تفسير سفر مراثى ارميا الاصحاح الاول
(1) ذل أورشليم (ع1-4):
1 كَيْفَ جَلَسَتْ وَحْدَهَا الْمَدِينَةُ الْكَثِيرَةُ الشَّعْبِ! كَيْفَ صَارَتْ كَأَرْمَلَةٍ الْعَظِيمَةُ فِي الأُمَمِ. السَّيِّدَةُ في الْبُلْدَانِ صَارَتْ تَحْتَ الْجِزْيَةِ! 2 تَبْكِي في اللَّيْلِ بُكَاءً، وَدُمُوعُهَا علَى خَدَّيْهَا. لَيْسَ لَهَا مُعَزّ مِنْ كُلِّ مُحِبِّيهَا. كُلُّ أَصْحَابِهَا غَدَرُوا بِهَا، صَارُوا لهَا أَعْدَاءً. 3 قَد سُبِيَتْ يَهُوذَا مِنَ الْمَذَلَّةِ وَمِنْ كَثْرَةِ الْعُبُودِيَّةِ. هِيَ تَسْكُنُ بَيْنَ الأُمَمِ. لاَ تَجِدُ رَاحَةً. قَدْ أَدْرَكَهَا كُلُّ طَارِدِيهَا بَيْنَ الضِّيقَاتِ. 4 طُرُقُ صِهْيَوْنَ نَائِحَةٌ لِعَدَمِ الآتِينَ إِلَى الْعِيدِ. كُلُّ أَبْوَابِهَا خَرِبَةٌ. كَهَنَتُهَا يَتَنَهَّدُونَ. عَذَارَاهَا مُذَلَّلَةٌ وَهِيَ فِي مَرَارَةٍ.
ع1: الجزية: ضرائب يدفعها الشعب المحتل لمن يستعبده.
يتعجب النبى للدمار الذي حل بأورشليم ويشبهها بسيدة عظيمة صارت أرملة حزينة مرذولة من الآخرين، فبعدما كانت أورشليم مدينة عظيمة ملآنة بالسكان صارت الآن خربة، واليهود الضعفاء الذين فيها مستعبدين لبابل ويدفعون الجزية.
† عندما يترك الإنسان الله يذله الشيطان فيعتزل عن كل المؤمنين ويشعر بالوحدة ويسخر قوته للشر. تأمل نتائج الخطية لتبتعد عنها ولا تغريك مباهجها فأنها خادعة مؤقتة تخفى وراءها الذل والعذاب.
ع2: يصور عزلة أورشليم بأرملة تبكى وحدها في الليل حينما ينام كل من تحالف معها، فالكل تخلوا عنها وهي تجلس في حزن تبكى الدمار الذي حل بها. ويرمز هذا للنفس البشرية التي تجلس في ظلمة الخطية تعانى من نتائجها وتحزن على كل ما حل بها بعدما تخلى عنها كل من شجعوها على الشر.
ع3: يشرح حالة أورشليم المسبية بيد بابل بما يلى:
أصبحت مُستعبدة لبابل وذليلة.
فقدان السلام والراحة بينما الأمم المحيطة بها تفرح وتتمتع.
لم تستطع الهرب والخلاص من الحصار البابلي بل استطاعت جيوش بابل أن تدخل المدينة وتدمرها وتحرقها فصار الشعب في ضيق عظيم.
ع4: صهيون : المقصود أورشليم فهي الاسم القديم لها.
يستكمل شرح حالة أورشليم الذليلة بما يلي:
حِرمان أورشليم من إقامة أعياد الرب لأنها قد تدمرت ولا يأتي اليهود من كل البلاد إلى أورشليم للتعييد.
تحطيم وحرق أبواب أورشليم أي فقدت حصانتها وحمايتها.
الكهنة الذين يقودون العبادة في هيكل أورشليم في حزن شديد لأن الهيكل قد احترق ولا يستطيعون تقديم الذبائح والخدمة لله.
حزن فتاياتها ويقصد مرارة كل النفوس التي بها إذ يبكون على خراب مدينتهم العظيمة.
[2] الخطية سبب الذل (ع5-9)
5 صَارَ مُضَايِقُوهَا رَأْسًا. نَجَحَ أَعْدَاؤُهَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَذَلَّهَا لأَجْلِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهَا. ذَهَبَ أَوْلاَدُهَا إِلَى السَّبْيِ قُدَّامَ الْعَدُوِّ. 6 وَقَدْ خَرَجَ مِنْ بِنْتِ صِهْيَوْنَ كُلُّ بَهَائِهَا. صَارَتْ رُؤَسَاؤُهَا كَأَيَائِلَ لاَ تَجِدُ مَرْعًى، فَيَسِيرُونَ بِلاَ قُوَّةٍ أَمَامَ الطَّارِدِ. 7 قَدْ ذَكَرَتْ أُورُشَلِيمُ فِي أَيَّامِ مَذَلَّتِهَا وَتَطَوُّحِهَا كُلَّ مُشْتَهَيَاتِهَا الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ. عِنْدَ سُقُوطِ شَعْبِهَا بِيَدِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ مَنْ يُسَاعِدُهَا. رَأَتْهَا الأَعْدَاءُ. ضَحِكُوا عَلَى هَلاَكِهَا. 8 قَدْ أَخْطَأَتْ أُورُشَلِيمُ خَطِيَّةً، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ صَارَتْ رَجِسَةً. كُلُّ مُكَرِّمِيهَا يَحْتَقِرُونَهَا لأَنَّهُمْ رَأَوْا عَوْرَتَهَا، وَهِيَ أَيْضًا تَتَنَهَّدُ وَتَرْجعُ إِلَى الْوَرَاءِ. 9 نَجَاسَتُهَا فِي أَذْيَالِهَا. لَمْ تَذْكُرْ آخِرَتَهَا وَقَدِ انْحَطَّتِ انْحِطَاطًا عَجِيبًا. لَيْسَ لَهَا مُعَزّ. «انْظُرْ يَا رَبُّ إِلَى مَذَلَّتِي لأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ تَعَظَّمَ».
ع5: تعاظم أعداء أورشليم وتسلطوا عليها كرؤساء، أما هي فصارت في ذل لأن الرب هو الذي سمح بهذا تِأديبًا لها على خطاياها سواء بسبب عبادة الأوثان أو الشهوات الشريرة وقد قبض العدو على أفضل أبنائها وذهبوا بهم إلى بابل كعبيد.
† الخطية تفقد الإنسان قوته. فتذكر يا أخى أنك صورة لله وهيكل لروحه القدوس فتحيا له ولا تدنس نفسك بالخطية فتحتفظ بقوتك وتفرح مع الله.
ع6: أيائل : نوع من الغزلان سريع الحركة.
بسبب شرور أورشليم فقدت كل عظمتها وجمالها ورؤسائها الذين يقودونها ويدبرون أمورها إذ صاروا في خوف عظيم أمام العدو فهربوا بسرعة كما تجرى الأيائل بعيدًا بحثًا عن الطعام إذ لا تجد لها مرعى تأكل فيه، لأن أورشليم أصبحت في جوع وكاد الذين فيها يموتون فعمل الملك والرؤساء ثغرة في سور المدينة وهربوا منها ولكن أمسكتهم جيوش العدو وقتلتهم وأذلت الباقين منهم الذين صاروا في ضعف شديد وأخذتهم بابل مسبيين إليها، فجيوش بابل طاردت كل من حاول الهرب وقبضت عليه.
ع7: أثناء تخريب أورشليم تذكرت شهواتها العالمية وشرورها التي انغمست فيها، ورأت أنها فقدت كل لذاتها ويصور أورشليم بامرأة تتطوح من الضعف والخوف أمام العدو ومن ذلها استهزأ بها الأعداء البابليون وأفسدوها ودمروها.
ع8: رجسة : قذرة ومحتقرة.
عورتها : يشبه أورشليم بامرأة صارت في خزى بعد أن تعرت من ثيابها أي صارت خربة ليس فيها أي مجد.
يوضح أن الذل والاحتقار الذي حل بأورشليم هو بسبب خطيتها. وكل جيران أورشليم الذين كانوا يعظمونها احتقروها وهي في خزى فلم يعد فيها الهيكل ولا قصور بل جثث المقتولين النتنة وباقى أبنائها هربوا منها أو أخذهم العدو إلى السبي.
ع9: يشبه أورشليم بامرأة زانية أذيال ثوبها تُظهر نجاستها وسقوطها في الشر، أي أن سبب دمار أورشليم هو سقوطها في الشهوات النجسة. وللأسف عندما انغمست أورشليم في النجاسة نسيت أنها بنت الله ولم تستعد لحياتها الأبدية. لذا عندما أتى عليها غضب الله لم تجد من يعزيها في حزنها لأن الله هو الذي يعزى ويسند أولاده، فإن تركوه لن يجدوا من يعزيهم ويفرحهم بل يصيروا في حزن شديد.
ولكن يرجع النبى إلى الله نائبًا عن أورشليم ويطلب مراحمه وأن يرفع عنه العدو البابلي الذي تكبر وأذل شعب الله.
[3] تدنيس الهيكل (ع 10، 11)
10 بَسَطَ الْعَدُوُّ يَدَهُ عَلَى كُلِّ مُشْتَهَيَاتِهَا، فَإِنَّهَا رَأَتِ الأُمَمَ دَخَلُوا مَقْدِسَهَا، الَّذِينَ أَمَرْتَ أَنْ لاَ يَدْخُلُوا فِي جَمَاعَتِكَ. 11 كُلُّ شَعْبِهَا يَتَنَهَّدُونَ، يَطْلُبُونَ خُبْزًا. دَفَعُوا مُشْتَهَيَاتِهِمْ لِلأَكْلِ لأَجْلِ رَدِّ النَّفْسِ. «انْظُرْ يَا رَبُّ وَتَطَلَّعْ لأَنِّي قَدْ صِرْتُ مُحْتَقَرَةً».
ع10: مقدسها : هيكل الرب.
كان حزن أورشليم شديدًا بسبب سيطرة العدو على كل المدينة ولكن أهم ما فيها هو هيكل الرب الذي لا يصح دخول أي إنسان وثني إليه، أما الآن فقد دخله البابليون ودنسوه وأحرقوه بعدما سرقوا ما فيه من مقتنيات غالية.
ع11: عندما حاصرت بابل أورشليم نفذ الطعام داخلها واشتد الجوع بالشعب وحاولوا شراء الخبز بتقديم أغلى ما عندهم لعلهم يحيون، ثم تتنهد في حزن أورشليم وتطلب معونة الله لأجل الذل الذي صارت فيه.
† إن إبليس يحاول أن يحرمك من خبز الحياة أي المسيح إلهنا ويحاصرك بالخطية لتبتعد عن الله. فلا تستسلم له بل تمسك بإلهك واثبت في كنيسته متغذيًا بأسراره المقدسة وكلامه المشبع.
[4] الرب مؤدب شعبه (ع12-16)
12 «أَمَا إِلَيْكُمْ يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟ تَطَلَّعُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي، الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ؟ 13 مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا. بَسَطَ شَبَكَةً لِرِجْلَيَّ. رَدَّنِي إِلَى الْوَرَاءِ. جَعَلَنِي خَرِبَةً. الْيَوْمَ كُلَّهُ مَغْمُومَةً. 14 شَدَّ نِيرَ ذُنُوبِي بِيَدِهِ، ضُفِرَتْ، صَعِدَتْ عَلَى عُنُقِي. نَزَعَ قُوَّتِي. دَفَعَنِي السَّيِّدُ إِلَى أَيْدٍ لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ مِنْهَا. 15 رَذَلَ السَّيِّدُ كُلَّ مُقْتَدِرِيَّ فِي وَسَطِي. دَعَا عَلَيَّ جَمَاعَةً لِحَطْمِ شُبَّانِي. دَاسَ السَّيِّدُ الْعَذْرَاءَ بِنْتَ يَهُوذَا مِعْصَرَةً. 16 عَلَى هذِهِ أَنَا بَاكِيَةٌ. عَيْنِي، عَيْنِي تَسْكُبُ مِيَاهًا لأَنَّهُ قَدِ ابْتَعَدَ عَنِّي الْمُعَزِّي، رَادُّ نَفْسِي. صَارَ بَنِيَّ هَالِكِينَ لأَنَّهُ قَدْ تَجَبَّرَ الْعَدُوُّ».
ع12: يشبه أورشليم بامرأة تتطلع إلى العابرين في الطرق المؤدية إليها وهي خربة وحزينة على دمارها فتنادى العابرين لينظروا مدى حزنها لأن الله سمح بذلها في يوم هجوم بابل عليها.
ع13: تتابع أورشليم كلامها للعابرين فتقول لهم إن الله أرسل نارًا فحرقت عظامها. فهي تشبه بامرأة قد تحطمت إذ أحرق البابليون هيكل الله وقصور أورشليم ويشبه سقوطها بيد بابل بأن بابل قد بسطت شبكة فسقطت فيها أورشليم كفريسة واستولت عليها وهرب من أورشليم من استطاع، ومن بقى فيها صار في ذل وحزن دائم.
ع14: نير : خشبة توضع على عنق حيوانين لجر الآلات الزراعية وتربط برقبة الحيوان عن طريق حبل مضفور أي قوى.
تشبه أورشليم نفسها أيضًا بحيوان قد وضع على رقبته النير ثم أتى الله بحبل مضفور وربط به عنقها في النير ويقصد أنها قد أصبحت مستعبدة لبابل في ضعف وذل وفقدت قوتها إذ سقطت في أيدي قوية هي أيدى بابل.
ع15: تُعلن أورشليم أن الله هو الذي يسمح بهذه التأديبات فهو الذي سمح أن يحتقر كل أبنائها الأقوياء القادرين على الحرب فصاروا ضعفاء وحطم شبانها أي قوتها لأن الشباب يتميز بالقوة وتشبه أورشليم نفسها بعذراء قد وضعت في معصرة فسال دمها وضاعت كل قوتها.
ع16: المعزى راد نفسي : المقصود الله القادر أن يعزينى ويرد نفسي إلىّ فأحيا، فالذى أكثر من حزن أورشليم هو معرفتها أن التأديب من الله الذي كان يعزيها ويحييها وسط الضيقات، أما الآن فهو الذي سمح للضيقات بتأديبها ولن يعزيها لشرها. وكلما نظرت أورشليم لبنيها المقتولين وجثثهم ملقاة في الشوارع وقسوة العدو البابلي سالت دموعها.
† اقبل تأديب الله وأسرع للتوبة فهو رحيم ومستعد أن يرفع غضبه إن رجعت إليه. لا تيأس إن زادت الضيقات فهو قادر على رفعها عنك مهما كانت الظروف صعبة.
[5] أورشليم بلا معين (ع17-19)
17 بَسَطَتْ صِهْيَوْنُ يَدَيْهَا. لاَ مُعَزِّيَ لَهَا. أَمَرَ الرَّبُّ عَلَى يَعْقُوبَ أَنْ يَكُونَ مُضَايِقُوهُ حَوَالَيْهِ. صَارَتْ أُورُشَلِيمُ نَجِسَةً بَيْنَهُمْ. 18 «بَارٌّ هُوَ الرَّبُّ لأَنِّي قَدْ عَصَيْتُ أَمْرَهُ. اسْمَعُوا يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ وَانْظُرُوا إِلَى حُزْنِي. عَذَارَايَ وَشُبَّانِي ذَهَبُوا إِلَى السَّبْيِ. 19 نَادَيْتُ مُحِبِّيَّ. هُمْ خَدَعُونِي. كَهَنَتِي وَشُيُوخِي فِي الْمَدِينَةِ مَاتُوا، إِذْ طَلَبُوا لِذَوَاتِهِمْ طَعَامًا لِيَرُدُّوا أَنْفُسَهُمْ.
ع17: يشبه النبي إرميا أورشليم بامرأة ضعيفة تمد يديها طالبة المعونة أمام الهجوم البابلي لكن للأسف لم تجد من يعينها لأن الله أمر بتأديبها فتخلى عنها كل حلفائها سواء مصر أو كل البلاد المحيطة بها وهكذا ظل الحصار البابلي حول أورشليم ثم دخل الجيش البابلي ونجس الهيكل وخرب كل أورشليم.
ع18: تعترف أورشليم بخطاياها وعصيانها إلى الله الذي سبب هذا الخراب وتنظر أورشليم بحزن وهي ترى شبانها وفتيانها يؤخذون عبيدًا إلى السبي وليس من ينجدها. فهي تنادى الأمم المحيطة بها ولا يتحرك أحد ليسندها وينقذها من يد بابل.
ع19: تعلن أورشليم بأسف أن كل حلفائها الذين أحبوها ووعدوا بنجدتها قد تخلوا عنها بل أكثر من هذا أن الكهنة والشيوخ قد طلبوا إنقاذ أنفسهم وتركوا الشعب يهلك بيد بابل، وقد حاول الكهنة والرؤساء الهرب من أورشليم ولكن العدو قبض عليهم.
† لا تتكل على ذراع بشر لأن البشر غير مضمونين ووعودهم كاذبة لكن اتكل على الله فهو يخلصك مهما كان الخطر ووعوده صادقة إلى الأبد.
[6] صراخ إلى الله (ع20-22)
20 انْظُرْ يَا رَبُّ، فَإِنِّي فِي ضِيق! أَحْشَائِي غَلَتْ. ارْتَدَّ قَلْبِي فِي بَاطِنِي لأَنِّي قَدْ عَصَيْتُ مُتَمَرِّدَةً. فِي الْخَارِجِ يَثْكُلُ السَّيْفُ، وَفِي الْبَيْتِ مِثْلُ الْمَوْتِ. 21 سَمِعُوا أَنِّي تَنَهَّدْتُ. لاَ مُعَزِّيَ لِي. كُلُّ أَعْدَائِي سَمِعُوا بِبَلِيَّتِي. فَرِحُوا لأَنَّكَ فَعَلْتَ. تَأْتِي بِالْيَوْمِ الَّذِي نَادَيْتَ بِهِ فَيَصِيرُونَ مِثْلِي. 22 لِيَأْتِ كُلُّ شَرِّهِمْ أَمَامَكَ. وَافْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِي مِنْ أَجْلِ كُلِّ ذُنُوبِي، لأَنَّ تَنَهُّدَاتِي كَثِيرَةٌ وَقَلْبِي مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ».
ع20: مثل الموت : الباقين في البيت في ذعر وخوف مثل الموتى.
يثكل: يقتل الشباب فتصير أمهاتهم بلا أولاد أي ثكلى.
تصرخ أورشليم وقلبها يغلى من التأثر على قتلاها والذل الذي صارت إليه وتشبه نفسها بامرأة قد تحرك قلبها بشدة واضطرب في داخلها من أجل شبابها الملقاة جثثهم في الشوارع فصارت أورشليم كأم ثكلى وأيضًا الباقين في بيوت أورشليم صاروا مثل الموتى من الخوف.
ع21: تقول أورشليم أن الأمم المحيطة بها لما سمعوا ببليتها لم ينجدها أحد بل شمتوا بها وفرحوا بخرابها ولكنها تثق أن الله سيعاقب هؤلاء الأشرار الشامتين بها.
ع22: تصرخ أورشليم إلى الله لينتقم من جيرانها الشامتين بها وكما أدبها بالتخريب يعاقبهم هم أيضًا. تقول أورشليم هذا من كثرة حزنها الذي جعلها في عدم وعى.
† اصرخ إلى الله في كل ضيقاتك وثق أنه يحبك فهو يؤدبك إلى حين لترجع إليه فتنال مراحمه.
تفسير سفر مراثى ارميا الاصحاح الثانى

(1) تحطيمها (ع1- 5):
1 كَيْفَ غَطَّى السَّيِّدُ بِغَضَبِهِ ابْنَةَ صِهْيَوْنَ بِالظَّلاَمِ! أَلْقَى مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَخْرَ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْطِئَ قَدَمَيْهِ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. 2 ابْتَلَعَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَشْفِقْ كُلَّ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ. نَقَضَ بِسَخَطِهِ حُصُونَ بِنْتِ يَهُوذَا. أَوْصَلَهَا إِلَى الأَرْضِ. نَجَّسَ الْمَمْلَكَةَ وَرُؤَسَاءَهَا. 3 عَضَبَ بِحُمُوِّ غَضَبِهِ كُلَّ قَرْنٍ لإِسْرَائِيلَ. رَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ يَمِينَهُ أَمَامَ الْعَدُوِّ، وَاشْتَعَلَ فِي يَعْقُوبَ مِثْلَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ تَأْكُلُ مَا حَوَالَيْهَا. 4 مَدَّ قَوْسَهُ كَعَدُوٍّ. نَصَبَ يَمِينَهُ كَمُبْغِضٍ وَقَتَلَ كُلَّ مُشْتَهَيَاتِ الْعَيْنِ فِي خِبَاءِ بِنْتِ صِهْيَوْنَ. سَكَبَ كَنَارٍ غَيْظَهُ. 5 صَارَ السَّيِّدُ كَعَدُوٍّ. ابْتَلَعَ إِسْرَائِيلَ. ابْتَلَعَ كُلَّ قُصُورِهِ. أَهْلَكَ حُصُونَهُ، وَأَكْثَرَ فِي بِنْتِ يَهُوذَا النَّوْحَ وَالْحُزْنَ.
ع1: عندما هجمت بابل على أورشليم وحطمت كل ما فيها أفقدتها الحياة، فيشبه هذا بالظلام الذي خيم عليها وذلك بسبب ظلمة خطيتها إذ أن الظلام يرمز إلى الخطية وآثارها الشريرة. ويتعجب النبي بحزن على فقدان أورشليم كل مجدها وفخرها الذي هو هيكل الله، فكانت أورشليم تسمى مدينة الله وسط الشعوب ويدعوها موطئ قدمى الله أى مكانه على الأرض، لأنه في نظر البشر هو ساكن السماء إذ يسمو عن أفكارهم ولكن حلوله على الأرض هو في هيكله بأورشليم والذي كمل بتجسده وحلوله في كنيسته في العهد الجديد.
كانت أورشليم سامية بإيمانها وعبادتها لله ولكنها حطت من السماء إلى الأرض عندما عبدت الأوثان وسارت في شهواتها الشريرة ففقدت فخرها وحطمتها بابل.
ع2: وعد الله قديمًا يعقوب أب الآباء الساكن في الخيام بالبركة والخير ولكن نسله أي أورشليم واليهودية ساروا في الشر فابتلع الله مساكنهم وهي خيامهم بيد بابل أي أن الله حطم مساكنهم فلم توجد كما يبتلع الوحش فريسته فلا توجد ويعبر عن مساكنهم بالخيام ليذكرهم أنهم غرباء في العالم وتعلق قلوبهم ينبغى أن يكون في السماء وليس في الشهوات الأرضية لذا عندما انغمسوا في الشهوات فقدوا مكانهم وتحطمت مدينتهم.
اعتمدت أورشليم على أسوارها وحصونها لتحميها ولم تتكل على الله وعاشت في خطاياها لذا حطم قوتها المادية أي حصونها وبقوله يهوذا يقصد كل مملكة يهوذا أي أورشليم واليهودية. وكان التحطيم عنيفًا فتساوت القصور بالأرض وسمح الله للبابليين أن ينجسوا الهيكل بدخلوهم إليه وبدخولهم قصور الرؤساء وتحطيم الكل.
ع3: عضب: كسر.
القرن يمثل القوة في الحيوان فيهاجم به الحيوانات الأخرى، فيشبه هنا قوة إسرائيل بالقرون القوية ولكن الله كسرها عندما غضب عليها بواسطة بابل.
اليمين تمثل القوة، فالله تخلى عن شعبه برد يمينه إلى الوراء وترك بابل تحطم شعبه تأديبًا لهم ليتوبوا.
يشبه أيضًا قوة الله المؤدبة لشعبه بالنار التي تحرق شعبه، وهذا ما حدث عندما أحرقت بابل هيكل الله وقصور أورشليم.
ع4: خباء: الجزء الداخلي من الخيمة الذي لا يظهر لمن حولها.
يشبه الله نفسه بمحارب يمسك القوس ويضرب السهام على شعبه تأديبًا لهم وهكذا ظهر الله كعدو لشعبه أثناء تأديبهم بيد بابل ولكنه الأب المحب الذي يريد توبتهم ورجوعهم إليه.
أقام الله يمينه أي قوته ضد شعبه كأنه يبغضهم وذلك من خلال جيوش بابل والحقيقة أنه يريد بتأديبه رجوعهم إليه.
وكل ما امتلكته أورشليم وحفظته في قصورها من مشتهيات الإنسان دمره الله وقتله سواء البشر أو أملاكهم ونفائسهم التي خبأوها في بيوتهم.
وظهر غضب الله كمن هو مغتاظ من غيره وكجبار يسكب النار فتحرق أورشليم. كل هذا تم على يد بابل.
ع5: بقيام الله كعدو ضد شعبه وتدميره لقصور وحصون مدينته أورشليم جعل حزنها شديدًا.
† اعلم أن خطيتك هي تحد لله تستوجب الموت والله يطيل أناته عليك لتتوب فلا تتمادى في الشر لئلا يأتي عليك غضب الله فأسرع إلى التوبة لتنال مراحمه واعلم أنه كأب يبحث عن خلاصك حتى ولو من خلال الضيقات.
[2] رفض عبادتها (ع6، 7):
6 وَنَزَعَ كَمَا مِنْ جَنَّةٍ مَظَلَّتَهُ. أَهْلَكَ مُجْتَمَعَهُ. أَنْسَى الرَّبُّ فِي صِهْيَوْنَ الْمَوْسِمَ وَالسَّبْتَ، وَرَذَلَ بِسَخَطِ غَضَبِهِ الْمَلِكَ وَالْكَاهِنَ. 7 كَرِهَ السَّيِّدُ مَذْبَحَهُ. رَذَلَ مَقْدِسَهُ. حَصَرَ فِي يَدِ الْعَدُوِّ أَسْوَارَ قُصُورِهَا. أَطْلَقُوا الصَّوْتَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كَمَا فِي يَوْمِ الْمَوْسِمِ.
ع6: يتكلم هنا عن رفض الله عبادة شعبه له بنزعه خيمة اجتماعه معهم التي صارت هيكل سليمان، والذي كان موجودًا في أورشليم العظيمة التي يسميها جنة لأجل مجدها. وأهلك الله اليهود الذين كانوا يجتمعون للعبادة في هيكله، وهكذا احتقر الله أعياد اليهود التي يسمونها مواسم ومنها يوم السبت لأن شعبه صار خطية ولم يكرم الله حتى الرؤساء مثل الملك والكاهن لأنهم فسدوا وأضلوا الشعب.
ع7: وبحرق الهيكل وتدمير أورشليم أعلن الله رفضه لذبائح اليهود وكل ما يقدسونه له. بل أكثر من هذا سمح للأعداء أن يهدموا الأسوار ويذلوا الشعب ولذا ارتفعت صرخات اليهود كما في الأعياد والمواسم ولكن هنا صرخات الحزن بدل أصوات الفرح في الأعياد.
† لا تصر على خطية ما وتتهاون فيها لئلا يرفض الله صلواتك وعبادتك والأجدر بك أن تتوب فتصبح صلواتك أكثر عمقًا وقبولًا من الله.
[3] إذلالها (ع8-14):
8 قَصَدَ الرَّبُّ أَنْ يُهْلِكَ سُورَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ. مَدَّ الْمِطْمَارَ. لَمْ يَرْدُدْ يَدَهُ عَنِ الإِهْلاَكِ، وَجَعَلَ الْمِتْرَسَةَ وَالسُّورَ يَنُوحَانِ. قَدْ حَزِنَا مَعًا. 9 تَاخَتْ فِي الأَرْضِ أَبْوَابُهَا. أَهْلَكَ وَحَطَّمَ عَوَارِضَهَا. مَلِكُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا بَيْنَ الأُمَمِ. لاَ شَرِيعَةَ. أَنْبِيَاؤُهَا أَيْضًا لاَ يَجِدُونَ رُؤْيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. 10 شُيُوخُ بِنْتِ صِهْيَوْنَ يَجْلِسُونَ عَلَى الأَرْضِ سَاكِتِينَ. يَرْفَعُونَ التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. يَتَنَطَّقُونَ بِالْمُسُوحِ. تَحْنِي عَذَارَى أُورُشَلِيمَ رُؤُوسَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ. 11 كَلَّتْ مِنَ الدُّمُوعِ عَيْنَايَ. غَلَتْ أَحْشَائِي. انْسَكَبَتْ عَلَى الأَرْضِ كَبِدِي عَلَى سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي، لأَجْلِ غَشَيَانِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ فِي سَاحَاتِ الْقَرْيَةِ. 12 يَقُولُونَ لأُمَّهَاتِهِمْ: «أَيْنَ الْحِنْطَةُ وَالْخَمْرُ؟» إِذْ يُغْشَى عَلَيْهِمْ كَجَرِيحٍ فِي سَاحَاتِ الْمَدِينَةِ، إِذْ تُسْكَبُ نَفْسُهُمْ فِي أَحْضَانِ أُمَّهَاتِهِمْ. 13 بِمَاذَا أُنْذِرُكِ؟ بِمَاذَا أُحَذِّرُكِ؟ بِمَاذَا أُشَبِّهُكِ يَا ابْنَةَ أُورُشَلِيمَ؟ بِمَاذَا أُقَايِسُكِ فَأُعَزِّيكِ أَيَّتُهَا الْعَذْرَاءُ بِنْتَ صِهْيَوْنَ؟ لأَنَّ سَحْقَكِ عَظِيمٌ كَالْبَحْرِ. مَنْ يَشْفِيكِ؟ 14 أَنْبِيَاؤُكِ رَأَوْا لَكِ كَذِبًا وَبَاطِلًا، وَلَمْ يُعْلِنُوا إِثْمَكِ لِيَرُدُّوا سَبْيَكِ، بَلْ رَأَوْا لَكِ وَحْيًا كَاذِبًا وَطَوَائِحَ.
ع8: المطمار : خيط يستخدمه عامل البناء ليتأكد من استقامة السور وعدم ميله.
المترسة: حوائط تبنى للدفاع عن المدينة.
في غضب الله على أورشليم أراد أن ينزع عنها الحماية بهدم أسوارها. ويستخدم هنا المطمار مجازيًا فالمطمار يستخدم لضبط البناء والله يضبط أورشليم المعوجة بخطاياها فيهدمها لتتأدب وتتوب واستمر الله في تدمير أورشليم بيد بابل فيده الممدودة التي هي بابل لا تتردد حتى تخرب أورشليم، ولذا صارت أسوار ومتاريس أورشليم حزينة لأجل تهدمها وخراب مدينتها.
ع9: تاخت : غاصت.
عوارضها: الأخشاب العريضة التي في الأبواب.
عندما هجمت بابل حطمت أبواب أورشليم وأحرقتها فصارت رمادًا في الأرض فداستها أقدامهم، وقبضت بابل على الملك ورؤساء المدينة وذلك بسبب ابتعاد الشعب عن شريعة الله، والأنبياء صاروا كذبة لا يرون رؤى الله ولا يرشدون الشعب.
ع10: بنت صهيون : أورشليم.
يشبه أورشليم بإبنة أي فتاة لضعفها لأن الفتاة ترمز للضعف الجسدي ويقول أن شيوخها أي أعظم من فيها جلسوا على الأرض في مذلة وحقارة وساكتين لأنهم فقدوا القدرة على الدفاع عنها أو إعطاء أى مشورة للنجاة من هجوم الأعداء.
ومن أجل شناعة ما حدث معهم من التأديب الإلهي والذل يضعون التراب على رؤوسهم وهذه عادة شرقية قديمة تعبيرًا عن الحزن الشديد ويلبسون على وسطهم من أسفل ملابس خشنة هي المسوح تعبيرًا أيضًا عن الحزن.
أما العذارى اللاتي يمثلن الرجاء والفرح فقد غطتهم المذلة واحنوا رؤوسهم نحو الأرض.
ع11: كلت : تعبت جدًا.
غلت: اضطربت بشدة.
انسكبت على الأرض كبدى: سقطت أحشائى على الأرض وهو تعبير يرمز لفقدان كل راحة ويرمز أيضًا إلى الحزن الشديد.
سحق بنت شعبى: يشبه أورشليم بابنة ضعيفة قد طحنت بقتل أبنائها وإذلال كل من فيها.
غشيان: فقد الوعي.
يوضح إرميا ذو المشاعر الرقيقة حزنه الشديد في اضطراب قلبه وبكائه المستمر ومشاعره المرهفة على أورشليم المخربة وصراخ من فيها وخاصة منظر الأطفال الذين يفقدون الوعي من الجوع وهم يقتربون من الموت.
ع12: تسكب نفسهم : يموتون.
لا يحتمل إرميا منظر الأطفال الذين يطلبون الطعام والشراب من أمهاتهم العاجزات عن سد جوعهم ويستمرون في الطلب والبكاء حتى يفقدون الوعي ويستندون على أحضان أمهاتهم ثم يموتون. فهم يسقطون من الجوع مغشيًا عليهم كالمجروحين في الحرب.
ع13: أقايسك : لا أجد مدينة حزينة مثل حزنك فتكون مقياسًا يقاس به مدى حزنك لأن كل الأحزان أقل بكثير من حزنك.
شعر إرميا أمام أحزان أورشليم عند هجوم بابل عليها أنه فقد أي قدرة على إنذارها لأنها لم تسمع إنذارات الله السابقة على فمه ولا يستطيع تحذيرها لأن الهجوم البابلي قد حل بها ومقدار الدمار الذي تعرضت له لا يجد مدينة تشبهها فيه، خاصة وأنها كانت أعظم مدن العالم إذ فيها هيكل الرب وبالتالي حزنها لا مقياس له من شدته ويشعر أن خرابها متسع جدًا لا حدود له كالبحر الواسع فلا يجد كلمة يعزيها بها بل يغرق في حزنه من أجلها. ويمكن أن يكون قصده أن الهجوم البابلي قوى كالبحر الهائج الذي يغرق كل ما يصادفه.
ع14: طوائح : معلومات كاذبة مضللة تبعد النفس عن الله.
يوضح النبي سبب أساسى لهذا التخريب هو تعليم الأنبياء الكذبة الذين انتشروا في أورشليم فأضلوا الناس عن الله وتركوهم يغرقون في عبادة الأوثان والشهوات الشريرة وأعطوهم الأمان فلم ينذروهم بتأديب الله ليتوبوا. فظلوا مسبيين بالخطية فاستحقوا السبي والعبودية لبابل.
† لا تجامل الناس بكلمات تبعدهم عن الله ولكن إعلن الحق بالطريقة المناسبة حتى لو غضب البعض واهتم بتشجيعهم واحتملهم حتى لو أساءوا إليك فتكسب نفوسهم للمسيح فلا تتطلب راحتك بل خلاصهم فتفرح فلب الله الذي مات لأجل خلاصك.
[4] الاستهزاء بها (ع15-19):
15 يُصَفِّقُ عَلَيْكِ بِالأَيَادِي كُلُّ عَابِرِي الطَّرِيقِ. يَصْفِرُونَ وَيَنْغُضُونَ رُؤُوسَهُمْ عَلَى بِنْتِ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَهذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي يَقُولُونَ إِنَّهَا كَمَالُ الْجَمَالِ، بَهْجَةُ كُلِّ الأَرْضِ؟» 16 يَفْتَحُ عَلَيْكِ أَفْوَاهَهُمْ كُلُّ أَعْدَائِكِ. يَصْفِرُونَ وَيَحْرِقُونَ الأَسْنَانَ. يَقُولُونَ: «قَدْ أَهْلَكْنَاهَا. حَقًّا إِنَّ هذَا الْيَوْمَ الَّذِي رَجَوْنَاهُ. قَدْ وَجَدْنَاهُ! قَدْ رَأَيْنَاهُ». 17 فَعَلَ الرَّبُّ مَا قَصَدَ. تَمَّمَ قَوْلَهُ الَّذِي أَوْعَدَ بِهِ مُنْذُ أَيَّامِ الْقِدَمِ. قَدْ هَدَمَ وَلَمْ يَشْفِقْ وَأَشْمَتَ بِكِ الْعَدُوَّ. نَصَبَ قَرْنَ أَعْدَائِكِ. 18 صَرَخَ قَلْبُهُمْ إِلَى السَّيِّدِ. يَا سُورَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ اسْكُبِي الدَّمْعَ كَنَهْرٍ نَهَارًا وَلَيْلًا. لاَ تُعْطِي ذَاتَكِ رَاحَةً. لاَ تَكُفَّ حَدَقَةُ عَيْنِكِ. 19 قُومِي اهْتِفِي فِي اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْهُزُعِ. اسْكُبِي كَمِيَاهٍ قَلْبَكِ قُبَالَةَ وَجْهِ السَّيِّدِ. ارْفَعِي إِلَيْهِ يَدَيْكِ لأَجْلِ نَفْسِ أَطْفَالِكِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجُوعِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ.
ع15: ينغضون : يهزون وتعنى الإستهزاء.
يوضح البؤس الذي وصلت إليه أورشليم بعد تدميرها لدرجة أن يستهزئ بها كل من يمر بها ويوضح مجموعة تعبيرات للإستهزاء مثل التصفيق بالأيادى والتصفير إعلانًا لفظاعة حالتها وهز الرؤوس احتقارًا لها، ويتساءلون كيف كان الناس يمدحونها بأن جمالها كامل ومبهجة وسط جميع المدن لأن منظرها صار حقيرًا جدًا بعد خرابها.
ع16: يحرقون الأسنان : يصرون على أسنانهم دليلًا على الإستهزاء والشماتة.
من جهة أخرى يظهر استهزاء وشماتة الأعداء بقسوة على أورشليم ويعبرون عن ذلك بفتح أفواههم أي التعجب الشديد والاحتقار ويصفرون ويصرون على أسنانهم ويفرحون أنهم أهلكوا أورشليم وأنهم كانوا يتمنون هذا منذ زمان أي إخضاع العالم كله لبابل وكذلك الجيران الذين يغيرون من عظمة أورشليم فيشمتون بها.
ع17: نصب : أقام.
يقرر إرميا أن كل هذا الدمار هو إتمام لمقاصد الله تأديبًا لشعبه، وهو قد وعد منذ أيام الآباء وموسى النبي بمكافأة من يطيع وصاياه ومعاقبة من يخالفها، كما أعلن البركات واللعنات عند جبلى جرزيم وعيبال (تث27: 12، 13) فأدب الله شعبه بشدة ليتوبوا وظهرت قوة الأعداء التي ضربت أورشليم ويرمز إليها بالقرن لأنها أقوى ما في الحيوان.
ع18: أمام استهزاء وشماتة الكل بأورشليم لا تجد أمامها إلا الله لتصرخ إليه حتى يسامحها ويرفع عنها العقاب وفى ندمها تبكى كثيرًا حتى أنه شبه كثرة دموعها بالنهر الجاري. يعلن هذا الحزن من خلال سور أورشليم المتهدم فيبكى كثيرًا أي أن أورشليم تقول لله أنها فقدت كل حماية لها وليس لها معين إلا الله. ويشجعها النبي على استمرار البكاء والندم لتنال مراحم الله.
ع19: الهزع: قسم من الليل ويقسم الليل إلى ثلاثة أو أربعة هزع.
يستمر النبي في تشجيع أورشليم على الندم فلا تقدم توبة فقط في النهار بل أيضًا في الليل منذ بدايته أي في الهزيع الأول تقدم توبة بدموع وترفع يديها بتضرع خاصة عندما ترى أطفالها يفقدون الوعي من كثرة الجوع ويكادوا أن يموتوا.
† عندما تحل بك ضيقة ليتك لا تتذمر أو تضطرب من أجل ما خسرته بل افهم مقاصد الله وقدم توبة متذكرًا خطاياك واندم بدموع ومطانيات وقدم وعودًا بالحياة الجديدة معه فتستعيد سلامك وراحتك.
[5] صرخة إلى الله (ع20-22):
20 «اُنْظُرْ يَا رَبُّ وَتَطَلَّعْ بِمَنْ فَعَلْتَ هكَذَا؟ أَتَأْكُلُ النِّسَاءُ ثَمَرَهُنَّ، أَطْفَالَ الْحَضَانَةِ؟ أَيُقْتَلُ فِي مَقْدِسِ السَّيِّدِ الْكَاهِنُ وَالنَّبِيُّ؟ 21 اضْطَجَعَتْ عَلَى الأَرْضِ فِي الشَّوَارِعِ الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ. عَذَارَايَ وَشُبَّانِي سَقَطُوا بِالسَّيْفِ. قَدْ قَتَلْتَ فِي يَوْمِ غَضَبِكَ. ذَبَحْتَ وَلَمْ تَشْفِقْ. 22 قَدْ دَعَوْتَ كَمَا فِي يَوْمِ مَوْسِمٍ مَخَاوِفِي حَوَالَيَّ، فَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ نَاجٍ وَلاَ بَاق. اَلَّذِينَ حَضَنْتُهُمْ وَرَبَّيْتُهُمْ أَفْنَاهُمْ عَدُوِّي».
ع20: أطفال الحضانة : أي الرضع.
تصرخ أورشليم من شدة الألم وتذكر الله بأنها ابنته فلماذا أذلها إلى هذه الدرجة. هي بالطبع تعلم أن هذا تأديب إلهى لتتوب ولكنها لا تستطيع أن تقبل بسهولة هذا الذل الذي وصلت إليه فمن شدة الجوع أكلت الأمهات أطفالها الرضع. ووصل العنف البابلي إلى قتل شيوخ الشعب وأنبيائه الواقفين للعبادة في هيكل الله.
ع21: تكمل أورشليم صراخها إلى الله متألمة من أجل شبابها وشيوخها الملقين قتلى وجرحى في شوارعها بسبب تأديب الله الشديد لها في يوم الغضب أي بالهجوم البابلي عليها.
ع22: موسم : عيد.
تشبه أورشليم زحام وكثرة المقتولين والمجروحين من أبنائها كأنهم اجتمعوا في يوم عيد من أعياد الرب ولكن اجتمعوا للحزن والسقوط جرحى وموتى، ومن حاولوا الهرب أدركتهم جيوش بابل أي وصل التخريب والقتل إلى كل مكان وإنسان وهكذا فقدت بابل أبناءها الذين نشأوا ونموا فيها الذين ماتوا بيد بابل وصارت في خوف عظيم من أعدائها.
† إن كنت تخاف الله وتحفظ وصاياه وتبتعد عن مصادر الخطية تصير قويًا ولا تضطرب من تهديدات الناس لأن إلهك يدافع عنك ويحميك فكن على صلة مستمرة به فتحيا مطمئنًا.

تفسير سفر مراثى ارميا الاصحاح الثالث
1) انسحاق شعب الله (ع1- 20):
1 أَنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي رأَى مَذَلَّةً بِقَضِيبِ سَخَطِهِ. 2 قَادَنِي وَسَيَّرَنِي فِي الظَّلاَمِ وَلاَ نُورَ. 3 حَقًّا إِنَّهُ يَعُودُ وَيَرُدُّ عَلَيَّ يَدَهُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. 4 أَبْلَى لَحْمِي وَجِلْدِي. كَسَّرَ عِظَامِي. 5 بَنَى عَلَيَّ وَأَحَاطَنِي بِعَلْقَمٍ وَمَشَقَّةٍ. 6 أَسْكَنَنِي فِي ظُلُمَاتٍ كَمَوْتَى الْقِدَمِ. 7 سَيَّجَ عَلَيَّ فَلاَ أَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ. ثَقَّلَ سِلْسِلَتِي. 8 أَيْضًا حِينَ أَصْرُخُ وَأَسْتَغِيثُ يَصُدُّ صَلاَتِي. 9 سَيَّجَ طُرُقِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قَلَبَ سُبُلِي. 10 هُوَ لِي دُبٌّ كَامِنٌ، أَسَدٌ فِي مَخَابِىءَ. 11 مَيَّلَ طُرُقِي وَمَزَّقَنِي. جَعَلَنِي خَرَابًا. 12 مَدَّ قَوْسَهُ وَنَصَبَنِي كَغَرَضٍ لِلسَّهْمِ. 13 أَدْخَلَ فِي كُلْيَتَيَّ نِبَالَ جُعْبَتِهِ. 14 صِرْتُ ضُحْكَةً لِكُلِّ شَعْبِي، وَأُغْنِيَةً لَهُمُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. 15 أَشْبَعَنِي مَرَائِرَ وَأَرْوَانِي أَفْسَنْتِينًا، 16 وَجَرَشَ بِالْحَصَى أَسْنَانِي. كَبَسَنِي بِالرَّمَادِ. 17 وَقَدْ أَبْعَدْتَ عَنِ السَّلاَمِ نَفْسِي. نَسِيتُ الْخَيْرَ. 18 وَقُلْتُ: «بَادَتْ ثِقَتِي وَرَجَائِي مِنَ الرَّبِّ». 19 ذِكْرُ مَذَلَّتِي وَتَيَهَانِي أَفْسَنْتِينٌ وَعَلْقَمٌ. 20 ذِكْرًا تَذْكُرُ نَفْسِي وَتَنْحَنِي فِيَّ.
ع1: قضيب: عصا.
يشعر إرميا بآلام شعبه فينسحق معهم ولأجلهم مع أنه لم يخطئ أخطاءهم ولكن كخادم أمين بروح الأبوة يشعر بآلامهم كأنها فيه، فخراب أورشليم وذلها قد أتى عليه ويشعر أن الله هو المؤدب له ولشعبه بسبب الخطية مستخدمًا قضيبه الذي هو بابل لتعلن غضبه الشديد على شعبه المتمادي في الخطية.
ع2: عندما ضربت أورشليم فقدت مساكنها ومصابيحها وارتفع غبار التدمير فجعل الجو مظلمًا وكئيبًا كل هذا بسبب خطاياهم التي يرمز إليها بالظلام فقد بدأوا بالسير في ظلمة الخطية وفقدوا أنوار مدينتهم كل هذا تعبير عن فقدانهم النور أي عدم رؤيتهم لله فإذا بدا الشعب بالسير في الخطية أكمل الله تسييرهم في الظلام أي تأديبهم بتخريب بابل لهم.
ع3 : يد الله المؤدبة هي بابل التي لم تضربهم مدة بل مدد كثيرة ويقصد باليوم كله أي فترة كبيرة شهور وسنين وذلك لقساوة قلب شعب الله إذ لا يعودون إلى الله بالتوبة إلا بتأديبات كثيرة وشديدة.
† افهم مقاصد الله عندما تأتيك ضيقة وراجع نفسك وتب عن خطاياك لتحمي نفسك من ضيقات أخرى مقبلة وحتى ترجع إلى أحضانه فتتمتع بأبوته ومحبته. إنه يؤدبك لأنه يحبك فلا يتركك تهلك بسبب خطاياك بل يؤدبك باللين والشدة فلا تتذمر بل أشكره على محبته وارجع إليه.
ع4: يشعر إرميا كنائب عن شعبه أن ضربات العدو كانت كثيرة حتى أن لحمه امتلأ من الكدمات والجراحات الكثيرة فصار منظره باليًا، وتكسير عظامه معناها الدخول إلى أعماقه والإساءة إلى مشاعره الداخلية لأن العظام مختفية باللحم. وهو يرمز للمسيح المعلق على الصليب ودمه ينزف وآثار الجلدات على ظهره وأساء إليه الكل حتى أحباءه حين تركوه وخانه تلميذه وليس المقصود كسر العظام بالمعنى الفعلي فالمسيح لم يُكسر له عظم ولكن المعنى مجازي إذ هذه الأحداث حدثت مع أورشليم وإرميا ينسبها لنفسه بسبب مشاعر أبوته لهم وإحساسه بهم.
ع5: علقم: نبات شديد المرارة.
مشقة: أي شقاء وألم شديد.
يصوّر حصار بابل لأورشليم والمتاريس والأبراج التي بنوها عليها وحواليها بمرارة وشقاء إذ حرموا سكان أورشليم حتى كادوا يموتون.
ع6: يشبه الظلام الذي أصبحت فيه أورشليم المدمرة كأنه ظلام القبر إذ انتشرت جثث أبنائها في الشوارع والجرحى في بقايا البيوت المتهدمة وهذه هي النتيجة الطبيعية للخطية أي الموت وظلمة القبر.
ع7: سيج: أقام سورًا.
حاصرت بابل أورشليم فمنعت أهلها من الخروج حتى كادوا يموتون جوعًا وصارت بهذا كالمسجون المقيد بسلاسل لا يستطيع الحركة.
† هكذا من تهاون مع الخطية يفقد حريته وتسيطر عليه وتذله.
ع8: شعر إرميا بضيق شعبه الذي صرخ إلى الله عند الهجوم البابلي عليه ولكن الله رفض صلاته. وذلك لأن الصلاة لم تكن صلاة توبة حقيقية بل مجرد ضيق من هجوم بابل مما سبب ضيقًا شديدًا لشعب الله وهذا هو التأديب الذي أراده الله ليرجعوا عن خطاياهم.
ع9: حجارة منحوتة: حجارة مجهزة للبناء لا يوجد بينها ثغرات أو منفذ للهرب.
قلب: سد.
يشرح ما عملته بابل مع أورشليم حين بنت حول أسوارها المتاريس بحجارة منحوته حتى أن الشعب إن هرب من المدينة من شدة الجوع تحاصره المتاريس وتسد طريقه فتقبض عليه جيوش بابل.

† الخطيئة تمنع الإنسان وتسد طريقه عن البر والحياة مع الله.
ع10: من المعروف عن حيوان الدب أنه يختبئ في هدوء ليهجم على فريسته وكذلك الأسد فهنا يشبه بابل بالدب والأسد المحاصر لأورشليم ليهجم عليها ويدمرها. بل أنه يرى الله هو الذي يهاجمه تأديبًا له.
† احترس من أن تجعل الله عدوًا لك وارجع إليه بالتوبة وَأَطِع وصاياه.
ع11: ميل طرقي: جعلها معوجة وتُضل من يسير فيها.
من أجل كثرة خطايا شعب الله سمح الله أن تكون طرق شعبه معوجة تؤدي إلى هلاكه وتدمير مدنه فقد تحالف ملكهم صدقيا مع مصر وفي نفس الوقت نافق ملك بابل وتظاهر بالخضوع له فغضب ملك بابل من ريائه وهجم عليه وحطمه.
† عندما يتمرد الإنسان على الله يتخلى عنه ويسلمه إلى ذهن مرفوض فيسير في طرق معوجة تهلكه فإن أخطأت فارجع إلى الله ولا تتمادى في شرك.
ع12: يظهر مدى قسوة الهجوم البابلي على أورشليم كمن ربط إنسانًا وأقامه أمامه ثم صوب سهامه نحوه لتخترق جسده وتهلكه.
† الله إما أن يجعلك غرضًا لسهامه أو غرضًا لبركاته وخيراته هذا حسب تبعيتك له بحفظ وصاياه أو تحديك له بعمل الخطية.
ع13: نبال: سهام .
جعبته: حقيبة جلدية تحفظ فيها السهام.
يصور عمق الجروح التي أصابت شعب الله من بابل بسهام اخترقت شعبه حتى العمق ليخلصه من كل شر دفين داخله، والكلى ضرورية للحياة فالله يريد أن يفقدهم حياتهم الشريرة الماضية ليحيوا معه من جديد في نقاوة.
ع14: كل شعبي: يقصد كل شعوب المنطقة المحيطة ببني إسرائيل.
من أجل خراب أورشليم شمت بها جيرانها واستهرأوا بها. والمقصود باليوم كله أي استمرار الاستهزاء.
ع15: مرائر: جمع مر والمقصود ضيقات كثيرة.
أفسنتينا : نبات مر وسام.
الدمار الذي حل بأورشليم هو ضيق عظيم يشبهه بشخص أكل كثيرًا حتى شبع أي امتلأت أورشليم من الضيق بل وسرت السموم في جسدها فمات الكثير من أبنائها.
ع16: جرش: كسر.
كبسني: غطاني.
يشبه إرميا أورشليم برجل أجبره الله أن يأكل الحصى فتكسرت أسنانه. ولم يضع في فمه فقط الحصى بل ملأه وغطاه من الرماد لأن بابل أحرقت أورشليم فامتلأت شوارعها من الرماد أطبقت على سكانها الذين ماتوا أو سقطوا مغشيًا عليهم.
† الإنسان يعاني من نتائج خطاياه فما يظنه لذيذًا في الخطية يفاجأ بأنه كالحصى يكسر أسنانه وما يظنه مبهجًا يجده رمادًا بعد أن احترقت طاقات الإنسان بالشر فلا يبقى له سوى الرماد والحسرة والندم.
ع17: من ضيق أورشليم الشديد يشعر إرميا أنها فقدت السلام وكل خيراتها القديمة وباتت في ذل واحتقار.
ع18: بدأ اليأس يتسلل إلى قلب أورشليم المخربة أمام تأديبه الشديد.
ع19: وكلما فكرت أورشليم في الذل الذي صارت إليه وضلالها عن الله شعرت بمرارة شديدة مثل مرارة نباتات الأفسنتين العلقم.
ع20: وبهذه التذكارات المؤلمة تنحني نفس إرميا أو أورشليم أي تنكسر وتتذلل وتنسحق.
[2] رجاؤه في الرب (21 - 38)
21 أُرَدِّدُ هذَا فِي قَلْبِي، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُو: 22 إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. 23 هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. 24 نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُوهُ. 25 طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ. 26 جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ. 27 جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ النِّيرَ فِي صِبَاهُ. 28 يَجْلِسُ وَحْدَهُ وَيَسْكُتُ، لأَنَّهُ قَدْ وَضَعَهُ عَلَيْهِ. 29 يَجْعَلُ فِي التُّرَابِ فَمَهُ لَعَلَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. 30 يُعْطِي خَدَّهُ لِضَارِبِهِ. يَشْبَعُ عَارًا. 31 لأَنَّ السَّيِّدَ لاَ يَرْفُضُ إِلَى الأَبَدِ. 32 فَإِنَّهُ وَلَوْ أَحْزَنَ يَرْحَمُ حَسَبَ كَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ. 33 لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ. 34 أَنْ يَدُوسَ أَحَدٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ كُلَّ أَسْرَى الأَرْضِ، 35 أَنْ يُحَرِّفَ حَقَّ الرَّجُلِ أَمَامَ وَجْهِ الْعَلِيِّ، 36 أَنْ يَقْلِبَ الإِنْسَانَ فِي دَعْوَاهُ. السَّيِّدُ لاَ يَرَى! 37 مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟ 38 مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ أَلاَ تَخْرُجُ الشُّرُورُ وَالْخَيْرُ؟
ع21: هذا: الآلام التي تضايقت بها نفس إرميا من أجل شعبه.
عندما يردد إرميا الآلام التي يمر بها شعبه لا ييأس ولا يتذمر لأنه يرجو الله الذي يؤمن أنه سيرفع هذه الضيقات عن شعبه ويعزي ويسند نبيه إرميا وسيعيد شعبه من السبي ويمجده.
ع22: بالعين البسيطة يرى إرميا النعمة التي يتمتع بها وهي وإن كان شعب الله قد مات منه الكثيرون وتضايق جدًا الباقون ولكن لم يفن الشعب كله فخطايا الشعب تستوجب موت الكل ولكن مراحم الله قد أبقت بقية لشعبه حتى يتوبوا فيباركهم ويعوضهم عن كل ما فات.
† ليتك تشكر الله على البركات التي تتمتع بها مهما أحاطت بك الضيقات فأنت بهذا تظهر بنوتك لله وتمسكك به باحتمالك الآلام وإذ تشكره تتمتع بعنايته وبركاته الجزيلة.
ع23: يعلن أن مراحم الله وعطاياه متجددة للإنسان كل يوم فهو يشرق بشمسه ويعطي هواءه للكل ويثبت الأرض ويغطيها بالسماء ويلجم البحر حتى لا يفيض على الأرض إنه ضابط الكل والمعتني بالإنسان فكم يستحق الشكر. فالله أمين في حبه وأبوته للإنسان مهما أخطأ في حقه أو قصر في علاقته به، فمهما أساء الإنسان وأهمل بنوته لله يظل الله بأبوته يطلب خلاص الكل حتى نهاية العمر.
ع24: من أجل تقلب العالم والماديات اختار النبي النصيب الصالح وهو محبته لله، ويكون الله نصيبه أي هدفه ومطلبه فيجري إليه ويتمتع بعشرته ولا ينزعج من أجل أي خسارة مادية لأن الله يعوضه.ومن أجل تعلق الإنسان بالله مهما حلت به من ضيقات يظل رجاؤه ثابت في الله.
ع25: إن مراحم الله تعطي لمن له رجاء بالله وإيمان به فلا يرى الإنسان رحمة الله وكثرة محبته إلا إذا كان يؤمن به ويطلبه.
ع26: يستلزم الرجاء الثقة في مواعيد الله فينتظر إحساناته مهما استمرت الضيقات ويستمر صامتًا مهما عيره الآخرون لأن الله سيتدخل في النهاية ويمجد أولاده الصابرين المجاهدين في طريقه.
ع27: نيره : خشبة مستعرضة توضع على رقبتي الحيوانين اللذين يجران الآلات الزراعية وترمز لحمل الآلام.
ينظر إرميا للآلام على أنها ضرورية لتكوين شخصية الإنسان وتعطيه صلابة روحية لذلك ينادي الشباب الفائر المملوء حيوية أن لا يتذمر على حمل الآلام بل يقبلها في صباه ليصير له شخصية قوية ناجحة مع الله والناس.
ع28: يصور احتمال الرجل القوي للآلام بسكوته صابرًا عليها وجالسًا وحده معزولًا عن كل تنعم فينال التعزية والبركة في النهاية.
وهذه الآية والسابقة لها نبوة واضحة عن المسيح الذي حمل الصليب وهو شاب ووقف الكل ضده ينادون أصلبه أما هو فلم يفتح فاه.
ع29: عندما تزداد الآلام على الإنسان يتذلل إلى الأرض والتراب الذي يعبر عنه هنا بامتلاء فمه بالتراب، وهو يحتمل، ولكن يحاربه اليأس فيقول لعله يوجد رجاء أي قد يحارب بالتشكك في الرجاء ولكنه يظل متمسكًا بالله فينجيه في النهاية.
ع30: من أصعب الآلام الآلام النفسية مثل اللطمات على الوجه والتعيير، ولكن ثبات الإنسان في إيمانه يعوضه في النهاية الله بأمجاد كثيرة، وهنا النبوة واضحة عن اللطمات والإهانات والتعييرات التي احتملها المسيح عند القبض عليه وصلبه.
ع31: يؤكد إرميا أن الله لا يرفض أولاده إلى الأبد بل يتخلى عنهم مؤقتًا ليتوبوا ثم يعود فيرحمهم ويعوضهم عن أتعابهم، وهذا ما ظهر على الصليب وعبر عنه المسيح بقوله "إلهي إلهي لماذا تركتني" ولكن بعد موته قام بقوة عظيمة.
ع32: إن كان الله يسمح بحزن أولاده مؤقتأً ولكنه يعود فيرحمهم بمراحمه الكثيرة.
ع33: الله لا يقصد أبدًا من قلبه أن يذل أولاده ويحزنهم، بل يتألم لأجل آلامهم ولكن يسمح بالضيقات حتى يتوبوا ثم يكافئهم ويعوضهم.
ع34: قد تحدث مظالم على الأرض ويقبض الإنسان على الآخرين ويضعهم في الأسر ويذلهم، الذي يعبر عنه بالدوس عليهم، ولكن الله يسمح بهذا مؤقتأً لتأديب أولاده ثم يرحمهم أما الظالم فيعاقبه بشدة لعله يتوب.
ع35: من المظالم المعروفة أن يسرق الإنسان حق غيره ويتهمه زورًا ويعاقب غيره وهو مظلوم كما حدث مع المسيح عند صلبه وهو بلا خطية ولكن الله في النهاية يرفع كل هذا وهو مراقب لكل ما يحدث.
† لا تضطرب عند كثرة ضيقاتك لأن إلهك يرى كل شيء عن قرب ويسندك حتى تحتمل ثم يمجدك بأمجاد لا يعبر عنها في الأرض وفي السماء.
ع36: يظن الظالم أن الله لا يراه فيقلب الحقائق ويكذب ليسلب حقوق الآخرين ولكن الله لابد أن يعاقبه لأن الله عادل.
† إن كان لك سلطان فلا تستخدمه لمصلحتك وتعوج العدل خاصة وإن كان من أمامك غير قادر على مقاومتك وخف من إلهه لأنه يدافع عنه.
ع37: يعلن حقيقة واضحة في النهاية وهي أن الله ضابط الكل الذي يسمح بكل هذه الضيقات لمصلحة أولاده حتى يتوبوا ويتخلصوا من خطاياهم ويزدادوا قوة روحية.
ع38: يقصد بالشرور أن الله يسمح بالظلم ولكنه بالطبع لا يوافق عليه وهو المحرك لأعمال الخير من خلال أولاده الأتقياء، فالله هو الذي يسمح بالخير والشر ويوجه كل شيء لمصلحة أولاده
[3] الحاجة إلى التوبة ( ع 39 - 54):
39 لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟ 40 لِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجعْ إِلَى الرَّبِّ. 41 لِنَرْفَعْ قُلُوبَنَا وَأَيْدِيَنَا إِلَى اللهِ فِي السَّمَاوَاتِ: 42 «نَحْنُ أَذْنَبْنَا وَعَصَيْنَا. أَنْتَ لَمْ تَغْفِرْ. 43 الْتَحَفْتَ بِالْغَضَبِ وَطَرَدْتَنَا. قَتَلْتَ وَلَمْ تَشْفِقْ. 44 الْتَحَفْتَ بِالسَّحَابِ حَتَّى لاَ تَنْفُذَ الصَّلاَةُ. 45 جَعَلْتَنَا وَسَخًا وَكَرْهًا فِي وَسَطِ الشُّعُوبِ. 46 فَتَحَ كُلُّ أَعْدَائِنَا أَفْوَاهَهُمْ عَلَيْنَا. 47 صَارَ عَلَيْنَا خَوْفٌ وَرُعْبٌ، هَلاَكٌ وَسَحْقٌ». 48 سَكَبَتْ عَيْنَايَ يَنَابِيعَ مَاءٍ عَلَى سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي. 49 عَيْنِي تَسْكُبُ وَلاَ تَكُفُّ بِلاَ انْقِطَاعٍ 50 حَتَّى يُشْرِفَ وَيَنْظُرَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. 51 عَيْنِي تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِي لأَجْلِ كُلِّ بَنَاتِ مَدِينَتِي. 52 قَدِ اصْطَادَتْنِي أَعْدَائِي كَعُصْفُورٍ بِلاَ سَبَبٍ. 53 قَرَضُوا فِي الْجُبِّ حَيَاتِي وَأَلْقَوْا عَلَيَّ حِجَارَةً. 54 طَفَتِ الْمِيَاهُ فَوْقَ رَأْسِي. قُلْتُ: «قَدْ قُرِضْتُ!»
ع39: قصاص: عقاب
يتعجب إرميا من تذمر شعبه على التدمير الذي عملته بابل في أورشليم واليهوديه ويصور أورشليم برجل أو إنسان حي تقع عليه الضربات فتصيب بعض أعضائه وتجرح الآخر ولكن للأسف لم تفهم أورشليم أن هذه الضيقة هي تأديب من الله على خطاياها لتتوب فهذه التجربة هي عقاب من الله على خطاياهم لتنتبه وترجع إليه. وكان الأولى بأورشليم أن تصير قوية كالرجل في قوته وتقف ضد خطاياها وتمتنع عنها، مقدمة توبة حقيقية جادة.
ع40: نفصح طرقنا: محاسبة أنفسنا.
يقدم النبي الحل وهو محاسبة النفس والرجوع إلى الله ثم امتحان النفس عن طريق السلوك في التوبة ليعرف الإنسان مدى خضوعه لله ورفضه للخطية.
ع41: يستكمل مظاهر التوبة وهي أن تقترن بالصلاة فالتوبة ليست فقط ترك الخطية بل إقامة علاقة حب مع الله، ويطالب شعبه ليس فقط أن يرفعوا أيديهم لله بل قلوبهم أيضًا أي يتركوا عنهم العبادة المظهرية السطحية ويعبدوا الله بعمق.
ع42: يقرر في النهاية أن سبب عدم غفران الله لشعبه ومعاقبتهم هو خطاياهم في حق الله.
ع43: التحفت : تغطيت بغطاء هو اللحاف.
عندما يغطي الإنسان نفسه باللحاف لا يظهر جسده بل الغطاء فقط فيستعير بدل اللحاف بالغضب فيتغطى به الله أي لا يظهر للإنسان غير غضب الله وهذا ما حدث في تدمير أورشليم بيد بابل وقتل أبنائها بقسوة.
ع44: ثم يعلن أن الله التحف أيضًاَ بالسحاب الذي لا يرى الإنسان ما خلفه أي أصبح الله عندما التحف بالسحاب متباعدًا عن الإنسان ولم يقبل صلاته لأن ليس فيها توبة بل مجرد طلب التخلص من الضيق.
ع45: من تأديب الله أنه أظهر أورشليم في حقارة بعد تدميرها وسط كل الشعوب المحيطة بها التي كانت هي أعظم منهم والآن هي أحقر من الكل بسبب الخطية.
ع46: كذلك استهزأ الأعداء المحيطون بنا ومن علامات الاستهزاء والتعجب فتح الفم عند رؤية دمار أورشليم. كل هذا يرمز لما حدث مع المسيح عندما حمل خطايانا وعقابها على الصليب دون أن يتذمر واحتمل التعيير والاستهزاء من أجل فدائنا فما كان ينبغي أن يأتي علينا حمله عنا.
† ليت تأملك في فداء المسيح يولد داخلك شكر دائم له وتمتع بحياتك الجديدة فيه واستعدادك أن تحتمل الآلام من أجل من حولك حتى لو اتهمت زورًا بدلًا ممن حولك لتستر عليهم.
ع47: يوضح مشاعر اليهود عند هجوم بابل عليهم وهو الخوف والرعب لأن بابل كانت قاسية فقتلت الكثيرين.
ع48: لم يجد إرميا أمامه إلا البكاء بشدة حزنًا على شعبه المنكوب فرغم معرفته بأن هذا هو عقاب خطاياهم ولكن أبوته حركت أحشاءه بالبكاء الشديد.
ع49: واستمر النبي في بكائه لأن التدمير البابلي ظل سنوات ولكن كان هذا ضروريًا حتى يتوب الشعب ويرجع إلى الله.
ع50: كل هذا البكاء لم يكن يأسًا أي حزنًا بلا فائدة ولكن تضرعًا لله ليقبل توبة الشعب وينظر بعين الحنان إليهم ويسامحهم.
وهنا يظهر دور الخادم الذي يتقدم كنائب عن شعبه بطلب مراحم الله لهم معتبرًا نفسه هو الخاطئ المحتاج إلى التوبة وهو بهذا رمز للمسيح الذي لم يعمل خطية ومات لخلاصنا.
ع51: يظهر النبي أن دموعه ليست خارجية سطحية بل نابعة من القلب لأجل انسحاق وذل شعبه ويصورهم ببنات أي لا قوة جسدية لهن أمام قسوة بابل.
ع52: يتكلم هنا إرميا عن نفسه عندما وقعت الآلام عليه وأخذ للسبى إلى بابل دون أن يخطئ ولكن تدخل الله فانتبهوا وأعادوه إلى أورشليم بحسب رغبته وهو هنا يرمز للمسيح الذي مات بلا خطية عاد حيًا وقام من بين الأموات.
ع53: الجب: حفرة عميقة.
قرضوا: أزالوا وأهلكوا.
ما حدث لأورشليم في تدميرها يشبهه بدفن الرجل في القبر، فإن بابل أرادت سحق اليهود حتى لا يكون لهم قيام بعد ذلك.
وهذا ما فعله اليهود بالمسيح فلم يكتفوا بتعذيبه بل قتلوه ووضعوه في القبر.
ع54: يشبه إرميا أورشليم برجل يغرق في الماء حتى تغطى رأسه فهلك وهذا ما حدث في تدمير أورشليم وفي موت المسيح، ولذا فنحن المسيحيون نموت مع المسيح بالدفن في ماء المعمودية ثم نقوم بقوته إلى حياة جديدة وطبيعة جديدة.
[4] صرخة إلى الله (ع 55 - 66):
55 دَعَوْتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ مِنَ الْجُبِّ الأَسْفَلِ. 56 لِصَوْتِي سَمِعْتَ: «لاَ تَسْتُرْ أُذُنَكَ عَنْ زَفْرَتِي، عَنْ صِيَاحِي». 57 دَنَوْتَ يَوْمَ دَعَوْتُكَ. قُلْتَ: «لاَ تَخَفْ!». 58 خَاصَمْتَ يَا سَيِّدُ خُصُومَاتِ نَفْسِي. فَكَكْتَ حَيَاتِي. 59 رَأَيْتَ يَا رَبُّ ظُلْمِي. أَقِمْ دَعْوَايَ. 60 رَأَيْتَ كُلَّ نَقْمَتِهِمْ، كُلَّ أَفْكَارِهِمْ عَلَيَّ. 61 سَمِعْتَ تَعْيِيرَهُمْ يَا رَبُّ، كُلَّ أَفْكَارِهِمْ عَلَيَّ. 62 كَلاَمُ مُقَاوِمِيَّ وَمُؤَامَرَتُهُمْ عَلَيَّ الْيَوْمَ كُلَّهُ. 63 اُنْظُرْ إِلَى جُلُوسِهِمْ وَوُقُوفِهِمْ، أَنَا أُغْنِيَتُهُمْ! 64 رُدَّ لَهُمْ جَزَاءً يَا رَبُّ حَسَبَ عَمَلِ أَيَادِيهِمْ. 65 أَعْطِهِمْ غِشَاوَةَ قَلْبٍ، لَعْنَتَكَ لَهُمْ. 66 اِتْبَعْ بِالْغَضَبِ وَأَهْلِكْهُمْ مِنْ تَحْتِ سَمَاوَاتِ الرَّبِّ.
ع55: ألقي ملك يهوذا إرميا في الجب فصلى إلى الله، حينئذ أخرجوه وخلصوه كمثال المسيح الذي نزل إلى الجحيم كنائب عنا، ولكن بقوة لاهوته ارتفع إلى الفردوس والملكوت ويلاحظ أنه يذكر الجب الأسفل وهذا يعني وجود أعماق، أو درجات في العذاب. فكما يوجد في السماء منازل ودرجات كثيرة كذلك أيضًا في العذاب الأبدي، وذلك لأنه وإن كان عقاب الخطية هو الموت ولكن ليست كل خطية مثل الأخرى وبالتالي عقابها يزداد بحسب شناعتها في غير المؤمنين وغير التائبين الذاهبين إلى الجحيم والعذاب الأبدي.
† الله يحبك وإن وقعت في أصعب الضيقات ودعوته فهو يستجيب لك ويخلصك ويصنع المستحيل لأجلك فلا تتشكك واطلبه بالحاح لأنه أبوك.
ع56: زمرتي: الهواء الخارج من الأنف ويقصد به خروجه بصوت أي التنهد والتوجع طلبًا لمعونة الله.
يعلن النبي طمأنينته إلى سماع الله صلاته وإحساسه بأوجاعه وآلالامه فيواصل صلاته طالبًا من الله أن يهتم بكل آلامه الداخلية المخزونة والتي تخرج في تنهدات أو تظهر في صراخ وتضرع لله.
ع57: دنوت: اقتربت.
عندما سمع الله صراخ شعبه أو صلاة نبيه إرميا اقترت وطمأنه حتى لا يخاف.
ع58: وقف الله خصمًا أمام أعداء شعبه وخلص أولاده من عبودية بابل بقيامة إمبراطورية مادي وفارس التي أعادت شعبه إلى بلادهم، وهكذا انفكت عبودية شعب الله كما فك المسيح شعبه من قيود الخطية والهلاك فاتحًا لهم باب الخلاص والحياة الأبدية.
ع59: يشهد إرميا الله على المظالم التي حلت به ويطالبه أن يقيم دعواه أي يدافع عنه ويرد إليه مجده وهذا ما حدث بالرجوع من السبي وبقيامة رب المجد يسوع المسيح كبكر بين إخوة كثيرين لنقوم نحن أيضًا فيه من كل خطية بالتوبة فيرفع عنا الله حروب إبليس خصمنا وينقذنا من يده.
ع60: يستكمل إرميا كلامه مشهدًا الله على كل المظالم وانتقام بابل من أورشليم واليهودية حتى يتحنن الله ويرفع هذا العقاب عن أولاده.
ع61: ويقول إرميا لله إنك سمعت تعييرات بابل وتفكرها بالشر على أورشليم ويقول هذا ليستدر مراحم الله على شعبه المسكين كما سمع الله لتعييرات الأشرار وتعذيبهم للمسيح فيمجد ابنه ويعاقب الأشرار.
ع62: استمر رؤساء وشعب مملكة يهوذا في تعييرهم لإرميا ومحاولة قتله أيامأً كثيرة يعبر عنها باليوم كله وكما فعل اليهود بالمسيح.
† لا تضطرب عندما يتمادى الأشرار في شرهم ويعيروك فلا تتشكك واثبت في إيمانك فإن قوتهم الظاهرة زائلة وسيمجدك الله في النهاية.
ع63: يطلب معونة الله وأبوته أن تنظر إلى مؤامرات أعدائه عليه سواء في جلوسهم للتآمر عليه أو وقوفهم ليتخذوا خطوات ضده، وينقذه من أيديهم بعد أن صار موضوع استهزائهم وانشغالهم الأول كيف يتخلصون منه والمقصود بأغنيتهم تكرار التكلم عليه بالشر ومحاولة قتله. هذا ما حدث مع إرميا الذي كان رمزًا للمسيح في آلامه.
ع64: يتضرع إرميا إلى الله لينتقم من الشر ويعاقب الأعداء لعلهم يؤمنون بقوة الله المدافع عن أولاده وهو لا يقصد الغيظ والانتقام من الأعداء بل إعلان قوة الله وحقه وسلطانه على الشر.
ع65: غشاوة قلب: عدم القدرة على التمييز.
إذا استمر الإنسان في عناده وعصيانه يتخلى عنه الله ويسلمه إلى ذهن مرفوض (رو 1: 28) فيطالب إرميا الله أن يعاقب الأعداء بالتخلي عنهم ليفقدوا تمييزهم وإذ تحل بهم اللعنات ليشعروا بضعفهم فيؤمنون بالله ويحيون معه.
ع66: يستكمل دعوته إلى الله بتأديب الأعداء أن يظل يتابع حياتهم بغضب وإهلاك ليبيد شرهم من تحت السموات لينقي الأرض ويظهر الله وحده إله الآلهة.

تفسير سفر مراثى ارميا الاصحاح الرابع

(1) انحطاط أورشليم (ع1- 12):
1 كَيْفَ اكْدَرَّ الذَّهَبُ، تَغَيَّرَ الإِبْرِيزُ الْجَيِّدُ! انْهَالَتْ حِجَارَةُ الْقُدْسِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ. 2 بَنُو صِهْيَوْنَ الْكُرَمَاءُ الْمَوْزُونُونَ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ، كَيْفَ حُسِبُوا أَبَارِيقَ خَزَفٍ عَمَلَ يَدَيْ فَخَّارِيٍّ! 3 بَنَاتُ آوَى أَيْضًا أَخْرَجَتْ أَطْبَاءَهَا، أَرْضَعَتْ أَجْرَاءَهَا. أَمَّا بِنْتُ شَعْبِي فَجَافِيَةٌ كَالنَّعَامِ فِي الْبَرِّيَّةِ. 4 لَصِقَ لِسَانُ الرَّاضِعِ بِحَنَكِهِ مِنَ الْعَطَشِ. اَلأَطْفَالُ يَسْأَلُونَ خُبْزًا وَلَيْسَ مَنْ يَكْسِرُهُ لَهُمْ. 5 اَلَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَآكِلَ الْفَاخِرَةَ قَدْ هَلِكُوا فِي الشَّوَارِعِ. الَّذِينَ كَانُوا يَتَرَبَّوْنَ عَلَى الْقِرْمِزِ احْتَضَنُوا الْمَزَابِلَ. 6 وَقَدْ صَارَ عِقَابُ بِنْتِ شَعْبِي أَعْظَمَ مِنْ قِصَاصِ خَطِيَّةِ سَدُومَ الَّتِي انْقَلَبَتْ كَأَنَّهُ فِي لَحْظَةٍ، وَلَمْ تُلْقَ عَلَيْهَا أَيَادٍ. 7 كَانَ نُذُرُهَا أَنْقَى مِنَ الثَّلْجِ وَأَكْثَرَ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَجْسَامُهُمْ أَشَدَّ حُمْرَةً مِنَ الْمَرْجَانِ. جَرَزُهُمْ كَالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. 8 صَارَتْ صُورَتُهُمْ أَشَدَّ ظَلاَمًا مِنَ السَّوَادِ. لَمْ يُعْرَفُوا فِي الشَّوَارِعِ. لَصِقَ جِلْدُهُمْ بِعَظْمِهِمْ. صَارَ يَابِسًا كَالْخَشَبِ. 9 كَانَتْ قَتْلَى السَّيْفِ خَيْرًا مِنْ قَتْلَى الْجُوعِ. لأَنَّ هؤُلاَءِ يَذُوبُونَ مَطْعُونِينَ لِعَدَمِ أَثْمَارِ الْحَقْلِ. 10 أَيَادِي النِّسَاءِ الْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ. صَارُوا طَعَامًا لَهُنَّ فِي سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي. 11 أَتَمَّ الرَّبُّ غَيْظَهُ. سَكَبَ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَأَشْعَلَ نَارًا فِي صِهْيَوْنَ فَأَكَلَتْ أُسُسَهَا. 12 لَمْ تُصَدِّقْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ وَالْمُبْغِضَ يَدْخُلاَنِ أَبْوَابَ أُورُشَلِيمَ.
ع1: أكدر: فقد جماله وقوته وبهاءه.
الابريز: الذهب الخالص
يتعجب النبي لتخريب هيكل الله المبني بحجارة عظيمة ومغطى بالذهب الخالص وكيف سقط الذهب في التراب وفقد لمعانه وتناثرت أحجار جدران الهيكل في الشوارع المحيطة به، كل هذا نتيجة الهجوم البابلي الذي دمر هيكل سليمان.
ع2: لم يهدم البابليون هيكل الله ويكسرون الذهب الذي فيه بل أيضًا حطموا اليهود المؤمنين بالله الذين لهم قيمة عظيمة بين الشعوب فقيمتهم مثل الذهب وأفضل منه، هؤلاء اليهود قُتلوا وسقطوا جرحى بسبب ابتعادهم وإهمالهم لله.
ع3 : بنات آوى: حيوان يعيش في الأماكن المهجورة وحجمه بين الثعلب والذئب.
أطباءها: الثُدى وهي جمع ثدي التي ترضع به الأنثى طفلها.
اجراءها: أطفالها.
جافية: قاسية
عندما دمر البابليون أورشليم صارت خربة وامتلأت بالحيوانات البرية والمتوحشة مثل بنات آوى والتي كانت تهتم بإرضاع أطفالها، أما أورشليم فمن الحصار البابلي عليها لم تجد طعامًا تطعم به بنيها فتركتهم يموتون كما تهرب النعامة وتترك بيضها الذي وضعته وحضرت له في التراب وغطته به وذلك عندما تشعر بالخطر وتهرب من الصيادين، أي يمثل أورشليم بأم صارت قاسية على أولادها تركتهم يموتون جوعًا أو قتلًا بسيف بابل.
ع4: يبين النبي قسوة الجوع الذي تعرضت له أورشليم أثناء حصار بابل لها وكيف جفت أفواه الرضع لعدم وجود الماء. والأطفال يطالبون والديهم أن يعطوهم خبزًا ولا يجد الآباء خبزًا يكسرونه ليعطون قطع صغيرة منه لأطفالهم حتى لا يموتوا.
ع5: القرمز: لون أحمر داكن والمقصود الثياب القرمزية التي يلبسها العظماء والأغنياء
يستكمل وصفه لقسوة المجاعة في أورشليم، فيقول النبي أن أغنياء أورشليم الذين كانوا يأكلون الأطعمة الفاخرة لم يجدوا الخبز والماء زمن الجوع. وهم كانوا يلبسون الثياب الفاخرة من القرمز الأرجوان وغيره من ملابس الأثرياء، أما الآن فسقطوا في الشوارع وسط التراب يتأوهون ويموتون جوعًا وعطشًا
ع6: قصاص: عقاب
يتذكر النبي خراب سدوم التي أحترقت من أجل شرها ويقول أن حالة أورشليم أصعب من سدوم إذ هجم عليها العدو بعد أن حاصرها وقتل وجرح من فيها فمات أهل سدوم بدون يد أعداء أما أورشليم فقد استخدم الله يد بابل لتأديبهم بقسوة لعلهم يتوبون.
† لا تكره من يضايقك ولا تتذمر من التجارب بل اقبلها من يد الله وتذكر خطاياك لعلها تكون السبب فترجع إليه بالتوبة وحينئذ يرفع عنك كل أتعابك بل ويكافئك ببركات كثيرة لأجل توبتك وتضرعك إليه.
ع7: نذرها: الأشخاص الذين ينذرون أنفسهم لله لفترة معينة يقضونها في الصوم والصلاة فيعطيهم الله بهاءً ونعمة.
المرجان: نوع من الأحجار الكريمة لونه يميل إلى الاحمرار ويوجد في البحار مثل البحر الأحمر.
جرزهم: أجسامهم.
كالياقوت الأزرق: نوع من الأحجار الكريمة شفاف يميل إلى الزرقة ويتميز بالصلابة
يصف المتعبدين لله في هيكله المقدس بأورشليم الذين يقدمون أنفسهم نذراء لله وكانوا يتميزون بالنقاوة مثل الثلج النقي ويعطيهم الله نعمة فتصير وجوههم بيضاء مثل اللبن، وكانوا ممتلئين حيوية وكانت أجسامهم تميل إلى الحمرة مثل أحجار المرجان ومثل الياقوت الجميل في منظره ويميل إلى ازرقة الخفيفة. أي أن اليهود المؤمنين بالله كانوا يتمتعون بالنقاوة والحيوية والبياض، واللون الأحمر الذي يرمز إلى الحب والبذل، واللون الأزرق الذي يرمز للسماء هؤلاء المتعبدون لله هلكوا بيد بابل لأنهم أهملوا عبادتهم وانشغلوا بعبادة الأوثان.
ع8: عند هجوم بابل على أورشليم وتحطيم المدينة وسقوط سكانها جرحى وقتلى من الجوع ومن السيف صار شكلهم أسودًا مثل الظلام، وعندما قطوا في الشوارع لم يعد من السهل التعرف عليهم لتغير شكلهم بسبب الجوع، إذ صارت أجسامهم نحيفة جدًا ولصق جلدهم بعظمهم وكان لحمهم قد تلاشى من الضعف وصار شكلهم مثل قطعة خشبية جافة.
ع9: اليهود الذين ماتوا بسيف بابل كانت حالتهم أفضل من اليهود الذين تعذبوا من الجوع، إذ لم يجدوا ثمارًا من الحقل يأكلونها بسبب حصار أورشليم، وفي النهاية ماتوا موتًا أليمًا جدًا.
ع10: حنائن: جمع حنونة فالأم تتميز بالحنان على أطفالها بغريزة الأمومة.
من أفظع المناظر التي حدثت في المجاعة بأورشليم عند حصار بابل لها أن من شدة الجوع طبخت الأمهات أطفالها الرضع وأكلوهم.
ع11: صهيون: اسم قديم لأورشليم
وهكذا اهتم الله بتأديب أورشليم وعندما حل غضبه بها دمرتها بابل وأحرقت هيكلها وقصورها.
ع12: من أجل عظمة أورشليم وقوة هيكلها ووجود الله فيه تعجبت الشعوب المحيطة بها عند هجوم العدو البابلي عليها وتدميرها.
[2] تدمير أورشليم بسبب خطاياها (ع 13 - 20)
13 مِنْ أَجْلِ خَطَايَا أَنْبِيَائِهَا، وَآثَامِ كَهَنَتِهَا السَّافِكِينَ فِي وَسَطِهَا دَمَ الصِّدِّيقِينَ، 14 تَاهُوا كَعُمْيٍ فِي الشَّوَارِعِ، وَتَلَطَّخُوا بِالدَّمِ حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ مَلاَبِسَهُمْ. 15 «حِيدُوا! نَجِسٌ!» يُنَادُونَ إِلَيْهِمْ. «حِيدُوا! حِيدُوا لاَ تَمَسُّوا!». إِذْ هَرَبُوا تَاهُوا أَيْضًا. قَالُوا بَيْنَ الأُمَمِ: «إِنَّهُمْ لاَ يَعُودُونَ يَسْكُنُونَ». 16 وَجْهُ الرَّبِّ قَسَمَهُمْ. لاَ يَعُودُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ. لَمْ يَرْفَعُوا وُجُوهَ الْكَهَنَةِ، وَلَمْ يَتَرَأَّفُوا عَلَى الشُّيُوخِ. 17 أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ كَلَّتْ أَعْيُنُنَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى عَوْنِنَا الْبَاطِلِ. فِي بُرْجِنَا انْتَظَرْنَا أُمَّةً لاَ تُخَلِّصُ. 18 نَصَبُوا فِخَاخًا لِخَطَوَاتِنَا حَتَّى لاَ نَمْشِيَ فِي سَاحَاتِنَا. قَرُبَتْ نِهَايَتُنَا. كَمُلَتْ أَيَّامُنَا لأَنَّ نِهَايَتَنَا قَدْ أَتَتْ. 19 صَارَ طَارِدُونَا أَخَفَّ مِنْ نُسُورِ السَّمَاءِ. عَلَى الْجِبَالِ جَدُّوا فِي أَثَرِنَا. فِي الْبَرِّيَّةِ كَمَنُوا لَنَا. 20 نَفَسُ أُنُوفِنَا، مَسِيحُ الرَّبِّ، أُخِذَ فِي حُفَرِهِمِ. الَّذِي قُلْنَا عَنْهُ: « فِي ظِلِّهِ نَعِيشُ بَيْنَ الأُمَمِ».
ع13: يوضح النبي سبب تدمير أورشليم وهو خطايا أنبيائها الكذبة الذين أضلوا الشعب وكذلك الكهنة الذين حكموا على الأبرياء بالموت مثل محاولتهم قتل إرميا
ع14: يعلن أن قادة الشعب اليهودي أصبحوا لا يروون الحق أي الله أي صاروا عميان عن معرفة الله وغطاهم الشر أي صاروا مذنبين في حق الله، ودماء الذين قاتلوهم تصرخ أمام الله حتى أصبحوا نجسين أكثر من البرص الذين يخرجون خارج المدن وينادون نجس نجس حتى لا يقترب منهم أحد ويمسهم فيتنجس.
ع15: يشبه قادة اليهود عند هروبهم من أورشليم كالبرص النجسين الذين يعيشون خارج المدن المسكونة فيبتعد عنهم كل إنسان هكذا ابتعدت الأمم عن اليهود الهاربين لئلا يصيبهم سيف بابل وشعرت الأمم أن أورشليم لن تُسكن فيما بعد لأن خرابها كان عظيمًا.
ع16: قسمهم: فرقهم
يوضح أن هرب اليهود كان من الله الذي سمح لبابل أن تهاجمهم فيتفرقون في الأرض سواء هربًا أو ليسبيهم البابليون، وكل هذا بسبب خطاياهم لأنهم لم يكرموا الكهنة ولا الشيوخ بل صار الكلام للأنانية والشر والقسوة.
ع17: كلَّت: تعبت.
يعبر إرميا عن حالة شعبه الذي تحالف مع مصر، فعند محاصرة بابل لأورشليم انتظر اليهود عونًا يأتيهم من مصر فلم يجدوا، وعندما اختفى اليهود في أبراجهم وحصونهم من وجه بابل انتظروا مصر لتخلصهم فلم تأتِ إليهم، ليظهر بطلان الاعتماد على البشر، فكان الأجدر بهم الاتكال على الله وحده وإذ لم تنجدهم الآلهة الوثنية التي عبدوها.
† لا تنخدع عيناك بالمال أو المركز وكل قوى العالم لأنها بلا قيمة عندما يسمح الله بتأديبك. إرجع إليه بالتوبة فتنال مراحمه وليتك لا تتركه ثانية حتى لا تتعرض لهذه التأديبات واشكره على تأديبه لأنه يحبك ويبحث عن خلاص نفسك فإن لم تفهم من عطاياه فهو يسمح بالتأديب.
ع18: هجمت بابل على أورشليم فهرب اليهود واختبأوا في كل زاوية لأن جيوش بابل نصبت فخاخًا في كل مكان للقبض على اليهود وقتلهم. وهكذا فقد اليهو حريتهم في التحرك في طرقهم وساحات المدينة.
ع19: كمنوا: اختبأوا
جدوا في أثرهم: أسرعوا وراءهم.
طارد الجنود البابليون اليهود في كل مكان وعندما حاول اليهود الهرب أسرعوا وراءهم وأدركوهم لأنهم كانوا في سرعة شديدة مثل النسور وحتى عندما ذهب اليهود للاختباء في الجبال طاردهم البابليون هناك، وفي الصحراء اختبأ البابليون لينقضوا على اليهود ويقبضون عليهم إذا مروا في الصحراء.
ع20: نفس أنوفنا: أهم شخص عندنا الذي يعطينا الحياة، لأن التنفس عملية أساسية للحياة يشبه بها مسيح الرب.
حفرهم: فخاخهم التي يصطادوننا بهم.
هذه نبوة واضحة عن المسيح عندما قبض عليه اليهود وأسلموه ليصلب فكان هو رجاء الشعب في تخليصهم من الرومان فوجدوا الرومان يصلبونه ولم يفهم اليهود أنه جاء ليفديهم عن الخطية ويموت عنهم. تنطبق هذه الآية أيضًا على ملك يهوذا وهو صدقيا الذي قبضت عليه بابل وقتلت أولاده أمام عينيه ثم فقأت عينيه، وتنطبق أيضًا على كل رؤساء يهوذا وأنبيائهم وتنطبق أيضًا على إرميا فالكل قبضت عليه بابل وقتلت بعضهم.
[3] تأديب أدوم الشامتة (ع 21، 22)
21 اِطْرَبِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ أَدُومَ، يَا سَاكِنَةَ عَوْصٍ. عَلَيْكِ أَيْضًا تَمُرُّ الْكَأْسُ. تَسْكَرِينَ وَتَتَعَرَّينَ. 22 قَدْ تَمَّ إِثْمُكِ يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ. لاَ يَعُودُ يَسْبِيكِ. سَيُعَاقِبُ إِثْمَكِ يَا بِنْتَ أَدُومَ وَيُعْلِنُ خَطَايَاكِ.
ع21: يستهزئ الله بنسل آدوم أي نسل عيسو وهم يسكنون بجوار بني إسرائيل من جنوب بلاد اليهود في منطقة جبال سعير، فيقول لبلاد آدوم مستهزءًا بها قائلًا لتتمادى في فرحها وطربها عندما شمتت بسقوط أورشليم وينذرها بأنه سيؤدبها فتسقط هي أيضًا بيد بابل لأنها شمتت ببلية إخوتها اليهود.
† إذا رأيت أخاك يقابل مشكلة وضيقة فصلى لأجله ولا تعيره أو تشمت به لأنك إن اتضعت أمام الله يحفظك وينجيك من الضيقات وإن امتلأ قلبك شرًا على إخوتك فاعلم أن الله عادل وسيجازيك عن شرك.
ع22: يطمئن الله شعبه عندما يناديه ببنت صهيون معلنًا أنه قد تم تأديبها بالسبي على آثامها ولن تؤدب بضيقات أخرى ولكن على العكس بعد فترة سينتهي السبي وتعود إلى بلادها مكرمة، وعلى العكس فإن أدوم التي شمتت بها ستعاقب على خطاياها وعلى شماتتها.

تفسير سفر مراثى ارميا الاصحاح الخامس

(1) الجوع (ع1- 7):
1 اُذْكُرْ يَا رَبُّ مَاذَا صَارَ لَنَا. أَشْرِفْ وَانْظُرْ إِلَى عَارِنَا. 2 قَدْ صَارَ مِيرَاثُنَا لِلْغُرَبَاءِ. بُيُوتُنَا لِلأَجَانِبِ. 3 صِرْنَا أَيْتَامًا بِلاَ أَبٍ. أُمَّهَاتُنَا كَأَرَامِلَ. 4 شَرِبْنَا مَاءَنَا بِالْفِضَّةِ. حَطَبُنَا بِالثَّمَنِ يَأْتِي. 5 عَلَى أَعْنَاقِنَا نُضْطَهَدُ. نَتْعَبُ وَلاَ رَاحَةَ لَنَا. 6 أَعْطَيْنَا الْيَدَ لِلْمِصْرِيِّينَ وَالأَشُّورِيِّينَ لِنَشْبَعَ خُبْزًا. 7 آبَاؤُنَا أَخْطَأُوا وَلَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ، وَنَحْنُ نَحْمِلُ آثَامَهُمْ.
ع1: أشرف: تطلع من الشرفة.
الأصحاح الأخير صلاة أكثر منه مرثاة فيتضرع إلى الله لينظر إلى حالة شعبه السيئة والعار الذي صاروا فيه.
ع2: أول ما يلاحظه الله أو يطلبه إرميا منه أن يخلصهم من الاحتلال البابلي الذي استولى على بيوتهم وحقولهم وكل ما يمتلكون وهذا ما يفعله الشيطان مع من يتهاون في الخطية فيسلب قدراته.
ع3 : بعد قتل رجال مملكة يهوذا صار الأطفال يتامى وأمهاتهم أرامل أي صاروا ضعفاء لا قوة لهم فالإنسان الساقط في الخطية فقد قوة الله العامل فيه لأنه رفض الله فتخلى الله عنه.
ع4: ضيق العدو البابلي على أورشليم المحاصرة أو بعدما سقطت في أيديهم وقتلوا رجالها فصارت الاحتياجات الضرورية للحياة غير متوفرة مثل الماء فكانوا يشترون لقلته بثمن غالي يعبر عنه بالفضة، وحتى الحطب أي أعواد النباتات الجافة التي تستخدم لإشعال النار وهي تعتبر رخيصة جدًا وبلا ثمن أي أن الغلاء شديد والحاجات الضرورية للإنسان غير متوفرة وهذا ما يفعله الشيطان ليبعدنا عن الله مصدر حياتنا، فالروح القدس هو ينبوع مائنا والنار التي تحرق خطايانا.
ع5: استعبد البابليون شعب الله ووضعوا النير على أعناقهم ليعملوا بالسخرة أو ضربوهم بالعصى على أعناقهم وطردوهم من مدنهم ورغم العمل والتعب الكثير لم يحصلوا على القوت الضروري.
ع6: في ضيق الجوع الذي صار فيه اليهود حاولوا طلب المعونة من مصر أو أشور لينالوا الخبز أي ضرورات الحياة ولكن لم يسعفهم أحد وكان الأجدر بهم أن يلتجأوا إلى الله ولا يتكلوا على ذراع بشر فعندما تابوا وعادوا إلى الله أعادهم من السبي.
ع7: يعترف إرميا نيابة عن الشعب بأن آبائهم أخطأوا بعبادة الأوثان والشهوات الشريرة والأبناء جاء عليهم تأديب الرب وذلك لأنهم ساروا في طريق خطايا آبائهم فاستحقوا العقاب.
† لا تتنازل عن أسلحتك الروحية وغذائك وهو التناول وكلمة الله والصلاة لئلا يحرمك الشيطان منها وتحصل عليها بصعوبة بعد ذلك. تمسك بقانونك الروحي وأغصب نفسك عليه فما تغصب نفسك عليه اليوم ستتعود عليه وتتمتع به غدًا.
[2] الذل (ع 8 - 18):
8 عَبِيدٌ حَكَمُوا عَلَيْنَا. لَيْسَ مَنْ يُخَلِّصُ مِنْ أَيْدِيهِمْ. 9 بِأَنْفُسِنَا نَأْتِي بِخُبْزِنَا مِنْ جَرَى سَيْفِ الْبَرِّيَّةِ. 10 جُلُودُنَا اسْوَدَّتْ كَتَنُّورٍ مِنْ جَرَى نِيرَانِ الْجُوعِ. 11 أَذَلُّوا النِّسَاءَ فِي صِهْيَوْنَ، الْعَذَارَى فِي مُدُنِ يَهُوذَا. 12 الرُّؤَسَاءُ بِأَيْدِيهِمْ يُعَلَّقُونَ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ وُجُوهُ الشُّيُوخِ. 13 أَخَذُوا الشُّبَّانَ لِلطَّحْنِ، وَالصِّبْيَانَ عَثَرُوا تَحْتَ الْحَطَبِ. 14 كَفَّتِ الشُّيُوخُ عَنِ الْبَابِ، وَالشُّبَّانُ عَنْ غِنَائِهِمْ. 15 مَضَى فَرَحُ قَلْبِنَا. صَارَ رَقْصُنَا نَوْحًا. 16 سَقَطَ إِكْلِيلُ رَأْسِنَا. وَيْلٌ لَنَا لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا. 17 مِنْ أَجْلِ هذَا حَزِنَ قَلْبُنَا. مِنْ أَجْلِ هذِهِ أَظْلَمَتْ عُيُونُنَا. 18 مِنْ أَجْلِ جَبَلِ صِهْيَوْنَ الْخَرِبِ. الثَّعَالِبُ مَاشِيَةٌ فِيهِ.
ع8: كانت أورشليم مدينة عظيمة وشعب الله يفتخر بوجود الهيكل في وسطهم وكانوا أسمى من جميع الشعوب بمعرفتهم لله ولكن إذ تركوا الله ضعفوا وتسلط عليهم من هم أضعف منهم الذين كانوا روحيًا بمثابة العبيد لهم فصاروا رؤساء ومحتلين لهم وطال احتلالهم ولم يخلصهم أحد من الشعوب المحيطة لأن الله أراد تأديبهم 70 عامًا هي مدة سبيهم.
ع9: ومن قسوة الاحتلال البابلي الذي سيطر على شوارع أورشليم وبلاد اليهودية صار من الصعب على شعب الله أن يحصلوا على خبزهم أي القوت الضروري فكانوا يختلسون الفرصة ليجمعوا بعض حبوب القمح أو الشعير أو ثمار الحقل ليسدوا جوعهم.
ع10: تنور: فرن
اشتد الجوع بشعب الله وطالت مدته فلصق جلدهم بعظامهم بل صار غامقًا يميل للسواد كأن جلودهم احترقت في تنور وصارت سوداء.
ع11: امتدت يد جنود بابل لتعتدي وتغتصب النساء العذارى من شعب الله. هكذا الشيطان يذل من يخضع له بالشهوات الشريرة.
ع12: امتد الإذلال البابلي فعذب الشعب وخاصة رؤسائهم فعلقوهم من أيديهم في الهواء وامتدت يد التعذيب للشيوخ كما الشباب.
† كن حريصًا من الخطية سواء كنت رجلًا أو امرأة شابًا أو شابة أو في سن الشيخوخة لأن الشيطان يستغل كل فرصة لإسقاطك في الخطية فاحترس من مصادر الخطية وابتعد عنها وإن سقطت فتب سريعًا ليرفعك الله وتدوس إبليس.
ع13: استخدمت بابل شباب شعب الله للطحن استغلالًا لقوتهم بدل من النساء اللاتي كانت تطحن على الرحى أما الصبيان فكانوا يستغلونهم للعمل في البيوت لحمل الحطب وإشعال النيران فكانوا يسقطون من شدة التعب.
ع14: اعتاد الشيوخ أن يجلسوا عند باب المدينة للقضاء وفض المنازعات ولكن بعد تخريب البلاد لم يعودوا يجلسون على الساحة عند الباب، ومن ناحية أخرى صار الشباب في حزن ولم يعودوا يغنون أغاني الفرح. عندما يتهاون الإنسان في الخطية يفقد قدرته على التمييز والحكم يفقد أيضًا فرحه.
ع15: زال الفرح من قلوب شعب الله وبدل التعبير عن الفرح بالألعاب الراقصة صاروا في بكاء على الذل الذي أصبحوا فيه.
ع16: ضاع أيضًا المجد الذي لهم والمعبر عنه بالإكليل الذي يلبسونه على رؤوسهم. كل هذا تأديب من الله بسبب خطايانا.
ع17: صارت القلوب في حزن وضعفت الأعين من كثرة البكاء وهذا يرمز لضعف البصيرة الروحية عند الخطاة وفقدانهم السلام والسعادة
ع18: أورشليم المبنية على خمسة جبال أهمها جبل صهيون صارت خرابًا وبدلًا من أن يمشي على هذه الجبال أبناؤها صارت مهجورة من البشر وتجري فيها الثعالب.
[3] الرجاء (ع 19 - 22):
19 أَنْتَ يَا رَبُّ إِلَى الأَبَدِ تَجْلِسُ. كُرْسِيُّكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 20 لِمَاذَا تَنْسَانَا إِلَى الأَبَدِ وَتَتْرُكُنَا طُولَ الأَيَّامِ؟ 21 اُرْدُدْنَا يَا رَبُّ إِلَيْكَ فَنَرْتَدَّ. جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ. 22 هَلْ كُلَّ الرَّفْضِ رَفَضْتَنَا؟ هَلْ غَضِبْتَ عَلَيْنَا جِدًّا؟
ع19: تتجه قلوب شعب الله في رجاء إليه ليخلصهم من ذلهم فيعلنون إيمانهم بقوته، فهو ملك الملوك الذي يجلس على عرشه في السماء وملكه دائم إلى الأبد، أما كل شعوب العالم فهي زائلة وقوتهم مؤقتة بل هو يستخدمهم لتنفيذ إرادته.
ع20: يتضرع شعب الله إليه حتى لا يتركهم كثيرًا لهذا التأديب والذل تحت يد بابل، ومن طول المدة وقسوة التأديب شعروا أنها مدة طويلة فتضرعوا إلى الله ليرفع عنهم العقاب
ع21: في رجاء يطلب الشعب من الله أن يردهم إليه ويجدد حياتهم فيه فيعودون ويعبدونه بنقاوة، فرجوعهم من السبي هو رجوع لعبادة الله في هيكله أي هو رجوع روحي وليس رجوع لامتلاك الأراضي والخيرات المادية.
ع22: يتساءل شعب الله من عمق الضيقة ويستنكرون على الله أن يرفضهم تمامًا ويغضب عليهم إلى الأبد لأنه أبوهم الرحوم الحنون.
† تضرع إلى الله في كل احتياجاتك وثق أنه يحبك ويريد أن يرفع عنك كل ضيقة ولكنه ينتظر إيمانك ومحبتك له التي تظهر في لجاجة الصلاة.