميت. ومياه البحر الميت مالحة جدًا لا يمكن أن يشرب منها إنسان، أو حيوان، أو تحيا فيه الأسماك، رغم أن مياه الأردن تصب فيه منذ آلاف السنين، ولكن يتبخر الماء ويظل البحر بملوحته الشديدة؛ لأن سدوم وعمورة التي أحرقها الله تقع تحت هذا البحر وهي سبب ملوحته، ويسمى أحيانًا بحر لوط، أو بحيرة سدوم، فعندما تصب مياه هذا النهر الذي رآه حزقيال في البحر الميت تشفى مياه البحر الميت من ملوحتها وتصبح صالحة للشرب، أو حياة الأسماك. والبحر الميت يرمز للعالم الذي لا يمكن أن يحيا فيه المؤمنون ولكن بنعمة الروح القدس يستطيعون أن يحيوا وسط العالم، بل يكونوا نورًا له.
ع9: عندما يصب النهر الذي يرمز للروح القدس في البحر، فإنه يشفى مياه البحر وتصير جيدة ويصير البحر نهرًا، وبهذا يصبح عندنا نهران؛ نهر الروح القدس والنهر الثاني هو العالم؛ الذي تحول بفعل الروح القدس إلى نهر لكل من يؤمن بالله ويحيا فيه. هؤلاء المؤمنون هم الأسماك التي تعيش وتشرب من النهرين وتتوالد الأسماك في النهر وتعطى أسماكًا حية، أي تعطى حياة في النهر، فكما أن المسيح نور العالم يصبح أولاده أيضًا نورًا للعالم، عندما يستنيرون بنوره.
والنهران يرمزان أيضًا إلى جسد الرب ودمه، اللذين يعطيان حياة لكل من يأكل منهما، ويرمزان أيضًا إلى سرى المعمودية والتناول.
وزيادة عدد السمك ترمز لكثرة المؤمنين وانتشار الإيمان في العالم. والسمكة ترمز للإنسان المؤمن بالمسيح؛ لأن السمكة تستطيع أن تسبح ضد التيار، أي تيار العالم؛ كما أن المسيحى يتمسك بمبادئه ووصايا الله مهما عارضها العالم.
ع10: عين جدى: قرية تقع على البحر الميت وغربه وفى منتصفه تقريبًا.
عين عجلايم : مدينة تقع شمال غرب البحر الميت وبالقرب منه.
البحر العظيم : البحر الأبيض المتوسط.
يقف الصيادون على ساحل البحر الميت من منتصفه إلى شماله، أي مسافة كبيرة والصيادون هم الرسل والمبشرون والخدام، ويبسطون شباكهم في البحر، وهذه الشباك هي كلمة الله والخدمة بكل أنواعها ويصطادون سمكًا كثيرًا بأنواع مختلفة، مثل السمك الذي يعيش في البحر الأبيض، حيث تكثر الأسماك. وهذا يبين ما يلي:
كثرة المؤمنين الذين يصطادهم الروح القدس بواسطة الخدام.
الذين يأتون للإيمان من اليهود والأمم ومن جميع الأجناس؛ لأن السمك بأنواع كثيرة.
ع11: غمقاتة: مستنقعات مغلقة ومياهها عميقة ومنفصلة عن البحر.
يوجد بجوار البحر مستنقعات وبرك مياهها مالحة مثل البحر، ولكنها منفصلة عنه، وبالتالي لا يصل إليها النهر الذي يشفى المياه، فتظل مياهها مالحة. وهذه المستنقعات والبرك ترمز للنفوس التي ترفض كلام الله، فتظل مياهها ردية ليس فيها حياة، أي محكوم عليها بالموت.
ع12: الأشجار التي تنبت على جانبى النهر، كما قلنا في (ع7) ترمز للمؤمنين الذين يشربون من نهر الحياة وهو الروح القدس، ويعطون ثمارًا للأكل، أي تصير حياتهم غذاء روحي للمحيطين بهم، الذين يؤمنون بسببهم وكذلك أوراقهم، أي مظهر حياتهم يكون دواء لعلاج مشاكل المحيطين بهم، إذ يكونوا قدوة، ويجد المحيطون بهم أن الحل لمشاكلهم هو الرجوع للحياة مع الله والتمثل بأولاده.
وأولاد الله ثمارهم مستمرة كل شهر، أي طوال السنة، التي ترمز للعمر كله. وهم يبكرون إلى هذه الثمار، أي أن الله له أولوية في حياتهم.
ومياه النهر تأتى من المقدس؛ لأن الروح القدس يعمل في الكنيسة ويعطى المؤمنين الحياة من خلال الحياة المقدسة ووسائط النعمة، فيثبتون في الحياة مع المسيح.
† الروح القدس مستعد أن يغذى حياتك ويثبتك في المسيح، فاهتم أن تشرب منه دائمًا من خلال أسرار الكنيسة وتعاليمها، فتخلص نفسك والآخرين المحيطين بك، إذ تصير قدوة لهم وتهتم بخدمتهم، فيتبعك الكل للمسيح.
[2] الأرض المقدسة (ع13-23):
13- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هذَا هُوَ التُّخْمُ الَّذِي بِهِ تَمْتَلِكُونَ الأَرْضَ بِحَسَبِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ، يُوسُفُ قِسْمَانِ. 14- وَتَمْتَلِكُونَهَا أَحَدُكُمْ كَصَاحِبِهِ، الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُعْطِيَ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. وَهذِهِ الأَرْضُ تَقَعُ لَكُمْ نَصِيبًا. 15- وَهذَا تُخْمُ الأَرْضِ: نَحْوَ الشِّمَالِ مِنَ الْبَحْرِ الْكَبِيرِ طَرِيقُ حِثْلُونَ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَى صَدَدَ، 16- حَمَاةُ وَبَيْرُوثَةُ وَسِبْرَائِمُ، الَّتِي بَيْنَ تُخْمِ دِمَشْقَ وَتُخْمِ حَمَاةَ، وَحَصْرُ الْوُسْطَى، الَّتِي عَلَى تُخْمِ حَوْرَانَ. 17- وَيَكُونُ التُّخْمُ مِنَ الْبَحْرِ حَصْرَ عِينَانَ تُخْمَ دِمَشْقَ وَالشِّمَالُ شِمَالًا وَتُخْمَ حَمَاةَ. وَهذَا جَانِبُ الشِّمَالِ. 18- وَجَانِبُ الشَّرْقِ بَيْنَ حَوْرَانَ وَدِمَشْقَ وَجِلْعَادَ وَأَرْضَ إِسْرَائِيلَ الأُرْدُنُّ. مِنَ التُّخْمِ إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ تَقِيسُونَ. وَهذَا جَانِبُ الْمَشْرِقِ. 19- وَجَانِبُ الْجَنُوبِ يَمِينًا مِنْ ثَامَارَ إِلَى مِيَاهِ مَرِيبُوثَ قَادِشَ النَّهْرُ إِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. وَهذَا جَانِبُ الْيَمِينِ جَنُوبًا. 20- وَجَانِبُ الْغَرْبِ الْبَحْرُ الْكَبِيرُ مِنَ التُّخْمِ إِلَى مُقَابِلِ مَدْخَلِ حَمَاةَ. وَهذَا جَانِبُ الْغَرْبِ. 21- فَتَقْتَسِمُونَ هذِهِ الأَرْضَ لَكُمْ لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 22- وَيَكُونُ أَنَّكُمْ تَقْسِمُونَهَا بِالْقُرْعَةِ لَكُمْ وَلِلْغُرَبَاءِ الْمُتَغَرِّبِينَ فِي وَسْطِكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَ بَنِينَ فِي وَسْطِكُمْ، فَيَكُونُونَ لَكُمْ كَالْوَطَنِيِّينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُقَاسِمُونَكُمُ الْمِيرَاثَ فِي وَسْطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 23- وَيَكُونُ أَنَّهُ فِي السِّبْطِ الَّذِي فِيهِ يَتَغَرَّبُ غَرِيبٌ هُنَاكَ تُعْطُونَهُ مِيرَاثَهُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع13: التخم: الحدود.
أوضح الله لحزقيال حدود الأرض المقدسة الجديدة، وهي ليست بالطبع أرض كنعان التي قسمها يشوع؛ لأن هذه قد تم تقسيمها منذ مئات السنين. ولكن يقصد في هذه الرؤيا الأرض الجديدة، أي ملكوت السموات.
وتقسم الأرض لأسباط بني إسرائيل الإثنى عشر، باعتبار أن يوسف له قسمان هما منسى وأفرايم [شكل رقم (2)] وذلك لأنه البكر (1 أى5: 2) ومن أجل طهارته ومحبته لله واحتماله الآلام من أجله. وبالطبع سبط لاوى غير محسوب لأن له مكانة أفضل في الملكوت لمن يتقى الله فيهم؛ لأنهم نصيب الرب؛ إذ كلام المسيح واضح "حيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمى" (يو12: 26).
ع14: رفعت يدى: أقسمت.
يعلن الله أن كل مؤمن سينال مكانه في السماء مثل صاحبه دون تحيز لأحد.
وهذه الأرض الجديدة هي إتمام لوعود الله، التي أعطاها للآباء الأولين إبراهيم وإسحق ويعقوب، وهكذا ينال المؤمنون في السماء نصيبًا وميراثًا أبديًا لهم؛ ليحيوا في فرح أبدى.
ع15-17: حدد الله حدود هذه الأرض، وقال بالتدقيق أن الحدود الشمالية تمتد من شمال مدينة صور المعروفة بالتجارة والتي تقع على البحر الأبيض المتوسط وتمتد الحدود إلى قرب مدينة دمشق، المعروفة بإسمها حتى الآن.
ونلاحظ أن الله حدد هذه الحدود ببلاد كثيرة ليبين دقته في تحديد هذه الأرض؛ لأنها ترمز للسماء التي لا يستطيع أحد الدخول إليها إلا المؤمنون فقط، وغير مسموح لأحد غيرهم بدخولها.
ع18: أما الحدود الشرقية فتمتد من قرب مدينة دمشق إلى نهر الأردن، ثم البحر الميت (البحر الشرقى).
ونرى هنا أنه لم تعد هناك أسباط تسكن شرق نهر الأردن والبحر الميت، كما أعطى يشوع رأوبين وجاد ونصف سبط منسى؛ لأن هذه الأسباط نقلها هنا لتأخذ نصيبًا غرب نهر الأردن، أي لتكون هذه الأسباط مع إخوتها في مكان واحد لا يفصلها عنهم شيء. إذ أن الجميع في الملكوت يشعرون بالوحدانية حول المسيح.
ع19: الحدود الجنوبية للأرض المقدسة تمتد من جنوب البحر الميت إلى نهر مصر، وهو نهر موسمى يقع شرق مدينة العريش ويمتلئ بالمياه في فترة من السنة فقط، وهو غير نهر النيل.
ع20: أما الحدود الغربية فهي البحر الأبيض المتوسط من نهر مصر حتى قرب مدينة حماة شمالًا [شكل رقم (2)].
ونجد فيما سبق أن حدود الأرض المقدسة المذكورة هنا، أقل من الحدود التى وعد الله بها الآباء أن تكون من نهر مصر إلى الفرات (تك15: 18، خر23: 31) والتي امتلكها شعب بني إسرائيل أيام داود وسليمان. وذلك لأن كلام الله واضح أن "كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون" (مت20: 16) فالله أعطى شعبه أرضًا واسعة، ولكن من عاش في الإيمان وثبت فيه، هو الذي يستحق ملكوت السموات، أي الأرض الجديدة.
ع21-23: يظهر الله في هذه الآيات أمرين واضحين:
تقسم الأرض بالقرعة بين الأسباط التي ترمز للمؤمنين في العالم كله، وذلك لإظهار عدل الله وعدم تحيزه لأحد، أو سبط أكثر من الآخر.
الغرباء الذين يعيشون وسط بنى إسرائيل استوطنوا وولدوا البنين، أي صاروا مستقرين في الإيمان هم وأولادهم، هؤلاء يكون لهم نصيب في هذه الأرض، وهذه نبوة واضحة عن قبول الأمم في الإيمان بالمسيح وميراث ملكوت السموات.
† إن ملكوت السموات ينتظرك، فقد أعده الله لك إن ثبت في الإيمان وسلكت بالروح؛ حتى لو كنت بعيدًا عن الله ورجعت إليه، فهو يحبك ويريد خلاصك ويتمنى أن يمتعك بملكوته.

تفسير سفر حزقيال الاصحاح الثامن والاربعون
تقسيم الأرض الجديدة
(1) نصيب الأسباط الساكنة في الشمال (ع1-7)
[2] نصيب اللاويين والكهنة والمقدس والمدينة والرئيس (ع8-22)
[3] نصيب باقي الأسباط (ع23-29)
[4] محيط المدينة وأبوابها (ع30-35)
(1) نصيب الأسباط الساكنة في الشمال (ع1-7):
1- «وَهذِهِ أَسْمَاءُ الأَسْبَاطِ: مِنْ طَرَفِ الشِّمَالِ، إِلَى جَانِبِ طَرِيقِ حِثْلُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ حَصْرُ عِينَانَ تُخْمُ دِمَشْقَ شِمَالًا إِلَى جَانِبِ حَمَاةَ لِدَانٍ. فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْبَحْرِ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 2- وَعَلَى تُخْمِ دَانٍ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لأَشِيرَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 3- وَعَلَى تُخْمِ أَشِيرَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِنَفْتَالِي قِسْمٌ وَاحِدٌ. 4- وَعَلَى تُخْمِ نَفْتَالِي مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِمَنَسَّى قِسْمٌ وَاحِدٌ. 5- وَعَلَى تُخْمِ مَنَسَّى مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لأَفْرَايِمَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 6- وَعَلَى تُخْمِ أَفْرَايِمَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِرَأُوبَيْنَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 7- وَعَلَى تُخْمِ رَأُوبَيْنَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِيَهُوذَا قِسْمٌ وَاحِدٌ.
هذا الأصحاح يرسله الله على فم حزقيال لبني إسرائيل الذين في السبي؛ ليعطيهم رجاء بالعودة من السبي، وليس هذا فقط، بل بالحياة في كنيسة العهد الجديد، التي ترمز إلى الحياة في ملكوت السموات وهذا هو المعنى الكامل لهذا الأصحاح.
يذكر في (ع1) أسماء بعض البلاد كحدود للشمال، وهي البلاد التي كانت موجودة حول المكان الذي يسكنه أسباط إسرائيل قبل السبي، ليطمئنهم أنهم سيعودون إلى بلادهم، ولكن كما قلنا المعنى المقصود من هذه الآيات هو الحياة في كنيسة العهد الجديد وهذه البلاد هي:
طريق حثلون: اسم مكان على الحدود الشمالية الشرقية لإسرائيل.
حماة : مدينة حصينة تقع في شمال دمشق على بعد خمسة وعشرين ميلًا، بجوار نهر العاصى.
حصر عينان : قرية تقع شمال شرق إسرائيل ومعناها قرية العيون، أو الينابيع.
دمشق : مدينة قديمة مازالت باقية حتى الآن، وهي عاصمة سوريا الحالية.
يمتد نصيب الأسباط من الشرق إلى البحر، والشرق يعنى مكان ميلاد المسيح، مخلص شعبه، والبحر يرمز للعالم، الذي يسكن بجواره أولاد الله ويعيشون مع الله وسط العالم ولكن لا ينغمسون فيه.
في (ع1) يذكر نصيب دان قبل باقي الأسباط، مع أنه ذكر في تقسيم يشوع لأرض الموعد في آخر الأسباط (يش19: 40)؛ ومعنى هذا أن ما يُذكر آخر الكل في حياتنا على الأرض يمكن أن يعطيه الله مكانًا في ملكوته. ورغم أن يعقوب في (تك49: 17، 18) قال عن دان أنه "يكون دان حية على الطريق"، أي أنه يرمز للشر، ولكن عندما يتوب نسله يقبلون في كنيسة العهد الجديد وفى ملكوت السموات.
في (ع4، 6) نجد أن الأسباط التي سكنت شرق الأردن انتقلت لتسكن غربه، وانضم نصفا سبط منسى لبعضهما البعض، وهذا يعنى الوحدانية وإلغاء الانقسامات، ويعنى أيضًا اقتراب الأسباط من بعضها بدون حواجز مادية، مثل نهر الأردن؛ ليكونوا جميعًا حول الرب، الممثل في هيكله، أي المقدس المذكور في (ع8).
وفى (ع4، 5) نجد سكن سبطى منسى وأفرايم بجوار بعضهما البعض، وهما نسل يوسف، وهذا أيضًا يرمز للوحدانية في كنيسة العهد الجديد.
نلاحظ أن السبعة أسباط المذكورة هنا في هذه الآيات متلاصقة، دليلٌ أيضًا على الوحدانية [شكل رقم (2)].
نرى أن الله هو الذي حدد نصيب كل سبط بحيث يكون كافيًا لسكناه، وهذا يطمئن كل سبط أن الله هو الذي حدد له نصيبه بما يكفيه، فلا ينزعج من أية اضطرابات، أو هموم تأتى في المستقبل، بل ينشغل في معرفة الله ونموه في محبته، وهذا ما يحدث مع كل مؤمن في العهد الجديد الذي بذبيحة المسيح على الصليب يعطى حياة لكل أولاده في كنيسة العهد الجديد، وفى ملكوت السموات هو نفسه هيكل الله "الخروف هيكلها" (رؤ21: 22).
† اهتم بالوحدانية مع من حولك في بيتك وفى الكنيسة وفى كل مكان، وذلك بالحب الذي يجمعكم والذي قد يستدعى بعض التنازلات؛ لتتمتع بالوحدانية وكل بركات الله لمحبيها.
[2] نصيب اللاويين والكهنة والمقدس والمدينة والرئيس (ع8-22):
8- وَعَلَى تُخْمِ يَهُوذَا مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ تَكُونُ التَّقْدِمَةُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا عَرْضًا، وَالطُّولُ كَأَحَدِ الأَقْسَامِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ، وَيَكُونُ الْمَقْدِسُ فِي وَسْطِهَا.9- التَّقْدِمَةُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا لِلرَّبِّ تَكُونُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا طُولًا، وَعَشَرَةَ آلاَفٍ عَرْضًا. 10- وَلِهؤُلاَءِ تَكُونُ تَقْدِمَةَ الْقُدْسِ لِلْكَهَنَةِ. مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا فِي الطُّولِ، وَمِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ عَشَرَةُ آلاَفٍ فِي الْعَرْضِ، وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ عَشَرَةُ آلاَفٍ فِي الْعَرْضِ، وَمِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا فِي الطُّولِ. وَيَكُونُ مَقْدِسُ الرَّبِّ فِي وَسْطِهَا. 11- أَمَّا الْمُقَدَّسُ فَلِلْكَهَنَةِ مِنْ بَنِي صَادُوقَ الَّذِينَ حَرَسُوا حِرَاسَتِي، الَّذِينَ لَمْ يَضِلُّوا حِينَ ضَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا ضَلَّ اللاَّوِيُّونَ. 12- وَتَكُونُ لَهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ تَقْدِمَةِ الأَرْضِ، قُدْسُ أَقْدَاسٍ عَلَى تُخْمِ اللاَّوِيِّينَ. 13- «وَلِلاَّوِيِّينَ عَلَى مُوازَاةِ تُخْمِ الْكَهَنَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا فِي الطُّولِ، وَعَشَرَةُ آلاَفٍ فِي الْعَرْضِ. الطُّولُ كُلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَالْعَرْضُ عَشَرَةُ آلاَفٍ.14- وَلاَ يَبِيعُونَ مِنْهُ وَلاَ يُبَدِّلُونَ، وَلاَ يَصْرِفُونَ بَاكُورَاتِ الأَرْضِ لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ لِلرَّبِّ. 15- وَالْخَمْسَةُ الآلاَفِ الْفَاضِلَةُ مِنَ الْعَرْضِ قُدَّامَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ أَلْفًا هِيَ مُحَلَّلَةٌ لِلْمَدِينَةِ لِلسُّكْنَى وَلِلْمَسْرَحِ، وَالْمَدِينَةُ تَكُونُ فِي وَسْطِهَا. 16- وَهذِهِ أَقْيِسَتُهَا: جَانِبُ الشِّمَالِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ، وَجَانِبُ الْجَنُوبِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ، وَجَانِبُ الشَّرْقِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ، وَجَانِبُ الْغَرْبِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ. 17- وَيَكُونُ مَسْرَحٌ لِلْمَدِينَةِ نَحْوَ الشِّمَالِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَنَحْوَ الْجَنُوبِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَنَحْوَ الشَّرْقِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَنَحْوَ الْغَرْبِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. 18- وَالْبَاقِي مِنَ الطُّولِ مُوازِيًا تَقْدِمَةَ الْقُدْسِ عَشَرَةُ آلاَفٍ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَعَشَرَةُ آلاَفٍ نَحْوَ الْغَرْبِ. وَيَكُونُ مُوازِيًا تَقْدِمَةَ الْقُدْسِ، وَغَلَّتُهُ تَكُونُ أَكْلًا لِخِدْمَةِ الْمَدِينَةِ.19- أَمَّا خَدَمَةُ الْمَدِينَةِ فَيَخْدِمُونَهَا مِنْ كُلِّ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 20- كُلُّ التَّقْدِمَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا. مُرَبَّعَةً تُقَدِّمُونَ تَقْدِمَةَ الْقُدْسِ مَعَ مُلْكِ الْمَدِينَةِ.21- وَالْبَقِيَّةُ لِلرَّئِيسِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ لِتَقْدِمَةِ الْقُدْسِ وَلِمُلْكِ الْمَدِينَةِ قُدَّامَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ أَلْفًا لِلتَّقْدِمَةِ إِلَى تُخْمِ الشَّرْقِ، وَمِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ قُدَّامَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ أَلْفًا عَلَى تُخْمِ الْغَرْبِ مُوازِيًا أَمْلاَكَ الرَّئِيسِ، وَتَكُونُ تَقْدِمَةُ الْقُدْسِ وَمَقْدِسُ الْبَيْتِ فِي وَسْطِهَا.22- وَمِنْ مُلْكِ اللاَّوِيِّينَ مِنْ مُلْكِ الْمَدِينَةِ فِي وَسْطِ الَّذِي هُوَ لِلرَّئِيسِ، مَا بَيْنَ تُخْمِ يَهُوذَا وَتُخْمِ بَنْيَامِينَ، يَكُونُ لِلرَّئِيسِ.
أعطى الله نصيبًا لكل سبط، وكذلك أعطاهم فرصة للتجاوب مع محبته فأمرهم بأن يقدموا تقدمة (ع8) بأن يعطوا مكانًا لسكناه في وسطهم، أي للقدس [شكل رقم (2)]. فالله هو العاطى ولكن يفرح بعطايا أولاده "من يدك أعطيناك" (1 أى29: 14)
أعطى الأسباط مكانًا لله في وسطهم؛ حتى يسكن الله وسط شعبه ويكون قلبهم النابض، كما أن القلب في وسط الجسم. وقد بارك الله شعبه من أيام برية سيناء، حين سكن في خيمة الاجتماع، وسط الأسباط، وسيظل هكذا إلى الأبد، كما يظهر في سفر الرؤيا (رؤ21).
وقدم الأسباط لله تقدمة خمس وعشرين ألفًا وهو مضروب 5 × 5 × 1000، أي الخمسة حواس الخارجية، والخمسة حواس الداخلية، أي كل حواس الإنسان ومشاعره وأفكاره مضروبة في 1000، الذي يرمز إلى الأبدية إن عاش بكل حواسه لله يستطيع أن ينال الملكوت الذي ِأعده الله له.
أعطى الأسباط مكانًا لللاويين الذين نصيبهم هو الرب مكانًا من الشرق إلى البحر متاخمًا لنصيب يهوذا، طوله خمس وعشرين ألفًا من الشرق إلى الغرب وعرضه عشرة آلاف (ع13) [شكل رقم (2)]. وهذا النصيب لا يبيعون منه ولا يستبدلونه؛ لأنه نصيب الرب ويرمز لمواهب الروح القدس التي لا تشترى أو تباع، كما قال بطرس لسيمون الساحر (أع8: 20) ولا يعطون باكورات منه؛ لأن كل نصيبهم هو ملك لله، وهذا يرمز للملكوت الذي كله مقدس لله.
وكل مؤمن في العهد الجديد لا يعطى فقط عشوره، أو بكوره لله، بل يشعر أن قلبه كله مكرس لله "تحب الرب إلهك من كل قلبك (مت22: 36)
وعرض مكان اللاويين هو 10000 وهو مضروب 10 × 1000 أي من يحيا بوصايا الله العشرة يستطيع أن يتمتع بالأبدية السعيدة.
رتب الله أن يكون مقدسه في وسط نصيب الكهنة (ع10). ونصيب الكهنة طوله خمسة وعشرين ألفًا وعرضه عشرة آلاف، مثل نصيب اللاويين، ومعنى أرقامه تم شرحها في نصيب اللاويين. وسكن الله وسط الكهنة؛ لأنهم هم خدامه الحافظون شريعته وفرائضه وبجوارهم نصيب اللاويين الذين يساعدونهم في الخدمة (ع12) [شكل رقم (2)].
وعندما يذكر نصيب الكهنة يقول أن طول نصيبهم من الجهة الشمالية والجنوبية خمسة وعشرين ألفًا، أما العرض الذي هو من جهة الشرق والبحر، أي الغرب عشرة آلاف، أي مستطيل طوله خمسة وعشرين ألفًا وعرضه عشرة آلاف (ع10).
ويحدد الله أن الكهنة الذين يخدمونه هم نسل صادوق، ومعنى صادوق صادق وأمين ومتمسك بشريعة الله، فيقصد الكهنة الروحيين الملتزمين في العهد الجديد، والذين يكونون بجواره في الملكوت، ويمثلهم طغمة الأربعة والعشرين قسيسًا. ويظهر تميز هؤلاء الكهنة الذين لم ينساقوا مع ضلال باقي الكهنة واللاويين، الذين انحرفوا عن الله ورعوا أنفسهم وأهملوا القطيع (حز 34).
أما المدينة المقدسة، وهي تعنى أورشليم في العهد القديم، والكنيسة في العهد الجديد، ثم الملكوت السماوى في الأبدية، فيعطى لها نصيبًا طوله خمسة وعشرين ألفًا وعرضه خمسة آلاف (ع15). ورقم خمسة كما ذكرنا يرمز للحواس الخمسة ورقم 1000 يرمز للأبدية، فمن يريد أن يحيا في الملكوت يقدس حواسه الخمسة.
ومكان المدينة في وسط هذه الأرض مكانًا مربعًا طول ضلعه أربعة آلاف وخمسمائة (ع16) ويحيط به من جميع الجوانب مساحة مائتين وخمسين تعتبر مسرحًا للمدينة، أي مكانًا لرعى الماشية (ع17). وقياسات المدينة هي 4500 من كل جانب، ويرمز رقم أربعة إلى الجهات الأربعة للعالم، أي أن الملكوت يضم المؤمنين من كل أنحاء العالم، والمدينة مربعة بنفس المعنى، تضم المؤمنين من جهات العالم الأربع. ورقم خمسة كما ذكرنا، يرمز للحواس الخمسة، أما رقم 100 فيرمز لقطيع المسيح، أي كل مؤمن في قطيع المسيح من جهات العالم الأربع يضبط حواسه له مكان في المدينة المقدسة، أي ملكوت السموات.
أما مسرح المدينة، فهو 250، الذي لرعى الماشية وهو مضروب 5 × 5 × 10 أي من يضبط حواسه الخارجية والداخلية في ظل وصايا الله العشرة يستطيع أن يجد مرعى وشبع من الله في الملكوت.
فإذا كان نصيب المدينة مستطيل طوله خمسة وعشرين ألفًا، وعرضه خمسة آلاف، والمدينة في وسطه بمسرحها تشمل مساحة خمسة آلاف × خمسة آلاف، فيبقى على جانبى المدينة مساحتان كل منهما خمسة آلاف × عشرة آلاف (ع18)، تخصص هاتان المساحتان لزراعة النباتات، التي يأكلها سكان المدينة. وهذه المساحة ترمز إلى أن من يضبط حواسه الخمسة ويحفظ وصايا الله العشرة يكون له مكانًا في الأبدية، التي يرمز إليها برقم 1000 (5×10× 1000). وهذه المساحات ترمز للشبع الذي يتمتع به أبناء الملكوت في السماء.
واضح أن كل هذه الأرقام والمساحات رمزية وليس المقصود بها مساحات حقيقية؛ لأنه لم يذكر نوع المقياس مثل ذراع، أو قصبة ... لأنه يتكلم عن الملكوت، أو عمل الروح القدس في كنيسة العهد الجديد. بالإضافة لأن هذه المساحات لا يمكن أن يكون مقصود بها مساحات حقيقية في واقع أرض كنعان.
يعلن في (ع19) أن المدينة المقدسة يخدمها كل أسباط إسرائيل، أي أن كل المؤمنين في الملكوت يخدمون بالتسبيح، إذ جميع المؤمنين صاروا مكرسين لله وليس سبطًا واحدًا، هو سبط لاوى، كما كان في العهد القديم، أو في العهد الجديد؛ الكهنة المكرسون فقط. وقديمًا كان يسكن أورشليم سبطا يهوذا وبنيامين فقط، أما في العهد الجديد وفى الملكوت، فكل المؤمنين يقيمون فيها.
وفى (ع20) يوضح أن القدس ونصيب الكهنة واللاويين وكذلك المدينة المقدسة تكون مساحتها 25000 × 25000 أي تكون مربعة؛ لتعلن قبول المؤمنين من أركان العالم الأربع في السماء، أو في كنيسة العهد الجديد. وقد أصبحت المدينة المقدسة ضمن هذه المساحة، التي يخدمها كل الأسباط، أي صار لكل المؤمنين نصيبٌ وخدمة وتمتع مع الله إلى الأبد. كل هذه المساحة تقدمة من الأسباط لله، شرح تفاصيلها من (ع8-20). وإذ قدم الشعب هذه التقدمة لله. فرح بهم، فأعطاهم أن يقيموا معه في هذه المساحة، أي في المدينة المقدسة ويخدمونه إلى الأبد، وهذا هو الحب الإلهي، الذي يريد أن يرى محبتنا له. ثم يعطينا من فيض حبه إلى الأبد؛ لنتمتع بعشرته. في النهاية وفي ع(21، 22) يوضح أن للرئيس مساحتين متعامدتين على المساحات السابقة إحداهما من الشرق والأخرى من الغرب، وينحصر بينهما ملك اللاويين والكهنة والمدينة وبهذا يحد كل هذه المساحات المقدمة لله من الشمال نصيب يهوذا، ومن الجنوب نصيب بنيامين (ع22).
وبهذا تشمل التقدمة المقدمة لله مكانًا للكهنة وفى وسطهم المقدس وكذلك مكانًا لللاويين والمدينة والرئيس.
والرئيس هو المسيح الذي هو محور كنيسة العهد الجديد والملكوت وهو قائدها ومدبرها، فهو الرأس الذي يحرك الجسد كله. فالمسيح هو في المركز، أي يسكن في القدس، وفى نفس الوقت يحيط بكل المؤمنين، أي هو مركز تفكيرنا وحياتنا وفى نفس الوقت هو يحيط بنا ويحمينا ويحتضنا.
† إن كان الله يحمل لك كل هذا الحب ويريدك أن تكون معه إلى الأبد، فكيف تعبر عن حبك له؟ ماذا ستقدم له في هذه الحياة وتتعب من أجله؟ فعلى قدر ما تعطى وتظهر بهذا استعدادك للوجود معه، سيفيض عليك ببركات لا تحصى إلى الأبد.
[3] نصيب باقي الأسباط (ع23-29):
23- وَبَاقِي الأَسْبَاطِ: فَمِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِبَنْيَامِينَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 24- وَعَلَى تُخْمِ بَنْيَامِينَ، مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِشِمْعُونَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 25- وَعَلَى تُخْمِ شِمْعُونَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِيَسَّاكَرَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 26- وَعَلَى تُخْمِ يَسَّاكَرَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِزَبُولُونَ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 27- وَعَلَى تُخْمِ زَبُولُونَ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِجَادٍ قِسْمٌ وَاحِدٌ. 28- وَعَلَى تُخْمِ جَادٍ مِنْ جَانِبِ الْجَنُوبِ يَمِينًا يَكُونُ التُّخْمُ مِنْ ثَامَارَ إِلَى مِيَاهِ مَرِيبَةِ قَادِشِ النَّهْرِ إِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. 29- هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي تَقْسِمُونَهَا مُلْكًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَهذِهِ حِصَصُهُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ثامار : مدينة محصنة تقع في جنوب غرب البحر الميت وتعبتر نقطة تموين للقوافل.
مريبة قادش: مدينة تقع في جنوب بلاد اليهود.
البحر الكبير: البحر الأبيض المتوسط.
يذكر هنا نصيب باقي الأسباط التي تسكن جنوب المقدس، وهي خمسة أسباط يمتد نصيب كل منها من الشرق إلى البحر غربًا وكل الأنصبة متلاصقة، مثل أسباط الشمال؛ لتأكيد الوحدانية بين الأسباط كما ذكرنا.
ونلاحظ أنه يضع سبعة أسباط في الشمال وخمسة في الجنوب، وبينهما مكان بيت الرب، وهذا يرمز إلى أن من يضبط حواسه الخمسة ينال بركة عمل الله الكامل فيه، الذي يرمز إليه رقم سبعة، ويسكن مع الله إلى الأبد في بيته. ومعنى هذا أن من يضبط حواسه أى يجاهد روحيًا ينال عمل النعمة الذي يرمز إليه رقم سبعة، فالجهاد والنعمة ضروريتان معًا للوصول إلى الملكوت.
† كل سبط كان له نصيب من الله، فثق أن لك مكانًا في قلب الله وهو يحبك ويريدك أن تثبت فيه؛ لتتمتع بحبه، فتمسك بصلواتك وقراءاتك لكلمة الله كل يوم وأثبت في الكنيسة؛ لتتمتع بعشرة الله.
[4] محيط المدينة وأبوابها (ع30-35):
30- «وَهذِهِ مَخَارِجُ الْمَدِينَةِ: مِنْ جَانِبِ الشِّمَالِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةِ مِقْيَاسٍ. 31- وَأَبْوَابُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَسْمَاءِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ نَحْوَ الشِّمَالِ: بَابُ رَأُوبَيْنَ وَبَابُ يَهُوذَا وَبَابُ لاَوِي. 32- وَإِلَى جَانِبِ الشَّرْقِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ، وَثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ: بَابُ يُوسُفَ وَبَابُ بَنْيَامِينَ وَبَابُ دَانٍ. 33- وَجَانِبُ الْجَنُوبِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةِ مِقْيَاسٍ، وَثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ: بَابُ شِمْعُونَ وَبَابُ يَسَّاكَرَ وَبَابُ زَبُولُونَ. 34- وَجَانِبُ الْغَرْبِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ، وَثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ: بَابُ جَادٍ وَبَابُ أَشِيرَ وَبَابُ نَفْتَالِي.35- الْمُحِيطُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَاسْمُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ: يَهْوَهْ شَمَّهْ».
نرى أن المدينة المقدسة؛ التي هي ملكوت السموات مربعة، وكل ضلع فيها طوله أربعة آلاف وخمس مئة (ع30) ويقول مقياس ولم يحدد نوعه؛ ليؤكد أن هذه الأرقام رمزية.
ورقم 4 يرمز لأركان العالم الأربعة، أي أن ملكوت السموات يدخله المؤمنون من كل أرجاء المسكونة. ورقم 4000 أي 4 × 1000 والألف ترمز للسماء. ثم رقم 500 وهو مضروب 5 × 100، رقم 100 يرمز لقطيع المسيح ورقم 5 يرمز للبركة، كما بارك المسيح الخمس خبزات، أي أن قطيع المسيح المؤمنين به ينالون البركة الدائمة في ملكوت السموات.
وفى (ع30، 31) يبين مخارج المدينة، أي أبوابها، وهي ثلاثة من كل جانب، ففى جانب الشمال، يذكر ثلاثة من الأسباط، والغريب أنه يعطى بابا لسبط لاوى ضمن الأسباط الإثنى عشر، وذلك لأن لاوى هو مكرس ونصيب الرب على الأرض، أما في السماء فكل الأسباط هى نصيب الرب، أي كل المؤمنين؛ لذا يذكر لاوى واحدًا ضمن الأسباط. وعلى الأرض لم يكن للاوى ملك في أرض الميعاد، ولكن في السماء له ملك أبدي مع المسيح، مثل باقى الأسباط.
وعدد ثلاثة أبواب يرمز للثالوث القدوس، فمن يدخل الملكوت يجب أن يكون مؤمنًا بالله بأقانيمه الثلاثة.
ويقول مخارج المدينة وهي مداخلها في نفس الوقت؛ لأن من يؤمن بالمسيح يحيا في رعايته بحرية كاملة، كما قال المسيح أن من يؤمن به سيحيا معه "ويدخل ويخرج ويجد مرعى" (يو10: 9). فالمؤمن في الملكوت ينطلق تحت رعاية الله ويتحرك بحرية.
وفى (ع32) يذكر من الناحية الشرقية ثلاثة أبواب أحدها ليوسف، إذ أنضم أفرايم ومنسى فيه وهذا دليل على الوحدانية، كما يذكر يوسف بجوار بنيامين. أما الكل فيشبع شبعًا كاملًا، سواء البكر روحيًا، أي يوسف، أو باقي إخوته، فلم يعد هناك تملك للماديات كما على الأرض، عندما كان يعطى الضعف للبكر. ويضع يوسف في باب الشرق، الذي يرمز للبركة؛ لأن الشرق أتم فيه المسيح الخلاص على الصليب؛ فهذه الأسباط الثلاثة لعل منها يكون أناس لهم تميز في الحياة الروحية؛ لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد في الملكوت.
وفى (ع35) يعلن أن اسم المدينة السماوية هو "يهوه شمه" وهي كلمة عبرية بمعنى "يهوه هناك" أى "الله هناك"، أي تغير اسمها من أورشليم مدينة السلام إلى يهوه شمه، أي وجود دائم مع الله.
وإن كان سفر حزقيال يعلن في الأصحاح الأول منه ظهور الله بمجده بين الكاروبيم، فينهى السفر بالسكنى مع الله إلى الأبد. فغاية السفر هو التوبة والحياة مع الله؛ لنتمتع إلى الأبد بعشرته.
† الله أعد لك مكانًا عظيمًا في السماء، فجاهد وتمسك بوصاياه لتحصل على هذا المكان الرائع، وتفرح إلى الأبد مع الله.