تفسير سفر ارميا الاصحاح الاول
غالبًا هذا الأصحاح هو عظة إرمياء الأولى بعد إرساليته، وفيه يظهر النبي للشعب تعدياته ويوبخهم ليتوبوا. ويظهر لهم بشاعة خطاياهم وأهمها الوثنية.
آية 2،1:- "وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلًا: «اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ."
الله قبل أن يوبخهم ذكرهم بمحبتهم الأولى حتى لا ييأسوا. وفي بداية حياة الإنسان مع الله يكون لهُ هذا الاختبار في حلاوة المحبة الأولى ويا ليتنا لا نترك محبتنا الأولى. فالله ذكر لأورشليم محبة صباك = حين وعدوا موسى وقالوا كل ما قاله الرب نفعل وحين سبحوا الرب بعد الخروج. وأنهم لم يرتدوا إلى مصر بالرغم من صعوبات البرية. وأنهم ارتبطوا معه بعهد وكان هذا العهد هو خطبتهم لله وصاروا عروسًا لهُ فتبعوه بأمانة. وتعبير الخطبة استعمله كثيرين.
عجيب أنت يا رب في محبتك لشعبك! فبالرغم من كل تذمرات الشعب في سيناء، نجد أن الله لا يذكر لهم سوى أنهم تبعوه ولم يرتدوا عنه ورجعوا إلى مصر.
آية 4،3:- "إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ». اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَكُلَّ عَشَائِرِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ."
بهذا العهد بينهم وبين الله صاروا قدسًا للرب مخصصين لكرامته وأوائل غلَته = فهم أول كنيسة في العالم وسط كل الأمم وهذا ينطبق على كل القديسين (يع18:1) وصار الله عدوًا لأعدائهم = كل آكليه يأثمون والمعنى أن الباكورات كان يمنع أكلها إلا للكهنة ومن يأكلها يأثم فكأن كل من حاول أن يعتدي عليهم ويأكلهم يكون كمن يأكل قدس الرب فيكون مجرمًا ومتعديًا على الرب (هذا فيه عتاب رقيق لهم، فالله يقول لهم أنتم لي فلماذا تتركوني).
آية 5:- "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ابْتَعَدُوا عَنِّي وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلًا؟"
الله هنا يكشف نكرانهم للجميل فهم بدأوا حسنًا ثم ارتدوا، بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد.
وساروا وراء الباطل= أي الآلهة الوثنية وأصنامها. والباطل هو اللاشيء وإسرائيل في سعيه وراء اللاشيء أي الباطل صاروا باطلًا أي لا شيء وفراغ. وهكذا كل من يسعى وراء شهوة البطن وشهوة الجسد وهكذا كان الغنى الأحمق (لو 12: 20) + (رو21:1) أما من يسير وراء الله الحق يصير شريك الطبيعة الإلهية.
آية 6:- "وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، الَّذِي سَارَ بِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ قَفْرٍ وَحُفَرٍ، فِي أَرْضِ يُبُوسَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، فِي أَرْضٍ لَمْ يَعْبُرْهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَسْكُنْهَا إِنْسَانٌ؟"
الله يذكرهم بحمايته لهم وإعطائه المن والماء من الصخرة وسط برية قاحلة، برية موت فهو لم يظلمهم فلماذا تركوه؟ غير أن داود النبي يُعبِّر عن حال أولاد الله الذين لم ينسوه "وإن سرت في وادي ظل الموت فلا أخاف شرًا لأنك معي" وهكذا نحن في برية هذا العالم الله يرعانا فيها. الله هنا يظهر لهم أبوته ومحبته ورعايته كأب حنون.
آية 8،7:- "وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا. اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ."
قارن هنا إحسانات الرب لهم مع خيانة الشعب بكل طوائفه حتى نجسوا أرض الله.
الآيات 9-13:- "«لِذلِكَ أُخَاصِمُكُمْ بَعْدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَبَنِي بَنِيكُمْ أُخَاصِمُ. فَاعْبُرُوا جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟ هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً."
كتيم = تشير للغرب عمومًا فكتيم بلد في جزيرة قبرص وقيدار = تشير للشرق فقيدار هم قبائل العرب الذين يقيمون بين بابل والأردن. فالله يخاصمهم ويخاصم بنيهم إذا إستمروا في وثنيتهم. وبينما أن كل العالم شرقًا وغربًا لا يُغيِّروا آلهتهم فشعب الله تركه وعبد آلهة أخرى متعددة، بل ولم يكتفوا بإله أو اثنين بل تبعوا وعبدوا آلهة كثيرة (28). والمؤلم في هذا أنهم تركوا الإله الحي وذهبوا وراء الباطل. وينطبق هذا على أيامنا فأتباع الديانات والفلسفات الأخرى أكثر إخلاصًا لها من إخلاصنا لمسيحنا الذي يهب شعبه ماء الحياة.
اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ = الملائكة التي تفرح بخاطئ واحد يتوب بهتت من شرهم، وبهتت الشمس والنجوم من أن هذا الشعب ترك إلهه ليعبدها. وحقًا فهذه الأصنام تعطي لذة وقتية لكنها لا تستطيع أن تنفع تابعيها. وهم عملوا شرَّين = 1- تركوني = هم تركوا عبادتي وكان هذا منهم نكرانًا للجميل وكان هذا واجبهم عبادتي أمام كل ما أعطيتهم 2- حفروا لأنفسهم = ذهبوا ليفتشوا عن مصدر آخر للفرح والتعزية، ذهبوا يبحثون عن لذة جسدهم. وهذا من غبائهم فهم تركوني أنا ينبوع الماء الحي = مصدر كل فرح وتعزية وذهبوا لأبار مشققة لا تضبط ماء = لأن الماء في هذه الأبار يوجد اليوم ولا يوجد بعد ذلك، ولذة الجسد هكذا هي وقتية ولكن يعقبها حزن.
آية 14:- "«أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ الْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟"
إسرائيل قال عنه الله ابني البكر. والابن يتمتع بحماية أبيه طالما بقى في منزله ولكن إذا هجر أبيه كالابن الضال يصير غنيمة. هو سار وراء شهواته وصار عبد لمحبة المال والزنا والوثنية. وهذا الكلام ينطبق على إسرائيل وعلى كل منا. كل من يتبع إبليس يستعبده. وهذه هي خطة إبليس دائمًا أن يفصل بيننا وبين الله ويبعدنا عن الاتصال بالله فينفرد بنا ويستعبدنا ويذلنا.
آية 15:- "زَمْجَرَتْ عَلَيْهِ الأَشْبَالُ. أَطْلَقَتْ صَوْتَهَا وَجَعَلَتْ أَرْضَهُ خَرِبَةً. أُحْرِقَتْ مُدُنُهُ فَلاَ سَاكِنَ."
يظهر النبي هنا لهم غبائهم. فخطيتهم هي سبب عقوبتهم بالآلام التي هم فيها. والآلام الآتية أصعب. فالأشبال هنا هم الأعداء الذين يهاجمونهم (أشور أو مصر أو بابل) أو هم الشياطين. ولكن متى يكون لهم سلطة عليهم أو علينا؟ إذا ذهبنا نحن لهم. فكانت يهوذا تريد التحالف مع هؤلاء. وطريقة التحالف تقديم البخور لآلهة من يطلبون التحالف معه. فهم تركوا إلههم حمايتهم، وطلبوا حماية الأمم لهم. والنتيجة إستعباد هذه الأمم لهم. والله ينبه كل واحد ويقول أنتم لستم هكذا فأنتم أبناء ولكن شهواتكم تفقدكم حريتكم.
آية 16:- "وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ."
تشير لغزو مصري حدث ضد يهوذا ربما أيام رحبعام. أو يهوأحاز وفرض ضريبة عليهم.
آية 18،17:- "أَمَا صَنَعْتِ هذَا بِنَفْسِكِ، إِذْ تَرَكْتِ الرَّبَّ إِلهَكِ حِينَمَا كَانَ مُسَيِّرَكِ فِي الطَّرِيقِ؟ وَالآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ لِشُرْبِ مِيَاهِ شِيحُورَ؟ وَمَا لَكِ وَطَرِيقَ أَشُّورَ لِشُرْبِ مِيَاهِ النَّهْرِ؟"
هي بإرادتها الحرة تركت الله مصدر الخيرات الحقيقي وذهبت للأمم، إلى مصر = شيحور أي نهر النيل فشيحور تعني الموحل إشارة لطمي النيل، وللنهر أي للفرات أي أشور هي طلبت خيرات مصر وأشور أو التحالف معهم أو عبادة آلهتهم فالتحالف ما كان يتم سوى بعبادة آلهة الحليف الأقوى. وفي هذا القول ينهاهم النبي عن التحالف مع أحدهم. حقًا من يترك الرب يصبح أعداؤه أعداء حقيقيين وأصدقاؤه أصدقاء مخادعين باطلين. ولاحظ هنا أن هناك إغراء الأنهار الكبيرة التي في مصر وأشور، فإسرائيل لا يوجد فيها أنهار كبيرة ولكن الله كان يعطيهم احتياجهم. وعموما دائما هناك إغراءات تجذب أولاد الله للذة الخطية بينما أن الله يعطي الفرح الحقيقي والسلام الداخلي.

آية 20،19:- "يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ. فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ، وَأَنَّ خَشْيَتِي لَيْسَتْ فِيكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. «لأَنَّهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ كَسَرْتُ نِيرَكِ وَقَطَعْتُ قُيُودَكِ، وَقُلْتِ: لاَ أَتَعَبَّدُ. لأَنَّكِ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ أَنْتِ اضْطَجَعْتِ زَانِيَةً!"
سبب الخطية = خشيتى ليست فيك. وبداية الشر هي عدم خوف الله يليه ترك الرب ويلي ذلك تلقائيًا كل أنواع الشرور، والشر يأتي بالمتاعب والخراب. فالخطية تؤدب صاحبها. بل يمكن أن نقرأ الخطية في عقابها = يوبخك شرك وعصيانك يؤدبك. مثال لذلك مرض الإيدز. والله حرَّرَها= كسر قيودها ونيرها. وكل ما طلبه الله منهم أن يتعبدوا لهُ، ففي ذلك ضمان استمرار حريتهم، فإنتمائهم لله يبعد عنهم إبليس. ولكنها أبت وذهبت وراء إبليس في الهياكل الوثنية التي تُقام على كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء = في العبادات الوثنية يفضلون الأماكن العالية إذ يظنون أنهم بهذا يقتربون لآلهتهم، وأيضًا يفضلون إقامة مذابحهم تحت الأشجار الضخمة. والعبادة الوثنية فيها زنا روحي أي انفصال عن الله وزنا جسدي كان يمارس في المعابد الوثنية.
أَنْتِ اضْطَجَعْتِ زَانِيَةً = الزنا الجسدي هو إرتباط جسدي بطرف آخر خارج الزواج. والزنا الروحي هو إرتباط روحي (أي عبادة) بإله آخر غير الله.
وقلت لا أتعبد = فبعد أن حررها الله أعطت وعدًا أنها لا تتعبد لآلهة غريبة، ولكن كان هذا لفترة قصيرة ثم ارتدت. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهكذا نحن بعد كل عطية نعطي وعودًا لله ثم نرجع في وعودنا وَنَفْتُر. لأنك على كل أكمة = تترجم" بينما أنتِ على كل أكمة". أي تناقض بين الواقع وما وعدت به.
الآيات 21-24:- "وَأَنَا قَدْ غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُورَقَ، زَرْعَ حَقّ كُلَّهَا. فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ؟ فَإِنَّكِ وَإِنِ اغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ، وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ الأُشْنَانَ، فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. كَيْفَ تَقُولِينَ: لَمْ أَتَنَجَّسْ. وَرَاءَ بَعْلِيمَ لَمْ أَذْهَبْ؟ انْظُرِي طَرِيقَكِ فِي الْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ، يَا نَاقَةً خَفِيفَةً ضَبِعَةً فِي طُرُقِهَا! يَا أَتَانَ الْفَرَا، قَدْ تَعَوَّدَتِ الْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ. عِنْدَ ضَبَعِهَا مَنْ يَرُدُّهَا؟ كُلُّ طَالِبِيهَا لاَ يُعْيُونَ. فِي شَهْرِهَا يَجِدُونَهَا."
الله غرسها كرمة سورق = أي كرمة فخمة من أجود أنواع الكروم. فسورق كانت مشهورة بكرومها الجيدة. ولكن ماذا أصبحت؟ سروغ جفنة غريبة = سروغ أي أغصان الكرم. والمعنى أنها صارت كرمة غريبة فاسدة (راجع أش5). فالله أسسهم كدولة وكشعب له أيام يشوع وكان لهم ناموسهم وهيكلهم. وعرفوا الله لفترة ثم بدأوا في الإنحدار الذي وصل بهم لحالتهم الراهنة. زرع حق = زرع = وقت تكوينهم كأمة منذ خرجوا من مصر على يد موسى، ثم سكنوا أرض الميعاد على يد يشوع. والحق = يقصد كل ما أعطاهم من الوصايا (خر20-23) والهيكل والشرائع والكهنوت المقدس، الذي وضعه في وسطهم منذ البداية. وهكذا صنع الله مع الإنسان حين خلقه، حين خلقه على صورته ولكن الآن هل نحن على صورته أم أن صورتنا غريبة. وشعب يهوذا الذي غرق في عبادته الوثنية وانحرافه، أو آدم الذي فقد صورة الله لم يعد يمكن تطهيره بنطرون = ملح أو أشنان = صابون. وهما رمز لكل محاولات البشر للتطهير لأن التطهير لن يكون سوى بدم المسيح. ويشبههم الله هنا بناقة خفيفة ضبعة في طرقها = هي أنثى سريعة تجمح في عنف وراء ذكورها في شهوانية. ويشبهها بأتان الفرا = وهو حمار الوحش البرى الذي تعوَد على الجموح في البرية ولم يألف العمل، أي لم يصبح أليفًا يمكن إستخدامه في الأعمال العادية. والمقصود أنهم شهوانيون جدًا يستنشقون ريح اللذة، وفي شهوانيتهم هذه من يستطيع أن يجعلهم يرتدون عن خطيتهم = عند ضبعها من يردَها للخلف = أي في حالة هياجها وجموحها وراء شهوتها من يستطيع أن يردها عن ذلك. وكل مَنْ يجري خلفها = كل طالبيها لا يعيون كل الخدام الذين يجرون وراء الشهوانيون الخطاة لا يكلوا ولكنهم يعرفون أنه لا أمل إلا في شهرها يجدونها = أي حينما تكتمل شهور حملها وتصبح ثقيلة غير قادرة على الجري السريع (أي 2:39) . وكذلك من آلام مخاضها تصبح غير متوحشة فيمسكونها ويقودونها ولا تستطيع الهرب. هكذا الشهوانيون لا يمكن إعتبارهم أناس طبيعيون، ولا يمكن قيادتهم للتوبة، ولكن هناك طريق يستعمله الله هو أن يجعلهم في منتهى الثقل بمصيبة كبيرة نتيجة إنجذابهم وراء شهوتهم، والشهوة تحبل بالخطية والخطية تلد موتا أو مصيبة (يع1: 15). وحينئذ تنفتح أذانهم للتعليم وهذا هو الشهر الذي تجدهم فيه (مز6،5:141). وهذا هو المتوقع الآن لأورشليم. وفي وقاحة يقولون لم أتنجس = ليس المعنى أنهم ينكرون وثنيتهم بل هم في وقاحة يقولون أن عباداتهم وممارساتهم الوثنية لا تنجس. وهنا يذكرهم الله بأعمالهم = انظري أعمالكِ في الوادي يقصد وادي إبن هنوم (حيث قدَّموا أولادهم ذبيحة للآلهة) (إر7: 31-32). ملحوظة:- حتى الآن لا يتصور من يحمل حجابًا ليحميه أو يذهب لمن يدَّعون أنهم يفكون الأعمال أنهم بهذا يتعاملون صراحة مع الشيطان وأنهم بهذا يتنجسون. والبعليم هو أحد الآلهة الوثنية وأصبح رمزًا للأوثان لشهرته. وهناك كثيرين يفعلون الشر ويخالفوا الوصايا ويقولون "عادى، الناس كلها بتعمل كده"، ولنلاحظ أن الله غير مُلْزَم بأن يلتزم بما تفعله الأغلبية ولا يعاقب.
آية 25:- "اِحْفَظِي رِجْلَكِ مِنَ الْحَفَاءِ وَحَلْقَكِ مِنَ الظَّمَإِ. فَقُلْتِ: بَاطِلٌ! لاَ! لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ."
في خطيتهم عناد ولا يمكن كبحهم ولا إرجاعهم للتوبة، فهم كأتان الفرا يصعب ترويضهم ولا يقبلون أي تهذيب. ولذلك يحذرهم الله هنا من أن السبي سيكون نتيجة خطيتهم. فحين يقودونهم للسبي سيجعلونهم يسيرون حفاة وفي الطريق إلى بابل صحراء وفيها سيعطشون ولكن من يبحث عن شهوة غريبة فهو يبحث عن ملك غريب وهؤلاء سيحكمهم ملوك غرباء.
آية 26:- "كَخِزْيِ السَّارِقِ إِذَا وُجِدَ هكَذَا خِزْيُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ،"
هؤلاء سيكون خزيهم من آلهتهم التي لا تنفع في ذلك اليوم كخزي السارق حين يضبط وهو يسرق.
آية 27:- "قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ: أَنْتَ وَلَدْتَنِي. لأَنَّهُمْ حَوَّلُوا نَحْوِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ، وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا."
في وقت آلامهم استداروا لألهتهم المصنوعة من الخشب (العود) ومن الحجر يطلبونها وبهذا هم أعطوا لله القفا لا الوجه وسوف يخزون من آلهتهم. وهناك معنى آخر للآية أنهم وقت أفراحهم ذهبوا وراء شهواتهم (آلهتهم)، ففي وقت الضيق لن يستجيب لهم الله لأنهم في وقت أفراحهم حولوا له القفا. لذلك يقول الكتاب "أمسرور أحد فليرتل". عمومًا من يعرف أن يوجه نفسه لله وقت أفراحه، سيحول وجهه إليه وقت شدته، ومن تعود أن يعطي الله القفا في أفراحه سيذهب لغير الله في شدته، معطيا لله القفا.
آية (28-30):- "فَأَيْنَ آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ. لأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا. لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لِبَاطِل ضَرَبْتُ بَنِيكُمْ. لَمْ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُهْلِكٍ."
لباطل ضربت بنيكم = لأنهم عصوا الرب وخاصموه ضربهم. وهو ضرب حتى الشبان منهم فهم قد تقسوا كالكبار. وهم قتلوا أنبياء الله فكانوا كأسد يلتهم ضحيته بفرح ولذة. ولكن بعد الضربات البسيطة التي إستعملها الله لم يتوبوا = لباطل. ولذلك فالطريق الآن لضربة عظيمة. وفي (28) يظهر لهم غباوة عبادة أصنام لا تخلص وقت الضيقة.
آية 31:- "«أَنْتُمْ أَيُّهَا الْجِيلُ، انْظُرُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلاَمٍ دَامِسٍ؟ لِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: قَدْ شَرَدْنَا، لاَ نَجِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ؟"
هم لا يدركون إحسانات الله اليومية عليهم. فلا يأتون إليه بالتوبة كما لو كان برية لا تعطي ثمارًا، أو هو ظلامًا = إذا أتوا إليه لا يبصرون طرقهم. وهو الذي يعطيهم الشمس والمطر. والمعنى أن هؤلاء لعماهم يشعرون أن الالتجاء لله في الشدة هو بلا فائدة وبلا ثمار = برية . وكأن طرق الله مظلمة. ولا يعلمون أنهم هم العميان.
آية 32:- "هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا، أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا بِلاَ عَدَدٍ."
الله هو زينتهم ومجدهم وإكليلهم مثل إكليل العروس وزينتها ومع ذلك تركوه زمانًا.
آية 33:- "لِمَاذَا تُحَسِّنِينَ طَرِيقَكِ لِتَطْلُبِي الْمَحَبَّةَ؟ لِذلِكَ عَلَّمْتِ الشِّرِّيرَاتِ أَيْضًا طُرُقَكِ."
الله يصورهم هنا كزانية تجمل نفسها للآخرين وقد يكون ذلك طلبًا لعقد معاهدات مع جيرانهم. وبدلًا من أن يكونوا قدوة ونورًا للعالم صاروا مثلًا شريرًا وعلموا الشر للآخرين. بمزجهم كل العبادات الوثنية مع عبادة الله.
آية 34:- "أَيْضًا فِي أَذْيَالِكِ وُجِدَ دَمُ نُفُوسِ الْمَسَاكِينِ الأَزْكِيَاءِ. لاَ بِالنَّقْبِ وَجَدْتُهُ، بَلْ عَلَى كُلِّ هذِهِ."
جريمتهم في قتل أولادهم كذبائح لمولك الإله الوثني وقتل أنبيائهم وسفك دماء الأبرياء عالقة بهم وهي ظاهرة لا تحتاج للتنقيب ورائها. فهم لا يخفونها في خجل بل يظهرونها.
بل على كل هذه = على أذيالك والأذيال هي الملابس التي تغطى والمقصود رؤسائها وملوكها وكهنتها.
آية 35:- "وَتَقُولِينَ: لأَنِّي تَبَرَّأْتُ ارْتَدَّ غَضَبُهُ عَنِّي حَقًّا. هأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ."
هم تصوروا أن الآلام البسيطة التي عانوا منها تبرأهم ولكن لا سبيل للتبرئة سوى التوبة.
آية 37،36:- "لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا تَخْزَيْنَ كَمَا خَزِيتِ مِنْ أَشُّورَ. مِنْ هُنَا أَيْضًا تَخْرُجِينَ وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَ ثِقَاتِكِ، فَلاَ تَنْجَحِينَ فِيهَا."
هنا الله يوبخهم بأنهم اتخذوا من البشر سندًا لهم وتركوا الله. وهذا وثنية روحية أن نثق في أحد غير الله. ولكنهم سيخزون من مصر كما خزوا من أشور = ولن يجدوا راحة في أي بشر. ولاحظ أن من يثق في الله لن يحتاج أن يركض ليغير طريقه لأن راحته ستكون في الله مثل حمامة نوح لا تستريح سوى في الفلك. وتخرجين ويداك على رأسك = إلى السبي لأن الله رفض ثقاتك = أي الله رفض أن تحميكِ مصر التي لجأتِ إليها. ويداك على رأسِكْ من الألم والخزي. ورفع اليد فوق الرأس هو وضع السبايا، وهذا تهديد لهم بالسبي.
تعليق على الإصحاح
في هذا الإصحاح، يقيم الله قضية خيانة زوجية ضد عروسه إسرائيل، والله يبدأ باللين، بل يقول اذهب ونادِ في أذني أورشليم (2) كمن لا يريد أن يفضحها. وفي رقة يقول لها أنه يحسب خروجها وراءه في برية سيناء هو جميل منها يذكره لها، ولا يقول لها أنه هو الذي أنقذها من عبودية مصر، ولا يذكر لهم الله هنا خطاياهم في البرية وتذمرهم، هذا هو الله الذي لا ينسى كأس ماء بارد. ولتشجيعهم يدعوهم هنا عروس وأولاد وبكور، ويسميهم قدس للرب ويقول عنهم أنهم شعبه. ويفتح عيونهم على خطاياهم وخطورة قراراتهم، فهم يريدون أن يتحالفوا مع من ضربهم سابقًا أي مصر، الله بهذا يفتح عيونهم أن مصر تريد خداعهم (وهكذا الشيطان معنا).
(آية 16) والله يشرح لهم أن أي عقوبة إنما هي ثمرة لخطايانا (19). بل أن الله في محبته لا يسمح لنا إلا بأن نتعرض للنذر اليسير من آلام الخطية. وفي عتابه يقول لهم انظروا خيانتكم لي في الوادي (23) إشارة لتقديم أولادهم ذبائح دموية في الوادي، ويشبههم بناقة (أنثى) تلاحق الذكور (23) إشارة ليهوذا التي تجري وراء آلهة غريبة تاركة إلهها. وأشر ما يعاتبهم عليه أنهم ما عادوا يشعرون بأنهم يخطئون، صاروا يشربون الإثم كالماء، وهذا أشر ما يصل إليه الخاطئ. لأني تبرأت. فقولهم هذا يشير لشعورهم بأنهم أبرياء مع كل أعمالهم هذه.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى
(1) مكانة أورشليم عند الله (ع1-3):
1 وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. 3 إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع1، 2: تبدأ هنا كلمات النبوة التي أمر الله إرميا أن يقولها للشعب في أورشليم، فقد كان الكلام في الأصحاح الأول إما أوامر لإرميا كخادم، أو رؤى يعلنها للشعب. ويظهر في حديث الله مع شعبه هنا ما يلي:
1- أنه عتاب محبة يهمس به في أذنى عروسه التي أحبها، أذنى أورشليم، إذ يعتبر أورشليم وشعبها كعروس له يحبها جدًا.
† إن لاحظت شيئًا غير سليم على أحد أحبائك، فعاتبه بلطف بينك وبينه، وامدحه أولًا قبل أن تظهر أخطاءه، وشجعه للتغلب عليها، وبين له تمسكك وثقتك به، فتكسب قلبه، لأنه إن لم تكسبه أولًا فلن يسمح لك بنقده.
2- غيرة صباك:
يمتدح الله أورشليم، أي شعبه بني إسرائيل في غيرتهم المقدسة نحوه عندما تركوا عبادة الأوثان في مصر وعبدوه وحده في برية سيناء. هذه هي غيرة أورشليم في صباها قبل أن تسكن في أرض الميعاد.
3- محبة خطبتك:
يشبه أورشليم بعروس خطبها لنفسه وكيف أحبته بعبادتها له في خيمة الاجتماع في سيناء. فكانت مخطبوبته في سيناء، ثم أصبحت عروسه باستمرار عبادتها له في كنعان وفى هيكل سليمان.
4- ذهابك ورائى في البرية:
يقصد ترك بنى إسرائيل مصر بكل خيراتها وخروجهم إلى برية سيناء القاحلة التي لا زرع فيها، وذلك لتعبد الله بعيدًا عن أوثان مصر.
يلاحظ هنا أن الله يمتدح شعبه ويركز على فضائلهم متناسيًا أخطائهم في هذه الفترة، مثل التذمر وعدم الطاعة.
ع3: يظهر الله محبته لأورشليم ومكانتها عنده بقوله عنها:
قدس للرب : فكل بني إسرائيل هم شعب الله، مثل هارون المكرس بخدمته والذي يضع صفيحة ذهبية على عمامته مكتوب عليها "قدس للرب"، فهم شعبه وهو يرعاهم بمحبته.
أوائل غلته : كانت الشريعة توصى شعب الله بتقديم البكور له، أي أوائل المحاصيل، فبنو إسرائيل هم أول الشعوب التي آمنت وعاشت لله لتكون باكورة للعالم كله حين يؤمن البشر من كل مكان بالمسيح. فهذا امتياز أن تتمتع أورشليم بالالتصاق بالله قبل باقي الشعوب.
كل آكليه يأثمون : إن كان بنو إسرائيل يخطئون ويسمح الله للأمم، مثل مملكة أشور وبابل أن يسبوهم، فهذا تأديب لإسرائيل ولكن في نفس الوقت الله لا يرضى عن شر الأمم الذين يسيئون إلى شعبه، بل يعاقبهم بالدمار، كما حدث لأشور ثم بابل.
(2) رعاية الله لأورشليم (ع4-8):
4 اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَكُلَّ عَشَائِرِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 5 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ابْتَعَدُوا عَنِّي وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلًا؟ 6 وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، الَّذِي سَارَ بِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ قَفْرٍ وَحُفَرٍ، فِي أَرْضِ يُبُوسَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، فِي أَرْضٍ لَمْ يَعْبُرْهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَسْكُنْهَا إِنْسَانٌ؟ 7 وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا. 8 اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ.
ع4: يوجه الله كلامه بالنبوة إلى كل اليهود في:
بيت يعقوب : أي مملكة يهوذا التي عاصمتها أورشليم.
كل عشائر بيت إسرائيل : باقي الأسباط الذين كونوا المملكة الشمالية، ثم سباها أشور وبقى بعضها في مملكة إسرائيل، والبعض الآخر تشتت في العالم بواسطة الأشوريين.
فالكلام موجه لشعب الله في كل مكان وزمان.
ع5: جور: ظلم.
وراء الباطل : وراء الأوثان الباطلة التي عبدوها.
صاروا باطلًا : سلكوا في شهوات وخطايا لا تجدى شيئًا.
يعاتب الله شعبه لأنه لم يظلمهم، بل رعاهم بمحبته، ومع هذا تركوه وعبدوا الأوثان، وانغمسوا في الشهوات الشريرة.
ع6: ظل الموت: تعرض الشعب لمخاطر الموت سواء بيد الأعداء، أو الحيوانات المفترسة، ولكن الله حفظهم ودافع عنهم.
تناسى شعب الله قوته التي أنقذتهم من عبودية مصر بالضربات العشر وبشق البحر الأحمر، وكيف رعاهم بالمن والسلوى والماء من الصخرة، وظللهم بالسحابة، وهداهم بعمود النار ليلًا، مع أن برية سيناء لا يستطيع إنسان أن يعيش فيها لأجل جفافها واستحالة الحياة بها، خاصة لشعب كبير تعداده حوالي 2 مليون، وحارب عنهم الأعداء مثل عماليق.
ع7: رجسًا: نجسًا بعبادة الأوثان التي نجسوا بها أرض الميعاد.
أدخل الله شعبه في أرض كنعان الخصبة المملوءة ببساتين الفاكهة وكل الخيرات، فأكلوا وشبعوا، ولكنهم انحرفوا عن الله بعبادة الأوثان، فنجسوا الأرض التي طهرها لهم الله.
† الله مستعد أن يحفظك في الضيقات مهما كانت صعبة ويعولك فيها كما عال شعبه في برية سيناء القاحلة، ثم يعطيك خيرات روحية كثيرة في الكنيسة؛ لتشبع بها فلا تنجسها بأفكارك الرديئة أو بعبادتك المظهرية أو بكبريائك. لا ترد على محبة الله بالشر، بل أحفظ وصاياه واشكره على عطاياه.
ع8: يظهر الله هنا زيغان كل فئات الشعب عنه وهم:
الكهنة : تمموا الطقس مظهريًا ولم يربطوا الشعب بمحبة الله والتوبة عن خطاياهم.
أهل الشريعة : وهم المعلمون الروحيون الذين انشغلوا عن عبادة الله، وبالتالي لم يعلموا الشعب، بل علموهم تعاليم منحرفة عن الله.
الرعاة : أي الرؤساء والملوك الذين تكبروا ولم يحفظوا وصايا الله، فأزاغوا الشعب وراءهم في خطايا كثيرة.
الأنبياء : بدلًا من أن يتنبأوا بكلام الله صاروا أنبياء كذبة يتنبأون للآلهة الوثنية مثل "بعل" فكانت نبواتهم خاطئة ومضلة للشعب.
ومن هذا يظهر صعوبة الوضع الروحي؛ إذ انحرفت كل فئات الشعب، ولم يبق إلا إرميا ليعلن صوت الله.
(3) عدم جدوى عبادة الأوثان (ع9-13):
9 «لِذلِكَ أُخَاصِمُكُمْ بَعْدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَبَنِي بَنِيكُمْ أُخَاصِمُ. 10 فَاعْبُرُوا جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟ 11 هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! 12 اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ. 13 لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً.
ع9: يدعو الله شعبه في أورشليم وكل اليهودية للوقوف أمام المحكمة ويكون خصمًا لهم، فيرفع دعواه ضدهم، وليس فقط ضدهم، بل وضد بنيهم لأنهم علموا أولادهم الشر.
ع10، 11: كتيم: قبرص.
قيدار : قبائل تسكن في شبه جزيرة العرب.
يُشهد الله على شعبه أمم العالم سواء التي تقع في الشمال الغربي مثل جزيرة كريت، أو في الجنوب مثل قبائل قيدار التي تعبد آلهتها الوثنية ولا تغيرها بآلهة غير معروفة، أما شعب الله فقد غيروا إلههم الحقيقي، وعبدوا ما ليست آلهة، وهي الأوثان التي لا تفيدهم شيئًا بل تضرهم وتحرمهم وتفصلهم عن الله.
ع12، 13: ابهتى: اندهشى.
اقشعرى : ارتعدى.
يشهد الله على شعبه، ليس فقط الأمم الوثنية بل الطبيعة مُمثلة في السماء، فينادى السموات أن تندهش وترتعد وتتحير من تصرفات شعبه الغريبة والغير معقولة بعبادتهم للأوثان، وبهذا سقطوا في خطيتين كبيرتين هما:
تركوا الله مصدر حياتهم الذي لا يمكن أن يعيشوا بدونه، فهو يشبه ينبوع المياه الحية بعمل روحه القدوس فيهم.
بحثوا عن سند آخر يعتمدون عليه في حياتهم، وهو الآلهة الوثنية الغير مفيدة، ويشبهها بآبار مشققة يتسرب منها الماء فتصير جافة، فمهما حفر الإنسان آبارًا من هذا النوع لا يجد ماء يرويه، بل يجد فقط الطين والرمال، فتتسخ حياته بها.
ترمز السموات أيضًا للملائكة الذين يشهدون على شعبه بالانحراف عن إلههم وسعيهم وراء أصنام لا تنفع، فيبذلون جهدهم كل حياتهم بلا جدوى.
† لا تضيع وقتك في مشاهدات، أو مناقشات غير مجدية وتهمل علاقتك بالله، أي صلواتك وقراءاتك وارتباطك بالكنيسة، فتتعب وتخسر محبة الله ورعايته.
(4) عبادة الأوثان أذلتها (ع14-19):
14 «أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ الْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟ 15 زَمْجَرَتْ عَلَيْهِ الأَشْبَالُ. أَطْلَقَتْ صَوْتَهَا وَجَعَلَتْ أَرْضَهُ خَرِبَةً. أُحْرِقَتْ مُدُنُهُ فَلاَ سَاكِنَ. 16 وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ. 17 أَمَا صَنَعْتِ هذَا بِنَفْسِكِ، إِذْ تَرَكْتِ الرَّبَّ إِلهَكِ حِينَمَا كَانَ مُسَيِّرَكِ فِي الطَّرِيقِ؟ 18 وَالآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ لِشُرْبِ مِيَاهِ شِيحُورَ؟ وَمَا لَكِ وَطَرِيقَ أَشُّورَ لِشُرْبِ مِيَاهِ النَّهْرِ؟ 19 يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ. فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ، وَأَنَّ خَشْيَتِي لَيْسَتْ فِيكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ.
ع14: يتساءل الله سؤال استنكارى عن شعبه فيقول هل هو عبد لمن يذلونه، سواء مصر أو بابل؟ أي هل اشترته مصر، أو بابل عبدًا، أو هو ابن العبد الذي ولد في بيت سيده، وفى الحالتين فهو عبد سواء اشتراه سيده أو ولد في بيته. والدليل الذي يقدمه هو أن شعب الله قد صار غنيمة يتحكم فيها أعداؤه. فهو بهذا يعاتبهم لماذا صاروا عبيدًا للأمم التي تستغلهم؟ والسبب بالطبع هو ابتعادهم عن الله وسقوطهم في خطايا كثيرة، فهي دعوة للتوبة والرجوع لله.
ع15: زمجرت: صوت الأسود والأشبال.
يشبه هجوم مصر وأشور وبابل على بني إسرائيل بزمجرة الأشبال وتهيؤها للإنقضاض على فريستها ثم هجومها فأخربت أرضهم، وأحرقت مدنهم بالنار.
ع16: نوف وتحفنيس: مدن مصر يُكنى بها عن مصر كلها.
شجوا هامتك : كسروا رأسك.
يستكمل الله استنكاره لذل شعبه وهجوم أعدائه مثل الأشبال عليه، فيضيف أن مصر قد كسرت رأس شعبه، أي حطمت قوته وأذلته.
ع17: يعلن الله أن سبب كل هذه المصائب هو تركهم لعبادته أثناء طريق حياتهم، وانشغالهم بالشهوات وعبادة الأوثان، وأن هذا الانحراف كان بإرادة شعبه، ولم يجبرهم عليه أحد، فأتت عليهم كل هذه المتاعب.
ع18: شيحور: النهر الملوء طميًا، أي نهر النيل في مصر.
النهر : المقصود به نهر الفرات الذي في بابل.
يعاتب الله شعبه لالتجائهم إلى مصر التي يكنى عنها بمياه النيل، أو التجائهم إلى بابل التي يكنى عنها بنهر الفرات، فكان الأجدر بهم في ضيقهم أن يلتجئوا إلى الله وليس إلى البشر. ومصر ترمز للخصب والخيرات، أي الشهوات المادية، أما بابل فترمز للكبرياء لأجل افتخارها بعظمتها.
ع19: يؤكد الله أن سبب الذل والخراب الذي سيعانيه شعبه هو خطيتهم وعصيانهم لله، وعدم مخافتهم له، وتماديهم في شرورهم، وعبادتهم للآلهة الغريبة. ويعلن الله قوته في قوله أن اسمه رب الجنود فهو الذي سمح بإذلالهم حتى يتوبوا، وهو قادر على إذلالهم وقادر أيضًا على إنقاذهم إن تابوا.
† لا تتهاون مع خطاياك التي تعودتها، أو تقبل خطايا غريبة يعرضها العالم عليك، فتغضب الله وتخرب نفسك. فلا تتناسى مخافته والعذاب الذي ينتظرك إن تماديت في هذا الشر. ارجع سريعًا فهو يحبك ومستعد أن يقبل توبتك، ويرفع عنك كل هذه الأتعاب التي جلبتها على نفسك. إن اللذة المؤقتة تخلف مرارًا في داخلك، فلا تنخدع بها.
(5) التمادي في عبادة الأوثان (ع20-30):
20 «لأَنَّهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ كَسَرْتُ نِيرَكِ وَقَطَعْتُ قُيُودَكِ، وَقُلْتِ: لاَ أَتَعَبَّدُ. لأَنَّكِ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ أَنْتِ اضْطَجَعْتِ زَانِيَةً! 21 وَأَنَا قَدْ غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُورَقَ، زَرْعَ حَقّ كُلَّهَا. فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ؟ 22 فَإِنَّكِ وَإِنِ اغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ، وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ الأُشْنَانَ، فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 23 كَيْفَ تَقُولِينَ: لَمْ أَتَنَجَّسْ. وَرَاءَ بَعْلِيمَ لَمْ أَذْهَبْ؟ انْظُرِي طَرِيقَكِ فِي الْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ، يَا نَاقَةً خَفِيفَةً ضَبِعَةً فِي طُرُقِهَا! 24 يَا أَتَانَ الْفَرَا، قَدْ تَعَوَّدَتِ الْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ. عِنْدَ ضَبَعِهَا مَنْ يَرُدُّهَا؟ كُلُّ طَالِبِيهَا لاَ يُعْيُونَ. فِي شَهْرِهَا يَجِدُونَهَا. 25 اِحْفَظِي رِجْلَكِ مِنَ الْحَفَاءِ وَحَلْقَكِ مِنَ الظَّمَإِ. فَقُلْتِ: بَاطِلٌ! لاَ! لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ. 26 كَخِزْيِ السَّارِقِ إِذَا وُجِدَ هكَذَا خِزْيُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ، 27 قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ: أَنْتَ وَلَدْتَنِي. لأَنَّهُمْ حَوَّلُوا نَحْوِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ، وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا. 28 فَأَيْنَ آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ. لأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا. 29 لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 30 لِبَاطِل ضَرَبْتُ بَنِيكُمْ. لَمْ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُهْلِكٍ.
ع20: نيرك: خشبة مستعرضة توضع على رقاب الحيوانات ويخرج منها خشبة في نهايتها الآلة الزراعية، وتربط برقاب الحيوانات بواسطة حبل، فهي تمثل الثقل والتعب الذي تعانيه الحيوانات في جر الآلات الزراعية.
أكمة : تل حيث يقدمون عبادة للأوثان.
يشبه الله شعبه بحيوانات استغلها الناس في أداء أعمالهم، ففك الله قيود عبادتهم، عندما كانوا في مصر، وأعطاهم الحرية ليعبدوه في برية سيناء، ثم في كنعان، ولكنهم عادوا فاستعبدوا أنفسهم للآلهة الوثنية التي عبدوها فوق الآكام، أو تحت ظلال الأشجار. ويسمى عبادة الأوثان زنا؛ لأنه ابتعاد شعبه كعروس عن عريسها والتصاقها بآخر هو الوثن، هذا هو الزنا الروحي. وقد ارتبطت أيضًا عبادة الأوثان في كثير من الأحيان بالزنا الجسدي لإرضاء الآلهة.
ع21: سورق: أجود أنواع الكروم.
سروغ : فروع.
جفنة : كرمة.
يعاتب الله شعبه ويشبههم بشجرة عنب من أجود الأنواع قد غرسها الله عندما علمهم الحق في برية سيناء بوصاياه وشرائعه، فكيف انحرفوا عنه وأصبحوا كرمة غريبة تعطى ثمارًا ردية ؟ أي لماذا تركوا عبادته والسلوك بالحق إلى عبادة الأوثان والسلوك في الشر؟!
ع22: نطرون: ملح قلوى يوجد في الأرض مختلط بالأتربة، ويستخدم مثل الصابون في التنظيف، ويستخرج من نبات الأشنان.
الأشنان : نبات إذا أحرق يصير رماده صالحًا للتنظيف كصابون جيد.
يوبخ الله أورشليم بأن اهتمامها بمظاهر العبادة، أو مظاهر العظمة والأخلاق لن يفيدها شيئًا، فكل أنواع المنظفات التي من أشهرها النطرون والأشنان لن تزيل عنها خطيتها؛ لأنها منقوشة في الحجر أمام الله، ولا يمكن أن تُمحَى إلا بالتوبة والرجوع إليه.
ع23: الوادى: وادي هنوم الذي يقدمون فيه ذبائح بشرية للآلهة الوثنية، أي أطفالهم لإرضاء الأوثان.
ناقة : أنثى الجمل ومن طبيعتها أن تتحرك يمينًا ويسارًا بخفة، فترمز للانسياق وراء الآلهة الغريبة.
ضبعة : أنثى الضبع التي تنبش في الأرض لتأكل الجثث المتعفنة فترمز للبحث عن الشهوات الشريرة الدنيئة.
أنكرت أورشليم عبادتها للأوثان وتنجسها بهم، فيرد عليها الله مشهدًا عليها ما فعلته في وادي هنوم بتقديم أطفالها ذبائح للآلهة الوثنية. ويشبهها بناقة تجرى يمينًا ويسارًا وراء الآلهة الوثنية، وكالضبعة في بحثها عن الشهوات الدنسة.
ع24: أتان: أنثى الحمار.
الفرا : الحمار الوحشي.
تعودت البرية : الانطلاق في كل اتجاه في الصحراء، ويرمز لانطلاق الأنثى وراء كل رجل.
تستنشق الريح : تعبير عن عدم فائدة كل ما تصنعه، فهي لا تستنشق رائحة جميلة، بل الريح الذي بلا رائحة.
عند ضبعها : عند بحثها كالضبعة عن الجثث الميتة وترمز للبحث عن الشهوات الدنيئة.
يعيون : يتعبون.
في شهرها : الشهور المناسبة للتزاوج عند الحيوانات.
يشبه الله أورشليم أيضًا بأنثى الحمار الوحشي التي تعودت الانطلاق في الصحراء، أي أنها تجرى وراء الآلهة الوثنية التي للأمم المحيطة بها، وهي عندما تتمادى في شهوتها لا تشبع أبدًا بل كأنها تشم الريح، وتبحث كالضبعة عن الجثث الميتة، أي تجرى وراء إشباع شهواتها الشريرة، وهي كالزانية التي لا يتعب كل من يطلبها في البحث عنها؛ لأنها تعرض نفسها عليه وهي مستعدة للزنا طوال فترة التزاوج، أي شهور التزاوج. وبهذا يوبخها الله على جريها وراء عبادة الأوثان وطلبها المستمر للشهوات الدنسة.
ع25: فقلت باطل: رفضت تنبيه الله وتحذيره.
يستكمل تشبيهها بالزانية التي تجرى وهي حافية القدمين وراء كل رجل وأصبحت ظمآنة للشهوة التي لا تشبع منها. فالخطية تفقد الإنسان كرامته، أي لبس الحذاء، وتجعله لا يشبع أبدًا، بل يشعر بالحرمان واشتعال الشهوة المتزايد داخله.
ولكن عندما حذَّر الله أورشليم من الحفا والظمأ رفضت كلامه، وأعلنت ببجاحة محبتها للزنا مع كل إنسان غريب، وهذا ينطبق على عبادة الأوثان المختلفة، وكذلك التمادي في الشهوات والزنا الذي ارتبط بهذه العبادات وانتشر في حياتهم.
ع26: يشبههم بالسارق الذي يتلذذ بما يسرقه ولكن يكون خزيه عظيمًا عند القبض عليه. هكذا، ليس فقط الشعب في أورشليم، ولكن أيضًا كل فئاته سواء الكهنة، أو الملوك، أو الأنبياء.
ع27: العود: الأوثان المصنوعة من الخشب، أي سيقان، أو أعواد النباتات.
الحجر : الأصنام المصنوعة من الحجارة.
تمادى شعب الله في خطاياهم، فعبدوا الأوثان المصنوعة من الخشب، أو الحجارة ودعوها آباء وأمهات ورعاة لهم لتحفظهم في حياتهم؛ وبهذا تركوا الله وأعطوه ظهورهم. وعند وقوعهم في تجارب ولا تنجدهم آلهتهم الوثنية، يطلبون من الله أن ينقذهم متناسين أنهم تمردوا وعصوا عليه، فلا يعرفونه إلا لاحتياجهم.
ع28: يستهزئ الله بهم ويقول لهم ادعوا آلهتكم الوثنية التي أصبحت كثيرة جدًا كعدد مدن مملكة يهوذا، إذ اختارت كل مدينة إلهًا أو أكثر لها من الآلهة الوثنية. فيقول لهم اطلبوها لتنقذكم إن كانت تستطيع، وهي بالطبع لا قوة لها؛ لأنها مجرد تماثيل.
ع29: يواصل الله توبيخه لهم لأنهم وقفوا خصمًا له وعصوه بعبادتهم للآلهة الوثنية.
ع30: يعلن الله بأسف أن التأديب غير نافع لهم، فهم لم يرجعوا بالتوبة لله، إذ عندما أرسل إليهم أنبياءه ليوبخوهم على شرورهم، قاموا عليهم وقتلوهم بالسيف، أو بأية طريقة أخرى فكانوا كالأسود المفترسة للأنبياء الصالحين الذين أرسلهم الله لإرجاعهم إليه.
† لا تقاوم إنذارات الله لك وتوبيخاته التي تأتيك على لسان أب اعترافك، أو مرشديك، أو كل من حولك، فهو يريد خلاصك. أطع وصاياه واخضع لكنيسته واتضع أمام الكل فتجد راحتك وخلاصك.
(6) عتاب الله وعقابه (ع31-37):
31 «أَنْتُمْ أَيُّهَا الْجِيلُ، انْظُرُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلاَمٍ دَامِسٍ؟ لِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: قَدْ شَرَدْنَا، لاَ نَجِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ؟ 32 هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا، أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا بِلاَ عَدَدٍ. 33 لِمَاذَا تُحَسِّنِينَ طَرِيقَكِ لِتَطْلُبِي الْمَحَبَّةَ؟ لِذلِكَ عَلَّمْتِ الشِّرِّيرَاتِ أَيْضًا طُرُقَكِ. 34 أَيْضًا فِي أَذْيَالِكِ وُجِدَ دَمُ نُفُوسِ الْمَسَاكِينِ الأَزْكِيَاءِ. لاَ بِالنَّقْبِ وَجَدْتُهُ، بَلْ عَلَى كُلِّ هذِهِ. 35 وَتَقُولِينَ: لأَنِّي تَبَرَّأْتُ ارْتَدَّ غَضَبُهُ عَنِّي حَقًّا. هأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ. 36 لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا تَخْزَيْنَ كَمَا خَزِيتِ مِنْ أَشُّورَ. 37 مِنْ هُنَا أَيْضًا تَخْرُجِينَ وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَ ثِقَاتِكِ، فَلاَ تَنْجَحِينَ فِيهَا.
ع31: يواصل الله توبيخه لشعبه الذين رفضوا كلامه، ويتساءل مستنكرًا عن سبب ابتعادهم عنه قائلًا هل صرت في نظركم برية جافة قاحلة بلا حياة، أو صرت مكانًا مظلمًا ظلامًا شديدًا؟ ولماذا شردتم، أي ابتعدتم عنى ورفضتم الرجوع إلىّ؟ فأنا كنت دائمًا نورًا لكم وحياة كما رعيتكم في برية سيناء وفى كنعان.
ع32: يعلن الله أنه زينة شعبه وثياب البر التي تكسوهم، ومن المنطقي أن تهتم العروس بزينتها ومناطقها، أي ثيابها وكل ما يتصل بها مما يلبس على الوسط، فلماذا نسيت أورشليم كعروس لله عريسها الذي هو زينتها وبهاءها؟
ع33: يعاتب أورشليم أنها تسعى وراء عبادة الأوثان كما تسعى العروس نحو من تحبه، أو الزانية وراء من يطلبونها وتحبهم. فأورشليم قد طلبت المحبة الشريرة، أي محبة عبادة الأوثان والشهوات الردية، بل علمت أبناءها وبناتها هذا الشر، ويقصد بالشريرات بناتها.
ع34: يضيف خطية أخرى وجدت في أورشليم وهي الظلم، الذي يعبر عنه بدم نفوس المساكين الأذكياء. وخطايا أورشليم واضحة لا تحتاج إلى تنقيب، أو بحث، بل ظاهرة في كل بيوتها وشوارعها.
ع35: زاد شر أورشليم أنها لم تعترف بخطاياها، بل حاولت تبرير نفسها، وادعت أنها بريئة من كل شر لأجل هذا لم يعاقبها الله حتى الآن. لذا يرد عليها الله بأنها أن يحاكمها الله ويعاقبها.
ع36: يعاتب الله أورشليم أيضًا على جريها للاستعانة بمصر، كما جرت قديمًا للاستعانة بأشور، فهجمت عليها ودمرت مدنها وسبت كل المملكة الشمالية، فلماذا تجرى الآن نحو مصر؟ فيدعوها للتوبة والرجوع إليه بدلًا من الالتجاء للبشر لينقذوها من مصائبها، أو الاحتماء من بابل التي تهددها.
ع37: يداك على رأسك: عند السبي يخرج الأسرى واضعين أيديهم على رؤوسهم، وقد يحدث هذا أيضًا في حالة الحزن الشديد عند موت الأحباء.
يعلن الله عقابه لأورشليم من أجل عصيانها أنها ستسبى وتخرج من بلادها كما يخرج الأسرى فتكون في حزن وذل شديدين، ولن ينفعها من وثقت بهم مثل مصر وأشور "ثقاتك"، وهذا ما حدث فعلًا بعد سنوات عند هجوم بابل وسبيها لأورشليم واليهودية؛ لأنها لم تسمع لصوت الله على لسان إرميا النبي، ولم تتب عن خطاياها.
† تذكر أن نفسك عروس للمسيح، وفرحها وعظمتها أن تلتصق به، وتتزين بالفضائل التي يهبها لها. فأعطِ وقتًا كافيًا للوجود مع الله، وأزل خطاياك بالتوبة، فتحتفظ بجمالك كعروس مُزَّينة لعريسها.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثالث

(1) المطلقة الزانية (ع1-5):
1 « قَائِلًا: إِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ، فَهَلْ يَرْجعُ إِلَيْهَا بَعْدُ؟ أَلاَ تَتَنَجَّسُ تِلْكَ الأَرْضُ نَجَاسَةً؟ أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ زَنَيْتِ بِأَصْحَابٍ كَثِيرِينَ! لكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 2 اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ إِلَى الْهِضَابِ وَانْظُرِي، أَيْنَ لَمْ تُضَاجَعِي؟ فِي الطُّرُقَاتِ جَلَسْتِ لَهُمْ كَأَعْرَابِيٍّ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَنَجَّسْتِ الأَرْضَ بِزِنَاكِ وَبِشَرِّكِ. 3 فَامْتَنَعَ الْغَيْثُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ مُتَأَخِّرٌ. وَجَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ. أَبَيْتِ أَنْ تَخْجَلِي. 4 أَلَسْتِ مِنَ الآنَ تَدْعِينَنِي: يَا أَبِي، أَلِيفُ صِبَايَ أَنْتَ؟ 5 هَلْ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ، أَوْ يَحْفَظُ غَضَبَهُ إِلَى الأَبَدِ؟ هَا قَدْ تَكَلَّمْتِ وَعَمِلْتِ شُرُورًا، وَاسْتَطَعْتِ!».
ع1: تنص الشريعة في (تث24: 1-4) على أنه إن طلق رجل امرأته وصارت لرجل آخر لا يقبلها بعد ذلك كزوجة له، ولكن الله يخاطب أورشليم، أو شعبه اليهود كعروس له تركته وارتبطت بعبادة الأوثان مع آلهة كثيرة، أى زنت زنا روحي مرات كثيرة، ومع هذا يُظهر الله محبته الفائقة في استعداده لقبولها زوجة له مرة ثانية إن تابت ورجعت إليه. إن محبة الله تفوق المشاعر البشرية التي ترفض قبول المرأة التي اضطجعت مع آخرين.
ع2: يشبه الله شعبه بالزانية التي تجلس على الطريق تنتظر زبائنها، أو كالأعرابى الذي يجلس في الصحراء، أي أن شعبه كان مشتاقًا لعبادة الأوثان والتعلق بالشهوات الشريرة، ومع هذا فالله مستعد أن يقبله إن رجع إليه بالتوبة.
ع3: الغيث: المطر.
المطر المتأخر : الذي ينزل في آخر موسم الزراعة أي شهرى مارس وإبريل.
جبهة امرأة زانية : كانت الزانية تضع علامة على جبهتها ليسهل على زبائنها معرفتها، فجبهة الزانية ترمز لعدم الحياء.
عبرت الطبيعة عن ضيقها من زنا شعب الله بامتناع المطر، وبالتالي جفاف المزروعات، وحدوث جوع؛ لعل الضيقة تنبه شعب الله المتمادي في الزنا، ولكن للأسف رفض أن يطيع وصايا الله ويرجع بالتوبة إليه.
ع4: إن تابت أورشليم تتذكر أبوة الله ورعايته لها في برية سيناء، وتسميه أليف صباها، حيث تمتعت بعشرته وفرحت برعايته.
ع5: الله حنون حتى ولو غضب على شعبه بسبب خطاياه الكثيرة، وإن سمح لهم بضيقة السبي، فهي ضيقة وقتية لأنه يعود ويقبلهم ويسامحهم رغم كل الخطايا التي فعلوها بإصرار وعناد، فهو يقبلهم إن عادوا إليه.
† إن كان الله رحيم ومتسامح معك مهما كانت خطاياك، فأطل أناتك أيضًا على من حولك مهما كانت خطاياهم. كن رحيمًا والتمس الأعذار للآخرين حتى تستحق مراحم الله.
(2) عدم رجوع يهوذا رغم سبي إسرائيل (ع6-11):
6 وَقَالَ الرَّبُّ لِي فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا الْمَلِكِ: «هَلْ رَأَيْتَ مَا فَعَلَتِ الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ؟ اِنْطَلَقَتْ إِلَى كُلِّ جَبَل عَال، وَإِلَى كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ وَزَنَتْ هُنَاكَ. 7 فَقُلْتُ بَعْدَ مَا فَعَلَتْ كُلَّ هذِهِ: ارْجِعِي إِلَيَّ. فَلَمْ تَرْجعْ. فَرَأَتْ أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا. 8 فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لأَجْلِ كُلِّ الأَسْبَابِ إِذْ زَنَتِ الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ فَطَلَّقْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا كِتَابَ طَلاَقِهَا، لَمْ تَخَفِ الْخَائِنَةُ يَهُوذَا أُخْتُهَا، بَلْ مَضَتْ وَزَنَتْ هِيَ أَيْضًا. 9 وَكَانَ مِنْ هَوَانِ زِنَاهَا أَنَّهَا نَجَّسَتِ الأَرْضَ وَزَنَتْ مَعَ الْحَجَرِ وَمَعَ الشَّجَرِ. 10 وَفِي كُلِّ هذَا أَيْضًا لَمْ تَرْجعْ إِلَيَّ أُخْتُهَا الْخَائِنَةُ يَهُوذَا بِكُلِّ قَلْبِهَا، بَلْ بِالْكَذِبِ، يَقُولُ الرَّبُّ». 11 فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «قَدْ بَرَّرَتْ نَفْسَهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ أَكْثَرَ مِنَ الْخَائِنَةِ يَهُوذَا.
ع6: إسرائيل: تشمل العشرة أسباط، وتسمى المملكة الشمالية وعاصمتها السامرة، وقد قسمها يربعام بن نباط بعد موت سليمان الملك، وبقى سبطان هما يهوذا وبنيامين، وكونا المملكة الجنوبية التي سميت مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم التي بها الهيكل، وملك بها رحبعام ابن سليمان. وقد تم سبى إسرائيل بيد الأشوريين وبقيت يهوذا في أيام إرميا، ولكن تم سبيها بعد ذلك بيد بابل في حياة إرميا أيضًا.
بدأت نبوة إرميا في السنة الثالثة عشر ليوشيا الملك، فهذا معناه أن هذه الكلمات كانت أول نبوات إرميا التي لقنها الله له. فحدثه الله عن فساد مملكة إسرائيل بعبادتها للأوثان فوق الجبال، وكذلك تحت ظلال الأشجار، أي أنها سقطت في عبادة آلهة كثيرة وثنية.
ع7: رغم كل الشر الذي صنعته مملكة إسرائيل، دعاها الله للتوبة عن طريق أنبياء كثيرين، مثل أشعياء ولكنها رفضت الرجوع إليه، ورأت يهوذا تمادى إسرائيل في عصيانها ورفضها للأنبياء، ولم تتعظ بل تشبهت بها.
ع8: الأسباب : جميع الشرور التي صنعتها إسرائيل.
كتاب طلاقها : رفضها الله وتركها للسبى لترتبط بملوك غرباء يتسلطون عليها.
أطال الله أناته على إسرائيل لتتوب فلم تتب، فاضطر أن يسمح لها بضيقة السبي لعلها تتوب. أما مملكة يهوذا فلم تتعلم من عقاب الله لإسرائيل، بل استمرت هي الأخرى في زناها الروحي، أي عبادة الأوثان.
ع9: هوان زناها : ذل وخزى زناها.
الحجر : التماثيل الحجرية للآلهة الوثنية.
الشجر : الأصنام المصنوعة من الخشب، أو الهياكل الوثنية الخشبية.
تمادت يهوذا في شرها فسقطت في عبادة ما هو ليس آلهة، أي الأصنام الحجرية والخشبية، وتركت الله إلهها الحقيقي.
ع10: سقطت يهوذا في خطية أخرى وهي تظاهرها بالرجوع إلى الله على طريق العبادة المظهرية، فكانت كاذبة في هذا الرجوع.
ع11: بكثرة سقطات يهوذا أصبحت أسوأ من إسرائيل التي أصبحت مُبررة أمام الله أكثر من يهوذا. فخطية يهوذا هي عدم التعلم من تنبيه الله لها عن طريق سبى إسرائيل، ثم تماديها في عبادة الأوثان ورفض التوبة، مستترة وراء العبادة السطحية التي بلا روح.
† إن نبهك الله لترجع إليه بالتوبة فلا تتهاون، ولا تظن أن وجود بعض الفضائل الاجتماعية، أو مديح الناس لك، أو ارتباطك بشكل العبادة في الكنيسة يدافع عنك أمام الله، إذ لا سبيل لنوال البر الحقيقي إلا بالتوبة.
(3) كيفية التوبة (ع12-14):
12 «اِذْهَبْ وَنَادِ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ نَحْوَ الشِّمَالِ، وَقُلِ: ارْجِعِي أَيَّتُهَا الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُوقِعُ غَضَبِي بِكُمْ لأَنِّي رَؤُوفٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أَحْقِدُ إِلَى الأَبَدِ. 13 اِعْرِفِي فَقَطْ إِثْمَكِ أَنَّكِ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكِ أَذْنَبْتِ، وَفَرَّقْتِ طُرُقَكِ لِلْغُرَبَاءِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، وَلِصَوْتِي لَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 14 اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي سُدْتُ عَلَيْكُمْ فَآخُذَكُمْ وَاحِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاثْنَيْنِ مِنَ الْعَشِيرَةِ، وَآتِي بِكُمْ إِلَى صِهْيَوْنَ،
ع12: نحو الشمال : نحو مملكة إسرائيل مع أنها سُبيت إلى أشور وبقى قليل من اليهود فيها، ولكنه ينادى بالنبوة كل المسبيين.
يوجه إرميا نبوته الآن إلى المملكة الشمالية إسرائيل، التي سُبيت لأجل شرها، وفى نبوته يُظهر كيفية التوبة لإسرائيل وتتلخص فيما يلي:
الرجوع إلى الله، فلا حل لكل مشاكلهم إلا بالإيمان بالله والحياة معه.
الثقة في رحمة الله، فهو رؤوف وحنون جدًا وغفور.
ع13: فرقت طرقك للغرباء تحت شجرة خضراء : تعنى عبادة الآلهة الغريبة تحت الأشجار، حيث أقيمت تماثيل للأوثان.
يواصل وضع خطوات للتوبة:
فحص النفس لمعرفة إثمها وخطيتها.
طاعة الله لأن الخطية هي عصيان له.
كل خطية يصنعها الإنسان نحو الآخرين هي موجهة لله، ويلزمه أن يتوب عنها أمام الله "إلى الرب إلهك أذنبت".
ع14: أخذكم واحد من المدينة واثنين من العشيرة وآتى بكم إلى صهيون : يجمع شعب إسرائيل المتفرق في المملكة الأشورية ويعيدهم من السبي إلى أورشليم عندما يتوبون.
يستكمل خطوات التوبة فيقول:
الثقة في بنوتى لله فأرفض الخطايا التي تغضبه.
الله هو الملك الوحيد على القلب والذي يحل كل المشاكل، ويعيد إسرائيل من السبي، فيلزم الرجوع إليه بالتوبة لحل المشاكل.
† أنظر إلى حنان الله ومحبته التي تدعوك إلى التوبة حتى لا تنزعج من كثرة خطاياك، لأنك لو مللت وكرهت نفسك فالله مازال يحبك ومستعد أن يعيد إليك بهاءك وفرحك.
(4) بركات التوبة (ع15-19):
15 وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي، فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ. 16 وَيَكُونُ إِذْ تَكْثُرُونَ وَتُثْمِرُونَ فِي الأَرْضِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ، وَلاَ يَخْطُرُ عَلَى بَال، وَلاَ يَذْكُرُونَهُ وَلاَ يَتَعَهَّدُونَهُ وَلاَ يُصْنَعُ بَعْدُ. 17 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ يُسَمُّونَ أُورُشَلِيمَ كُرْسِيَّ الرَّبِّ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهَا كُلُّ الأُمَمِ، إِلَى اسْمِ الرَّبِّ، إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَلاَ يَذْهَبُونَ بَعْدُ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ. 18 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَذْهَبُ بَيْتُ يَهُوذَا مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَيَأْتِيَانِ مَعًا مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي مَلَّكْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. 19 وَأَنَا قُلْتُ: كَيْفَ أَضَعُكِ بَيْنَ الْبَنِينَ، وَأُعْطِيكِ أَرْضًا شَهِيَّةً، مِيرَاثَ مَجْدِ أَمْجَادِ الأُمَمِ؟ وَقُلْتُ: تَدْعِينَنِي يَا أَبِي، وَمِنْ وَرَائِي لاَ تَرْجِعِينَ.
ع15: حسب قلبى : يتفقون مع مشيئة الله.
المعرفة والفهم : معرفة وصايا الله وفهمها بروحه القدوس.
يفرح الله بتوبة شعبه ويعطيهم بركات كثيرة هي:
1- يعطيهم رعاة، أي كهنة ومعلمين خاضعين له يتكلمون بكلامه، ومخلصين في رعايتهم للشعب.
ع16، 17: لا يُصنع بعد : لا يصنعون عبادة أو ذبائح وتقدمات تقدم في هيكل سليمان.
يستكمل بركات التوبة فيقول:
2- نبوة عن المسيحية عندما يكثر المؤمنون بالمسيح فلا يحتاجون رمزًا لحضور الله، وهو تابوت العهد، بل تكون أورشليم، أي كنيسة العهد الجديد، كرسيا للرب وتنتشر في كل مكان فتؤمن الأمم بالمسيح ويتوبون عن زيغانهم وعنادهم في الخطية.
ع18: أرض الشمال : حيث كانوا مسبيين في بابل.
الأرض التي ملكت آباءكم إياها : أرض كنعان، أي أورشليم واليهودية.
3- الرجوع من السبي الذي حدث في بداية مملكة مادي وفارس، فيرجع اليهود سواء من مملكة يهوذا أو مملكة إسرائيل، ويعبدون الرب في أورشليم.
ع19: كيف أضعك : يعبر عن عظمة نعمة البنوة التي لا يعبر عن جمالها.
من ورائى لا ترجعين : الثبات في السعادة الأبدية والحياة مع الله.
4- نعمة البنوة التي يهبها الله لعروسه، أي شعبه، فتدعوه أباها بعد أن أعادها من السبي، وأعطاها أرض كنعان الشهية ميراثًا لها أخذه من الأمم الأشرار الذين طردهم من أمامها. وأرض كنعان ترمز لكنيسة العهد الجديد بكل مشتهيات عمل الروح القدس فيها، وترمز بالأكثر إلى أورشليم السمائية التي فيها كل شهوات النفوس التي أحبت المسيح، وتتمتع بميراث مجد الأمجاد الذي يُعطى للأمم الذين آمنوا بالمسيح ميراثًا أبديًا.
† لا تنخدع بلذة الخطية المؤقتة فهي زائلة، ولكن أنظر للبركات التي لا يعبر عنها، التي تشعر بها في حياتك على الأرض جزئيًا ثم في السماء، حتى تقبل على التوبة وترفض كل شر مهما كنت مرتبطًا به.
(5) الخطية خيانة وخزي (ع20-25):
20 «حَقًّا إِنَّهُ كَمَا تَخُونُ الْمَرْأَةُ قَرِينَهَا، هكَذَا خُنْتُمُونِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ». 21 سُمِعَ صَوْتٌ عَلَى الْهِضَابِ، بُكَاءُ تَضَرُّعَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنَّهُمْ عَوَّجُوا طَرِيقَهُمْ. نَسُوا الرَّبَّ إِلهَهُمْ. 22 «اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ فَأَشْفِيَ عِصْيَانَكُمْ». «هَا قَدْ أَتَيْنَا إِلَيْكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهُنَا. 23 حَقًّا بَاطِلَةٌ هِيَ الآكَامُ ثَرْوَةُ الْجِبَالِ. حَقًّا بِالرَّبِّ إِلهِنَا خَلاَصُ إِسْرَائِيلَ. 24 وَقَدْ أَكَلَ الْخِزْيُ تَعَبَ آبَائِنَا مُنْذُ صِبَانَا، غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ. 25 نَضْطَجعُ فِي خِزْيِنَا وَيُغَطِّينَا خَجَلُنَا، لأَنَّنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا أَخْطَأْنَا، نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مُنْذُ صِبَانَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَلَمْ نَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِنَا».
ع20: قرينها : زوجها الذي ارتبطت واقترنت به بالزواج.
يعاتب الله شعبه بني إسرائيل لأنهم سقطوا في خطايا كثيرة أهمها عبادة الأوثان والزنا وكل ما يتصل بها من خطايا. ويعلن بوضوح أن الخطية خيانة لله إذ أنها التصاق بإله آخر هو الأوثان والشهوات؛ ويشبه خيانتهم بخيانة المرأة المتزوجة لرجلها بالتصاقها برجل آخر.
ع21: انغمس بنو إسرائيل في عبادة الأوثان والشهوات على الأماكن المرتفعة، مثل الهضاب التي يظنون أنهم يقتربون عليها من الآلهة التي يعبدونها. وعلى نفس الأماكن هجم الأعداء وقبضوا عليهم وأخذوهم سبايا، فصرخوا ببكاء شديد لأجل الشر والخزى والضعف الذي حل بهم. هذا هو النتيجة الطبيعية للخطية والتمادي فيها.
† لا تتمادى في الخطية، ولكن إن سقطت فيها، إرجع سريعًا إلى الله لئلا يتخلى عنك فتصيبك ضيقات كثيرة وهو يسمح بها لمحبته لك فترجع إليه لتجد خلاص نفسك.
ع22: الله يقصد من الضيقات رجوع أولاده العصاة إليه فهو أبوهم حتى وهم في خطاياهم ويطلب خلاص نفوسهم، وكم تكون فرحته بتوبتهم ورجوعهم إليه واعترافهم بأنه إلههم، وليس الآلهة الغريبة والشهوات الشريرة.
ع23: الآكام ثروة الجبال : كل العبادات الوثنية التي مارسوها على هذه الأماكن المرتفعة تقربًا من الآلهة الوثنية.
إذ يعود الشعب إلى الله يُعلن بطلان كل ما اعتمدوا عليه من الآلهة الغريبة والشهوات الشريرة التي ظنوها ثروة، ويعلنون أن الخلاص من كل خطية وتعب ونوال السعادة هو من الله فقط.
ع24: أكل الخزي : الخطية من آثارها أن تجعل الإنسان يخسر كل ما عنده، ولكن إذ تاب شعب الله تذكروا أن الخطية يصحبها الخزي والخسارة، كما حدث مع آبائهم عندما أخطأوا ففقدوا ممتلكاتهم من الغنم والبقر، بل وفقدوا بنيهم وبناتهم. فالخطية لذة مؤقتة يغرينا بها الشيطان، ولكنه شرس يهجم علينا، ويفترس أعز ما عندنا، أولادنا وإمكانياتنا.
ع25: يعلن الشعب في توبة أنهم انغمسوا ورقدوا في الخطية، وتلوثوا بها مثل آبائهم؛ ورفضوا إلههم المحب المخلص، وكان هذا سيؤدى إلى هلاكهم الأبدي، ولكنهم الآن يعودون إلى الله بالتوبة، فينالوا خلاصهم.
† تذكر خطاياك السابقة والحالية لتدفعك إلى التوبة باتضاع، فتنال مراحم الله، فهو أب حنون لا يمكن أن يرفضك مهما كانت خطاياك.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الرابع
(1) التوبة (ع1، 2):
1 «إِنْ رَجَعْتَ يَا إِسْرَائِيلُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنْ رَجَعْتَ إِلَيَّ وَإِنْ نَزَعْتَ مَكْرُهَاتِكَ مِنْ أَمَامِي، فَلاَ تَتِيهُ. 2 وَإِنْ حَلَفْتَ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ، فَتَتَبَرَّكُ الشُّعُوبُ بِهِ، وَبِهِ يَفْتَخِرُونَ.
ع1: مكرهاتك : الأصنام.
تتيه : تضل وتبتعد عن الله.
يدعو الله شعبه للتوبة عن خطاياه، وأولها وأهمها: نزع تماثيل الآلهة الوثنية والتخلص منها، وبهذا يرجع عن طريق ضلاله.
† لتكن توبتك عملية، ليس فقط بالكلام، بل بقطع أسباب ومصادر الشر من أماكن، أو أصدقاء، أو عادات، أو مشاهدات، والبدء في ممارسات روحية، فتتمتع بتوبة حقيقية وعشرة مع الله.
ع2: الدليل الثاني على التوبة هو عدم الالتجاء والثقة بالآلهة الوثنية عن طريق القسم بها، بل ليكن القسم باسم الله الإله الوحيد الذي يعتمد عليه شعبه، وبهذا يبارك الله شعبه، بل وينتشر الإيمان من شعب الله إلى الأمم، فيؤمنون بالله، ويتباركون في حياتهم، ويصير هو مجدهم وعزهم.
(2) ختان القلب (ع3-9):
3 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا وَلاَ تَزْرَعُوا فِي الأَشْوَاكِ. 4 اِخْتَتِنُوا لِلرَّبِّ وَانْزِعُوا غُرَلَ قُلُوبِكُمْ يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَيْظِي، فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ. 5 أَخْبِرُوا فِي يَهُوذَا، وَسَمِّعُوا فِي أُورُشَلِيمَ، وَقُولُوا: اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الأَرْضِ. نَادُوا بِصَوْتٍ عَال وَقُولُوا: اجْتَمِعُوا، فَلْنَدْخُلِ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ. 6 اِرْفَعُوا الرَّايَةَ نَحْوَ صِهْيَوْنَ. اِحْتَمُوا. لاَ تَقِفُوا. لأَنِّي آتِي بِشَرّ مِنَ الشِّمَالِ، وَكَسْرٍ عَظِيمٍ. 7 قَدْ صَعِدَ الأَسَدُ مِنْ غَابَتِهِ، وَزَحَفَ مُهْلِكُ الأُمَمِ. خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَجْعَلَ أَرْضَكِ خَرَابًا. تُخْرَبُ مُدُنُكِ فَلاَ سَاكِنَ. 8 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَنَطَّقُوا بِمُسُوحٍ. الْطُمُوا وَوَلْوِلُوا لأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنَّا. 9 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّ قَلْبَ الْمَلِكِ يُعْدَمُ، وَقُلُوبَ الرُّؤَسَاءِ. وَتَتَحَيَّرُ الْكَهَنَةُ وَتَتَعَجَّبُ الأَنْبِيَاءُ».
ع3: احرثوا: الحرث عملية زراعية تشق فيها الأرض بسكين المحراث، فتقلبها، وتخرج جذور الأشواك منها، فنتخلص منها.
يُنادى الرب على شعبه في مملكة يهوذا، حيث مدينته أورشليم وهيكله المقدس، لينقوا قلوبهم من الخطية. ويشبه القلب المملوء بالشر ثم يتظاهر بعبادة الله بالأرض المملوءة بالأشواك ثم يزرعون فيها بذارًا صالحة، فإن نبتت هذه البذار ستختلط بالشوك. فلابد من حرث الأرض أولًا لقلع هذه الأشواك والتخلص منها، ثم زرع النباتات الجيدة، أي التوبة عن الخطايا وتنقية القلب، ثم البدء بعد ذلك بالعبادة المقدسة والأعمال الصالحة.
اختتنوا : هي قطع جزء من العضو التناسلى للرجل أمر به الله إبراهيم كعلامة لإيمانه هو ونسله؛ وهي ترمز لقطع الشر، والبدء في حياة جديدة مع الله والذي يتم في سر المعمودية.
غرلة : عدم الختان.
ينادى الله شعبه ليس بالختان المادي بل الختان الروحي للقلوب، أي قطع الشر من القلب بالتوبة، وإن كان يقصد الختان المادي للذين أهملوه، فيقصد أيضًا أن يصاحبه تنقية القلب من كل شر دليلًا على الإيمان بالله.
ثم يهدد شعبه، إن أهملوا التوبة وتنقية قلوبهم وتمادوا في الشر، أنهم بهذا يغيظون الله، فيغضب عليهم، ويعاقبهم بغضب كنار تأكلهم كما يقول الكتاب إن إلهنا نار آكلة (تث4: 24).
† لا تحتفظ بخطية داخل قلبك مهما كانت صغيرة، ولا تعتمد على إتقانك العبادة بطقوسها وألحانها، ومعرفتك للكتاب المقدس، وكل أعمال الخير التي تعملها، فهي لن تفيدك إن لم تتب أولًا.
ع5: يحذر الله شعبه ببدء الغضب الإلهي عليهم لأجل تماديهم في الشر، فيطلب أن ينادى بالبوق حتى يحتمى الشعب في المدن الحصينة؛ لأن الأعداء، أي البابليين، سيهجمون ويخربون ويأخذونهم أسرى.
والمدن الحصينة ترمز للكنائس التي يحتمى فيها المؤمنون في العهد الجديد بالصلوات الكثيرة؛ ليخلصوا من شرور العالم وحروب إبليس.
ع6: ينبههم عن طريق رفع راية الحرب لهجوم البابليين من الشمال عليهم، ويحذرهم من كسر عظيم، أي هزيمة ساحقة ستحل بهم.
ع7: يشبه المملكة البابلية بأسد عنيف في هجومه يخرج من غابته، أي بابل، فيخرب مدن، ويقتل من فيها، ويهرب الباقيون فيهجرها سكانها.
وبابل أو الأسد يرمز للشيطان، كما يقول معلمنا بطرس "لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط5: 8، 9).
ع8: تنطقوا : البسوا المنطقة وهي ما يلبس على الوسط إلى أسفل نحو الرجلين.
المسوح : ثياب خشنة.
ينادى الشعب حتى يستفيد من ضيقة السبي، فيرجعون لله بالتوبة، ويلبسون المسوح كمنطقة على وسطهم، ويبكون على خطاياهم من أجل غضب الله عليهم، وحينئذ يقبلهم الله، ويرفع عنهم غضبه، ويعيدهم من السبي.
ع9: من ضيقة هجوم الأعداء، يفقد كل المسئولين عن يهوذا قدرتهم على التصرف، سواء الملك، أو الرئيس، أو الكاهن، أو النبي، وذلك لأنهم ابتعدوا عن الله وحل غضبه عليهم.
(3) الأنبياء الكذبة (ع10-12):
10 فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، حَقًّا إِنَّكَ خِدَاعًا خَادَعْتَ هذَا الشَّعْبَ وَأُورُشَلِيمَ، قَائِلًا: يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَ السَّيْفُ النَّفْسَ». 11 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ يُقَالُ لِهذَا الشَّعْبِ وَلأُورُشَلِيمَ: «رِيحٌ لاَفِحَةٌ مِنَ الْهِضَابِ فِي الْبَرِّيَّةِ نَحْوَ بِنْتِ شَعْبِي، لاَ لِلتَّذْرِيَةِ وَلاَ لِلتَّنْقِيَةِ. 12 رِيحٌ أَشَدُّ تَأْتِي لِي مِنْ هذِهِ. الآنَ أَنَا أَيْضًا أُحَاكِمُهُمْ».
ع10: بلغ السيف النفس: قتل كثيرين من شعب الله.
يعاقب الشعب الله لأنه خدعهم عن طريق الأنبياء، بأنه سيكون لهم سلام، ثم فوجئوا بالبابليين يهجمون عليهم ويقتلونهم. هذه المشاكل لم تحدث بعد، ولكن يتنبأ عنها إرميا أنها ستحدث، وذلك لأن الشعب ظن أن الأنبياء الكذبة هم أنبياء من قبل الله، وقد خدعوهم بتنبؤهم لهم بالسلام. وهذه النبوة تحذير لشعب الله من سماع كلام الأنبياء الكذبة، ودعوة لهم للتوبة عن خطاياهم التي بسببها سيجلب الله عليهم غضبه ولهجوم البابليين.
ع11، 12: التذرية : عملية زراعية تفصل بها حبوب القمح عن القش، ووجود ريح يساعد على إتمامها.
يشبه هجوم البابليين بريح لافحة، أي قوية لا يقصد بها الله المساعدة في الأعمال الزراعية، مثل تذرية الحبوب وتنقيتها، ولكنها ريح شديدة أشد من التي تساعد على العمليات الزراعية ستأتي من الهضاب، أي من الأماكن المرتفعة التي في الشمال، أي بابل. ويقصد الله بهذه الريح أو هذا الهجوم تأديب شعبه ومحاكمتهم، حتى يراجعوا أنفسهم ويتوبوا.
† لا تنصت لأى تعاليم غريبة عن الكنيسة حتى لا يضللك أحد، واهتم بإرشادات أب اعترافك والصلاة، فيحفظك الله في كل طرقك ويقودك في طريق ملكوته.
(4) قبول التأديب (ع13-18):
13 هُوَذَا كَسَحَابٍ يَصْعَدُ، وَكَزَوْبَعَةٍ مَرْكَبَاتُهُ. أَسْرَعُ مِنَ النُّسُورِ خَيْلُهُ. وَيْلٌ لَنَا لأَنَّنَا قَدْ أُخْرِبْنَا. 14 اِغْسِلِي مِنَ الشَّرِّ قَلْبَكِ يَا أُورُشَلِيمُ لِكَيْ تُخَلَّصِي. إِلَى مَتَى تَبِيتُ فِي وَسَطِكِ أَفْكَارُكِ الْبَاطِلَةُ؟ 15 لأَنَّ صَوْتًا يُخْبِرُ مِنْ دَانَ، وَيُسْمَعُ بِبَلِيَّةٍ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ: 16 «اُذْكُرُوا لِلأُمَمِ. انْظُرُوا. أَسْمِعُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ. الْمُحَاصِرُونَ آتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، فَيُطْلِقُونَ عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا صَوْتَهُمْ. 17 كَحَارِسِي حَقْل صَارُوا عَلَيْهَا حَوَالَيْهَا، لأَنَّهَا تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 18 طَرِيقُكِ وَأَعْمَالُكِ صَنَعَتْ هذِهِ لَكِ. هذَا شَرُّكِ. فَإِنَّهُ مُرٌّ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَ قَلْبَكِ».
ع13: يشبه الله هجوم البابليين بالإضافة للأسد والريح الشرقية (ع7، 8) بما يلي:
سحاب يصعد : يكون العدو قويًا مرتفعًا فوق اليهود ولا يمكن الارتفاع إلى قوته، أو صده.
كزوبعة مركباته : تكون مركبات العدو الحربية قوية كالزوبعة، تجتاح وتكتسح الشعب اليهودي أمامها.
أسرع من النسور خيله : فرسان العدو الراكبون الخيل يهجمون في سرعة خاطفة كما تنقض النسور على فرائسها، فيقتلون ويأسرون اليهود.
ستخرب مدن يهوذا من أجل قوة الهجوم البابلي. كل هذا بسماح من الله لتأديب شعبه حتى يتوبوا عن خطاياهم.
ع14: ينادى الله شعبه بمملكة يهوذا، في صورة العاصمة أورشليم، حتى يغسلوا خطاياهم بالتوبة؛ ليخلصوا من هذا التأديب؛ لأن شرهم هو سبب هذه الضيقات. ويعتبر كل عبادتهم للأوثان وشرورهم باطلة بلا نفع بل سببًا في كل هذا العقاب.
† المخرج الوحيد لك وأول شيء تعمله عندما تسقط في ضيقة هو أن تتوب عن خطاياك، وتطلب بإيمان واتضاع ليرفعها الله عنك، فتغتسل في سر الاعتراف، وتتناول من الأسرار المقدسة، وتتقوى وتتجدد حياتك.
ع15: يتكلم هنا عن ضيقة المملكة الشمالية إسرائيل عندما هجم عليها الأشوريون، ويذكر بعض مناطقها وهي مدينة دان وما حولها، ثم سبط أفرايم الذي يمتلك أكبر مساحة في مملكة إسرائيل، وكيف شعروا جميعًا بالمصيبة التي حلت بهم كتأديب من الله.
ع16: الأمم : جيوش بابل.
أسمعوا على : أعلن ضد.
يطلقون على مدن يهوذا صوتهم : يحتلونها ويسيطرون عليها.
يأمر الله النبي أن ينبه أورشليم أن جيوش بابل الآتية من بعيد ستهجم عليها وتحاصرها هي وكل بلاد اليهودية وتحتلها.
ع17: يعلن سبب تأديب مملكة يهوذا وهو عصيانها وتمردها على الله بكثرة خطاياها، فسمح للبابليين أن يحاصروها كالحراس الذين يحيطون بمن يحرسونهم، ولكن هذه الحراسة ضد اليهودية وليست حماية لهم.
ع18: هذه : الضيقات التي حلت باليهودية.
يؤكد هنا مرارة الخطية التي فعلتها أورشليم واليهودية، ولم تكن مجرد أخطاء خارجية بل صادرة من القلب، فسببت كل هذا الضيق والذل.
(5) حزن النبي على شعبه (ع19-22):
19 أَحْشَائِي، أَحْشَائِي! تُوجِعُنِي جُدْرَانُ قَلْبِي. يَئِنُّ فِيَّ قَلْبِي. لاَ أَسْتَطِيعُ السُّكُوتَ. لأَنَّكِ سَمِعْتِ يَا نَفْسِي صَوْتَ الْبُوقِ وَهُتَافَ الْحَرْبِ. 20 بِكَسْرٍ عَلَى كَسْرٍ نُودِيَ، لأَنَّهُ قَدْ خَرِبَتْ كُلُّ الأَرْضِ. بَغْتَةً خَرِبَتْ خِيَامِي، وَشُقَقِي فِي لَحْظَةٍ. 21 حَتَّى مَتَى أَرَى الرَّايَةَ وَأَسْمَعُ صَوْتَ الْبُوقِ؟ 22 «لأَنَّ شَعْبِي أَحْمَقُ. إِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا. هُمْ بَنُونَ جَاهِلُونَ وَهُمْ غَيْرُ فَاهِمِينَ. هُمْ حُكَمَاءُ فِي عَمَلِ الشَّرِّ، وَلِعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يَفْهَمُونَ».
ع19: تظهر هنا مشاعر إرميا الرقيقة، فيتألم كثيرًا من أجل الخراب الآتي على مملكة يهوذا بسبب خطاياها، والحرب وصوت بوقها الذي يعلن هجوم البابليين، ويظهر أن حزنه عميق جدًا في أحشائه وقلبه.
† ليتك كأب، أو أم، أو خادم تشعر بمن ترعاهم، وتتألم لآلامهم حتى لو كانوا معاندين يغيظونك، وارفع صلوات لأجلهم، واستمر في تقديم محبتك لهم ولا تيأس من توبتهم وخلاصهم.
ع20: بكسر على كسر : هزيمة تلى هزيمة.
شققى : قطع من القماش تقام للسكن داخلها.
يواصل النبي تألمه لأجل سلسلة الهزائم التي ستحل بشعبه، وينادى في كل مكان بحلولها عليهم وبتخريب مساكنهم التي يشير إليها بالخيام والشقق. والمقصود ليس فقط الخيام بل أيضًا المباني التي يقيمون فيها.
ع21: يوضح هنا استمرار الهجوم البابلي مدة طويلة وتكراره على مملكة يهوذا، حتى أنه لم يعد قادرًا على رؤية راية الحرب المرفوعة على شعبه، والبوق الذي يعلن استمرار الهجوم.
ع22: يؤكد هنا سبب هذا الخراب وهو جهل وغباء شعب الله لابتعادهم عن عبادته والاحتماء به. فرغم أنهم أبناء الله، ولكنهم لم يدركوا أهمية البنوة، ولم يحيوا بها في طاعة لأبيهم. وعلى العكس وجهوا عقولهم وقدراتهم لعمل الخطية بدلًا من عبادة الله وعمل الخير.
(6) خراب يهوذا (ع23-31):
23 نَظَرْتُ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا هِيَ خَرِبَةٌ وَخَالِيَةٌ، وَإِلَى السَّمَاوَاتِ فَلاَ نُورَ لَهَا. 24 نَظَرْتُ إِلَى الْجِبَالِ وَإِذَا هِيَ تَرْتَجِفُ، وَكُلُّ الآكَامِ تَقَلْقَلَتْ. 25 نَظَرْتُ وَإِذَا لاَ إِنْسَانَ، وَكُلُّ طُيُورِ السَّمَاءِ هَرَبَتْ. 26 نَظَرْتُ وَإِذَا الْبُسْتَانُ بَرِّيَّةٌ، وَكُلُّ مُدُنِهَا نُقِضَتْ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، مِنْ وَجْهِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. 27 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: « خَرَابًا تَكُونُ كُلُّ الأَرْضِ، وَلكِنَّنِي لاَ أُفْنِيهَا. 28 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَنُوحُ الأَرْضُ وَتُظْلِمُ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدْ تَكَلَّمْتُ. قَصَدْتُ وَلاَ أَنْدَمُ وَلاَ أَرْجِعُ عَنْهُ». 29 مِنْ صَوْتِ الْفَارِسِ وَرَامِي الْقَوْسِ كُلُّ الْمَدِينَةِ هَارِبَةٌ. دَخَلُوا الْغَابَاتِ وَصَعِدُوا عَلَى الصُّخُورِ. كُلُّ الْمُدُنِ مَتْرُوكَةٌ، وَلاَ إِنْسَانَ سَاكِنٌ فِيهَا. 30 وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الْخَرِبَةُ، مَاذَا تَعْمَلِينَ؟ إِذَا لَبِسْتِ قِرْمِزًا، إِذَا تَزَيَّنْتِ بِزِينَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، إِذَا كَحَّلْتِ بِالأُثْمُدِ عَيْنَيْكِ، فَبَاطِلًا تُحَسِّنِينَ ذَاتَكِ، فَقَدْ رَذَلَكِ الْعَاشِقُونَ. يَطْلُبُونَ نَفْسَكِ. 31 لأَنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا كَمَاخِضَةٍ، ضِيقًا مِثْلَ ضِيقِ بِكْرِيَّةٍ. صَوْتَ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ تَزْفِرُ. تَبْسُطُ يَدَيْهَا قَائِلَةً: «وَيْلٌ لِي، لأَنَّ نَفْسِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْقَاتِلِينَ».
ع23: يظهر النبي نتائج الهجوم البابلي على مملكة يهوذا، فيعلن خراب الأرض، وهجرة الناس من المدن المخربة، واختفاء السكان من حرق المدن إلى السماء؛ حتى صارت السموات لا تعطى نورها من خلال الشمس والقمر.
ع24: عبد شعب الله الآلهة الوثنية على الجبال والآكام التي ظنوها رمزًا للقوة لارتفاعها، ولكنها الآن بلا قيمة أمام الهجوم البابلي، ولم تستطع الآلهة الوثنية أن تحميهم، ويعبر عن ضعفهم باهتزاز وارتجاف هذه الأماكن المرتفعة.
وترمز الأرض للشعب، والسموات للكهنة والرعاة، أما الجبال والآكام فترمز للرؤساء، أي أصبح الكل في ذل أمام هذا الخراب بسبب خطاياهم وابتعادهم عن الله.
ع25: هرب اليهود خوفًا على حياتهم من وجه البابليين، وحتى طيور السماء أيضًا لم تستطع الوجود بسبب النيران والضوضاء وكل انزعاج الحرب، فلم يعد هناك راحة، أو أمان لأحد؛ لا للإنسان أو للحيوان.
ع26: تحولت البساتين والحقول وكل الزراعات إلى خراب فصارت كالصحراء الجرداء. كل هذا الخراب كان بسماح من الله، مستخدمًا فيه قوة البابليين؛ ليعلن غضبه على شعبه حتى يتوبوا ويرجعوا إليه.
ويلاحظ أنه قال كلمة نظرت أربع مرات في الأربع آيات السابقة كأنه ينادى في الأربع جهات من العالم منذرًا كل الشعب؛ حتى يتوبوا، لأجل الخراب الآتي عليهم.
ع27: تظهر محبة الله الذي يسمح بالخراب، ولكن ليس الكامل، بل يبقى بقية لأنه لا يقصد إهلاكهم بل توبتهم.
ع28: يعلن الله تصميمه على تأديب شعبه، فهو يعمل كل شيء حتى يتوبوا إذا دخلوا في هذا الضيق والبكاء على ما وصلوا إليه، فيفقدون ثقتهم في الآلهة الوثنية، ويرجعون إلى الله.
ع29: يعلن مظاهر الخراب الذي أحدثه الهجوم البابلي بفرسانه رماة السهام. ومظاهر هذا الخراب هو هروب الكل، وخراب المدن، والتجاء الناس إلى الغايات والجبال، والاحتماء وراء الصخور حتى لا يموتوا.
ع30: القرمز : ملابس لونها أحمر داكن يلبسها الملوك والعظماء.
الإثمد : الكحل الذي يوضع حول العينين.
يخاطب الله مملكة يهوذا التي ستخرب بواسطة البابليين ويحذرها من الاعتماد على قوتها الشخصية، أي البر الذاتي، ويشبهها بامرأة تلبس الملابس القرمزية الثمينة، وتتحلى بالذهب والفضة، وتضع المساحيق على وجهها، مثل الكحل لتظهر جمالها، فيقول لها إن كل هذا لن ينفعك وسيخربك البابليون. وهو بهذا يشير إلى ضرورة عدم اعتماد شعبه على مظاهر العبادة، ووجود الهيكل عندهم في أورشليم، أو اعتمادهم على قوتهم، أو آلهتهم الغريبة، فكل هذا بلا قيمة أمام غضب الله، والحل الوحيد هو التوبة باتضاع.
ع31: ماخضة : المرأة التي تلد وتتوجع بآلام الولادة.
ضيق بكرية : المرأة في أول ولادة لها تعانى آلامًا أكثر من التي ولدت أكثر من مرة.
تزفر : تخرج الهواء من أنفها وفمها بصوت واضح دليل على الألم الشديد.
يوالى تشبيهاته لإظهار آلام شعبه، فيشبه مملكة يهوذا بامرأة تلد وتتوجع من آلام الولادة، بل يعلن أن آلامها شديدة مثل آلام من تلد لأول مرة، وصوت زفيرها يعلن أوجاعها، ومن كثرة التألم والحزن ترتمى على الأرض فاتحة ذراعيها ويديها، وتغيب عن الوعي بسبب كل ما تراه من شراسة الهجوم البابلي.
† اتضع في توبة عن كل خطاياك فتخلص نفسك بمراحم الله من ضيقات كثيرة وتنال سلامًا لا يعبر عنه.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الخامس
(1) الابتعاد عن الله (ع1-6):
1 «طُوفُوا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ وَانْظُرُوا، وَاعْرِفُوا وَفَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا، هَلْ تَجِدُونَ إِنْسَانًا أَوْ يُوجَدُ عَامِلٌ بِالْعَدْلِ طَالِبُ الْحَقِّ، فَأَصْفَحَ عَنْهَا؟ 2 وَإِنْ قَالُوا: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ. فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِالْكَذِبِ!» 3 يَا رَبُّ، أَلَيْسَتْ عَيْنَاكَ عَلَى الْحَقِّ؟ ضَرَبْتَهُمْ فَلَمْ يَتَوَجَّعُوا. أَفْنَيْتَهُمْ وَأَبَوْا قُبُولَ التَّأْدِيبِ. صَلَّبُوا وُجُوهَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّخْرِ. أَبَوْا الرُّجُوعَ. 4 أَمَّا أَنَا فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ. قَدْ جَهِلُوا لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، قَضَاءَ إِلهِهِمْ. 5 أَنْطَلِقُ إِلَى الْعُظَمَاءِ وَأُكَلِّمُهُمْ لأَنَّهُمْ عَرَفُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، قَضَاءَ إِلهِهِمْ. أَمَّا هُمْ فَقَدْ كَسَرُوا النِّيرَ جَمِيعًا وَقَطَعُوا الرُّبُطَ. 6 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَضْرِبُهُمُ الأَسَدُ مِنَ الْوَعْرِ. ذِئْبُ الْمَسَاءِ يُهْلِكُهُمْ. يَكْمُنُ النَّمِرُ حَوْلَ مُدُنِهِمْ. كُلُّ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا يُفْتَرَسُ لأَنَّ ذُنُوبَهُمْ كَثُرَتْ. تَعَاظَمَتْ مَعَاصِيهِمْ!
ع1: انساق كل شعب الله في أورشليم في طريق الشر، فاستحقوا العقاب الإلهي، لكن الله في حنانه يريد أن يصفح عنهم بشفاعة شخص واحد يحيا بالحق والعدل ويطلب البحث عنه، ولكن للأسف لم يوجد.
† الله في محبته يبحث عن أي عمل خير وفضيلة فيك ليسامحك ويسندك بأبوته، فلا تهمل أي فرصة لعمل الخير، أو الصلاة والوجود مع الله؛ حتى تستدر مراحمه مهما كانت خطاياك.
ع2: يظهر شر شعب الله في تظاهرهم بالعلاقة معه وعبادته، مثل الحلف باسمه، وليس بالآلهة الوثنية، ولكن للأسف كان هذا الحلف كذبًا. وهذا الشر مثال لشرور كثيرة داخلهم يحاولون تغطيتها بعبادتهم المظهرية.
ع3: الله يبحث عن الحق في نفوس أبنائه، وإذ وجدهم قد تمادوا في الشر، ضربهم بالتأديب، سواء بالكلمات الموبخة، أو الضيقات، ولكنهم لم يتأثروا ولم تتوجع قلوبهم، أو يتوبوا، بل أهملوا الكلام والتأديب وكأنه ليس لهم.
عندما سمح الله لهم بالفناء الجزئى، أي خسارة بعض ممتلكاتهم، أو حلول ضيقات بهم، تذمروا، ولكنهم لم يرجعوا بالتوبة إلى الله.
أيضًا لم تتأثر قلوبهم ولم يظهر على وجوههم أي تجاوب مع كلام الله، بل صلبوا وجوههم ولم يخضعوا له.
ع4: قضاء إلههم : عقاب الله لمن يرفض وصاياه.
يصفهم إرميا بأنهم مساكين؛ لابتعادهم عن معرفة الله، أي حكموا على أنفسهم بالهلاك لرفضهم الله.
ع5: أمر الله إرميا أن يكلم المتكبرين، أي العظماء في نظر أنفسهم، وهم الدارسون لكلام الله، أي عكس المساكين الجهلاء، لكنهم تكبروا بهذه المعرفة، ولم يستخدموها للتوبة، بل تركوا عنهم وصايا الله إذ شعروا أنها نير ورباط ثقيل عليهم، وبهذا أصروا على طريق الهلاك.
ع6: فى النهاية ليس أمام التمادي في الشر إلا أن ينالوا العقاب الإلهي بهجوم جيوش بابل عليهم، وشبهها:
بأسد يأتي من الصحراء ويفترس كل من يقابله من أجل قوته التي لا تقاوم.
بالذئب الذي يخرج في المساء والليل ليفترس أي أحد، خاصة أن الذئب يفترس حتى ولو كان قد شبع من فريسته السابقة.
بنمر في اختبائه لمدة قد تطول بضعة أيام حتى يجد الفرصة المناسبة وينقض على فريسته.
كل هذه التشبيهات تُظهر شراسة العدو البابلي الذي يهجم على شعبه لتأديبهم من أجل كثرة خطاياهم.
(2) الشهوات المادية (ع7-9):
7 «كَيْفَ أَصْفَحُ لَكِ عَنْ هذِهِ؟ بَنُوكِ تَرَكُونِي وَحَلَفُوا بِمَا لَيْسَتْ آلِهَةً. وَلَمَّا أَشْبَعْتُهُمْ زَنَوْا، وَفِي بَيْتِ زَانِيَةٍ تَزَاحَمُوا. 8 صَارُوا حُصُنًا مَعْلُوفَةً سَائِبَةً. صَهَلُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى امْرَأَةِ صَاحِبِهِ. 9 أَمَا أُعَاقِبُ عَلَى هذَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَ مَا تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟
ع7: يعاتب الله أورشليم ومملكة يهوذا، معلنًا أنه لن يصفح عن آثام بنيها؛ لأنهم اتكلوا على الآلهة الوثنية، وحلفوا بها، بدلًا من أن يعبدوا الله ويتكلوا عليه وحده.
وفى نفس الآية يعاتبهم لأنهم استخدموا عطاياه في الشر، إذ عندما أعطاهم خيرات كثيرة لم يعبدوه ويشكروه، بل اندفعوا في الشهوات مثل الزنا المادي، بالإضافة إلى عبادتهم للأوثان وهو الزنا الروحي. ومن كثرة شرهم لم يختشوا من خطيتهم، بل ببجاحة تزاحموا على بيوت الزانيات ليشبعوا شهواتهم.
† إن أخطأت أية خطية، فأسرع إلى التوبة، ولا تحاول تبرير خطاياك أمام الناس، لئلا تفقد حياءك وإحساسك بالندم فتتمادى في الخطية.
ع8: حصنًا : جمع حصان.
معلوفة : أكلت طعامها بوفرة.
صهلوا : صوت الحصان، أي صرخوا وهجموا لإتمام شهواتهم.
يؤكد نفس المعنى المذكور في الآية السابقة بتشبيه الله لشعبه بحيوانات قد أكلت كثيرًا، فاندفع كل ذكر ليزني مع امرأة صاحبه، وهذه الحيوانات سائبة، أي بلا ضابط؛ لأن الشهوات قد سيطرت عليها.
ع9: يتساءل الله هل لا يعاقب على شر فظيع مثل هذا وينتقم من أمة، أو شعب متمادٍ في الشر؟! والإجابة بالطبع ينتقم ويعاقب، وهذا ما حدث في السبي البابلي.
(3) تأديب وليس إفناء (ع10-18):
10 «اِصْعَدُوا عَلَى أَسْوَارِهَا وَاخْرِبُوا وَلكِنْ لاَ تُفْنُوهَا. اِنْزِعُوا أَفْنَانَهَا لأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلرَّبِّ. 11 لأَنَّهُ خِيَانَةً خَانَنِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتُ يَهُوذَا، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 جَحَدُوا الرَّبَّ وَقَالُوا: لَيْسَ هُوَ، وَلاَ يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ، وَلاَ نَرَى سَيْفًا وَلاَ جُوعًا، 13 وَالأَنْبِيَاءُ يَصِيرُونَ رِيحًا، وَالْكَلِمَةُ لَيْسَتْ فِيهِمْ. هكَذَا يُصْنَعُ بِهِمْ. 14 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهذِهِ الْكَلِمَةِ، هأَنَذَا جَاعِلٌ كَلاَمِي فِي فَمِكَ نَارًا، وَهذَا الشَّعْبَ حَطَبًا، فَتَأْكُلُهُمْ. 15 هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ أُمَّةً مِنْ بُعْدٍ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ. أُمَّةً قَوِيَّةً. أُمَّةً مُنْذُ الْقَدِيمِ. أُمَّةً لاَ تَعْرِفُ لِسَانَهَا وَلاَ تَفْهَمُ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ. 16 جُعْبَتُهُمْ كَقَبْرٍ مَفْتُوحٍ. كُلُّهُمْ جَبَابِرَةٌ. 17 فَيَأْكُلُونَ حَصَادَكَ وَخُبْزَكَ الَّذِي يَأْكُلُهُ بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ. يَأْكُلُونَ غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. يَأْكُلُونَ جَفْنَتَكَ وَتِينَكَ. يُهْلِكُونَ بِالسَّيْفِ مُدُنَكَ الْحَصِينَةَ الَّتِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهَا. 18 وَأَيْضًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ، لاَ أُفْنِيكُمْ.
ع10: أفنائها: أغصانها.
يأمر الله، على فم نبيه إرميا، جيوش بابل أن تصعد على أسوار أورشليم وأن يدخلوا المدينة ويخربوها ويقطعوا أغصانها، أي كل قوة تعتمد عليها، أو ثمار تظهر لها؛ لأنها وجهت إمكانياتها للشر وليس لله، ولكن تظهر محبة الله وأبوته في منعهم من إفناء أورشليم، فهو يقصد تأديبها وليس إفناءها.
† عندما تحل بك ضيقات فاعلم أنها بسماح من الله لتنبهك إلى التوبة والرجوع إليه، ولكنه بحنانه مستعد أن يساعدك فتعوض كل ما فاتك وترجع بقوة أعظم مما كنت عليه.
ع11: يحكم الله على عبادة شعبه للأوثان بأنها خيانة له وهي خطية صعبة.
ع12: خداع الشعب نفسه عن طريق الأنبياء الكذبة بتوقعهم ألا يصيبهم شرًا -والمعبر عنه بالسيف والجوع- مهما كانت خطاياهم، وظنوا أن مجرد وجود هيكل الله عندهم في أورشليم سيحميهم. وبهذا الخداع تركوا الله، واعتمدوا على الآلهة الوثنية؛ لأنها هي الله الحقيقي في نظرهم، فتعرضوا بذلك للعقاب الإلهي.
ع13: يحكم الله على الأنبياء الكذبة بأنهم مجرد ريح وليس لكلامهم أية قيمة، فكلامهم مثل الهواء الذي لا يمكن إمساكه، وكلام الله لا علاقة له بكلامهم.
ع14: يعلن الله القوى، الذي يعبر عن نفسه بأنه رب الجنود، أنه سيعطى كلامًا قويًا على فم نبيه إرميا يكون كالنار التي تحرق الشعب الشرير بسهولة. إذ يشبههم بالحطب، أي أعواد النباتات الجافة. ويقصد بهذا عقابه لشعبه الشرير.
ع15: يظهر عقاب الله لمملكة يهوذا في السماح لبابل بالانتقام منهم، ويصف بابل بأنها:
أمة تأتى من بعيد لتنتقم منهم لأنهم رفضوا إلههم القريب.
قوية في جيشها الذي سيحطم مملكة يهوذا.
لها تاريخ قديم، فهي قوية من زمن وستزداد قوة.
لها لغة غريبة فلا يمكن التفاهم معها، وترمز للشياطين الذين لغتهم هي الشر، الغريب عن أولاد الله.
ع16: جعبتهم : الجراب الذي توضع فيه السهام.
يعبر عن قوتهم بأن سهامهم مميتة لشعب الله، وهم جبابرة سيهلكون أورشليم.
ع17: جفنتك : كرمتك.
يستكمل وصف بابل بأنها:
مستغلة وشرسة فتأكل طعام شعب الله المزروع في الحقول، وكذا الحيوانات التي يربونها، بالإضافة لثمار الأشجار، مثل العنب والتين اللذين يشتهر بهما اليهود في بلادهم.
ستدمر كل المدن الحصينة التي يعتمد عليها شعب الله؛ لأنهم لم يتكلوا عليه.
ع18: يؤكد الله محبته ورجاءه لشعبه في أنه لن يفنيهم بل يؤدبهم فقط، لعلهم يتوبون.
(4) عصيانهم لله (ع19-24):
19 «وَيَكُونُ حِينَ تَقُولُونَ: لِمَاذَا صَنَعَ الرَّبُّ إِلهُنَا بِنَا كُلَّ هذِهِ؟ تَقُولُ لَهُمْ: كَمَا أَنَّكُمْ تَرَكْتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً فِي أَرْضِكُمْ، هكَذَا تَعْبُدُونَ الْغُرَبَاءَ فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَكُمْ. 20 أَخْبِرُوا بِهذَا فِي بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَسْمِعُوا بِهِ فِي يَهُوذَا قَائِلِينَ: 21 اِسْمَعْ هذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْجَاهِلُ وَالْعَدِيمُ الْفَهْمِ، الَّذِينَ لَهُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ يُبْصِرُونَ. لَهُمْ آذَانٌ وَلاَ يَسْمَعُونَ. 22 أَإِيَّايَ لاَ تَخْشَوْنَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَرْتَعِدُونَ مِنْ وَجْهِي؟ أَنَا الَّذِي وَضَعْتُ الرَّمْلَ تُخُومًا لِلْبَحْرِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لاَ يَتَعَدَّاهَا، فَتَتَلاَطَمُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ، وَتَعِجُّ أَمْوَاجُهُ وَلاَ تَتَجَاوَزُهَا. 23 وَصَارَ لِهذَا الشَّعْبِ قَلْبٌ عَاصٍ وَمُتَمَرِّدٌ. عَصَوْا وَمَضَوْا. 24 وَلَمْ يَقُولُوا بِقُلُوبِهِمْ: لِنَخَفِ الرَّبَّ إِلهَنَا الَّذِي يُعْطِي الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ فِي وَقْتِهِ. يَحْفَظُ لَنَا أَسَابِيعَ الْحَصَادِ الْمَفْرُوضَةَ.
ع19: عندما تسقط مملكة يهوذا في السبي، يتذمر شعب الله قائلين لماذا تركنا الله الذي نعبده في هيكله بأورشليم؟ متغافلين عن عصيانهم لله بعبادة الأوثان في أورشليم واليهودية، فسمح الله لهم بالسبي إلى بلاد غريبة يعبد أهلها هذه الآلهة، فالله قد طهَّر لهم أرض الميعاد وأسكنهم فيها ليعبدوه، أما هم فنجسوها بعبادة الأوثان مرة أخرى، لذا طردتهم الأرض، وفقدوا مكانهم الذي أنعم الله عليهم به لعصيانهم له.
† احفظ النعمة التي أعطاها لك الله، واسلك بطهارة، وأشكره على عطاياه، فيديم عليك نعمته. ولكن إذا أهملته وانشغلت بالعالم والخطية، فاعلم أن كل نعم الله التي عندك يمكن أن تفارقك، وإن خسرت شيئًا منها فلا تتذمر، بل تب وارجع إلى الله، فيسامحك ويعيد إليك نعمته.
ع20، 21: يعاتب الله شعبه الذي آمن به وعاش معه، ولكنه عاد ففقد حواسه الروحية، وسقط في الجهل بعصيانه لله وعبادته للأوثان، فلم يعد يبصر الحق ويفهم مشيئة الله.
ع22: يندهش الله من أجل عصيان شعبه وعدم خوفهم منه، ويضطر أن يذكرهم على فم إرميا بأنه ضابط الكل الذي يضع حدودًا للبحر وللشواطئ الرملية ويضبط كل شيء في العالم، فكيف لا يخشاه أولاده ويعبدون آلهة أخرى غيره ليغيظوه؟!
ع23، 24: يتعجب الله أيضًا لتماديهم في العصيان، واستمرارهم في عبادة الأوثان، متناسين أنه هو الذي يعطيهم طعامهم بالمطر المبكر والمتأخر، الذي يروى النباتات، فيأكلون منها ويحيون، فبدونه يموتون جوعًا.
(5) مكرهم وظلمهم (ع25-31):
25 «آثَامُكُمْ عَكَسَتْ هذِهِ، وَخَطَايَاكُمْ مَنَعَتِ الْخَيْرَ عَنْكُمْ. 26 لأَنَّهُ وُجِدَ فِي شَعْبِي أَشْرَارٌ يَرْصُدُونَ كَمُنْحَنٍ مِنَ الْقَانِصِينَ، يَنْصِبُونَ أَشْرَاكًا يُمْسِكُونَ النَّاسَ. 27 مِثْلَ قَفَصٍ مَلآنٍ طُيُورًا هكَذَا بُيُوتُهُمْ مَلآنَةٌ مَكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ عَظُمُوا وَاسْتَغْنَوْا. 28 سَمِنُوا. لَمَعُوا. أَيْضًا تَجَاوَزُوا فِي أُمُورِ الشَّرِّ. لَمْ يَقْضُوا فِي الدَّعْوَى، دَعْوَى الْيَتِيمِ. وَقَدْ نَجَحُوا. وَبِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَقْضُوا. 29 أَفَلأَجْلِ هذِهِ لاَ أُعَاقِبُ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟ 30 «صَارَ فِي الأَرْضِ دَهَشٌ وَقَشْعَرِيرَةٌ. 31 اَلأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكَذِبِ، وَالْكَهَنَةُ تَحْكُمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَشَعْبِي هكَذَا أَحَبَّ. وَمَاذَا تَعْمَلُونَ فِي آخِرَتِهَا؟
ع25: يؤكد الله أن سبب الضيق والسبي الذي سيسقط فيه شعبه ويحرمهم من كل الخيرات هو خطاياهم وعبادتهم للأوثان.
ع26: كمنحِن من القانصين : ينحنون على جانب الطريق، ويكمنون، ويختفون؛ لينقضوا على الناس ويقتنصوهم، أي يقبضوا عليه، ويسلبوهم أموالهم ويأخذوهم عبيدًا لهم.
أشراكًا : مصايد، أو طرق للقبض على الناس واستغلالهم وظلمهم.
يوضح بعضًا من خطاياهم التي يعاقبهم الله عليها وهي مكرهم، واصطيادهم للناس بالاختفاء في الطرق لسلب الأموال والقتل، أي ممارستهم لكل أعمال الظلم.
ع27: يوضح أيضًا أن بيوتهم أي قلوبهم وأفكارهم مملوءة شرًا، فهم لا يسقطون في الظلم سهوًا ولكن بإصرار وعن تعمد. ويشبه قلوبهم الشريرة التي تفقد الناس حريتهم بقفص حبست فيه بعض الطيور ومنعتها عن الحرية والطيران، فهم يستعبدون غيرهم، ويستغلون إمكانياتهم، وبهذا الظلم صاروا أغنياء ولهم مراكز عظيمة، ولكنهم مرفوضون من الله، وسيعاقبهم بالسبي.
ع28: ازدادت قوتهم بسبب شرهم، ويعبر عن قوتهم بالسمنة، وعن مركزهم العظيم باللمعان، فدفعهم هذا للازدياد في الشر وظلم الضعفاء، مثل الأيتام والأرامل فسلبوا حقوقهم، أي كان لهم النجاح المادي الخارجي، ِأما قلوبهم فامتلأت شرًا، واستحقت العقاب الإلهي.
ع29: يؤكد الله استحقاقهم للعقاب الشديد من أجل شرورهم الكثيرة.
ع30، 31: ماذا تعملون في آخرتها : لا يستطيع أحد أن ينجد هذا الشعب من الغضب الذي سيحل به في السبي.
يعلن أن الأرض تتعجب من الشر الذي يحدث عليها من شعبه، فقد اشترك الأنبياء في الكذب بالنبوات المخادعة قائلين سلام للشعب، ولم يوبخوهم على خطاياهم ليتوبوا. واشترك معهم الكهنة وأيدوهم في أقوالهم الكاذبة، فتمادى الشعب في شروره مُؤيدًا بقياداته المخادعة، وبالتالي تنتظره نهاية مؤسفة وهي العقاب بالسبي.
† عندما تواتيك فرصة أن تأخذ حق غيرك، لا تظن أنك تكسب شيئًا، بل تثير غضب الله عليك. فكن أمينًا في كل معاملاتك؛ لأن الله يراك ويجازيك بالخير أو الشر حسب أعمالك.

تفسير سفر اشعياء الاصحاح السادس
(1) تخريب أورشليم (ع1-5):
1 «اُهْرُبُوا يَا بَنِي بَنْيَامِينَ مِنْ وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَاضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي تَقُوعَ، وَعَلَى بَيْتِ هَكَّارِيمَ ارْفَعُوا عَلَمَ نَارٍ، لأَنَّ الشَّرَّ أَشْرَفَ مِنَ الشِّمَالِ وَكَسْرٌ عَظِيمٌ. 2 اَلْجَمِيلَةُ اللَّطِيفَةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ أُهْلِكُهَا. 3 إِلَيْهَا تَأْتِي الرُّعَاةُ وَقُطْعَانُهُمْ. يَنْصِبُونَ عِنْدَهَا خِيَامًا حَوَالَيْهَا. يَرْعَوْنَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ». 4 «قَدِّسُوا عَلَيْهَا حَرْبًا. قُومُوا فَنَصْعَدَ في الظَّهِيرَةِ. وَيْلٌ لَنَا لأَنَّ النَّهَارَ مَالَ، لأَنَّ ظِلاَلَ الْمَسَاءِ امْتَدَّتْ. 5 قُومُوا فَنَصْعَدَ في اللَّيْلِ وَنَهْدِمَ قُصُورَهَا».
ع1: بنى بنيامين : سبط بنيامين، وهو جزء من مملكة يهوذا والتي عاصمتها أورشليم. فيناديهم إرميا لأنهم يمثلون سكان أورشليم ومملكة يهوذا كلها.
تقوع : مدينة تبعد حوالي 12 ميلًا جنوب أورشليم وكانت موطن عاموس النبي.
هكاريم : مدينة على ربوة جنوب أورشليم في طريق بيت لحم، التي تبعد خمسة أميال عن أورشليم.
ينبه إرميا سكان أورشليم بأن خرابها قد اقترب على يد جيوش بابل، ويطلب من المؤمنين بكلامه أن يهربوا منها حتى لا يموتوا. ويُعلن أيضًا أن الخراب سيكون في كل بلاد اليهودية المحيطة بأورشليم، ويختار منها تقوع وهكاريم.
كما يؤكد أن الهجوم شرس كالنار التي تأكل كل ما يصادفها، فيكون كسر، أي هزيمة عظيمة لمملكة يهوذا.
ع2: بعين الأبوة يرى الله أن مملكة يهوذا هي ابنته الجميلة اللطيفة، رغم أنها عصت الله وتمادت في شرها، فاضطر لتأديبها بالهجوم البابلي لعلها تتوب وترجع إلى جمالها الروحي ولطفها.
ع3: بعد أن تخرب أورشليم وتصير مهجورة لا يسكنها أحد، يأتي إليها الرعاة بأغنامهم ليرعوا حولها وينصبوا خيامهم هناك، فلم تعد هناك مدينة، بل مجرد برية ترعى فيها الأغنام.
ع4: قدسوا: خصصوا.
يُنادى الله جيوش بابل لتخوض حربًا قوية ضد أورشليم لتأديبها، فيهجمون عليها وقت الظهيرة وفى المساء وأثناء الليل، أي يهاجمونها في كل الأوقات حتى يخربوها، ولذا يتأوه سكان أورشليم وقت ميل النهار، أي في المساء للهجوم الآتي عليهم، وكذا عند دخول الليل، أي عندما تمتد ظلال المساء؛ لأنهم يُفاجاؤن بهجوم جديد والحرب مستمرة.
ع5: هذا هجوم رابع في أثناء الليل، فيخربون أعظم منازلها التي تسمى قصور. فقد هاجم البابليون أورشليم في الظهيرة، ووقت المساء، وعند دخول الليل، وفى أثناء الليل.
† عندما تحل بك أية ضيقة، اهرب إلى الله بالتوبة والصلاة، وإن ازدادت الضيقة لا تنزعج؛ لأن الله الذي يحبك يسمح بها لتقترب إليه. فالضيقة لا تهلكك، بل تزكيك، وتنميك في طريق محبة الله.
(2) أورشليم الظالمة تخرب (ع6-8):
6 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اقْطَعُوا أَشْجَارًا. أَقِيمُوا حَوْلَ أُورُشَلِيمَ مِتْرَسَةً. هِيَ الْمَدِينَةُ الْمُعَاقَبَةُ. كُلُّهَا ظُلْمٌ فِي وَسَطِهَا. 7 كَمَا تُنْبعُ الْعَيْنُ مِيَاهَهَا، هكَذَا تُنْبعُ هِيَ شَرَّهَا. ظُلْمٌ وَخَطْفٌ يُسْمَعُ فِيهَا. أَمَامِي دَائِمًا مَرَضٌ وَضَرْبٌ. 8 تَأَدَّبِي يَا أُورُشَلِيمُ لِئَلاَّ تَجْفُوَكِ نَفْسِي. لِئَلاَّ أَجْعَلَكِ خَرَابًا، أَرْضًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ.
ع6: مترسة: حوائط تُبنى حول المدينة المحاصرة ويقف خلفها الأعداء لمنع سكانها من الهروب.
يؤكد الله الخراب والتدمير الذي سيحل بأورشليم، إذ سيخرب البابليون المناطق المحيطة بأورشليم، ويقطعون أشجارها، ثم يضعونها على أسوارها، ويشعلون فيها النار، فتهاجم النار سكان المدينة من كل جانب وتحرقهم، وإن حاولوا الهرب، يجدوا الأعداء قد أقاموا متاريس، ووقفوا وراءها لقتل سكان أورشليم ومنعهم من الهرب. كل هذا العقاب الإلهي بسبب سقوط سكانها في خطية الظلم، ولم يرحموا المساكين، فلم يرحمهم الله وسمح بتأديبهم ليتوبوا.
ع7: يُعلن الله أن شر أورشليم مستمر مثل عين الماء التي يخرج منها ماء باستمرار، فيظلم سكانها بعضهم البعض ويخطفون ويسرقون بعضهم، وأصيب الضعفاء بالأمراض نتيجة ظلم إخوانهم لهم، وضربهم، والاعتداء عليهم بأشكال مختلفة.
ع8: تجفوك: من جفاء، أي يرفضها الله ويتخلى عنها.
يُنذر الله أورشليم بالتخلى عنها إن رفضت التأديب ولم تتب، فيسمح لها بضيقات أكثر وهي التدمير والتخريب البابلي، لعلها أيضًا ترجع وتتوب.
† لا تظلم غيرك مهما كان ذلك متاحًا لك؛ لأن الله العادل يرى كل شيء، وسيعاقبك على أنانيتك وظلمك إن لم ترجع الحقوق لأصحابها.
(3) أسباب تخريب أورشليم (ع9-15):
9 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: تَعْلِيلًا يُعَلِّلُونَ، كَجَفْنَةٍ، بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. رُدَّ يَدَكَ كَقَاطِفٍ إِلَى السِّلاَلِ. 10 مَنْ أُكَلِّمُهُمْ وَأُنْذِرُهُمْ فَيَسْمَعُوا؟ هَا إِنَّ أُذْنَهُمْ غَلْفَاءُ فَلاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَصْغَوْا. هَا إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لَهُمْ عَارًا. لاَ يُسَرُّونَ بِهَا. 11 فَامْتَلأْتُ مِنْ غَيْظِ الرَّبِّ. مَلِلْتُ الطَّاقَةَ. أَسْكُبُهُ عَلَى الأَطْفَالِ فِي الْخَارِجِ وَعَلَى مَجْلِسِ الشُّبَّانِ مَعًا، لأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ يُؤْخَذَانِ كِلاَهُمَا، وَالشَّيْخَ مَعَ الْمُمْتَلِئِ أَيَّامًا. 12 وَتَتَحَوَّلُ بُيُوتُهُمْ إِلَى آخَرِينَ، الْحُقُولُ وَالنِّسَاءُ مَعًا، لأَنِّي أَمُدُّ يَدِي عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 13 لأَنَّهُمْ مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. 14 وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ. 15 هَلْ خَزُوا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا رِجْسًا؟ بَلْ لَمْ يَخْزَوْا خِزْيًا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْخَجَلَ. لِذلِكَ يَسْقُطُونَ بَيْنَ السَّاقِطِينَ. فِي وَقْتِ مُعَاقَبَتِهِمْ يَعْثُرُونَ، قَالَ الرَّبُّ.
ع9: تعليلًا يعللون: بعد جمع العنب يمرون على الحقول لجمع أي حبات متناثرة باقية.
جفنة : شجرة عنب.
يُعلن الله أن البابليين سيخربون أورشليم مرة ومرات حتى تخرب تمامًا، كما يُجمع العنب من الكرمة مرة ومرات حتى لا يكاد يبقى بها حبة واحدة، وأخيرًا يوقفهم الله عن ذلك. فيقول لقاطف العنب ضع يدك في السلة التي تجمع فيها العنب ولا تعود تقطف أية حبة أخرى؛ حتى يُبقى بقية لشعبه ليتوبوا ويرجعوا إليه. فالخلاصة أن التدمير سيكون شديدًا لأورشليم.
ع10: أذنهم غلفاء : أي غير مختونة، ويقصد بها أن أذنهم مسدودة عن سماع صوت الله، ولم يقطع منها ميلها إلى الشر، لأن الختان يرمز إلى قطع الطبيعة الشريرة والإيمان بالله والبنوة له.
يتعجب النبى أنه لا يجد من يسمع كلام الله، بل يسدون آذانهم ويهملون إنذاراته، وأكثر من هذا يعتبرون كلمة الله عارًا، أي يحتقرونها ويرفضونها، إذ رفضوا كلام إرميا وعذبوه وألقوه في السجن بسبب كلام الله الذي ينذرهم به، واعتبروا طاعة الله بالخضوع لبابل عارًا، أي رفضوا التأديب الإلهي، فخربت مدنهم وقُتِلوا بالسيف.
ع11: غيظ الرب : غضب الله.
مللت الطاقة : استنفذوا طول أناة الله كلها عليهم، فأتى عليهم غضبه.
الممتلئ أيامًا : المسن أو العجوز.
إرميا هو صوت الله، فيعلن أنه امتلأ من الغضب الإلهي بعد أن استنفذ سكان أورشليم كل فرصهم للتوبة، فاستحقوا الموت، ولكن الله سمح لهم بالتأديب ليتوبوا. وأمر إرميا أن يعلن سكب الله لغضبه على كل سكان أورشليم، الأطفال والشبان والشيوخ والمسنين؛ لأنهم سقطوا في الشر ورفضوا وصايا الله.
ع12: لأن شعب الله ظلموا بعضهم بعضًا، سمح لهم بالسبي البابلي، فسلب بيوتهم واغتصب نساءهم، فكان البابليون هم يد الله الممدودة لتأديب شعبه.
ع13: أظهر أن سبب تأديبهم هو رفضهم سماع صوت الله (ع10) وهنا يظهر سببين آخرين لتأديبهم:
تعلقهم بمحبة المال جميعًا، سواء الكبار أو الصغار.
سقوطهم في الخداع والكذب كقادة للشعب، وهم الكهنة والأنبياء، فانساق الشعب وراءهم.
ع14: عثم : فساد.
الخطية الرابعة التي سببت تأديب الله لشعبه هي مظهريتهم وسطحيتهم في علاج مشاكلهم، فحاولوا معالجة أمراضهم الروحية وفسادهم الداخلي بالخداع، إذ قال الأنبياء لهم سلام سلام ولا يأتي عليكم، أي تأديب إلهى، وكان الأجدر بهم أن يعالجوا جروحهم بكشفها لله بالتوبة والرجوع إليه فيشفيهم.
ع15: رجسًا : نجاسة وشر.
الخطية الخامسة التي سببت التأديب لشعب الله هي التمادي في الشر، وعدم الخجل من خطاياهم والندم عليها، لذا استحقوا التأديب والقتل والتأديبات المختلفة.
† لا تتمادى في خطاياك إن نبهك الله للتوبة عنها، وارجع إليه، فهو رحيم، فيسامحك على كل شر وتعود بقوة أعظم.
(4) رفض وصايا الله والعبادة المظهرية (ع16-25):
16 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ الطَّرِيقُ الصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: لاَ نَسِيرُ فِيهِ! 17 وَأَقَمْتُ عَلَيْكُمْ رُقَبَاءَ قَائِلِينَ: اصْغَوْا لِصَوْتِ الْبُوقِ. فَقَالُوا: لاَ نَصْغَى! 18 لِذلِكَ اسْمَعُوا يَا أَيُّهَا الشُّعُوبُ، وَاعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ مَا هُوَ بَيْنَهُمْ. 19 اِسْمَعِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هذَا الشَّعْبِ ثَمَرَ أَفْكَارِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْغَوْا لِكَلاَمِي، وَشَرِيعَتِي رَفَضُوهَا. 20 لِمَاذَا يَأْتِي لِي اللُّبَانُ مِنْ شَبَا، وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ؟ مُحْرَقَاتُكُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَذَبَائِحُكُمْ لاَ تَلُذُّ لِي. 21 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا جَاعِلٌ لِهذَا الشَّعْبِ مَعْثَرَاتٍ فَيَعْثُرُ بِهَا الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ مَعًا. اَلْجَارُ وَصَاحِبُهُ يَبِيدَانِ. 22 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ قَادِمٌ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ، وَأُمَّةٌ عَظِيمَةٌ تَقُومُ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. 23 تُمْسِكُ الْقَوْسَ وَالرُّمْحَ. هِيَ قَاسِيَةٌ لاَ تَرْحَمُ. صَوْتُهَا كَالْبَحْرِ يَعِجُّ، وَعَلَى خَيْل تَرْكَبُ، مُصْطَفَّةً كَإِنْسَانٍ لِمُحَارَبَتِكِ يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ». 24 سَمِعْنَا خَبَرَهَا. اِرْتَخَتْ أَيْدِينَا. أَمْسَكَنَا ضِيقٌ وَوَجَعٌ كَالْمَاخِضِ. 25 لاَ تَخْرُجُوا إِلَى الْحَقْلِ وَفِي الطَّرِيقِ لاَ تَمْشُوا، لأَنَّ سَيْفَ الْعَدُوِّ خَوْفٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
ع16: طلب الله من شعبه أن يراجعوا أنفسهم هل سلوكهم سليم أم خاطئ، وطلب منهم أن يقفوا على طريق حياتهم ليتأكدوا من مدى صحة أفعالهم، لأنهم انحرفوا في عبادة الأوثان، وطلب منهم أيضًا أن ينظروا في كل تصرفاتهم ويفحصوها ويسألوا السبل القديمة، أي أسفار موسى وكلام الله على لسان الأنبياء، ويقيسوا حياتهم عليها، فإذا اكتشفوا الطريق السليم، أي وصايا الله يسيرون فيها، فيتمتعون براحة داخلية وسلام من الله. ولكنهم للأسف رفضوا أن يراجعوا أنفسهم ليسلكوا في طرق الآباء السليم.
ع17: أقام الله الأنبياء كرقباء على شعبه يسمعوهم صوته كبوق ينذرهم حتى يرجعوا إليه، ولكنهم رفضوا.
ع18: يُشهد الله الأمم الوثنية وشعوب العالم على تمرد وعصيان شعبه وخطاياهم التي يسلكون فيها، إذ زادت خطاياهم عن خطايا الأمم.
ع19: يُشهد أيضًا الأرض وما عليها من بشر ومخلوقات على عصيان شعبه، ويُنذره بأنه سيعاقبه بتأديبات هي نتيجة طبيعية لأفكاره الشريرة ورفضه وصايا الله.
ع20: شبا : دولة تعيش جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، أي اليمن الحالية.
اللبان : مادة صمغية تنتج من نبات اللبان وله رائحة زكية عند احتراقه.
قصب الذريرة : نوع من القصب له رائحة زكية، وكلمة الذريرة معناه رائحة عطرة.
يعلن الله ضيقه من تقدمات ومحرقات شعبه التي يبذلون فيها جهدًا كبيرًا، فيستوردون مواد البخور مثل اللبان وقصب الذريرة من أماكن بعيدة مثل شبا. وذلك لأن هذه العبادة سطحية، أما قلوبهم فمملوءة شرًا، وبالتالي فعبادتهم بلا قيمة، بل يرفضها الله.
ع21: يقرر الله أنه سيعاقب شعبه بالسبي البابلي الذي سيعثر ويسقط فيه الجميع، سواء الكبار، مثل الآباء، أو الصغار مثل الأبناء وذلك لسقوطهم جميعًا في الشر.
ع22: يصف التأديب بأنه سيتم على يد مملكة بابل القوية التي ستأتي من شمال شرق مملكة يهوذا، فتأتى من بعيد من أقصى الأرض المعروفة وقتذاك على شعبه، وتدمرهم وتسبيهم.
ع23: يستكمل وصف قوة بابل بما يلي:
تُسْتَخْدَم السهام والقوس لتصيب عن بعد رجال يهوذا وتقتلهم، وكذا الرماح لتقتل بشراسة وعنف من يصادفها.
هجومها عنيف وصوتها قوى كالبحر الذي تتلاطم أمواجه بعجيج، أي صوت البحر القوى.
منظمة وتمتلك خيولًا كثيرة يركبها فرسان مدربون يهجمون بصفوف تجتاح مدن إسرائيل وتقتل من فيها.
ع24: عندما يسمع الشعب ويرى هجوم بابل، يسقط في اليأس ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، أي ترتخى أيديه ويتملكه الخوف، يتألم كالمرأة عند ولادتها (الماخض).
ع25: سيخاف شعب الله جدًا، فيختبئون في بيوتهم، ولا يستطيعون الخروج إلى الحقول، أو الطرق لئلا يقتلهم العدو.
† ليتك تحاسب نفسك كل يوم لترجع عن خطاياك وتتوب عن أفكارك ونياتك الرديئة، فتستطيع تقديم عبادة مقدسة من القلب، يقبلها الله، ويفرح بها، ويرفع غضبه عنك مهما كانت خطاياك تستحق العقاب.
(5) التمادي في الشر (ع26-30):
26 يَا ابْنَةَ شَعْبِي، تَنَطَّقِي بِمِسْحٍ وَتَمَرَّغِي فِي الرَّمَادِ. نَوْحَ وَحِيدٍ اصْنَعِي لِنَفْسِكِ مَنَاحَةً مُرَّةً، لأَنَّ الْمُخَرِّبَ يَأْتِي عَلَيْنَا بَغْتَةً. 27 «قَدْ جَعَلْتُكَ بُرْجًا فِي شَعْبِي، حِصْنًا، لِتَعْرِفَ وَتَمْتَحِنَ طَرِيقَهُ. 28 كُلُّهُمْ عُصَاةٌ مُتَمَرِّدُونَ سَاعُونَ فِي الْوِشَايَةِ. هُمْ نُحَاسٌ وَحَدِيدٌ. كُلُّهُمْ مُفْسِدُونَ. 29 اِحْتَرَقَ الْمِنْفَاخُ مِنَ النَّارِ. فَنِيَ الرِّصَاصُ. بَاطِلًا صَاغَ الصَّائِغُ، وَالأَشْرَارُ لاَ يُفْرَزُونَ. 30 فِضَّةً مَرْفُوضَةً يُدْعَوْنَ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَهُمْ».
ع26: تنطقى: البسى منطقة، وهو ما يلبس على الوسط ويتدلى على الفخذين.
مسح : ملابس خشنة ترمز للتذلل.
نوح وحيد : البكاء على موت الابن الوحيد للتعلق به، وإذ يفقدانه يفقدان النسل كله الذي يأتي منه، وبهذا لا يكون للوالدين أي نسل.
إذ هجم الجيش البابلي على أورشليم واليهودية، يناديها الله بأبوته ويدعوها ابنته، فهو حزين عليها، ويدعوها إلى لبس المسوح والتمرغ في التراب ووضعه على الرأس، كل هذه العادات كانوا يعملونها إظهارًا لحزنهم الشديد وذلهم. ويدعوها لعمل مناحة شديدة كما على موت الابن الوحيد، وذلك لانقضاض البابليين عليها وتخريبها.
† عندما تأتى عليك ضيقة، اتضع أمام الله وابكِ على خطاياك، وثق أن دموعك غالية عنده، فإذ يرى توبتك لابد أن يتدخل وينقذك، لأن تأديبه مؤقت لمنفعتك الروحية.
ع27: ينادى الله إرميا يصفه بأنه برج وسط الشعب، حيث يكون رقيبًا عليهم ويناديهم ليتوبوا. ويصفه أيضًا بأنه حصن؛ لأنه إذا تاب أحد سيلتجئ إليه، فيعلمه وصايا الله وبهذا ينجو من غضب الله.
ع28: يصف الشعب بالعصيان والتمرد والسعى للإيقاع بين الناس واختلاق المشاكل، ويصف عدم تجاوبهم بصلابة النحاس والحديد، أى أنهم متمادون في شرهم، مصرون على الفساد بخطايا كثيرة.
ع29: المنفاخ : هو ما يعطى هواء للنار حتى تظل مشتعلة بقوة لصهر المعادن والتخلص من شوائبها.
الرصاص : يستخدم لفصل الشوائب عن المعادن.
يشبه إرميا بمنفاخ الصائغ للمعادن، إذ ينفخ الهواء ليشعل النار بإعلان صوت الله وإنذاراته حتى يتوب الشعب، ولكن عمله لم يأتِ بثمر، وذهب كلامه هباءً بالنسبة لسامعيه، كما يفنى الرصاص الذي يستخدم لتنقية المعادن فلم تتنق بعد. وفى النهاية احترق المنفاخ نفسه والمعادن لا تريد أن تتنقى، حيث رفضوا كلام إرميا، ثم قتلوه رجمًا بالحجارة.
وهكذا لم يفلح الصائغ في صياغته للمعادن، إذ ظلت الشوائب بها، أي مازال الأشرار متمادين في شرهم، رافضين كلام إرميا.
ع30: فى النهاية يأتي الحكم الإلهي على شعبه المتمادي في الشر، فيصفهم بأنهم فضة مرفوضة. والفضة ترمز لكلمة الله، أي أن الشعب يعرف كلمة الله، ولكن لم يحيا بها، فرفضه الله، ولأنهم رفضوا الله وأصروا على ذلك فالله رفضهم أيضًا.



تفسير سفر ارميا الاصحاح السابع
(1) إصلاح أعمالهم (ع1-7):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «قِفْ فِي بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ وَنَادِ هُنَاكَ بِهذِهِ الْكَلِمَةِ وَقُلْ: اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا الدَّاخِلِينَ فِي هذِهِ الأَبْوَابِ لِتَسْجُدُوا لِلرَّبِّ. 3 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فَأُسْكِنَكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. 4 لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ هُوَ! 5 لأَنَّكُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ إِصْلاَحًا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، إِنْ أَجْرَيْتُمْ عَدْلًا بَيْنَ الإِنْسَانِ وَصَاحِبِهِ، 6 إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا الْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ، وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لأَذَائِكُمْ 7 فَإِنِّي أُسْكِنُكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِكُمْ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ.
ع1، 2: في الأصحاحات الأولى من هذا السفر يتكلم إرميا وسط الشعب ليتوبوا، أما الآن فيقف علانية في أهم مكان، وهو باب بيت الرب، أي هيكله المقدس في أورشليم، حث يزدحم الناس الآتين لعبادة الله والسجود له، ليوبخ الكل شعبًا ورؤساء وكهنة، في الأصحاحات من (إر 7-10) لعلهم يتوبون. وهذا بالطبع سبب له مشاكل كثيرة، إذ قام عليه الرؤساء، وحاولوا قتله عدة مرات.
ع3: يعلن الله نفسه بصفة القوة، أي رب الجنود، ويأمر شعبه بإصلاح أعمالهم، أي بالتوبة عن أعمالهم الشريرة حتى يسامحهم ويسمح لهم بالبقاء في الأرض المقدسة أي أرض كنعان؛ والعكس صحيح فإن لم يتوبوا فسيطردهم منها وهذا ما حدث على يد البابليين.
ع4: وعد الله شعبه بأن يحفظ بيته إلى الأبد إذا عاشوا بالإيمان معه، كما في أيام حزقيا الملك عندما هاجمه سنحاريب، أو عندما أقاموا الهيكل أيام سليمان (إش33: 20، 1 مل9: 3).
وكان هذا بشرط ثباتهم في الإيمان، ولكنهم لم يفهموا هذا وظنوا أن الهيكل لا يهدم وأن مدينتهم أورشليم ستظل ثابتة مهما كان شرهم.
وقد حقق الله كلامه في ثبات هيكله الذي في العهد الجديد، والذي يرمز إليه هيكل العهد القديم، ويظل هذا الهيكل ثابتًا إلى الأبد في ملكوت السموات، حيث يملك المسيح مع المؤمنين به.
ع5-7: يشترط الله على شعبه - حتى يحفظهم في الأرض المقدسة أرض الميعاد - أن يعملوا ما يلي:
التمسك بالعدل في المعاملات.
عدم ظلم الضعفاء مثل الغريب واليتيم والأرملة.
عدم قتل الأبرياء لتحقيق أطماعهم ومكاسبهم.
الابتعاد عن عبادة الأوثان.
وكان في تدبير الله منذ الأزل أن يهب شعبه أرض الميعاد، ويظل وعده لشعبه المؤمنين به الذين سيتقبلون الإيمان بالمسيح، فيعطيهم أورشليم السمائية، أي ملكوت السموات الذي يدوم إلى الأبد.
† مهما كانت فرصتك للكسب المادي لا تظلم غيرك حتى وإن كان القانون لا يعاقبك، فالله يرى أعمالك ويعاقبك عليها إن لم تتب. واعلم أنه يرحم من يرحم غيره، فتنازل عن الماديات لتكسب ما هو أهم وهو حياتك الأبدية، حتى لو تنازلت عن بعض حقوقك.
(2) عقاب الأعمال الشريرة (ع8-16):
8 « هَا إِنَّكُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ الَّذِي لاَ يَنْفَعُ. 9 أَتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كَذِبًا وَتُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ، وَتَسِيرُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، 10 ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هذَا الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ وَتَقُولُونَ: قَدْ أُنْقِذْنَا. حَتَّى تَعْمَلُوا كُلَّ هذِهِ الرَّجَاسَاتِ؟ 11 هَلْ صَارَ هذَا الْبَيْتُ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ؟ هأَنَذَا أَيْضًا قَدْ رَأَيْتُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 لكِنِ اذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِي الَّذِي فِي شِيلُوهَ الَّذِي أَسْكَنْتُ فِيهِ اسْمِي أَوَّلًا، وَانْظُرُوا مَا صَنَعْتُ بِهِ مِنْ أَجْلِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 13 وَالآنَ مِنْ أَجْلِ عَمَلِكُمْ هذِهِ الأَعْمَالَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَقَدْ كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا، 14 أَصْنَعُ بِالْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ الَّذِي أَنْتُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَيْهِ، وَبِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهُ، كَمَا صَنَعْتُ بِشِيلُوهَ. 15 وَأَطْرَحُكُمْ مِنْ أَمَامِي كَمَا طَرَحْتُ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ، كُلَّ نَسْلِ أَفْرَايِمَ. 16 وَأَنْتَ فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً، وَلاَ تُلِحَّ عَلَيَّ لأَنِّي لاَ أَسْمَعُك.
ع8: يوبخ الله شعبه بسبب اتكالهم على كلام الأنبياء الكذبة الذين وعدوهم بالسلام والطمأنينة رغم شرورهم فتمادوا فيها.
ع9، 10: يوبخ الله شعبه أيضًا لاستباحتهم لخطايا كثيرة، مثل السرقة والقتل والزنا والحلف كذبًا وعبادة الأوثان ورفض التوبة عنها ثم الاقتراب إلى الله وعبادته، ظانين أن هذه العبادة الظاهرية تكفى لخلاصهم.
ع11: بإصرارهم على الشر ودخولهم لتقديم عبادة لله يجعلون بيته مغارة لصوص، لأنهم يسرقون حقوق غيرهم ويتقدمون لعبادة الله، فلا يقبل الله عبادتهم، بل هم يدنسون بيت الله بدخولهم إليه، ويجعلونه مكان اجتماع للأشرار المصرين على شرهم. والله يطيل أناته وينظر كل هذا الشر لكنه سيعاقبهم إن لم يتوبوا.
ع12: شيلوه : مدينة تقع شمال بيت إيل وتبعد 17 ميلًا شمال أورشليم، وقد وضع فيها تابوت عهد الله مدة حوالي 300 سنة أيام يشوع بن نون وفى عصر القضاة حتى خرج للحرب مع أبناء عالى الكاهن ضد الفلسطينيين، فأخذوه منهم. ولم يعد إليها بل خربت فيما بعد، فكانت قد دمرت في عهد إرميا.
ظن الشعب أن أورشليم لن تخرب بسبب وجود هيكل الله بها، فيذكرهم بمدينة شيلوه التي كانت فيها خيمة الاجتماع وتخربت بسبب شر الساكنين فيها حتى يتوبوا عن خطاياهم.
ع13: رفض الشعب كلام الله على فم أنبيائه، سواء المبكرين، أي الذين تنبأوا قبل السبي الأشوري، أو أثناءه، وقبل السبي البابلي مثل إرميا، فينذرهم الله لعصيانهم.
ع14، 15: ينذرهم الله بأنه سيسمح بخراب هيكله وأورشليم مدينته وكل مملكة يهوذا، كما سمح بالسبي الأشوري الذي ضرب شيلوه حيث كان موضع تابوت عهده، بل وكل أرض أفرايم، التي يكنى بها عن كل مملكة إسرائيل، أى المملكة الشمالية التي عاصمتها السامرة بسبب شرورهم.
ع16: يحدث الله إرميا، فينهيه عن الصلاة من أجل هذا الشعب المتمادي في شروره، فلن تنفعهم صلوات إرميا ولجاجته في الطلب من أجلهم. فهو هنا يؤكد عدم منفعة العلاقة بالكنيسة، أو صلوات القديسين ما دمنا مصرين على الشر.
† لا تتكل على علاقتك الظاهرية بالكنيسة، أو مركزك واسمك بها، لو كنت خادمًا فيها، أو قدمت شيئًا لها، وإن كنت مصرًا على خطاياك، فالله يناديك لترجع إليه، حينئذ تصبح كل عبادتك وأعمالك مقبولة وصالحة في عينيه وتستفيد من صلوات القديسين وشفاعتهم.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
(3) التمادي في عبادة الأوثان (ع17-20):
17 «أَمَا تَرَى مَاذَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ 18 الأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَبًا، وَالآبَاءُ يُوقِدُونَ النَّارَ، وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ الْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكًا لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَلِسَكْبِ سَكَائِبَ لآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يُغِيظُونِي. 19 أَفَإِيَّايَ يُغِيظُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَلَيْسَ أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ خِزْيِ وُجُوهِهِمْ؟ 20 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا غَضَبِي وَغَيْظِي يَنْسَكِبَانِ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ، عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى شَجَرِ الْحَقْلِ وَعَلَى ثَمَرِ الأَرْضِ، فَيَتَّقِدَانِ وَلاَ يَنْطَفِئَانِ.
ع17، 18: يبدو أن مشاعر إرميا النبي قد تأثرت عندما منعه الله عن الصلاة من أجل الشعب، فيوضح الله له هنا فظاعة ما يعمله الشعب، ويناديه أن يرى ما يحدث، وهو تعاون الأسرة كلها لتقديم عبادة للأوثان. فالأبناء المملؤون حيوية يجمعون الحطب من أماكن مختلفة، والآباء يوقدون النار، والنساء يعجن العجين ليقربن قربانًا للآلهة الوثنية التي يختار منها ملكة السماء. وهكذا نجد الأسرة كلها، أي كل المجتمع، قد انغمس في عبادة الأوثان.
† ليت كل أسرة تشجع بعضها البعض على الحياة مع الله، سواء في صلوات، أو قراءات جماعية في البيت، أو ارتباط بالكنيسة وأنشطتها، ولو أمكن أن يشجعوا بعضهم بعضًا في الخدمة، وعمل الرحمة فتصير بالحقيقة أسرة روحية.
ع19: انغمس الشعب في عبادة الأوثان وبهذا سقطوا في أمرين:
إغاظة الله وتحديه.
امتلأوا خزيًا بعبادتهم الأحجار والخشب، أي عبادة الأوثان.
ع20: من أجل الانغماس في عبادة الأوثان، ورفض التوبة والرجوع إلى الله، اضطر أن يعاقب ليس فقط الناس من أجل شرهم، بل كل الخليقة التي خلقها لهم، حتى ينتبهوا عندما يفقدوا راحتهم المادية فيتوبوا.
(4) رفض طاعة الله (ع21-28):
21 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضُمُّوا مُحْرَقَاتِكُمْ إِلَى ذَبَائِحِكُمْ وَكُلُوا لَحْمًا. 22 لأَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ آبَاءَكُمْ وَلاَ أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ. 23 بَلْ إِنَّمَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهذَا الأَمْرِ قَائِلًا: اسْمَعُوا صَوْتِي فَأَكُونَ لَكُمْ إِلهًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَسِيرُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ. 24 فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذْنَهُمْ، بَلْ سَارُوا فِي مَشُورَاتِ وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ. 25 فَمِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ آبَاؤُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ، مُبَكِّرًا كُلَّ يَوْمٍ وَمُرْسِلًا. 26 فَلَمْ يَسْمَعُوا لِي وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ. أَسَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ. 27 فَتُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ هذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلاَ يَسْمَعُونَ لَكَ، وَتَدْعُوهُمْ وَلاَ يُجِيبُونَكَ. 28 فَتَقُولُ لَهُمْ: هذِهِ هِيَ الأُمَّةُ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِهَا وَلَمْ تَقْبَلْ تَأْدِيبًا. بَادَ الْحَقُّ وَقُطِعَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ.
ع21: يعلن الله القدير رب الجنود رفضه للذبائح التي يقدمها بنو إسرائيل له، فلا يباركها، أو يقدسها، بل يعتبرها مجرد لحوم عادية مذبوحة، ويقول لمقدميها كلوها كلحم، فأنا أرفضها كمحرقات من أجل عبادتكم للأوثان وتماديكم في الخطايا.
ع22: يوضح الله أنه عندما دعى شعبه ليخرجهم من أرض مصر لم يكن قصده أن يذبحوا مجرد ذبائح ليأكلوا لحمها، بل أمرهم بذبح خروف الفصح، الذي يرمز للمسيح، ليخلصوا به من الملاك المهلك، فهو يطلب المعنى الروحي، ونقاوة القلب اللذين يرمز لهما بالذبيحة والمحرقة.
ع23: يعلن الله قصده ومطالبه من شعبه، وهي أن يؤمنوا به ويطيعوا كلامه ويسلكوا به، فينالون بركة وإحسان من الله، ويصيرون شعبه الخاص الذي يرعاه.
ع24: اعطوا القفا : رفضوا كلام الله.
رفض الشعب كلام الله ولم يحيوا به، وسلكوا بحسب قلوبهم المملوءة شرًا.
ع25، 26: صلبوا رقابهم : كما يشدد الحيوان رقبته حتى لا يوضع عليها خشبة النير ليجر الآلة الزراعية، هكذا صارت رقاب شعبه متشددة رافضة الخضوع لله.
أرسل الله أنبياءه منذ زمن طويل "مبكرًا" وأرسل كلامه معهم، ولكن الشعب رفضه وظل في خطاياه. وهو يقصد الأنبياء من أول خروجهم من مصر، أي موسى النبي حتى إرميا.
ع27، 28: رغم عناد الشعب وتماديه في الخطية أمر الله إرميا أن يكلمهم بكلام الله، وحتى لا يتضايق عرّفه أنهم سيرفضونه، وحينئذ يعلن لهم إرميا أنهم الشعب الرافض كلام الله وتأديبه، فابتعدوا عن الحق في كلامهم وسلوكهم.
† لا تهمل صوت الله الذي تسمعه ليس فقط في الكنيسة ومن أب اعترافك، بل أيضًا ما تسمعه ممن حولك لئلا يدينك الله بسبب ضلالك.
(5) رفض الله بيته وشعبه (ع29-34):
29 « جُزِّي شَعْرَكِ وَاطْرَحِيهِ، وَارْفَعِي عَلَى الْهِضَابِ مَرْثَاةً، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَ وَرَذَلَ جِيلَ رِجْزِهِ. 30 لأَنَّ بَنِي يَهُوذَا قَدْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَضَعُوا مَكْرَهَاتِهِمْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي لِيُنَجِّسُوهُ. 31 وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ، الَّذِي لَمْ آمُرْ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي. 32 «لِذلِكَ هَا هِيَ أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُسَمَّى بَعْدُ تُوفَةُ وَلاَ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ. وَيَدْفِنُونَ فِي تُوفَةَ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَوْضِعٌ. 33 وَتَصِيرُ جُثَثُ هذَا الشَّعْبِ أَكْلًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ، وَلاَ مُزْعِجَ. 34 وَأُبَطِّلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنْ شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ، لأَنَّ الأَرْضَ تَصِيرُ خَرَابًا.
ع29: جزى شعرك : الشعر هو تاج المرأة، وفى حالة الحزن الشديد تقصه وتجزه كما يجز صوف الغنم، وتطرحه على الأرض، أي تفقد جمالها.
مرثاة : كلمات حزينة تعبر بها النفس عن مصيبتها الصعبة في محاولة أخيرة لإنقاذ الله لمملكة يهوذا، ويخاطبها كامرأة ويطلب منها أن تقص شعرها وتعلن مرثاة على شعب الله الذي رفضه "رجزه"، أي على نفسها.
الرجز : شدة الغضب.
ع30: مكرهاتهم : تماثيل للآلهة الوثنية التي يكرهها الله.
تحدى الشعب الله ووضعوا في هيكله المقدس تماثيل الآلهة الوثنية التي يعبدونها، فصار الله في نظرهم مجرد أحد الآلهة، ومساويًا للأصنام في عبادتهم له.
† ما أصعب ما تعمله عندما ينشغل قلبك إلى جانب عبادة الله بالمال والشهوات المختلفة، بل تصير هي اهتمامك الأول الذي يستحوذ على معظم وقتك، وتضطرب إذ انقصت. إنك بهذا تصنع أصنام كثيرة داخل قلبك، وتنسى الله الذي أعطاك حياته كلها على الصليب، ويطلب أن تحبه من كل قلبك وتستخدم العالم بحيث لا يسيطر على قلبك.
ع31: توفة : معناها موضع نار، وهي مرتفعات بجوار وادي هنوم أصعدوا عليها محرقات للآلهة الوثنية.
وادى ابن هنوم : وادي جنوب أورشليم تلقى فيه مخلفات الذبائح وتحرق بالنار، ولذا تجد النار مشتعلة فيه دائمًا، ومنها أخذ اسم جهنم، أى العذاب الأبدي والنار المستمرة.
ليحرقوا بنيهم وبناتهم : كانوا يقدمون أطفالهم محرقات للإله الوثني "مولك" ليرضى عنهم.
سبب الغضب الإلهي على الشعب هو عبادتهم للأوثان وتقديم أغلى ما عندهم وهم بنيهم وبناتهم محرقات لإرضاء الآلهة، وهذا ما لم يأمر به الله، فهو إله حنون يطلب رعاية الأطفال والإشفاق عليهم.
ع32: يعلن الله ما سيحدث عندما يهجم جيش بابل ويقتل الكثير من اليهود، فيمتلئ وادي هنوم القريب من أورشليم بجثثهم، وليس جثث الحيوانات. وهو رمز للعذاب الأبدي الذي سيلاقونه في جهنم برفضهم التوبة.
ع33: من كثرة جثث اليهود، تأتى الطيور الجارحة وتأكل منها ولا يبعدها أحد، وهذا تعبير عن الخراب الشامل، وفظاعة الهجوم البابلي تأديبًا للشعب المعاند.
ع34: بعد هدم الهيكل وتخريب أورشليم وقتل اليهود الذين فيها بل في مدن يهوذا المحيطة بها، يخيم الحزن على قلوب الباقين وتنقطع أفراحهم وأعيادهم، سواء الشخصية، مثل الفرح بالزيجات الجديدة، أو الأعياد العامة لأن الخراب صار شاملًا.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثامن
(1) إذلال اليهود (ع1-3):
1 «فِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، يُخْرِجُونَ عِظَامَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَعِظَامَ رُؤَسَائِهِ وَعِظَامَ الْكَهَنَةِ وَعِظَامَ الأَنْبِيَاءِ وَعِظَامَ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مِنْ قُبُورِهِمْ، 2 وَيَبْسُطُونَهَا لِلشَّمْسِ وَلِلْقَمَرِ وَلِكُلِّ جُنُودِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي أَحَبُّوهَا وَالَّتِي عَبَدُوهَا وَالَّتِي سَارُوا وَرَاءَهَا وَالَّتِي اسْتَشَارُوهَا وَالَّتِي سَجَدُوا لَهَا. لاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُدْفَنُ، بَلْ تَكُونُ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 3 وَيُخْتَارُ الْمَوْتُ عَلَى الْحَيَاةِ عِنْدَ كُلِّ الْبَقِيَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ هذِهِ الْعَشِيرَةِ الشِّرِّيرَةِ الْبَاقِيَةِ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.
ع1: في ذلك الزمان : وقت هجوم بابل على مملكة يهوذا.
حتى ينبه إرميا شعبه للتوبة والرجوع عن عبادة الأوثان، مثل عبادة الشمس والسماوات، يعلن لهم أن جيوش بابل عندما تهجم عليهم ستنبش قبور آبائهم، وتخرج عظامهم، وتلقيها في كل مكان أمام ما يدعونه آلهة كالشمس والسماوات التي لن تفيدهم شيئًا. وسيسمح الله بهذا الإذلال؛ لأنهم لم يطيعوه ولعلهم يتوبون، وسيتم هذا بقبور عظماء اليهود من الأنبياء والرؤساء والملوك والكهنة تحقيرًا لليهود.
ع2: دمنة : روث، أي فضلات البهائم.
عندما يخرج البابليون عظام الأموات تكون أمام الشمس والقمر والسماوات التي عبدوها والتي لم تفدهم شيئًا، وتصير عظامهم محتقرة، مثل روث الحيوانات الملقى على الأرض.
† عندما يسمح الله لك بالتحقير من الآخرين، راجع نفسك لعله يدعوك إلى التوبة والتمسك به، فينقذك من أيديهم وتزداد علاقتك به، فلا تخشى من قولهم، ولا تنزعج من تحقيرهم، فهو بلا قيمة، والله سيكرمك في السماوات فوق الكل.
ع3: سيتمنى الباقون من اليهود الموت بعد موت الكثيرين منهم من كثرة الضيق، ليتخلصوا من الذل الذي صاروا فيه، وذلك لعدم ارتباطهم بالله الذي كان ينبغى أن يرجعوا إليه، فيقبلهم وينقذهم.
(2) رفض التوبة (ع4-12):
4 «وَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَلْ يَسْقُطُونَ وَلاَ يَقُومُونَ، أَوْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ وَلاَ يَرْجعُ؟ 5 فَلِمَاذَا ارْتَدَّ هذَا الشَّعْبُ فِي أُورُشَلِيمَ ارْتِدَادًا دَائِمًا؟ تَمَسَّكُوا بِالْمَكْرِ. أَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا. 6 صَغَيْتُ وَسَمِعْتُ. بِغَيْرِ الْمُسْتَقِيمِ يَتَكَلَّمُونَ. لَيْسَ أَحَدٌ يَتُوبُ عَنْ شَرِّهِ قَائِلًا: مَاذَا عَمِلْتُ؟ كُلُّ وَاحِدٍ رَجَعَ إِلَى مَسْرَاهُ كَفَرَسٍ ثَائِرٍ فِي الْحَرْبِ. 7 بَلِ اللَّقْلَقُ فِي السَّمَاوَاتِ يَعْرِفُ مِيعَادَهُ، وَالْيَمَامَةُ وَالسُّنُوْنَةُ الْمُزَقْزِقَةُ حَفِظَتَا وَقْتَ مَجِيئِهِمَا. أَمَّا شَعْبِي فَلَمْ يَعْرِفْ قَضَاءَ الرَّبِّ! 8 كَيْفَ تَقُولُونَ: نَحْنُ حُكَمَاءُ وَشَرِيعَةُ الرَّبِّ مَعَنَا؟ حَقًّا إِنَّهُ إِلَى الْكَذِبِ حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ الْكَاذِبُ. 9 خَزِيَ الْحُكَمَاءُ. ارْتَاعُوا وَأُخِذُوا. هَا قَدْ رَفَضُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ، فَأَيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟ 10 لِذلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لآخَرِينَ، وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. 11 وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ، قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ. 12 هَلْ خَزُوا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا رِجْسًا؟ بَلْ لَمْ يَخْزَوْا خِزْيًا، وَلَمْ يَعْرِفُوا الْخَجَلَ! لِذلِكَ يَسْقُطُونَ بَيْنَ السَّاقِطِينَ. فِي وَقْتِ مُعَاقَبَتِهِمْ يَعْثُرُونَ، قَالَ الرَّبُّ.
ع4، 5: يعاتب الله شعبه بحقيقة هي أن كل من يسقط في الطريق، أو في أي شيء خاطئ عليه أن يعود ويرجع إلى الصواب، وهذا هو التصرف المنطقي. فلماذا إذن يتمادون في خطاياهم ويثبتون في الشر اعتمادًا على الكلام الماكر والمخادع للأنبياء الكذبة.
ع6: مسراه: طريقه.
يشبه تماديهم في الشر بفرس يتقدم في الحرب ولا يريد أن يرجع عن طريقه، فهذا هو نظام الحرب؛ الجهاد للنهاية حتى الموت، هكذا هم أيضًا تقدموا في الشر، ومصرين عليه حتى الموت، ولا يريدون الرجوع والتوبة.
† كن مصغيًا لصوت الله الذي يناديك لمراجعة أفكارك وكلامك وتصرفاتك، حتى لو كنت معتادًا عليها، أي مر عليك سنوات طويلة. اطلب الله باتضاع، واخضع لأب اعترافك، ولا تحتد على من يعاقبك، أو تهمل كلامه.
ع7: اللقلق: طائر كبير له منقار ورجلان وعنق طويل وأحمر؛ وهو من الجوارح، أي التي تنقض على فريستها.
السنونة : طائر صغير طويل الجناحين سريع الطيران من الطيور الأليفة وصوتها جميل.
يوجه الله نظر شعبه إلى أن الحيوانات مثل الطيور ترجع عن طيرانها في وقت محدد اعتادته، ولكن بنى شعبه لا يريدون الرجوع عن خطاياهم مع أنهم أفضل المخلوقات وأكثرها حكمة، فمن الطبيعي أن يرجعوا إلى وضعهم السليم وهو الحياة مع الله.
ع8: يؤكد لهم إصرارهم على خداع أنفسهم بكلام الكتبة الكذبة، ظانين أنهم حكماء باقتنائهم للكتاب المقدس، ووجود الهيكل في مدينتهم أورشليم، ولكن كل هذا لا يكفى إن لم يتوبوا.
ع9: يظهر النهاية المؤسفة لمن يظنون أنفسهم حكماء، أي سكان أورشليم، عندما يهجم جيش بابل ويأخذهم أسرى، وهذا نتيجة طبيعية لمن يرفض طاعة كلام الله والتوبة.
ع10: مولع: متعلق ومرتبط بشدة.
يبين الله سبب أساسى لعدم توبتهم وهو تعلقهم بالمال والماديات، وقد سقط في هذه الخطية الشعب كله، حتى قياداته، مثل الكهنة والأنبياء الكذبة، والنتيجة هو سقوطهم تحت الهجوم البابلي وأخذ نسائهم وحقولهم منهم، أي تجردهم من كل الماديات والشهوات التي عاشوا لها؛ كل هذا لعلهم في النهاية يرجعون إلى الله.
ع11: عثم: فساد.
من أسباب عدم توبتهم هوعدم معالجة خطاياهم، بل التمسك بالشر داخلهم وتصديقهم كلام الأنبياء الكذبة أن لهم سلام والله راضى عنهم، مع أن خطاياهم أفسدتهم، ويحتاجون للشفاء منها بالتوبة.
ع12: رجسًا: شهوات نجسة وانحرافات.
تمادوا في الشر والشهوات الدنيئة ببجاحة، ولم يخجلوا من أفعالهم الرخيصة، فكان لابد من معاقبتهم بالسبي.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
(3) عنف الدمار (ع13-17):
13 «نَزْعًا أَنْزِعُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ عِنَبَ فِي الْجَفْنَةِ، وَلاَ تِينَ فِي التِّينَةِ، وَالْوَرَقُ ذَبُلَ، وَأُعْطِيهِمْ مَا يَزُولُ عَنْهُمْ». 14 لِمَاذَا نَحْنُ جُلُوسٌ؟ اِجْتَمِعُوا فَلْنَدْخُلْ إِلَى الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ وَنَصْمُتْ هُنَاكَ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا قَدْ أَصْمَتَنَا وَأَسْقَانَا مَاءَ الْعَلْقَمِ، لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَى الرَّبِّ. 15 اِنْتَظَرْنَا السَّلاَمَ وَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ، وَزَمَانَ الشِّفَاءِ وَإِذَا رُعْبٌ. 16 مِنْ دَانَ سُمِعَتْ حَمْحَمَةُ خَيْلِهِ. عِنْدَ صَوْتِ صَهِيلِ جِيَادِهِ ارْتَجَفَتْ كُلُّ الأَرْضِ. فَأَتَوْا وَأَكَلُوا الأَرْضَ وَمِلأَهَا، الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا. 17 « لأَنِّي هأَنَذَا مُرْسِلٌ عَلَيْكُمْ حَيَّاتٍ، أَفَاعِيَ لاَ تُرْقَى، فَتَلْدَغُكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع13: الجفنة: الكرمة، أي شجرة العنب.
لكثرة خطايا شعبه قرر الله أن يطردهم من بلادهم ويقتلهم بيد البابليين، كما تجمع حبات العنب من الكرمة وثمار التين من شجرته، وعطاياه لهم تؤخذ منهم، وذلك لأنهم لم يجتمعوا حول الله ويعبدوه، بل عبدوا الأوثان وساروا في شهواتهم الردية.
ع14: علقم: مرّ وهو غالبًا نبات الحنظل.
خاف اليهود عند سماعهم بهجوم جيوش بابل، فأسرعوا إلى مدنهم الحصينة ليحتموا فيها، وجلسوا في خوف وصمت، ولم يكن لهم قوة ليحاربوا الأعداء ويدافعوا عن أنفسهم، بل في يأس صمتوا منتظرين الموت، والله تركهم في يأس وصمت لأنهم لم يطلبوه.
ع15: انتظر اليهود أن يأتيهم السلام والشفاء من ضيقتهم الصعبة، كما خدعهم أنبياؤهم ولكنهم للأسف وجدوا بدل السلام حربًا، وبدل الشفاء دمارًا ومصائب وقتلًا، لأنهم اعتمدوا على كذب أنبيائهم، ورفضوا طاعة الله على فم إرميا.
ع16: حمحمة أو صهيل: أصوات الخيل.
تقع دان شمال أورشليم، فمن هناك هجمت جيوش بابل بفرسانها المسلحين، وأصوات الخيل القوية، وخربوا أورشليم واليهودية.
ع17: لا ترقى: لا يستطيع المتخصص في جمع الثعابين أن يجمعها مستخدمًا الرقية، أي أعمال الشياطين.
أفاعى : نوع سام جدًا من الثعابين.
يوضح الله قوة البابليين التي لا يستطيع اليهود مقاومتها، ويشبهها بثعابين تلدغهم بسمومها ولا يمكن مقاومة أو صد هذه الثعابين بكل طرق السحرة الذين يجمعون الثعابين.
† عندما تسمع تهديدات الله للأشرار، أسرع إلى التوبة فتخلص نفسك، وتستعيد سلامك مهما كانت الضيقات التي تحيط بك، وثق في حنان الله الذي يطلب خلاصك باللطف، أو الإنذار.
(4) حزن النبي (ع18-22):
18 مَنْ مُفَرِّجٌ عَنِّي الْحُزْنَ؟ قَلْبِي فِيَّ سَقِيمٌ. 19 هُوَذَا صَوْتُ اسْتِغَاثَةِ بِنْتِ شَعْبِي مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ: « أَلَعَلَّ الرَّبَّ لَيْسَ فِي صِهْيَوْنَ، أَوْ مَلِكَهَا لَيْسَ فِيهَا؟» «لِمَاذَا أَغَاظُونِي بِمَنْحُوتَاتِهِمْ، بِأَبَاطِيلَ غَرِيبَةٍ؟» 20 «مَضَى الْحَصَادُ، انْتَهَى الصَّيْفُ، وَنَحْنُ لَمْ نَخْلُصْ!» 21 مِنْ أَجْلِ سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي انْسَحَقْتُ. حَزِنْتُ. أَخَذَتْنِي دَهْشَةٌ. 22 أَلَيْسَ بَلَسَانٌ فِي جِلْعَادَ، أَمْ لَيْسَ هُنَاكَ طَبِيبٌ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تُعْصَبْ بِنْتُ شَعْبِي؟
ع18: سقيم: مريض.
إذ رأى النبى كل الدمار الذي سيحل في مملكة يهوذا، حزن جدًا وتوجع قلبه، وعبَّر عن ذلك بإعلان حاجته لمن يرفع عنه هذا الحزن لهلاك شعبه.
ع19: منحوتاتهم: تماثيل الآلهة الوثنية.
يعبر النبى عن آلام شعبه الذين سيتم سبيهم إلى بلاد بعيدة ويصرخون من ذلّ العبودية، ويتساءل أين الله ملك اليهود الذي يحميهم؟ لماذا تركهم للسبى والذل؟ .. فيرد عليه الله أنا تركتهم لأنهم تركونى بعبادتهم للأوثان.
ع20: ينتظر الفلاح موعد الحصاد وهو شهرى أبريل ومايو ليفرح بجمع محاصيله. ويعبر هنا عن انتظار شعب الله لينقذهم من البابليين، ومرت شهور الحصاد ومازال التخريب البابلي مستمرًا لمملكة يهوذا، فقال الشعب في نفسه لعله ينقذنا في الصيف عند جمع المحاصيل الصيفية في شهرى يوليو وأغسطس، ولكن للأسف لم ينقذهم الله، وذلك لأنهم لم يتوبوا عن خطاياهم، فحلَّ بهم كل هذا الدمار.
ع21: يعود النبي ويعبر عن أحزان قلبه كأب لهذا الشعب، إذ يرى ذلهم فيتألم داخله ويحزن، بل يتعجب لأجل الدمار الشامل الذي حدث لهم ولهيكل الله، رغم أنه يعلم أن كل هذا بسبب شرورهم ولكنه لا يستطيع إيقاف مشاعره كإنسان، وتألمه لأجلهم.
ع22: بلسان: شجرة ارتفاعها أكثر من أربعة أمتار تعطى رائحة عطرية، وإذا ضربت ساقها بآلة حادة يخرج منها سائل لزج يشبه اللبن، يتجمد سريعًا، ويستخدم كمرهم لعلاج الأمراض، وكان غالى الثمن وهو الذي يسمى نبات البلسم.
جلعاد : منطقة تقع شرق نهر الأردن وتمتد إلى بلاد العرب.
إذ يرى النبي جرحى كثيرين من شعبه وذلًا شديدًا، يصرخ طالبًا الدواء والطبيب لإنقاذهم، ويعطى مثالًا للأدوية، نبات البلسان، المشهور في علاج أمراض كثيرة حتى يداوى جراحات الكثيرين ثم تربط جراحاتهم حتى تشفى. ويقصد بالطبيب والدواء ليس فقط الدواء المادي، بل بالأحرى الروحي، أي يستنجد بالله ليقود شعبه للتوبة ويسامحهم ويرفع غضبه عنهم.
† ليتك تشعر بالبعيدين عن الله والمتألمين وتصلى لأجلهم، وتسعى لردهم للكنيسة حتى يستريحوا من خطاياهم ومتاعبهم، عالمًا أن صلاتك تفيدهم كثيرًا والله يفرح بهم.


تفسير سفر ارميا الاصحاح التاسع

(1) بكاء النبي (ع1، 2):
1 يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلًا قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي. 2 يَا لَيْتَ لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَبِيتَ مُسَافِرِينَ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَنْطَلِقَ مِنْ عِنْدِهِمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، جَمَاعَةُ خَائِنِينَ.
ع1: في حزن إرميا على شعبه أخذ يبكي عليهم، بل تمنى أن يظل يبكى بلا توقف، فيود أن تتحول رأسه إلى ماء وعيناه إلى ينبوع، فيبكى دوامًا على الهالكين من شعبه لأجل شرهم. ويسمى أورشليم "بنت شعبى" إذ أن وضعها الطبيعي هي أن تكون عروس لله، ولكنها انحرفت في الشر لذلك سيهلك أبناؤها.
ع2: مبيت مسافرين: فندق.
إذ لم يحتمل النبي منظر شعبه الغارق في الخطية والذي سيهلك، تمنى أن يبتعد في الصحراء ويجد مكانًا يقيم فيه حتى لا يرى الزنا المنتشر وسط شعبه، سواء الزنا المادي، أو الزنا الروحي بعبادة الأوثان وخيانة الله.
† إن دموعك من أجل خطاياك، أو خطايا الآخرين غالية جدًا عند الله؛ لأنها تعنى محبتك لله والآخرين وتوبتك ورفضك للشر، فأترك مشاعرك تنطلق أثناء الصلاة، واعترف بخطاياك كل يوم أمام الله، وصلى لأجل من يخطئ حولك.
(2) الكذب والمكر (ع3-9):
3 «يَمُدُّونَ أَلْسِنَتَهُمْ كَقِسِيِّهِمْ لِلْكَذِبِ. لاَ لِلْحَقِّ قَوُوا فِي الأَرْضِ. لأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شَرّ إِلَى شَرّ، وَإِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 4 اِحْتَرِزُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَخٍ لاَ تَتَّكِلُوا، لأَنَّ كُلَّ أَخٍ يَعْقِبُ عَقِبًا، وَكُلَّ صَاحِبٍ يَسْعَى فِي الْوِشَايَةِ. 5 وَيَخْتِلُ الإِنْسَانُ صَاحِبَهُ وَلاَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ. عَلَّمُوا أَلْسِنَتَهُمُ التَّكَلُّمَ بِالْكَذِبِ، وَتَعِبُوا فِي الافْتِرَاءِ. 6 مَسْكَنُكَ فِي وَسْطِ الْمَكْرِ. بِالْمَكْرِ أَبَوْا أَنْ يَعْرِفُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 7 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُنَقِّيهِمْ وَأَمْتَحِنُهُمْ. لأَنِّي مَاذَا أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ بِنْتِ شَعْبِي؟ 8 لِسَانُهُمْ سَهْمٌ قَتَّالٌ يَتَكَلَّمُ بِالْغِشِّ. بِفَمِهِ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ بِسَلاَمٍ، وَفِي قَلْبِهِ يَضَعُ لَهُ كَمِينًا. 9 أَفَمَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هذِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمْ لاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟».
ع3: قسيهم: جمع قوس المستخدم في الحرب لرمى السهام.
يشبه ألسنة شعبه بالقسى التي ترمى السهام في الحرب تعبيرًا عن حدة كلامهم وشرهم وسقوطهم في الكذب، الذي يجرحون به مشاعر من حولهم ويضايقونه. وشعروا أن الكذب يعطيهم قوة ومكاسب مادية، فتمادوا فيه ورفضوا التوبة.
ع4: يعقب عقبًا: العقب هو قدم الإنسان من الخلف، ويعقب أي يسعى وراءه ويتعقبه ليسقطه ويحقق مكاسبه الشخصية.
الوشاية : إشاعة كلام زور عند الآخرين عن شخص معين.
ينبه الشعب إلى عدم الإخلاص الذي انتشر بينهم وكثرة الكذب، فلا يستطيع الإنسان أن يضمن أخاه، فالكل أصبحوا مخادعين. وأيضًا كل واحد يتعقب الآخر في أنانية، ويبحث عن مصلحته حتى لو كان على حساب الآخرين، ويثير إشاعات وإفتراءات على الأبرياء ليحقق مكاسبه.
ع5: يختل: يخدعه مستغلًا غفلته.
يظهر تماديهم في الكذب والخداع، فيستغل الواحد طمأنينة الآخر له، فيخدعه ويهاجمه ويدبر مكائد يتعب فيها ليحقق شروره. وبدلًا من أن يتعب لاقتناء الفضائل، يتعب أضعافًا لاقتناء الشر.
† تنازل عن حقوقك، واطرد الأفكار الردية، ولا تنساق وراء الاستفزازات التي تقابلك، حتى تحتفظ بسلامك، وتوجه طاقتك للعمل الإيجابى، أي الاقتراب إلى الله ومحبة الآخرين، فتحقق فائدتك وفائدة من حولك.
ع6: يعاتب شعبه مبينًا انغماسهم في الكذب، فيقول لهم أنهم سكنوا "وسط المكر" وإذ انغمسوا في الشر رفضوا بهذا معرفة الله، فمعرفة الخطية هي طرد لله من القلب، والعكس صحيح فمعرفة الله تطرد الخطية.
ع7: إذ يرى الله إصرارهم على الكذب والخداع، لا يجد وسيلة لإنقاذهم إلا أن يسمح بتأديبهم عن طريق الهجوم البابلي لعلهم يتوبون. ويخاطب أورشليم بأبوة مناديًا لها أنها ابنة شعبه، لعله يحرك محبتها من نحوه. فالضيقة تمتحن الإنسان وتظهر له نتيجة خطيته فيتوب ويتنقى منها.
ع8: يشبه لسانهم الكاذب بسهم يقتل الآخرين؛ لأنه يتكلم بكلام محبة للصديق وفى نفس الوقت يدبر له مؤامرة لقتله، أو استغلاله، كما حدث من يهوذا الإسخريوطى عندما سلم المسيح للموت بقبله.
ع9: يشهدهم الله على أنفسهم، بل يشهد العالم كله أن شعبه المصر على الكذب يستحق العقاب والانتقام من شره، فهو لا ينتقم من أولاده الذين يحبهم، ولكنه يكره شرورهم، وينتقم منها بالضيقات مظهرًا شناعتها حتى يكرهها أولاده.
(3) هدف التجربة (ع10-16):
10 عَلَى الْجِبَالِ أَرْفَعُ بُكَاءً وَمَرْثَاةً، وَعَلَى مَرَاعِي الْبَرِّيَّةِ نَدْبًا، لأَنَّهَا احْتَرَقَتْ، فَلاَ إِنْسَانَ عَابِرٌ وَلاَ يُسْمَعُ صَوْتُ الْمَاشِيَةِ. مِنْ طَيْرِ السَّمَاوَاتِ إِلَى الْبَهَائِمِ هَرَبَتْ مَضَتْ. 11 «وَأَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ رُجَمًا وَمَأْوَى بَنَاتِ آوَى، وَمُدُنَ يَهُوذَا أَجْعَلُهَا خَرَابًا بِلاَ سَاكِنٍ». 12 مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هذِهِ، وَالَّذِي كَلَّمَهُ فَمُ الرَّبِّ، فَيُخْبِرَ بِهَا؟ لِمَاذَا بَادَتِ الأَرْضُ وَاحْتَرَقَتْ كَبَرِّيَّةٍ بِلاَ عَابِرٍ؟ 13 فَقَالَ الرَّبُّ: «عَلَى تَرْكِهِمْ شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا. 14 بَلْ سَلَكُوا وَرَاءَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ إِيَّاهَا آبَاؤُهُمْ. 15 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُطْعِمُ هذَا الشَّعْبَ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ الْعَلْقَمِ، 16 وَأُبَدِّدُهُمْ فِي أُمَمٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ، وَأُطْلِقُ وَرَاءَهُمُ السَّيْفَ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ.
ع10: يظهر إرميا النبي حزنه على أورشليم وبلاد اليهودية التي حولها من أجل خرابها المقبل عليها بواسطة البابليين الذين أحرقوها، فتحولت إلى أرض مهجورة لا يعبر فيها إنسان ولا ماشية ترعى فيها، وحتى الطيور تبتعد عنها لأنها صارت خربة. إنه يعلن نبوته هذه، ليس ليتوجع قلبه فقط، بل لعله يحرك قلوب شعبه، فيخافوا من الدمار المقبل عليهم، ويرجعوا إلى الله.
ع11: بنات آوى: حيوان أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب يعوى دائمًا، ويتصف بالخداع والمكر، ويعيش في الأماكن المهجورة.
يواصل وصف أورشليم واليهودية فيقول أنها ستصير أكوامًا من الحجارة والتراب، وتنتشر فيها الحيوانات المفترسة، مثل بنات آوى، ولا يسكن فيها إنسان.
ع12: يتساءل الله باحثًا عن إنسان روحي يحبه، فيكشف له حكمته من الضيقة التي سيسمح بها لمملكة يهوذا، فيفهم ويعلن حكمة الله للآخرين لعلهم يتوبون. وهذا الحكيم والإنسان الروحي هو إرميا النبي، وعدد قليل من الذين عاشوا مع الله وسط شرور مملكة يهوذا.
ع13: يعلن الله سبب الضيقة وهو رفض شعبه لوصاياه وشريعته، وانسياقهم وراء الأوثان والشهوات الشريرة.
† تستطيع أن تصير حكيمًا وتفهم مقاصد الله من الأحداث التي تمر بك إن سلكت بالاتضاع أمامه، وطلبت إرشاده دائمًا، وعشت حياة التوبة والنقاوة. وإذ تنال هذه الحكمة تثبت في الإيمان وتدعو الآخرين ليتمتعوا بعشرة الله، ويخلصوا من الشر.
ع14: البعليم: جمع بعل، وهو إله وثني للكنعانيين يسمى إله الخصب والمزارع وانتشر في بلادها المختلفة ودعته كل مدينة باسمها مثل بعل فغور. وإذ عاش اليهود بين الكنعانيين عبدوا أيضًا البعليم.
يستكمل الله سبب الدمار المقبل عليهم وهو عنادهم أي إصرارهم على الشر، وتمسكهم بعبادة الأوثان ومن أشهرها عبادة البعليم التي تسلموها من آبائهم، أي أن شعب الله قد رفضوه على مر السنوات وعبدوا الأوثان، فاستحقوا هذا التأديب.
ع15: أفسنتينا: نبات ينمو في فلسطين وعصيره مر وسام.
يعلن الله قوته ويسمى نفسه رب الجنود، ويعلن ارتباطه الخاص بشعبه، فيقول إله إسرائيل، أي أنه الإله القوى والمحب الذي سيؤدب شعبه؛ ويستعير أسماء نباتات مكروهة تنمو في فلسطين وعصيرها مر، وسام إشارة إلى شدة تأديبه.
ع16: عندما سيهجم البابليون لن يدمروا مملكة يهوذا فقط، بل سينقلون الشعب ويبعثرونه في العالم لإلغاء قوميتهم وانتمائهم، بعد أن يقتلوا الكثيرين منهم بإضعافهم وتخويفهم.
(4) رثاء أورشليم (ع17-22):
17 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: تَأَمَّلُوا وَادْعُوا النَّادِبَاتِ فَيَأْتِينَ، وَأَرْسِلُوا إِلَى الْحَكِيمَاتِ فَيُقْبِلْنَ 18 وَيُسْرِعْنَ وَيَرْفَعْنَ عَلَيْنَا مَرْثَاةً، فَتَذْرِفَ أَعْيُنُنَا دُمُوعًا وَتَفِيضَ أَجْفَانُنَا مَاءً. 19 لأَنَّ صَوْتَ رِثَايَةٍ سُمِعَ مِنْ صِهْيَوْنَ: كَيْفَ أُهْلِكْنَا؟ خَزِينَا جِدًّا لأَنَّنَا تَرَكْنَا الأَرْضَ، لأَنَّهُمْ هَدَمُوا مَسَاكِنَنَا». 20 بَلِ اسْمَعْنَ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كَلِمَةَ الرَّبِّ، وَلْتَقْبَلْ آذَانُكُنَّ كَلِمَةَ فَمِهِ، وَعَلِّمْنَ بَنَاتِكُنَّ الرِّثَايَةَ، وَالْمَرْأَةُ صَاحِبَتَهَا النَّدْبَ! 21 لأَنَّ الْمَوْتَ طَلَعَ إِلَى كُوَانَا، دَخَلَ قُصُورَنَا لِيَقْطَعَ الأَطْفَالَ مِنْ خَارِجٍ، وَالشُّبَّانَ مِنَ السَّاحَاتِ. 22 تَكَلَّمَ: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: وَتَسْقُطُ جُثَّةُ الإِنْسَانِ كَدِمْنَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ، وَكَقَبْضَةٍ وَرَاءَ الْحَاصِدِ وَلَيْسَ مَنْ يَجْمَعُ!
ع17، 18: النادبات: نساء متخصصات في إثارة مشاعر الحزانى لأجل انتقال أحبائهم فتنادى بكلمات تحرك القلوب وتبكى الكل.
الحكيمات : النساء المتميزات في الفهم والعقل وتمييز الأمور.
يدعو النبي للبكاء على أورشليم، وإعلان كلمات الحزن، أي الرثاء عليها، مستخدمًا المتخصصات في ذلك وهن النادبات والحكيمات، حتى يحرك مشاعر الكل بالبكاء عليها، لعل هذا يرجعهم إلى الله بالتوبة.
ع19: صهيون: معناها حصن، ويطلق اسمها على الجبل الذي بنيت عليه أورشليم، فالمقصود بصهيون أورشليم.
يظهر الله حزن شعبه عندما هجم عليهم جيش بابل، فهربوا من أمامهم في خزى، وأخذوا يندبون حالهم في حزن.
ع20، 21: ينادى نساء اليهود ليرثين أورشليم ويعلمن بناتهن كيف يحزن عليها، لأن جيش بابل قد هجم على بيوتهن فقفزوا من النوافذ، وقتلوا من في البيوت، وكذلك الأطفال الذين يلعبون حول البيوت والشباب الذين يعملون ويتحركون في الساحات، أي هجم الموت على الجميع.
ع22: يعبِّر عن كثرة القتلى بأنه ستلقى جثثهم في الحقول مثل فضلات الإنسان، أو الحيوان، أو مثل قبضة يد من المحصول الذي يجمعه الفلاح، فتسقط منه وراءه ولانشغاله بجمع المحصول لا يهتم بالقليل الذي يسقط. هكذا سيكون هناك قتلى كثيرون ولا يجمع جثثهم أحد عند هجوم بابل.
† ليتك تبكى على خطاياك التي سببت لك آلامًا كثيرة حتى لا تكررها، وتحترس منها فيما بعد، وتطلب غفران الله، فتنال مراحم إلهية كثيرة.
(5) الحكمة الحقيقية (ع23، 24):
23 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. 24 بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع23: ينبه الله شعبه حتى لا يتكلوا على حكمتهم، أو قوتهم، أو غناهم، فكلها أمور بشرية زائلة، ولكن يتكلوا على الله باتضاع، فيحميهم؛ لأنه ماذا نفعتهم حكمتهم وقوتهم وغناهم أمام الهجوم البابلي ؟! .. بالطبع لم تنفع شيئًا لأجل خطاياهم وابتعادهم عن الله.
ع24: يوضح أن المجد والافتخار هو بمعرفة الله والحياة معه، فيحميه الله ويملأه سلامًا ويخلصه من كل شر ويفرح به.
† اشكر الله على كل عطاياه فهي منه وليست منك، واطلبه قبل كل عمل فيكون معك، ويزداد اتكالك عليه وتمتعك بعشرته.
(6) عقاب الكل (ع25، 26):
25 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ. 26 مِصْرَ وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ غُلْفٌ، وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ غُلْفُ الْقُلُوبِ».
ع25: يعلن الله أنه قريبًا سيعاقب مملكة يهوذا من أجل شرهم، وهم وإن كانوا مختونين بالجسد ولكن قلوبهم مازالت مملوءة بالشر، ثم بعد ذلك سيعاقب الأمم الوثنيين غير المختونين بالجسد لأجل شرهم، فسبب العقاب والتأديب دائمًا هو الخطية. والله يطيل أناته على الأشرار لعلهم يتعظون بتأديب غيرهم من الأشرار فيرجعون إليه.
ع26: مصر: كانت الإمبراطورية الأولى في العالم، وبعد قيام المملكة الأشورية بدلًا منها كانت لا تزال قوية، وظن اليهود أن الالتجاء إليها ينقذهم من أي شر.
يهوذا : مملكة يهوذا أي المملكة الجنوبية لليهود.
أدوم : نسل عيسو الذين يعيشون في جبال سعير.
بنى عمون : نسل لوط وهم جيران اليهود.
موآب : نسل لوط وهم أيضًا جيران لليهود.
مقصوصى الشعر مستديرًا : كان الرجال قديمًا يقصون شعورهم من جميع جوانب رؤوسهم ويتركون دائرة من الشعر أعلى رأسهم إرضاءً لبعض الآلهة الوثنية، فهذا يعنى أنهم أتباع هذا الإله الوثني.
يعلن الله غضبه على الأمم الوثنية مثل مصر وأدوم وبنى عمون وموآب لأجل ميول قلوبهم الشريرة، وكذلك على اليهود لأجل شرهم مع أنهم مختونون بالجسد.
† إن مظهر حياتك في الكنيسة واتصافك بالصفات الخارجية الحميدة لا يكفى لخلاص نفسك. فلا تهتم برأى الناس، بل نقى قلبك بالتوبة لتحيا مع الله وتتمتع بخلاصه.


تفسير سفر ارميا الاصحاح العاشر

(1) مقارنة بين الله والأصنام (ع1-16):
1 اِسْمَعُوا الْكَلِمَةَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. 2 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «لاَ تَتَعَلَّمُوا طَرِيقَ الأُمَمِ، وَمِنْ آيَاتِ السَّمَاوَاتِ لاَ تَرْتَعِبُوا، لأَنَّ الأُمَمَ تَرْتَعِبُ مِنْهَا. 3 لأَنَّ فَرَائِضَ الأُمَمِ بَاطِلَةٌ. لأَنَّهَا شَجَرَةٌ يَقْطَعُونَهَا مِنَ الْوَعْرِ. صَنْعَةُ يَدَيْ نَجَّارٍ بِالْقَدُومِ. 4 بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ يُزَيِّنُونَهَا، وَبِالْمَسَامِيرِ وَالْمَطَارِقِ يُشَدِّدُونَهَا فَلاَ تَتَحَرَّكُ. 5 هِيَ كَاللَّعِينِ فِي مَقْثَأَةٍ فَلاَ تَتَكَلَّمُ! تُحْمَلُ حَمْلًا لأَنَّهَا لاَ تَمْشِي! لاَ تَخَافُوهَا لأَنَّهَا لاَ تَضُرُّ، وَلاَ فِيهَا أَنْ تَصْنَعَ خَيْرًا». 6 لاَ مِثْلَ لَكَ يَا رَبُّ! عَظِيمٌ أَنْتَ، وَعَظِيمٌ اسْمُكَ فِي الْجَبَرُوتِ. 7 مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا مَلِكَ الشُّعُوبِ؟ لأَنَّهُ بِكَ يَلِيقُ. لأَنَّهُ فِي جَمِيعِ حُكَمَاءِ الشُّعُوبِ وَفِي كُلِّ مَمَالِكِهِمْ لَيْسَ مِثْلَكَ. 8 بَلُدُوا وَحَمِقُوا مَعًا. أَدَبُ أَبَاطِيلَ هُوَ الْخَشَبُ. 9 فِضَّةٌ مُطَرَّقَةٌ تُجْلَبُ مِنْ تَرْشِيشَ، وَذَهَبٌ مِنْ أُوفَازَ، صَنْعَةُ صَانِعٍ وَيَدَيْ صَائِغٍ. أَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ لِبَاسُهَا. كُلُّهَا صَنْعَةُ حُكَمَاءَ. 10 أَمَّا الرَّبُّ الإِلهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ، وَلاَ تَطِيقُ الأُمَمُ غَضَبَهُ. 11 هكَذَا تَقُولُونَ لَهُمْ: «الآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ هذِهِ السَّمَاوَاتِ» 12 صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ، مُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ، وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ السَّمَاوَاتِ. 13 إِذَا أَعْطَى قَوْلًا تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِ، وَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ، وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. 14 بَلُدَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ. خَزِيَ كُلُّ صَائِغٍ مِنَ التِّمْثَالِ، لأَنَّ مَسْبُوكَهُ كَذِبٌ وَلاَ رُوحَ فِيهِ. 15 هِيَ بَاطِلَةٌ صَنْعَةُ الأَضَالِيلِ. فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ. 16 لَيْسَ كَهذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ، وَإِسْرَائِيلُ قَضِيبُ مِيرَاثِهِ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ.
ع1، 2: طريق الأمم: عبادة الأوثان.
آيات السموات : تحركات الكواكب والشمس بشكل عظيم إعجازى فتعبدونها.
يحذر الله شعبه من الانسياق في عبادة الأوثان مثل الأمم المحيطة به، والخوف من سلطانها، ومن هذه العبادات عبادة الكواكب والسماء.
ع3: فرائض الأمم: العبادات الوثنية للأمم.
الوعر : الصحراء والمكان المقفر.
القدوم : الشاكوش.
ينبههم الله إلى أن ما يعبده الأمم من الأوثان هو عبارة عن قطع خشبية من شجرة قطعت من الصحراء، أو أى مكان، ثم حولها النجار إلى تمثال مستخدمًا القدوم وأدوات النجارة.
ع4: يظهر ضعف هذه التماثيل بأنها تزين بالمعادن الثمينة من الفضة والذهب، ويعطونها بهاءً ومجدًا، وحتى لا تتكسر بسهولة يثبتونها بالمسامير، ويدقون عليها بالمطارق، أي الشواكيش حتى تصير تمثالًا لأى شخص.
ع5: اللعين: خيال المآتة، وهو خشبتان متعامدتان يعلق عليهما جلباب يحركه الهواء، فتظنه الطيور شخصًا فتطير وتبعد عن الحقل ولا تضر الزرع.
مقثأة : حقل مزروع قثاء (قثة).
يوضح الله ضعف هذه التماثيل، فيشبهها بخيال المآتة الذي يضعه الفلاحون في حقولهم لطرد الطيور الضارة التي تأكل ثمارهم، فهذا التمثال مثل خيال المآتة مجرد منظر ولكن ليس فيه حياة، وهذه الآلهة الوثنية عاجزة لا تستطيع أن تمشى، فيحملها من يعبدونها، وهي بالتالي بلا قيمة لا تضر أحدًا ولا تصنع خيرًا له.
ع6: من ناحية أخرى يعلن إرميا النبي أن الله فوق كل هذه الآلهة الوثنية ولا مجال للمقارنة معه في الجبروت والقوة.
ع7: بك يليق: بك يليق المجد والخوف والخشوع.
يعلن إرميا أن الله هو ملك جميع شعوب العالم وليس الآلهة الوثنية، وهو مستحق الخوف والاحترام.
ع8: بلدوا: صاروا في جهل.
أدب أباطيل : العبادات الوثنية الباطلة بكل آدابها وطقوسها.
كل من يعبد الأوثان هو جاهل وعبادته باطلة؛ لأنه يعبد قطعة خشبية صنعة أيدي البشر ويترك الله الإله الحقيقي.
ع9: مطرقة: تستخدم المطارق في دق وتشكيل المعادن كالفضة والذهب.
ترشيش : مدينة في أسبانيا تقع في نهاية البحر الأبيض المتوسط، ومشهورة بالتجارة، وتعتبر نهاية العالم المعروف وقتذاك.
أوفاز : تسمى أيضًا أوفير وهي مكان في جنوب شبه جزيرة العرب بجوار اليمن مشهور بإنتاج الذهب.
أسمانجونى : أقمشة زرقاء اللون.
أرجوان : أقمشة حمراء داكنة.
حكماء : الصناع المتخصصون.
يعلن أن عظمة هذه التماثيل راجع لتغطيتها بالفضة والذهب وإلباسها ملابس العظماء ذات اللون الأزرق والأحمر.
ع10: يعلن إرميا صفات الله العظيمة وهي:
إله حق.
إله حي.
إله يملك إلى الأبد.
إله قوى، غضبه يهلك كل الأشرار.
ع11: إن كان الله عظيم إلى هذه الدرجة، فالآلهة الوثنية التي لم تخلق السموات والأرض ولم تعمل شيئًا، إذ هي مجرد تماثيل، ستزول، أما الله فسيبقى.
ع12: الله هو خالق العالم كله سواء الأرض أو السموات وكل من يسكن ويحيا فيها.
ع13: يعلن أن الله ضابط الكل الذي يحرك السحاب، وهو كمية من الماء المتبخر، ويحركه من أقصى الأرض إلى أقصائها، ويوجه الرياح من مكان إلى مكان، فهي تخرج بأمر الله، لذا يوضح ذلك بقوله أنها تخرج من خزائنه، أي بأمره ومن عنده.
ع14: ظهر جهل كل إنسان لاعتماده على معرفته الشخصية، بل وشعر بالخجل والخزى كل من اعتمد على الآلهة الوثنية لأنها لن تنفعه وقت الضيقة.
ع15: يظهر بطلان وضعف الآلهة الوثنية، أنه عندما يعاقب الله الوثنيين لا تنفعهم آلهتهم بل تتحطم وتبيد معهم.
ع16: يعلن أن الله إله يعقوب أي إسرائيل، وهو ليس مثل هذه الآلهة الوثنية الضعيفة بل هو خالق ومصور كل الموجودات، وهو ملك على شعبه إسرائيل الذي يعطيهم لأجل إيمانهم به الميراث الأبدي، ويعبر عن ملكه بقضيب الملك، ثم يعلن في النهاية قوته بوصفه أنه رب الجنود، وهو بهذا يدعو شعب الله للابتعاد عن عبادة الأوثان الباطلة والتمسك بعبادة الله القوى الحي إلى الأبد الذي يعطيهم ملكوت السموات.
† كل ما يتعلق به الناس سواء المال، أو المركز، أو العلاقات ... كلها أمور زائلة، فلا تنشغل بها، بل ليتعلق قلبك بالله الذي يملأك سلامًا ويهبك في النهاية الحياة الأبدية معه.
(2) دمار شامل (ع17-22):
17 اِجْمَعِي مِنَ الأَرْضِ حُزَمَكِ أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي الْحِصَارِ. 18 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا رَامٍ مِنْ مِقْلاَعٍ سُكَّانَ الأَرْضِ هذِهِ الْمَرَّةَ، وَأُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لِكَيْ يَشْعُرُوا». 19 وَيْلٌ لِي مِنْ أَجْلِ سَحْقِي! ضَرْبَتِي عَدِيمَةُ الشِّفَاءِ! فَقُلْتُ: «إِنَّمَا هذِهِ مُصِيبَةٌ فَأَحْتَمِلُهَا». 20 خَيْمَتِي خَرِبَتْ، وَكُلُّ أَطْنَابِي قُطِعَتْ. بَنِيَّ خَرَجُوا عَنِّي وَلَيْسُوا. لَيْسَ مَنْ يَبْسُطُ بَعْدُ خَيْمَتِي وَيُقِيمُ شُقَقِي. 21 لأَنَّ الرُّعَاةَ بَلُدُوا وَالرَّبَّ لَمْ يَطْلُبُوا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لَمْ يَنْجَحُوا، وَكُلُّ رَعِيَّتِهِمْ تَبَدَّدَتْ. 22 هُوَذَا صَوْتُ خَبَرٍ جَاءَ، وَاضْطِرَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ لِجَعْلِ مُدُنِ يَهُوذَا خَرَابًا، مَأْوَى بَنَاتِ آوَى.
ع17: حزمك: الأمتعة الخاصة بكل فرد التي يحملها على كتفه في حزمة ليذهب إلى السبي.
ينادى الله على أورشليم المحاصرة من جيش بابل أن يجمع كل واحد من سكانها أمتعته الخاصة؛ لأنهم سيؤخذون أسرى، ويهجرون من أورشليم إلى بلاد مملكة بابل.
ع18: يعلن الله أنه سيضرب سكان أرض مملكة يهوذا بواسطة جيوش بابل التي ستضربهم بالأحجار عن طريق المقاليع، وبكل الأسلحة، مثل السهام والرماح لعلهم إذ يشعرون بهذه المصيبة ويرجعون إلى الله ويتوبون عن خطاياهم التي سببت لهم هذه الضيقة.
ع19: تصرخ أورشليم لأنها قد خُربت بواسطة بابل فانسحقت وتدمرت وأصيبت بضربات لا علاج لها، وليس أمامها إلا أن تحتمل هذا الخراب، وتفهم قصد الله وتتوب.
ع20: أطنابى: هي الحبال المربوطة في قماش الخيمة وتنتهي بالوتد المثبت في الأرض، وكلما طالت هذه الحبال كلما اتسع الظل الذي تحت الخيمة.
شققى : قطع من القماش تكون معًا الخيمة.
يشبه أورشليم بالخيمة، فعندما يهجم عليها جيش بابل تخرب هذه الخيمة وتنزع وتقطع حبالها، ويهرب بنوها منها فلا يوجد من يدافع عنها.
ع22: بنات آوى: حيوان أصغر من الذئب وأكبر من الثعلب وتفترس من يقابلها.
يوضح هجوم بابل الآتي من الشمال بصراخ الجيش الذي دمَّر أورشليم واليهودية وجعلها خربة بلا ساكن، فسكنتها الوحوش مثل بنات آوى.
† اهتم بإنذارات الله لتتوب عن خطاياك، وتبتعد عن الشر، وتستعد للحياة الأبدية، وتحترس من هجمات إبليس بالحياة المقدسة في الكنيسة، فتحيا مطمئنًا وتنمو في طريق الله.
(3) الرجوع لله (ع23-25):
23 عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ. 24 أَدِّبْنِي يَا رَبُّ وَلكِنْ بِالْحَقِّ، لاَ بِغَضَبِكَ لِئَلاَّ تُفْنِيَنِي. 25 اُسْكُبْ غَضَبَكَ عَلَى الأُمَمِ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْكَ، وَعَلَى الْعَشَائِرِ الَّتِي لَمْ تَدْعُ بِاسْمِكَ. لأَنَّهُمْ أَكَلُوا يَعْقُوبَ. أَكَلُوهُ وَأَفْنَوْهُ وَأَخْرَبُوا مَسْكَنَهُ.
ع23: يعلن إرميا نيابة عن شعب الله ضعفه كإنسان لا يستطيع أن يعرف طريق الحياة الأبدية إلا بمعونة الله.
ع24: يعلن أيضًا توبته وحاجته إلى العقاب كتأديب من الله حتى يرجع إليه، وهو تأديب الأب لابنه دون أن يهلكه أي تأديب برحمته. والمقصود بالحق هو المحبة الأبوية والرحمة، أما الغضب فيقصد به العقاب لإهلاك الأشرار.
ع25: إن كان الله قد سمح للأمم في شكل بابل أن تؤدب شعب الله حتى يتوب، ولكنه سيعاقبهم بعد ذلك بغضب شديد لإهلاكهم؛ لأنهم مصرون على رفض الله والإيمان به، فتأديب الله لأولاده حتى يتوبوا، أما غضبه على الأمم الأشرار فلإهلاكهم.
† أشكرك يا رب لأنك حنون علىّ حتى في عقابك لتدعونى إلى التوبة، فانزع بالتأديب كل ميول داخلي إلى الشر لأعرفك وأحبك، وأتقدم في طريقك إلى الملكوت.


​تفسير سفر ارميا الاصحاح الحادى عشر
(1) تجديد العهد (ع1-8):
1 اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «اسْمَعُوا كَلاَمَ هذَا الْعَهْدِ، وَكَلِّمُوا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. 3 فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ كَلاَمَ هذَا الْعَهْدِ، 4 الَّذِي أَمَرْتُ بِهِ آبَاءَكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ كُورِ الْحَدِيدِ قَائِلًا: اسْمَعُوا صَوْتِي وَاعْمَلُوا بِهِ حَسَبَ كُلِّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ، فَتَكُونُوا لِي شَعْبًا، وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا، 5 لأُقِيمَ الْحَلْفَ الَّذِي حَلَفْتُ لآبَائِكُمْ أَنْ أُعْطِيَهُمْ أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا كَهذَا الْيَوْمِ». فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ: «آمِينَ يَا رَبُّ». 6 فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «نَادِ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا، وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: اسْمَعُوا كَلاَمَ هذَا الْعَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهِ. 7 لأَنِّي أَشْهَدْتُ عَلَى آبَائِكُمْ إِشْهَادًا يَوْمَ أَصْعَدْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، مُبْكِرًا وَمُشْهِدًا قَائِلًا: اسْمَعُوا صَوْتِي. 8 فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ سَلَكُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ. فَجَلَبْتُ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَلاَمِ هذَا الْعَهْدِ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَصْنَعُوهُ وَلَمْ يَصْنَعُوهُ».
ع1-3: ينادي الله شعبه في مملكة يهوذا على لسان إرميا ليجددوا العهد مع الله، ومن يرفض هذا العهد، فهو ملعون أي يحرم من بركات الله.
ع4: كور الحديد : فرن يصل إلى درجة حرارة عالية أكثر من 1500 درجة فهرنهيت لصهر الحديد.
يذكر الله شعبه بالعهد الذي قطعه معهم على يد موسى، عندما أخرجهم من أرض مصر وخلصهم من ذل العبودية الشديد، الذي يشبه صعوبته بكور الحديد، وأمرهم أن يطيعوا وصاياه فيكون لهم إلهًا ويرعاهم وهم يصيرون شعبه.
ع5: كان وعد الله في عهده مع شعبه أن يعطيهم أرض مملوءة بالخيرات يعبر عنها بأنها تفيض لبنًا وعسلًا، وهي أرض كنعان الخصبة التي وهبها الله لشعبه بعد عبور برية سيناء.
والعجيب أنه يقول "كهذا اليوم" وكانوا ساكنين في كنعان، فما المقصود بأرض مملوءة بالخيرات إلا أورشليم السمائية المملوءة بالخيرات الروحية التي يعطيها لأولاده حافظي وصاياه.
أجاب إرميا نائبًا عن الشعب الذي يتقى الله، وهو للأسف قليل جدًا، وقال آمين أي أنه يعلن موافقته على هذا العهد أن يحفظ وصايا الله فينال بركاته الأبدية.
ع6: طلب الله من إرميا أن ينادى في أورشليم واليهودية أن الله يدعو شعبه بتجديد العهد معه.
ع7: يذكر الله شعبه بتكرار دعوته لهم حتى يطيعوا وصاياه مبكرًا منذ كانوا في مصر وحتى أيام إرميا.
ع8: يبين الله أن سبب الضيقات التي يمر بها شعبه هو رفضهم لطاعة وصاياه وتركهم عهده وانسياقهم في شهواتهم الشريرة.
† الله في أبوته يبحث عنك لتعود إليه ويذكرك ببنوتك له التي تفتح لك أبواب البركات الإلهية. فتذكر في بداية كل يوم أنك مولود من الله في سر المعمودية لتتمتع بعشرته وتميل إلى عمل الخير في كل حين.
(2) نتائج نقض العهد (ع9-14):
9 وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «تُوجَدُ فِتْنَةٌ بَيْنَ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. 10 قَدْ رَجَعُوا إِلَى آثَامِ آبَائِهِمِ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمِي، وَقَدْ ذَهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا. قَدْ نَقَضَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتُ يَهُوذَا عَهْدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ. 11 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَيْهِمْ شَرًّا لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، وَيَصْرُخُونَ إِلَيَّ فَلاَ أَسْمَعُ لَهُمْ. 12 فَيَنْطَلِقُ مُدُنُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ وَيَصْرُخُونَ إِلَى الآلِهَةِ الَّتِي يُبَخِّرُونَ لَهَا، فَلَنْ تُخَلِّصَهُمْ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ. 13 لأَنَّهُ بِعَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا، وَبِعَدَدِ شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ وَضَعْتُمْ مَذَابحَ لِلْخِزْيِ، مَذَابحَ لِلتَّبْخِيرِ لِلْبَعْلِ. 14 وَأَنْتَ فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ، وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً، لأَنِّي لاَ أَسْمَعُ فِي وَقْتِ صُرَاخِهِمْ إِلَيَّ مِنْ قِبَلِ بَلِيَّتِهِمْ.
ع9: فتنة : مؤامرة وإنقلاب وتمرد على قائد الشعب الذي هو الله.
أوضح الله لإرميا وجود تمرد بين الشعب ورفضهم الخضوع لله قائدهم.
ع10: يبين الله تفاصيل هذه الفتنة بما يلي:
رجوع الشعب إلى خطايا آبائهم وهي الشهوات الشريرة المختلفة.
عبادة الأوثان.
نقض عهد تبعيتهم وبنوتهم وطاعتهم لوصايا الله.
ع11: نتيجة نقض الشعب لعهدهم مع الله يحرمون أنفسهم من رعايته وحمايته، فيتعرضون لضيقة عظيمة وهي الهجوم البابلي والسبي وعندما يطلبون الله لن يستجيب لهم لانغماسهم في الشر وعبادة الأوثان.
ع12: سيلتجئ سكان أورشليم واليهودية إلى الآلهة الوثنية لتخلصهم من هجوم بابل ولكنها لن تفعل لهم شيئًا لأنها مجرد تماثيل.
ع13: يعلن الله بحزن مدى انغماسهم في عبادة الأوثان، إذ صنعوا إلهًا لكل مدينة بل لكل شارع من شوارع أورشليم، وصنعوا في هذه الشوارع مذابح للآلهة الوثنية والتي ظهر ضعفها وخزيها عندما طلبوا معونتها فلم تستطع أن تفعل شيئًا.
ع14: يكلم الله نبيه إرميا موضحًا مدى تمسك شعبه بالشر، فيقول له أن لا يصلي لأجلهم فلن تنفعهم الصلاة لعدم توبتهم.
† إن قابلت ضيقات صعبة، فافحص نفسك لئلا تكون أنت السبب لابتعادك عن الله أو لانغماسك في خطية مزعجة، فتتوب وتخلص من متاعبك.
(3) عتاب محبة (ع15-17):
15 «مَا لِحَبِيبَتِي فِي بَيْتِي؟ قَدْ عَمِلَتْ فَظَائِعَ كَثِيرَةً، وَاللَّحْمُ الْمُقَدَّسُ قَدْ عَبَرَ عَنْكِ. إِذَا صَنَعْتِ الشَّرَّ حِينَئِذٍ تَبْتَهِجِينَ. 16 زَيْتُونَةً خَضْرَاءَ ذَاتَ ثَمَرٍ جَمِيلِ الصُّورَةِ دَعَا الرَّبُّ اسْمَكِ. بِصَوْتِ ضَجَّةٍ عَظِيمَةٍ أَوْقَدَ نَارًا عَلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ أَغْصَانُهَا. 17 وَرَبُّ الْجُنُودِ غَارِسُكِ قَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْكِ شَرًّا، مِنْ أَجْلِ شَرِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِ يَهُوذَا الَّذِي صَنَعُوهُ ضِدَّ أَنْفُسِهِمْ لِيُغِيظُونِي بِتَبْخِيرِهِمْ لِلْبَعْلِ».
ع15: إن كان شعب الله قد رفض عهده ولم تعد تنفعه أي صلاة لأجلهم، ولكنه يحبهم كعروس له فيناديها حبيبتي. ويتعجب الله بصنعهم الشر في بيته ولعدم طاعتهم لوصاياه وشرائعه وأصبحت عبادتهم سطحية، فحرموا من بركات الله التي يعبر عنها باللحم المقدس الذي يقدسه الله لبيته عندما يقدمون ذبائحهم ويأكلون من لحمها. أما الآتي فاللحم المقدس أصبح لحم عادي يأكلونه بشهوة فأفقدهم البركة، وأصبحت مسرتهم بصنع الشر وليس بعبادة الله.
ع16: اهتم الله بشعبه ورعاهم وأعطاهم سلامًا وطمأنينة عندما حفظوا وصاياه وصارت لهم ثمار روحية، هي الفضائل المختلفة، لذا شبههم بشجرة زيتون خضراء أي ممتلئة حيوية وعليها ثمار أي زيتون فيه زيت، وهو يرمز إلى عمل الروح القدس، ولكن عندما رفضوا عهده سمح لجيوش بابل بالهجوم عليهم وحرق مدينتهم أورشليم، فهجموا عليها بضجة وصراخ وكسروا أغصانها بعد أن هدموها.
ع17: سمح الله بالضيق والشر على أورشليم واليهودية لأنهم صنعوا شرورًا كثيرة، فرغم أن الله هو غارس هذه الزيتونة، ولكنه تركها تكسر وتحرق، إذ أن شرورهم جاءت عليهم، بسبب إغاظتهم، وكانت النتيجة هي خرابهم لتخلى الله عنهم، فعبادتهم للآلهة الغريبة وأهمها عبادة البعل هي سبب مصيبتهم.
† تذكر أن مكانك الطبيعي هو حضن الله، فتحيا مطمئنًا وتمتلئ حياتك بالفضائل وتحمى نفسك من حروب الشياطين لأنك في حماية الله.
(4) شكوى إرميا (ع18-23):
18 وَالرَّبُّ عَرَّفَنِي فَعَرَفْتُ. حِينَئِذٍ أَرَيْتَنِي أَفْعَالَهُمْ. 19 وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا عَلَيَّ أَفْكَارًا، قَائِلِينَ: «لِنُهْلِكِ الشَّجَرَةَ بِثَمَرِهَا، وَنَقْطَعْهُ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَلاَ يُذْكَرَ بَعْدُ اسْمُهُ». 20 فَيَا رَبَّ الْجُنُودِ، الْقَاضِيَ الْعَدْلَ، فَاحِصَ الْكُلَى وَالْقَلْبِ، دَعْنِي أَرَى انْتِقَامَكَ مِنْهُمْ لأَنِّي لَكَ كَشَفْتُ دَعْوَايَ. 21 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ أَهْلِ عَنَاثُوثَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ قَائِلِينَ: لاَ تَتَنَبَّأْ بِاسْمِ الرَّبِّ فَلاَ تَمُوتَ بِيَدِنَا. 22 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: «هأَنَذَا أُعَاقِبُهُمْ. يَمُوتُ الشُّبَّانُ بِالسَّيْفِ، وَيَمُوتُ بَنُوهُمْ وَبَنَاتُهُمْ بِالْجُوعِ. 23 وَلاَ تَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ، لأَنِّي أَجْلِبُ شَرًّا عَلَى أَهْلِ عَنَاثُوثَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ».
ع18: عرّف الله إرميا بما سيحدث لمملكة يهوذا وعرّفه أيضًا بمؤامراتهم ضده وبمحاولتهم قتله لأجل توبيخه لهم.
ع19: داجن : أليف يربى في البيوت والحظائر الخاصة.
يشتكى إرميا لله أنه عاش في ألفته مع شعبه ومحبته الأبوية مثل الخروف الذي يربونه في بيوتهم، ولكنهم بغدر قاموا عليه لذبحه وقتله. ويشبه نفسه أيضًا بشجرة يحاولون قلعها بثمارها أي يقتلونه ويصير من الموتى. كل هذا لأنه يحبهم ويوبخهم ليرجعوا إلى الله بالتوبة.
وهذه نبوة واضحة عن المسيح، فإرميا يرمز له لأن المسيح بشَّرهم بملكوته ودعاهم للتوبة، فقاموا عليه وصلبوه ولكن بموته خلصنا من خطايانا.
ع20: كشفت دعواى : قدمت شكوتى.
ينادى الله العارف بقلوب الناس وما يخفونها من شر أو خير لينتقم من شرورهم ويؤدبهم بعقابه لعلهم يتوبون، فهو لا يطلب الانتقام منهم لغضبه عليهم ولكن لتأديبهم ليتوبوا لأنهم أولاده. وقد قدم شكواه إلى الله القادر على كل شيء لذا يصفه برب الجنود.
ع21: عنانوث : مدينة قريبة تقع في شمال أورشليم وفيها ولد وتربى إرميا.
قام الكل على إرميا لتوبيخه لهم، حتى أهل بلده عناثوث حاولوا منعه من التنبؤ وإعلان صوت الله، وهدّدوه بالقتل إن فعل هذا.
ع22: يُعلن الله أنه سيعاقب مملكة يهوذا، فيموت الشبان الأقوياء بسيف جيش بابل، أما البنات اللاتي يمثلون الضعيف من الشعب، فيمتن بالجوع نتيجة حصار أورشليم. كل هذا بسبب رفضهم لسماع صوت الله على فم إرميا.
ع23: يعلن الله أنه سيعاقب مدينة عناثوث عقابًا شديدًا، فيفنيها ويهلكها لأنه كان المفروض أن تكون أول من يسمع كلام نبيهم إرميا لأنه منها.
† إن سقطت في ضيقة فقدم شكواك لله قبل أي إنسان، فهو يحبك أكثر من الكل، وفى نفس الوقت قادر على إنقاذك من جميع الناس.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى عشر

(1) نجاح الأشرار المؤقت (ع1-4):
1 أَبَرُّ أَنْتَ يَا رَبُّ مِنْ أَنْ أُخَاصِمَكَ. لكِنْ أُكَلِّمُكَ مِنْ جِهَةِ أَحْكَامِكَ: لِمَاذَا تَنْجَحُ طَرِيقُ الأَشْرَارِ؟ اِطْمَأَنَّ كُلُّ الْغَادِرِينَ غَدْرًا! 2 غَرَسْتَهُمْ فَأَصَّلُوا. نَمَوْا وَأَثْمَرُوا ثَمَرًا. أَنْتَ قَرِيبٌ فِي فَمِهِمْ وَبَعِيدٌ مِنْ كُلاَهُمْ. 3 وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَنِي. رَأَيْتَنِي وَاخْتَبَرْتَ قَلْبِي مِنْ جِهَتِكَ. اِفْرِزْهُمْ كَغَنَمٍ لِلذَّبْحِ، وَخَصِّصْهُمْ لِيَوْمِ الْقَتْلِ. 4 حَتَّى مَتَى تَنُوحُ الأَرْضُ وَيَيْبَسُ عُشْبُ كُلِّ الْحَقْلِ؟ مِنْ شَرِّ السَّاكِنِينَ فِيهَا فَنِيَتِ الْبَهَائِمُ وَالطُّيُورُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «لاَ يَرَى آخِرَتَنَا».
ع1: أخاصمك: أصير لك خصمًا.
يتجاسر إرميا ويناقش الله في نجاح الأشرار، لأنه تعب من قسوتهم وإساءاتهم نحوه، ولكنه يبدأ الكلام باتضاع فيقول لله أنك بار وقدوس وأعلى من أن أقف أمامك خصمًا وأناقشك، فأنا إنسان حقير، ولكن أسألك لأتعلم ما هي حكمتك في تدبير البشر. فإن عقلى لا يفهم لماذا ينجح الأشرار في حياتهم المادية ويتسلطون ويسيئون إلى أولاد الله، بل من ثقتهم في سلطانهم وشرهم صاروا مطمئنين وواثقين في قدرتهم على الإساءة إلى الأبرار. وهو هنا يكرر كلام المزمور (مز119: 137).
ع2: أرجع إرميا الأشرار إلى أعمال الله الخيرة معهم، فهو الذي أعطاهم بركات متمثلة في خيرات وثمار مادية، ولكنهم للأسف استخدموها في الشر وتركوا الله، بالإضافة إلى سقوطهم في خطية الرياء، إذ تكلموا عن الله وقدموا عبادات بالفم، ولكنهم رفضوا الله من داخلهم الذي عبرت عنه الآية بكلاهم وهى جمع كلية.
ويظن البعض أن يوشيا الملك الذي اهتم ببناء الهيكل وإزالة الأوثان ونشر كلمة الله، عندما قتل في معركته مع ملك مصر "نخاو"، شمت فيه الأشرار الذين يعبدون الأوثان وأساءوا إلى كل الأبرار وأولهم إرميا، لذا فمن عمق الضيقة نطق إرميا بهذه الكلمات مستنجدًا بالله لينقذه من أيديهم.
ع3: يذكر إرميا الله بأنه من خاصته، فالله يعرف قلب إرميا وإيمانه وحياته معه، حتى ينقذه من الأشرار ثم يؤدبهم ليتوبوا. ويشبههم بأغنام يعدها الله للذبح ويعلن لهم أنه سيهلكهم لعلهم يخافون ويتوبون، فهو يطلب معونة الله لرفع إساءات الأشرار عنه وتخويفهم من الهلاك بيد بابل فيرجعوا إلى الله. فالفرز للذبح أو التخصيص للقتل ليس معناه ذبحهم أو قتلهم، بل إعدادهم للقتل، حتى إذ يروا الموت مقبلًا عليهم يتوبوا ويتركوا شرورهم.
ع4: يشبه إرميا الأرض بامرأة حزينة تبكى على ما حدث لها، فشعبها أي المحاصيل المزروعة فيها قد يبست، وقل الطعام وزاد الجوع بالإضافة إلى موت البهائم والطيور، كل هذا من غضب الله على اليهود الأشرار الساكنين في مملكة يهوذا، الذين عبدوا الأوثان وتركوا عبادة الله وتمادوا في شهواتهم النجسة، وفى كبرياء استهانوا بالغضب الإلهي الآتي عليهم ليتوبوا وقالوا إن الله لا يرى آخرتنا أي لا يعرف مصيرنا، بدلًا من أن تقودهم الضيقة إلى التوبة ليكون لهم آخرة حسنة عند الله.

ويرى بعض الآباء أن الأرض التي تنوح يقصد بها الملاك المسئول عن أرض يهوذا، فهو يبكى على شرورهم واستهانتهم بالغضب الإلهي لأن كل مملكة لها ملاك يشفع فيها أمام الله.
† لا تنزعج من نجاح الأشرار وسلطانهم وتهديداتهم واستهانتهم بأمانتك وطهارتك، بل ثابر في جهادك واثقًا أن الله معك ويسندك ويفرح قلبك في النهاية عندما تزول كل عظمة الأشرار ويلقون في العذاب الأبدي.
(2) تشجيع الله لأرميا (ع5، 6):
5 « إِنْ جَرَيْتَ مَعَ الْمُشَاةِ فَأَتْعَبُوكَ، فَكَيْفَ تُبَارِي الْخَيْلَ؟ وَإِنْ كُنْتَ مُنْبَطِحًا فِي أَرْضِ السَّلاَمِ، فَكَيْفَ تَعْمَلُ فِي كِبْرِيَاءِ الأُرْدُنِّ؟ 6 لأَنَّ إِخْوَتَكَ أَنْفُسَهُمْ وَبَيْتَ أَبِيكَ قَدْ غَادَرُوكَ هُمْ أَيْضًا. هُمْ أَيْضًا نَادَوْا وَرَاءَكَ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تَأْتَمِنْهُمْ إِذَا كَلَّمُوكَ بِالْخَيْرِ.
ع5: يعاتب الله إرميا على ضعفه وعدم احتماله لإساءات الأشرار، ويوضح أنه سمح له بضيقات على قدر قامته الروحية، ولكن هناك ضيقات أكبر لم يسمح له بها، ويشبه ضيقته بمباراة في الجرى مع مجموعة من البشر، هذا هو ما حدث مع إرميا في عدم احتماله للأشرار، ولكن إن دخل في مباراة جرى مع الخيل، مثل دخوله في حرب مباشرة مع الشياطين، فهذا أصعب بكثير من احتمال إساءات الأشرار المحيطين به.
ويعطى تشبيهًا آخر لما يحدث من إساءات لإرميا وهو وجوده في أرض السلام، أي وادي سهل، ولكنه لم يستطع أن يمشى فيه بل سقط وانبطح على وجهه، فكيف يسير في نهر الأردن أثناء فيضانه، فهو لن يستطيع العبور فيه لعمقه وسيغرق بالتأكيد.
فالله يؤكد له أنه سمح له بتجارب على قدر طاقته وهو معه يسنده فيها فلا ينزعج.
ع6: نادوا عليك بصوت عالٍ: قالوا كلام شرير عليك وانتهروك لمنعك من التنبؤ.
يوضح الله لإرميا أنه يشعر به وبكل ما يعانيه، فهو يعرف أن أهل مدينته عناثوث أي إخوته وأقرباءه قد تخلوا عنه ووقفوا ضده وحاولوا منعه عن المناداة بكلام الله، وينبهه حتى لا يأتمنهم على نفسه لو كلموه بكلام طيب، فهم أشرار غادرون ويجب أن يحترس منهم.
† إطمئن إن الله لا يسمح لك بتجربة فوق طاقتك وهو يشعر بكل معاناتك ومتعاطف معك ويسندك ويحميك من مؤامرات الأشرار، فهو إلهك الذي يحبك ويحميك ويخرجك من كل الضيقات ويعطيك تعزيات ثم أمجاد الملكوت.
(3) شرور اليهود ورعاتهم (ع7-13):
7 «قَدْ تَرَكْتُ بَيْتِي. رَفَضْتُ مِيرَاثِي. دَفَعْتُ حَبِيبَةَ نَفْسِي لِيَدِ أَعْدَائِهَا. 8 صَارَ لِي مِيرَاثِي كَأَسَدٍ فِي الْوَعْرِ. نَطَقَ عَلَيَّ بِصَوْتِهِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَبْغَضْتُهُ. 9 جَارِحَةٌ ضَبُعٌ مِيرَاثِي لِي. اَلْجَوَارِحُ حَوَالَيْهِ عَلَيْهِ. هَلُمَّ اجْمَعُوا كُلَّ حَيَوَانِ الْحَقْلِ. اِيتُوا بِهَا لِلأَكْلِ. 10 رُعَاةٌ كَثِيرُونَ أَفْسَدُوا كَرْمِي، دَاسُوا نَصِيبِي. جَعَلُوا نَصِيبِي الْمُشْتَهَى بَرِّيَّةً خَرِبَةً. 11 جَعَلُوهُ خَرَابًا يَنُوحُ عَلَيَّ وَهُوَ خَرِبٌ. خَرِبَتْ كُلُّ الأَرْضِ، لأَنَّهُ لاَ أَحَدَ يَضَعُ فِي قَلْبِهِ. 12 عَلَى جَمِيعِ الرَّوَابِي فِي الْبَرِّيَّةِ أَتَى النَّاهِبُونَ، لأَنَّ سَيْفًا لِلرَّبِّ يَأْكُلُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. لَيْسَ سَلاَمٌ لأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ. 13 زَرَعُوا حِنْطَةً وَحَصَدُوا شَوْكًا. أَعْيَوْا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا، بَلْ خَزُوا مِنْ غَلاَّتِكُمْ، مِنْ حُمُوِّ غَضَبِ الرَّبِّ».
ع7: من أجل شرور مملكة يهوذا اضطر الله أن يتخلى عنهم ويسمح لهم بالقتل والسبي على يد بابل. ولكن أبوته جعلته يتوجع عليهم ويدعوهم "بيتى وميراثى وحبيبتي". فكان يتمنى أن يظلوا في عبادته ويتمتعوا برعايته فينالوا ميراثهم الأبدي الذي أعده لهم.
† ليتك تتذكر محبة الله نحوك واشتياقاته أن يأخذك في أحضانه، وأنك هيكل لله ومخصص له حتى ترفض الخطية مهما كانت محببة إلى قلبك ومهما اعتدتها أو شجعك الناس عليها، فلا تجرح مشاعر الله بل ارفض الخطية لأجله حتى لا تحرم نفسك من حبه وتتعرض للهلاك الأبدي.
ع8: بحزن يشبه الله شعبه بأسد يقف ضده مستخدمًا الإمكانيات التي وهبها له ليتحداه بشروره وعبادته للأوثان. وجعل أرض الميعاد المقدسة قفرًا وزالت منها كل القداسة فدعاها وعرًا. وبدلًا من أن ينطق بتسبيح الله تذمر عليه ونطق عليه بكلمات شريرة وأغاظه بخطاياه.
من أجل كل هذا الشر أبغضه الله أي أبغض خطاياه واضطر أن يتخلى عنه ويؤدبه لعله يتوب ويرجع إليه.
ع9: يواصل إظهار تحدى شعبه له ويوضح عنفه وقسوته وتماديه في الشر، فيشبهه بأحد الطيور الجوارح التي تنقض على فرائسها وتنهش لحمها، هكذا شعب الله أساءوا إليه ودنسوا هيكله ومدينته المقدسة أورشليم بالأوثان.
ويشبههم أيضًا بالضبع لقسوته وافتراسه لغيره من الحيوانات كما يسئ كل إنسان إلى صاحبه.
ولذا سمح الله بجيش بابل أن يحاصر أورشليم وينقض عليها ويدمرها مثل الجوارح التي تنقض على فرائسها.
ويشبه اليهود سكان أورشليم واليهودية بحيوانات الحقل التي تفترسها الوحوش الكثيرة بسهولة، أي جيوش بابل التي تقتل وتدمر مملكة يهوذاِ.
ع10: يتألم الله لأن رعاة شعبه، أي الملوك والرؤساء والكهنة والأنبياء الكذبة، قد أضلوا شعبه، فتخلى عنهم الله وتعرضوا للدمار والخراب بيد بابل مع أنهم شعبه المخصّص للحياة معه والذي يشتهيه الله وكان يتمنى أن يحيا معه.
ع11: جعلوه خرابًا: يستكمل كلامه في الآية السابقة أن الرعاة جعلوا أورشليم واليهودية خرابًا بإبعادهم الشعب عن الله وعدم تعليمهم الحق، فهجمت عليهم وخربت أرضهم.
ينوح علىّ وهو خرب : الشعب ينوح على كتف الله، وفى ترجمة أخرى "ينتحبوا أمامي" بعد أن صار خرابًا، ولكن بكاء الرعاة والشعب على خراب مملكة يهوذا للأسف لم يكن توبة ولم يرجعوا إلى الله بإيمان مستقيم بل كان مجرد تأثر للمصيبة التي حدثت.
ضربت كل الأرض لأنه لا أحد يضع في قلبه : لم يضع أحد الله في قلبه ولم يتب فاستمر الخراب والسبي سبعين سنة.
لم يقم الرعاة بواجبهم وابعدوا الشعب عن الله، فخربت مملكة يهوذا، وعندما خربت، بكوا عليها ولكن ليس بكاء التوبة والرجوع إلى الله.
ع12: الروابى: جمع (رابية) أي تل أو مكان مرتفع.
هجم جيش بابل على مملكة يهوذا، فخربوا الوديان والأماكن المرتفعة وهي التي بنى عليها اليهود معابد للأوثان، فهدموا ونهبوا كل ثمين فيها وقتلوا من صادفهم بالسيف. وهكذا أصبح كل اليهود في خوف وذعر لأن الكل معرض للقتل والنهب والتخريب. ويدعو "سيف بابل" "سيف الرب" إذ أن الله هو الذي سمح لبابل أن تؤدب شعبه حتى يتوبوا ويرجعوا إلى إيمانهم الأول.
ع13: منع الله البركة عن أولاده الساكنين في أورشليم واليهودية، فلما زرعوا حقولهم لم تعطهم الثمار المطلوبة بل محاصيل ضعيفة جدًا يُعبر عنها بالشوك، أي عدم البركة كما أعطت الأرض لآدم قديمًا شوكًا وحسكًا بدلًا من النباتات المورقة المملوءة ثمارًا التي في الجنة، فكان تعبهم في الزراعة أو الصناعة أو أي حرفة لا يجدى، وصاروا في خزى من عدم حصولهم على ثمار وغلات من تعبهم، هذا بسبب غضب الله الشديد عليهم الذي أظهره لهم بغرض دعوتهم للتوبة.
† إذا تعطلت بعض أعمالك أو دخلت في ضيقات مادية أو مشاكل ليس لها حل بكل الطرق البشرية، فاسأل نفسك هل الله راضى عنك؟ وإن كنت في علاقة معه فهل أنت في نمو روحي أم تركت محبتك الأولى وخدمتك التي كنت تخدمها؟ إن الله يحبك ويطلبك بكل الطرق لتعود إلى أحضانه.
(4) عقاب الأمم المحيطة وتوبتهم (ع14-17):
14 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِي الأَشْرَارِ الَّذِينَ يَلْمِسُونَ الْمِيرَاثَ الَّذِي أَوْرَثْتُهُ لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ: «هأَنَذَا أَقْتَلِعُهُمْ عَنْ أَرْضِهِمْ وَأَقْتَلِعُ بَيْتَ يَهُوذَا مِنْ وَسْطِهِمْ. 15 وَيَكُونُ بَعْدَ اقْتِلاَعِي إِيَّاهُمْ، أَنِّي أَرْجعُ فَأَرْحَمُهُمْ، وَأَرُدُّهُمْ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى مِيرَاثِهِ، وَكُلَّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 16 وَيَكُونُ إِذَا تَعَلَّمُوا عِلْمًا طُرُقَ شَعْبِي أَنْ يَحْلِفُوا بِاسْمِي: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، كَمَا عَلَّمُوا شَعْبِي أَنْ يَحْلِفُوا بِبَعْل، أَنَّهُمْ يُبْنَوْنَ فِي وَسْطِ شَعْبِي. 17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَإِنِّي أَقْتَلِعُ تِلْكَ الأُمَّةَ اقْتِلاَعًا وَأُبِيدُهَا، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع14: يلمسون: يعتدون على.
الميراث الذي أورثته لشعبى إسرائيل : أرض كنعان أي أرض الميعاد.
هذه نبوة عن الأمم الذين يعيشون حول شعب الله سواء القريبين أو البعيدين والذين سمح الله لهم أن يعتدوا ويخربوا بلاد شعبه مثل أشور وبابل. فيتنبأ الله عليهم بفم إرميا أنه سيخربهم كما خرب مملكة إسرائيل وسيخرب مملكة يهوذا.
ع15: ثم يتنبأ الله عن شعبه أنه بعد اقتلاعهم من أرضهم وسبيهم وتخريب مدنهم، أن يرحمهم ويعيدهم ثانية من السبي فيبنون مدنهم ويقدمون عبادة لله في هيكله بأورشليم.
ع16: أما بالنسبة للأمم الذين علموا شعب الله عبادة الأوثان والتي أشهرها عبادة البعل والحلف به، فهؤلاء إن آمنوا بالله وتابوا وتركوا خطاياهم يرحمهم الله ويعود فيبنيهم بعد أن خربهم. وهذا ما حدث عندما آمنت الأمم بالمسيحية، فصاروا حجارة حية في الكنيسة مبنيين في البناء الروحي ويسلكون في طريق الله ويدعون لاسمه.
ع17: ولكن الأمم الوثنية التي تصر على شرورها، سيخربها الله ويبيدها ولا تعود تُبنى ثانية. وهذا رمز للهلاك الأبدي للأشرار المصرين على خطاياهم.
† إن الله رحيم ولا يريد إهلاك البشر حتى من يتحدونه، فثق أنه يحبك مهما عملت من شرور وارجع إليه فيغسلك من خطاياك ويبنيك فتصير عظيمًا ونقيًا وتصلح لملكوت السماوات الذي أعده لك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثالث عشر

(1) المنطقة الكتانية (ع1-11):
1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ وَاشْتَرِ لِنَفْسِكَ مِنْطَقَةً مِنْ كَتَّانٍ وَضَعْهَا عَلَى حَقْوَيْكَ وَلاَ تُدْخِلْهَا فِي الْمَاءِ». 2 فَاشْتَرَيْتُ الْمِنْطَقَةَ كَقَوْلِ الرَّبِّ وَوَضَعْتُهَا عَلَى حَقْوَيَّ. 3 فَصَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ ثَانِيَةً قَائِلًا: 4 «خُذِ الْمِنْطَقَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتَهَا الَّتِي هِيَ عَلَى حَقَوَيْكَ، وَقُمِ انْطَلِقْ إِلَى الْفُرَاتِ، وَاطْمِرْهَا هُنَاكَ فِي شَقِّ صَخْرٍ». 5 فَانْطَلَقْتُ وَطَمَرْتُهَا عِنْدَ الْفُرَاتِ كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ. 6 وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِي: «قُمِ انْطَلِقْ إِلَى الْفُرَاتِ وَخُذْ مِنْ هُنَاكَ الْمِنْطَقَةَ الَّتِي أَمَرْتُكَ أَنْ تَطْمِرَهَا هُنَاكَ». 7 فَانْطَلَقْتُ إِلَى الْفُرَاتِ، وَحَفَرْتُ وَأَخَذْتُ الْمِنْطَقَةَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَمَرْتُهَا فِيهِ. وَإِذَا بِالْمِنْطَقَةِ قَدْ فَسَدَتْ. لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ. 8 فَصَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: 9 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا أُفْسِدُ كِبْرِيَاءَ يَهُوذَا، وَكِبْرِيَاءَ أُورُشَلِيمَ الْعَظِيمَةِ. 10 هذَا الشَّعْبُ الشِّرِّيرُ الَّذِي يَأْبَى أَنْ يَسْمَعَ كَلاَمِي، الَّذِي يَسْلُكُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ وَيَسِيرُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدَهَا وَيَسْجُدَ لَهَا، يَصِيرُ كَهذِهِ الْمِنْطَقَةِ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ. 11 لأَنَّهُ كَمَا تَلْتَصِقُ الْمِنْطَقَةُ بِحَقْوَيِ الإِنْسَانِ، هكَذَا أَلْصَقْتُ بِنَفْسِي كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا، يَقُولُ الرَّبُّ، لِيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَاسْمًا وَفَخْرًا وَمَجْدًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.
ع1: المنطقة: ما يلبس من ملابس داخلية على الوسط ويغطى الفخذين.
أراد الله إظهار كبرياء شعبه الذي سبب له ضيقة السبي فقدم لهم هذا المثل إذ طلب من أرميا أن يشترى لنفسه منطقة من كتان وهو يرمز للنقاوة وكان لباس الكهنة أي أن الله أعطى شعبه النقاوة وحياة البر ولكنهم رفضوها. وطلب منه أن لا يغسلها في الماء إذ أنها جديدة ولا تحتاج لهذا الغسل فهذا يرمز إلى أن الله ألبسهم البر ولم يحوجهم إلى شيء. بالإضافة إلى أن الغسل بالماء يفقد المنطقة شدتها فتصير رخوة لا تقوم بعملها جيدًا في ستر الجسم بشدة أي أن الله حفظهم من كل ضعف.
ع2: أطمرها: أدفنها.
طلب الله من إرميا أن يأخذ المنطقة الكتانية الجديدة التي اشتراها ويرمز هذا للبر الذي ناله شعب الله والتصق به كما الملابس للجسد واشتراه أي اهتم باقتنائه ووهبه له الله. أخذ هذه المنطقة وسافر إلى نهر الفرات في العراق وهي مسافة طويلة حوالي 350 ميلًا من أورشليم ودفن هذه المنطقة في شق صخر وغطاها بالتراب وهذا يرمز لإذلال بابل لشعب الله وسبيهم إليها لأنهم أفسدوا بر الله الموهوب لهم بكبريائهم وعبادتهم للأوثان.
والصخرة ترمز لقوتهم البشرية واعتمادهم على كبريائهم وعنادهم. وقد سافر إرميا في أول مرة ذهابًا وإيابًا إلى الفرات 700 ميل والمرة الثانية التي في الأعداد التالية سافر أيضًا إلى الفرات أي حوالي 700 ميلًا فقد سافر 1400 ميل ليعلن مدى العناء الذي سيلاقيه شعب الله في السبي لنقلهم من مدنهم إلى بلاد بابل.
ع6، 7: بعد أيام: بعد فترة قد تكون عدة شهور.
بعد فترة طلب الله من إرميا أن يسافر إلى الفرات ويخرج المنطقة الكتانية التي دفنها في شق الصخر ففعل كما أمره الرب وحفر وأخرج المنطقة المدفونة فوجدها قد فسدت ولا تصلح أن يلبسها أو يستخدمها في شيء. وهذا يرمز إلى ضياع كرامة وبر شعب الله عندما عبد الأوثان وتكبروا ففقدوا قداستهم وكرامتهم وقوميتهم وبعثرتهم بابل في بلاد مملكتها لأنهم تركوا الله.
ع8، 9: أعلن الله قصده من هذا المثل بأنه سيفسد كبرياء شعبه الساكن في مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم بالسبي البابلي.
ع10: وكما فسدت المنطقة الكتانية هكذا ستفسد كرامة شعب الله لأنه عبد الأوثان واعتمد عليها بكبرياء.
ع11: يعاتب الله شعبه بحزن مظهرًا محبته الشديدة لهم وقد ألصقهم به كشعب خاص لهم إذ أخرجهم من أرض مصر وحفظهم في البرية وأدخلهم أرض الميعاد وسكن في وسطهم كما يظهر من مثل المنطقة الملتصقة بالجسد ولكنه للأسف رفضوا الله وفسدوا ودخلوا في الذل على يد بابل.
† الكبرياء هي أصل كل الشرور فإن أخطأت ارجع إلى الله باتضاع وتذلل وتوبة ولا تستند على إمكانياتك وذكائك بل اعترف بخطأك أمام الله واعتذر للآخرين فيسامحك ويرفع عنك كل ضيق وتستعيد سلامك.
(2) زق الخمر (ع12-14):
12 « فَتَقُولُ لَهُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: كُلُّ زِقّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا. فَيَقُولُونَ لَكَ: أَمَا نَعْرِفُ مَعْرِفَةً أَنَّ كُلَّ زِقّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا؟ 13 فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَمْلأُ كُلَّ سُكَّانِ هذِهِ الأَرْضِ وَالْمُلُوكَ الْجَالِسِينَ لِدَاوُدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَالْكَهَنَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ سُكْرًا. 14 وَأُحَطِّمُهُمُ الْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ، الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ مَعًا، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَتَرَأَّفُ وَلاَ أَرْحَمُ مِنْ إِهْلاَكِهِمْ».
ع12: زق: إناء جلدى يوضع فيه الخمر أو السوائل.
المثل الثاني الذي يقدمه الله لشعبه ليتوبوا هو أن كل زق يمتلئ بالخمر هكذا تعودوا أن يملأوا زقاقهم بالخمر ويحفظونها ويشربوا منها في بيوتهم فاختار الله هذا المثل المعتاد في حياتهم فأجابوا إرميا عندما قالوا له هذا إنك لم تضف قليلًا لأننا نعلم أن كل زق نملأه بالخمر ونحفظه في بيوتنا وهكذا لم يفهموا إلا المعنى الحرفي لأنهم سطحيون ومتكبرون وليس عندهم فهم روحي فلم يفهموا أن حياتهم قد امتلأت مثل الزق بالشهوات التي انغمسوا فيها وسكروا بها أي فقدوا عقولهم وتميزهم، وصاروا كالحيوانات في شهواتهم وعبدوا التماثيل وتركوا الله الإله الحقيقي.
ع13: إذ لم يفهموا المقصود من المثل شرحه الله لهم على فم إرميا بأن الله تركهم لشهواتهم وتخلى عنهم لكبريائهم، الشعب ورؤساؤه من الملوك والأنبياء والكهنة الذين فقدوا تميزهم مثل السكارى.
ع14: من أجل انغماسهم في الشهوات ورفضهم الله يسمح لبابل أن تحطمهم الكبير والصغير ولا يرحمهم الله لأنهم مصرون على خطاياهم.
† احترس من كثرة المشاغل لأنها ستبعدك تدريجيًا عن الله ثم تقودك بهدوء إلى الخطية دون أن تشعر حتى تنغمس فيها لأنك قد تركت الله وفقدت حمايتك. تمسك بنظام روحي في صلواتك وقراءاتك كل يوم بالإضافة إلى اعترافك وتناولك بهذه الأربعة تجد طريق خلاصك وسط العالم.
(3) الكبرياء يضل أورشليم (ع15-21):
15 اِسْمَعُوا وَاصْغَوْا. لاَ تَتَعَظَّمُوا لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ. 16 أَعْطُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ مَجْدًا قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ظَلاَمًا، وَقَبْلَمَا تَعْثُرُ أَرْجُلُكُمْ عَلَى جِبَالِ الْعَتَمَةِ، فَتَنْتَظِرُونَ نُورًا فَيَجْعَلُهُ ظِلَّ مَوْتٍ، وَيَجَعْلُهُ ظَلاَمًا دَامِسًا. 17 وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا ذلِكَ، فَإِنَّ نَفْسِي تَبْكِي فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةً مِنْ أَجْلِ الْكِبْرِيَاءِ، وَتَبْكِي عَيْنَيَّ بُكَاءً وَتَذْرِفُ الدُّمُوعَ، لأَنَّهُ قَدْ سُبِيَ قَطِيعُ الرَّبِّ. 18 قُلْ لِلْمَلِكِ وَلِلْمَلِكَةِ: «اتَّضِعَا وَاجْلِسَا، لأَنَّهُ قَدْ هَبَطَ عَنْ رَأْسَيْكُمَا تَاجُ مَجْدِكُمَا». 19 أُغْلِقَتْ مُدُنُ الْجَنُوبِ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. سُبِيَتْ يَهُوذَا كُلُّهَا. سُبِيَتْ بِالتَّمَامِ. 20 اِرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْمُقْبِلِينَ مِنَ الشِّمَالِ. أَيْنَ الْقَطِيعُ الَّذِي أُعْطِيَ لَكِ، غَنَمُ مَجْدِكِ؟ 21 مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ، وَقَدْ عَلَّمْتِهِمْ عَلَى نَفْسِكِ قُوَّادًا لِلرِّيَاسَةِ؟ أَمَا تَأْخُذُكِ الأَوْجَاعُ كَامْرَأَةٍ مَاخِضٍ؟
ع15: ينادى إرميا شعبه حتى يتضعوا فينصتوا باهتمام لسماع كلام الله الذي يدعوهم للتوبة وإن رفضوا صوته يأتي عليهم الدمار.
† عندما تقرأ الكتاب المقدس أو تستمع إلى عظة كن متضعًا واجعل كلام الله يحفظك ويحكم عليك ويرشدك فتفهم كلام الله ورسالته إليك فتتغير حياتك وتنقذ نفسك من الهلاك وتنال رحمة الله.
ع16: يدعوهم إرميا لعبادة الله وتمجيد اسمه وشكره على إحساناته فلا ينسبوا المجد لأنفسهم أو للآلهة الوثنية.
وإن لم يمجدوا الله سيضلوا أكثر عن طريق الله تائهين في كبريائهم الذي يشبهه بالجبال ولأن كبرياءهم يضلهم يسميها جبال العتمة أي كبرياءهم الشنيع الذي يحجب عنهم رؤية الله وسماع صوته وإذ ينتظرون إرشادًا وإنقاذًا من ضيقاتهم يزداد ضلالهم وانغماسهم في الشهوات الردية وعبادة الأوثان فيتقدمون نحو هلاكهم من ضلال يسميه "ظلام دامس" واقترابهم نحو الهلاك يسميه "ظل الموت". كل هذا نتيجة الكبرياء فعندما اعتمدوا على ذكائهم وعبادتهم الشكلية وظنوها نورًا يهديهم لم يجدوا بل ساروا نحو الهلاك الذي تم على يد بابل.
ع17: يحذرهم إرميا إن لم يسمعوا صوت الله ليتوبوا سيصيبهم الهلاك بيد بابل ومن أجل هذا الهلاك المتوقع سيبكى عليهم إرميا ولأن لا أحد يفهم كلام الله سيبكى في أماكن مستترة لأنه متأكد أن شعب الله أي قطيعه سيسبى إلى بابل وسيقتل كثيرون منهم.
ع18: ثم يطلب الله من إرميا أن يوجه كلامه إلى الملك الشاب يهوياكين وإلى أمه الملكة التي كانت متدخلة في إدارة الحكم أن يتضعا ويتوبا لأنه بعد قليل سيسبى الملك وسيخلع التاج عن رأسه هو وأمه وينقلونه إلى بابل وقد تم ذلك عام 598 ق.م.
ع19: عند هجوم البابليين حاصروا أورشليم، وعزلوها عن باقي مدن يهوذا الجنوبية فلم تستطع أن تنجدها.
ع20: يخاطب الله أورشليم كامرأة ويقول لها أنظرى جيوش بابل الآتية من الشمال لتهجم عليك وتسبى شعبك الذي يسميه قطيع مجدك إذ كنت تعتمدين على أولادك هؤلاء، فأين هم؟ لقد استولى البابليون على مدنك وقبضوا على عظمائك وأرسلوهم إلى بابل.
ع21: ثم ينادى الله أورشليم ويقول لها ماذا ستفعل عندما تعاقبها جيوش بابل بالتدمير والخراب والقتل والسبي، وعند استسلامها سيقم رؤساء من بابل عليها لإذلالها وكل من يبقى فيها كما تتألم المرأة الماخض عندما تقترب ساعة ولادتها.
(4) ثمار شرور أورشليم (ع22-27):
22 وَإِنْ قُلْتِ فِي قَلْبِكِ: «لِمَاذَا أَصَابَتْنِي هذِهِ؟». لأَجْلِ عَظَمَةِ إِثْمِكِ هُتِكَ ذَيْلاَكِ وَانْكَشَفَ عَنَفًا عَقِبَاكِ. 23 هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ! 24 « فَأُبَدِّدُهُمْ كَقَشٍّ يَعْبُرُ مَعَ رِيحِ الْبَرِّيَّةِ. 25 هذِهِ قُرْعَتُكِ، النَّصِيبُ الْمَكِيلُ لَكِ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنَّكِ نَسِيتِنِي وَاتَّكَلْتِ عَلَى الْكَذِبِ. 26 فَأَنَا أَيْضًا أَرْفَعُ ذَيْلَيْكِ عَلَى وَجْهِكِ فَيُرَى خِزْيُكِ. 27 فِسْقُكِ وَصَهِيلُكِ وَرَذَالَةُ زِنَاكِ عَلَى الآكَامِ فِي الْحَقْلِ. قَدْ رَأَيْتُ مَكْرَهَاتِكِ. وَيْلٌ لَكِ يَا أُورُشَلِيمُ! لاَ تَطَهَرِينَ. حَتَّى مَتَى بَعْدُ؟»
ع22: هتك: تقطع.
ذيلاك : أذيال ثوبك.
عنفا : رغمًا عنك.
عقباك : الأقدام من الخلف.
تتساءل أورشليم بعد أن دمرها البابليون قائلة لماذا أصابنى هذا الدمار، فيرد الله عليها قائلًا: من أجل شهواتك الشريرة ضربك البابليون الذي يعبر عنه برفع أذيال الثوب فتظهر عورة أورشليم أي تصير خربة وكذلك تم هذا الخراب رغمًا عنك لأن قوة بابل كانت عظيمة.
وهذا يشير أيضًا إلى فجور أورشليم وزناها وراء العبادات الوثنية، لذا يعبر بهذه التعبيرات التي تظهر أنها سارت في طريق الزنا فتخربت على يد بابل كسيدة كشفت عورتها في الزنا كذلك تخربت كمدينة بكل ما فيها.
ع23: الكوشي: الحبشي الأسود اللون.
رقطه : النقط السوداء والخطوط التي في جلد النمر.
تعود الناس أن يقولوا أن الشرير لن يغير شره إن تعود عليه فلا يستطيع ترك الشر مثل الزنجى الأسود اللون الذي لا يستطيع تغيير جلده وجعله بلون آخر وكذلك لا يستطيع النمر تغيير جلده المخطط والمملوء نقط سوداء، ولكن الله يفتح باب مراحمه وينادى شعبه ليتركوا شرورهم فيرفع الله عنهم كل هذه الضيقات التي تكلم بها أي السبي وما يتبعه.
ع24: لكن إن أصر شعب الله على شره فسيبددهم الله مثلما تبدد الريح القش في الصحراء الخالية، هكذا سيبددهم في مملكة بابل ويبعدهم عن بلادهم.
ع25: المكيل: من الكيل وهو وعاء يستخدم لمعايرة الأحجام مثل اللتر.
يقول الله أن نصيب أورشليم واليهودية هو السبي والتبديد والله يسمح لبابل بهذا كعقاب لشعبه لفترة معينة حتى يتوبوا فيرجعهم من السبي، وسبب هذه الشرور هو اتكال أورشليم على الآلهة الوثنية الكاذبة.
ع26: يكرر الله أنه سيسمح بخراب أورشليم الذي يشبهه بكشف عورة المرأة برفع ذيل ثوبها إذ يتغطى وجهها وتظهر عورتها أي تفقد أورشليم كل فهم ورؤية وتصير خربة.
ع27: فسقك: أنواع الزنا المختلفة التي سرت فيها.
صهيلك : صوت الحصان.
الآكام : التلال.
مكرهاتك : تماثيل الآلهة الوثنية التي يكرهها الله.
يظهر الله سبب خراب أورشليم وهو انغماسها في الزنا وراء الآلهة الغريبة وجريها كالحيوان الذي يمثله بالغرس وراء شهوات الزنا سواء الزنا المادي أو التعلق بعبادتها الأوثان، وقد تم الزنا على الآكام وفى الحقول حيث قدموا هذا الزنا عبادة للأوثان وانغماسًا في شهواتهم. ويتعجب الله على إصرار أورشليم على الزنا والابتعاد عنه ويناديها في حزن إلى متى ترفض الطهارة والحياة النقية مع الله.
† إن سقطت في الشر فارجع سريعًا بالتوبة إلى الله ولا ترفض صوته الذي يناديك حتى لا تدخل في ضيقات كثيرة ويتخلى عنك وتسرع إلى هلاك نفسك أنه يحبك فلا تقسى قلبك ولا ترفض محبته.



تفسير سفر ارميا الاصحاح الرابع عشر
(1) آثار القحط ( ع1-6)
1 كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ الْقَحْطِ: 2 «نَاحَتْ يَهُوذَا وَأَبْوَابُهَا ذَبُلَتْ. حَزِنَتْ إِلَى الأَرْضِ وَصَعِدَ عَوِيلُ أُورُشَلِيمَ. 3 وَأَشْرَافُهُمْ أَرْسَلُوا أَصَاغِرَهُمْ لِلْمَاءِ. أَتَوْا إِلَى الأَجْبَابِ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً. رَجَعُوا بِآنِيَتِهِمْ فَارِغَةً. خَزُوا وَخَجِلُوا وَغَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ 4 مِنْ أَجْلِ أَنَّ الأَرْضَ قَدْ تَشَقَّقَتْ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ عَلَى الأَرْضِ خَزِيَ الْفَلاَّحُونَ. غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ. 5 حَتَّى أَنَّ الإِيَّلَةَ أَيْضًا فِي الْحَقْلِ وَلَدَتْ وَتَرَكَتْ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَلأٌ. 6 الْفِرَا وَقَفَتْ عَلَى الْهِضَابِ تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ مِثْلَ بَنَاتِ آوَى. كَلَّتْ عُيُونُهَا لأَنَّهُ لَيْسَ عُشْبٌ».
ع1، 2: كلم الرب إرميا عن قحط سيحل بمملكة يهوذا لعله يقودهم للتوبة وهو القحط الذي كان أيام يهوياقيم الملك قبل أن تهجم جيوش بابل وتسبيهم.
ناحت يهوذا : يصور مملكة يهوذا بإمرأة تبكى من أجل نقص الماء والعطش وجفاف الزرع وموت البهائم.
أبوابها ذبلت : أصبحت مدن يهوذا تعانى من العطش والجوع وخرج أبناؤها منها فلم تعد للأبواب قيمة في حماية أو تحصين من في المدينة كما تذبل الزهرة وتصبح بلا نفع.
حزنت إلى الأرض : زاد الضيق على شعب يهوذا فصاروا في حزن شديد وطأطأوا رؤوسهم إلى الأرض وضعفت قوتهم فسقطوا على الأرض من العطش والجوع.
صعد عويل أورشليم : من شدة العطش والجوع صرخ الشعب في كل مكان.
ع3: أصاغرهم : عبيدهم من يعملون عندهم.
أجباب : البرك ومجتمعات الماء.
الأغنياء والعظماء أرسلوا من يعملون عندهم أو عبيدهم بآنية ليملأوها ماء من أي مكان ولكنهم وجدوا مجتمعات الماء كلها قد جفت فعادوا في خزى وعار إلى هؤلاء العظماء من شدة الخزي وغطوا رؤوسهم وطأطأوها إلى الأرض.
ع4: لم يعانى فقط العظماء من العطش بل أيضًاً الفقراء وهم الفلاحون العاملون في الأرض لأنها قد تشققت من الجفاف وانقطاع المطر فصاروا في خزى لذا غطوا رؤوسهم.
ع5: الأيلة : أنثى الأيل وهو نوع من الغزلان سريع الجرى.
الكلأ : الحشائش والأعشاب.
تركت الأيلة مكانها الطبيعي وهو الغابات إذ جفت الأرض وماتت النباتات وإذ وجدت أطفالها لم تجد لهم ماء ليشربوا أو طعام من الحشائش ليأكلوا فتركتهم ليموتوا وذهبت تبحث عن الماء والطعام.
ع6: الفراء : الحمار الوحشي.
بنات آوى : حيوانات مفترسة أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب.
الحمار الوحشي لم يجد طعامًا فصعد على التلال والهضاب بحثًا عن الطعام ومن جريه تعب وتنفس بصعوبة واحتاج أن يستنشق الريح لئلا يموت من الضعف والجوع والعطش وذلك مثل بنات آوى التي تجرى وتلهث، ومن هزال الفراء ضعف بصرها.
† ابتعادك عن مصدر مياه النعمة أي الروح القدس العامل بالكنيسة يضعف روحك ويعرضك لمتاعب كثيرة فتكاد تموت وتكون فريسة سهلة للشيطان تسقط في خطايا كثيرة. فاخضع له وتمسك بوصاياه واثبت في كنيسته فتستعيد قوتك.
(2) صلاة توبة (ع7-9)
7 وَإِنْ تَكُنْ آثَامُنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا يَا رَبُّ، فَاعْمَلْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ. إِلَيْكَ أَخْطَأْنَا. 8 يَا رَجَاءَ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصَهُ فِي زَمَانِ الضِّيقِ، لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي الأَرْضِ، وَكَمُسَافِرٍ يَمِيلُ لِيَبِيتَ؟ 9 لِمَاذَا تَكُونُ كَإِنْسَانٍ قَدْ تَحَيَّرَ، كَجَبَّارٍ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ؟ وَأَنْتَ فِي وَسْطِنَا يَا رَبُّ، وَقَدْ دُعِينَا بِاسْمِكَ. لاَ تَتْرُكْنَا!
ع7: يتحمل إرميا النبي خطايا شعبه ويتقدم بهذه الصلاة معترفًا عنهم وعن ضعفه بأنهم قد أخطأوا في حق الله وكثرت آثامهم التي تشهد على أنهم أشرار ويستحقون العقاب مثل هذا القحط ولكن رجاءهم في محبة الله الذي يرحمهم لأن اسمه دعى عليهم فهم شعبه فهو بدالة الابن يطلب رحمة الله.
† الله هو أبوك السماوى يفرح بالتجائك إليه فأطلب منه بلجاجة ليرحمك ويسندك وينقذك من كل ضيقة ويعطيك توبة ثق في بنوتك له حتى تكلمه بدالة البنين وإن لم يستجب سريعًا فأعلم أنه مهتم بصلاتك وسينقذك في النهاية.
ع8: يحاجج الله ويقول له لماذا قد تركتنا في القحط والذل وصرت كغريب عنا مثل المسافر الذي يبيت في الصحراء فيطلب إليه أن يدخل مدنهم وينقذهم لأنهم شعبه وهو رجاؤهم الوحيد في ضيقاتهم.
ع9: يستمر في مطالبة الله أن ينقذهم ويقول لماذا تقف ساكتًا ولا تمد يدك لترحمنا كأنك متحير لا تعرف كيف تنقذنا مع أنك جبار وتقدر على كل شيء أنت في وسطنا وإلهنا فلا تتركنا في ضيقنا بل أنقذنا.
(3) رفض الله عبادتهم (ع10-12)
10 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِهذَا الشَّعْبِ: «هكَذَا أَحَبُّوا أَنْ يَجُولُوا. لَمْ يَمْنَعُوا أَرْجُلَهُمْ، فَالرَّبُّ لَمْ يَقْبَلْهُمْ. اَلآنَ يَذْكُرُ إِثْمَهُمْ وَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ». 11 وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ لِلْخَيْرِ. 12 حِينَ يَصُومُونَ لاَ أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَحِينَ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً لاَ أَقْبَلُهُمْ، بَلْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ».
ع10: تضايق الله من عدم ثبات شعبه للحياة معه والعبادة في أورشليم، إذ قد تحركوا في أماكن كثيرة على التلال وفى الحقول لعبادة الأوثان التي أقاموها هناك .. لذا يناديهم هذا الشعب وليس شعبى بل هددهم بأنه ينظر إلى خطاياهم وسيعاقبهم عليها.
ع11: أمام إصرار شعب الله على خطاياهم لن تنفعهم صلوات النبي أو أي شفاعة لذا يقول الله له بحزن لا تصل لأجلهم لأنهم لم يتوبوا بعد وأنا لن أرفع عنهم العقاب الذي سمحت به لعلهم يتوبون.
ع12: يقرر الله أيضًا نتيجة إصرار شعبه على عبادة الأوثان والعبادة الشريرة أنه يرفض صلواتهم وكذلك ذبائحهم وتقدماتهم له لأنها بلا توبة بل يعلن أنه سيعاقبهم بأنواع من العقاب هي:
السيف أي القتل وهو الذي تم عند هجوم جيوش بابل.
الجوع وهو الذي تم أيام يهوياقيم الملك كما ذكر في هذا الأصحاح.
الوباء بانتشار أمراض مختلفة بينهم.
† لا تبرر خطاياك لأن هذا يجعلك تتمادى فيها وتفقد غفران الله بل تحل بك ضيقات مختلفة يسمح الله بها لمحبته لك إذ يدعوك بها للتوبة لأنك إن نسيت الله يسمح لك الله بضيقات مادية لأنك تعلقت بالماديات وعندما تفقد رجاءك فيها تعود بالتوبة وتشعر بأهمية الروحيات فتتمسك بها وتجد طريقك نحو الأبدية.
(4) الأنبياء الكذبة (ع13-16)
13 فَقُلْتُ: «آهِ، أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ! هُوَذَا الأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ لاَ تَرَوْنَ سَيْفًا، وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ جُوعٌ بَلْ سَلاَمًا ثَابِتًا أُعْطِيكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ». 14 فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «بِالْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ الأَنْبِيَاءُ بِاسْمِي. لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلاَ أَمَرْتُهُمْ، وَلاَ كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِل وَمَكْرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ». 15 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لاَ يَكُونُ سَيْفٌ وَلاَ جُوعٌ فِي هذِهِ الأَرْضِ: «بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ يَفْنَى أُولئِكَ الأَنْبِيَاءُ. 16 وَالشَّعْبُ الَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ يَكُونُ مَطْرُوحًا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ جَرَى الْجُوعِ وَالسَّيْفِ، وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ هُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَبَنَوُهِمْ وَبَنَاتُهُمْ، وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ.
ع13: يلتمس إرميا العذر لشعبه أمام الله بأن سبب تماديهم في الشر هو خداع الأنبياء الكذبة لهم الذين وعددهم بالسلام والراحة المادية ولم يوجهوهم للتوبة.
ع14: يعلن الله أنه لم يرسل الأنبياء الكذبة وأن كل ما يدعونه من رؤى وعرافة هو كذب وكلام باطل بلا قيمة حتى يعرف الشعب حقيقة الأنبياء الكذبة على فم إرميا ويرجعون بالتوبة إلى الله.
ع15: يعلن الله عقابه لهؤلاء الأنبياء الكذبة بأنه سيسمح بقتلهم وكذا معاناة الباقين من الجوع فيأتى شرهم على رؤوسهم إذ تنبأوا أنه لن يأتي سيف أو جوع فسيأتى أولًا عليهم السيف والجوع.
ع16: ثم بعد معاقبة الأنبياء سيعاقب الله أيضًا الشعب الذي سار وراءهم ورفض الله ولم يتب فيعاقبهم أيضًا بالسيف والجوع.
† لا تتساهل في كلامك فتسقط في خطية الكذب وتخدع الآخرين لأن الله ينظر إليك وهو عادل وسيعاقبك لأنك سقطت في الكذب وأعثرت غيرك فأسرع إلى التوبة فتنال مراحمه
(5) اعتراف وتضرع (ع17-22)
17 وَتَقُولُ لَهُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلاَ تَكُفَّا، لأَنَّ الْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي سُحِقَتْ سَحْقًا عَظِيمًا، بِضَرْبَةٍ مُوجِعَةٍ جِدًّا. 18 إِذَا خَرَجْتُ إِلَى الْحَقْلِ، فَإِذَا الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. وَإِذَا دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا الْمَرْضَى بِالْجُوعِ، لأَنَّ النَّبِيَّ وَالْكَاهِنَ كِلَيْهِمَا يَطُوفَانِ فِي الأَرْضِ وَلاَ يَعْرِفَانِ شَيْئًا». 19 هَلْ رَفَضْتَ يَهُوذَا رَفْضًا، أَوْ كَرِهَتْ نَفْسُكَ صِهْيَوْنَ؟ لِمَاذَا ضَرَبْتَنَا وَلاَ شِفَاءَ لَنَا؟ انْتَظَرْنَا السَّلاَمَ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ، وَزَمَانَ الشِّفَاءِ فَإِذَا رُعْبٌ. 20 قَدْ عَرَفْنَا يَا رَبُّ شَرَّنَا، إِثْمَ آبَائِنَا، لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. 21 لاَ تَرْفُضْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لاَ تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ. اُذْكُرْ. لاَ تَنْقُضْ عَهْدَكَ مَعَنَا. 22 هَلْ يُوجَدُ فِي أَبَاطِيلِ الأُمَمِ مَنْ يُمْطِرُ، أَوْ هَلْ تُعْطِي السَّمَاوَاتُ وَابِلًا؟ أَمَا أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا؟ فَنَرْجُوكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ صَنَعْتَ كُلَّ هذِهِ.
ع17: منع الله النبي من الصلاة لأجل الشعب لأنهم رافضون للتوبة ولكن أبوته تجعله حزينًا عليهم فيدعو النبي للبكاء الدائم عليهم ويشبه مملكة يهوذا بعذراء أي فتاة ضعيفة هجم عليها الأشرار وحطموها ويعلن بوضوح أن ضربة بابل التي ستهجم عليه ضربة مرة أي صعبة جدًا. لعل الشعب يسمع كلام أرميا ويكف عن خطاياهم.
ع18: نتيجة هجوم بابل سيقتل الكثيرون ويطرحون في الحقول ومن اختبأوا في المدن سيمرضون من الجوع لأن بابل تحاصر مدنهم وتمنع عنهم الطعام والشراب.
أما قادة الشعب من الكهنة والأنبياء الكذبة فسيظهر عجزهم عن إنقاذ الشعب ويطوفون البلاد في حيرة وعجز بل سينقلهم البابليون إلى بلاد أخرى يطوفون فيها في خزى وذل العبودية.
ع19: يتضرع النبي متشفعًا في شعبه ويكلم الله لينقذهم من هذه الضربة وبدالة البنوة يعاتبهم بحب قائلًا لماذا رفضت مملكتك يهوذا ومدينتك صهيون وهي الاسم القديم لأورشليم، فمازال شعبك يترجاك طالبًا الشفاء من هذه الضربة وعودة السلام إليهم بعد هذا القرار.
لقد ظهر كذب الأنبياء الذين ادعوا أن أورشليم ويهوذا لن يصيبها شيء إذ بها هيكل الله وأن مملكة إسرائيل قد سباها أشور لأنها بعيدة عن أورشليم هكذا خدعوا الشعب ولم يقودونهم إلى التوبة.
ع20: يعترف إرميا عن شعبه بأنهم قد أخطأوا إلى الله واستمروا في الشرور التي فعلها آباؤهم.
† إن كنت أبًا أو أمًا أو خادمًا فصل من أجل من ترعاهم واسجد وتضرع إلى الله لأجلهم مقدمًا دموع التوبة عنهم لأن ضعف رعايتك سبب لك هذه الخطايا
ع21: يتضرع إرميا إلى الله عن شعبه ليس لأجل برهم ولكن لأجل صلاحه ويذكره بثلاثة أمور ليحنن قلبه عليهم وهي:
اسم الله الذي يعنى رحمته وكماله فلأنهم شعبه الذين آمنوا به يسامحهم ويرفع الضيقة عنهم فهذا يظهر أبوة النبي لشعبه.
كرسى مجد الله هو هيكله الذي حل فيه وامتلأ بصلوات الكثيرين من الأتقياء على مر العصور، فرغم عدم استحقاق الشعب الله يشفق عليه لأنه يتوب.
عهد الله الذي قطعه مع الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب فلأجل مراحم الله وصلاحه يرفع عنهم الضيقات.
ع22: وابلًا : المطر الشديد.
أباطيل الأمم : الآلهة الوثنية.
يعلن النبي إيمانه بأن الله هو وحده القادر على رفع القحط بإنزال المطر فينقذ شعبه من الجوع والموت أما الآلهة الوثنية فهي تماثيل عاجزة عن كل شيء.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الخامس عشر

(1) تأديب ضروري (ع1 - 9)
1 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: «وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ. اِطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا. 2 وَيَكُونُ إِذَا قَالُوا لَكَ: إِلَى أَيْنَ نَخْرُجُ؟ أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: الَّذِينَ لِلْمَوْتِ فَإِلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِينَ لِلسَّيْفِ فَإِلَى السَّيْفِ، وَالَّذِينَ لِلْجُوعِ فَإِلَى الْجُوعِ، وَالَّذِينَ لِلسَّبْيِ فَإِلَى السَّبْيِ. 3 وَأُوَكِّلُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، يَقُولُ الرَّبُّ: السَّيْفَ لِلْقَتْلِ، وَالْكِلاَبَ لِلسَّحْبِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الأَرْضِ لِلأَكْلِ وَالإِهْلاَكِ. 4 وَأَدْفَعُهُمْ لِلْقَلَقِ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ فِي أُورُشَلِيمَ. 5 فَمَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ يَا أُورُشَلِيمُ، وَمَنْ يُعَزِّيكِ، وَمَنْ يَمِيلُ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِكِ؟ 6 أَنْتِ تَرَكْتِنِي، يَقُولُ الرَّبُّ. إِلَى الْوَرَاءِ سِرْتِ. فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ. مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ. 7 وَأُذْرِيهِمْ بِمِذْرَاةٍ فِي أَبْوَابِ الأَرْضِ. أُثْكِلُ وَأُبِيدُ شَعْبِي. لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ. 8 كَثُرَتْ لِي أَرَامِلُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلِ الْبِحَارِ. جَلَبْتُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أُمِّ الشُّبَّانِ، نَاهِبًا فِي الظَّهِيرَةِ. أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا بَغْتَةً رَعْدَةً وَرُعُبَاتٍ. 9 ذَبُلَتْ وَالِدَةُ السَّبْعَةِ. أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا. غَرَبَتْ شَمْسُهَا إِذْ بَعْدُ نَهَارٌ. خَزِيَتْ وَخَجِلَتْ. أَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلِلسَّيْفِ أَدْفَعُهَا أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع1: نتيجة إصرار الشعب على خطاياهم يمنع الله إرميا من الصلاة لأجلهم، ولئلا يظن أنه بسبب ضعفه أو خطاياه يقول له ولا حتى الأنبياء العظماء في شعب الله مثل موسى الذي تشفع في شعبه لئلا يهلكهم الله (خر32: 11-14) ومثل صموئيل (1 صم7: 5-11) فهو تشجيع لإرميا الذي يذكر عنه الكتاب المقدس أنه شفيع دائم في أولاد الله (مكابيين الثاني 15) ويقرر الله أنه لابد أن يطرح شعبه ويطردهم من مدنهم تأديبًا لهم على خطاياهم لعلهم يتوبون.
† احترس من أن تخسر شفاعة القديسين فيك لتماديك في الخطية وتبريرها فيحزن عليك ملاكك الحارس فمهما كانت أخطاؤك لا تيأس ولا تحزن، بل قدم توبة أمام أب أعترافك فيقبلك الله.
ع2: يقول الله لإرميا إن سألوك إلى أين نذهب عندما نخرج من مدننا فتعلن لهم قضاء الله الذي يظهر في:
الموت بالسيف وبكل طريقة.
المرض بسبب الجوع والذي قد يؤدى إلى الموت.
السبي كعبيد في مملكة بابل.
ع3: يؤكد الله عقابه الشديد لهم بسبب إصرارهم على الخطية ويظهر هذا العقاب في:
الموت بالسيف ويعنى هلاكهم لعدم توبتهم.
الكلاب تسحب جثثهم بعد موتهم رمزًا لإذلالهم بسبب خطاياهم.
الطيور الجارحة تأكل جثثهم رمزًا للشياطين التي تهاجمهم بالأفكار الشريرة والعبادات الوثنية.
الوحوش تأكل جثثهم رمزًا للشهوات الشريرة التي تدمر حياتهم.
ع4: بالإضافة للعقوبات السابقة يضربهم الله بالقلق عندما تسبيهم بابل وتنقلهم إلى بلاد متفرقة في مملكتها كل هذا بسبب تماديهم في الشرور التي تميز فيها منسى الملك وهو أشر ملوك مملكة يهوذا وحكم لمدة طويلة، وأدخل عبادة الأوثان في مملكته وانتشر الفجور أيامه فاستمر اليهود في أيام إرميا في هذه الخطايا.
ع5: ستكون أورشليم في حالة بؤس شديد بعد أن تدمرها بابل ولم تجد من جيرانها من يشفق عليها ويعينها ولا من مدن يهوذا لأنها ستكون دمرت مثلها ولن ينقذها الله لأنها متمردة عليه وعاصية لكلامه.
ع6: بسبب ترك أورشليم ومملكة يهوذا لله والحياة معه واستبداله بعبادة الأوثان فالله يسمح لها بهذا العقاب ويعلن الله ضيقه من ندامتها المزيفة فهي غير صادقة في عبادتها وتتظاهر بالتوبة والندم ولكنها مصرة على الشر.
ع7: مذراة : عصا خشبية لها خمسة أصابع تستخدم في فصل الحبوب عن القش فيطير القش مع الهواء بعيدًا عن الحبوب.
أبواب الأرض: العالم كله.
أثكل: أقتل بنين شعبى.
يهدد الله شعبه بأنه سيبعثره في مدن العالم بواسطة بابل التي تملك على العالم وتنقلهم إلى بلاد مختلفة تابعة لها، ويشبه هذا بالفلاح الذي يذرى القش ليبعده ويفصله عن حبوب القمح أو الشعير. ويضيف أيضًا أنه سيقتل أبناء مملكة يهوذا فتصير كالأم الثكلى أى التي فقدت بنيها.
ع8: رعبات : جمع رعبة أي أمر مخيف جدًا
يعلن الله أنه سيقتل الكثيرين من رجال يهوذا فيكثر عدد الأرامل لدرجة أن يصبح من الصعب حصرهن مثل استحالة حصر رمل البحار، وسيهجم الموت على الأم التي لها أبناء شبان فجأة فيقتل أبناءها ويسبب لها رعبًا وخوفًا عظيمين، هذا ما حدث على يد بابل التي قتلت الشباب وتركت أمهاتهم بلا أبناء.
ع9: يستكمل كلامه عن أمهات مملكة يهوذا اللاتي فقدن أبناءهن الشبان في الحرب ويشبهها بامرأة أصبحت في ضعفها كالمرأة الذابلة لأنها فقدت كل أبنائها حتى لو كانوا كثيرين وبلغوا سبع بنين أي فقدت الأمة اليهودية كل رجالها واستسلمت للحزن وصارت في ضيق يعبر عنه بالظلام مع أن عمرها ليس كبيرًا ولكنها فقدت حيويتها كما يفقد النهار ضوءه ويأتى الليل بظلامه. وكانت في خزى وعار وذل وضعف بسبب موت الرجال الذين هم سندها. فهي ترمز للنفس التي تهاونت وتمادت في الخطية فصارت عاجزة وغير قادرة على مواجهة الحياة. كل هذا يقوله الله على لسان إرميا لينبه شعبه ويعودوا من فجورهم وشهواتهم وعبادتهم الوثنية فيتوبوا ويقبلهم الله.
(2) مساندة الله لإرميا (ع 10 - 11)
10 وَيْلٌ لِي يَا أُمِّي لأَنَّكِ وَلَدْتِنِي إِنْسَانَ خِصَامٍ وَإِنْسَانَ نِزَاعٍ لِكُلِّ الأَرْضِ. لَمْ أَقْرِضْ وَلاَ أَقْرَضُونِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَلْعَنُنِي. 11 قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَحُلُّكَ لِلْخَيْرِ. إِنِّي أَجْعَلُ الْعَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي وَقْتِ الشَّرِّ وَفِي وَقْتِ الضِّيقِ.
ع10: بدأ إرميا التنبؤ منذ كان صغيرًا في وسط جيل شرير فوبخ الشعب ليتوب وكذلك قياداته سواء الكهنة أو الأنبياء أو الرؤساء ولم يقبل كلامه ويتوب إلا عدد قليل جدًا ومنه تلميذه باروخ النبي الذي كان يسجل نبوات معلمه. أما باقي الشعب فشعروا بضيق من كلام أرميا بل حسبوه عميلا لبابل عندما دعاهم للخضوع للسبى البابلي وعدم الالتجاء إلى مصر فوقفوا خصومًا له وقاوموه وتنازعوا معه بل حاولوا قتله مرات كثيرة. مع أنه لم توجد أي معاملات مادية بينه وبينهم فلم يعطهم سلفيات أو يستلف منهم شيئًا لأن هذه المعاملات المادية هي التي تحدث نزاعات بين البشر فلم يطالب بدين ولم يطالبه أحد بديون ولكن الكل يلعنه لأنه يوبخهم ويحدثهم عن مستقبل فظلم لهم وليس خيرًا مثل الأنبياء الكذبة وكان نزاعه مع كل سكان أرض مملكة يهوذا أي كل شعبه.
يظهر من هذه الآية ضيق إرميا من مقاومة الناس لنبواته حتى أنه ينادى أمه الجسدية، فهو يتوجع وأقرب شخص له هي أمه معلنًا لها مدى أوجاعه النفسية بسبب خدمتهم.
† لا تتنازل عن إعلان الحق مادام الله قد أرشدك إلى هذا حتى لو رفض الناس كلامك واحتمل إساءاتهم لأنهم يقامونك بجهل وصل لأجلهم.
ع11: يرد الله على إرميا المتوجع من إساءات شعبه إليه ويعده أن يحله من قيود السجن الذي ألقى فيه ومن قيود الآلام النفسية التي يعانيها بسبب إضطهاد شعبه له.
ثم يطمئنه لأنه قال في نفسه إن كان شعبى يضطهدنى هكذا فماذا سيفعل بى الإعداء البابليون؟ فيجيبه الله بأنه سيجعل الأعداء يعاملونه حسنًا. بل يترجونه أن يفعل ما يريد وهذا ما حدث فعلًا إذ أكرمه البابليون وتركوا له حرية البقاء في أورشليم أو الذهاب إلى بابل. والمقصود بوقت الشر والضيق هو وقت هجوم بابل على مملكة يهوذا.
(3) السبي (ع 12 - 14)
12 «هَلْ يَكْسِرُ الْحَدِيدُ الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ وَالنُّحَاسَ؟ 13 ثَرْوَتُكَ وَخَزَائِنُكَ أَدْفَعُهَا لِلنَّهْبِ، لاَ بِثَمَنٍ، بَلْ بِكُلِّ خَطَايَاكَ وَفِي كُلِّ تُخُومِكَ. 14 وَأُعَبِّرُكَ مَعَ أَعْدَائِكَ فِي أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفْهَا، لأَنَّ نَارًا قَدْ أُشْعِلَتْ بِغَضَبِي تُوقَدُ عَلَيْكُمْ»
ع12: يكلم الرب شعبه على فم إرميا ويقول له إن كنتم تظنون أنكم أقوياء مثل الحديد فهل تستطيعون أن تكسروا الحديد والنحاس الآتي من الشمال أي مملكة بابل؟ بالطبع لا بل ستهزمكم وتدمركم بابل.
ع13: تخومك : حدودك
يستكمل الله كلامه مع شعبه الذي سينهزم أمام بابل ويقول لهم أن بابل ستنهب كل ثروتك وكل ما في خزائنك من ذهب أو فضة أو مقتنيات غالية وستحتل أرضك إلى كل حدودك لأنك أخطأت كثيرًا إلى الله. فيأخذ العدو كل مقتنياتك مجانًا وليس مقابل شيء بل بسبب خطاياك.
ع14: وبعد أن تنهب بابل كل مقتنيات مملكة يهوذا ستقبض على أغنياء العظماء والشباب وترسلهم كعبيدإلى بابل وكل مدن مملكتها لأنه بسبب خطاياهم اشتعلت نار غضب الله ضدها.
† كن متضعًا واعتمد على الله ولا تعتمد على قوتك الشخصية في مقاومة من يسئ إليك وكل ثروتك وعلاقاتك ومركزك لن يفيدك إن كنت لا تحفظ وصايا الله، فارجع إليه بالتوبة واتكل عليه فيحفظك من كل الشر.
(4) طلب معونة الله ( ع 15 - 18)
15 أَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ. اذْكُرْنِي وَتَعَهَّدْنِي وَانْتَقِمْ لِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ. بِطُولِ أَنَاتِكَ لاَ تَأْخُذْنِي. اِعْرِفِ احْتِمَالِي الْعَارَ لأَجْلِكَ. 16 وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي، لأَنِّي دُعِيتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ. 17 لَمْ أَجْلِسْ فِي مَحْفَلِ الْمَازِحِينَ مُبْتَهِجًا. مِنْ أَجْلِ يَدِكَ جَلَسْتُ وَحْدِي، لأَنَّكَ قَدْ مَلأْتَنِي غَضَبًا. 18 لِمَاذَا كَانَ وَجَعِي دَائِمًا وَجُرْحِي عَدِيمَ الشِّفَاءِ، يَأْبَى أَنْ يُشْفَى؟ أَتَكُونُ لِي مِثْلَ كَاذِبٍ، مِثْلَ مِيَاهٍ غَيْرِ دَائِمَةٍ؟
ع15: إذ ازدادت الضيقات والإهانات والتهديدات من الأشرار على إرميا تضرع إلى الله قائلًا:
آنت وحدك يا الله الذي تعرف خفايا قلبى وأنى أحبك وأحب شعبى وأريد خلاصهم فإن كان الأشرار يظنوننى خائنًا في بلادى أو قاسيًا عليهم فأنت تعرف أنى أعمل كل هذا لمصلحتهم
يطلب من الله أن لا ينساه ويتركه وحده وسط المضطهدين بل يهتم به ويتعهده بمراحمه ويخلصه من أيديهم.
تعب إرميا من اضطهاد الأنبياء الكذبة له حتى أنه طلب من الله أن ينتقم منهم ليس حقدًا وكراهية لهم بل ليؤدبهم فيتوقفوا عن تعاليمهم الكاذبة فيتوبوا ولا يعودون يسيئون إليه.
إن كان ارميا قد أعلن ضيقه لامه من المشاكل التي تمر به في (ع10) فليس معنى هذا أنه يريد أن يموت بل يريد أن يكمل رسالته ويتنبأ كما يوصيه الله لجذب شعبه للتوبة فيطلب من الله أن يطيل أناته عليه ولا يجعله يموت لأنه أعلن آلامه وضيقه من الاضطهادات بل يسنده ويعطيه فرصة ليكمل خدمته.
ذكر إرميا الله بأنه احتمل إهانات كثيرة لأجله ليلتمس الله العذر له في ضيقه من كثرة الآلام فيسنده ويقويه.
ع16: وسط كل هذه الآلام عزى الله إرميا بتذوقه حلاوة كلام الله، ويعلن النبي ذلك بقوله أن كلام الله لذيذ جدًا حتى أنه أخفاه في قلبه، وتأمل فيه فصار مصدرًا عظيمًا لفرحه وسط الآلام، ويعبر عن تعمقه في التأمل بأنه أكل كلام الله. ويضيف أن هذه النعمة أعطيت له أي التلذذ بكلام الله لأن اسمه دعى عليه أي أعطاه الله نعمة النبوة فأدخله إلى أعماق كلامه وهو أعظم ثروة في العالم، وتصير ثروات شعبه المتمادي في الشر بلا قيمة وقد نهبت بواسطة بابل، أما كلام الله فلا يستطيع أحد أن ينزعه من إرميا لأنه كلام الله رب الجنود أي الله القوى القادر أن يثبت كلامه في أولاده ويمنعهم به.
† لا تكتفى بقراءة الكتاب المقدس كل يوم بل اهتم أن تتأمل في معانيه وتختار آية لتحفظها وتجعلها تدريبًا تطبقه في حياتك.
ع17: عاش ارميا في التقوى ورفض مجالس المستهزئين وكلامهم الباطل وجلس وحده يتأمل كلام الله ويحزن على شعبه البعيد وعلى مستقبلهم السيئ أي سبيهم، وكان قلبه يمتلئ ضيقًا وحزنًا وغضبًا من أجل تماديهم في الشر ويصلى لينجيهم منه.
ع18: يتساءل إرميا في ضيقه من الآلام ويعاتب الله الذي يتركه بقلب مجروح وأوجاع نفسية لعدم توبة شعبه بالإضافة إلى الإهانات والاضطهادات المستمرة له ويقول له أن تركك لى كانك إله كاذب تعد أولادك بإنقاذهم من الضيق ولكنك تتركنى للآلام. ثم يعاتب الله فيشبهه كنبع ماء ولكنه غير دائم فيأتى إليه الإنسان ولا يجد ماء أي تعزية. وهنا يعاتب إرميا الله طالبًا سرعة تدخله لينقذه ممن يضطهدونه.
(5) وعود الله لإرميا (ع 19 - 21)
19 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ أُرَجِّعْكَ، فَتَقِفْ أَمَامِي. وَإِذَا أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ. هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْجعُ إِلَيْهِمْ. 20 وَأَجْعَلُكَ لِهذَا الشَّعْبِ سُورَ نُحَاسٍ حَصِينًا، فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ وَأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21 فَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ وَأَفْدِيكَ مِنْ كَفِّ الْعُتَاةِ».
ع19: يلتمس الله العذر لارميا في تألمه وعدم احتماله الاضطهادات، ولكنه يدعوه إلى الرجوع إلى إيمانه الثابت به، حينئذ يرجع إليه الله سلامه وطمأنينته فهو يقدر ضعفه البشرى لكنه يعده بالسلام والفرح إن عاد إلى اتكاله عليه، والمقصود بوقوف إرميا أمام الله هو وقوف الصلاة والشعور بحضرة الله الدائمة معه فيطمئن قلبه وحينئذ يستطيع أن يتكلم بشجاعة ويعلن نبواته مهما كانت اضطهادات الأشرار له وإخراج الثمين من المرذول أي اللحم الجيد الدسم من العظام أو الأغشية التي لا تؤكل يقصد به إرجاع النفوس الغالية إلى الله والتي كانت مرذولة بسبب شرها فالله يشجع النبي أن يتشدد ويستكمل خدمته لطلب توبة نفوس شعبه بهذا يكون فمه مثل فم الله أي أنه يعلن الحق الإلهي ويظهر أبوة الله التي تريد خلاص الجميع. وبهذا يرجع الشعب إلى الحياة النقية التي يحياها إرميا في الأيمان ويتركون عبادة الأوثان ولا يرجع إرميا ليوبخهم ثانية على شرورهم.
ويمكن أن يكون المقصود بعدم رجوع إرميا إليهم أنه لن يوبخهم ثانية لأن السبي سيهجم عليهم فيرجعون هم إلى إرميا طالبين إنقاذهم.
ع20: يطمئن الله إرميا بأنه رغم اضطهاد شعبه له فهو سيسنده ويجعله قويًا مثل الأسوار النحاسية التي تحيط بالمدن فلا يستطيع أحد اختراقها فهم سيواصلون اضطهاداتهم لكنهم لن يقدروا أن يوقفوا نبواته أو يضعفوه.
ع21: وهكذا تتجلى قوة الله أنه رغم قوة الأشرار الذين يضطهدون إرميا ويعبر عنهم بأنهم عتاة أي أقوياء جدًا ولكن الله ينقذه من أيديهم فتظهر قوة الله التي هي فوق الكل.
† ارجع إلى الله بالتوبة وتمسك بإيمانك فتنال قوة إلهية تسندك فلا يستطيع أحد أن يقهرك وتقدر أن تستمر في حياة النقاوة وخدمة الله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح السادس عشر
(1) عدم زواج إرميا (ع1-9):
1 ثُمَّ صَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «لاَ تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةً، وَلاَ يَكُنْ لَكَ بَنُونَ وَلاَ بَنَاتٌ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. 3 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنِ الْبَنِينَ وَعَنِ الْبَنَاتِ الْمَوْلُودِينَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَعَنْ أُمَّهَاتِهِمِ اللَّوَاتِي وَلَدْنَهُمْ، وَعَنْ آبَائِهِمِ الَّذِينَ وَلَدُوهُمْ فِي هذِهِ الأَرْضِ: 4 مِيتَاتِ أَمْرَاضٍ يَمُوتُونَ. لاَ يُنْدَبُونَ وَلاَ يُدْفَنُونَ، بَلْ يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَبِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ يَفْنَوْنَ، وَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ. 5 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَدْخُلْ بَيْتَ النَّوْحِ وَلاَ تَمْضِ لِلنَّدْبِ وَلاَ تُعَزِّهِمْ، لأَنِّي نَزَعْتُ سَلاَمِي مِنْ هذَا الشَّعْبِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الإِحْسَانَ وَالْمَرَاحِمَ. 6 فَيَمُوتُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ فِي هذِهِ الأَرْضِ. لاَ يُدْفَنُونَ وَلاَ يَنْدُبُونَهُمْ، وَلاَ يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلاَ يَجْعَلُونَ قَرَعَةً مِنْ أَجْلِهِمْ. 7 وَلاَ يَكْسِرُونَ خُبْزًا فِي الْمَنَاحَةِ لِيُعَزُّوهُمْ عَنْ مَيِّتٍ، وَلاَ يَسْقُونَهُمْ كَأْسَ التَّعْزِيَةِ عَنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ. 8 وَلاَ تَدْخُلْ بَيْتَ الْوَلِيمَةِ لِتَجْلِسَ مَعَهُمْ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 9 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا مُبَطِّلٌ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ، أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ وَفِي أَيَّامِكُمْ، صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ.
ع1-2: أمر الله إرميا ألا يتزوج وبالتالي لا ينجب بنينًا وبنات، لأن السبي قد اقترب وسيقتل الكثيرون والباقى يؤخذون سبايا فلا يتعرض ارميا للقلق بسبب قتل أو أخذ زوجته وأولاده كعبيد بعيدًا عنه ولكى يكون مثالًا للشعب وإعلانًا عن اقتراب السبي عندما يسألونه عن سبب عدم زواجه ليؤمنوا بحقيقة ما يقول فيتوبوا عن شرورهم التي تسبب هذا السبي.
ع3-4: دمنه : فضالات الإنسان والحيوان
يندبون: كلمات الرثاء الحزينة التي تقال في المناحات للموتى.
يعلن سبب عدم زواج ارميا وهو نبوة عن أمهات وبنات وأبناء شعب الله أنهم سيموتون بسيف بابل أو يمرضون من الجوع وأكثر من هذا أنه لن يعمل مناحه أو ندب لهم وأن جثثهم لن يدفنها أحد بل تلقى على وجه الأرض كدمنه أو تأكلها طيور السماء ووحوش الأرض إعلانًا للذل الذي سيصيبهم على يد البابليين.
ع5: منع الله ارميا من حضور المآتم أو المناحات التي تعمل عند موت إنسان حتى إذا سألوه يعلن لهم ما سيحدث عند السبي حيث لن تعمل مناحات عند موت أحد بل ستلقى الجثث في الأرض ويهرب الباقون، كل هذا لأن الله سيمنع سلامه وإحسانه ورعايته لشعبه لعلهم يتوبون.
ع6: يخمشون: يجرحون أنفسهم عند موت أحيائهم إرضاءً للآلهة الوثنية.
قرعة: كان أقرب الناس للميت يحلق شعر رأسه وذقنه إرضاءًا للآلهة الوثنية.
يؤكد أنه عند هجوم بابل سيقتل الكبار والصغار ويهرب الباقون ولا يكون هناك فرصة لعمل مراسم الحزن مثل الندب أو خمش الأجساد وحلق الشعر إرضاءً للآلهة الوثنية التي كانوا يعبدونها ولأن الأجساد لن تدفن أصلًا بل تظل ملقاه على الأرض.
ع7: كان المعزون قديمًا يفعلون مثل ما يحدث الآن عند البعض فيأتون بطعام وشراب إلى بيت الميت لمشاركة أهله في وليمه المأتم لأنه لن تقام مآتم ولا حتى تدفن الجثث عند هجوم بابل. فالخلاصة يعلن إرميا للشعب عند عدم حضوره المناحات أن السبب هو إنذار الله لهم للسبى الآتي عليهم حتى يتوبوا.
ع8: كذلك منع الله إرميا من حضور ولائم الفرح أو الاشتراك في الطعام والشراب المقدم فيها.
ع9: والسبب في عدم حضور ولائم الفرح أن الله سيبطلها عند حلول السبي فيكون الكل في حزن ولا يعملون ولائم الفرح التي تعمل بعد اتمام الزواج أو أي مناسبات أخرى.
انظر إلى حياة القديسين لتتعلم منها كيف تحيا مع الله وتستعد لأبديتك فلا تتعب من حروب أبليس بعد ذلك إذ تكون قويًا بالله مثل هؤلاء القديسين.
(2) الخطية سبب السبي ( ع 10 - 13)
10 «وَيَكُونُ حِينَ تُخْبِرُ هذَا الشَّعْبَ بِكُلِّ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَكَ: لِمَاذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَلَيْنَا بِكُلِّ هذَا الشَّرِّ الْعَظِيمِ، فَمَا هُوَ ذَنْبُنَا وَمَا هِيَ خَطِيَّتُنَا الَّتِي أَخْطَأْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا؟ 11 فَتَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَكُمْ قَدْ تَرَكُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَذَهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا وَسَجَدُوا لَهَا، وَإِيَّايَ تَرَكُوا، وَشَرِيعَتِي لَمْ يَحْفَظُوهَا. 12 وَأَنْتُمْ أَسَأْتُمْ فِي عَمَلِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ. وَهَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ حَتَّى لاَ تَسْمَعُوا لِي. 13 فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلًا حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً.
ع10: يعلن الرب لارميا أنه عندما سيتنبأ لهم بالسبي الآتي عليهم كتأديب لهم أنهم سيتعجبون لأنهم لا يعملون خطايا تستحق هذا ويتساءلون ما هي خطيتنا. وهذا يوضح العمى الروحي الذي أصاب الشعب بسبب انغماسهم في الخطية وانقطاع علاقتهم بالله فصاروا في جهل شديد وعدم تميز.
ع11-13: طلب الرب من إرميا أن يرد عليهم بأن الأسباب هي:
عبادة الأوثان والشرور التي عملها آبائهم وتركهم لله فتأثر الأبناء وتعلموا هذه الخطايا من أبائهم.
استمرارهم في خطايا أبائهم بل زادوا فيها.
رفضهم صوت الله على فم إرميا ومعاندتهم له.
عندما سيطردهم البابليون من أرضهم وينقلوهم إلى بلاد مملكتهم سيستمرون في عبادة الأوثان التي تعودوها ليس فقط نهارًا خوفًا من الأعداء بل ليلًا أيضًا لأنهم احبوا هذه العبادة فيقدمونها من قلوبهم لاقتناعهم وستفارقهم نعمة الله فيعانون من الظلم المادي والروحي لإصرارهم على الخطية.
إن رأيت أخطاء في والديك أو في أي إنسان فلا تدينه بل حاول تجنب هذه الخطايا واكتساب الفضائل المعاكسة فتعمل عملًا إيجابيًا وتخلص نفسك بقوة المسيح.
(3) عبودية مصر وبابل ( ع14، 15)
14 «لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، 15 بَلْ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا. فَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا.
يعقد مقارنة بين عبوديتهم في مصر وعبوديتهم في بابل يتضح منها قسوة الثانية عن الأولى. لماذا؟
عبوديتهم في مصر أتت تدريجيًا إذ كانوا يعاملون حسنًا ثم تغيرت المعاملة من الفراعنة أما سبى بابل فكانت العبودية مفاجأة وشديدة أي قاسية من بدايتها.
كانوا في مصر عمال نافعين أما في بابل فكانوا محل استهزاء وتحقير البابليين.
سكنوا في مصر بأرض جاسان أي أرض خاصة بهم ليعبدوا لله كما يريدون أما في بابل فعاشوا وسط الوثنيين محاطين بأوثانهم وإن كانوا قديمًا يشعرون بقوة الله التي أخرجتهم من عبودية مصر ويحلفون بهذا قائلين حى هو الرب الذي أخرجنا من مصر ولأجل قسوة عبودية بابل بالقياس بمصر يتعثر حلفهم ويقولون حى هو الرب الذي ارجعنا من السبي البابلي.
(4) الله يؤدب شعبه (ع 16-21):
16 «هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَصْطَادُونَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أُرْسِلُ إِلَى كَثِيرِينَ مِنَ الْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ عَنْ كُلِّ جَبَل وَعَنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ شُقُوقِ الصُّخُورِ. 17 لأَنَّ عَيْنَيَّ عَلَى كُلِّ طُرُقِهِمْ. لَمْ تَسْتَتِرْ عَنْ وَجْهِي، وَلَمْ يَخْتَفِ إِثْمُهُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. 18 وَأُعَاقِبُ أَوَّلًا إِثْمَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ ضِعْفَيْنِ، لأَنَّهُمْ دَنَّسُوا أَرْضِي، وَبِجُثَثِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ قَدْ مَلأُوا مِيرَاثِي». 19 يَا رَبُّ، عِزِّي وَحِصْنِي وَمَلْجَإِي فِي يَوْمِ الضِّيِق، إِلَيْكَ تَأْتِي الأُمَمُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: «إِنَّمَا وَرِثَ آبَاؤُنَا كَذِبًا وَأَبَاطِيلَ وَمَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ. 20 هَلْ يَصْنَعُ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟». 21 «لِذلِكَ هأَنَذَا أُعَرِّفُهُمْ هذِهِ الْمَرَّةَ، أُعَرِّفُهُمْ يَدِي وَجَبَرُوتِي، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ اسْمِي يَهْوَهُ.
ع16: جزافين : صيادين أسماك.
قناصين: صيادين حيوانات.
أكمة: تل.
يعلن الله أنه سيؤدب شعبه بإرسال البابليين عليهم كجزافين وقناصين فيصطادونهم ويقتلونهم حتى لو أختبأوا في الجبال والتلال أو شقوق الصخور أي أنهم لابد أن يهلكوا بسبب خطاياهم.
ع17: الله طويل الأناة ولكنه يرى كل خطايا شعبه حتى لو عملوها في الخفاء ولابد أن يعاقبهم عنها في النهاية. ولكنه حتى في تأديبهم يطلب ان يتوبوا فينبأهم بتأديبه لهم حتى يتوبوا فهو أب حنون لا يريد هلاك شعبه.
ع18: جثث مكرهاتهم : الحيوانات المذبوحة للآلهة الوثنية.
نتيجة انغماس شعب الله في عبادة الأوثان ورفضهم لله سيعاقبهم عقابًا شديدًا مضاعفًا يناسب شرهم الكبير وإغاظتهم لله وتدنيسهم أرض الميعاد بعبادة الأوثان.
ع19، 20: عزى : مجدى وفخرى.
يحدث النبى الله وسط الضيقات التي يقابلها من شعبه البعيد عن الله، فيثق بالرب حصنه وملجأه في الضيقات بل ومجده وفخره. ويتنبأ عن إيمان الأمم بالمسيح فيعلنون أن عبادتهم للأوثان هي كذب والإله الحقيقي هو المسيح.
ع21: ثم يعلن النبي أن الله سيعرف الأمم اسمه وقوته فيؤمنون به ويتركون عنهم الآلهة الوثنية، ويعرفون أنه يهوه أي هو الله وليس غيره.
† لا تضطرب من مقاومة الأشرار فإنهم ضعفاء وسيخضعون لمسيحك في النهاية وسيشعرون بقوته التي فيك فأثبت في إيمانك وصلى لأجلهم.


تفسير سفر ارميا الاصحاح السابع عشر

(1) سيطرة الخطية (ع1 - 4):
1 « خَطِيَّةُ يَهُوذَا مَكْتُوبَةٌ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، بِرَأْسٍ مِنَ الْمَاسِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى لَوْحِ قَلْبِهِمْ وَعَلَى قُرُونِ مَذَابِحِكُمْ. 2 كَذِكْرِ بَنِيهِمْ مَذَابِحَهُمْ، وَسَوَارِيَهُمْ عِنْدَ أَشْجَارٍ خُضْرٍ عَلَى آكَامٍ مُرْتَفِعَةٍ. 3 يَا جَبَلِي فِي الْحَقْلِ، أَجْعَلُ ثَرْوَتَكَ، كُلَّ خَزَائِنِكَ لِلنَّهْبِ، وَمُرْتَفَعَاتِكَ لِلْخَطِيَّةِ فِي كُلِّ تُخُومِكَ. 4 وَتَتَبَرَّأُ وَبِنَفْسِكَ عَنْ مِيرَاثِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهُ، وَأَجْعَلُكَ تَخْدِمُ أَعْدَاءَكَ فِي أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفْهَا، لأَنَّكُمْ قَدْ أَضْرَمْتُمْ نَارًا بِغَضَبِي تَتَّقِدُ إِلَى الأَبَدِ؟
ع1: يعلن أن خطية سبط يهوذا ويقصد المملكة الجنوبية كلها محفورة في قلوبهم فهي مكتوبة بقلم من حديد أي قوى قادر أن يحفر في الحجارة وكذلك له رأس من الماس وهو معدن قوى قادر أن يحفر أيضًا في المعادن. والخلاصة أن الخطية ثابتة فيهم وفى قلبهم أي في مشاعرهم ونياتهم الداخلية وليس مجرد انزلاق في خطية سطحية.
وتظهر خطيتهم أيضًا على مذابحهم أي العبادات الوثنية والذبائح المقدمة على مذابح الأوثان.
ع2: كذكر نبيهم: كلام معتاد كما يذكر الإنسان أبناءه هكذا صار كلامهم عن عبادة الأوثان التي اعتادوها.
سواريهم: جمع سارية وهي خشبة طويلة تغرس في الأرض لتقدم عندها عبادة لإلهة الخصوبة وهي إحدى الآلهات الوثنية.
آكام : تلال
تعود سبط يهوذا أن يعبدوا الأوثان بإقامة مذابح أو سوارى لها كذلك كانوا يقدمون عبادة الأوثان تحت الأشجار الخضراء ويقدمون هذه العبادات أيضًا فوق الآكام. والخلاصة أن هذه الآية تعلن انتشار العبادات الوثنية بين شعب الله في كل مكان.
ع3: تخومك : حدودك
ينذر الله شعبه بالتدمير والنهب عندما يهجم عليهم أعداؤهم فيسلبون ثرواتهم ويأخذونها من مدنهم الحصينة مهما كانت قوية كالجبل الشامخ لأنهم عبدوا الأوثان فوق هذه الجبال وفى كل مكان.
ع4: وهكذا يتنازل شعب الله عن أرضه وميراثه فيتركهما أي يتبرأ منهما ويذهب إلى السبي فالسبب الحقيقي للسبى ليس قسوة الأعداء بل خطية يهوذا، لنا سمح الله للأعداء أن يهجموا عليه. ولما تم السبي ذهب شعب الله ليصير عبدًا يخدم البابليين وكان هذا غضبًا من الله بسبب خطية يهوذا التي أشعلت غضب الله ضدهم والذي يستمر إلى الأبد إن لم يتوبوا عن خطاياهم فغضب الله يستمر على الخطاه الذين لم يتوبوا ويكمل في يوم الدينونة حيث يذهبون إلى العذاب الأبدي.
† الخطية هي التي تفصلك عن الله وتحرمك من بركاته وتجلب عليك كل غضب فلا تنخدع بلذتها فهي زائلة وتخلف في داخلك مرارة عظيمة وإن سقطت أسرع بالتوبة لتنقذ نفسك لأن إلهنا رؤوف ورحوم.
(2) الاتكال على الله ( ع 5 - 8):
5 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ، وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ، وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ. 6 وَيَكُونُ مِثْلَ الْعَرْعَرِ فِي الْبَادِيَةِ، وَلاَ يَرَى إِذَا جَاءَ الْخَيْرُ، بَلْ يَسْكُنُ الْحَرَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، أَرْضًا سَبِخَةً وَغَيْرَ مَسْكُونَةٍ. 7 مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ، 8 فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ، وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ.
ع5: ذراعه: قوته لأن الذراع يعمل بها الإنسان وتظهر بها قوته.
يحذر الله مملكة يهوذا من الإتكال على البشر وقوتهم فهؤلاء يفقدون معونة الله ويكونون ملعونين منه لأنهم حادوا عنه ورفضوه.
ع6: العرعر: نبات جاف ليس له ثمار ويظهر في الصحراء.
البادية : الصحراء.
الحرة : الأرض الحارة أي الذي ليس بها أي نباتات أو أثمار ويعنى عدم وجود ثمر في الإنسان.
سبخة : أرض مالحة غير صالحة للزراعة.
اتكل شعب الله على البشر مثلما حاولوا الاتكال على مصر ليتحصنوا من أشور وبابل بدلًا من أن يتكلوا على الله فصاروا شعبًا جافًا وبلا ثمر مثل نبات العرعر في الصحراء فإذا أعطت النباتات ثمارًا وخيرًا لا يعطى هو ويسكن في أرض غير عامرة بالسكان، مثل الأرض السبخة، أو الشديدة الحرارة. والمعنى أن غير المتكل على الله لا يتمتع بثمار روحية في حياته ويصير مرذولًا من الناس ويفقد أيضا البركات المادية.
ع7: على العكس من يتكل على الله ينال بركات كثيرة في حياته سواء روحية أو مادية.
ع8: شبه الإنسان المتكل على الله بثمرة مغروسة بجوار مجرى مياه فتمد جذورها في الأرض فتجد مياه تكفيها فلا تعانى من الجو الحار أو الجفاف الذي يحل بكل النباتات لأنها مغروسة بجوار مجرى المياه. ومجرى المياه هنا مقصود به الله الذي يتكل عليه أولاده فلا يضطربون من ضيقات الحياة.
† أطلب الله قبل كل عمل فتشعر بمعونته ولا يعود قلبك يضطرب مهما حلت بك الضيقات لأنه ينقذك منها بل ويتمجد فيك من خلالها.
(3) مكافأة الأبرار والأشرار (ع 9-13):
9 «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟ 10 أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ. 11 حَجَلَةٌ تَحْضُنُ مَا لَمْ تَبِضْ مُحَصِّلُ الْغِنَى بِغَيْرِ حَقّ. فِي نِصْفِ أَيَّامِهِ يَتْرُكُهُ وَفِي آخِرَتِهِ يَكُونُ أَحْمَقَ!». 12 كُرْسِيُّ مَجْدٍ مُرْتَفِعٌ مِنَ الابْتِدَاءِ هُوَ مَوْضِعُ مَقْدِسِنَا. 13 أَيُّهَا الرَّبُّ رَجَاءُ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ الَّذِينَ يَتْرُكُونَكَ يَخْزَوْنَ. «الْحَائِدُونَ عَنِّي فِي التُّرَابِ يُكْتَبُونَ، لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ».
ع9: يحذر الله أولاده في مملكة يهوذا حتى لا يسيروا في الشر بقلوبهم الردية فيصير قلبهم نجيسًا، أي مرًا.
† أطلب الله قبل كل عمل فتشعر بمعونته ولا يعود قلبك يضطرب مهما حلت بك الضيقات.
ع10: يعلن الله عن نفسه أنه هو العارف بخفايا القلوب ولذا يعاقب شعبه الشرير بالسبي لعلهم يتوبون ويكافئ أولاده المطيعين بالسلام والفرح.
ع11: حجلة: طائر برى له ساقان طويلان ومنقار أحمر كان يعيش في فلسطين ويضع بيضه في أعشاش على الأرض وليس على الشجر.
كان طائر الحجلة يحتضن وينام على بيض طيور أخرى فإذا فقس البيض فإنه يعطى أفراخًا غريبة عنه ما تلبث أن تتركه فلا يستفيد شيئًا من كل تعبه. وهذا الطائر يشبه من يحصل على أموال بطريقة غير مشروعة فهي تضيع منه بعد ذلك سواء بفقدانها أو بموته فلا يستفيد شيئًا مما حصل عليه.
يبدو أن هذه الآية كانت مثلًا يردده الناس واستخدمها الله هنا لينهى عن محبة المال وتحصيله بطرق غير مشروعة مثل السرقة والاستغلال.
ع12: على الجانب الآخر يعلن الله أن مكانه المقدس في بيته عظيم ومرتفع عن كل الأرضيات التي ينشغل بها أهل العالم ويضيعون حياتهم فيها.
ع13: من يترك الله القدوس يفقد طهارته وسموه ويفقد مكانه السماوى الأبدي وتلتصق حياته بالتراب الذي أخذ منه فيكتب فيه أي يموت وتنتهي حياته في الأرضيات الزائلة.
ويوجه إرميا نظر شعب الله إلى أن رجاءهم هو الله ليخرجوا من ضيقاتهم المادية وانشغالهم بالخطية والأرضيات فهو ينبوع الماء الحي الحقيقي وليس الغنى والمال.
† لا تنسى أنك ابن السماء لأن أباك سماوى فلا تنشغل بالماديات الزائلة ولا تنزعج من ضيقات الحياة لأن الله قادر أن ينقذك منها فتظل شبهة كل حين.
(4) الله مخلصنا من الخطية (ع 14 - 18):
14 اِشْفِنِي يَا رَبُّ فَأُشْفَى. خَلِّصْنِي فَأُخَلَّصَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَسْبِيحَتِي. 15 هَا هُمْ يَقُولُونَ لِي: «أَيْنَ هِيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ؟ لِتَأْتِ!» 16 أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَعْتَزِلْ عَنْ أَنْ أَكُونَ رَاعِيًا وَرَاءَكَ، وَلاَ اشْتَهَيْتُ يَوْمَ الْبَلِيَّةِ. أَنْتَ عَرَفْتَ. مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ كَانَ مُقَابِلَ وَجْهِكَ. 17 لاَ تَكُنْ لِي رُعْبًا. أَنْتَ مَلْجَإِي فِي يَوْمِ الشَّرِّ. 18 لِيَخْزَ طَارِدِيَّ وَلاَ أَخْزَ أَنَا. لِيَرْتَعِبُوا هُمْ وَلاَ أَرْتَعِبْ أَنَا. إِجْلِبْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الشَّرِّ وَاسْحَقْهُمْ سَحْقًا مُضَاعَفًا.
ع14: يتكلم إرميا كخادم عن شعبه فيعلن أنه خاطئ محتاج لشفاء الله وأيضًا باتضاع يعلن حاجته الشخصية للشفاء وبهذا يكون قدوة لشعبه في الرجوع لله بالتوبة.
يطلب من الله أن يشفيه من جراحات الخطية وينقذه من كل أتعابه حتى يظل يسبح الله ويتمتع بالصلاة الدائمة معه.
ع15: فى الوقت الذي يقدم فيه إرميا توبة أمام الله، ينكر الشعب وجود الله وعمله فيقولون عنه أنه لا ينفذ كلامه ولا يعاقب من يخطئ بل يسخرون ويقولون أين هي كلمة الله لتأت وتنفذ إن كانت صادقة.
ع16: لم اعتزل: لم اتخَلَّ عن مكانى كراعٍ للشعب.
ولكن إرميا لم يتأثر بكلام الشعب المتشكك في عمل الله وظل يرعى شعبه وينبههم ليتوبوا وفى كل هذا هو يتبع الله ويستتر فيه فالله هو قائده في كل خدمته.
وبروح الأبوه لم يتمنى أن يأتي غضب الله على شعبه ليعاقبهم عن خطاياهم فيعلموا أن كلمته صادقة ويرد على سخريتهم.
ولكن يود أن يطيل الله أناته حتى يتوب شعبه ويشهد الله على نفسه أنه أعلن في صلواته لله التوبة لشعبه بالإضافة أن الله يعرف قلبه ومشاعره وأبوته نحو الشعب.
ع17: يطلب إرميا لنفسه ولكل الشعب حنان الله ورحمته فلا يجازيهم عن خطاياهم بالخوف والضيقة لأنه هو ملجأهم في كل ضيقاتهم.
ع18: يوم الشر يوم الضيقة.
بإيمان يطلب معونة الله الذي يطمئنه، وفى نفس الوقت يخيف أعداءه ويهزمهم ويسحقهم أمامه، فحتى لو حلت الضيقة به من الأعداء فالله قادر أن يخلصه من أيديهم ويسحقهم، وتحقق هذا في حفظ الله ارميا في الإيمان طوال حياته أما من ضايقوه من الشعب فارتعبوا أمام بابل، والبابليون أيضًا زالت ممكلتهم بعد سنوات على يد مملكة مادي وفارس.
† كن واثقًا في قوة إلهك الذي يحميك مهما ثارت عليك حروب الشياطين ومهما سقطت، فهو قادر أن يقيمك ويهزمهم أمامك بل ويفرح قلبك بتعزياته حتى تنال المجد في ملكوت السموات.
(5) كسر السبت (ع 19 - 27):
19 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ وَقِفْ فِي بَابِ بَنِي الشَّعْبِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ مُلُوكُ يَهُوذَا وَيَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَفِي كُلِّ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ، 20 وَقُلْ لَهُمُ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا مُلُوكَ يَهُوذَا، وَكُلَّ يَهُوذَا، وَكُلَّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ الدَّاخِلِينَ مِنْ هذِهِ الأَبْوَابِ. 21 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: تَحَفَّظُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَحْمِلُوا حِمْلًا يَوْمَ السَّبْتِ وَلاَ تُدْخِلُوهُ فِي أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ، 22 وَلاَ تُخْرِجُوا حِمْلًا مِنْ بُيُوتِكُمْ يَوْمَ السَّبْتِ، وَلاَ تَعْمَلُوا شُغْلًا مَّا، بَلْ قَدِّسُوا يَوْمَ السَّبْتِ كَمَا أَمَرْتُ آبَاءَكُمْ. 23 فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ قَسَّوْا أَعْنَاقَهُمْ لِئَلاَّ يَسْمَعُوا وَلِئَلاَّ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. 24 وَيَكُونُ إِذَا سَمِعْتُمْ لِي سَمْعًا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَمْ تُدْخِلُوا حِمْلًا فِي أَبْوَابِ هذِهِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، بَلْ قَدَّسْتُمْ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَمْ تَعْمَلُوا فِيهِ شُغْلًا مَّا، 25 أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ هذِهِ الْمَدِينَةِ مُلُوكٌ وَرُؤَسَاءُ جَالِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، رَاكِبُونَ فِي مَرْكَبَاتٍ وَعَلَى خَيْل، هُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ رِجَالُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ، وَتُسْكَنُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى الأَبَدِ. 26 وَيَأْتُونَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَمِنْ حَوَالَيْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ أَرْضِ بِنْيَامِينَ وَمِنَ السَّهْلِ وَمِنَ الْجِبَالِ وَمِنَ الْجَنُوبِ، يَأْتُونَ بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ وَلُبَانٍ، وَيَدْخُلُونَ بِذَبَائِحِ شُكْرٍ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. 27 وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتُقَدِّسُوا يَوْمَ السَّبْتِ لِكَيْلاَ تَحْمِلُوا حِمْلًا وَلاَ تُدْخِلُوهُ فِي أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِنِّي أُشْعِلُ نَارًا فِي أَبْوَابِهَا فَتَأْكُلُ قُصُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ تَنْطَفِئُ».
ع19-20: طلب الله من إرميا أن يقف في الباب الذي يدخل منه ملوك يهوذا أي رؤساء الشعب ومعظم الشعب فهو أحد أبواب أورشليم الذي يدخل منه كثيرون وقد يكون باب بنيامين، ويقصد أن يعلن الكلام التالي للشعب كله حيث يمرون جميعًا دخولًا أو خروجًا من أورشليم من هذا الباب وجميع الأبواب الأخرى لأن مدينة أورشليم كان لها أبواب كثيرة.
وهذا معناه الروحي أن نعلن كلام الله لكل من حولنا وليس للبعض فقط وندعوا الكل للارتباط بالكنيسة.
ع21-22: أمر الله على فم إرميا هو عدم العمل في يوم السبت سواء بحمل أمتعة من خارج أورشليم إلى داخلها أي يشترون هذه الحاجيات أو يحملون أحمالًا من بيوتهم ليبيعونها خارج أورشليم، ولكن يقدسوا ويخصصوا يوم السبت لعبادة الله.
ع23: يعلن الله بأسف أن شعبه رفضوا طاعة الوصية بحفظ السبت وكانت قلوبهم قاسية فخلت من كل مشاعر البنوة لله ويظهر عدم طاعتهم بقساوة أعناقهم مثلما يرفض الحيوان الجامح المتمرد وضع النير على رقبته والخضوع لصاحبه، بل تذمروا أيضًا على تأديب الله لهم ولم يفهموا أن هذا بسبب خطاياهم.
ع24-25: يعلن بركات طاعة وصية حفظ السبت ليشجعهم على حفظها بأنهم إن أطاعوا سيكون لهم ملوك عظماء يركبون المركبات والخيل يحكمونهم ويعيشون في سلام وأمان، بل يعدهم ليس فقط بالراحة في أورشليم الأرضية بل أيضًا في أورشليم السمائية إلى الأبد في ملكوت السماوات إن حفظوا وصاياه.
ع26: يكمل البركات التي تحدث بطاعتهم لوصاياه بأن يأتي اليهود من كل مكان ويذكر هنا ست مناطق ليعلن أنه من كل مكان سيأتى المؤمنون ويقدمون ذبائح شكر وعبادات مقدسة لله.
ع27: وعلى العكس إن لم يطيعوا وصية الله يسمح الله للأعداء وهم البابليون بتدمير أورشليم وحرق أبوابها وكل قصورها.
† اهتم بطاعة وصايا الله فإنها تحفظك من كل شر وتتمتع برعاية الله لك وبعشرته في الأرض ثم بالأمجاد في السماء.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثامن عشر

(1) الفخاري المحب (ع1-6):
1 الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي». 3 فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ، وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلًا عَلَى الدُّولاَبِ. 4 فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. 5 فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 6 «أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.
ع1، 2: قم : تعنى الإسراع في تنفيذ الأمر. وترمز للقيامة مع المسيح.
انزل : كان الفخارون في الغالب يعملون مصانعهم في الوديان ليجدوا الطين المناسب لعملهم، لذا قال له انزل أي انزل إلى الوادى المنخفض. ويرمز النزول إلى الاتضاع.
أمر الله إرميا بالذهاب إلى بيت الفخاري أي الذي يعمل في صنع الفخار ليسمع كلام الله الذي يقدم وسيلة إيضاح لكلامه وهي صنع الفخار.
وحتى يستطيع الإنسان أن يسمع صوت الله، ينبغى أن يكون معه فتتجدد حياته ويستطيع أن يتضع ويسمع ويفهم كلام الله.
ع3، 4: الدولاب : الجهاز الذي يشكل عليه الطين ليصنع الأوانى الفخارية.
عندما ذهب إرميا إلى بيت الفخاري وجده يصنع آنية فخارية على الدولاب ثم لاحظ أن الإناء قد فسد، ولم يقل أن الفخاري قد أفسده، لأن الفخاري يرمز إلى الله والآنية الفخارية إلى البشر الذين يفسدون حياتهم بأنفسهم بابتعادهم عن الله، ولكن الله بمحبته يعيد تشكيل الطين مرة أخرى ويُصلح الآنية التي فسدت فهي وإن فسدت ولكنها مازالت بين يديه فإن تابوا ورجعوا إليه يجدد طبيعتهم ويصنعهم آنية للكرامة بحسب مسرته وما يحلو في عينيه، كما جدد الجنس البشرى، بفدائه من خلال سر المعمودية.
ع5، 6: إذ رأى إرميا عمل الفخاري كوسيلة إيضاح قال له الله إنى أستطيع مثل هذا الفخاري أن أعيد تشكيلكم بعدما أفسدتم حياتكم بالخطية وأجددكم. فهو يعطى رجاء لشعبه حتى يتوبوا ويرجعوا إليه فيعيدهم إلى بنوتهم الأولى له وحياتهم النقية.
† ثق في قوة الله القادرة على تجديد حياتك مهما كانت خطاياك كثيرة أو متكررة فهو أبوك الذي يحبك وأنت دائمًا بين يديه فارجع إليه بالتوبة واطلب معونته فيصلح حياتك.
(2) أبوة الله للكل (ع7-10):
7 تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، 8 فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. 9 وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، 10 فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ.
ع7: يعلن الله عن خطته بالتعامل مع البشر فإذا وجدهم في سلوك شرير يقرر أنه سيهلكهم ويقلعهم كالأشجار، أي يقتلهم. وهذا ليس قرارًا نهائيًا بل هو إعلان عن غضبه على شرورهم لعلهم يتوبون فيخلصوا من هذا الغضب وهذا يبين محبة الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ولا يريد هلاك أحد.
ع8: إن رجعت هذه الأمة عن سلوكها الشرير وتابت فالله لا يعاقبها فالمقصود بالشر الذي كان سيوقعه الله بها أي عقابها.
ع9: الحالة الأخرى هي أن يعد الله الأمه بالخير والبنيان والبركات، والمقصود بالغرس الثبات كما تثبت الشجرة في الأرض.
ع10: "فى عينى": أي شر يعمله الإنسان هو في حق الله وتحدى له.
"اندم": يتكلم الله بمفاهيم البشر وهي التراجع عما قرروه ولكن في الحقيقة الله يعلم كل شيء قبل أن يكون ولا يندم على شيء بل هو يعرف أنه لم يعطهم الخير بسبب شرورهم. فاستخدام الله لهذه الألفاظ مثل استخدام الشخص الكبير لألفاظ مناسبة للأطفال عندما يتحدث معهم، لا لأنه لم يعرف لغة الكبار بل ليكون مفهومًا من الأطفال.
إن تركت هذه الأمة الله وفعلت الخطايا أمامه ورفضت طاعة وصاياه فلا يحسن الله إليها ولا يعطيها بركات.
† إن كل إساءة تسىء بها للآخرين هي موجهة لله لأن كل البشر هم صورته وحتى لو كانت الخطية في فكرك وفى قلبك فهي تحدى لله. إرجع إليه بالتوبة فهو مستعد أن ينسى كل خطاياك.
(2) الفخاري المؤدب (ع11-17):
11 «فَالآنَ كَلِّمْ رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُصْدِرٌ عَلَيْكُمْ شَرًّا، وَقَاصِدٌ عَلَيْكُمْ قَصْدًا. فَارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، وَأَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ». 12 فَقَالُوا: «بَاطِلٌ! لأَنَّنَا نَسْعَى وَرَاءَ أَفْكَارِنَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ حَسَبَ عِنَادِ قَلْبِهِ الرَّدِيءِ». 13 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «اسْأَلُوا بَيْنَ الأُمَمِ. مَنْ سَمِعَ كَهذِهِ؟ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ جِدًّا عَمِلَتْ عَذْرَاءُ إِسْرَائِيلَ. 14 هَلْ يَخْلُو صَخْرُ حَقْلِي مِنْ ثَلْجِ لُبْنَانَ؟ أَوْ هَلْ تَنْشَفُ الْمِيَاهُ الْمُنْفَجِرَةُ الْبَارِدَةُ الْجَارِيَةُ؟ 15 لأَنَّ شَعْبِي قَدْ نَسِيَني! بَخَّرُوا لِلْبَاطِلِ، وَقَدْ أَعْثَرُوهُمْ فِي طُرُقِهِمْ، فِي السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ لِيَسْلُكُوا فِي شُعَبٍ، فِي طَرِيق غَيْرِ مُسَهَّل، 16 لِتُجْعَلْ أَرْضُهُمْ خَرَابًا وَصَفِيرًا أَبَدِيًّا. كُلُّ مَارّ فِيهَا يَدْهَشُ وَيَنْغِضُ رَأْسَهُ. 17 كَرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ أُبَدِّدُهُمْ أَمَامَ الْعَدُوِّ. أُرِيهِمِ الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ فِي يَوْمِ مُصِيبَتِهِمْ».
ع11: أصلحوا طرقكم : سيروا في طريق الله وابعدوا عن طرق الشر.
ينذر الله شعبه بالعقاب لأجل خطاياهم فقد صدرت قرارات إلهية بعقابهم لعلهم يخافون ويرجعون إليه فيرفع عنهم هذا العقاب.
ع12: للأسف كانت إجابة شعب الله عليه سيئة فاستهانوا بكلامه واعتبروه باطلًا أي بلا قيمة وأصروا على التمادي في أفكارهم وأعمالهم الشريرة أي أنهم رفضوا التوبة واستمروا في الخطية.
ع13: تعجب الله لرفض شعبه لكلامه، ويشهد عليهم شعوب العالم التي تطيع آلهتها الوثنية أما شعب الله الذي كان ينبغى أن يكون محبًا وملتصقًا به فقد رفضه وتمادى في شره ويشبهه بالعذراء التي ليس لها إلا عريسها لأنها غير مرتبطة بأى رجل
ع14: يعاتب الله شعبه بأنه أحبه فأعطاه الماء في صورة الثلج على قمم الصخور في الجبال المرتفعة مثل لبنان وعندما يذوب الثلج يتحول إلى مياه جارية تجرى باستمرار وتسقى الإنسان والحيوان والنبات. فالله يعطيهم بركاته السماوية فلماذا لا يعبدونه ويشكرونه؟ لماذا تحولوا إلى عبادة الأوثان؟
ع15: السبل القديمة : طرق الآباء الذين عاشوا مع الله وحفظوا وصاياه.
شعب : طرق ملتوية في الصحراء بين الجبال فيعسر المرور بها.
غير مُسهل : طريق صعب لا يمكن السير فيه وهو طريق عبادة الأوثان والشر.
يستكمل الله عتابه لشعبه الذي أهمل بركاته ونسى نعم الله عليه الذي أخرجه بقوة عجيبة من أرض مصر وحفظه في برية سيناء وأطعمه من السماء وسقاه من الصخرة. ترك الله صانع الخيرات وذهب ليبخر للباطل أي عبادة الأوثان وأعثر الأشرار بقية الشعب فابتعدوا عن طرق الآباء المستقيمة وصاروا في طرق وعرة تهلكهم وهي طرق عبادة الأوثان.
ع16، 17: ينغض : يهز رأسه بإستهزاء وحسرة.
أريهم القفا : اتخلى عنهم.
نتيجة إصرار شعب الله على الخطية ينذرهم الله بهذه العقوبات حتى يتوبوا وهي:
تهدم مُدنهم وتصير أرضهم خرابًا وقد تم ذلك على يد بابل وهذا يرمز إلى ضياع الممتلكات والشهوات التي تعلق بها الإنسان الشرير، ولا يسكن فيها أحد بل يُسمع فيها صفير الرياح أي صوتها الشديد الذي يتحرك بقوة لعدم وجود أسوار أو مباني.
يتعجب ويستهزأ كل إنسان يمر بهذه المدن الخربة التي هلكت بسبب شرورها. وهذا يرمز لإستهزاء الشياطين بنا عندما نصر على الشر فنلقى في العذاب الأبدي.
يتبدد سكان يهوذا كمن تطاردهم ريح حارة شديدة هي الريح الشرقية فيهربون لئلا يختنقوا بحرارتها، وهذا يرمز لقسوة حروب الشياطين التي تصيب البعيدين عن الله والمتهاونين فتبددهم وتهلكهم.
أصعب عقاب هو تخلى الله عنهم فيبعد وجهه أي رعايته لهم ويتركهم يعانون من الضيقات لأنهم رفضوا تبعيته ومُصرين على ذلك، فتكون الضيقات عنيفة جدًا عليهم وهذا يرمز للعذاب الأبدي.
† عندما ترى الضيقات تحل بك أو بالآخرين فاعلم أنها إنذارات من الله حتى ترجع عن خطاياك وعندما تطلب معونة الله تنفتح عينيك فترى بركاته وتشكره فتحيا نفسك فيك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
(3) التخلص من إرميا (ع18-23):
18 فَقَالُوا: «هَلُمَّ فَنُفَكِّرُ عَلَى إِرْمِيَا أَفْكَارًا، لأَنَّ الشَّرِيعَةَ لاَ تَبِيدُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَلاَ الْمَشُورَةَ عَنِ الْحَكِيمِ، وَلاَ الْكَلِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ. هَلُمَّ فَنَضْرِبُهُ بِاللِّسَانِ وَلِكُلِّ كَلاَمِهِ لاَ نُصْغِي». 19 أَصْغِ لِي يَا رَبُّ، وَاسْمَعْ صَوْتَ أَخْصَامِي. 20 هَلْ يُجَازَى عَنْ خَيْرٍ بِشَرّ؟ لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِنَفْسِي. اذْكُرْ وُقُوفِي أَمَامَكَ لأَتَكَلَّمَ عَنْهُمْ بِالْخَيْرِ لأَرُدَّ غَضَبَكَ عَنْهُمْ. 21 لِذلِكَ سَلِّمْ بَنِيهِمْ لِلْجُوعِ، وَادْفَعْهُمْ لِيَدِ السَّيْفِ، فَتَصِيرَ نِسَاؤُهُمْ ثَكَالَى وَأَرَامِلَ، وَتَصِيرَ رِجَالُهُمْ قَتْلَى الْمَوْتِ، وَشُبَّانُهُمْ مَضْرُوبِي السَّيْفِ فِي الْحَرْبِ. 22 لِيُسْمَعْ صِيَاحٌ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِذْ تَجْلِبُ عَلَيْهِمْ جَيْشًا بَغْتَةً. لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِيُمْسِكُونِي، وَطَمَرُوا فِخَاخًا لِرِجْلَيَّ. 23 وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ كُلَّ مَشُورَتِهِمْ عَلَيَّ لِلْمَوْتِ. لاَ تَصْفَحْ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ تَمْحُ خَطِيَّتَهُمْ مِنْ أَمَامِكَ، بَلْ لِيَكُونُوا مُتَعَثِّرِينَ أَمَامَكَ. فِي وَقْتِ غَضَبِكَ عَامِلْهُمْ.
ع18: لا تبيد : لا تفارق.
نضربه باللسان : نمسك عليه كلمة تدينه ونعاقبه ونقتله.
قاوم الشعب إرميا النبى لأنه تنبأ بخراب أورشليم وبهلاكهم وقالوا أنه ليس نبيًا لأن كلمة الله لا تفارق النبي أما إرميا فلا يتكلم بكلام الله بل بالسوء على الشعب وكذلك هو ليس حكيمًا وليس عنده الشريعة ولا الشورة. ثم حاولوا اصطياده بكلمة خطأ يقولها فيعاقبونه عليها وبالتالي اعلنوا بطلان كلامه فلا يسمع له أحد أي أنهم عندما يظنون أن كلامه خاطئ باصطياد كلمات عليه يجعلون الشعب يشكون فيه ولا يسمعون لكلامه. وهم بهذا لا يقاومون إرميا فقط بل بالاولى الله الذي أرسله ويرفضون كلامه.
ع19: يستنجد إرميا بالله ليدافع عنه ضد من يقفون خصمًا له ويقاومونه فيسمع افتراءاتهم ويرد عليهم.
ع20: يتعجب إرميا أن شعبه رد على محبته بالشر إذ كان يقف أمام الله يطلب رحمة لشعبه أما هم فجازوا خيره بالشر وأرادوا قتله.
ع21: ثكالى : أمهات مات أولادهن.
بروح النبوة يتكلم إرميا عما سيحدث لشعبه وليس بروح الانتقام لما يقولونه عنه ومحاولتهم الانتقام منه وذلك لأن أبوته واضحة طوال هذا السفر (إر14: 17) (إر9: 1) (إر8: 21). فيتنبأ بموت الشباب والرجال وتصير النساء ثكالى وأرامل.
ع22: حاول الشعب قتل إرميا بإسقاطه في حفرة أو إيقاعه في شباكهم بإصطياده بكلمة أو محاولة قتله بأى شيء لذا ينتقم الله منهم بعدله الإلهي فتهجم عليهم بابل، وتصدر صرخات من كل بيوتهم لموت الكثيرين منهم.
ع23: يطلب إرميا العدل الإلهي لشرور شعبه لأجل مشورتهم فيعاقبون بالهلاك. وهذا ليس فقط نبوة بل إعلان للشعب لعلهم يتوبون فيربح نفوسهم لأنه يحبهم.
† لا تقاوم من يوبخك فقد تكون رسالة من الله على لسانه حتى لو أكثر التوبيخ واللوم وإن كان كلامه خاطئًا فالتمس له العذر ولا تنتقم منه ولا تسىء إليه.

تفسير سفر ارميا الاصحاح التاسع عشر

(1) خطايا الشعب (ع1-5):
1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «اذْهَبْ وَاشْتَرِ إِبْرِيقَ فَخَّارِيٍّ مِنْ خَزَفٍ، وَخُذْ مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَمِنْ شُيُوخِ الْكَهَنَةِ، 2 وَاخْرُجْ إِلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ الَّذِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْفَخَّارِ، وَنَادِ هُنَاكَ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي أُكَلِّمُكَ بِهَا. 3 وَقُلِ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا مُلُوكَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ شَرًّا، كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِهِ تَطِنُّ أُذْنَاهُ. 4 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَنْكَرُوا هذَا الْمَوْضِعَ وَبَخَّرُوا فِيهِ لآلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ وَلاَ مُلُوكُ يَهُوذَا، وَمَلأُوا هذَا الْمَوْضِعَ مِنْ دَمِ الأَزْكِيَاءِ، 5 وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتٍ لِلْبَعْلِ لِيُحْرِقُوا أَوْلاَدَهُمْ بِالنَّارِ مُحْرَقَاتٍ لِلْبَعْلِ، الَّذِي لَمْ أُوْصِ وَلاَ تَكَلَّمْتُ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي.
ع1: طلب الله من إرميا أن يشترى إبريق ماء مصنوعًا من الفخار ويأخذ معه مجموعة من الكهنة وشيوخ الشعب ليكونوا شهودًا على كلام الله الذي سيعلنه أمامهم وإن كان الكهنة وشيوخ الشعب لا يريدون سماع كلامه ويقاومونه ولكن قد يكون بعضهم له استعداد أن يسمعوا أو بعضهم وافق حتى يصطاده بكلمة.
ع2: وادي بن هنوم : وادي يقع جنوب شرق أورشليم كانت تُلقى فيه جثث الحيوانات وتحرق بالنار فكانت النار مشتعلة فيه دائمًا، بالإضافة إلى إلقاء فضلات الحيوانات والقمامة والأوانى الفخارية المكسورة. وقد أخذت كلمة "جهنم" من "وادى هنوم" لاشتعال النار فيه دائمًا.
باب الفخار : باب بأورشليم يقع جنوب شرق ويُسمى أيضًا باب الدمن أي فضلات الحيوانات لأن منه يخرجون ببقايا الحيوانات والأوانى الفخارية المكسورة ليلقوها في وادي ابن هنوم.
أمر الله إرميا أن يأخذ معه الكهنة والشيوخ والإبريق ويذهب إلى باب الفخار ويخرج منه ويقف أمام وادي بن هنوم ليُعلن كلام الله هناك.
ع3: تطن أذناه : تسمع الأذن صوت مرتفع جدًا فيها يكاد يفقدها سمعها والمقصود خبر شنيع جدًا وصعب على أي أذن أن تسمعه.
وجه إرميا كلامه لا للشعب فقط بل للملوك أيضًا فهو يعلن صوت الله بقوة لكل الأشرار ولا يخاف من أحد مهما كان مركزه لأن الله يطلب خلاص الكل.
ويصف الله نفسه "برب الجنود" معلنًا قوته وقدرته على تنفيذ أصعب الأمور، ويقول أنه سيصنع شيئًا فظيعًا جدًا يتعجب كل أحد منه بل من قسوته لا يستطيعون سماعه وهو تخلى الله عن شعبه وتركهم في أيدي بابل حتى يحطمونهم ويذلونهم لأجل كثرة خطايا شعبه، ورفضهم التوبة كل هذا يعلنه الله لعل شعبه يخافه ويرجع عن خطاياه فيقبلهم.
† كن مستعدًا لسماع صوت الله وتوبيخه على يد أي إنسان مهما كان صغيرًا فتتعلم كل يوم وتخلص نفسك من الشر وتجد لك مكانًا في ملكوت السماوات.
ع4، 5: أنكروا هذا الموضع : حولوا أرض الميعاد إلى أرض نجسة بسبب عبادتهم للأوثان فأنكروا ملكية الله ووجوده في هذا الموضع.
لخّص إرميا خطايا الشعب في:
ترك الله ومحبته وعشرته والتمسك بوصاياه.
تنجيس الأرض بشرورهم.
عبادة الأوثان الغريبة والتبخير لها.
سفك دم الأبرياء الذين قدموهم كذبائح بشرية لإرضاء الآلهة الوثنية مثل (مولك).
بناء مرتفعات على الأماكن العالية للآلهة الوثنية مثل البعل وقدموا ذبائح بشرية لها هم بنيهم الذين أحرقوهم لإرضاء الأوثان وهذا طبعًا كله لم يأمر به الله فهو لم يوصِ أبدًا بتقديم ذبائح بشرية له. وقصة أسحق كانت لإظهار محبة إبراهيم واسحق له ولم يقبل أن يتم الذبح.
(2) تأديبهم وكسر الأبريق (ع6-13):
6 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُدْعَى بَعْدُ هذَا الْمَوْضِعُ تُوفَةَ وَلاَ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ. 7 وَأَنْقُضُ مَشُورَةَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَأَجْعَلُهُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ وَبِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَأَجْعَلُ جُثَثَهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ. 8 وَأَجْعَلُ هذِهِ الْمَدِينَةَ لِلدَّهَشِ وَالصَّفِيرِ. كُلُّ عَابِرٍ بِهَا يَدْهَشُ وَيَصْفِرُ مِنْ أَجْلِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا. 9 وَأُطْعِمُهُمْ لَحْمَ بَنِيهِمْ وَلَحْمَ بَنَاتِهِمْ، فَيَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ صَاحِبِهِ فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُهُمْ بِهِ أَعْدَاؤُهُمْ وَطَالِبُو نُفُوسِهِمْ. 10 ثُمَّ تَكْسِرُ الإِبْرِيقَ أَمَامَ أَعْيُنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَسِيرُونَ مَعَكَ 11 وَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هكَذَا أَكْسِرُ هذَا الشَّعْبَ وَهذِهِ الْمَدِينَةَ كَمَا يُكْسَرُ وِعَاءُ الْفَخَّارِيِّ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ جَبْرُهُ بَعْدُ، وَفِي تُوفَةَ يُدْفَنُونَ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَوْضِعٌ لِلدَّفْنِ. 12 هكَذَا أَصْنَعُ لِهذَا الْمَوْضِعِ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلِسُكَّانِهِ. وَأَجْعَلُ هذِهِ الْمَدِينَةَ مِثْلَ تُوفَةَ. 13 وَتَكُونُ بُيُوتُ أُورُشَلِيمَ وَبُيُوتُ مُلُوكِ يَهُوذَا كَمَوْضِعِ تُوفَةَ، نَجِسَةً كُلُّ الْبُيُوتِ الَّتِي بَخَّرُوا عَلَى سُطُوحِهَا لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَسَكَبُوا سَكَائِبَ لآلِهَةٍ أُخْرَى».
ع6-9: توفة : مكان في وادي ابن هنوم ومعنى الكلمة البصاق أو الحريق وكان في توفه جحر ملىء بالخشب ويشعل فيه النار فالمقصود بتوفه وادي ابن هنوم أو وادي الحريق.
يعلن الله غضبه على مملكة يهوذا التي تعصاه فيأتى عليها ما يلي:
بدلًا من أن تلقى جثث الحيوانات في وادي بن هنوم (أى توفة) يلقى الذين ستقتلهم بابل ويسمى هذا الوادى وادي القتل لكثرة المقتولين الذين ألقوهم فيه.
من كثرة القتلى تهجم الطيور الجارحة والوحوش لتأكل جثثهم.
تخرب أورشليم ومملكة يهوذا ويتعجب كل من يمر بها ويصفر عليها أي يحزن بشدة على ما جرى لها.
تحدث مجاعة حتى يضطر الناس إلى أكل أبنائهم وأصحابهم حتى لا يموتوا من الجوع.
ع10-12: بعد إعلان إرميا خطايا الشعب وتأديب الله لهم أمام عيون الكهنة والشيوخ ألقى فجأة بالإبريق الفخاري الجديد في وادي ابن هنوم وتحطم وصار قطعًا صغيرة ولا يمكن إعادتها لتكون إبريقًا وقال: هكذا يحطم الله هذا الشعب ويصيرون للقتل والحرق مثل وادي ابن هنوم وذلك لكثرة خطاياهم.
ع13: يمتد عقاب الله لشعبه في الأماكن التي عبدوا الأوثان فيها وهي أسطح قصورهم وبيوتهم فتتنجس بسقوط القتلى فيها لأن جثث الموتى كانت نجسة في نظر اليهود أي تصير أماكن عبادة أوثانهم أماكن للنجاسة لأنهم تركوا الله.
† إنذارات الله وتوبيخاته لك بل الضيقات التي تمر بك ليست انتقامًا إلهيًا منك بل هي إعلانات إلهية تدعوك للتوبة لترجع إليه ويرفع عنك كل غضبه.
(3) في دار بيت الرب (ع14، 15):
14 ثُمَّ جَاءَ إِرْمِيَا مِنْ تُوفَةَ الَّتِي أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلَيْهَا لِيَتَنَبَّأَ، وَوَقَفَ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ وَقَالَ لِكُلِّ الشَّعْبِ: 15 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى كُلِّ قُرَاهَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُمْ صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي».
ع14: بعد أن تنبأ إرميا في توفة أي وادي ابن هنوم دخل أورشليم ووقف في دار بيت الرب حيث يجتمع الشعب للعبادة ليعلن ثانية كلام الله.
ع15: أعاد إرميا كلامه عن غضب الله وتأديبه لأورشليم وكل قرى اليهودية التي في مملكة يهوذا لأن الشعب عصى الله ورفضوا أن يخضعوا لوصاياه كما يصلب الحيوان رقبته ويرفض حمل النير وجر الآلات الزراعية.
† الله يكرر كلامه عليك مرات كثيرة على لسان المحيطين بك حتى تتوب فلا تتضايق من هذا بل اشكره واخضع له فتجد حياتك.


تفسير سفر ارميا الاصحاح العشرون

(1) ارتعاد فشحور لضربه إرميا (ع1-6):
1 وَسَمِعَ فَشْحُورُ بْنُ إِمِّيرَ الْكَاهِنُ، وَهُوَ نَاظِرٌ أَوَّلٌ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، إِرْمِيَا يَتَنَبَّأُ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ. 2 فَضَرَبَ فَشْحُورُ إِرْمِيَا النَّبِيَّ، وَجَعَلَهُ فِي الْمِقْطَرَةِ الَّتِي فِي بَابِ بِنْيَامِينَ الأَعْلَى الَّذِي عِنْدَ بَيْتِ الرَّبِّ. 3 وَكَانَ فِي الْغَدِ أَنَّ فَشْحُورَ أَخْرَجَ إِرْمِيَا مِنَ الْمِقْطَرَةِ. فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَا: «لَمْ يَدْعُ الرَّبُّ اسْمَكَ فَشْحُورَ، بَلْ مَجُورَ مِسَّابِيبَ، 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْعَلُكَ خَوْفًا لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ مُحِبِّيكَ، فَيَسْقُطُونَ بِسَيْفِ أَعْدَائِهِمْ وَعَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ، وَأَدْفَعُ كُلَّ يَهُوذَا لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَسْبِيهِمْ إِلَى بَابِلَ وَيَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ. 5 وَأَدْفَعُ كُلَّ ثَرْوَةِ هذِهِ الْمَدِينَةِ وَكُلَّ تَعَبِهَا وَكُلَّ مُثَمَّنَاتِهَا وَكُلَّ خَزَائِنِ مُلُوكِ يَهُوذَا، أَدْفَعُهَا لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَيَغْنَمُونَهَا وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْضِرُونَهَا إِلَى بَابِلَ. 6 وَأَنْتَ يَا فَشْحُورُ وَكُلُّ سُكَّانِ بَيْتِكَ تَذْهَبُونَ فِي السَّبْيِ، وَتَأْتِي إِلَى بَابِلَ وَهُنَاكَ تَمُوتُ، وَهُنَاكَ تُدْفَنُ أَنْتَ وَكُلُّ مُحِبِّيكَ الَّذِينَ تَنَبَّأْتَ لَهُمْ بِالْكَذِبِ».
ع1: فشحور بن إمير : كاهن متقدم في الهيكل ومعنى اسمه "مثمرًا من كل جانب" ناظر أول. كاهن رئيس في بيت الرب.
هذه الكلمات : كلمات إرميا بالخراب لأورشليم والهيكل التي أعلنها في الأصحاح السابق (إر 19: 15).
كان فشحور أحد المتقدمين والرؤساء في الكهنة وسمع نبوات إرميا التي تعلن شر الكهنة والأنبياء وغضب الله عليهم.
المقطرة : لوح خشبى يقيد فيه اليدين والقدمين ويكون الإنسان مستلقيًا على ظهره وذلك داخل السجن.
اغتاظ فشحور من توبيخات إرميا للكهنة والأنبياء الكذبة. فضربه ووضعه في السجن وربطه بالمقطرة مهملًا لكون أرميا كاهنًا مثله ودون أي محاكمات رسمية له معتمدًا على كرامة الكهنة والرؤساء له فلن يعترض أحد على هذا الظلم، وكان هذا السجن بجوار أحد أبواب الهيكل الذي يسمى باب بنيامين في حجرة علوية
ع3: مجور مسابيب : رعب من كل جانب أو رحيل.
بعد أن سجن فشحور إرميا لمدة يوم أخرجه وهو يتوقع أن يكون إرميا قد خاف من الضرب والسجن ولكنه فوجئ به يوبخه بشجاعة معلنًا نبوة الله عليه بتغيير اسمه من فشحور إلى مجور مسابيب أي من مثمر في كل جانب إلى رعب من كل جانب والبعض يفسرون الاسم بأنه رحيل. وهذا معناه أن فشحور سيكون مرتعدًا ارتعادًا عظيمًا أمام الهجوم البابلي وسيرحل ويسبونه بعيدًا عن أورشليم.
† كن شجاعًا مهما كانت تهديدات من يسيئون إليك واطلب معونة الله فتستطيع أن تعلن صوته فيخاف منك الناس ومن إلهك مهما ظهرت قوتهم أو بدا ضعفك. فأنت أقوى من الجميع بقوة الله التي معك.
ع4: خوفًا لنفسك : يصدر الخوف من داخلك.
أنذره إرميا بالخوف الشديد الذي سيملأ قلبه فيثير الرعب في قلوب كل من حوله عندما تهجم جيوش بابل عليهم وتقتلهم بالسيف.
ع5: وسيستولى البابليون على كل ثروات رجال يهوذا ويأخذونها إلى بابل سواء الفضة أو الذهب أو الحيوانات الثمينة وكل شيء له قيمة فيتركونها خرابًا ويدمرونها.
ع6: يظهر من هنا أن فشحور لم يكن فقط كاهنًا لكن من الأنبياء الكذبة أيضًا لذا تنبأ عليه إرميا بأنه سيسبى هو وكل محبيه إلى بابل ويظل هناك حتى يموت.
(2) محاولة إرميا السكوت (ع7-9):
7 قَدْ أَقْنَعْتَنِي يَا رَبُّ فَاقْتَنَعْتُ، وَأَلْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ. صِرْتُ لِلضَّحِكِ كُلَّ النَّهَارِ. كُلُّ وَاحِدٍ اسْتَهْزَأَ بِي. 8 لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ صَرَخْتُ. نَادَيْتُ: «ظُلْمٌ وَاغْتِصَابٌ!» لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لِي لِلْعَارِ وَلِلسُّخْرَةِ كُلَّ النَّهَارِ. 9 فَقُلْتُ: «لاَ أَذْكُرُهُ وَلاَ أَنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ». فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ.
ع7: ضعف إرميا أمام الضرب والسجن وشعر أن الله تخلى عنه ولم ينفذ وعوده بحمايته فعاتب الله الذي أقنعه بأنه سيحميه وألح عليه أن يخرج ليعلن اسمه ويوبخ الكل حتى يتوبوا لكن للأسف سخر منه الكل وضحكوا عليه بل قاوموه وضربوه وسجنوه فتشكك إرميا في رسالته وحاول التخلى عنها.
ع8: وكلما نادى إرميا بكلام الله وصار موبخًا الكل حتى يتوبوا وغضب الكل منه، وسخروا من كلامه وتمادوا في ظلمهم وشرهم. وإذ لم يجد ثمرًا لكلامه شعر أن خدمته بلا فائدة ولعله فكر أن يعبد الله بهدوء ويترك هذه الخدمة الشاقة.
ع9: عندما حاول إرميا السكوت عن إعلان كلام الله شعر بكلام الله داخله كالنار التي تحرقه فلم يستطع الاستمرار في إمساكها وعدم التبشير بها واضطر أن يستسلم في النهاية لله ويواصل خدمته واثقًا أن هذه هى إرادة الله.
† إذا لم تجد ثمرًا لخدمتك فلا تنزعج بل واصل تقديم المحبة ودعوة الآخرين بالارتباط بالكنيسة وثق أن الثمار ستأتي في الوقت المناسب مهما تأخر. فاطلب معونة الله ليسندك ويعزى قلبك.
(3) تسبيح الله المساند (ع10-13):
10 لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. خَوْفٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. يَقُولُونَ: «اشْتَكُوا، فَنَشْتَكِيَ عَلَيْهِ». كُلُّ أَصْحَابِي يُرَاقِبُونَ ظَلْعِي قَائِلِينَ: «لَعَلَّهُ يُطْغَى فَنَقْدِرَ عَلَيْهِ وَنَنْتَقِمَ مِنْهُ». 11 وَلكِنَّ الرَّبَّ مَعِي كَجَبَّارٍ قَدِيرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَعْثُرُ مُضْطَهِدِيَّ وَلاَ يَقْدِرُونَ. خَزُوا جِدًّا لأَنَّهُمْ لَمْ يَنْجَحُوا، خِزْيًا أَبَدِيًّا لاَ يُنْسَى. 12 فَيَا رَبَّ الْجُنُودِ، مُخْتَبِرَ الصِّدِّيقِ، نَاظِرَ الْكُلَى وَالْقَلْبِ، دَعْنِي أَرَى نَقْمَتَكَ مِنْهُمْ لأَنِّي لَكَ كَشَفْتُ دَعْوَايَ. 13 رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، سَبِّحُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ قَدْ أَنْقَذَ نَفْسَ الْمِسْكِينِ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ.
ع10: ظلعى : عرجى أي خطأ يخرج منى بالانحراف عن الصواب.
يطغى : يتجاوز حدوده ويخطئ في حق الله والناس.
بدأ إرميا يستعيد حماسه للخدمة ولكنه شاهد مقاومات كثيرة من كل من حوله الذين يلومونه ويهددونه ويخيفونه ويحاولون جمع شكاوى ضده ويراقبونه ليصطادوا أي خطأ عليه حتى ينتقموا منه.
ع12: يرفع إرميا قلبه بإيمان نحو الله الذي يشعر بقدرته فيناديه رب الجنود بعد أن فهم أن الضيقات التي مرت به كانت لاختبار إيمانه وثباته وهو يعرف قلوب البشر ويطيل أناته ولكنه في النهاية ينتقم من الأشرار. وإرميا بهذا يعلن إيمانه بالله ورغبته في إظهار خطأ الشر وثبات الصلاح والبر وليس قصده كراهية لأعدائه لأنه يحبه بأبوه كما يظهر من الأصحاحات السابقة.
ع13: آمن إرميا بأن الله سيخلصه من أيدي مقاوميه رغم أنهم مازالوا يخيفونه ويهددونه. وفى فرحه بإلهه الذي يسانده يدعو كل البشر لتسبيح الله القدير الذي يحمى أولاده.
† عندما تحل بك أي ضيقة قف أمام الله في الصلاة واطلب معونته فيثبت إيمانك ويتجدد رجاؤك بل يتعزى قلبك ويفرح وتستطيع بعد ذلك أن تساند الآخرين المتضايقين وتثبت إيمانهم.
(4) ضعف النبي (ع14-18):
14 مَلْعُونٌ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ! الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْنِي فِيهِ أُمِّي لاَ يَكُنْ مُبَارَكًا! 15 مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي بَشَّرَ أَبِي قَائِلًا: «قَدْ وُلِدَ لَكَ ابْنٌ» مُفَرِّحًا إِيَّاهُ فَرَحًا. 16 وَلْيَكُنْ ذلِكَ الإِنْسَانُ كَالْمُدُنِ الَّتِي قَلَبَهَا الرَّبُّ وَلَمْ يَنْدَمْ، فَيَسْمَعَ صِيَاحًا فِي الصَّبَاحِ وَجَلَبَةً فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ. 17 لأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْنِي مِنَ الرَّحِمِ، فَكَانَتْ لِي أُمِّي قَبْرِي وَرَحِمُهَا حُبْلَى إِلَى الأَبَدِ. 18 لِمَاذَا خَرَجْتُ مِنَ الرَّحِم، لأَرَى تَعَبًا وَحُزْنًا فَتَفْنَى بِالْخِزْيِ أَيَّامِي؟
ع14: عاد إرميا فتأثر بمقاومة كل الناس له فتمنى لو لم يكن قد ولد حتى لا يقابل كل هذه المتاعب التي شعر أنها فوق طاقته.
ع15: من غمه أيضًا لعن التبشير بميلاده إذ من كثرة ضيقه شعر أنه ولد للغم لا للفرح.
ع16: جلبة : ضوضاء.
من كثرة ضيقة تمنى من أن المبشر بميلاده قد مات ولم يبشر بهذا الميلاد وشبه موته بقلب بمدنتى سدوم وعمورة (قديمًا) وسماع صياح البشر وهم يحترقون فيها.
ع17: تمنى أن الله يقتله وهو جنين في بطن أمه فيصير بطنها قبرًا له ويقال عن أمه أنها حبلت فقط ولم تلد.
ع18: فى حزن يقول إرميا لماذا ولدت حتى أقابل كل هذه المتاعب والإهانات والخزى من كل من حولى.
سجل لنا الكتاب المقدس ضعفات الأنبياء حتى لا نيأس إذا حاربتنا أفكار اليأس والتذمر ولكن نعود إلى إيماننا لأن أكبر الأنبياء تعرضوا لأفكار اليأس ولكنهم تغلبوا عليها.
هذا الكلام قاله إرميا في قلبه ولكن ليس من الضرورى أن يكون أعلنه لأحد وسجله الكتاب المقدس لنا ليشجعنا مهما كانت خطايانا.
† إن حاربتك أفكار الشك أو اليأس أو التذمر فلا تنزعج بل اطلب معونة الله وقاوم هذه الأفكار بترديد المزامير فتخرج من تحتها وتستعيد إيمانك بل تصير أقوى مما كنت.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الحادى والعشرون
(1) صدقيا يطلب مشورة (ع1، 2):
1 اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، حِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا فَشْحُورَ بْنَ مَلْكِيَّا وَصَفَنْيَا بْنَ مَعْسِيَّا الْكَاهِنَ قَائِلًا: 2 «اسْأَلِ الرَّبَّ مِنْ أَجْلِنَا، لأَنَّ نَبُوخَذْراَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ يُحَارِبُنَا. لَعَلَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ مَعَنَا حَسَبَ كُلِّ عَجَائِبِهِ فَيَصْعَدَ عَنَّا».
ع1: أقام نبوخذ راصر، ملك بابل، "متنيا" ملكًا على مملكة يهوذا وأسماه "صدقيا"، وذلك بعد السبي البابلي الأول لمملكة يهوذا، وكان عمره 21 سنة ومَلَكَ مدة 11 سنة، وهو آخر ملوك مملكة يهوذا وبعده سُبيت مملكة يهوذا وتم تدمير أورشليم وما حولها.
في بداية مُلك "صدقيا" أرسل رسالة إلى ملك بابل يؤكد فيها ولاءه له (إر29: 3)، ثم في السنة الرابعة لملكه ذهب بنفسه إلى بابل (إر51: 59).
وفى أواخر ملكه، شجعه رؤساء يهوذا على التمرد على ملك بابل، لأنه قد مَلك ملك جديد على مصر ووعد بني إسرائيل بحمايتهم، إذ كان يريد أن يجعل مملكة يهوذا درعًا واقيًا لمصر في وجه ملوك بابل، بالإضافة إلى محاولة مصر استعادة بعض أراضيها التي اغتصبها ملك بابل.
ففكر "صدقيا" أن يتمرد على ملك بابل، خاصة وأنه قد تحالف مع ملوك البلاد المحيطة به حتى يتصدوا لملك بابل، وهم ملوك أدوم وموآب وبنى عمون وصور وصيدا. وكان "صدقيا" يقصد بالتمرد على ملك بابل التخلص من دفع الضرائب له.
أما سلوك "صدقيا" الملك فكان شريرًا إذ أدخل عبادة الأوثان في هيكل الله، وانتشر الظلم في مملكته أي سلك بفساد ولم يطع وصايا الله كما يظهر من (ع11، 12).
لم يعتمد "صدقيا" على الله، واعتمد على قوة مصر بالإضافة إلى أنه لم يتعلم من التاريخ إذ أنه من حوالي قرن ونصف أيام "أشعياء النبى"، وعدت مصر وعودًا كثيرة بحماية يهوذا ضد الأشوريين ولم تعمل شيئًا.
كان جيش بابل قد حاصر أورشليم في السنة التاسعة لمُلك "صدقيا"، ولم يستطع دخولها لقوتها ولأن ملك مصر تحرك بجيوشه نحوها فتركتها، بابل إلى حين (إر37: 5) ثم عادت فحاصرتها مرة أخرى.
في السنة الحادية عشرة لمُلك "صدقيا" ولما طال الحصار، نفذ الطعام من أورشليم فهرب منها "صدقيا" مع بعض رجاله، ولكن جيوش بابل قبضت عليه وأرسلته إلى نبوخذ نصر إلى بابل وسجنه فيها حتى مات هناك (2 مل25: 1-7) ونهب نبوخذنصر خزائن أورشليم وأحرق بيت الرب ودمر المدينة وقتل الكثيرين والباقين أخذهم سبايا (2 أى36: 11-21) (أر39: 1-14) وكان ذلك عام 587 ق.م.
أرسل الملك "صدقيا" اثنين من الكهنة التابعين له وكانا يكرهان "إرميا"، إذ غالبًا والد "فشحور" الكاهن هو "ملكيا" الذي كان قد ألقى "إرميا" في الجب، و"فشحور" هذا غير "فشحور" رئيس الكهنة المذكور في الأصحاح السابق.
ع2: أخبر "صدقيا" "إرميا" بمحاصرة ملك بابل لأورشليم ونيته في أن يحاربها، وطلب منه أن يسأل الله ولم يكن يريد أن يعرف صوت الله وإرشاده بل كان يتمنى أن يصنع الله معجزة وينقذه من بابل، لأنه كان قد اعتمد على مصر ومُصر على التمرد ضد بابل. فلم يكن مستعدًا للخضوع لكلام الله بل كان مُغرضًا ويريد أن يعطيه الله ما سبق واتفق فيه مع عظمائه.
لعل صدقيا تذكر ما حدث أيام "حزقيا" الملك، الذي طلب من أشعياء كلام الله فشجعه وأرسل الله ملاكه فقتل 185 ألفًا من جيش أشور وهرب الباقون، ولكن هناك فارق كبير بين "صدقيا" و"حزقيا"، لأن "حزقيا" كان يتقى الله وخاضعًا له، أما "صدقيا" فسلك في الشر واعتمد على مصر.
† إن كنت تريد معونة الله وترغب في سماع صوته، فكن مستعدًا للخضوع لإرشاده، وتب عن خطاياك، واثبت في الكنيسة وأسرارها حينئذ يحفظك الله ويقود حياتك ويرشدك في كل خطواتك.
(2) إجابة أرميا على صدقيا (ع3-7):
3 فَقَالَ لَهُمَا إِرْمِيَا: «هكَذَا تَقُولاَنِ لِصِدْقِيَّا: 4 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أَرُدُّ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ الَّتِي بِيَدِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ مُحَارِبُونَ بِهَا مَلِكَ بَابِلَ وَالْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ خَارِجَ السُّورِ، وَأَجْمَعُهُمْ فِي وَسْطِ هذِهِ الْمَدِينَةِ. 5 وَأَنَا أُحَارِبُكُمْ بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ وَبِذِرَاعٍ شَدِيدَةٍ، وَبِغَضَبٍ وَحُمُوٍّ وَغَيْظٍ عَظِيمٍ. 6 وَأَضْرِبُ سُكَّانَ هذِهِ الْمَدِينَةِ، النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ مَعًا. بِوَبَإٍ عَظِيمٍ يَمُوتُونَ. 7 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ الرَّبُّ: أَدْفَعُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَعَبِيدَهُ وَالشَّعْبَ وَالْبَاقِينَ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْوَبَإِ وَالسَّيْفِ وَالْجُوعِ لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ وَلِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، فَيَضْرِبُهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. لاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِمْ وَلاَ يَشْفُقُ وَلاَ يَرْحَمُ».
ع3: أرسل "إرميا" كلام الله إلى "صدقيا" على يد الكاهنين اللذين أرسلهما إليه ليسألاه.
ع4: لم يوافق كلام الله أغراض "صدقيا" بل أعلن غضبه عليه لأنه لا يريد أن يتوب، فقال له:
إن الأسلحة الحربية التي بيد جنوده لن تنفعه ولن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم وعن أورشليم، بل سترتد الأسلحة التي بيدهم ضدهم لأن الله نفسه ضدهم أي أنهم سينهزمون في هذه الحرب.
الكلدانيون أي البابليون الأعداء المحاصرون أورشليم سيدخلون في وسطها ويدمروها.
ع5: يعلن الله بوضوح أنه هو الذي يؤدبهم فهو إله إسرائيل فهو إلههم الذين عصوا وصاياه وسيمد يده وذراعه أي يوجه غضبه وتأديبه الشديد لهم لأنهم مُصرون على خطاياهم وبإعلانه هذا التأديب يود أن يخافوه ويتوبوا حتى يرحمهم.
ع6: لأن الله أصبح ضد شعبه فيستخدم لتأديبهم ليس فقط جيوش بابل بل أيضًا الأمراض التي تنتشر بينهم كوبأ فتضعف وتقتل كثيرين.
ع7: غضب الله يأتي عليهم أيضًا بالجوع عندما تحاصر جيوش بابل أورشليم فينفذ الطعام.
ومن ينجو من الوبأ والجوع، يقتله جيش بابل وهذا يشمل أولاد الملك وعبيده وعظماءه وشعبه فيموت الكثيرون بالسيف.
† لا تُصر أو تستبيح أو تتهاون في خطية ما لأنك بهذا تتحدى الله، وحينئذ بمحبته لك يوجه غضبه ضدك ليؤدبك حتى تتوب، فإرجع سريعًا لتنقذ نفسك من متاعب كثيرة فترى وجه الله الذي أخفيته بتهاونك بالخطية.
(3) نصيحة للشعب (ع8-10):
8 «وَتَقُولُ لِهذَا الشَّعْبِ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْعَلُ أَمَامَكُمْ طَرِيقَ الْحَيَاةِ وَطَرِيقَ الْمَوْتِ. 9 الَّذِي يُقِيمُ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ. وَالَّذِي يَخْرُجُ وَيَسْقُطُ إِلَى الْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَكُمْ يَحْيَا وَتَصِيرُ نَفْسُهُ لَهُ غَنِيمَةً. 10 لأَنِّي قَدْ جَعَلْتُ وَجْهِي عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ، يَقُولُ الرَّبُّ. لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ تُدْفَعُ فَيُحْرِقُهَا بِالنَّارِ.
ع8: كان كلام الله محددًا في نصيحته لمملكة يهوذا على كل واحد من الشعب أن يختار إما أن يحيا بالإستسلام لجيوش بابل وهذا يعنى الخضوع لتأديب الله للتوبة عن الخطايا، أو اختيار طريق الموت الذي يظهر في مقاومة البابليين فيقتلوه، وهذا معناه مقاومة كلام الله والنتيجة الهلاك.
ع9: أعلن أن الذي سيبقى في أورشليم سيموت إما بالجوع أو الوبأ أو بسيف الأعداء، أما من سيخرج من أورشليم ويسلم نفسه لبابل فأنه يحيا ولا يموت.
ظهر كلام "إرميا" كأنه خائن للوطن وموالى لبابل، ولكن في الحقيقة من يعرف أنه نبى الله سيفهم أن هذا هو أمر الله، ليس لأن بابل تصرفها حسن بل لأن الخضوع لعبودية بابل هو قبول لتأديب الله وبداية التوبة، فيغفر الله خطاياهم.
ع10: يقرر الله أنه غضب على أورشليم فيسمح لها بالشر أي التأديب بتدميرها وحرقها بواسطة بابل.
هذا الكلام قاله الله للشعب وكانت آمالهم إما أن يخضعوا له ويصدقوه فينقذوا أنفسهم أو يخالفوه فيهلكهم.
† لا تتذمر على الضيقات بل اقبلها من يد الله، وحاسب نفسك لتتوب عن خطاياك القديمة وأعلم أن مراحمه كثيرة جدًا وهو يريد خلاصك.
(4) دعوة توبة للقصر الملكي ولأورشليم (ع11-14):
11 «وَلِبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا تَقُولُ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ 12 يَا بَيْتَ دَاوُدَ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: اقْضُوا فِي الصَّبَاحِ عَدْلًا، وَأَنْقِذُوا الْمَغْصُوبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَضَبِي فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ، مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، 13 هأَنَذَا ضِدُّكِ يَا سَاكِنَةَ الْعُمْقِ، صَخْرَةَ السَّهْلِ، يَقُولُ الرَّبُّ. الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْنَا وَمَنْ يَدْخُلُ إِلَى مَنَازِلِنَا؟ 14 وَلكِنَّنِي أُعَاقِبُكُمْ حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُشْعِلُ نَارًا فِي وَعْرِهِ فَتَأْكُلُ مَا حَوَالَيْهَا.
ع11: يقصد ببيت ملك يهوذا الأسرة المالكة وعبيد الملك ومشيريه وعظماءه أي من يساعدون الملك في حكم البلاد. وهؤلاء عليهم مسئولية كبيرة لأنهم يشاركون الملك في الحكم فإن كان الحكم سليمًا يكافئوه أو فاسدًا فيعاقبوه.
ع12: ليست مسئولية الموجودين في قصر الملك أن يكونوا عادلين في حياتهم الخاصة فحسب بل أيضًا يجرون العدل في كل المملكة فلا يسكتون على الظلم والاغتصاب بل ينصفون المظلوم. وكان بيت الملك يظلمونه ويوافقون على ظلم الإنسان لأخيه فأنذرهم الله بعقابه كنار تحرقهم لأجل خطاياهم وقد حدث هذا فعلًا إذ أحرق البابليون بيت الرب وقصر الملك وقصور العظماء.
† اهتم أن تقوم بمسئولياتك في رعاية وإرشاد من حولك بكل طاقتك فتوبخ وتنذر المخطئ وتعاقبه إذا كان لك سلطان عليه، حتى تجرى العدل وتشيع النقاوة وتجذب الكل للحياة مع الله ولكن إن أصروا على خطاياهم فسوف يهلكون، أما أنت فتخلص لأنك كنت أمينًا في واجبك من نحوهم.
ع13: ساكنة العمق : كانت أورشليم على قمة الجبل فلقبها بساكنة العمق وليس بالسهل المنبسط.
صخرة السهل : أورشليم التي فوق الجبل أي الصخرة ومحاطة بالصخور من ثلاث جوانب ما عدا الشمالى.
تكبرت أورشليم وظنت أنها في مأمن من مهاجمة الأعداء لأنها كائنة على جبل، حتى أنها نادت من يستطيع أن يهجم على مدينتنا وينزل بقوته علينا ومن يستطيع أن يدخل منازلنا، إذ ظنوا بكبرياء أنهم في مأمن من الأعداء. ولعلهم ظنوا أنه ما دام هيكل الله في مدينتهم فلا يستطيع أي عدو أن يهاجم أورشليم، ونسوا أن خطاياهم فصلتهم عن الله وحرمتهم من حمايته.
وعرة : البرية المحيطة بأورشليم حيث تنمو الأشجار.
يعلن الله أنه بغضبه يؤدبهم، فيحرقهم بنار البابليين هم ومدينتهم أورشليم والبرارى والغابات المحيطة بهم.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى والعشرون

(1) العدل (ع1-9):
1 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: انْزِلْ إِلَى بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَتَكَلَّمْ هُنَاكَ بِهذِهِ الْكَلِمَةِ، 2 وَقُلِ: اسْمَعْ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا مَلِكَ يَهُوذَا الْجَالِسَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، أَنْتَ وَعَبِيدُكَ وَشَعْبُكَ الدَّاخِلِينَ فِي هذِهِ الأَبْوَابِ. 3 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَجْرُوا حَقًّا وَعَدْلًا، وَأَنْقِذُوا الْمَغْصُوبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَالْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. لاَ تَضْطَهِدُوا وَلاَ تَظْلِمُوا، وَلاَ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هذَا الْمَوْضِعِ. 4 لأَنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ هذَا الأَمْرَ يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ هذَا الْبَيْتِ مُلُوكٌ جَالِسُونَ لِدَاوُدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ رَاكِبِينَ فِي مَرْكَبَاتٍ وَعَلَى خَيْل. هُوَ وَعَبِيدُهُ وَشَعْبُهُ. 5 وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِهذِهِ الْكَلِمَاتِ فَقَدْ أَقْسَمْتُ بِنَفْسِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّ هذَا الْبَيْتَ يَكُونُ خَرَابًا. 6 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا: جِلْعَادٌ أَنْتَ لِي. رَأْسٌ مِنْ لُبْنَانَ. إِنِّي أَجْعَلُكَ بَرِّيَّةً، مُدُنًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ. 7 وَأُقَدِّسُ عَلَيْكَ مُهْلِكِينَ، كُلَّ وَاحِدٍ وَآلاَتِهِ، فَيَقْطَعُونَ خِيَارَ أَرْزِكَ وَيُلْقُونَهُ فِي النَّارِ. 8 وَيَعْبُرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَيَقُولُونَ الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: لِمَاذَا فَعَلَ الرَّبُّ مِثْلَ هذَا لِهذِهِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ؟ 9 فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَسَجَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا.
ع1: أمر الله إرميا أن ينزل إلى قصر الملك، حيث كان في الوادى محاطًا بالجبال، وكان هذا الملك هو يهوآحاز ابن يوشيا الملك الصالح، وقد سار يهوآحاز في الشر وأدخل عبادة الأوثان في أورشليم. وأمر الله إرميا أن يكلم الملك نفسه ليتوب لأنه عمل الشر في عينى الرب فبدلًا من أن يقود الشعب للخير أبعده عن الله. وهذا يُظهر أمرين:
خطورة القائد وأهمية استخدام مركزه في قيادة الشعب وعدم إعثاره.
شجاعة إرميا في إعلان الحق لأعظم شخص في المملكة متحملًا النتائج الصعبة إذا غضب عليه.
ع2: يُذكر إرميا، في بداية كلامه، "يهوآحاز" ملك يهوذا أنه يجلس على كرسى داود وأنه من نسله، فينبغى عليه أن يسلك مثله في مخافته لله ومحبته له، ويعلن أن هذا الكلام موجه إليه هو وعبيده الذين يعاونوه في الحكم وإلى كل الشعب الذي يحكمه، أي يدعوه إلى طاعة كلام الله وتوجيه شعبه إلى ذلك بعد أن ابتعدوا عنه.
ع3: ينادى الله الملك ومعاونيه أن يتمسكوا بالعدل والحق في أحكامهم، فلا يتحيزوا ضد إنسان ويظلموه بسبب ضعفه، ولا يتحيزوا للطرف الأقوى، فلا يساعدوا الظالم على اغتصاب حقوق غيره. ويعطى أمثلة للضعفاء وهم الغرباء والأيتام والأرامل، فيعطوهم حقهم ولا يضطهدونهم مستغلين ظروفهم الضعيفة. وقد يصل الظلم إلى قتل إنسان برئ، أو على الأقل سلب حقوقه والضغط عليه فكأنهم قتلوه وسفكوا دمه، أي أخذوا حقوقه في الحياة وسحقوه بظلمهم له.
† كن عادلًا في أحكامك فلا تتأثر بمركز أو قوة البعض فلا تعطى المظلوم حقوقه وتترك الأشرار الأقوياء يسلبونه، فإن كان لك سلطان اسعَ في إيقاف الشر وإن لم تستطع فعلى الأقل ساعد المظلوم بكل طاقتك.
ع4: يعدهم الله بالمكافأة، إن أتبعوا العدل في أحكامه، أن يثبت كرسى مُلكهم فيدخل إلى هذا القصر ليجلس على العرش نسلهم ملوك أقوياء، يملكون مركبات عظيمة وخيل وعبيد وشعب أقوياء.
ع5: من ناحية أخرى، يهددهم إن لم يطيعوا كلامه وتمادوا في ظلمهم وتشجيعهم للظالمين، أن يُخرب هذا القصر الملكى بل يُخرب ما هو أهم أي بيته وهيكله الذي كان شعب مملكة يهوذا وملوكهم يظنون أن الله يحميهم لأن في مدينتهم أورشليم هيكل الله. وأن هذا الهيكل يظل حتى نهاية الأيام لأنهم نسل داود، ونسوا أنهم لابد أن يسلكوا مثل داود ويقدموا عبادة نقية في هيكل الله حتى يتمتعوا بحمايته لهم.
ع6: جلعاد : منطقة خصبة مملوءة بالجبال العالية.
رأس من لبنان : أحد جبال لبنان العالية الخصبة.
يُشبه قصر الملك الذي يعتمد على قوته بأنه وإن كان مثل جبال جلعاد أو لبنان الشامخة، المملوءة خصبًا والمعتمدة على عظمتها وقوتها وثباتها، أنها تتحطم وتخرب لأنها عصت الله.
ويقول "مدنًا" وليس "مدينة" لأن كل مملكة يهوذا ستتحطم وليس فقط أورشليم بسبب شرورها.
ع7: يعلن الله أنه سيخصص ويكرس بابل لتحطيم مُدن يهوذا، وكان البابليون متميزين بقطع الأخشاب فهجموا بفؤوسهم على بيت الله وقصر الملك وقصور العظماء ليحطموا أخشابها المأخوذة من شجر الأرز ويحرقونها بالنار. وكان البابليون يظنون أن إلههم أقوى من إله إسرائيل، وأحتمل الله هذا حتى يؤدب شعبه ليتوبوا ثم بعد ذلك يؤدب بابل بواسطة مملكة مادي وفارس التي ستحطمها.
ع8، 9: بعد خراب أورشليم ومدن يهوذا، سيمر المسافرون بهذه الخرب ويتعجبون بسبب دمارها لأنها كانت عظيمة جدًا، ويسأل كل واحد صاحبه لماذا خربت؟ فيرد عليه بسبب عصيانهم لله، ونقضهم للعهد معه، واتجاههم لعبادة الآلهة الوثنية الغريبة.
(2) معاقبة يهوآحاز (ع10-12):
10 « لاَ تَبْكُوا مَيْتًا وَلاَ تَنْدُبُوهُ. ابْكُوا، ابْكُوا مَنْ يَمْضِي، لأَنَّهُ لاَ يَرْجعُ بَعْدُ فَيَرَى أَرْضَ مِيلاَدِهِ. 11 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ شَلُّومَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، الْمَالِكِ عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ: الَّذِي خَرَجَ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَعْدُ. 12 بَلْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبُوهُ إِلَيْهِ، يَمُوتُ. وَهذِهِ الأَرْضُ لاَ يَرَاهَا بَعْدُ.
ع10: تندبوه : يقولون كلمات رثاء عليه بعد موته.
الميت المذكور هو "يوشيا" الملك الذي مات في معركة مجدو سنة 609 ق.م عن عمر 38 عامًا، وكان ملكًا صالحًا ولذلك بكاه الشعب الذي كان يحبه، عند عودة مركبته إلى بلاده ودفنوه بإكرام عظيم.
ولكن إرميا يدعو الشعب إلى البكاء على ابنه الملك الجديد "يهوآحاز" الذي سيقبض عليه "نخو" ملك مصر، ويسبيه إلى هناك حيث يموت ولا يعود إلى بلاده مرة أخرى. وكان آخر ملوك أشور قد ضعف جدًا وبدأت تقوى عليه جيوش البابليين فخرج ملك مصر بجيوشه لمساندته، واستولى على فلسطين وقبض على "يهوآحاز" وأرسله إلى مصر.
ع11: يدعو "يهوآحاز" باسمه القديم "شلوم"، لأنه ليس بكر "يوشيا" بل الرابع من أبنائه، ولأجل قوته اغتصب الملك ولم يجلس على العرش إلا ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقبض عليه ملك مصر وأرسله إلى هناك حيث مات ولم يعد ثانية إلى بلاده، فهو يناديه باسمه القديم لأنه مغتصب المُلك، وكان شريرًا وليس صالحًا مثل أبيه، فجاء عليه هذا الشر بسبيه إلى مصر.
ع12: مات "يهوآحاز" في مصر ولم يعد إلى بلاده أى مات في الغربة لأجل شره.
† لا تفرح بإغتصاب حقوق الغير الذين لا يستطيعون أن يقاوموك لأن الله القادر على كل شيء يراك وسيعاقبك إن لم تتب فتذكر دائمًا أنك واقف أمام الله فتخشاه في كل أعمالك وكلامك وأفكارك، وتحيا في نقاوة فتتمتع برعايته ومحبته.
(3) الكبرياء ومحبة الماديات (ع13-19):
13 « وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِغَيْرِ عَدْل وَعَلاَلِيَهُ بِغَيْرِ حَقّ، الَّذِي يَسْتَخْدِمُ صَاحِبَهُ مَجَّانًا وَلاَ يُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ. 14 الْقَائِلُ: أَبْنِي لِنَفْسِي بَيْتًا وَسِيعًا وَعَلاَلِيَ فَسِيحَةً. وَيَشُقُّ لِنَفْسِهِ كُوًى وَيَسْقُفُ بِأَرْزٍ وَيَدْهُنُ بِمُغْرَةٍ. 15 هَلْ تَمْلِكُ لأَنَّكَ أَنْتَ تُحَاذِي الأَرْزَ؟ أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلًا؟ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ خَيْرٌ. 16 قَضَى قَضَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ. أَلَيْسَ ذلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 17 لأَنَّ عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ لَيْسَتْ إِلاَّ عَلَى خَطْفِكَ، وَعَلَى الدَّمِ الزَّكِيِّ لِتَسْفِكَهُ، وَعَلَى الاغْتِصَابِ وَالظُّلْمِ لِتَعْمَلَهُمَا. 18 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا أَخِي! أَوْ آهِ يَا أُخْتِي! لاَ يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا سَيِّدُ! أَوْ آهِ يَا جَلاَلَهُ! 19 يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ.
ع13: علا ليه : حجرات علوية في البيت.
يوجه "إرميا" كلامه إلى الملك "يهوياقيم" الذي ملَّكه "نخو" ملك مصر على مملكة يهوذا بعد سبى "يهوآحاز" أخوه إلى مصر. وللأسف لم يتعلم "يهوياقيم" ويستفد مما حدث لأخيه، فيرجع بالتوبة إلى الله ولكنه اهتم أن يبنى له بيتًا أي قصرًا عظيمًا مكونًا من طوابق، واستخدم في ذلك شعبه الفقير المضغوط من كثرة الضرائب، التي يأخذها الملك ليدفع الجزية لملك مصر، وليتمتع هو بلذات الحياة. فالمقصود بكلمة "صاحبه" الشعب اليهودي فظلم شعبه وأستغله في البناء بدون أجر، فكان ظالمًا وغير عادل إرضاءً لكبريائه ومحبته للماديات التي ظهرت في بناء القصر العظيم. الذي بناه من مال الظلم الذي سلبه من الشعب.
ع14: كوى : نوافذ.
يسقف : يعمل سقف القصر.
مغرة : طلاء للحوائط.
يشرح تفاصيل القصر العظيم الذي اهتم "يهوياقيم أن يكون واسعًا وسقفه من أغلى الأخشاب وهو خشب أشجار الأرز، واهتم أيضًا بطلائه بمواد تحتوى على الغراء لتلتصق بالحوائط، أي أنه أهتم بإقامة قصر على أعلى مستوى إرضاءً لشهوته وكبريائه.
ع15: تحاذى : تكون في مستوى.
يوبخه إرميا على كبريائه، الذي يشبهه بارتفاعه ليكون في مستوى أشجار الأرز العالية.
ويدعوه للاتضاع مقتديًا بأبيه يوشيا الذي أكتفى بالطعام والشراب الضرورى وليس القصر والأطعمة الفاخرة، فباركه الله وعاش في خيرات كثيرة.
ع16: يمتدح يوشيا الملك أبو يهوياقيم داعيًا ابنه ليقتدى به، إذ اهتم يوشيا بإعالة الفقراء، وعدم ظلمهم، وإعطائهم حقوقهم وكذلك كل مسكين ومحتاج فدلل بذلك على معرفته ومخافته لله.
ع17: يوبخ "يهوياقيم" على شناعة الظلم الذي سقط فيه فكان يخطف حقوق الآخرين، ويستغل الفقراء في بناء قصره واستنفاذ مجهودهم حتى يسقطوا موتى من التعب والإرهاق.
ع18، 19: جلاله : عظمته.
من كثرة ظلم "يهوياقيم" لشعبه كانوا يكرهونه، فلما هاجم ملك بابل على أورشليم وقتل "يهوياقيم" لم يحزن عليه أحد ولم يبكوه أو يندبوه، ولم يتكلم الشعب مع نفسه قائلًا يا أخى أو يا أختى لماذا حدث هذا، ولم يصرخوا في حزن أنهم فقدوا سيدهم وعظيمهم، ولكنهم أهملوا موته. ولما قتله "نبوخذ نصر" ملك بابل ألقاه خارج المدينة بدون دفن فسحبوا جسده كما يسحبون جثة الحمار الميت ودفنوه دون أي إكرام، وذلك نتيجة ظلمه لشعبه واستغلاله لأموال رعيته في بناء قصره وتحقيق لذاته.
† اصنع خيرًا مع كل من حولك قدر طاقتك وحتى من يسيئون إليك ويظلمونك ولا يشكرونك على إحساناتك، وثق أن أعمالك كلها غالية عند الله، وبعد أن تنتقل من هذه الحياة قد يتأثر الذين أساءوا إليك ويرجعون إلى الله لأنهم في داخلهم لا يستطيعون أن ينكروا محبتك.
(4) تدمير أورشليم (ع20-23):
20 «اِصْعَدِي عَلَى لُبْنَانَ وَاصْرُخِي، وَفِي بَاشَانَ أَطْلِقِي صَوْتَكِ، وَاصْرُخِي مِنْ عَبَارِيمَ، لأَنَّهُ قَدْ سُحِقَ كُلُّ مُحِبِّيكِ. 21 تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ. قُلْتِ: لاَ أَسْمَعُ. هذَا طَرِيقُكِ مُنْذُ صِبَاكِ، أَنَّكِ لاَ تَسْمَعِينَ لِصَوْتِي. 22 كُلُّ رُعَاتِكِ تَرْعَاهُمُ الرِّيحُ، وَمُحِبُّوكِ يَذْهَبُونَ إِلَى السَّبْيِ. فَحِينَئِذٍ تَخْزَيْنَ وَتَخْجَلِينَ لأَجْلِ كُلِّ شَرِّكِ. 23 أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي لُبْنَانَ الْمُعَشِّشَةُ فِي الأَرْزِ، كَمْ يُشْفِقُ عَلَيْكِ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمُخَاضِ عَلَيْكِ، الْوَجَعِ كَوَالِدَةٍ!
ع20: باشان : تقع في الشمال الشرقى لأورشليم.
عباريم : تقع في الجنوب الشرقى لأورشليم.
يُنادى إرميا أورشليم العاصية المتمادية في خطاياها لتصعد على الجبال في المناطق المحيطة بها، وهي لبنان التي تقع في شمالها كذا باشان وعباريم، لتبكى على الشر الذي سيحل بها كما صعدت إبنة "يفتاح الجلعادى" لتبكى على نفسها قبل أن تموت (قض11: 37، 38).
ولا تبكى أورشليم فقط على دمارها المقبل عليها، بل أيضًا على البلاد المحيطة بها التي تحالفت معها مثل مصر لأنها سقطت تحت يد بابل وحطمها، فقد تغلب على مصر في معركة كركميش عام 605 ق.م (إر46: 2-12) أي لم يُوجد من يعين أورشليم في بليتها، فقد تدمرت هي وكل محبيها لأنها قد عصت الرب.
ع21: يعاقب الله أورشليم لأنه دعاها للتوبة في وقت كانت مستريحة فيه من حروب الأعداء، ولكنها رفضت أن تسمع له وتتوب، وهذا هو طبعها منذ سنوات طويلة لذا فهي مُصرة على العصيان حتى وإن إقترب وقت هلاكها ورفضت تحذيرات الله لها.
† لا تقبل أي خطية ولو صغيرة مثل فكرة، أو كلمة شريرة لئلا تعتادها وتقودك إلى شرور أكبر تهلك حياتك، غير مستفيد من تحذيرات الله لأجل تهاونك. أنه يحبك فلماذا تهمل صوته وتزدرى بمحبته؟! ...
ع22: ترعاهم الريح : يفقدون كل رعاية بل الريح تُبددهم.
المقصود "برعاتك" أي ملوكك يا أورشليم ورؤسائك الذين سيفقدون كل رعاية وحماية لأنهم تركوا الله.
والمقصود بالرعاة أيضًا ملوك البلاد المحيطة بأورشليم فسيفقدون قوتهم أمام ملك بابل فلا يستطيعون مساندة أورشليم، وحينئذ تصير في خزى عندما تهجم عليها بابل وتدمرها وليس من ينجدها. لأن البلاد المحيطة بها قد سُبيت هي أيضًا إلى بابل.
ع23: ينادى الله أورشليم، الساكنة على الجبل مثل جبال لبنان والتي أقامت قصورًا داخلها من خشب أرز لبنان القوية واطمأنت في داخلها، بأنها ستُدمر بيدى بابل وتكون آلامها شديدة جدًا مثل آلام المرأة التي تتوجع عند ولادتها، ويشفق عليها كل من حولها.
(5) تحطيم يهوياكين (ع24-30):
24 حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَوْ كَانَ كُنْيَاهُو بْنُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكُ يَهُوذَا خَاتِمًا عَلَى يَدِي الْيُمْنَى فَإِنِّي مِنْ هُنَاكَ أَنْزِعُكَ، 25 وَأُسَلِّمُكَ لِيَدِ طَالِبِي نَفْسِكَ، وَلِيَدِ الَّذِينَ تَخَافُ مِنْهُمْ، وَلِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَلِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 26 وَأَطْرَحُكَ وَأُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى لَمْ تُولَدَا فِيهَا، وَهُنَاكَ تَمُوتَانِ. 27 أَمَّا الأَرْضُ الَّتِي يَشْتَاقَانِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَيْهَا، فَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَيْهَا. 28 هَلْ هذَا الرَّجُلُ كُنْيَاهُو وِعَاءُ خَزَفٍ مُهَانٍ مَكْسُورٍ، أَوْ إِنَاءٌ لَيْسَتْ فِيهِ مَسَرَّةٌ؟ لِمَاذَا طُرِحَ هُوَ وَنَسْلُهُ وَأُلْقُوا إِلَى أَرْضٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا؟ 29 يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ اسْمَعِي كَلِمَةَ الرَّبِّ! 30 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: اكْتُبُوا هذَا الرَّجُلَ عَقِيمًا، رَجُلًا لاَ يَنْجَحُ فِي أَيَّامِهِ، لأَنَّهُ لاَ يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَحَاكِمًا بَعْدُ فِي يَهُوذَا.
ع24: بعد قتل نبوخذ نصر يهوياقيم الملك، مَلكَ ابنه يهوياكين الذي يُسمى أيضًا كنياهو، فملك لمدة ثلاثة أشهر وسار في الشر مثل أبيه (2 مل24: 8-17) فقبض عليه نبوخذ نصر وسباه إلى بابل حيث مات هناك.
يقسم الله هنا بنفسه، لتأكيد كلامه، معلنًا أنه مهما كانت عظمة كنياهو كملك فإن الله ينزعه من مُلكه، ويسبيه إلى بابل حتى لو كان ثابتًا وعظيمًا كخاتم على يد الله اليمنى أي في كمال القوة لأن اليمين يرمز للقوة.
ع25: يُنذر الله "يهوياكين" على فم "إرميا" لعله يتوب ويرجع عن شره، فيقول له أنه سيسلمه إلى يد ملك بابل "نبوخذنصر" (نبوخذ راصر) وهو الملك القوى المسيطر الذي يخاف منه "يهوياكين" فيسبيه إلى بلاد الكلدانيين أي "بابل".
ع26: وينذره أيضًا بأنه سيسبى إلى أرض غريبة لم يولد فيها، وهي بابل، هو وأمه التي تُدعى "نحوشتا" (2 مل24: 8، 15) ولن يرجعا إلى وطنهما بل يموتان في السبي رمزًا للهلاك الأبدي الذي ينتظر الأشرار.
ع27: كان "يهوياكين" وأمه يشتاقان للرجوع من بابل إلى أورشليم، ولكنهما لم يرجعا لأجل شرهما، وهذا يوضح أن الأسرة كلها تحيا في الشر، "يهوياقيم" الملك وزوجته "نحوشتا" وابنهما "يهوياكين" الشاب ذو الثمانية عشر سنة (2 مل24: 8-9).
ع28: ليس فيه مسرة : لا يسر الله به.
ينظر الله بحزن وأبوة إلى "يهوياكين" (كنياهو) الملك كيف سُبى إلى بابل وطُرح هناك في ذل كما يطرح إناء خزفى مكسور لا فائدة منه، وتحول العظيم إلى ذليل كل هذا لأجل الخطية. فجاء عليه غضب الله هو ونسله.
ع29، 30: يُشهد الله الأرض على شر "يهوياكين" ونهايته الذليلة كعقاب له، فيقول: أن يهوياكين رغم وجود نسل له لن يملك أحدهم بعد أبيه أو يستعيد عرش أبيه، وبهذا يعتبر "عقيمًا" من جهة عدم وجود من يملك من أبنائه. وبهذا ينتهى المُلك من نسل داود على مملكة يهوذا، ولكن يأتي في ملء الزمان المسيح ابن داود ليملك على قلوب المؤمنين به ليس فقط من اليهود بل من العالم كله.
† تأمل نتائج خطاياك التي ستؤدى إلى الهلاك وتفصلك عن الله حتى تُسرع للتوبة عنها، فتكسب خلاص نفسك وتُفرح قلب الله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثالث والعشرون
(1) المسيح الراعي والمخلص (ع1-8):
1 «وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ الَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ غَنَمَ رَعِيَّتِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 2 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّعَاةِ الَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ غَنَمِي وَطَرَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُوهَا. هأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 3 وَأَنَا أَجْمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمِي مِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتُهَا إِلَيْهَا، وَأَرُدُّهَا إِلَى مَرَابِضِهَا فَتُثْمِرُ وَتَكْثُرُ. 4 وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا فَلاَ تَخَافُ بَعْدُ وَلاَ تَرْتَعِدُ وَلاَ تُفْقَدُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 5 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ. 6 فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا. 7 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، 8 بَلْ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ وَأَتَى بِنَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا فَيَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمْ».
ع1: ينذر الله الرؤساء والكهنة وكل المسئولين عن شعبه في مملكة يهوذا، لأنهم بدلًا من أن يجمعوا الشعب لله بددوهم وأبعدوهم عنه، بل وأضلوهم وأهلكوهم بنشر عبادة الأوثان بينهم وتشجيعهم للشر. وكان ذلك في نهاية مملكة يهوذا أيام صدقيا الملك عندما بدأت بابل تهاجم أورشليم ومملكة يهوذا.
ع2: يهدد الله هؤلاء الرعاة الأشرار بأنه سيعاقبهم على سلوكهم في الشر وتقصيرهم في الرعاية وتضليلهم لشعبه.
ع3: مرابضها : حظائرها.
يتدخل الله بنفسه ليجمع شعبه الذي سار في الشر، فيؤدبهم الله بالسبي والتشتيت في مملكة بابل، ثم يأتي بهم من بلاد بابل ويعيدهم من السبي إلى أورشليم واليهودية ويباركهم فينموا ويكثروا.
ع4: يعد الله بإقامة رعاة يهتموا برعيته هم رجاله الأبرار الذين أعادوهم من السبي زروبابل وعزرا ونحميا، ويقصد أيضًا رسل العهد الجديد والأساقفة والكهنة في الكنيسة، وهكذا تطمئن الرعية ولا يستطيع إبليس أن يخطفها.
ع5: يتحدث هنا بوضوح عن المسيا المنتظر الراعى الحقيقي لشعب الله، ويشبهه بغصن لأنه مرتبط بالأصل أي "شجرة داود" فهو من نسله، ولأنه تجسد لينمو في وسطنا ويتمم برنا بفدائنا على الصليب. والمسيح يرعى شعبه بنجاح ويحكم بالحق والعدل.
ع6: يتكلم هنا عن المسيح المخلص الذي يخلص شعبه بموته على الصليب، فيخلص مملكتى اليهود: يهوذا وإسرائيل، بل والعالم كله المؤمنين به. ويبرر الله أولاده برفع خطاياهم عنهم ويهبهم فضائله فنصير أبرارًا بنعمة الله أي المسيح يصير سبب برنا.
ع7: يتنبأ عن الرجوع من السبي، أي من بابل إلى أورشليم، والذي سيكون حدثًا عظيمًا جدًا غير متوقع يرتفع خبره فوق خبر الخروج من مصر وعبوديتها، كل هذا يرمز للتحرر من الخطية بفداء المسيح ثم التحرر من ثقل الجسد والعالم الزائل بالدخول إلى ملكوت السموات.
† إن لم تجد من يسمعك أو يرشدك وجدت تقصيرًا في الرعاية الروحية المُقدمة لك .. فلا تنزعج، وثق أن الله قادر أن يرعاك ويرشدك بأساليب مختلفة فتخلص وتجد مكانك في السموات.
(2) الأنبياء والزنى (ع9-12):
9 فِي الأَنْبِيَاءِ: اِنْسَحَقَ قَلْبِي فِي وَسَطِي. ارْتَخَتْ كُلُّ عِظَامِي. صِرْتُ كَإِنْسَانٍ سَكْرَانَ وَمِثْلَ رَجُل غَلَبَتْهُ الْخَمْرُ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِ قُدْسِهِ. 10 لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ مِنَ الْفَاسِقِينَ. لأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ اللَّعْنِ نَاحَتِ الأَرْضُ. جَفَّتْ مَرَاعِي الْبَرِّيَّةِ، وَصَارَ سَعْيُهُمْ لِلشَّرِّ، وَجَبَرُوتُهُمْ لِلْبَاطِلِ. 11 «لأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالْكَهَنَةَ تَنَجَّسُوا جَمِيعًا، بَلْ فِي بَيْتِي وَجَدْتُ شَرَّهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 لِذلِكَ يَكُونُ طَرِيقُهُمْ لَهُمْ كَمَزَالِقَ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ، فَيُطْرَدُونَ وَيَسْقُطُونَ فِيهَا، لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهِمْ شَرًّا سَنَةَ عِقَابِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ
ع9: نظر إرميا إلى شر الأنبياء الكذبة الذي يستوجب غضب الله عليهم، فقبل أن ينطق بكلمات الله لعقابهم تظهر أبوته لهم في انسحاق قلبه من أجلهم، أي توجع مشاعره من أجل ما سيحل بهم، وكذلك ارتخاء عظامه أى ضعف جسده بأقوى ما فيه وهو العظام، بل من التألم على مصيرهم الردىء صار يترنح كالسكران من الخمر.
† كن شفوقًا على الخطاة حتى وأنت تدعوهم للتوبة، فحنانك يغلف توبيخك لهم، وإذ يشعرون بأبوتك تتأثر قلوبهم ليرجعوا إلى الله، وينظر الله إلى صلواتك من أجلهم فيسامحهم ويقودهم إلى طريق الحياة الجديدة معه.
ع10: الفاسقين : العصاة السالكين في النجاسات.
بنبوات الأنبياء الكذبة، أنتشر الشر وعبادة الأوثان وممارسة الزنا وكل نجاسة في أورشليم وما حولها، فجاءت عليهم لعنة الله وفقدت الأرض خصوبتها ومراعيها، أي لم يجد الإنسان والحيوان طعامًا، وإتجه مجهود الإنسان إلى عبادة الأوثان وعمل النجاسة بكل قوة.
ع11: اشترك أيضًا الأنبياء والكهنة مع الشعب في هذه الشرور حتى أنهم وضعوا تماثيل الآلهة الغريبة في بيت الرب ونقشوها على حوائطه.
ع12: يعاقبهم الله إذ أن طريق زناهم جعلهم ينحدرون من شر إلى شر كمن يتزحلق في منحدر أثناء الظلام فيعثر ولا يستطيع القيام، ويسمح الله لهم بالطرد من بلادهم على يد بابل ويسقطون قتلى بالسيف، ويعاقبهم الله في سنة هجوم بابل عليهم التي يدمرون فيها أورشليم ويحرقونها.
(3) الأنبياء والكذب (ع13-22):
13 وَقَدْ رَأَيْتُ فِي أَنْبِيَاءِ السَّامِرَةِ حَمَاقَةً. تَنَبَّأُوا بِالْبَعْلِ وَأَضَلُّوا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 14 وَفِي أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ رَأَيْتُ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ. يَفْسِقُونَ وَيَسْلُكُونَ بِالْكَذِبِ، وَيُشَدِّدُونَ أَيَادِيَ فَاعِلِي الشَّرِّ حَتَّى لاَ يَرْجِعُوا الْوَاحِدُ عَنْ شَرِّهِ. صَارُوا لِي كُلُّهُمْ كَسَدُومَ، وَسُكَّانُهَا كَعَمُورَةَ. 15 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ: هأَنَذَا أُطْعِمُهُمْ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ الْعَلْقَمِ، لأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ. 16 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: لاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَكُمْ بَاطِلًا. يَتَكَلَّمُونَ بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ لاَ عَنْ فَمِ الرَّبِّ. 17 قَائِلِينَ قَوْلًا لِمُحْتَقِرِيَّ: قَالَ الرَّبُّ: يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ! وَيَقُولُونَ لِكُلِّ مَنْ يَسِيرُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ: لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ شَرٌّ. 18 لأَنَّهُ مَنْ وَقَفَ فِي مَجْلِسِ الرَّبِّ وَرَأَى وَسَمِعَ كَلِمَتَهُ؟ مَنْ أَصْغَى لِكَلِمَتِهِ وَسَمِعَ؟» 19 هَا زَوْبَعَةُ الرَّبِّ. غَيْظٌ يَخْرُجُ، وَنَوْءٌ هَائِجٌ. عَلَى رُؤُوسِ الأَشْرَارِ يَثُورُ. 20 لاَ يَرْتَدُّ غَضَبُ الرَّبِّ حَتَّى يُجْرِيَ وَيُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ. فِي آخِرِ الأَيَّامِ تَفْهَمُونَ فَهْمًا. 21 «لَمْ أُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ بَلْ هُمْ تَنَبَّأُوا. 22 وَلَوْ وَقَفُوا فِي مَجْلِسِي لأَخْبَرُوا شَعْبِي بِكَلاَمِي وَرَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ.
ع13: سلك الأنبياء الكذبة بالكذب إرضاءً للملوك، فساعدوا بنبواتهم نشر عبادة البعل في المملكة الشمالية مملكة إسرائيل التي عاصمتها السامرة، كل هذا أضّل الشعب وأبعدهم عن الله.
ع14: واشترك أيضًا الأنبياء الكذبة في أورشليم في الكذب، فأضلوا شعب الله مثل أنبياء السامرة، وساروا في العصيان والنجاسة بل وشجعوا الأشرار بدلًا من أن يوبخوهم، فصاروا أخوة لسدوم وعمورة أي زاد شرهم جدًا واستحقوا الهلاك مثل سدوم وعمورة.
ع15: أفسنتينا : نبات شديد المرارة.
ماء العلقم : ماء مرٌّ جدًا.
يعبر الله عن عقابه للأنبياء الكذبة وتأديبهم بأنه يجعل الأفسنتين المر طعامهم، وماء العلقم شرابهم لعلهم يتوبون، خاصة وأن أنبياء أورشليم انتشر كذبهم إلى البلاد المجاورة ليضلوا الجميع.
ع16: يتمادى الأنبياء الكذبة في كذبهم، فينسبون كلامهم إلى الله، والله برىء منه تمامًا، لذا يتكلم الله بقوة معلنًا صفته رب الجنود أي القوى، ويأمر شعبه بعدم سماع الأنبياء الكذبة لأنه باطل وبلا فائدة وهو ما يرونه هم وليس الله.
ع17: للأسف يشجع الأنبياء الكذبة الأشرار على التمادي في الشر فيحتقرون الله ويعبدون الأوثان ويصرون على الخطية في عناد، ولكن يعدهم الأنبياء الكذبة بالسلام والطمأنينة والبركات.
ع18: يتساءل إرميا هل يوجد شخص واحد من الأنبياء قد وقف في مجلس الله مع قديسيه أم الكل يكذب ويدعى أنه سمع من الله؟
ع19: زوبعة : عاصفة.
نوء : ريح شديدة.
إذ تمادى الأنبياء في كذبهم، غضب الله عليهم وهددهم بالتأديب مثل هبوب زوبعة وريح شديدة عليهم وعلى رؤوسهم فتزعجهم وتهلكهم.
ع20: آخر الأيام : نهاية فرصتهم للتوبة فيقوم غضبه عليهم كما حدث في الهجوم البابلي والسبي ويعلن الله أن غضبه سيظل مستمرًا يُهلك العصاة حتى يظهر الله عقاب الخطية ويتوب كل من له استعداد للتوبة.
ع21: يكرر الله براءته من كل ما قاله الأنبياء الكذبة.
ع22: يؤكد الله كذب هؤلاء الأنبياء لأنهم لو كانوا أنبياء حقيقيين لوقفوا في مجلس الله من خلال صلواتهم وقداستهم وكانوا سيسمعون صوت الله ويتكلمون بكلامه.
† لا تعلم الآخرين شيئًا لم تسمعه في الكنيسة حتى لا تكون تعاليمك كاذبة وتعثر غيرك وتبعدهم عن الله. اتضع وتتلمذ في الكنيسة واعلن عدم معرفتك إن كنت لا تعرف حتى تسأل وتعلم التعليم الصحيح.
(4) الأحلام وادعاء النبوة (ع23-40):
23 أَلَعَلِّي إِلهٌ مِنْ قَرِيبٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَسْتُ إِلهًا مِنْ بَعِيدٍ. 24 إِذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 25 قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَهُ الأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا بِاسْمِي بِالْكَذِبِ قَائِلِينَ: حَلِمْتُ، حَلِمْتُ. 26 حَتَّى مَتَى يُوجَدُ فِي قَلْبِ الأَنْبِيَاءِ الْمُتَنَبِّئِينَ بِالْكَذِبِ؟ بَلْ هُمْ أَنْبِيَاءُ خِدَاعِ قَلْبِهِمِ! 27 الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ أَنْ يُنَسُّوا شَعْبِي اسْمِي بِأَحْلاَمِهِمِ الَّتِي يَقُصُّونَهَا الرَّجُلُ عَلَى صَاحِبِهِ، كَمَا نَسِيَ آبَاؤُهُمُ اسْمِي لأَجْلِ الْبَعْلِ. 28 اَلنَّبِيُّ الَّذِي مَعَهُ حُلْمٌ فَلْيَقُصَّ حُلْمًا، وَالَّذِي مَعَهُ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِكَلِمَتِي بِالْحَقِّ. مَا لِلتِّبْنِ مَعَ الْحِنْطَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 29 «أَلَيْسَتْ هكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟ 30 لِذلِكَ هأَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. 31 هأَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَالَ. 32 هأَنَذَا عَلَى الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلاَمٍ كَاذِبَةٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلاَ أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هذَا الشَّعْبَ فَائِدَةً، يَقُولُ الرَّبُّ. 33 «وَإِذَا سَأَلَكَ هذَا الشَّعْبُ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ كَاهِنٌ: مَا وَحْيُ الرَّبِّ؟ فَقُلْ لَهُمْ: أَيُّ وَحْيٍ؟ إِنِّي أَرْفُضُكُمْ، هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ. 34 فَالنَّبِيُّ أَوِ الْكَاهِنُ أَوِ الشَّعْبُ الَّذِي يَقُولُ: وَحْيُ الرَّبِّ، أُعَاقِبُ ذلِكَ الرَّجُلَ وَبَيْتَهُ. 35 هكَذَا تَقُولُونَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَالرَّجُلُ لأَخِيهِ: بِمَاذَا أَجَابَ الرَّبُّ، وَمَاذَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ. 36 أَمَّا وَحْيُ الرَّبِّ فَلاَ تَذْكُرُوهُ بَعْدُ، لأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَكُونُ وَحْيَهُ، إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كَلاَمَ الإِلهِ الْحَيِّ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِنَا. 37 هكَذَا تَقُولُ لِلنَّبِيِّ: بِمَاذَا أَجَابَكَ الرَّبُّ، وَمَاذَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ. 38 وَإِذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ: وَحْيُ الرَّبِّ، فَلِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ قَوْلِكُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ قَائِلًا لاَ تَقُولُوا: وَحْيُ الرَّبِّ، 39 لِذلِكَ هأَنَذَا أَنْسَاكُمْ نِسْيَانًا، وَأَرْفُضُكُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِي، أَنْتُمْ وَالْمَدِينَةَ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. 40 وَأَجْعَلُ عَلَيْكُمْ عَارًا أَبَدِيًّا وَخِزْيًا أَبَدِيًّا لاَ يُنْسَى».
ع23، 24: يتساءل الله بتعجب: هل أنا مثل الآلهة الوثنية المحدودة التي توجد في مكان معين؟! بالطبع لا. هل أنا إله قريب ولا أوجد في الأماكن البعيدة؟! ويجيب الله أنه موجود في كل مكان فيرى كل ما هو مستتر ومختبئ ويملأ السموات والأرض.
ع25: يعلن الله ضيقه من الأنبياء الكذبة الذين يدعون أنهم رأوا أحلامًا ويقصونها على الناس على أنها إعلانات إلهية.
ع26: يعلن الله أن هؤلاء الأنبياء كذبة ومخادعون.
ع27: يوبخ الله هؤلاء الأنبياء بأن أحلامهم الكاذبة وإدعاءهم النبوة يبعدهم عن الله ويربطهم بعبادة الأوثان مثل البعل، وهذه خطية خطيرة لأنها تضل الشعب عن الله.
ع28: يطلب الله من النبي الحقيقي الذي يعلن الله له رؤيا أن يتكلم بها، مثل إرميا النبي، أما الكاذبون فليسقطوا. ويتعجب الله لوجود الأنبياء الكذبة، الذين يشبههم بالتبن، مع النبي الحقيقي إرميا الذي يشبهه بالقمح (الحنطة).
ع29: ثم يكمل الله كلامه معلنًا أن كلامه كالنار التي تأكل التبن أي تكشف خداع الأنبياء الكذبة المشبهين بالتبن، هكذا كشف الله هؤلاء الأنبياء الكذبة. ويشبه الله أيضًا كلمته كمطرقة تكسر القلوب الحجرية التي لهؤلاء الأنبياء.
ع30: أيضًا هؤلاء الأنبياء سقطوا في خطية السرقة إذ سمعوا أنبياء الله مثل إرميا أو باروخ وأخذوا كلماتهم وادعوا أن الله أرشدهم إليها عن طريق أحلام ورؤى ويضيفون إليها أفكارهم الخاصة.
ع31: يُعلن الله حربه على الأنبياء الكذبة الذين يدعون أفكارًا خاصة ينطقون بها بلسانهم ويقولون أن الله هو الذي قالها، فهم ينسبون أنفسهم زورًا إلى الله
ع32: يؤكد الله أنه ضد الأنبياء الكذبة الذين يتفاخرون بإدعاءاتهم وأحلامهم الكاذبة فلم يفيدوا شعبى بشئ بل أضلوهم.
† لا تنسب أفكار غيرك إلى نفسك حتى تجد كرامة أكبر فتجلب على نفسك غضب الله بسبب كبريائك وكذبك. كن متضعًا فيهبك الله معرفة عظيمة وعميقة.
ع33: إذ سأل الشعب أو الأنبياء أو الكهنة لإرميا عن وحى الرب قال إن الرب أعلنه وهو رافض لهم بسبب شرورهم.
ع34: يكرر الله أنه سيعاقب كل من يدعى النبوة ومعرفته وحى الرب سواء من الأنبياء الكذبة أو الكهنة أو أي فرد من الشعب.
ع35: يطالب الشعب أن يبحثوا عن كلام الله الذين يعلنه أنبياؤه الحقيقيون مثل ارميا أو باروخ، ولا يعودوا يدعوا معرفتهم بوحى الرب.
ع36: يعاتبهم الله بحزن قائلًا إن ما يقولونه هو وحيهم وأفكارهم وليس وحى الرب وكلامه.
ع37: يستهزئ الله بإدعاءات الأنبياء الكذبة، ويطالب إرميا أن يواجههم ويقول لهذا النبي المخادع ماذا قال لك الله لعله ينتبه ويتوب عن خداعه وكذبه.
ع38-40: يختم الله كلامه بتهديد الأنبياء الكذبة المُصرّين على إدعاء النبوة بأنه سيعاقبهم بنسيانهم أي التخلى عنهم وعن مدينتهم أورشليم، فيهجم عليها البابليون ويدمرونها ويحرقونها، وتصير مدينة الآباء أورشليم، التي فيها هيكل الله، خزيا وعارًا أمام جميع الشعوب بسبب شر وعصيان شعب الله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الرابع والعشرون

(1) سلتا التين (ع1-3):
1 أَرَانِي الرَّبُّ وَإِذَا سَلَّتَا تِينٍ مَوْضُوعَتَانِ أَمَامَ هَيْكَلِ الرَّبِّ بَعْدَ مَا سَبَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَأَتَى بِهِمْ إِلَى بَابِلَ. 2 فِي السَّلَّةِ الْوَاحِدَةِ تِينٌ جَيِّدٌ جِدًّا مِثْلُ التِّينِ الْبَاكُورِيِّ، وَفِي السَّلَّةِ الأُخْرَى تِينٌ رَدِيءٌ جِدًّا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ. 3 فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «تِينًا. اَلتِّينُ الْجَيِّدُ جَيِّدٌ جِدًّا، وَالتِّينُ الرَّدِيءُ رَدِيءٌ جِدًّا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ».
ع1: يكنيا : هو الملك يهوياكين الذي ملك ثلاثة أشهر على مملكة يهوذا ثم سُبى إلى بابل.
رأى إرميا رؤيا وهي سلتان فيهما ثمار التين موضوعتان أمام هيكل الرب. ويحدد زمان الرؤيا وهو بعد أن سبى نبوخذنصر ملك بابل يكنيا ملك يهوذا وأخذ معه عظماء اليهود والصناع المهرة في الحرف المختلفة من أورشليم وسباهم جميعًا إلى بابل.
ووجود السلتين أمام هيكل الله معناه وقوف اليهود بأنواعهم المختلفة أمام الله ليحكم عليهم، إذ أن كل شيء مكشوف وعريان أمام عينيه، وسمح الله بسبى يهوياكين لأجل شره إلى بابل. وقد سبى ملك بابل أفضل اليهود ليعملوا في عاصمة مملكته مما يجعلها تزدهر وتتقوى، وكان بينهم أنبياء ورجال أتقياء. وثمرة التين ترمز إلى الوحدانية إذ بها بذور صغيرة كل منها ليس له قيمة في حد ذاته ولكن تجمعها معًا داخل غلاف واحد يعطيها مذاقًا حلوًا، كما يجتمع المؤمنون في جسد واحد الذي هو الكنيسة جسد المسيح
ع2: رغم أن السلتين بهما ثمرة واحدة هي التين ولكن يوجد نوعان مختلفان تمامًا داخلها، والتين له ثلاثة أنوع:
تين باكورى : أي باكورة التين الذي يظهر في شهر يونيو وهو تين جيد جدًا أي أفضل أنواع التين.
تين صيفى : وهو تين جيد ينضج ويجمع في شهر أغسطس.
تين شتوى : وهو التين الذي يستمر على الشجرة طوال الشتاء حتى بداية فصل الربيع وهو تين ردئ جدًا لا يمكن أكله.
وكانت السلتان اللتان أمام هيكل الرب أحدهما تينها جيد جدًا أي من النوع الأول، أما الأخرى فكان تينها ردئ جدًا وهو من النوع الثالث.
ع3: سأل الله ارميا عما يراه في الرؤيا فأخبر انه يرى تينًا جيدًا جدًا في السلة الأولى، وتين رديئًا جدًا في السلة الثانية وسأل الله هذا ليعلن النبي تمييزه الواضح بين النوعين، فالنوعان هما اليهود الصالحين واليهود الأشرار، فالنوع الأول هم من أطاعوا الله وذهبوا إلى السبي وأطاعوا وصاياه، أما النوع الثاني الردئ فهم من بقوا في أورشليم وتمسكوا بعبادة الأوثان وبكل شرورهم.
† إن الله هو فاحص القلوب والكلى وكلنا مكشوفون أمامه، فلا تتمادى في الخطية لأنه يراك وفى نفس الوقت هو يعتبر جدًا توبتك وجهادك ومحاولتك للإقتراب إليه. فذكر نفسك كل يوم أنك واقف أمامه لتقدم حساب وكالتك حتى لا تغويك الخطية ولا تخسر إكليلك.
(2) التين الجيد (ع4-7):
4 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: 5 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: كَهذَا التِّينِ الْجَيِّدِ هكَذَا أَنْظُرُ إِلَى سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلْتُهُ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِلْخَيْرِ. 6 وَأَجْعَلُ عَيْنَيَّ عَلَيْهِمْ لِلْخَيْرِ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، وَأَبْنِيهِمْ وَلاَ أَهْدِمُهُمْ، وَأَغْرِسُهُمْ وَلاَ أَقْلَعُهُمْ. 7 وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا لِيَعْرِفُونِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، فَيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، لأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيَّ بِكُلِّ قَلْبِهِمْ.
ع4، 5: يعلن الله أن التين الجيد هم اليهود الذين تم سبيهم إلى بابل، فقد فقدوا وجودهم بجوار الهيكل المتهدم ولكنهم متمسكين بوصايا الله، فالله يباركهم بالخير لأجل طاعتهم له وقبولهم التأديب لأجل خطاياهم إذ سمعوا لأنبيائه فقبل الله توبتهم وباركهم.
† إن حلت بك ضيقة فأقبلها كتأديب من الله للتوبة وإصلاح أخطائك وأعلم أن الله قادر أن يباركك في داخل الضيقة فتختبره وتعاينه أكثر من أي وقت في حياتك.
ع6: يعد الله الذين أطاعوه وأتوا إلى السبي بأنه يباركهم لأجل قبولهم التأديب، وأنه سيكافئهم بالعودة إلى أورشليم ويثبتهم هناك، ويبنى لهم الهيكل ويبنيهم في حياة روحية قوية لأنه الله القادر على كل شئ.
ع7: يعد الله أيضًا أولاده التائبين بأن يهبهم قلبًا يميل إليه، أي مشاعر حب تتجه نحوه، ويعلن أيضًا تخصيصهم شعبًا له ورعايته لهم لأجل توبتهم.
(3) التبن الرديء (ع8-10):
8 «وَكَالتِّينِ الرَّدِئِ الَّذِي لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ، هكَذَا أَجْعَلُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ وَبَقِيَّةَ أُورُشَلِيمَ الْبَاقِيَةَ فِي هذِهِ الأَرْضِ وَالسَّاكِنَةَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 9 وَأُسَلِّمُهُمْ لِلْقَلَقِ وَالشَّرِّ فِي جَمِيعِ مَمَالِكِ الأَرْضِ عَارًا وَمَثَلًا وَهُزْأَةً وَلَعْنَةً فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهَا. 10 وَأُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ حَتَّى يَفْنَوْا عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ وَآبَاءَهُمْ إِيَّاهَا».
ع8: يتكلم الله عن من سيعصاه ويتعلق بالماديات والشر، مثل صدقيا الملك آخر ملوك يهوذا وعبيده المقربين الذين يحكمون البلاد والشعب الباقى في أورشليم واليهودية الذين رفضوا الذهاب إلى السبي، أنهم سيكونوا في حالة تعيسة مثل التين الردئ، لأنهم بريائهم ظنوا أن وجودهم في أورشليم هو الخير والصلاح مع أن قلوبهم ملآنة بالشر وعبادة الأوثان.
ع9: يتنبأ إرميا عن الأشرار الذين بقوا في أورشليم أن الله سيتخلى عنهم فيصيرون في قلق لأنهم اعتمدوا على ذواتهم ورفضوا الله، بل سيكونون لضعفهم مثالًا للاحتقار والهزء بين الشعوب، كل ذلك لعدم طاعتهم لله، وأنهم سيطردون أيضًا من أورشليم ويتعرضون لمتاعب كثيرة إذ أن بعضهم ذهب إلى مصر وقاسى شدائد كثيرة هناك.
ع10: يقرر الله أنه سيعاقبهم بثلاثة ضيقات:
السيف أي الموت.
فقرهم الشديد وجوعهم حتى للطعام الضرورى.
إصابتهم بالأمراض الشديدة عن طريق الأوبئة التي تضعفهم وتهلك بعضهم.
بهذه الضربات سيموتون ولا يستفيدوا من وجودهم بأرض الميعاد لأن الوجود بالأماكن المقدسة دون السلوك بالقداسة لا يفيد.
† استفد من كل فرصة روحية تُعرض عليك حتى تعرف الله من خلالها، وتتمتع بعشرته لئلا تدينك كل هذه الفرص إذ أن الله أرسلها إليك لأنه يحبك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الخامس والعشرون

(1) تاريخ النبوة (ع1-3):
1 اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا عَنْ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، هِيَ السَّنَةُ الأُولَى لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، 2 الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ عَلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: 3 «مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ عَشَرَةَ لِيُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، هذِهِ الثَّلاَثِ وَالْعِشْرِينَ سَنَةً، صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ فَكَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا.
ع1: يحدد "إرميا" ميعاد النبوة المذكورة في هذا الأصحاح بأنه في السنة الرابعة للملك "يهوياقيم" ملك يهوذا، وهي في نفس الوقت السنة الأولى للملك "نبوخذنصر" ملك بابل وهي سنة 604 ق.م بعد إنتصار "نبوخذنصر" على "نخو" ملك مصر في معركة "كرمكيش" عام 605 ق.م، واستولت بهذا بابل على كل اليهودية، فهو يتكلم عن الهجوم البابلي المقبل سريعًا ليدمر أورشليم واليهودية وينبه شعبه لآخر مرة حتى يتوب.
ع2: هذه النبوة موجهة إلى الساكنين في أورشليم واليهودية أي كل مملكة يهوذا، وهذه النبوة أملاها "إرميا" على كاتبه "باروخ النبى" الذي قدمها للملك "يهوياقيم" فأحرقها (إر36: 1-26) وكتب "إرميا" نسخة ثانية منها وهذه النبوة تأتى بالترتيب بعد العشرين أصحاح الأولى في هذا السفر، وهذا الكتاب أو الدرج صار نواة لتجميع باقي نبواته (إر36: 27-32).
ع3: يعلن إرميا أن بداية نبواته كانت في السنة الثالثة عشر "ليوشيا" الملك بن آمون وهي عام 627 ق.م، واستمرت 19 سنة ثم ثلاثة أشهر هي مُلك "يهوآحاز"، وبعد ذلك مَلَكَ "يهوياقيم" لمدة أربع سنوات ووصلنا إلى عام 604 ق.م، أي أن نبوات "إرميا" امتدت حتى الآن 23 سنة نبههم فيها للتوبة وكلمهم بكلام الله ويقول "مبكرًا" لأن "إرميا" بدأ نبواته في سن مبكرة.
† انتبه إلى رسائل الله التي يدعوك فيها للتوبة بأشكال مختلفة حتى تتجاوب مع محبته، وعلى قدر أهتمامك بالصلاة وطاعته قبل أهوائك ستسمع صوته واضحًا.
(2) عقاب العصيان (ع4-10):
4 وَقَدْ أَرْسَلَ الرَّبُّ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا فَلَمْ تَسْمَعُوا وَلَمْ تُمِيلُوا أُذُنَكُمْ لِلسَّمْعِ، 5 قَائِلِينَ: ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ وَاسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ إِيَّاهَا وَآبَاءَكُمْ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. 6 وَلاَ تَسْلُكُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا، وَلاَ تَغِيظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيكُمْ فَلاَ أُسِيءَ إِلَيْكُمْ. 7 فَلَمْ تَسْمَعُوا لِي، يَقُولُ الرَّبُّ، لِتَغِيظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيكُمْ شَرًّا لَكُمْ. 8 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِي 9 هأَنَذَا أُرْسِلُ فَآخُذُ كُلَّ عَشَائِرِ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَإِلَى نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي مَلِكِ بَابِلَ، وَآتِي بِهِمْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِهَا وَعَلَى كُلِّ هذِهِ الشُّعُوبِ حَوَالَيْهَا، فَأُحَرِّمُهُمْ وَأَجْعَلُهُمْ دَهَشًا وَصَفِيرًا وَخِرَبًا أَبَدِيَّةً. 10 وَأُبِيدُ مِنْهُمْ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ، صَوْتَ الأَرْحِيَةِ وَنُورَ السِّرَاجِ.
ع4: ليست هناك حجة لعصيان الشعب اليهودي لأن الله لم يرسل لهم نبيًا واحدًا هو إرميا، بل سبقه أنبياء كثيرون مثل إيليا وإليشع وأشعياء، ومع هذا رفضوا كلام الله على لسانهم.
ع5: تتلخص نبوات الأنبياء في الدعوة للتوبة عن الشر الذي يظهر في أمرين:
عبادة الأوثان.
الشهوات الشريرة.
وإذ تابوا عن خطاياهم، يتمتعون بخيرات أرض الميعاد التي وعد الله بها الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، بل كانت في تدبيره الأزلي ومحبته أن يعطيها لهم. وهذه الأرض ترمز للأرض الجديدة أي ملكوت السموات التي أعدها الله في خطته الأولى منذ الأزل للمؤمنين حتى يسكنوا فيها معه إلى الأبد.
† تأمل محبة الله لك منذ الأزل وما أعده لك في الملكوت حتى ترفض كل خطاياك مهما كانت محببة أو معتادة أو سلك فيها كل من حولك، وتشكره على محبته، وتحيا له لتتمتع به الآن وإلى الأبد.
ع6: يحذر بوضوح من عبادة الأوثان التي صنعها اليهود بأيديهم في شكل تماثيل مختلفة وينبههم أنهم بهذا يتحدونه ويغيظونه، لعلهم يتوبون ويرجعون إليه، وإذا أصروا على عبادة الأوثان سيضطر إلى معاقبتهم.
ع7: للأسف أصر الشعب على عبادة الأوثان وأغاظوا الله بشرهم فاستحقوا كل عقاب.
ع8: يظهر الله إحدى صفاته وهي "رب الجنود" ليعلن قوته القادرة على معاقبتهم على شرورهم.
ع9: عشائر الشمال : جيوش البابليين.
أحرمهم : أقتلهم.
دهشًا : يصيرون في رعب.
صفيرًا : يستهزئ بهم كل البشر لما حدث لهم.
يعلن الله عقابه لعصيانهم وهو استخدام "نبوخذنصر" الجبار ملك بابل بجيوشه ليهجم على مملكة يهوذا ويحطمها، ويستولى أيضًا على كل البلاد المحيطة ويخربها ويقتل من فيها، ومن يبقى فيها يصير في رعب وخوف ومن يمر بهم من البشر يستهزئ بهم ويحتقرهم لما حدث لهم بسبب خطاياهم.
ع10: الأرحية : جمع رحى وهي الحجارة التي تستخدم في طحن الغلال قديمًا.
سيشمل العقاب أمورًا كثيرة هي:
منع الأفراح والسرور الذي يتمثل في أفراح الزيجات الجديدة واستخدام الآلات الموسيقية في الطرب، وهذا يرمز لإنعدام الفرح بالله ويحل مكانه الحزن بسبب الخطية.
الجوع فلا تستخدم الرحى في طحن الحبوب لطعام الإنسان والحيوان، إذ لن توجد حبوب لتطحن فيعانون من الجوع ويموتون، وهذا يرمز للجوع إلى كلمة الله.
إنعدام النور من أجل الخراب وهذا يرمز إلى ظلمة الخطية.
(3) مدة السبي (ع11-14):
11 وَتَصِيرُ كُلُّ هذِهِ الأَرْضِ خَرَابًا وَدَهَشًا، وَتَخْدِمُ هذِهِ الشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً. 12 «وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ، وَتِلْكَ الأُمَّةَ، يَقُولُ الرَّبُّ، عَلَى إِثْمِهِمْ وَأَرْضَ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَجْعَلُهَا خِرَبًا أَبَدِيَّةً. 13 وَأَجْلِبُ عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ كُلَّ كَلاَمِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، كُلَّ مَا كُتِبَ فِي هذَا السِّفْرِ الَّذِي تَنَبَّأَ بِهِ إِرْمِيَا عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ. 14 لأَنَّهُ قَدِ اسْتَعْبَدَهُمْ أَيْضًا أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ، فَأُجَازِيهِمْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ وَحَسَبَ عَمَلِ أَيَادِيهِمْ».
ع11: يحدد هنا مدة سبى مملكة يهوذا أو السبي البابلي عندما احتل نبوخذنصر ملك بابل كل بلاد اليهود ما حولها من بلاد، وهذه المدة يحددها بسبعين عامًا بدأت عام 609 ق.م عندما أعلن إرميا هذه النبوة إلى عام 536 ق.م عندما عادت أول مجموعة من اليهود بقيادة "زربابل" إلى أورشليم أيام كورش ملك مادي وفارس. أي أن السبعين عامًا هي تقريبًا مدة المملكة البابلية، ثم سقطت بابل، وقامت مملكة مادي وفارس التي في أولها بدأت عودة اليهود إلى أورشليم من السبي.
ع12: استخدم الله بابل لتأديب شعبه حتى يتوبوا مع أن البابليين أشرار ويعبدون الأوثان، وبعد أن تاب شعب الله أرجعهم من السبي، وعاقب البابليين من أجل شرورهم وإساءاتهم إلى شعبه فتدمرت بابل العظيمة بيد مادي وفارس وملكت مكانها.
ع13: ويؤكد أنه سيتمم نبوات إرميا المذكورة في سفره على شعب الله وعلى البابليين.
ع14: ويقرر أن الملوك الذين أستعبدوا شعبه وأساءوا إليه، وكل من سلك في الشر سيجازيهم على خطاياهم، فستنقلب بابل وبعدها مادى وفارس ثم الأغريق أي اليونان.
† لا تتكبر إذا باركك الله وأصبحت أقوى ممن حولك، بل أشكره وقدم توبة عن خطاياك لأن الله إذا كان قد أدب غيرك لأجل شره فسيؤدبك أنت أيضًا إذا لم تتب. فعش مع الله وتمسك بوصاياه فتحيا مطمئنًا.
(4) نبوات ضد الأمم (ع15-33):
15 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: «خُذْ كَأْسَ خَمْرِ هذَا السَّخَطِ مِنْ يَدِي، وَاسْقِ جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أُرْسِلُكَ أَنَا إِلَيْهِمْ إِيَّاهَا. 16 فَيَشْرَبُوا وَيَتَرَنَّحُوا وَيَتَجَنَّنُوا مِنْ أَجْلِ السَّيْفِ الَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا بَيْنَهُمْ». 17 فَأَخَذْتُ الْكَأْسَ مِنْ يَدِ الرَّبِّ وَسَقَيْتُ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ إِلَيْهِمْ. 18 أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا وَمُلُوكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا، لِجَعْلِهَا خَرَابًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَلَعْنَةً كَهذَا الْيَوْمِ. 19 وَفِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ وَعَبِيدَهُ وَرُؤَسَاءَهُ وَكُلَّ شَعْبِهِ. 20 وَكُلَّ اللَّفِيفِ، وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ عُوصَ، وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ فِلِسْطِينَ وَأَشْقَلُونَ وَغَزَّةَ وَعَقْرُونَ وَبَقِيَّةَ أَشْدُودَ، 21 وَأَدُومَ وَمُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ، 22 وَكُلَّ مُلُوكِ صُورَ، وَكُلَّ مُلُوكِ صِيدُونَ، وَمُلُوكِ الْجَزَائِرِ الَّتِي فِي عَبْرِ الْبَحْرِ، 23 وَدَدَانَ وَتَيْمَاءَ وَبُوزَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا، 24 وَكُلَّ مُلُوكِ الْعَرَبِ، وَكُلَّ مُلُوكِ اللَّفِيفِ السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، 25 وَكُلَّ مُلُوكِ زِمْرِي، وَكُلَّ مُلُوكِ عِيلاَمَ، وَكُلَّ مُلُوكِ مَادِي، 26 وَكُلَّ مُلُوكِ الشِّمَالِ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ، كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مَمَالِكِ الأَرْضِ الَّتِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. وَمَلِكُ شِيشَكَ يَشْرَبُ بَعْدَهُمْ. 27 وَتَقُولُ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اشْرَبُوا وَاسْكَرُوا وَتَقَيَّأُوا وَاسْقُطُوا وَلاَ تَقُومُوا مِنْ أَجْلِ السَّيْفِ الَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا بَيْنَكُمْ. 28 وَيَكُونُ إِذَا أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا الْكَأْسَ مِنْ يَدِكَ لِيَشْرَبُوا، أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: تَشْرَبُونَ شُرْبًا. 29 لأَنِّي هأَنَذَا أَبْتَدِئُ أُسِيءُ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهَا، فَهَلْ تَتَبَرَّأُونَ أَنْتُمْ؟ لاَ تَتَبَرَّأُونَ، لأَنِّي أَنَا أَدْعُو السَّيْفَ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 30 وَأَنْتَ فَتَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، وَقُلْ لَهُمْ: الرَّبُّ مِنَ الْعَلاَءِ يُزَمْجِرُ، وَمِنْ مَسْكَنِ قُدْسِهِ يُطْلِقُ صَوْتَهُ، يَزْأَرُ زَئِيرًا عَلَى مَسْكَنِهِ، بِهُتَافٍ كَالدَّائِسِينَ يَصْرُخُ ضِدَّ كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ. 31 بَلَغَ الضَّجِيجُ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ، لأَنَّ لِلرَّبِّ خُصُومَةً مَعَ الشُّعُوبِ. هُوَ يُحَاكِمُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. يَدْفَعُ الأَشْرَارَ لِلسَّيْفِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 32 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُوَذَا الشَّرُّ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَيَنْهَضُ نَوْءٌ عَظِيمٌ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 33 وَتَكُونُ قَتْلَى الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ الأَرْضِ. لاَ يُنْدَبُونَ وَلاَ يُضَمُّونَ وَلاَ يُدْفَنُونَ. يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ».
ع15: يعلن الله غضبه لتأديب كل شعوب الأرض من أجل شرها حتى تتوب لأن الله هو إله العالم كله ويريد خلاص الجميع، وإن كان قد أختار شعبًا له وهم اليهود ليكونوا مثالًا لباقى الشعوب حتى يرجع الكل إليه ويؤمنون به. وهذا ما تم في المسيحية إذ آمنت به البشرية من جميع الأراضي.
و"الكأس" يسميه كأس خمر تجعل الإنسان يفقد اتزانه ويقصد التأديب الإلهي، وعندما يأتي عليهم غضب الله يفقدون قوتهم. والمسيح قبل الصليب دعا الآلام كأسًا أي شرب الكأس من أجلنا ومات ليفدينا، فحمل غضب الله على رأسه وعقوبة الخطية حتى يحررنا منها (مت26: 39).
وكانت شريعة موسى تقضى بأن المرأة التي تُتهم بخيانة زوجها يقدم لها الكاهن ماء مقدسًا في إناء خزفى ويوضع عليه من غبار خيمة الاجتماع، وتشرب هذا الماء الذي يُسمى ماء اللعنة فإذا تورمت بطنها وسقطت فخذها يحكم بنجاستها وتصير لعنة وسط الشعب لأجل شرها. فهذه الكأس تُعلن غضب الله على النجسين.
ع16: آثار غضب الله على الأمم أن يترنحوا أي يفقدوا اتزانهم ويتجننوا أي يفقدوا عقولهم من أجل كثرة القتلى بينهم، فهذا يعلن أن غضب الله سيكون شديدًا لكثرة خطاياهم.
ع17: أخذ إرميا الكأس، أي كلام الله من كأس السخط، وسقى جميع الشعوب بإعلانه هذه النبوة أمام الله وعبيده وكل الشعب وانتقلت أخبار هذه النبوة إلى جميع الشعوب.
ع18: يبدأ بأورشليم ومملكة يهوذا لأنهما شعب الله الذين عرفوا كثيرًا عنه، فيؤدبهم قبل غيرهم لأنهم ليس لهم عُذر إذا رفضوا الله وساروا في الشر وعبادة الأوثان رغم معرفتهم لله.
ع19: بعد هذا يأتي التأديب على مصر ورؤسائها لأنها كانت القوة التي يحاول شعب الله الإعتماد عليها، وكانت مصر مُتكبرة ولم تخضع لله بل سارت في عبادة الأوثان فجاء عليها غضب الله بعد أورشليم.
ع20: اللفيف : هم الذين انضموا إلى بني إسرائيل من المصريين وعاشوا معهم.
عوص : بلاد تقع شرق مصر وجنوب مملكة يهوذا وهي التي يسكن فيها أيوب (أى1: 1).
أشقلون وغزة وعقرون وبقية أشدود : هي أهم بلاد فلسطين أي أن التأديب سيأتى على الفلسطينيين.
ع21: يأتى غضب الله على البلاد المجاورة لليهود وتقع شرقهم وهي:
أدوم : وهم نسل "عيسو" يعيشون في جبال سعير.
موآب : وهم نسل لوط من إبنته الكبرى.
بنى عمون : وهم نسل لوط من إبنته الصغرى.
كل هذه الشعوب كانت معادية لشعب بني إسرائيل في كثير من الأحيان.
ع22: يمتد غضب الله على البلاد الواقعة غرب بلاد اليهود وهم:
1- الفينيقيون (لبنان) وتشمل:
أ - صور: تقع على ساحل البحر الأبيض ومشهورة بالتجارة.
ب - صيدون: تقع على ساحل البحر بجوار صور ومشهورة بصيد السمك.
2- الجزائر : الموجودة في البحر الأبيض مثل مالطة وكريت.
ع23، 24: أيضًا يمتد غضب الله على القبائل العربية الساكنة جنوب اليهود، وهي
ددان : نسل إبراهيم اشتهروا بالتجارة (تك25: 3).
تيماء : يسكنون في المناطق الصحراوية وراء حاران (تك25: 15).
بوز : نسل ناحور أخو إبراهيم (تك22: 21) تسكن على الطريق بين دمشق ومكة.
وكل مقصوصى الشعر مستديرًا: كانت من طقوس عبادة بعض الآلهة قص الشعر مستديرًا فيبقى منطقة مستديرة أعلى الرأس، وهي قبائل عربية.
ويشمل غضب الله كل ملوك العرب وقبائلهم المنتشرين في شبه الجزيرة العربية وكذلك "اللفيف" أي الذين ارتبطوا باليهود من العرب وعاشوا معهم.
ع25: زمرى وعيلام ومادى : بلاد تقع أقصى الشرق سيحل عليها أيضًا غضب الله.
ع26: شيشك : بابل.
يشمل أيضًا الغضب، البلاد التي هي شمال بلاد اليهود سواء القريبين منهم أو البعيدين عن اليهود، وستقوم هذه البلاد على بعضها فيشمل غضب الله كل البشر لأجل شرهم. وفى النهاية، يأتي غضب الله على بابل إذ تخربها مملكة مادي وفارس.
ع27: يعلن الله غضبه على شعوب الأرض لأجل خطاياهم، فيقول لهم على فم إرميا إشربوا كأس الخمر أي شهواتكم الشريرة وعبادة الأوثان، حتى تفقدوا اتزانكم كالسكارى، وتتقيأوا أي تصيروا في حالة حقيرة مزرية، وتصبحوا في فراغ بعد إخراج ما في داخلكم أي تصيرون في ضعف، ثم تصمتون من أجل خزيكم ورعبكم أمام القتلى الكثيرين منكم.
ع28: وإذا رفضوا شرب الكأس أي رفضوا سماع تعاليم ونبوات إرميا، فأنه يؤكد لهم حتمية العقاب أي شربهم كأس السخط الإلهي.
ع29: المدينة التي دعى إسمى عليها : أورشليم لأن فيها هيكل الله.
أنتم : كل شعوب العالم الوثنية.
يعلن الله أن غضبه سيأتى على أولاده الذين يعبدونه في هيكله بأورشليم لأجل شرورهم، وبالأولى سيأتى غضبه على كل شعوب العالم لأجل شرهم. فهو وإن كان يسمح للأشرار، مثل أشور وبابل بتأديب أولاده أو للبلاد المحيطة باليهود مثل أدوم وموآب وبنى عمون، أن يسيئوا إليهم ولكن كل هذا مؤقت، فبعد ذلك يؤدب كل من أساءوا إلى شعبه لأنهم أشرار ووثنيون.
ع30: بهتاف كالدائسين : صوت الدائسين العنب بعد جمعه في المعاصر يكون قويًا.
يشبه الله نفسه بأسد يطلق صوته المخيف لجميع الحيوانات، أي أن الله يعلن غضبه على كل شعوب العالم فيعاقبهم جميعًا ليؤمنوا به ويرجعوا إليه، ويشبه نفسه أيضًا بهتاف دائسى العنب في المعاصر.
ع31: يعبر الله عن شدة غضبه بالضجيج؛ أي الصوت العالى والضوضاء الشديدة التي تُسمَع في كل مكان في العالم لأن الله يقف خصمًا أمام شعوب العالم ويدينها ويحاكمها، فيظهر استحقاقها للعقاب فيعاقبها لأجل شرها.
ع32: نوء : ريح شديدة.
يعلن الله أن غضبه سيحل بكل بلاد العالم لأنها شريرة، فيأتى الغضب على البلد تلو الأخرى لينبه الكل للإيمان والتوبة. ويقصد بالعاصفة الشديدة: الهجوم البابلي الذي يجتاح الأرض كلها ويقتل الكثيرين.
† اليوم لك فرصة أن تتوب قبل أن يأتي يوم الدينونة أو تحل الضيقات الشديدة فتنشغل بها ويصعب عليك الرجوع إلى الله. قدم توبتك اليوم أمام الله، وتعهد أن تحيا له وتثبت في كنيسته.
ع33: دمنة : فضلات الإنسان.
يندبون : يرثيهم الناس بعبارات الرثاء المعروفة.
يضمون : تُجمع جثثهم الملقاة في الشوارع.
يعبر عن الهجوم البابلي الذي سيشمل الأرض كلها أي معظم البلاد المعروفة وقتذاك فيقتل الكثيرين منهم، ومن كثرة القتلى لا تكون هناك فرصة للحزن على القتلى أو حتى رفع جثثهم ودفنها لأن الأحياء الباقين يهربون من وجه السيف، فيكون رعب في كل القلوب، وتصبح الجثث نتنة تخرج منها روائح كريهة في كل مكان كما تكون فضلات الإنسان ذات رائحة كريهة.
(5) عقاب الرعاة (ع34-38):
34 وَلْوِلُوا أَيُّهَا الرُّعَاةُ وَاصْرُخُوا، وَتَمَرَّغُوا يَا رُؤَسَاءَ الْغَنَمِ، لأَنَّ أَيَّامَكُمْ قَدْ كَمَلَتْ لِلذَّبْحِ. وَأُبَدِّدُكُمْ فَتَسْقُطُونَ كَإِنَاءٍ شَهِيٍّ. 35 وَيَبِيدُ الْمَنَاصُ عَنِ الرُّعَاةِ، وَالنَّجَاةُ عَنْ رُؤَسَاءِ الْغَنَمِ. 36 صَوْتُ صُرَاخِ الرُّعَاةِ، وَوَلْوَلَةِ رُؤَسَاءِ الْغَنَمِ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَهْلَكَ مَرْعَاهُمْ. 37 وَبَادَتْ مَرَاعِي السَّلاَمِ مِنْ أَجْلِ حُمُوِّ غَضَبِ الرَّبِّ. 38 تَرَكَ كَشِبْل عِيصَهُ، لأَنَّ أَرْضَهُمْ صَارَتْ خَرَابًا مِنْ أَجْلِ الظَّالِمِ وَمِنْ أَجْلِ حُمُوِّ غَضَبِهِ.
ع34: يقصد بالرعاة رؤساء الشعب والمعلمين والمسئولين عن توجيه ورعاية شعب الله، فينذرهم بأن عقابهم قد أتى، وسيكسرون مثل الإناء الفاخر فيتحطمون. وفى ترجمة أخرى بدل "الإناء الشهى" يقول "الكباش المشتهاه"، أي يذبحون مثل الكباش المسمنة، والخلاصة أنهم سيهلكون لأجل شرورهم، وإهمالهم تعليم الشعب وصايا الله. لذا يدعوهم الله إلى البكاء والتذلل في التراب بتوبة أمامه قبل أن يضربهم الله بيد بابل ويشتتهم بعيدًا عن بلادهم.
ع35: المناص : الحل والإنقاذ.
وإن حاول هؤلاء الرعاة أن يهربوا من الهجوم البابلي فلن يجدوا فرصة إذ سيدركهم ويقتلهم أو يقبض عليهم ويذلهم ويستعبدهم.
ع36: يبكى ويصرخ هؤلاء الرعاة لأنهم لم يجدوا مرعى لأغنامهم بسبب الخراب البابلي الذي يأتي عليهم والمقصود أنهم سيكونون في جوع وضيق شديدين.
ع37: مراعى السلام : المراعى الخضراء التي ترعى فيها الأغنام بهدوء وطمأنينة.
يسود الرعب والخوف بسبب الهجوم البابلي، فيضطرب الكل ويهربون ولا توجد فرصة للأعمال الهادئة مثل الرعي، وبالتالي تضعف الغنم وتموت ويتعرض الإنسان للجوع.
ع38: عيصة : بيته.
يشبه بابل بشبل الأسد الذي خرج من بيته ليفترس ويحطم أمم العالم، ويصفه بالظالم لأنه ينهب غنائم كل البلاد ويخربها.
† اهتم برعاية من حولك وجذبهم للمسيح، وتقديم المحبة لهم وتنبيههم ليحترسوا من الأخطاء، فتحفظهم وتحفظ نفسك من حروب إبليس.

تفسير سفر ارميا الاصحاح السادس والعشرون
(1) عظة إرميا في الهيكل والقبض عليه (ع1-9):
1 فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ هذَا الْكَلاَمُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قِفْ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْقَادِمَةِ لِلسُّجُودِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَيْهِمْ. لاَ تُنَقِّصْ كَلِمَةً. 3 لَعَلَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الشِّرِّيرِ، فَأَنْدَمَ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ. 4 وَتَقُولُ لَهُمْ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، 5 لِتَسْمَعُوا لِكَلاَمِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَيْكُمْ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا إِيَّاهُمْ، فَلَمْ تَسْمَعُوا. 6 أَجْعَلُ هذَا الْبَيْتَ كَشِيلُوهَ، وَهذِهِ الْمَدِينَةُ أَجْعَلُهَا لَعْنَةً لِكُلِّ شُعُوبِ الأَرْضِ». 7 وَسَمِعَ الْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِرْمِيَا يَتَكَلَّمُ بِهذَا الْكَلاَمِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 8 وَكَانَ لَمَّا فَرَغَ إِرْمِيَا مِنَ التَّكَلُّمِ بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ الرَّبُّ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ الشَّعْبِ بِهِ، أَنَّ الْكَهَنَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ الشَّعْبِ أَمْسَكُوهُ قَائِلِينَ: «تَمُوتُ مَوْتًا! 9 لِمَاذَا تَنَبَّأْتَ بِاسْمِ الرَّبِّ قَائِلًا: مِثْلَ شِيلُوهَ يَكُونُ هذَا الْبَيْتُ، وَهذِهِ الْمَدِينَةُ تَكُونُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ؟». وَاجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ عَلَى إِرْمِيَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ.
ع1، 2: بعد موت الملك "يوشيا" الصالح، ملك ابنه "يهوآحاز" شهورًا قليلة ثم سُبى إلى مصر، وملك أخوه "يهوياقيم" عام 609 ق.م، وكان عليه أن يؤدى ضريبة كبيرة لنخو فرعون مصر، فلم يتب ويتقِ الله بل اهتم بجمع الأموال لبناء قصر عظيم له، وقاوم إرميا النبي. ففى بداية مُلكه إذ ظهر شره أمر الله إرميا أن يقف في بيت الرب حيث يجتمع الكثيرون ليعلن هذه النبوة، إذ يأتي إلى بيت الرب سكان أورشليم وكل اليهودية، وأكد عليه ألا ينقص كلمة من كلام الله فيظهر هذا أهمية هذه النبوة، ويلاحظ أن في هذا الأصحاح والأصحاحات الثلاثة التالية يوجه إرميا كلامه للشعب والكهنة والأنبياء الكذبة والرؤساء ليدعوهم إلى التوبة.
ع3: قصد الله من الإنذار الآتي في هذه النبوة ليس انتقام من أولاده بل تنبيههم ليتوبوا فيسامحهم عن كل خطاياهم.
ع4: يحذرهم الله وينذرهم بويلات تأتى عليهم إن لم يطيعوا وصاياه.
ع5: يعلن الله كلامه عن طريق أنبيائه، ولكن للأسف الشعب رفض كلامهم.
ع6: شيلوه : المكان الذي كان فيه خيمة الاجتماع وتابوت عهد الله أيام صموئيل النبي، وحطم الفلسطينيون هذه المدينة وأغتصبوا تابوت عهد الله من بني إسرائيل.
يذكرهم الله بأنه سمح للأعداء أن يهدموا مكان بيته بشيلوه، وسيسمح الآن بهدم هيكله في أورشليم وتدميرها إن لم يتوبوا ويرجعوا إليه ويطيعوا وصاياه
ع7: يؤكد الكتاب المقدس أن كلام هذه النبوة سمعه الشعب بقياداته المختلفة الكهنة والأنبياء الكذبة.
† لا تتكل على مظاهر حياتك الروحية كما اتكل اليهود قديمًا على أن لديهم الهيكل وأورشليم مدينة الله، فكل مظاهر التقوى لا تنفع بدون أن تحيا أعماقها وبدون التوبة.
ع8، 9: بعد إعلان إرميا بهذه النبوة، قام عليه جميع الشعب بقيادة الكهنة والأنبياء الكذبة، فقبضوا عليه ليقتلوه لأجل نبوته عن خراب أورشليم والهيكل.
(2) تحذير إرميا الرؤساء من سفك دمه (ع10-15):
10 فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا بِهذِهِ الأُمُورِ، صَعِدُوا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَجَلَسُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ الرَّبِّ الْجَدِيدِ. 11 فَتَكَلَّمَ الْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ مَعَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «حَقُّ الْمَوْتِ عَلَى هذَا الرَّجُلِ لأَنَّهُ قَدْ تَنَبَّأَ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ». 12 فَكَلَّمَ إِرْمِيَا كُلَّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلَّ الشَّعْبِ قَائِلًا: «الرَّبُّ أَرْسَلَنِي لأَتَنَبَّأَ عَلَى هذَا الْبَيْتِ وَعَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. 13 فَالآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَاسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، فَيَنْدَمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْكُمْ. 14 أَمَّا أَنَا فَهأَنَذَا بِيَدِكُمُ. اصْنَعُوا بِي كَمَا هُوَ حَسَنٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي أَعْيُنِكُمْ. 15 لكِنِ اعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي، تَجْعَلُونَ دَمًا زَكِيًّا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى سُكَّانِهَا، لأَنَّهُ حَقًّا قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ إِلَيْكُمْ لأَتَكَلَّمَ فِي آذَانِكُمْ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ».
ع10: رؤساء يهوذا : يقصد القضاة والرؤساء المدنيين المسئولين عن قيادة الشعب.
لما سمع رؤساء يهوذا المعاونون للملك في قيادة المملكة كل نبوة إرميا عن خراب الهيكل وأورشليم تضايقوا جدًا، وصعدوا من القصر الملكى، حيث يقومون بأعمالهم في تصريف أمور المملكة، إلى هيكل الله لأنه مبنى على ربوة فأجتمعوا عند أحد أبوابه ويسمى "الباب الجديد" لمحاكمة "إرميا" كما هي العادة قديمًا بإتمام المحاكمات عند أبواب المدن وساحاتها لتتسع لإجتماع الجماهير ليتابعوا المحاكمة (تك23: 10-20) (را 4: 1).
ع11: عندما وصل القضاة والرؤساء إلى باب هيكل الرب، أسرع إليهم الكهنة والأنبياء الكذبة وهم قابضون على إرميا وكرروا عليهم ما قاله في نبوته عن خراب بيت الرب، وأعلنوا الحكم قبل المحاكمة وهي ضرورة قتله. وهذا يُظهر شرهم وعدم استعدادهم لفحص الأمور لأنهم يكرهون إرميا بسبب نبواته السابقة عليهم.
ع12: أكد "إرميا" أمام الرؤساء وكل الشعب أنه نبى مرسل من الله لإعلان النبوات التي يسمعونها، لذلك يلزمهم أن يطيعوا كلمات هذه النبوة.
ع13: لخص إرميا المطلوب من سامعيه وهو التوبة والرجوع إلى الله، وإصلاح أخطائهم أي ترك شهواتهم وعبادتهم للأوثان، فيسامحهم الله عن كل خطاياهم ويرجع عن العقاب الذي قرره عليهم أي خراب أورشليم.
ع14: لم يخف "إرميا" من التهديد بقتله، وأعلن استعداده للموت من أجل الله، وقال أن هذا أمر مستطاع لهم أن يقتلوه.
† لا تخف من تهديدات الأشرار، وثق في حماية الله لك، فتعلن صوت الله وتحيا بأمانة واثقًا أن لا سلطان للشر عليك إلا إذا سمح الله بذلك لفائدتك، وسيكون معك ويسندك في كل ضيقاتك.
ع15: حذرهم إرميا من قتله إذ سيسقطون بهذا في خطية القتل بدون سبب يستحقه الإنسان، فيغضب الله عليهم أكثر وعلى مدينتهم بسبب سفك دمه البريء.
(3) الرؤساء ضد الكهنة والأنبياء (ع16-19):
16 فَقَالَتِ الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِلْكَهَنَةِ وَالأَنْبِيَاءِ: «لَيْسَ عَلَى هذَا الرَّجُلِ حَقُّ الْمَوْتِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّمَنَا بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِنَا». 17 فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ شُيُوخِ الأَرْضِ وَكَلَّمُوا كُلَّ جَمَاعَةِ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: 18 «إِنَّ مِيخَا الْمُورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَكَلَّمَ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا قَائِلًا: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْل وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ. 19 هَلْ قَتْلًا قَتَلَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ يَهُوذَا؟ أَلَمْ يَخَفِ الرَّبَّ وَطَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْهِمْ؟ فَنَحْنُ عَامِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِنَا».
ع16: تدخل الله فأقنع الرؤساء ببراءة "إرميا"، وأنه نبى مُرسل من الله أدى رسالته ولا يقصد شرًا شخصيًا ضد أورشليم. وبهذا أعرضوا عن كراهية الكهنة والأنبياء الكذبة، وصدوا مشورتهم الخاطئة التي تريد قتل "إرميا".
ع17: أرسل الله أيضًا الشيوخ ورؤساء من الشعب أى المتقدمين بيد الشعب، وعضدوا كلام القضاة الرؤساء في قصر الملك ضد الكهنة والأنبياء بتذكيرهم بأحداث قديمة تؤيد براءة إرميا وإنقاذه من الموت.
ع18: تُفلح : تحرث بالمحراث أي تُهدم وتتساوى بالأرض.
شوامخ وعر : تلال من المباني المنهدمة كالتلال الموجودة في البرارى.
ذكر الشيوخ القضاة والكهنة وكل الشعب المجتمع بما حدث منذ حوالي قرن من الزمان، حينما قام نبى أسمه "ميخا المورشتى" أي من بلد أسمها "مورشت" وتنبأ بخراب أورشليم وتدميرها الكامل (ميخا3: 12).
ع19: لم يغضب "حزقيا الملك"، الذي كان يملك وقتذاك، وينتقم من "ميخا" بقتله أو تعذيبه بل على العكس خاف الله وقدم توبة هو وشعبه (2 مل18: 14) فغفر لهم الله وأجَّل تنفيذ الخراب بأورشليم، وبالتالي فإن الانتقام من إرميا وقتله يسقط الشعب كله في خطية كبيرة لأنهم بهذا يقاومون الله.
† الله قادر أن ينقذك في الوقت المناسب مهما قام الأعداء عليك ومهما كانت قوتهم، فلا ترتعب منهم فهو يرسل لك عونًا في حينه من حيث لا تدرى. إن الله معك فلا تخف من أي إنسان.
(4) إنقاذ إرميا (ع20-24):
20 وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ أَيْضًا يَتَنَبَّأُ بِاسْمِ الرَّبِّ، أُورِيَّا بْنُ شِمْعِيَا مِن قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، فَتَنَبَّأَ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى هذِهِ الأَرْضِ بِكُلِّ كَلاَمِ إِرْمِيَا. 21 وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ وَكُلُّ أَبْطَالِهِ وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ كَلاَمَهُ، طَلَبَ الْمَلِكُ أَنْ يَقْتُلَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ أُورِيَّا خَافَ وَهَرَبَ وَأَتَى إِلَى مِصْرَ. 22 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ أُنَاسًا إِلَى مِصْرَ، أَلْنَاثَانَ بْنَ عَكْبُورَ وَرِجَالًا مَعَهُ إِلَى مِصْرَ، 23 فَأَخْرَجُوا أُورِيَّا مِنْ مِصْرَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ يَهُويَاقِيمَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ فِي قُبُورِ بَنِي الشَّعْبِ. 24 وَلكِنَّ يَدَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ كَانَتْ مَعَ إِرْمِيَا حَتَّى لاَ يُدْفَعَ لِيَدِ الشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ.
ع20: يعاريم : مدينة للجبعونيين تقع شمال غرب أورشليم على بُعد ثمانية أميال.
يذكر لنا إرميا قصة تُظهر مدى شراسة الملك "يهوياقيم" وانسياقه وراء الكهنة والأنبياء الكذبة، إذ حدث في نفس الوقت أن قام نبى لله في قرية "يعاريم"، وتنبأ بخراب أورشليم تمامًا كما تنبأ "إرميا"، وقد أرسله الله كما أرسل "إرميا" و"ميخا" قديمًا لتأكيد ما سيحدث حتى يتوب اليهود ولا يعتمدوا على كون الهيكل عندهم، فهذا لا يكفى لخلاصهم ما داموا في الخطية.
ع21: غضب "يهوياقيم" جدًا هو وكل معاونيه في الحرب على "أوريا" النبي، وأمر بقتله فهرب إلى مصر.
ع22، 23: كانت هناك معاهدات وتفاهم بين "يهوياقيم" ملك يهوذا و"نخو" فرعون مصر، فأرسل "يهوياقيم" رجالًا فقبضوا على أوريا في مصر وأتوا به إلى يهوياقيم فقتله وألقى جثته باحتقار في قبور عامة الشعب وليس بإكرام الأنبياء.
† لا تتمادى في الخطية فتصر عليها وتحاول تنفيذها بكل الطرق حتى لا تجلب عليك غضب الله، فهو طويل الأناة ولكن في نفس الوقت عادل فلا تستهن بطول أناته.
ع24: أخيقام بن شافان : واحد من معاونى "يهوياقيم"، وأبوه شافان كان من معاونى "يوشيا" وكان تقيًا محبًا "لإرميا" وكانت المناقشات مازالت حادة بين الكهنة من جانب والأنبياء الكذبة من جانب آخر حول قتل "إرميا" أو تبرئته، فحرك الله قلب أحد الأتقياء وهو أخيقام أحد معاونى الملك، فتوسط وأكد كلام القضاة، فأنقذ "إرميا" من القتل.
تفسير سفر ارميا الاصحاح السابع والعشرون

(1) تحذيرات للملوك المحيطين في أورشليم (ع1-11) :
1 فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ هذَا الْكَلاَمُ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِي: اصْنَعْ لِنَفْسِكَ رُبُطًا وَأَنْيَارًا، وَاجْعَلْهَا عَلَى عُنْقِكَ، 3 وَأَرْسِلْهَا إِلَى مَلِكِ أَدُومَ، وَإِلَى مَلِكِ مُوآبَ، وَإِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ، وَإِلَى مَلِكِ صُورَ، وَإِلَى مَلِكِ صَيْدُونَ، بِيَدِ الرُّسُلِ الْقَادِمِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. 4 وَأَوْصِهِمْ إِلَى سَادَتِهِمْ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا تَقُولُونَ لِسَادَتِكُمْ: 5 إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَالإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، بِقُوَّتِي الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي الْمَمْدُودَةِ، وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ. 6 وَالآنَ قَدْ دَفَعْتُ كُلَّ هذِهِ الأَرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَبْدِي، وَأَعْطَيْتُهُ أَيْضًا حَيَوَانَ الْحَقْلِ لِيَخْدِمَهُ. 7 فَتَخْدِمُهُ كُلُّ الشُّعُوبِ، وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ أَرْضِهِ أَيْضًا، فَتَسْتَخْدِمُهُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ. 8 وَيَكُونُ أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، وَالَّتِي لاَ تَجْعَلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ، إِنِّي أُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ. 9 فَلاَ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ لأَنْبِيَائِكُمْ وَعَرَّافِيكُمْ وَحَالِمِيكُمْ وَعَائِفِيكُمْ وَسَحَرَتِكُمُ الَّذِينَ يُكَلِّمُونَكُمْ قَائِلِينَ: لاَ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ. 10 لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ، لِكَيْ يُبْعِدُوكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، وَلأَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا. 11 وَالأُمَّةُ الَّتِي تُدْخِلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَتَخْدِمُهُ، أَجْعَلُهَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتَعْمَلُهَا وَتَسْكُنُ بِهَا».
ع1: يظن الكثيرون أنه ذُكر هنا خطأ الملك "يهوياقيم" والصواب أنه "صدقيا" الملك وفى الترجمة العربية والسريانية تذكر الآية الأولى هكذا: "مَلَكَ صدقيا عوض يهوياقيم".
وكان ذلك عام 597 ق.م. وهذا الملك ملَّكته بابل عوض "يهوياكين" الذي سبته إلى بابل بعد أن ملك شهور قليلة. ففى بداية حكم "صدقيا"، تكلم إرميا بهذه النبوة. وفى هذه الأيام تعرضت مملكة بابل، بعد أربعة سنوات فقط من قيامها لحروب في الشرق من عيلام، وقلاقل في سوريا، فتجمع بعض الملوك في غرب مملكة بابل الذين حول أورشليم ونظموا تحالف لمقاومة بابل، وكان الأنبياء الكذبة في مملكة يهوذا يؤكدون أن بابل ستنهار، ويشجعون "صدقيا" الملك والملوك المتحالفين معه لمحاربة بابل لأنها ستسقط وتنهار. ولم يقف إلا شخص واحد عكس كل هذا التيار يطالب الشعب بالخضوع لعبودية بابل وهو "إرميا النبى" كما أمره الرب
ع2: رُبطًا : سيور من الجلد أو حبال تُربط حول عنق الحيوان.
أنيار : جمع نير وهو خشبة تُوضع على رقبة حيوانين، وتُربط بالحبال أو الجلد حول الرقبة وتُثبت فيها، وتُركب على هذه النير خشبة متعامدة تجر في نهايتها الآلات الزراعية مثل المحراث.
طلب الله من "إرميا" أن يصنع أنيارًا مثبت فيها حبال، ويضعها على عنقه كوسيلة إيضاحية يعلن بها خضوعه لملك بابل، كمثال أمام رسل الملوك وأمام "صدقيا" الملك ليخضعوا أمام ملك بابل.
† حمل "إرميا" النير الذي يرمز لعبودية الخطية مع أنه إنسان تقى بعيد عن الشر يرمز بهذا للمسيح الذي بلا خطية وحمل الصليب عنا ليموت بدلًا منا ويفدينا.
ع3: أدوم : نسل "عيسو" يعيشون في جبال "سعير".
موآب : نسل "لوط" من ابنته الكبرى.
بنى عمون : نسل "لوط" من ابنته الصغرى.
صور : مدينة تجارية كبيرة تقع على ساحل البحر الأبيض في لبنان.
صيدون : مدينة على ساحل البحر الأبيض جنوب صور.
كان هناك رسل من بلاد أدوم وموآب وبنى عمون وصور وصيدون جاءوا إلى "صدقيا" الملك للتحالف معه ضد بابل، فأعطى كل منهم نيرًا يربطه ليوصله إلى ملكه كوسيلة إيضاح لضرورة خضوعه لملك بابل كما يخضع الحيوان للنير الموضوع على رقبته.
ع4، 5: أرسل الله رسالة على فم "إرميا"، مع رسل الممالك السابق ذكرها، يعلن فيها أنه الله خالق الأرض وما عليها من إنسان وحيوان أي له السلطان الكامل، ويعطى المُلك لمن يريده من البشر لينفذ إرادة الله.
ع6: يستكمل الله كلامه بأنه يستخدم نبوخذ نصر عبده في تنفيذ إرادته بتملك كل بلاد مملكته كأداة لتأديب شعبه والشعوب الأخرى لعصيانها وشرورها.
ع7: ابنه وابن ابنه : إما يقصد بنيه وأحفاده أو يقصد ابنه "أويل مردوخ" وابن ابنه "بيلشاصر" (دا5: 11).
وقت أرضه : الوقت الذي تنهار فيه مملكة بابل وتقوم عليها مملكة مادي وفارس.
شعوب كثيرة وملوك عظام : ملوك مادي وفارس الذين خربوا بابل وأخذوا كل أراضيهم.
يعلن الله أن شعوب الأرض ستخضع ليس فقط لنبوخذ نصر، بل أيضًا لمن يخلفه من نسله حتى حفيده "بيلشاصر" وكان ذلك لمدة سبعين عامًا، وبعد ذلك تقوم مملكة مادي وفارس وهي اتحاد بين مملكتين لتستعبد بابل وتأخذ كل ممتلكاتها وتستخدمها كما تريد.
ع8: يضيف الله أيضًا أنه من سيعصى ويقاوم ملك بابل، سيموت إما بالسيف أو بالمرض أو بالجوع وذلك عكس كل ما ادعاه الأنبياء الكذبة.
ع9: أنبيائكم يقصد الأنبياء الكذبة.
عرافيكم : جمع عراف وهو من يدعى معرفة الغيب بأى شكل من الأشكال.
حالميكم : من يدعى أنه يحلم أحلامًا تُنبئه بالمستقبل.
عائفيكم : جمع عائف وهو أيضًا من يدعى معرفة الغيب.
سحرتكم : جمع ساحر وهو أيضًا يدعى بقوة الشيطان أنه يعرف المستقبل ويقدر على صنع المعجزات.
ينهاهم الله أيضًا عن الإستماع لمن يدعون النبوة ومعرفة الغيب من الأنبياء الكذبة وغيرهم ويمنعوهم من الخضوع لملك بابل ويشجعونهم على مقاومته.
ع10: حذر شعوب هذه الممالك أيضًا من أن تصديقهم لكلام الأنبياء الكذبة سيجعل ملك بابل يهاجمهم ويطردهم من بلادهم ويهلكهم كما سمح له الله. والعجيب أن الله يقول أنه سيطرد هذه الشعوب، والمقصود أن سيتمم ذلك بيد ملك بابل.
ع11: وعلى العكس يُبشر الله من يطيع كلامه ويخضع لملك بابل أنه سيسكن في أرضه، ويعمل أعماله، ويستقر في حياته.
† اقبل كلام الله حتى لو كان صعبًا مثل تنفيذ الوصايا الصعبة لتجد خلاصك، ولا تنخدع بكلام أهل العالم الذي يخدعك بأن الخطية تريحك وتنجحك في الحياة.
(2) تحذير لصدقيا الملك (ع12-15):
12 وَكَلَّمْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، قَائِلًا: «أَدْخِلُوا أَعْنَاقَكُمْ تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَاخْدِمُوهُ وَشَعْبَهُ وَاحْيَوْا. 13 لِمَاذَا تَمُوتُونَ أَنْتَ وَشَعْبُكَ بِالسَّيْفِ بِالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنِ الأُمَّةِ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ مَلِكَ بَابِلَ؟ 14 فَلاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُكَلِّمُونَكُمْ قَائِلِينَ: لاَ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ، لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ. 15 لأَنِّي لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، بَلْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ، لِكَيْ أَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا أَنْتُمْ وَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ».
ع12: كرر "إرميا" نفس الكلام "لصدقيا" الملك بالخضوع لملك بابل حتى يحيا هو وشعبه، فاستجاب في هذه المرة، وترك هذا التحالف، ولكنه عاد فعصى ملك بابل معتمدًا على مصر فقبض عليه ملك بابل، وقتل أولاده، ثم فقع عينيه.
ع13: أكد له أنه إن لم يطع الله ويخضع لملك بابل سيموت بإحدى الثلاث وسائل وهي السيف أو المرض أو الجوع.
ع14، 15: حذره من التأثر بكلام الأنبياء الكذبة لأنهم يدعون أن الله أرسلهم والله برىء من كلامهم، ويقصدون تضليلكم فتطردون من أرضكم أنتم وأيضًا هؤلاء الأنبياء.
† ينبغى على أولاد الله أن يتمسكوا بوصاياه قبل أولاد العالم، بل يكونون مثالًا لطاعة الله فينجون من شر العالم ويكونون قدوة للآخرين.
(3) تحذير للكهنة والشعب (ع16-22):
16 وَكَلَّمْتُ الْكَهَنَةَ وَكُلَّ هذَا الشَّعْبِ قَائِلًا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ أَنْبِيَائِكُمُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ قَائِلِينَ: هَا آنِيَةُ بَيْتِ الرَّبِّ سَتُرَدُّ سَرِيعًا مِنْ بَابِلَ. لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ. 17 لاَ تَسْمَعُوا لَهُمْ. اُخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ وَاحْيَوْا. لِمَاذَا تَصِيرُ هذِهِ الْمَدِينَةُ خَرِبَةً؟ 18 فَإِنْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَلْيَتَوَسَّلُوا إِلَى رَبِّ الْجُنُودِ لِكَيْ لاَ تَذْهَبَ إِلَى بَابِلَ الآنِيَةُ الْبَاقِيَةُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ. 19 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ عَنِ الأَعْمِدَةِ وَعَنِ الْبَحْرِ وَعَنِ الْقَوَاعِدِ وَعَنْ سَائِرِ الآنِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، 20 الَّتِي لَمْ يَأْخُذْهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عِنْدَ سَبْيِهِ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ وَكُلَّ أَشْرَافِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 21 إِنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الآنِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ: 22 يُؤْتَى بِهَا إِلَى بَابِلَ، وَتَكُونُ هُنَاكَ إِلَى يَوْمِ افْتِقَادِي إِيَّاهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، فَأُصْعِدُهَا وَأَرُدُّهَا إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ».
ع16: يفضح الله كذب الأنبياء الكذبة الذين يدعون انهيار بابل وعودة آنية بيت الرب التي سلبها ملك بابل.
ع17: يدعوهم لطاعة ملك بابل حتى لا يموتوا ولا تخرب أورشليم. و"إرميا" طبعًا ليس عميلًا لبابل كما يدعى الأنبياء الكذبة، بل هو المتكلم بكلام الله ليقبلوا تأديبهم فيتوبوا عن خطاياهم.
ع18: يُقدم الله دليلًا على كذب الأنبياء الكذبة، وهو إن كانوا مرسلين من الله فليتوسلوا إليه حتى لا تذهب بقية آنية الرب ومحتويات الهيكل التي لم يأخذها ملك بابل.
ع19، 20: الأعمدة : العمودان النحاسيان اللذان صنعهما سليمان الملك ووضعهما في الدار الخارجية (1 مل7: 15-22).
البحر : وهو يقابل المرحضة في خيمة الاجتماع، وشكله حوض نحاسى مستدير قطره حوالي خمس أمتار يوضع فيه الماء للإغتسال.
القواعد : عبارة عن 12 قاعدة، كل منها بشكل ثور، مصنوعة من النحاس مرتكز عليها البحر النحاسى السابق ذكره (1 مل7: 23-25).
أجزاء الهيكل التي هى الأعمدة، والبحر وقواعده، ومحتويات أخرى للهيكل لم يأخذها "نبوخذ نصر" عند سبيه "يكنيا" أو "يهوياكين" الملك والعظماء الموجودين ببابل، فيطلب إرميا من الأنبياء الكذبة أن يصلوا إلى الله حتى لا تؤخذ هي أيضًا إلى بابل إن كانوا فعلًا أنبياء حقيقيين ولكن ما سيحدث فعلًا أنها ستأخذ في الهجوم الثاني لملك بابل على أورشليم.
ع21، 22: يوم افتقادى : عندما تنهار بابل أمام مملكة مادي وفارس ويأمر قورش الملك الفارسى بإرجاع آنية بيت الرب إلى أورشليم.
يعلن الله أن باقي محتويات الهيكل سيأخذها ملك بابل، وتظل هناك حتى نهاية المملكة البابلية وقيام مملكة مادي وفارس، فترد كل شيء إلى بيت الرب في أورشليم.
† الله يسمح بالضيقة لفترة مؤقتة حتى تتوب فيرفعها عنك، ويرد إليك كل مجدك، فلا تنزعج من الضيقة بل أسرع إلى التوبة والتمسك بالله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثامن والعشرون

(1) نبوة حننيا الكاذبة ( ع1- 4):
1 وَحَدَثَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، أَنَّ حَنَنِيَّا بْنَ عَزُورَ النَّبِيَّ الَّذِي مِنْ جِبْعُونَ: كَلَّمَنِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ أَمَامَ الْكَهَنَةِ وَكُلِّ الشَّعْبِ قَائِلًا: 2 «هكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: قَدْ كَسَرْتُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ. 3 فِي سَنَتَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ أَرُدُّ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّتِي أَخَذَهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ، وَذَهَبَ بِهَا إِلَى بَابِلَ. 4 وَأَرُدُّ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَكُلَّ سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى بَابِلَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَكْسِرُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ».
ع2: جبعون: مدينة يسكنها الكهنة تقع شمال غرب أورشليم نحو 5 أميال.
في السنة الرابعة للملك صدقيا وفى بداية ملكه، ويقصد النصف الأول من ملكه لأنه ملك إحدى عشر سنة والسنة الرابعة تقابل 593 ق.م، تقدم أحد الأنبياء الكذبة ويدعى (حننيا بن عزور) وهو من مدينة جبعون التي يسكنها الكهنة لذا يظن أنه كاهن، ولأن جبعون مدينة في سبط بنيامين وقريبة من أورشليم، لذا حضر حننيا إلى أورشليم ووقف في بيت الرب حيث يجتمع الكثيرون ليعلن نبوته الكاذبة، وكان ذلك في وجود إرميا ليشكك الشعب في نبوات إرميا.
ع2: يلاحظ قوة التضليل التي لنبوة حننيا والتي تعتمد على:
أنه كاهن.
يتكلم في بيت الرب أمام الجموع بجرأة.
يتكلم في وجود إرميا معلنًا ضلال وخطأ نبواته.
يستخدم نفس الألفاظ التي يقولها إرميا .. يقول رب الجنود إله إسرائيل .. كسر نير ملك بابل .. مستخدمًا نفس وسيلة الإيضاح التي استخدمها إرميا.
يحدد ميعاد لإتمام نبوته وهو بعد سنتين.
† كن حريصًا أمام التعاليم الغريبة المضلة إذ لها الشكل المنطقي والصورة المبهرة، ولكن ما دامت تتعارض مع تعاليم الكنيسة والآباء القديسين فهي مضلة. لا تندفع وراءها وارفع قلبك بالصلاة، وتمسك بما عندك أي ما تعلمته من الكنيسة لئلا تضل.
ع3: ملخص النبوة هو انتهاء استعباد نبوخذ نصر لكل البلاد التي احتلها ومنها مملكة يهوذا بعد سنتين من الزمان وأنكسار بابل وعودة آنية بيت الرب التي أغتصبها نبوخذ نصر من الهيكل في أورشليم. ويلاحظ انشغاله بالماديات أي آنية بيت الرب قبل المسبيين الذين هم أهم، وطبعًا نبوته كاذبة لأن إرميا أعلن أن السبي البابلي سيستمر 70 عامًا (إر25: 12).
ع4: يقدم دليلًا ثانيًا على انتهاء استعباد بابل لمملكة يهوذا، أي كسر نيرها، وهو عودة الملك يكنيا ملك يهوذا المسبى إلى بابل وكل المسبيين معه إلى أورشليم واليهودية.
(2) رد إرميا على حننيا ( ع5-9):
5 فَكَلَّمَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ حَنَنِيَّا النَّبِيَّ أَمَامَ الْكَهَنَةِ وَأَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، 6 وَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ: «آمِينَ. هكَذَا لِيَصْنَعِ الرَّبُّ. لِيُقِمِ الرَّبُّ كَلاَمَكَ الَّذِي تَنَبَّأْتَ بِهِ، فَيَرُدَّ آنِيَةَ بَيْتِ الرَّبِّ وَكُلَّ السَّبْيِ مِنْ بَابِلَ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ. 7 وَلكِنِ اسْمَعْ هذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهَا فِي أُذُنَيْكَ وَفِي آذَانِ كُلِّ الشَّعْبِ. 8 إِنَّ الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي وَقَبْلَكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَتَنَبَّأُوا عَلَى أَرَاضٍ كَثِيرَةٍ وَعَلَى مَمَالِكَ عَظِيمَةٍ بِالْحَرْبِ وَالشَّرِّ وَالْوَبَإِ. 9 النَّبِيُّ الَّذِي تَنَبَّأَ بِالسَّلاَمِ، فَعِنْدَ حُصُولِ كَلِمَةِ النَّبِيِّ عُرِفَ ذلِكَ النَّبِيُّ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَهُ حَقًّا».
ع5: لم ينزعج إرميا من خداع حننيا الكاذب، ووقف أمامه في بيت الرب، ورد عليه بهدوء وبقوة.
ع6: أعلن إرميا موافقته لا على نبوة حننيا بل على رجوع المسبيين وآنية بيت الرب، وهذا سيحدث فعلًا ولكن بعد 70 سنة فهي أمنية كل مملكة يهوذا، ولكن ليس بعد سنتين كما قال حنانيا.
ع7: استدرك إرميا كلامه مع حننيا، فهو إن كان يوافق على هذه الأمنية، ولكنه يظهر كذبه فيما يلي في الآيتين التاليتين.
ع8، 9: قال إرميا لحننيا إن أي نبى يُعرف صدقه بتحقيق نبوته في حينها هكذا حدث مع الأنبياء القدامى الذين سبقوه فإن كان كلامه حقًا فسيتم ما يقوله والحقيقة أن كلام حننيا متعارض ليس فقط مع كلام إرميا بل مع أنبياء كثيرين سابقين مثل يوئيل وعاموس وهوشع وميخا وصفنيا وناحوم وحبقوق وغيرهم.
† لا تنزعج من ضلال المعلمين الكذبة، وثق أن إلهك معك يسندك وسيحقق ما تؤمن به، فالشيطان ليس فقط كذاب وأبو الكذاب بل يتكلم بجرأة ووقاحة فلا تهتم بكلامه.
(3) كسر النير الخشبي ( ع10، 11):
10 ثُمَّ أَخَذَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنُقِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ وَكَسَرَهُ. 11 وَتَكَلَّمَ حَنَنِيَّا أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ قَائِلًا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا أَكْسِرُ نِيرَ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فِي سَنَتَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ عَنْ عُنُقِ كُلِّ الشُّعُوبِ». وَانْطَلَقَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ فِي سَبِيلِهِ.
ع10: أيد حننيا كلامه بوسيلة إيضاح، فأخذ النير الذي يربطه إرميا في عنقه وكسره أمام الشعب المجتمع ليثبت نبوته أن عبودية بابل ستنتهي مستخدمًا وسيلة الإيضاح المؤثرة لتضليل الشعب.
ع11: أكد حننيا أن استعباد بابل لمملكة يهوذا وكل ما حولها من البلاد سينتهى بعد سنتين، وإذ وجد إرميا إصراره على الضلال تركه وإنصرف فالخادم يقوم بواجبه ولا ينزعج من كثرة الشر حتى لو أصر الأشرار عليه.
† لا تخدع الآخرين فتسمعهم ما يريدون أن يسمعوه حتى لو كان ضد الحق، ولا تصدق ما ترغبه لئلا يضلك الآخرون فتبعد عن الحق، بل أطلب الله وأقبل كلامه فتتوب عن خطاياك وتكون مستعدًا في كل حين.
(4) النير الحديدي ( ع12-14):
12 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، بَعْدَ مَا كَسَرَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنُقِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ، قَائِلًا: 13 «اذْهَبْ وَكَلِّمْ حَنَنِيَّا قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ كَسَرْتَ أَنْيَارَ الْخَشَبِ وَعَمِلْتَ عِوَضًا عَنْهَا أَنْيَارًا مِنْ حَدِيدٍ. 14 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: قَدْ جَعَلْتُ نِيرًا مِنْ حَدِيدٍ عَلَى عُنُقِ كُلِّ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ لِيَخْدِمُوا نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، فَيَخْدِمُونَهُ وَقَدْ أَعْطَيْتُهُ أَيْضًا حَيَوَانَ الْحَقْلِ».
ع12: لم يندفع إرميا فيعلن كلامًا لتوبيخ حننيا بل انصرف إلى الله وصلى حتى أُعلن له ما يقوله لحننيا فهو يتكلم بصوت الله وليس بكلامه الشخصى.
† تأكد مما تقوله أنه صوت الله، فلا تتسرع في الإجابة وأطلب الله ليرشدك مهما كانت استفزازات الآخرين وتهديداتهم، واطمئن لأن الله سيعلمك بالحق ويحفظك من شر الأعداء.
ع13: أعلن إرميا كلام الله لحننيا أنه باندفاع وخداع كسر النير الخشبى ليُعلن كذبًا أن عبودية بابل ستنتهي، ولكن الحقيقة أن هذا الكلام تضليل للشعب، والله سيسمح بأنيار من حديد عوض الأنيار الخشبية أي تكون عبودية بابل قاسية ولا يمكن الخروج منها إلا بعد كمال الزمان أى بعد سبعين سنة.
ع14: الله سيسمح لبابل أن تستعبد كل الشعوب وكذلك كل ممتلكاتها مثل الحيوانات.
(5) توبيخ إرميا لحننيا ( ع15-17):
15 فَقَالَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ لِحَنَنِيَّا النَّبِيِّ: «اسْمَعْ يَا حَنَنِيَّا. إِنَّ الرَّبَّ لَمْ يُرْسِلْكَ، وَأَنْتَ قَدْ جَعَلْتَ هذَا الشَّعْبَ يَتَّكِلُ عَلَى الْكَذِبِ. 16 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا طَارِدُكَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. هذِهِ السَّنَةَ تَمُوتُ، لأَنَّكَ تَكَلَّمْتَ بِعِصْيَانٍ عَلَى الرَّبِّ». 17 فَمَاتَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ.
ع15: أعلن إرميا كلام الله بوضوح في توبيخ محدد لحننيا النبي الكاذب، إذ قال له إرميا أنك لست نبيًا من الله بل أتيت من نفسك وأدعيت كذبًا أن كلامك من الله.
ع16: الإعلان الإلهي الثاني لحننيا هو معاقبته على نبوته الكاذبة بأن يُطرد، ليس من بلده كما سيفعل البابليون لسكان مملكة يهوذا، بل يُطرد من الأرض كلها أي يموت جزاء كذبه كما حدث مع حنانيا وسفيرة اللذين كذبا فماتا في الحال (أع5: 1-11).
ع17: تم فعلًا كلام الله، فمات حننيا في نفس السنة بعد شهرين من نبوته الكاذبة التي كانت في الشهر الخامس من السنة الرابعة لصدقيا الملك، فمات حنانيا في الشهر السابع. ونرى هنا رحمة الله التي أعطته شهرين فرصة للتوبة وذلك أفضل من حالة حنانيا وسفيرة اللذين ماتا في الحال، لقد تنبأ أنه بعد سنتين ستنتهي العبودية فلم يمض إلا شهرين ومات هو أما العبودية البابلية فظلت سبعين عامًا.
† إن الله يعطيك فرصة هذه الحياة للتوبة والرجوع إليه فلا تتهاون وتهملها واقبل التوبيخ من الآخرين فقد يكون رسالة إلهية إليك.


تفسير سفر ارميا الاصحاح التاسع والعشرون

(1) رسالة إلى المسبيين ( ع1- 23):
1 هذَا كَلاَمُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِرْمِيَا النَّبِيُّ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَقِيَّةِ شُيُوخِ السَّبْيِ، وَإِلَى الْكَهَنَةِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَإِلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِينَ سَبَاهُمْ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ، 2 بَعْدَ خُرُوجِ يَكُنْيَا الْمَلِكِ وَالْمَلِكَةِ وَالْخِصْيَانِ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، 3 بِيَدِ أَلْعَاسَةَ بْنِ شَافَانَ، وَجَمَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا، اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: 4 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لِكُلِّ السَّبْيِ الَّذِي سَبَيْتُهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ: 5 اِبْنُوا بُيُوتًا وَاسْكُنُوا، وَاغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا. 6 خُذُوا نِسَاءً وَلِدُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَخُذُوا لِبَنِيكُمْ نِسَاءً وَأَعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِرِجَال فَيَلِدْنَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَاكْثُرُوا هُنَاكَ وَلاَ تَقِلُّوا. 7 وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ. 8 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لاَ تَغُشَّكُمْ أَنْبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ وَعَرَّافُوكُمْ، وَلاَ تَسْمَعُوا لأَحْلاَمِكُمُ الَّتِي تَتَحَلَّمُونَهَا. 9 لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ. أَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 10 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ. 11 لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. 12 فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. 13 وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. 14 فَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبَيْتُكُمْ مِنْهُ. 15 «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ أَقَامَ لَنَا الرَّبُّ نَبِيِّينَ فِي بَابِلَ، 16 فَهكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْمَلِكِ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَلِكُلِّ الشَّعْبِ الْجَالِسِ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَكُمْ فِي السَّبْيِ: 17 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ، وَأَجْعَلُهُمْ كَتِينٍ رَدِيءٍ لاَ يُؤْكَلُ مِنَ الرَّدَاءَةِ. 18 وَأُلْحِقُهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، وَأَجْعَلُهُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ، حِلْفًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَعَارًا فِي جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهِمْ، 19 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِذْ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءَ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا وَلَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 20 «وَأَنْتُمْ فَاسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ السَّبْيِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ. 21 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَخْآبَ بْنِ قُولاَيَا، وَعَنْ صِدْقِيَّا بْنِ مَعْسِيَّا، اللَّذَيْنِ يَتَنَبَّآنِ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ: هأَنَذَا أَدْفَعُهُمَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَقْتُلُهُمَا أَمَامَ عُيُونِكُمْ. 22 وَتُؤْخَذُ مِنْهُمَا لَعْنَةٌ لِكُلِّ سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي بَابِلَ، فَيُقَالُ: يَجْعَلُكَ الرَّبُّ مِثْلَ صِدْقِيَّا وَمِثْلَ أَخْآبَ اللَّذَيْنِ قَلاَهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِالنَّارِ. 23 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا عَمِلاَ قَبِيحًا فِي إِسْرَائِيلَ، وَزَنَيَا بِنِسَاءِ أَصْحَابِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِاسْمِي كَلاَمًا كَاذِبًا لَمْ أُوصِهِمَا بِهِ، وَأَنَا الْعَارِفُ وَالشَّاهِدُ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع1: بعد سبى "نبوخذ نصر" "ليكنيا" الملك الذي يُدعى أيضًا "يهوياكين" ومعه العظماء الذين في أورشليم، أرسل إرميا هذه الرسالة وكان ذلك عام 597 ق.م. وهذه الرسالة أرسلها إرميا من أورشليم إلى قادة المسبيين وهم الكهنة والأنبياء ليقرأوها لكل الشعب.
ع2: كان مع "يكنيا" الملك المسبى زوجته الملكة وكذلك بعض الرجال الذين خصاهم ملك بابل للعمل عنده خاصة في قصور نسائه بالإضافة إلى المتميزين في الحرف المختلفة من اليهود.
ع3: أرسل الملك صدقيا ملك يهوذا اثنين من العاملين عنده، هما "ألعاسة" و"جمريا"، ليصنع علاقة طيبة مع "نبوخذ نصر" الذي سمع بمحاولة عمل تحالف ضده في غرب مملكته والذين منهم ملك يهوذا. فأرسل إرميا رسالته مع هذين الرسولين واللذين كانا صديقين له.
ع4: المتكلم هو إله إسرائيل أي إله الشعب المسبى في ذل وعبودية، فيعلن أبوته ورعايته لهم ليطمئنهم ويؤكد هذه الطمأنينة بوصف نفسه أنه رب الجنود أي القوى القادر على كل شيء.
† إذا مرت بك ضيقة، فثق أن إلهك الذي يحبك دائمًا لن ينساك، وهو القوى القادر أن ينقذك برجوعك إليه بالتوبة ويحدد الوقت المناسب ليرفع عنك كل متاعبك، وأيضًا أثناء الضيقة لن يتركك بل يعزى قلبك ما دامت أنت متمسك به.
ع5: يأمرهم الله بالاستقرار في بابل ولا ينخدعوا بأضاليل الأنبياء الكذبة الذين يوهمونهم بأن الرجوع من بابل سوف يكون بعد سنتين ويؤكد هذا الإستقرار من خلال أمرين:
بناء بيوت خاصة لهم يقيمون فيها.
يغرسون حدائق من أشجار الفاكهة ليأكلوا من ثمارها التي ستنضج بعد سنوات.
ومعنى هذا أنه يدعوهم لقبول التأديب الإلهي فيساعدهم ذلك على التوبة وبعد ذلك سيرجعهم الله إلى أورشليم وذلك بعد سبعين عامًا حتى تكمل توبتهم.
ع6: يثبت إستقرارهم بأمر ثالث، وهو دعوة الشباب للتزاوج وإقامة أسر جديدة وولادة أبناء، فلا داعى لتأجيل الزواج إذ أمامهم سبعين عامًا في السبي. وطبعًا الزواج سيكون من المؤمنين اليهود وليس من الوثنيين.
ع7: يؤكد أيضًا إستقرارهم بأمر رابع هو أن يصلوا لأجل مملكة بابل، وإذ يكون لها سلام يتمتعون هم بالسلام والإستقرار. وهذا ما تفعله الكنيسة في الصلاة لأجل المدينة التي هي مقامة فيها، ومن أجل الرؤساء المدنيين، وذلك في صلوات القداس والصلوات الطقسية المختلفة (أوشية السلامة - أوشية الرئيس ... ).
ع8، 9: يحذرهم الله من الإصغاء إلى أكاذيب الأنبياء والعرافين والحالمين فهو كلام تضليل منهم وليس كلام الله، فلن تخرب بابل بعد سنتين كما يدعون.
ع10، 11: إن كان الله قد سمح بتأديب شعبه ليتوبوا، فذلك لفترة محددة سبعين عامًا في السبي، وبعد ذلك يرجعهم إلى بلادهم ليتمتعوا بعبادتهم له.
فخطة الله هى خلاص أولاده، والضيقات هي حلقة من حلقات هذه الخطة حتى يكونوا معه في السماء.
ع12-14: أوجد لكم : تشعرون بوجودى في وسطكم.
يشجع الله أولاده بأنه عندما تكمل توبتهم ويصلوا إليه ليس فقط بشفاههم بل بإيمانهم وكل مشاعرهم، يسمع لهم الله فيشعرهم بوجوده في وسطهم، ويعيدهم من السبي إلى بلادهم.
ع15: يوبخ الله شعبه المسبى في بابل لوصفهم النبيين الكاذبين وهما "آخاب بن قولايا" و"صدقيا بن معسيا" المذكورين في (ع21) بأنهما نبيين من الله، وبالتالي صدقوا أكاذيبهما بأن بابل ستنقلب بعد سنتين، فعطلهم ذلك عن التوبة والرجوع إلى الله.
ع16: ثم يكلم الله المسبيين عن إخوتهم الذين مازالوا في أورشليم ويقيم معهم الملك صدقيا أي يعطى للمسبيين رسالة من الله عن الباقين من أورشليم.
ع17: ظن الباقون في أورشليم أنهم أبرار والذين في السبي أشرار، فأعلن الله للباقين في أورشليم أن غضبه سيأتى عليهم ليموتوا بثلاثة طرق هي:
الموت بالسيف.
الموت بالمرض أي بالوبأ.
الموت بالجوع.
وستكون حالتهم تعيسة جدًا ولا يقبل أحد التعامل معهم مثل التين الشتوى الردئ الذي لم يمكن أكله والذي سبق شرحه في (إر 24).
ع18: قلقًا : سبب متاعب.
حلفًا : تحالف الأمم ضدهم.
دهشًا : تتعجب الأمم من ذلهم وتخلى إلههم عنهم.
صفيرًا : يصفرون عليهم استهزاءً بهم.
عارًا : مثال للذل والهزء.
يستكمل الله عقابه للباقين في أورشليم واليهودية باستمرار غضبه عليهم، فيموتون بالسيف والجوع والوبأ حتى بعد أن يطردهم وينقلهم البابليون من بلادهم إلى بلاد أخرى، ويصيرون سبب متاعب في البلاد التي يذهبون إليها، ويستهزئ الكل بهم ويتعجبون للذل الذي صاروا فيه.
ع19: يواصل كلامه للباقين في أورشليم موبخًا لهم بسبب عدم طاعتهم لأنبيائه الذين أرسلهم مُبكرًا أي منذ سنوات طويلة وحتى الآن، ليدعونهم للإيمان والتوبة، وبسبب هذا العصيان أتى عليهم غضب الله.
ع20: يعود ليوجه كلامه إلى المسبيين في بابل فيعطيهم رسالة جديدة ويوضح في كلامه أنه هو الذي أرسلهم إلى بابل أي سمح بهذا التأديب ليقبلوه ويخضعوا لله ويتوبوا.
ع21: يتنبأ إرميا عن النبيين الكاذبين اللذين ظن المسبيون أنهما نبيان من الله فيعلن أن ملك بابل سيقتلهما وذلك عقاب إلهي بسبب كثرة خطاياهم وخاصة في تضليلهما الشعب.
ع22: وسيقتلهما ملك بابل ليس بالسيف، بل يعذبهما بحرقهما بالنار أو الزيت المغلى فيموتان ميتة شنيعة تصير مثالًا للعار واللعن، ويسمح الله بذلك حتى يخاف الشعب ويبتعد عن الضلال.
ع23: يضيف الله سبب آخر، إلى جانب أكاذيب وتضليل هذين النبيين للشعب، أنهما زنيا مع نساء أصحابهما فهي خطية زنا وخيانة.
(2) رسالة إلى شمعيا ( ع24-29):
24 «وَكَلِّمْ شِمْعِيَا النِّحْلاَمِيِّ قَائِلًا: 25 هكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَرْسَلْتَ رَسَائِلَ بِاسْمِكَ إِلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَإِلَى صَفَنْيَا بْنِ مَعْسِيَّا الْكَاهِنِ، وَإِلَى كُلِّ الْكَهَنَةِ قَائِلًا: 26 قَدْ جَعَلَكَ الرَّبُّ كَاهِنًا عِوَضًا عَنْ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ، لِتَكُونُوا وُكَلاَءَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِكُلِّ رَجُل مَجْنُونٍ وَمُتَنَبِّئٍ، فَتَدْفَعُهُ إِلَى الْمِقْطَرَةِ وَالْقُيُودِ. 27 وَالآنَ لِمَاذَا لَمْ تَزْجُرْ إِرْمِيَا الْعَنَاثُوثِيَّ الْمُتَنَبِّئَ لَكُمْ. 28 لأَنَّهُ لِذلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: إِنَّهَا مُسْتَطِيلَةٌ. ابْنُوا بُيُوتًا وَاسْكُنُوا، وَاغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا». 29 فَقَرَأَ صَفَنْيَا الْكَاهِنُ هذِهِ الرِّسَالَةَ فِي أُذُنَيْ إِرْمِيَا النَّبِيِّ.
ع24: طلب الله من إرميا أن يكلم أحد الأنبياء الكذبة الموجودين في بابل، الذي يدعى شمعيا النحلامى، ولم تذكر تفاصيل هذه الرسالة ولكن في جوهرها هو توبيخ شمعيا على رسالته التي أرسلها إلى صفنيا الكاهن ليثير الناس ضد كلام الله على فم إرميا.
ع25: رسالة أرميا إلى شمعيا يظهر فيها ما يلي :
المتكلم صاحب الرسالة هو الله رب الجنود أي القوى ليخاف شمعيا ويتوب عن شره.
كان صفنيا له وضع متميز بين الكهنة في أورشليم، لذا أرسل له شمعيا رسالته.
أراد شمعيا إثاره الكهنة كلهم ضد إرميا، فوجه رسالته ليس فقط إلى صفنيا بل إلى كل الكهنة، ولكن أرسلها لصفنيا لأنه متقدم بينهم ورئيس، وأرفقها برسائل بنفس الكلام إلى الكهنة.
رب الجنود هو إله إسرائيل أي الذي يرعاه، ولا تستطيع رسائل الأنبياء الكذبة مثل شمعيا أن تغير خطته فهو يؤدبهم ليتوبوا ثم يرجعهم من السبي.
هذه الرسائل هي بإسم شمعيا وليست بإسم الله فهي كلامه الشخصى وليس كما يدعى شمعيا أنها من الله.
ع26: المقطرة : قطعة خشبية فيها مكان لتثبيت اليدين والرجلين حيث يلقى الشخص على ظهره ثم تقيد يده ورجله بها فلا يستطيع الحركة داخل السجن.
رسالة شمعيا إلى صفنيا تحوى ما يلي:
إدعاء شمعيا أن الله أقامه كاهنًا رئيسًا بل يهوياداع الذي لا نعرف عنه شيئًا ولكن يظن أنه كان مسؤولًا كبيرًا بين الكهنة ومعروفًا لدى الجميع ومات فأقام شمعيا نفسه بدلًا منه وإدعى أن الله أقامه.
يصف إرميا النبي بأنه مجنون وبالتالي كلامه غير سليم وليس كلام الله.
إدعى أن الله أعطاه حق القبض على الأشرار الذين يقولون كلام ضد الهيكل مثل إرميا.
يدعو الكهنة للقبض على إرميا وربطه بالمقطرة ووضعه في السجن، ومن هذا يفهم أن يهوياداع هذا كان رئيسًا للحرس المسؤول عن حماية الهيكل وحل محله شمعيا، لذا يأمر الكهنة ومساعديهم بالقبض على إرميا وإلقائه بالسجن.
كل هذا طبعًا أكاذيب وإدعاءات من شمعيا والله برىء منها تمامًا.
ع27: يقول شمعيا في رسالته إلى صفنيا معاتبًا له عن تقصيره في توبيخ إرميا الذي من قرية عناثوث القريبة من أورشليم.
ع28: مستطيلة : البقاء في بابل سيكون مدة طويلة.
توضح رسالة شمعيا إلى صفنيا أن إرميا أخطأ لأنه أرسل رسالة إلى بابل يطلب من اليهود أن يستقروا فيها ويبنوا بيوتًا ويزرعوا بساتين فاكهة وينتظروا ليأكلوا منها. فهذا في رأى شمعيا ضد شعب الله وتحالف مع الأعداء البابليين.
ولكن الحقيقة هي كلام إرميا وكلام الله لتأديب شعبه في البقاء في السبي لمدة 70 سنة حتى يتوبوا.
ع29: عندما وصلت رسالة شمعيا إلى صفنيا الكاهن أعلم بها ليس كل الكهنة والعاملين بالهيكل فقط، ولكن أعلنها أيضًا لإرميا حتى يتوقف عن نبوته فهي بمثابة تهديد له.
أما إرميا فلم يخف وأعلن الله له أن يرسل رسالة له يوبخه فيها على رسائله وأكاذيبه فأرسل له رسالة كما ذكرنا.
† لا تخف من تهديدات الأشرار فليس لهم سلطان عليك بل الله وحده صاحب السلطان وهو يحميك لذا استمر بالتمسك بوصاياه وإعلان الحق ولا تخف من أحد.
(3) رسالة ثانية إلى المسبيين ( ع30-32):
30 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلًا: 31 «أَرْسِلْ إِلَى كُلِّ السَّبْيِ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِشِمْعِيَا النِّحْلاَمِيِّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ شِمْعِيَا قَدْ تَنَبَّأَ لَكُمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُ، وَجَعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى الْكَذِبِ. 32 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ شِمْعِيَا النِّحْلاَمِيَّ وَنَسْلَهُ. لاَ يَكُونُ لَهُ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ فِي وَسْطِ هذَا الشَّعْبِ، وَلاَ يَرَى الْخَيْرَ الَّذِي سَأَصْنَعُهُ لِشَعْبِي، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعِصْيَانٍ عَلَى الرَّبِّ».
ع30، 31: أمر الله إرميا أن يرسل رسالة ثانية إلى المسبيين في بابل يعلن فيها عقابه لشمعيا الذي أضل المسبيين وأيضًا الذين في أورشليم، والمقصود بإعلان عقاب الله أن يبتعد اليهود عن هذه الأضاليل ويتوبوا فيسامحهم الله.
ع32: العقاب الإلهي لشمعيا هو أن لا يكون له نسل يعيش حتى يرى الرجوع من السبي بعد 70 عامًا أي يموت أبناؤه وبناته ونسله ولا يتركون نسل بعده، فلا يتمتع نسله ببركة الله لشعبه الراجع من السبي.
وقد سبق وأعلن الله عقابه على فم إرميا لنبى آخر كاذب هو حننيا (إر 28: 15-16) بموته فمات سريعًا، والغرض الإلهي أيضًا هو عدم الإصغاء لأكاذيب الأنبياء الكذبة.
† ابتعد عن أي تعاليم غريبة تسمعها خارج الكنيسة وتتعارض مع تعاليمها، واستشر أب اعترافك في هذه الاجتماعات حتى لا تعرض نفسك لأفكار تبعدك عن الله مهما كان شكلها جميل وجذاب، لأن إبليس متحايل يمكن أن يأخذ شكل ملاك ليضل أولاد الله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثلاثون

(1) مقدمة عن العودة (ع1-3):
1 اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «هكَذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: اكْتُبْ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ، 3 لأَنَّهُ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا فَيَمْتَلِكُونَهَا».
ع1، 2: يعلن الله نفسه بصفته إله إسرائيل، أي راعيه والمدافع عنه، ويأمر إرميا أن يكتب نبواته الآتية في هذا الأصحاح لأن هذه النبوات ستتم بعد فترة وليس الآن ولكن يعلنها الآن ليعطى رجاء لشعبه المسبى والمذل تحت يد بابل، والأصحاحات من (30-33) هي رسالة تعزية لتشجيع الشعب، مملوءة بالرجاء.
ع3: يعد الله شعبه بإرجاعهم من السبي، وإن كانوا قد انقسموا إلى مملكتين هما إسرائيل ويهوذا، فبعد احتمالهما ضيقة السبي يعودان مملكة واحدة بعد السبي ليمتلكا أرض الميعاد كهبة من الله، فالرجوع من السبي تجديد لإمتلاكهم إياها بعد أن فقدوها بالسبي بسبب خطاياهم. ويمتلكونها من الله فيشكرونه ولا تمتلكهم أي تستحوذ بمادياتها على قلوبهم.
† إقبل الضيقة من أجل الله، ونق قلبك فيها، وسامح من أساءوا إليك ليعود الحب فيملك على قلبك، وتمتلك فضائل كثيرة يهبها لك الله.
(2) الخلاص بيد مادي وفارس (ع4-9):
4 فَهذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَعَنْ يَهُوذَا: 5 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: صَوْتَ ارْتِعَادٍ سَمِعْنَا. خَوْفٌ وَلاَ سَلاَمٌ. 6 اِسْأَلُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ ذَكَرٌ يَضَعُ! لِمَاذَا أَرَى كُلَّ رَجُل يَدَاهُ عَلَى حَقْوَيْهِ كَمَاخِضٍ، وَتَحَوَّلَ كُلُّ وَجْهٍ إِلَى صُفْرَةٍ؟ 7 آهِ! لأَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيق عَلَى يَعْقُوبَ، وَلكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ. 8 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، أَنِّي أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَأَقْطَعُ رُبُطَكَ، وَلاَ يَسْتَعْبِدُهُ بَعْدُ الْغُرَبَاءُ، 9 بَلْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ الَّذِي أُقِيمُهُ لَهُمْ.
ع4: هذه النبوة عن مملكتى إسرائيل ويهوذا اللتين تعرضتا للسبى، ويريد أن يعطيهما رجاء للخلاص من هذه الضيقة، ويبدأ بإسرائيل لأنها سُبيت أولًا وتعانى منذ مدة طويلة من آلام العبودية.
ع5: يعبر عن مشاعر المسبيين في بابل عندما سمعوا بهجوم مادي وفارس عليها، فخافوا جدًا لأنهم مذلولون بيد بابل، وشعروا بضيق جديد آت عليهم هو هجوم الماديين.
ع6: حقويه: بطنه ووسطه.
ما خض: المرأة التي إقتربت ولادتها وتتألم.
يشبه خوف الرجال المسبيين، عندما يضعون أيديهم على وسطهم، مثل المرأة التي اقتربت ولادتها وتعانى من آلامها.. ويقول هل يضع الرجل بيضًا مثل الدجاجة، أو يلد مولودًا مثل المرأة؟ بالطبع لا، ولكنه مظهر الخوف الشديد والذي ظهر أيضًا على الوجوه التي أصبحت صفراء وهرب الدم منها بسبب الرعب.
ع7: يطمئن الله شعبه نسل يعقوب بأنه رغم صعوبة هذا اليوم، يوم هجوم مادي وفارس على بابل لتدميرها وقتل من فيها الذين بينهم اليهود، فإن الله سيحول هذا اليوم إلى خلاص لشعبه إذ بعد تملك كورش أول ملوك مادي وفارس أمر بعودة اليهود المسبيين إلى أورشليم.
ع8: نيره: خشبة مستعرضة توضع على رقبتى الحيوانين اللذين يجران الآلات الزراعية.
ربطك: الحبل الذي يربط به النير على رقبة البهيمة.
يبشر الله شعبه أنه بهجوم مادي وفارس يتخلص شعب الله من عبودية السبي ويرجع إلى أورشليم، ويبدأ العبادة في الهيكل التي ترمز للإيمان بالمسيح وعبادته في الكنيسة، وحينئذ لا يستعبد أحد شعب الله إذ تحرروا من الخطية، فلا تستعبدهم الخطية فيما بعد أي لا يستطيع الغرباء وهم الشياطين أن يستعبدوه، وشعب الله تخلص بواسطة مادي وفارس من السبي، ولكن بعد فترة قامت المملكة اليونانية وإستعبدتهم، وبعدها المملكة الرومانية، والخلاص من العبودية كان مؤقتًا، أما الخلاص الروحي بالإيمان بالمسيح فيدوم إلى الأبد.
ع9: داود ملكهم: المسيح الذي من نسل داود.
برجوع شعب الله من السبي إلى أورشليم، بدأوا عبادة الله في الهيكل الذي كان تمهيدًا لإيمانهم بالمسيح الذي من نسل داود، فيخدمونه إلى الأبد بالتسبيح.
† لا تنزعج من الضيقات التي تمر بك، فهي بداية لبركات كثيرة تنالها وتخلصك من خطايا كثيرة تستعبدك، وتنطلق في عبادة ومحبة، وتمتع بعشرة الله أكثر من ذى قبل.
(3) شفاء من جراحات عديمة البرء (ع10-17):
10 «أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ فَلاَ تَخَفْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ، لأَنِّي هأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِ، فَيَرْجعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلاَ مُزْعِجَ. 11 لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأُخَلِّصَكَ. وَإِنْ أَفْنَيْتُ جَمِيعَ الأُمَمِ الَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ، فَأَنْتَ لاَ أُفْنِيكَ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْحَقِّ، وَلاَ أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً. 12 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: كَسْرُكِ عَدِيمُ الْجَبْرِ وَجُرْحُكِ عُضَالٌ. 13 لَيْسَ مَنْ يَقْضِي حَاجَتَكِ لِلْعَصْرِ. لَيْسَ لَكِ عَقَاقِيرُ رِفَادَةٍ. 14 قَدْ نَسِيَكِ كُلُّ مُحِبِّيكِ. إِيَّاكِ لَمْ يَطْلُبُوا. لأَنِّي ضَرَبْتُكِ ضِرْبَةَ عَدُوٍّ، تَأْدِيبَ قَاسٍ، لأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ. 15 مَا بَالُكِ تَصْرُخِينَ بِسَبَبِ كَسْرِكِ؟ جُرْحُكِ عَدِيمُ الْبَرْءِ، لأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ، قَدْ صَنَعْتُ هذِهِ بِكِ. 16 لِذلِكَ يُؤْكَلُ كُلُّ آكِلِيكِ، وَيَذْهَبُ كُلُّ أَعْدَائِكِ قَاطِبَةً إِلَى السَّبْيِ، وَيَكُونُ كُلُّ سَالِبِيكِ سَلْبًا، وَأَدْفَعُ كُلَّ نَاهِبِيكِ لِلنَّهْبِ. 17 لأَنِّي أَرْفُدُكِ وَأَشْفِيكِ مِنْ جُرُوحِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُمْ قَدْ دَعَوْكِ مَنْفِيَّةَ صِهْيَوْنَ الَّتِي لاَ سَائِلَ عَنْهَا.
ع10: يكرر الله وعده بأنه سيخلص شعبه من السبي البابلي ويعيده إلى أورشليم واليهودية، ويناديه عبدى ليعلن مسئوليته عنه حتى يثق في وعد الله، ويطمئن رغم الضيقات المحيطة به في السبي.
ع11: يؤكد الله رعايته وإهتمامه بشعبه ووعده لهم بالخلاص، ويطمئنهم بأنه يعاقب الأمم التي تسبيه ويدمرها لأجل شرورها، أما شعبه فيؤدبه فقط ليتوب ثم يخلصه.
ع12: الجبر: جبيرة مساندة الكسر في العظام بواسطة قطع خشبية أو جبس ليلتأم الكسر.
عضال: صعب وشديد ولا يمكن شفاؤه.
يوضح الله إحساسه بقسوة عبودية بابل لشعبه، والتي تشبه كسر في العظام لا يمكن شفاءه بأى جبيرة، أو جرح عميق جدًا يستحيل البرء منه. ولكن رغم استحالة التخلص من عبودية بابل، يتدخل الله القادر على كل شيء فيخلصهم، فهو يوضح صعوبة الموقف ليظهر قوة خلاصه.
ع13: العصر: الضغط على الجزء المصاب بصديد عميق لإخراج ما به من صديد وتنظيفه.
عقاقير أدوية.
رفادة: شريط من القماش (شاش) يربط على الجرح بعد وضع العقاقير عليه.
يوضح أيضًا تعاسة وذل عبودية شعبه في بابل، فيشبههم بإنسان عنده صديد في جسمه، ولا يجد من يعالجه ويخرجه منه، إذ ليس له أي أدوية أو أقمشة يربط بها جروحه، فهو مريض مرض شديد وليس له من يعالجه أو أي أدوية تفيده.
ع14: من أجل قسوة العبودية، التي هي تأديب شديد من الله، لم يتألم شعب الله فقط بل ابتعد عنه كل من أظهر له صداقة قديمة مثل مصر، مما زاد شعور اليأس داخل شعب الله ولم يبقى إلا الرجاء في الله وحده.
ع15: ينادى الله شعبه كعروس مرفوضة ويقول لها : لا تصرخى طالبة من يشفيك لأنه لا شفاء لجروحك، أي لا أمل في خلاصك بحسب الفكر البشرى، إذ أن الله هو الذي ضربك فمن يستطيع أن ينقذك من يده إلا إذا قدمتِ توبة فيسامحك ويرفع عنك.
ع16: قاطبة: جميعًا.
عندما يتوب شعب الله يخلصه إلهه بأن يذل من أذله الذين كانوا يأكلونه بالقتل ليفنوه، هم أنفسهم يتعرضون للموت والسبي إلى بلاد بعيدة، وتُسلب غنائمهم وتُنهب بيوتهم، وهذا ما حدث فعلًا مع البابليين عندما هجمت عليهم مادي وفارس.
ع17: يعد الله بأن يداوى جراحاتها العديمة الشفاء فيشفيها بقوته القادرة على كل شيء، ولا تعود تُسمى منفية ومسبية بل ترجع عروسه إلى بلادها أي إلى أورشليم.
† إن كنت تمر بضيقات صعبة لا أمل في حلها، أو مشاكل غير محتملة، فلا تنزعج لأن إلهك يراقب كل شيء، وسيشفيك، ويعالج مشاكلك، ويرفع عنك كل ضيقة لتسبحه دائمًا.
(4) الرجوع إلى أورشليم وتبدل الأحوال (ع18-22):
18 « هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَرُدُّ سَبْيَ خِيَامِ يَعْقُوبَ، وَأَرْحَمُ مَسَاكِنَهُ، وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ عَلَى تَلِّهَا، وَالْقَصْرُ يُسْكَنُ عَلَى عَادَتِهِ. 19 وَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْحَمْدُ وَصَوْتُ اللاَّعِبِينَ، وَأُكَثِّرُهُمْ وَلاَ يَقِلُّونَ، وَأُعَظِّمُهُمْ وَلاَ يَصْغُرُونَ. 20 وَيَكُونُ بَنُوهُمْ كَمَا فِي الْقَدِيمِ، وَجَمَاعَتُهُمْ تَثْبُتُ أَمَامِي، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مُضَايِقِيهِمْ. 21 وَيَكُونُ حَاكِمُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ وَالِيهِمْ مِنْ وَسْطِهِمْ، وَأُقَرِّبُهُ فَيَدْنُو إِلَيَّ، لأَنَّهُ مَنْ هُوَ هذَا الَّذِي أَرْهَنَ قَلْبَهُ لِيَدْنُوَ إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 22 وَتَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا».
ع18: ترك شعب الله الخيام التي كان يسكن فيها أثناء السبي، وعاد إلى أورشليم ليبنى أسوارها وقصورها، ويسكن فيها، ويبارك الله الذي أعاد المجد لأورشليم المبنية على تلٍ عالٍ.
ع19: يسبح الشعب الله، ويخرج الأطفال ليلعبوا في الأسواق فرحين بمدينتهم، ويباركهم الله فيتناسلوا ويكثر عددهم، ويعطيهم مكانة وعظمة بين الشعوب.
ع20: يعود شعب الله إلى قوته ومكانته في أورشليم، ومن يحاول مضايقتهم من الشعوب المحيطة يعاقبه الله.
ع21: أرهن قلبه: تنازل عن تعلق قلبه بالماديات، وأتكل على الله وتمسك به، أي باع نفسه لمحبة الله.
من بركات الله عليهم أن يحكمهم واحد منهم وليس الأعداء، فيكون واليًا عليهم مثل "زربابل" أو "نحميا" أو "يهوذا المكابى"، ويعد الله أن يبارك حاكمهم لأنه اقترب إلى الله وطلب معونته وبركته.
ع22: في النهاية يتمتع شعب الله برعايته وأبوته، ويكونون شعبًا خاصًا له وهو إلههم الذي يدافع عنهم.
† إن الله قادر أن يعيد إليك مجدك، ويكرمك ويباركك مهما أتعبتك الخطية التي تمسكت بها وسببت لك أي خسائر، فإلهك غنى ويحبك، وسيعوضك عن كل شيء ما دمت قد رجعت إليه.
(5) مقاصد الله (ع23-24):
23 هُوَذَا زَوْبَعَةُ الرَّبِّ تَخْرُجُ بِغَضَبٍ، نَوْءٌ جَارِفٌ. عَلَى رَأْسِ الأَشْرَارِ يَثُورُ. 24 لاَ يَرْتَدُّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَفْعَلَ، وَحَتَّى يُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ. فِي آخِرِ الأَيَّامِ تَفْهَمُونَهَا.
ع23: نوء جارف : ريح شديدة تكتسح كل ما في طريقها.
يعلن الله أنه سمح بزوبعة ونوء شديدين يعبران عن غضبه الذي يصبه على الأشرار، أي البابليين الذين أذلوا شعبه، وقد سمح الله بهذا التأديب لشعبه حتى يتوبوا، ولكن بعد ذلك يؤدب من أدبهم وكان قاسيًا عليهم وهم البابليين.
ع24: آخر الأيام: بعد إتمام مقاصده، أى بعد انهيار بابل ورجوع شعبه من السبي.
يعلن الله أنه لن يتوقف غضبه على بابل حتى تنهار، وتأتى مملكة مادي وفارس وتُعيد شعبه إلى بلاده.
† إن كنت لا تفهم مقاصد الله في الضيقات التي تمر بك، فإعلم أنه سيوضحها لك فيما بعد، ولكن ثق في أبوته التي ترعاك ولا تسمح لك بشئ إلا لخلاص نفسك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الحادى والثلاثون

(1) وعود الله لكل شعبه (ع 1-9)
1 «فِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَكُونُ إِلهًا لِكُلِّ عَشَائِرِ إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 2 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، الشَّعْبُ الْبَاقِي عَنِ السَّيْفِ، إِسْرَائِيلُ حِينَ سِرْتُ لأُرِيحَهُ». 3 تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: «وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ. 4 سَأَبْنِيكِ بَعْدُ، فَتُبْنَيْنَ يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. تَتَزَيَّنِينَ بَعْدُ بِدُفُوفِكِ، وَتَخْرُجِينَ فِي رَقْصِ اللاَّعِبِينَ. 5 تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا فِي جِبَالِ السَّامِرَةِ. يَغْرِسُ الْغَارِسُونَ وَيَبْتَكِرُونَ. 6 لأَنَّهُ يَكُونُ يَوْمٌ يُنَادِي فِيهِ النَّوَاطِيرُ فِي جِبَالِ أَفْرَايِمَ: قُومُوا فَنَصْعَدَ إِلَى صِهْيَوْنَ، إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا. 7 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا، وَاهْتِفُوا بِرَأْسِ الشُّعُوبِ. سَمِّعُوا، سَبِّحُوا، وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. 8 هأَنَذَا آتِي بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. بَيْنَهُمُ الأَعْمَى وَالأَعْرَجُ، الْحُبْلَى وَالْمَاخِضُ مَعًا. جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجعُ إِلَى هُنَا. 9 بِالْبُكَاءِ يَأْتُونَ، وَبِالتَّضَرُّعَاتِ أَقُودُهُمْ. أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا. لأَنِّي صِرْتُ لإِسْرَائِيلَ أَبًا، وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي.
ع1: فى ذلك الزمان: الرجوع من السبي أو الإيمان بالمسيح.
عشائر : أسباط.
يعد الله بإرجاع شعبه من السبي، فيكونون شعبًا واحدًا وهو يكون لهم إلهًا. وهذا يرمز أيضًا إلى إيمان، ليس فقط أسباط إسرائيل بل، العالم كله بالمسيح، فيكونون شعبًا واحدًا هو إسرائيل الجديد.
ع2: الباقى عن السيف : الذي لم يقتل ويموت في السبي.
يتكلم الله عن شعبه المبعثر في العالم في عبودية السبي بعيدًا عن بلاده وكأنه في برية، فيعلن أنه قد وجد نعمة في عينى الله، ويوضح الله محبته أنه هو المبادر ليريح شعبه فيقول سرت لأريحه، فالله هو الساعى نحو أولاده ليحررهم من عبودية الخطية إن تابوا وصرخوا إليه، وهذا هو المقصود من ضيقة السبي أو أي ضيقة نمر بها.
ع3: شعر الشعب المسبى أن الله بعيد عنهم، لذا يعلن الله أنه قد تراءى لشعبه الذي ظنه بعيدًا عنه مع أنه قريب جدًا منه، وهو الذي سمح بتأديبه ليتوب، بل يعلن أن محبته لشعبه أبدية أي لا تزول وتستمر إلى الأبد، لذلك إن كان يسمح لهم بالضيقة والتأديب يعود فيرحمهم، بل هو مستعد أن يرحمهم مرات كثيرة ما داموا يتوبوا ويرجعوا إليه. فالرحمة دائمة أي مستمرة طوال الحياة.
ع4: يستمر الله في وعوده، فيتكلم عن شعبه أنه عذراءه أي عروسه، ويعد أن يبنيها من جديد، بل أيضًا تتزين بالفرح وتتهلل كمن يضرب بالآلات الموسيقية وترقص مثل اللاعبين في ساحات الرقص، أي أن شعبه يسبحه بفرح.
ع5: يبتكرون: يبكرون أي يقومون بنشاط من الصباح الباكر للعمل.
يعدها الله أيضًا بالخصوبة والخيرات، فتزرع حدائق من أشجار العنب في السامرة وهي عاصمة إسرائيل، وفى نشاط يبكر الفلاحون لزراعة الأشجار وجنى الثمار، وهذا يرمز للثمار الروحية التي يتزين بها أولاد الله.
ع6: النواطير: الحراس أي الخدام.
يكون اليوم : يوم الرجوع من السبي.
بعد رجوعهم من السبي، يعبدون الله كلهم في أورشليم أي صهيون، لأنهم قد تأدبوا من ضيقة السبي وعادوا إلى الله بكل قلوبهم. ويقوم الخدام بعملهم وهو دعوة الشعب كله لعبادة الله.
† ليتك تفهم أن الضيقة فترة مؤقتة يسمح به الله لك لتراجع نفسك، وترتبط به، وتجدد عهودك، وحينئذ تتمتع بمحبة الله اللانهائية ورحمته الواسعة ووعوده الجميلة.
ع7: ينادى الله شعوب العالم لتفرح وترنم لشعبه، الذي هو رأس الشعوب بسبب إيمانه بالله. وينادى أيضًا شعبه ليسبحه ويطالبه أن يخلصه. فالله يريد أن يخلص شعبه، ولكنه ينتظر أن يتوبوا ويطلبوه فيخلصهم من كل أعدائهم ويفرحهم من كل قلوبهم.
ع8: يعد الله أيضًا بأنه سيجمع شعبه المبعثر في الشمال عند بابل، ومن أرجاء المسكونة، مهما كان ضعفهم بسبب ذل العبودية، ويعبر عن هذا الضعف بأربع حالات هي: "الأعمى" أي الذي فقد قدرته على التمييز ويحتاج إلى من يقوده، والحالة الثانية هي "الأعرج" العاجز عن السير إلا بمعاونة غيره، والحالة الثالثة هي "الحبلى" التي تسير ببطء بسبب حبلها، والحالة الرابعة هى "الماخض" أي التي أتتها آلام الولادة وغير قادرة على السير. يجمع الله شعبه بأعداد كبيرة بكل ضعفهم ويخلصهم ويرجعهم إلى بلادهم.
ع9: من كثرة الضيق، يبكى الشعب لله ويتضرعون إليه ليخلصهم، فيُخرجهم بقوته من السبي، ويسير بهم في طرق واضحة مستقيمة مملوءة بالماء أي الحياة، وهي ترمز لعمل الروح القدس في الكنيسة التي يرجع إليها غير المؤمنين فيجدون خلاصهم.
وإذ يقودهم الله لا يتعبون في الطريق أو يسقطون لأنه يحفظهم.
كل هذا يُظهر أبوة الله نحو شعبه، الذي يعتبره بكره بين شعوب الأرض، وعندما يقول "أفرايم" يقصد كل شعبه لأن أفرايم كان يمتلك منطقة كبيرة في أرض الميعاد. وشعب الله في العهد القديم كان البكر، ولكن في العهد الجديد إذ تؤمن جميع الشعوب، يصير المؤمنون بالمسيح في كل بلاد العالم.
(2) الله يفدي شعبه (ع10-14):
10 «اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ أَيُّهَا الأُمَمُ، وَأَخْبِرُوا فِي الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ، وَقُولُوا: مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ قَطِيعَهُ. 11 لأَنَّ الرَّبَّ فَدَى يَعْقُوبَ وَفَكَّهُ مِنْ يَدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. 12 فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا، وَلاَ يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ. 13 حِينَئِذٍ تَفْرَحُ الْعَذْرَاءُ بِالرَّقْصِ، وَالشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ مَعًا. وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ، وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ. 14 وَأُرْوِي نَفْسَ الْكَهَنَةِ مِنَ الدَّسَمِ، وَيَشْبَعُ شَعْبِي مِنْ جُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع10: يخاطب الله شعوب الأرض لأنه يريد خلاص الكل، وبدأ بشعبه بني إسرائيل كمثال حتى يأتي الكل إليه، فيقول لكل الشعوب أنه إن كان قد بدد شعبه بالسبي وذلك ليؤدبه فيتوب، ثم يعود فيجمعه ويخلصه من عبودية السبي.
ع11: يعلن هنا بوضوح فدائه لشعبه وتخليصهم من يد بابل التي هي أقوى من شعبه بكثير، كل هذا رمز لفداء المسيح للبشرية على الصليب وتخليصها من يد مَن هو أقوى منها وهو الشيطان.
ع12: صهيون : اسم عبري معناه حصن وهي إحدى قمم التلال التي بنيت عليها أورشليم، والمقصود بصهيون أورشليم كلها.
جود : بركات ونعم.
عندما يصل شعب الله إلى أورشليم التي هي صهيون المبنية على تلٍ عالٍ، يرنمون بفرح لعودتهم إلى بلادهم، ويفيض عليهم الله ببركات كثيرة من محاصيل الحقل مثل القمح (الحنطة)، والأشجار مثل الكروم الذي يأخذون منها الخمر، والزيتون الذي يأخذون منه الزيت. ويبارك أيضًا بهائمهم من الغنم والبقر، فتكون كثيرة وتصير بلادهم كجنة من وفرة الماء والخصوبة والخيرات الكثيرة. ولا يسمح الله لهم بالسبي فيما بعد والذوبان بين شعوب الأرض، وهذا ما حدث فعلًا إذ لم يتم سبى بني إسرائيل بعد ذلك حتى مجئ المسيح الذي تكمل فيه كل الرموز السابقة، فيعطى المؤمنين به خيرات روحية كثيرة، وتصير نفوسهم كالجنة أي يصيرون هياكل للروح القدس.
ع13: يعبر عن فرح أولاده بعد عودتهم من السبي بالفتيات شعبه اللاتي يرقصن والشبان والشيوخ اللذين يتحول بكائهم أثناء السبي إلى فرح. وشبه شعبه أيضًا بالعذراء التي تفرح كعروس بعريسها، ويظهر الله أيضًا أبوته بأنه يعزى أولاده فيعوضهم من كل ما أحتملوه في السبي. وهذا يرمز إلى تعزيات الله لأولاده في السماء فيعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.
ع14: يُقبل الشعب على عبادة الله، فيقدمون ذبائح كثيرة في بيته يأخذ الكهنة نصيبهم منها فيشعبون، وهكذا يشبع الله الشعب بكل قياداته. وهذا يرمز إلى إشباع الروح القدس للمؤمنين والكهنة والخدام بعمله في الكنيسة، ويعطى بركات خاصة للكهنة من أجل مسئوليتهم الرعوية في قيادة الشعب.
† اشكر الله على عطاياه، وسبحه في كنيسته وفى كل مكان، حتى تشعر بوجوده معك وتنشغل به عن كل خطية وعن مغريات العالم المختلفة.
(3) نهاية آلام السبي ( ع15-20):
15 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ، بُكَاءٌ مُرٌّ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى عَنْ أَوْلاَدِهَا لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ. 16 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: امْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ الْبُكَاءِ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ الدُّمُوعِ، لأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. 17 وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لآخِرَتِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجعُ الأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ. 18 «سَمْعًا سَمِعْتُ أَفْرَايِمَ يَنْتَحِبُ: أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْل غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهِي. 19 لأَنِّي بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ، وَبَعْدَ تَعَلُّمِي صَفَقْتُ عَلَى فَخْذِي. خَزِيتُ وَخَجِلْتُ لأَنِّي قَدْ حَمَلْتُ عَارَ صِبَايَ. 20 هَلْ أَفْرَايِمُ ابْنٌ عَزِيزٌ لَدَيَّ، أَوْ وَلَدٌ مُسِرٌّ؟ لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ بِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ ذِكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَنَّتْ أَحْشَائِي إِلَيْهِ. رَحْمَةً أَرْحَمُهُ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع15: الرامة : مدينة في شمال اليهودية بالقرب من مملكة إسرائيل، وبالقرب منها ماتت راحيل زوجة يعقوب ودفنت.
راحيل : هي زوجة يعقوب وترمز لأم اليهود كلهم.
يعبر إرميا عن حزن المسبيين الذين جمعهم البابليون غالبًا في منطقة الرامة، قبل أن ينقلونهم إلى بابل والبلاد المحيطة بها، وأمهاتهم المرموز إليهن براحيل يبكين عليهم ولا يستطعن أن يتعزين لأنهم لن يرجعوا إليهن، وقد استعار متى البشير هذه النبوة عند مذبحة أطفال بيت لحم لأن أمهاتهم لن يروهم مرة أخرى (مت2: 17، 18).
ع16: جزاء لعملك : دموعك وتضرعاتك إلى الله من أجل أولادك.
يُعلن الله عن لسان أرميا رجاء لكل هؤلاء الامهات بأنه من رغم جبروت بابل، فإن الله سيُرجع شعبه.
ع17: آخرتك : بعد سنوات.
تخومك : حدودك.
يعد الله شعبه بالرجاء في الرجوع، ولكن ليس قريبًا، بل في آخر عمر الذين يوجدون في أورشليم، إذ سيعود المسبيون إلى بلادهم داخل حدودهم بعد 70 عامًا، فيستقبلهم العجائز، الذين تجاوزوا التسعين أو المائة من عمرهم، بفرح.
ع18: مروض : الحيوان المُدرب على عادات وسلوك سليم.
يستعير اسم أفرايم الذي يمثل أكبر الاسباط، للكناية عن كل اليهود، فيبكى المسبيون ويبكى أيضًا ذويهم عليهم، ويتذللوا أمام الله شاعرين أن خطاياهم هي السبب لهذا التأديب كما أعلمهم إرميا مرات كثيرة، فيطلبون مشاعر التوبة من الله حتى ينالوا مراحمه، لأنهم سلكوا في خطايا وأنحرافات كثيرة مثل الحيوان الغير مروض، فأستحقوا هذا التأديب.
ع19: يعلن شعب الله ندمه وتوبته، فعندما هجم البابليون عليهم ورأوا قوة المعاملة، رجعوا إلى أنفسهم، وندموا على خطاياهم، وعبروا عن حزنهم بالتصفيق على الفخذين، وهي عادة مازالت تحدث حتى الآن في مصر والشرق فيصفقون على الخدين والفخذ عند الحزن الشديد. وتذكروا أيضًا خطاياهم السابقة المخزية المملوءة عارًا، فخجلوا من أنفسهم.
ع20: أمام ندم شعب الله، أثناء سبيه، تظهر أبوة الله نحوهم، ويعلن أن شعبه عزيز لديه، بل هو فرح قلبه، فتحن أحشاء الله عليه فيرحمه ويعيده من السبي.
† إن حنان الله عجيب من نحوك، فلا يتغير قلبه مهما أخطأت، ويظل ينتظرك حتى تتوب، فتحن أحشاءه عليك، ويسرع ليسامحك ويحتضنك، ويعيدك إلى مقامك العظيم في كنيسته.
(4) بركات الله للراجعين من السبي ( ع21-30)
21 «اِنْصِبِي لِنَفْسِكِ صُوًى. اجْعَلِي لِنَفْسِكِ أَنْصَابًا. اجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ السِّكَّةِ، الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا. ارْجِعِي يَا عَذْرَاءَ إِسْرَائِيلَ. ارْجِعِي إِلَى مُدُنِكِ هذِهِ. 22 حَتَّى مَتَى تَطُوفِينَ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْمُرْتَدَّةُ؟ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا حَدِيثًا فِي الأَرْضِ. أُنْثَى تُحِيطُ بِرَجُل. 23 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: سَيَقُولُونَ بَعْدُ هذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي مُدُنِهَا، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ: يُبَارِكُكَ الرَّبُّ يَا مَسْكِنَ الْبِرِّ، يَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ. 24 فَيَسْكُنُ فِيهِ يَهُوذَا وَكُلُّ مُدُنِهِ مَعًا، الْفَلاَّحُونَ وَالَّذِينَ يُسَرِّحُونَ الْقُطْعَانَ. 25 لأَنِّي أَرْوَيْتُ النَّفْسَ الْمُعْيِيَةَ، وَمَلأْتُ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِبَةٍ. 26 عَلَى ذلِكَ اسْتَيْقَظْتُ وَنَظَرْتُ وَلَذَّ لِي نَوْمِي. 27 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا بِزَرْعِ إِنْسَانٍ وَزَرْعِ حَيَوَانٍ. 28 وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلاقْتِلاَعِ وَالْهَدْمِ وَالْقَرْضِ وَالإِهْلاَكِ وَالأَذَى، كَذلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 29 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ. 30 بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ.
ع21: صوى: قطع من الحجارة.
أنصاب : عمود من الحجر.
يشبه الله شعبه بعذراء لأنه يحبها كعروسة، ويقول لها ضعى قطع حجرية وأعمدة من الحجر في الطريق من البلاد التي سبيت إليها حتى أورشليم، حتى يهتدى بها أولادك الراجعون من السبي إلى بلادهم، فهو وعد إلهي واضح لإرجاع شعبه من السبي.
ع22: يطالب الله عروسه المسبية أن ترجع عن خطاياها، ويكون السبي فرصة للتوبة، فترجع من إرتدادها عن الله، والله يعدها بإرجاعها من السبي عندما تتوب، ويعلن حقيقة غريبة كنبوة واضحة، وهي أنثى تحيط برجل، ولها ثلاثة معان:
الأنثى تتصف بالضعف الجسدي، والرجل على العكس بالقوة، فالأنثى ترمز لبني إسرائيل المسبيين الضعفاء، والرجل يرمز لبابل القوية، فيسنقلب الحال وتتغلب الأنثى الضعيفة على الرجل، فيرجع بواسطة مادي وفارس الذين يرجعون شعب الله بعز وقوة، أما بابل فتتحطم وتسبى وتستعبد.
الانثى ترمز لشعب الله الذي يحتضن الرجل، الذي هو إلههم، وذلك عندما يتوبون فيحتضنوا إلههم الذي يرفعهم وينجيهم، ويعيدهم من السبي.
الأنثى ترمز للعذراء مريم التي تحتضن أقوى رجل في العالم، وهو المسيح أبنها في بطنها، لتقدم الخلاص للعالم كله.
ع23: من بركات الله لشعبه بعد الرجوع من السبي أن يسكن البر أي الله في وسطهم، فيتصفوا هم، كأولاد له، بالبر أي النقاوة والأعمال الصالحة. وكذلك تسمى أورشليم واليهودية بالجبل المقدس أي يتصفون بالثبات في الله والقوة الروحية.
ع24، 25: يعدهم أيضًا بأنهم سيزرعون أرضهم، ويجمعون ثمارها ويشبعون، وكذلك يرعون بهائمهم فتسمن وتزداد عددًا، أي يزيد الخير المادي لهم، ويرمز هذا للشبع الروحي، والمسيح ورسله وكهنته وخدامه الذين يزرعون كلمة الله في قلوب الناس ويهتمون برعاية نفوسهم، يتمتعوا بعشرة الله.
ع26: يعلن الله عن فرح قلبه براحة شعبه، فيشبه نفسه بإنسان أستيقظ ونظر خير شعبه ففرح ونام بسرور متلذذًا بنومه. وهذه نبوة عن المسيح الذي مات أي نام على الصليب متلذذا بنومه لأنه أكمل فداءنا.
† الله يفرح بخيرك وسلوكك معه وكل فضائلك، فاهتم بالسلوك المستقيم، وحاول أن تقتنى فضيلة واحدة تكون محتاجًا إليها لتفرح قلب الله لتفرح معه.
ع27: يعد الله أيضًا أنه بنفسه سيزرع الإنسان، أي يبارك أولاده الراجعين من السبي ويكثرهم ويعطيهم بركات كثيرة. وكذلك يزرع الحيوان أن يبارك ويكثر بهائمهم.
ع28: القرض: أي الأفناء.
يشبه الله نفسه بإنسان يسهر أي ينشغل ويهتم ويثابر على تأديب شعبه بكل طرق التأديب القاسية، وغرضه من هذا طبعًا هو توبتهم، وذلك لإصرارهم على الخطية بعنف، فأحتاجوا إلى هذا التأديب الشديد وقد تجاوبوا فعلًا مع تأديب السبي، فتابوا ولذلك يعدهم الله بأنه سيبنى ليس فقط مدنهم، بل حياتهم الروحية معه.
ع29، 30: كان هناك مثلًا شائعًا بأن الآباء يأكلون الحصرم، وهو العنب الصغير اللاذع في طعمه، ثم تتعب أسنان الأبناء من هذا الطعم وتتخبط في بعضها البعض، أي ظن بعضهم أن ما حل بهم من تأديب في السبي كان بسبب خطايا آباءهم. فيعلن الله بوضوح أن كل إنسان مسئول عن خطيته ويهلك بسببها، فإن كان الآباء أشرار والأبناء صالحين فلا يهلك الأبناء، أما إن اقتدوا بآباءهم وصاروا في الشر يهلكون مثل آباءهم. والخلاصة يقصد أن ما حل بهم من تأديب في السبي هو بسبب شرورهم، والحل هو التوبة فيرحمهم الله.
(5) عهد جديد أبدي ( ع31-40)
31 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. 32 لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 33 بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 34 وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ. 35 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ الْجَاعِلُ الشَّمْسَ لِلإِضَاءَةِ نَهَارًا، وَفَرَائِضَ الْقَمَرِ وَالنُّجُومِ لِلإِضَاءَةِ لَيْلًا، الزَّاجِرُ الْبَحْرَ حِينَ تَعِجُّ أَمْوَاجُهُ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ: 36 إِنْ كَانَتْ هذِهِ الْفَرَائِضُ تَزُولُ مِنْ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ، فَإِنَّ نَسْلَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا يَكُفُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أُمَّةً أَمَامِي كُلَّ الأَيَّامِ. 37 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ تُقَاسُ مِنْ فَوْقُ وَتُفْحَصُ أَسَاسَاتُ الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، فَإِنِّي أَنَا أَيْضًا أَرْفُضُ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا عَمِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 38 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتُبْنَى الْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ، 39 وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ الْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ، وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ، 40 وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي الْجُثَثِ وَالرَّمَادِ، وَكُلُّ الْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ الْخَيْلِ شَرْقًا، قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى الأَبَدِ».
ع31: في نهاية هذا الأصحاح، يعلن الله بأنه سيقطع عهدًا مع شعبه الراجع من السبي، وهذا العهد معناه إلتزام من الله كطرف برعاية شعبه وحمايتهم ومباركتهم، والطرف الثاني هو شعبه الذي يلتزم بالطاعة لوصاياه.
ع32: هذا العهد جديد، وليس العهد الأول الذي قطعه مع شعبه عندما خلصهم من عبودية مصر وعبر بهم البحر الأحمر، فهذا عهد جديد بعد أن أنقذهم من قسوة العبودية البابلية. ولكن يرمز بالأكثر هذا العهد إلى العهد الذي يقطه المسيح معنا بدمه على الصليب بفدائه لنا.
ع33: صفات هذا العهد الجديد هي:
يحفظ الشعب ناموس الله ووصاياه في قلوبهم، أي لا ينفذوها حرفيًا فقط، بل يلتزمون بروحه، وهذا ما عمله الراجعون من السبي جزئيًا، وتم بالأكثر في المؤمنين بالمسيح.
يعبدون الله ويتركون عنهم عبادة الأوثان، وفى العهد الجديد لا تشغلهم الماديات والشهوات، بل محبة المسيح الفادى.
ع34: يضيف الله في العهد الجديد أمرين آخرين :
يصير الله معروفًا وواضحًا لكل أولاده، فيميزون أنه هو الإله الوحيد ولا يحتاجوا أن يعلمهم أحد أن يتركوا الأوثان. وفى الكنيسة يحل الروح القدس على كل المؤمنين، ويرشدهم إلى الحق والحياة معه داخل كنيسته.
يسامح الله كل التائبين ويرفع عنهم دين خطاياهم الذي حمله على الصليب، وفى حالة الراجعين من السبي لا يؤدبهم عن خطاياهم، بل يباركهم بخيرات مادية كثيرة.
† الله يريد أن يجدد عهوده معك، فيعطيك بركات أوفر عندما تهتم بحفظ وصاياه وتفضيله عن أي شيء من أموره المادية، فيكشف لك وتختبر لذة لا يعبر عنها هي عربون لأمجاد الملكوت التي لا تخطر على قلب إنسان.
ع35: الزاجر: المانع بحزم.
تعج : تتلاطم الأمواج بصوت قوى.
يعلن الله أنه ثابت في وعوده مع الخليقة كلها، فحدد الشمس لإضاءة النهار، والقمر والنجوم تأتى بعدها لإضاءة الليل، ووضع حدودًا للبحر حتى لا يغطى اليابسة فهو يتحرك بخاصية المد، ولكن رغم قوة أمواجه، ترجع مياهه إلى الداخل بخاصية الجزر.
واضع كل هذه القوانين وضابطها هو الله القادر على كل شيء، لذا يوضح قوته لنا بوصفه أنه رب الجنود.
ع36: من أجل ثبات نظام الطبيعة بقوة الله فهو قادر أيضًا أن يثبت شعبه كأمة أمامه طوال الحياة، أي هذا الشعب لن ينقرض أبدًا، وقد حدث هذا فعلًا فقد بقيت بنى إسرائيل كأمة طوال العهد القديم رغم تعرضه لسلطان مادي وفارس، ثم الدولة اليونانية والرومانية، ولكن الأهم من هذا أنه بالمسيح صار المسيحيون هم إسرائيل الجديد، الأمة التي لا تعيش فقط طوال الزمن الأرضى بل تمتد إلى الأبدية.
ع37: يبين الله رضاه ومحبته لشعبه طوال الحياة بأدلة، وهي استحالة أن يقيس الإنسان أبعاد السماء مهما تقدم علميًا، فهو مجرد يعرف عنها القليل، ولكن يستحيل أن يعرف عنها كل شيء ويقيسها، وكذلك لا يستطيع أحد أن يعرف أساسات الأرض أي أعماق الكرة الأرضية بل مهما تقدمت الأبحاث تعرف أيضًا بعض المعلومات عنها، كذلك إن كان مستحيلًا أن يقيس أحد السماء أو يعرف أساسات الأرض فإن الله لن يرفض شعبه بل يحفظه كأمة أمامه حتى ياخذهم معه في الملكوت.
ع38: برج حننئيل: يوجد في شمال شرق أورشليم.
باب الزاوية : يوجد في شمال غرب أورشليم.
يؤكد الله تثبيته ومحافظته على أولاده الراجعين من السبي بأنه يبنى لهم مدينتهم أورشليم التي بها هيكله من شرقها إلى غربها.
ع39، 40: خيط القياس: الخيط المستخدم في ضبط الحجارة والطوب في البناء، والمقصود امتداد البناء.
أكمة جارب : تل يقع في غرب أورشليم.
جوعة : منطقة في جنوب غرب أورشليم.
وادى الجثث والرماد : هو وادي هنوم، أو الذي يدعى ابن هنوم، كانت تلقى فيه بقايا الحيوانات وكل فضلات مدينة أورشليم لتحرق هناك، ويقع في جنوب غرب أورشليم. ومنه أخذت كلمة جهنم.
وادى قدرون : وادي يمر حول أورشليم من غربها ثم جنوبها ثم يتجه نحو شرقها.
باب الخيل : أحد أبواب أورشليم يقع في الجهة الشرقية.
استكمالًا لتأكيد الله إعادة بناء أورشليم، يذكر بالتفصيل أماكن كثيرة فيها يمر بها البناؤون ليعيدوا بناءها، فبعد أن بدأوا من الشمال الشرقى وامتدوا نحو الشمال الغربي (ع38)، يستكلمون الناحية الغربية، ويتجهون نحو الجنوب الغربي ويمرون بالجزء الجنوبى كله حتى يصلوا إلى المنطقة الشرقية من أورشليم أي تبنى أورشليم كلها.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى والثلاثون
(1) ظروف النبوة (ع1- 5):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ لِصِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، هِيَ السَّنَةُ الثَّامِنَةُ عَشَرَةَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ، 2 وَكَانَ حِينَئِذٍ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَاصِرُ أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ مَحْبُوسًا فِي دَارِ السِّجْنِ الَّذِي فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا، 3 لأَنَّ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا حَبَسَهُ قَائِلًا: «لِمَاذَا تَنَبَّأْتَ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْخُذُهَا؟ 4 وَصِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا لاَ يُفْلِتُ مِنْ يَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ بَلْ إِنَّمَا يُدْفَعُ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، وَيُكَلِّمُهُ فَمًا لِفَمٍ وَعَيْنَاهُ تَرَيَانِ عَيْنَيْهِ، 5 وَيَسِيرُ بِصِدْقِيَّا إِلَى بَابِلَ فَيَكُونُ هُنَاكَ حَتَّى أَفْتَقِدَهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ حَارَبْتُمُ الْكَلْدَانِيِّينَ لاَ تَنْجَحُونَ».
ع1: يحدد زمن النبوة بأنه السنة العاشرة للمُلك صدقيا ملك يهوذا، وهي تقابل السنة الثامنة عشر لنبوخذنصر ملك بابل وهي سنة 588 ق.م.
ع2: في وقت هذه النبوة التي أرسلها الله إلى إرميا، كانت أورشليم محاصرة بجيوش بابل ثم انسحبت لمدة قصيرة لتقدم جيوش مصر نحو أورشليم، ثم عادت بابل وحاصرت أورشليم الحصار النهائى ثم دمرتها، وتممت السبي الأخير لليهود.
كان في هذا الوقت إرميا مسجونًا في سجن خاص تابعًا لقصر ملك يهوذا، وكان له بعض الحرية في التحرك بدليل وزنه للفضة وشراء الأرض التي في بلده عناثوث. وكان هذا السجن، رغم صعوبته كضيقة لإرميا، فرصة للحفاظ على إرميا من إساءات أعداءه إليه وحماية له.
ع3: السبب في سجن إرميا هو غضب صدقيا ملك يهوذا عليه لأنه تنبأ بعدة أمور:
أولها أن أورشليم سيستولى عليها ملك بابل.
ع4: يستكمل إرميا نبوته فيعلن أمرًا ثانيًا هو أن ملك بابل سيقبض على صدقيا ملك يهوذا.
ونبوة ثالثة بأن صدقيا سيُقابل ملك بابل.
ع5: يضيف إرميا في نبوته أمرًا رابعًا وهو أن الكلدانيين أي البابليين سيحملون صدقيا الملك إلى بابل، ويقول "يحملون" لأنهم سيفقأوا عينيه فيقتادوه إلى بابل التي لم يراها كما قال حزقيال النبي (حز12: 13) ولكنه يمكث فيها بقية عمره.
ويتنبأ بأمر خامس هو أن صدقيا سيظل في بابل حتى نهاية حياته حيث يفتقده الله أي يموت وينقله من أرضنا.
نبوة سادسة وأخيرة قالها إرميا أن محاولة مقاومة يهوذا لبابل ستفشل، وستقتل بابل كثيرين من اليهود، وتسبى من تختارهم، وتترك في الأرض الضعفاء.
† الضيقات التي يسمح بها الله لك تختفى فيها محبته وعنايته بك، فكما سُجن إرميا في قصر ملك يهوذا ليحميه من أعداءه، هكذا الله أيضًا يحميك من متاعب كثيرة بواسطة الضيقات التي تمر بك، فأشكر الله على كل شيء حتى الضيقات.
(2) شراء الأرض (ع6- 15)
6 فَقَالَ إِرْمِيَا: «كَلِمَةُ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَيَّ قَائِلَةً: 7 هُوَذَا حَنَمْئِيلُ بْنُ شَلُّومَ عَمِّكَ يَأْتِي إِلَيْكَ قَائِلًا: اشْتَرِ لِنَفْسِكَ حَقْلِي الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ، لأَنَّ لَكَ حَقَّ الْفِكَاكِ لِلشِّرَاءِ». 8 فَجَاءَ إِلَيَّ حَنَمْئِيلُ ابْنُ عَمِّي حَسَبَ كَلِمَةِ الرَّبِّ إِلَى دَارِ السِّجْنِ، وَقَالَ لِي: «اشْتَرِ حَقْلِي الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ الَّذِي فِي أَرْضِ بِنْيَامِينَ، لأَنَّ لَكَ حَقَّ الإِرْثِ، وَلَكَ الْفِكَاكُ. اشْتَرِهِ لِنَفْسِكَ». فَعَرَفْتُ أَنَّهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ. 9 فَاشْتَرَيْتُ مِنْ حَنَمْئِيلَ ابْنِ عَمِّي الْحَقْلَ الَّذِي فِي عَنَاثُوثَ، وَوَزَنْتُ لَهُ الْفِضَّةَ، سَبْعَةَ عَشَرَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ. 10 وَكَتَبْتُهُ فِي صَكّ وَخَتَمْتُ وَأَشْهَدْتُ شُهُودًا، وَوَزَنْتُ الْفِضَّةَ بِمَوَازِينَ. 11 وَأَخَذْتُ صَكَّ الشِّرَاءِ الْمَخْتُومَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ وَالْفَرِيضَةِ وَالْمَفْتُوحَ. 12 وَسَلَّمْتُ صَكَّ الشِّرَاءِ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَا أَمَامَ حَنَمْئِيلَ ابْنِ عَمِّي، وَأَمَامَ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَمْضَوْا صَكَّ الشِّرَاءِ أَمَامَ كُلِّ الْيَهُودِ الْجَالِسِينَ فِي دَارِ السِّجْنِ. 13 وَأَوْصَيْتُ بَارُوخَ أَمَامَهُمْ قَائِلًا: 14 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: خُذْ هذَيْنِ الصَّكَّيْنِ، صَكَّ الشِّرَاءِ هذَا الْمَخْتُومَ، وَالصَّكَّ الْمَفْتُوحَ هذَا، وَاجْعَلْهُمَا فِي إِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ لِكَيْ يَبْقَيَا أَيَّامًا كَثِيرَةً. 15 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: سَيَشْتَرُونَ بَعْدُ بُيُوتًا وَحُقُولًا وَكُرُومًا فِي هذِهِ الأَرْضِ».
ع6، 7: أمر الله إرميا أن يشترى حقل في بلده عناثوث التي ولد وعاش فيها هو وعائلته، وهي بلدة للكهنة بالقرب من أورشليم، ويبدو أن ابن عم إرميا، الذي كان مالكًا لهذا الحقل، تعرض لضيقة مالية فأرتهن هذا الحقل، وللمحافظة على ميراث الأرض يستطيع أحد أقاربه أن يشترى الحقل ليظل في ملكية الأسرة كما نصت الشريعة في (لاويين25: 25)، لأن أرض الميعاد كانت ترمز لأروشليم السمائية التي هي الميراث الأبدي، فينبغى المحافظة عليها.
ويبدو أن ابن عم إرميا لم يجد من يشترى هذا الحقل من الشخص الذي أرتهن الحقل عنده، ويدفع ثمن فك وإعادة هذا الحقل للأسرة، ولعل هذا بسبب السبي المقبل عليهم، وبالتالي لا فائدة من هذا الشراء لأن بابل ستستولى على كل الأراضي، ولذا فقد جاء إلى إرميا في السجن يعرض عليه شراء الحقل لإعادة الميراث للأسرة.
وشلوم هو عم إرميا وحنمئيل هو ابن عمه.
وقد أبلغ الله إرميا بقدوم حنمئيل إليه قبل أن يصل، وأمره بشراء الأرض.
وهنا يستخدم الله وسيلة إيضاح ليعلن أمام اليهود أن السبي سيأتى ولكنهم سيعودون منه، فجعل نبيه إرميا يشترى الحقل تأكيدًا لحتمية عودتهم من السبي، فهو رجاء واضح وتعزية يقدمها الله لأولاده.
† إن كان الله يسمح لك بالضيقات، فهو يُظهر لك في نفس الوقت قوته ورعايته لك، فلا تغتم بسبب الضيقة، بل أطلب الله فيظهر لك وجوده معك فيتعزى قلبك.
ع8: تحقق كلام الله بوصول حنمئيل ابن عم إرميا إلى السجن، حيث كان إرميا مسجونًا، وعرض عليه فك حقله المرهون وشرائه لنفسه ليعود لملكية العائلة، فتأكد إرميا مما أعلمه الله مسبقًا.
فالله يمهد ويرشد أولاده الملتصقين به فلا ينزعجوا من الأحداث الآتية عليهم، وإذ يطمئنوا يكونون قدوة لمن حولهم.
ومن ناحية أخرى فإن الله يرشد أولاده في تفاصيل حياتهم ما داموا متمسكين به.
ع9: شاقل فضة : يساوى حوالي خمسة عشر جرام.
أطاع إرميا كلام الله، وأشترى حقل ابن عمه، ودفع له ثمنه وهو سبعة عشر شاقل فضة.
ع10: كتب إرميا صكًا بشراء الحقل حتى يُثبت ملكيته له، وكان ذلك أمام شهود سواء من الأقارب الذين حضروا مع حنمئيل، أو من المسجونين معه.
وختم هذا الصك، أي العقد، ووزن الفضة أمام الشهود إثباتًا لملكيته.
ع11: كانت العادة في الشراء قديمًا أن يكتب نسختين من العقد سواء الأثنان متطابقتان تمامًا أو أحداهما ملخص للأخرى، وتغلق الواحدة وتُختم أما الأخرى فتظل مفتوحة وذلك تأكيدًا للملكية.
ع12: بعد أن وقع الشهود على صك الشراء واستلم حنمئيل الثمن، سلم إرميا الصك لتلميذه "باروخ" والذي كان كاتبًا لنبواته ويساعده في كتابة أي أمور تخصه.
كل هذا إثباتًا أمام شهود كثيرين، وإعلانًا للشعب أن إرميا اشترى حقلًا رغم محاصرة بابل لأورشليم وأقتراب السبي منهم ليعلن، كما ذكرنا، أنهم سيعودون من السبي ويتمتعون بأراضيهم.
ع13، 14: باروخ تلميذ إرميا كان أيضًا نبيًا، وله نبوة بأسمه ضمن الأسفار القانونية التي حذفها البروتستانت.
أمره إرميا أن يضع نسختى الصك في وعاء خزفى، وكانت هذه هي العادة للمحافظة على الأوراق الهامة أن توضع في وعاء خزفى ويُغلق عليها ويُثبت الغلق بالقار، وهذا أعلان من إرميا أن السبي سيدوم سنينًا طويلة، ولكن بعده سيعود اليهود من السبي.
ع15: يؤكد الله العودة من السبي وشراء اليهود للبيوت والحقول.
كل هذا رمز للمسيح الذي اشترانا بدمه وكتب الصك على الصليب، وأن تحقيق الخلاص الكامل سيكون بعد سنين حياتنا الأرضية، حينما نرتفع إلى أورشليم السمائية ونملك معه إلى الأبد، وترمز النسختين لعقد الشراء وهما المفتوحة إلى البركات التي ننالها الآن على الأرض، أما المختومة إلى البركات التي سننالها في السماء وهي لا يُعبر عنها. والمسيح أخذ طبيعتنا بتجسده ليكون قريبًا لنا، ويتمم فدائنا، فيحررنا من يد الشيطان الذي بعنا أنفسنا له بسبب فقرنا الروحي، وكان دفع ثمن الفداء معلنًا أمام شهود كثيرين هم كل سكان الأورشليم التي صلب المسيح خارجها.
(3) صلاة إرميا ( ع16-25):
16 ثُمَّ صَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ بَعْدَ تَسْلِيمِ صَكِّ الشِّرَاءِ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا قَائِلًا: 17 «آهِ، أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، هَا إِنَّكَ قَدْ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ، وَبِذِرَاعِكَ الْمَمْدُودَةِ. لاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ شَيْءٌ. 18 صَانِعُ الإِحْسَانِ لأُلُوفٍ، وَمُجَازِي ذَنْبِ الآبَاءِ فِي حِضْنِ بَنِيهِمْ بَعْدَهُمُ، الإِلهُ الْعَظِيمُ الْجَبَّارُ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 19 عَظِيمٌ فِي الْمَشُورَةِ، وَقَادِرٌ فِي الْعَمَلِ، الَّذِي عَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَانِ عَلَى كُلِّ طُرُقِ بَنِي آدَمَ لِتُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، وَحَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ. 20 الَّذِي جَعَلْتَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَفِي إِسْرَائِيلَ وَفِي النَّاسِ، وَجَعَلْتَ لِنَفْسِكَ اسْمًا كَهذَا الْيَوْمِ، 21 وَأَخْرَجْتَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ، وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ وَمَخَافَةٍ عَظِيمَةٍ، 22 وَأَعْطَيْتَهُمْ هذِهِ الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتَ لآبَائِهِمْ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. 23 فَأَتَوْا وَامْتَلَكُوهَا، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِكَ، وَلاَ سَارُوا فِي شَرِيعَتِكَ. كُلُّ مَا أَوْصَيْتَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ، فَأَوْقَعْتَ بِهِمْ كُلَّ هذَا الشَّرِّ. 24 هَا الْمَتَارِسُ! قَدْ أَتَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَأْخُذُوهَا، وَقَدْ دُفِعَتِ الْمَدِينَةُ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهَا بِسَبَبِ السَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، وَمَا تَكَلَّمْتَ بِهِ فَقَدْ حَدَثَ، وَهَا أَنْتَ نَاظِرٌ. 25 وَقَدْ قُلْتَ أَنْتَ لِي أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ: اشْتَرِ لِنَفْسِكَ الْحَقْلَ بِفِضَّةٍ وَأَشْهِدْ شُهُودًا، وَقَدْ دُفِعَتِ الْمَدِينَةُ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ».
ع16، 17: بعد إنتهاء إجراءات شراء الحقل، وقف إرميا ليصلى، فهذا هو إنشغاله الأول، بل كل أمور حياته هدفها هو إرتباطه بالله، وفى صلاته يستعرض إحسانات الله وتدابيره لشعبه وعنايته بهم حتى في الضيقات.
وفى بداية صلاته يمجد الله خالق كل الأشياء، ويصفه أيضًا بأنه القادر على كل شيء.
ع18: يصف الله بالمحبة التي تظهر في عطاياه لشعبه المكون من الألوف، فهو يعتنى بكل أولاده، ثم يقدم صفة رابعة لله هي عدله، الذي يظهر في مجازاته ليس فقط للآباء الأشرار بل لأبنائهم أيضًا إذا ساروا في خطايا آبائهم.
ويصف الله صفة خامسة هي أنه قوى وجبار، ويسميه "رب الجنود" إظهارًا لقوته.
فلنلاحظ أن صلاة إرميا هي تسبيح لله، واستعراض لصفاته الكثيرة، فالتسبيح هو محبة وتعلق بالله.
ع19: يواصل تسبيحه لله فيصفه صفة سادسة هي عظمته في إرشاد أولاده، ومشورته هي الحقة لأنه يعرف كل شيء ويحب أولاده.
ثم يصفه صفة سابعة وهي معرفته لكل شيء، التي يعبر عنها بأن عينيه مفتوحتان على كل ما يحدث على الأرض، وهذا يُطمئن أولاده وخائفيه إذ يحميهم ويباركهم، وفى نفس الوقت يزعج الأشرار لأنه سيعاقبهم على خطاياهم.
ع20، 21: يذكر الله بقوته التي خلص بها شعبه، حينما كان مستعبدًا في مصر عندما ضرب المصريين بالضربات العشرة، وعبر بهم البحر الأحمر، وأهلك جيش المصريين، فهو يسبح قدرته الإلهية، ورعايته لشعبه التي تحدث بها العالم كله إلى هذا اليوم، لأن ما حدث لن يمحى من ذهن البشر لعظمته.
ع22: يشكر الله الذي أتم وعوده لإبراهيم والآباء، وهذه صفة ثامنة لله وهي صدق وعوده، إذ أعطى شعبه أن يمتلكوا أرض كنعان المملوءة بالخيرات.
ع23: يقدم إرميا اعترافًا أمام الله، نيابة عن شعبه، بأنهم بعد امتلاكهم أرض كنعان تركوا وصايا الله وساروا في شهواتهم الشريرة، فاستحقوا أن يعاقبهم الله بالسبي أي هذا الشر.
ع24: المتارس: الجنود الذين يبنون المتاريس، وهي جمع متراس الذي هو حائط من الطوب أو الحجارة، أو أي عوائق يبنيها الأعداء حول المدن المحاصرة لعرقلة حروب المحاصرين إذا حاولوا الهرب.
المدينة : أورشليم.
الكلدانيون : البابليون.
بعد ذلك يعلن صدق الله في كلامه الذي أرسله إلى إرميا ليعلنه كنبوات أمام الشعب، إذ أن الله قد قال أن أورشليم سيحاصرها البابليون، وستسقط في أيديهم، بسبب ليس فقط قسوة البابليين في قتل اليهود، بل أيضًا ضعف اليهود إذ هاجمتهم الأمراض ولم يجدوا طعامًا ليأكلوه في الحصار، كل هذا تأديب من الله لشعبه الذي تمرد عليه.
وهكذا تظهر صفة تاسعة لله يمتدحها إرميا وهي صدق كلامه ونبواته.
ع25: يسبح الله الذي يعزى شعبه، وهي صفة عاشرة في الله، إذ أعطاهم رجاء بالرجوع من السبي، وقدَّم لهم قصة واقعية وهي شراء إرميا لحقل رغم أن بابل ستستولى بعد قليل على كل مملكة يهوذا، ولكنهم سيعودون ويتمتعون بأراضيهم، وإرميا لم يستفد من هذه الأرض لأنه مات قبل الرجوع من السبي، ولكنه أطاع حتى يعلن بتصرفه هذا محبة الله التي ستعيد شعبه من السبي.
† ما أجمل أن تتأمل صفات الله، وتسبحه وتشكره على عطاياه ورعايته. ليتك تتعلم ولو جزءًا قليلًا من تسبحة الكنيسة، أو تسمعها على شرائط مسجلة لتشترك في تسبيح اسمه القدوس، فيمتلئ قلبك فرحًا.
(4) أسباب التأديب ( ع26-35):
26 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: 27 «هأَنَذَا الرَّبُّ إِلهُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ. هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَا؟ 28 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَأْخُذُهَا. 29 فَيَأْتِي الْكَلْدَانِيُّونَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ هذِهِ الْمَدِينَةَ، فَيُشْعِلُونَ هذِهِ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ، وَيُحْرِقُونَهَا وَالْبُيُوتَ الَّتِي بَخَّرُوا عَلَى سُطُوحِهَا لِلْبَعْلِ وَسَكَبُوا سَكَائِبَ لآلِهَةٍ أُخْرَى لِيُغِيظُونِي. 30 لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا إِنَّمَا صَنَعُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ مُنْذُ صِبَاهُمْ. لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا أَغَاظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 31 لأَنَّ هذِهِ الْمَدِينَةَ قَدْ صَارَتْ لِي لِغَضَبِي وَلِغَيْظِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ بَنَوْهَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنْزِعَهَا مِنْ أَمَامِ وَجْهِي 32 مِنْ أَجْلِ كُلِّ شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا الَّذِي عَمِلُوهُ لِيُغِيظُونِي بِهِ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ وَرِجَالُ يَهُوذَا وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ. 33 وَقَدْ حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ. وَقَدْ عَلَّمْتُهُمْ مُبَكِّرًا وَمُعَلِّمًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِيَقْبَلُوا أَدَبًا. 34 بَلْ وَضَعُوا مَكْرُهَاتِهِمْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي، لِيُنَجِّسُوهُ. 35 وَبَنَوْا الْمُرْتَفِعَاتِ لِلْبَعْلِ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، لِيُجِيزُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ فِي النَّارِ لِمُولَكَ، الأَمْرَ الَّذِي لَمْ أُوصِهِمْ بِهِ، وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي، لِيَعْمَلُوا هذَا الرِّجْسَ، لِيَجْعَلُوا يَهُوذَا يُخْطِئُ.
ع26، 27: بعد أن استمع الله لصلاة إرميا، أعلن له أنه خالق كل المخلوقات والقادر على كل شيء، فهو يؤدب شعبه ليتوبوا ثم يعيدهم من السبي ويعزى قلوبهم.
ع28: ينفذ الله تأديبه بأن يسمح لبابل أن تستولى على أورشليم.
ع29: يستكمل الله كلامه بأن بابل ستُحرق أورشليم وبيوتها التي عبد اليهود الأوثان على أسطحها.
وهنا يبدأ بإظهار أسباب تأديبه لشعبه وهي أولًا عبادتهم للأوثان على أسطح منازلهم، أي عبادتهم لكواكب السماء.
ع30: السبب الثاني لتأديب الله شعبه، هو استمرارهم في الشر مدة طويلة، فقد بدأوها منذ صباهم وليس فقط الآن، إذ عبدوا الأوثان منذ أن كانوا في مصر، بل حتى قبل أن يدخلوا مصر، واحتملهم الله طوال هذا العمر ليتوبوا.
ع31: يضيف سببًا ثالثًا لتأديب أورشليم هو أنها عبدت الأوثان وسارت في الشر منذ أن عاش فيها اليبوسيون سكان الأرض الأصليين الوثنيين، ثم بعد ما أمتلكها اليهود أكملوا الشر بها، فأستحقت أورشليم أن تُخرب بيد بابل
ع32: سبب رابع لتأديب شعب الله هو إشتراك الكل في الشر، مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، القادة مثل الملوك، والشعب العادي، وهذا الشر هو موجه لله وإغاظة ه وعصيان وتحدى.
ع33: السبب الخامس للتأديب هو الإصرار على عدم طاعة الله وسماع وصاياه، بل معاملته بإهمال وجفاء يُعبر عنها بإعطاء القفا لله لا الوجه.
† أنظر لئلا تكون ساقطًا في إهمال الله، ومعطيًا القفا له لا الوجه، حينما تُهمل صلاتك أو قراءتك في الكتاب المقدس أو الحضور إلى بيت الله.
ع34: السبب السادس للتأديب هو التجاسر بوضع تماثيل الأوثان داخل هيكل الله في أورشليم، فهذا منتهى التحدى لله.
ع35: السبب السابع للتأديب هو فقدانهم لمشاعر العاطفة البشرية، إذ إنغماسًا في عبادة الآلهة الوثنية، قدموا لها بنيهم كمحرقات مثل الإله مولك، فضحوا بأبنائهم حبًا في عبادة الأوثان، بالإضافة إلى بناء معابد لعبادة الإله مولك فوق التلال والمرتفعات.
(5) الرجوع من السبي ( ع36-44):
36 «وَالآنَ لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ الَّتِي تَقُولُونَ إِنَّهَا قَدْ دُفِعَتْ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ: 37 هأَنَذَا أَجْمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا بِغَضَبِي وَغَيْظِي وَبِسُخْطٍ عَظِيمٍ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ، وَأُسَكِّنُهُمْ آمِنِينَ. 38 وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا. 39 وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا وَطَرِيقًا وَاحِدًا لِيَخَافُونِي كُلَّ الأَيَّامِ، لِخَيْرِهِمْ وَخَيْرِ أَوْلاَدِهِمْ بَعْدَهُمْ. 40 وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا أَنِّي لاَ أَرْجِعُ عَنْهُمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، وَأَجْعَلُ مَخَافَتِي فِي قُلُوبِهِمْ فَلاَ يَحِيدُونَ عَنِّي. 41 وَأَفْرَحُ بِهِمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، وَأَغْرِسَهُمْ فِي هذِهِ الأَرْضِ بِالأَمَانَةِ بِكُلِّ قَلْبِي وَبِكُلِّ نَفْسِي. 42 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: كَمَا جَلَبْتُ عَلَى هذَا الشَّعْبِ كُلَّ هذَا الشَّرِّ الْعَظِيمِ، هكَذَا أَجْلِبُ أَنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ الْخَيْرِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْهِمْ. 43 فَتُشْتَرَى الْحُقُولُ فِي هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي تَقُولُونَ إِنَّهَا خَرِبَةٌ بِلاَ إِنْسَانٍ وَبِلاَ حَيَوَانٍ، وَقَدْ دُفِعَتْ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 44 يَشْتَرُونَ الْحُقُولَ بِفِضَّةٍ، وَيَكْتُبُونَ ذلِكَ فِي صُكُوكٍ، وَيَخْتِمُونَ وَيُشْهِدُونَ شُهُودًا فِي أَرْضِ بِنْيَامِينَ وَحَوَالَيْ أُورُشَلِيمَ، وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمُدُنِ الْجَبَلِ وَمُدُنِ السَّهْلِ وَمُدُنِ الْجَنُوبِ، لأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع36: هذه المدينة : أورشليم.
إن كان الله يسمح بتأديب شعبه بالسبي، بكل ما يحمل من قتل وجوع وأمراض، ولكنه يجد شعبه يقبلون التأديب يعود فيرحمهم ويعيدهم من السبي، فالله ليس قاسيًا بل أب حنون يؤدب أولاده ليتوبوا ويعودوا إلى أحضانه
ع37: يعد الله أن يجمع شعبه الذى تشتت في السبي، ثم يعيدهم إلى بلادهم، وأكثر من ذلك يعيشوا مطمئنين فى بلادهم لأنهم إذ يتوبوا ينالون كل المراحم.
† إن مراحم الله تنتظرك لتتوب عن خطاياك، فتفيض عليك ببركات لا تحصى، فلا تؤخر التوبة، ولا تيأس بسبب كثرة خطاياك، ولا تنساق وراء اللذات الزائلة.
ع38: يعد الله بوعد رابع وهو أن يُمتع شعبه برعاية خاصة لأنهم يؤمنون به، فيملك على قلوبهم.
ع39: الوعد الخامس هو الوحدانية التي يهبها لشعبه، فينتهى إنقسام المملكتين إسرائيل ويهوذا. وهذا رمز للوحدانية في المسيح حيث يتحد المؤمنون في العالم كله في المسيح.
الوعد السادس هو أن يهبهم الله مخافته في قلوبهم، فيرفضوا الخطية، ويتمتعوا بخيراته الجزيلة.
ع40: الوعد السابع هو رعاية الله لأولاده إلى الأبد، فيثبت مخافته في قلوبهم، وتدوم لهم الخيرات ما داموا مؤمنين به ومتمسكين بوصاياه، وهذا يتم في المسيح الذي يعطينا الملكوت الأبدي.
ع41: الوعد الثامن الذي يعطيه الله لشعبه بعد رجوعهم من السبي هو أن يثبتهم في الأمانة والسلوك المستقيم من نحوه، ومن نحو بعضهم البعض، ويعمل الله فيهم بكل قوة، ويفرح باستجابتهم له، وهذا هو الإحسان الإلهي الحقيقي، ليس فقط الخيرات المادية، بل الأمانة في تنفيذ وصاياه.
ع42: وهكذا على قدر ما احتملوا من تأديب وضيقات في السبي، يعوضهم الله بعد الرجوع من السبي بخيرات كثيرة.
ع43: الوعد التاسع هو خصوبة الأرض التي كانت خربة، فيقبل اليهود على شرائها للتمتع بخيراتها.
ع44: يؤكد إهتمامهم بعملية شراء الحقول بكل إجراءاتها من كتابة وثائق بهذا الشراء وختمها بأختام، أي أن الأرض ذات قيمة كبيرة فيتأكدوا من ملكيتها بعد دفع أثمان غالية لها من الفضة والذهب، وذلك يكون ليس فقط في أورشليم، بل كل ما حولها من مناطق في سبط يهوذا وبنيامين، وهذا يرمز إلى استنارة المؤمنين في العهد الجديد واهتمامهم بشراء الأرض الجديدة أي ملكوت السموات، وبذل كل الجهد لأقتنائها من خلال عباداتهم في الكنيسة وجهادهم الروحي.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثالث والثلاثون

(1) الله مع إرميا في السجن (ع1-3):
1 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا ثَانِيَةً وَهُوَ مَحْبُوسٌ بَعْدُ فِي دَارِ السِّجْنِ قَائِلَةً: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ صَانِعُهَا، الرَّبُّ مُصَوِّرُهَا لِيُثَبِّتَهَا، يَهْوَهُ اسْمُهُ: 3 اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا.
ع1: قبض الملك على إرميا وألقاه في السجن لأنه تنبأ بخراب أورشليم. ولكن الله الحنون كلمه في السجن ليشعره بوجوده معه، فيطمئن ويتعزى.
† الله يظهر نفسه لك في الضيقات ليطمئنك ويرشدك ويفرح قلبك، فلا تضطرب من الضيقة فقد تكون أفضل وقت تختبر فيه محبة الله وتعرفه عن قرب.
ع2: يعلن الرب أنه صانع الأرض ومصورها، ليطمئن إرميا المسجون، لأنه إن كان إرميا مقيد في حجرة مظلمة، ولكن الله يعلن له أنه صانع الأرض كلها التي عليها كل البشر، فلا ينزعج من القيود لأن الله ضابط الكل يسنده ويتحدث معه. هذه هي التعزية الثانية في السجن بعد الأولى المذكورة في (ع1).
والتعزية الثالثة أن الله يعلن اسمه له، وهو "يهوه" أي الله كائن وموجود، فهو يؤكد له وجوده معه حتى لا يشعر بالوحدة والعزلة داخل السجن. فهو إن كان قد عُزل من الناس، ولكنه يتمتع بعشرة الله.
ع3: عوائص: جمع عويص أي صعب الإدراك والفهم.
التشجيع الرابع هو دعوة الله لإرميا ليتحدث معه في الصلاة فيتعزى، ويشعر بحضرة الله بل وأعظم من هذا يعده الله أن يكشف له أمورًا عجيبة وعالية من حكمته لا يستطيع الإنسان مهما كان ذكاؤه أن يعرفها.
وهكذا نشعر بتميز الإنسان الروحي، في أصعب الظروف، لأن الله يباركه ويعظمه.
(2) بركات الراجعين من السبي (ع4-13):
4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ بُيُوتِ هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَنْ بُيُوتِ مُلُوكِ يَهُوذَا الَّتِي هُدِمَتْ لِلْمَتَارِيسِ وَالْمَجَانِيقِ: 5 يَأْتُونَ لِيُحَارِبُوا الْكَلْدَانِيِّينَ وَيَمْلأُوهَا مِنْ جِيَفِ النَّاسِ الَّذِينَ ضَرَبْتُهُمْ بِغَضَبِي وَغَيْظِي، وَالَّذِينَ سَتَرْتُ وَجْهِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأَجْلِ كُلِّ شَرِّهِمْ. 6 هأَنَذَا أَضَعُ عَلَيْهَا رِفَادَةً وَعِلاَجًا، وَأَشْفِيهِمْ وَأُعْلِنُ لَهُمْ كَثْرَةَ السَّلاَمِ وَالأَمَانَةِ. 7 وَأَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَسَبْيَ إِسْرَائِيلَ وَأَبْنِيهِمْ كَالأَوَّلِ. 8 وَأُطَهِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ إِثْمِهِمِ الَّذِي أَخْطَأُوا بِهِ إِلَيَّ، وَأَغْفِرُ كُلَّ ذُنُوبِهِمِ الَّتِي أَخْطَأُوا بِهَا إِلَيَّ، وَالَّتِي عَصَوْا بِهَا عَلَيَّ. 9 فَتَكُونُ لِيَ اسْمَ فَرَحٍ لِلتَّسْبِيحِ وَلِلزِّينَةِ لَدَى كُلِّ أُمَمِ الأَرْضِ، الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِكُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي أَصْنَعُهُ مَعَهُمْ، فَيَخَافُونَ وَيَرْتَعِدُونَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ الْخَيْرِ وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ السَّلاَمِ الَّذِي أَصْنَعُهُ لَهَا. 10 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: سَيُسْمَعُ بَعْدُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي تَقُولُونَ إِنَّهُ خَرِبٌ بِلاَ إِنْسَانٍ وَبِلاَ حَيَوَانٍ، فِي مُدُنِ يَهُوذَا، وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ الْخَرِبَةِ بِلاَ إِنْسَانٍ وَلاَ سَاكِنٍ وَلاَ بَهِيمَةٍ، 11 صَوْتُ الطَّرَبِ وَصَوْتُ الْفَرَحِ، صَوْتُ الْعَرِيسِ وَصَوْتُ الْعَرُوسِ، صَوْتُ الْقَائِلِينَ: احْمَدُوا رَبَّ الْجُنُودِ لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. صَوْتُ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِذَبِيحَةِ الشُّكْرِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، لأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَ الأَرْضِ كَالأَوَّلِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَكُونُ بَعْدُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ الْخَرِبِ بِلاَ إِنْسَانٍ وَلاَ بَهِيمَةٍ وَفِي كُلِّ مُدُنِهِ، مَسْكَنُ الرُّعَاةِ الْمُرْبِضِينَ الْغَنَمَ. 13 فِي مُدُنِ الْجَبَلِ وَمُدُنِ السَّهْلِ وَمُدُنِ الْجَنُوبِ، وَفِي أَرْضِ بِنْيَامِينَ وَحَوَالَيْ أُورُشَلِيمَ، وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا، تَمُرُّ أَيْضًا الْغَنَمُ تَحْتَ يَدَيِ الْمُحْصِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع4: المتاريس: جمع متراس، وهو حائط يبنى حول المدينة المحاصرة لمنع الهاربين منها من الهرب، ويبنيها الأعداء ليهلك كل من بها، ويستتر الأعداء وراء هذه المتاريس.
المجانيق : هي أنابيب طويلة يلقون منها أحجارًا أو شعلات نارية على المدن المحاصرة ليحرقوها.
يكلم الله إرميا، وهو في السجن، عن خراب أورشليم ويحدد البيوت والقصور التي للعظماء والملوك الذين فيها، فتخرب جميعًا إذ حاصرها البابليون، وبنوا حولها المتاريس، وأمسكوا في أياديهم المجانيق ليهدموا بها أورشليم ويحرقوها.
وعندما يقول "هدمت للمتاريس" يقصد هُدمت بسبب المتاريس.
ع5: جيف الناس: جثث البشر النتنة الذين قتلهم البابليون.
ينادى الله شعبه الآتيين ليحاربوا البابلين الذين يهاجمونهم، ويخبرهم أن البابليين سيقتلون كثيرين من اليهود ويلقون جثثهم في الشوارع حتى تصير نتنة ورائحتها كريهة.
وقد سمح الله للبابليين أن يضربوهم، فهم يمثلون عصا الله التي يضرب بها شعبه بغضبه ويستر وجهه الحنون عنهم لأجل كثرة خطاياهم وعصيانهم لله، فهو يؤدبهم بشدة ليتوبوا، وعندما يتوبوا يسامحهم ويباركهم.
ع6: رفادة: شريط من القماش الكتانى يُربط به الجرح، يشبه الشاش الطبى حاليًا.
علاجًا : مراهم وأدوية مختلفة لعلاج الجروح والأمراض.
يُظهر الله مراحمه لشعبه الذي يرجعه من السبي، فيشفى جراحاتهم بوضع أدوية على المكان المصاب، ويربطه ويغطيه بالرفادة، ويقصد بهذا التشبيه أنه يعالج خطاياهم فيحركهم للتوبة، ويطهر حواسهم وأفكارهم فيستعيدوا سلامهم، ويضع الله في قلوبهم محبة الأمانة، أي الحق، فيتمسكوا بوصايا الله، ويراعون إلههم في كل تصرفاتهم، ويُكثر لهم مشاعر الطمأنينة والميل إلى الحق.
† إن الله مستعد أن يعالج كل المشاكل التي عملتها بسقوطك في الخطية إن تبت ورجعت إليه. فلا تنزعج من حالتك السيئة التي وصلت إليها، بل قم سريعًا وقدم توبة وندامة أمام الله لتبدأ حياة جديدة مملوءة بالسلام والفرح والسلوك النقى.
ع7: يعد الله شعبه التائب أن يرجعهم من السبي، ويبنى مدنهم ويشددهم روحيًا ونفسيًا، لأن التأديب كان بسبب الخطية، فإن تابوا يعيد إليهم كل مجدهم.
ع8: بعد أن عالج الله مشاكل الخطية التي نتجت في نفوس أولاده، بدأت البركات حيث ملأهم من السلام والأمان، وبعد ذلك أعاد إليهم بنيانهم ومجدهم، وأضاف بركة رابعة في هذه الآية وهي غفران خطاياهم وتطهيرهم من كل شر، أي نزع الميل للخطية من داخلهم وليس فقط محو خطاياهم ونسيانها، فيتمتعوا بقلب جديد يميل للحياة النقية مع الله.
ع9: البركة الخامسة للراجعين من السبي هي أنهم يكونون شهادة لله بين الأمم بسبب اهتمام الله بهم وإسعادهم بعطاياه، فيكونون نورًا للعالم يدعون للإيمان بالله. لأن الأمم يشعرون بقوة الله في شعبه، فيخافونه ويمجدونه مع شعبه الذي يسبحه ويفرح به.
ع10، 11: البركة السادسة هي تحول الحزن على أورشليم وما حولها المخربة بيد البابليين إلى فرح ببنيانها ومجدها، وكثرة سكانها وممتلكاتهم من البهائم، ويعبرون عن هذا الفرح بأربع طرق:
يغنون بفرح أناشيد النصرة.
يعقدون الزيجات ويفرح العريس والعروس، وهذا يرمز لفرح الشعب كعذراء بالله عريس نفوسهم.
يسبحون الله الرحيم الذي أعاد المجد لأولاده التائبين.
يقدمون ذبائح سلامة شكرًا لله على المذبح النحاسى في الهيكل، وهي ترمز لذبيحة المسيح جسده ودمه على مذبح العهد الجديد.
ع12، 13: البركة السابعة هي كثرة ممتلكاتهم من الأغنام والماشية، فبدلًا من الخراب الشامل للمدن والمراعى، تكثر الحظائر أي مساكن الرعاة وتكثر أغنامهم فيحصيها الراعى واحدة واحدة، وهذا يكون في كل مدن اليهود الراجعين من السبي الذين يذكر أمثلة لها أي مدن الجبل وكذا مدن السهل ومدن الجنوب وأيضًا في مدن بنيامين، وليس سبط يهوذا فقط. وهذا يرمز للمسيح الراعى الصالح الذي يكثر عدد المؤمنين به فيحصيهم ويهتم بهم واحدًا واحدًا.
(3) نبوات عن المسيا المنتظر (ع14-18):
14 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ الْكَلِمَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَكَلَّمْتُ بِهَا إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَإِلَى بَيْتِ يَهُوذَا. 15 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ الْبِرِّ، فَيُجْرِي عَدْلًا وَبِرًّا فِي الأَرْضِ. 16 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا، وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً، وَهذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا. 17 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَنْقَطِعُ لِدَاوُدَ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، 18 وَلاَ يَنْقَطِعُ لِلْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِي يُصْعِدُ مُحْرَقَةً، وَيُحْرِقُ تَقْدِمَةً، وَيُهَيِّيءُ ذَبِيحَةً كُلَّ الأَيَّامِ».
ع14، 15: أيام: المقصود بها أيام الرجوع من السبي أو ميلاد المسيح.
الكلمة الصالحة : وعود الله للآباء.
هذه نبوات عن الرجوع من السبي، وهذا هو المعنى القريب للنبوة إذ يهب الله شعبه بصلاحه أن ينبت لهم غصن بر، أي تبدأ حياة البر فيهم، فيعيشون في نقاوة قلب بعد رجوعهم من السبي في وحدانية وليس مملكتين منفصلتين.
أما المعنى البعيد للنبوة فهي تتكلم عن المسيا المنتظر، والأيام هي ملء الزمان عندما يولد المسيح، ويشبهه بغصن ينبت من الشجرة التي هي الأمة اليهودية ولكنه غصن بر أي بلا خطية وبار وقدوس، ليقود شعبه المؤمنين به في حياة البر. ويحكم بالعدل والاستقامة إذ يرفض الشر ويكافئ أولاده في ملكوت السماوات، أما الأشرار فيلقون في العذاب الأبدي. وبمجئ المسيا المنتظر تتم وعود الله التي قالها للآباء.
ع16: يعطى المسيح للمؤمنين به الخلاص من الخطية وعقابها أي العذاب الأبدي، ويهب أورشليم أي كنيسته السلام والبر، ويثق أولاده أن برهم منه ويفرحوا أن يكون أسمهم مسيحيين نسبة إلى المسيح سبب وأصل برهم، أي يسمونا الرب برنا.
ع17: وهكذا تتحقق وعود الله أن يستمر ملك نسل داود من خلال المسيح الذي يملك، على قلوب المؤمنين به إلى الأبد. والمقصود بإسرائيل ليس فقط شعب اليهود قديمًا بل إسرائيل الجديد أي المؤمنين بالمسيا المنتظر وهم المسيحيون.
ع18: يعد الله أيضًا باستمرار الكهنوت في شعبه، ليس فقط برجوعهم من السبي وتجديد الهيكل، وتقديم المحرقات والذبائح والتقدمات التي يقدمونها ويحرقونها على المذبح النحاسى، ولكن أيضًا يستمر الكهنوت وخدمة اللاويين في العهد الجيد في شكل كهنة وشمامسة، ليس على طقس هارون، بل كهنة الكنيسة الذين يقدمون ذبيحة المسيح جسده ودمه، ويستمر عمل الكهنوت بشكل روحي في ملكوت السماوات في شكل الأربعة وعشرين قسيسًا، وتسبيح المؤمنين الذي لا ينقطع إلى الأبد.
† إن وعود الله صادقة لا يمكن أن يخلفها، فهذا يطمئنك جدًا مهما ازدادت الضيقات حولك، فثق أنه معك يسندك بل يحول كل ضيقاتك إلى بركات ونمو روحي وسلام وفرح لا يعبر عنه.
(4) صدق مواعيد الله (ع19-26):
19 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: 20 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي مَعَ النَّهَارِ، وَعَهْدِي مَعَ اللَّيْلِ حَتَّى لاَ يَكُونَ نَهَارٌ وَلاَ لَيْلٌ فِي وَقْتِهِمَا، 21 فَإِنَّ عَهْدِي أَيْضًا مَعَ دَاوُدَ عَبْدِي يُنْقَضُ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ مَالِكًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَمَعَ اللاَّوِيِّينَ الْكَهَنَةِ خَادِمِيَّ. 22 كَمَا أَنَّ جُنْدَ السَّمَاوَاتِ لاَ يُعَدُّ، وَرَمْلَ الْبَحْرِ لاَ يُحْصَى، هكَذَا أُكَثِّرُ نَسْلَ دَاوُدَ عَبْدِي وَاللاَّوِيِّينَ خَادِمِيَّ». 23 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: 24 «أَمَا تَرَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ هذَا الشَّعْبُ قَائِلًا: إِنَّ الْعَشِيرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اخْتَارَهُمَا الرَّبُّ قَدْ رَفَضَهُمَا. فَقَدِ احْتَقَرُوا شَعْبِي حَتَّى لاَ يَكُونُوا بَعْدُ أُمَّةً أَمَامَهُمْ. 25 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ كُنْتُ لَمْ أَجْعَلْ عَهْدِي مَعَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، فَرَائِضَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، 26 فَإِنِّي أَيْضًا أَرْفُضُ نَسْلَ يَعْقُوبَ وَدَاوُدَ عَبْدِي، فَلاَ آخُذُ مِنْ نَسْلِهِ حُكَّامًا لِنَسْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَهُمْ وَأَرْحَمُهُمْ».
ع19-21: أثار اليهود الأشرار الشكوك في وعود الله برعايته لشعبه عندما رأوا الهجوم البابلي، ونبوات أرميا عن خراب أورشليم، فقالوا إن الله قد نقض عهده مع شعبه، لذا أرسل الله كلمته على فم إرميا يخاطب بها هؤلا الأشرار قائلًا لهم إن تشككتم في دوران الليل والنهار، فحينئذ تشككون في وعدى لشعبى أن يكون نسل داود ملكًا عليهم.
ويقول نقضتم، أي بأقوال تشكيكاتكم تتكلمون على الله، فكما أن نظام الليل والنهار ثابت كذلك عهدى ثابت مع شعبى ومع نسل داود وأيضًا الكهنوت الذي وضعته فيهم.
ع22: يؤكد الله وعوده لشعبه ليس فقط بثبات الملك لنسل داود وكذا الكهنوت بل أيضًا بكثرة الشعب مثل نجوم السماء ورمل البحر، وأيضًا يُكثر اللاويين خدام الله.
ع23، 24: يواصل الله كلامه مع إرميا عن الشعب المتذمر الذي أشاع تشكيكات بإن الله نقض عهده معهم وأنه سيفنى مملكتى إسرائيل ويهوذا ويبعثرهم بين الأمم، فلا يعودوا أمة وشعب أمامه. وهذا بالطبع لن يحدث لأن الله سيعيدهم من السبي بقوة كبيرة، ويعيد لهم أمجادهم بعد أن يتوبوا من خلال تأديبات السبي.
ع25، 26: يؤكد الله ثانية أنه إن تغير نظام الطبيعة، وهو تعاقب الليل والنهار، فحينئذ ينقض الله عهده مع شعبه ويفنيهم، وهذا بالطبع لن يحدث فكما يحفظ الله نظام الليل والنهار إلى نهاية العالم هكذا أيضًا يجعل نسل داود ملوك على شعبه إسرائيل، فالله سيعيد شعبه من السبي، وفى ملء الزمان سيأتى المسيح ويملك على قلوب المؤمنين به، شعبه الجديد.
† كن أمينًا في وعودك مع الله، وإن تهاونت فيها عد ثانية وجدد عهودك بالحياة معه وخدمته مهما كان ضعفك، مستندًا على قوته ومعونته.

تفسيرسفر ارميا الاصحاح الرابع والثلاثون
(1) مصير صدقيا (ع1-7):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ حِينَ كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَكُلُّ مَمَالِكِ أَرَاضِي سُلْطَانِ يَدِهِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، يُحَارِبُونَ أُورُشَلِيمَ وَكُلُّ مُدُنِهَا قَائِلَةً: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَكَلِّمْ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيُحْرِقُهَا بِالنَّارِ. 3 وَأَنْتَ لاَ تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِ، بَلْ تُمْسَكُ إِمْسَاكًا وَتُدْفَعُ لِيَدِهِ، وَتَرَى عَيْنَاكَ عَيْنَيْ مَلِكِ بَابِلَ، وَتُكَلِّمُهُ فَمًا لِفَمٍ وَتَذْهَبُ إِلَى بَابِلَ. 4 وَلكِنِ اسْمَعْ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ مِنْ جِهَتِكَ: لاَ تَمُوتُ بِالسَّيْفِ. 5 بِسَلاَمٍ تَمُوتُ، وَبِإِحْرَاقِ آبَائِكَ الْمُلُوكِ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ، هكَذَا يُحْرِقُونَ لَكَ وَيَنْدُبُونَكَ قَائِلِينَ: آهِ، يَا سَيِّدُ. لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ بِالْكَلِمَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ». 6 فَكَلَّمَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ فِي أُورُشَلِيمَ، 7 إِذْ كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَارِبُ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا الْبَاقِيَةِ: لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. لأَنَّ هَاتَيْنِ بَقِيَتَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا مَدِينَتَيْنِ حَصِينَتَيْنِ.
ع1: يحدد إرميا زمن النبوة وهو الحصار الأخير لأورشليم حيث حاصر نبوخذ ناصر بجيشه المدينة، وكان معه جنود من البلاد التي احتلها، فقد فاز في كل معاركه وبقيت أورشليم التي يحاصرها الآن ليستولى عليها، هي وكل المدن التابعة لها في مملكة يهوذا، وتم ذلك عام 587 ق.م.
ع2: أمر الله إرميا أن يذهب لمقابلة صدقيا ملك يهوذا، ويكرر عليه قرار الله بأن نبوخذناصر سيحتل أورشليم ويحرقها، وهي محاولة أخيرة من الله ليتوب صدقيا وكل شعبه فيرحمهم الله وينجيهم، ولكن رغم احترام الملك لإرميا لم يكن مطيعًا لكلام الله ولم يتب عن خطاياه.
ع3: تضيف هذه النبوة أمرًا ثانيًا، بعد قرار حرق أورشليم، هو القبض على صدقيا الملك بيد جنود نبوخذ ناصر، أما الأمر الثالث فهو وقوف صدقيا أمام نبوخذ ناصر ورؤيته له، والأمر الرابع هو نقل صدقيا إلى بابل التي لم يراها بعيناه لإنهم قد فقأوا عينيه عند القبض عليه.
ع4: نتيجة استماع صدقيا لكلام إرميا وتوقيره له يعطيه الله نعمة فلا يموت بالسيف، بل يظل في بابل حتى يموت موتًا طبيعيًا. هذا هو الأمر الخامس.
† أن الله لا ينسى أي فضيلة تعملها، فإن كان يكافئ الأشرار ببركات مادية في هذا العالم، فبالأحرى يكافئك على كل عمل خير تعمله ببركات ليست فقط أرضية بل بالأولى سماوية.
ع5: إحراق آبائك: كانت العادة قديمًا عند موت أحد ملوك اليهود أنهم يعملون له حريقة (2 أى16: 14) و(2 أى21: 19).
يندبون : يقولون كلمات رثاء.
آه يا سيد : يمجدونك ويعظمونك.
النبوة السادسة هي تكريم صدقيا عند موته بما يلي:
عمل حريقة له كعادة الملوك العظماء.
يندبونه.
يعظمونه عند موته.
ع6: أخبر إرميا صدقيا بهذه النبؤات الستة في أورشليم.
ع7: لخيش عزيقة: مدينتان يهوديتان محصنتان تقعان جنوب أورشليم.
فيما كان نبوخذنصر يحاصر أورشليم حصارها الأخير، كان يحارب أيضًا المدينتين لخيش وعزيقة لأنهما فقط اللتان بقيتا من مدن يهوذا إذ استولى نبوخذنصر على كل مملكة يهوذا وبقى أن يستولى على أورشليم ولخيش وعزيقة.
(2) تحرير العبيد (ع8-11):
8 الْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، بَعْدَ قَطْعِ الْمَلِكِ صِدْقِيَّا عَهْدًا مَعَ كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ لِيُنَادُوا بِالْعِتْقِ، 9 أَنْ يُطْلِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ الْعِبْرَانِيَّ وَالْعِبْرَانِيَّةَ حُرَّيْنِ، حَتَّى لاَ يَسْتَعْبِدَهُمَا، أَيْ أَخَوَيْهِ الْيَهُودِيَّيْنِ، أَحَدٌ. 10 فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْعَهْدِ أَنْ يُطْلِقُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ حُرَّيْنِ وَلاَ يَسْتَعْبِدُوهُمَا بَعْدُ، أَطَاعُوا وَأَطْلَقُوا. 11 وَلكِنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ ذلِكَ فَأَرْجَعُوا الْعَبِيدَ وَالإِمَاءَ الَّذِينَ أَطْلَقُوهُمْ أَحْرَارًا، وَأَخْضَعُوهُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً.
ع8، 9: تهاون اليهود في تنفيذ الناموس بعتق العبيد العبرانيين في السنة السابعة (تث15: 12)، فلما حاصر نبوخذ ناصر أورشليم وأقترب الموت منهم، أمر "صدقيا الملك" اليهود بتحرير أخواتهم العبيد عندهم لعل الله يرفع غضبه عنهم ويحميهم من نبوخذ ناصر.
ع10: جمع صدقيا رؤساء الشعب وحلفوا أمام الله بتنفيذ الناموس بتحرير أخواتهم العبيد، ونفذوا أمر الملك وأطلقوا العبيد. وهذا يظهر طاعتهم للوصية في ساعة الضيقة وإلتجائهم لله.
ع11: أثناء حصار نبوخذ ناصر لأورشليم، تقدم خفرع فرعون مصر بجيوشه نحو جيوش بابل المحاصرة لأورشليم، فخاف نبونصر وتراجع عن أورشليم ليستكمل عدته الحربية، أي ترك أورشليم لفترة ليعود إليهما، فظن اليهود أن الأزمة قد أنتهت، ورأوا حقولهم التي كان يعسكر فيها جنود بابل قد خلت، فشعروا بحاجتهم لعبيدهم ليزرعوها ففى أثناء الحصار كان العبيد لا يعملون ويكلفون سادتهم غذائهم فأستغنوا عنهم ونفذوا الوصية لأنها توفر لهم نفقات إطعام العبيد، أما بعد إخلاء الحقول فمصلحتهم إرجاع عبيدهم فرجعوا عن حلفهم وعهودهم لله وتركوا الوصية، وأرجعوا عبيدهم العبرانيين بالقوة.
† أخضع لوصايا الله، حتى لو كانت ضد مصالحك المادية، فالوصية لخيرك حتى لو لم تكن مقتنعًا بها. وإن قدمت توبة فلا ترجع عنها وإن سقطت ثانية تب وأرجع سريعًا إلى الله.
(3) عقاب المخالفين لعهد الله (ع12-22):
12 فَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: 13 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعَبِيدِ قَائِلًا: 14 فِي نِهَايَةِ سَبْعِ سِنِينَ تُطْلِقُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ الْعِبْرَانِيَّ الَّذِي بِيعَ لَكَ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ، فَتُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ. وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعْ آبَاؤُكُمْ لِي وَلاَ أَمَالُوا أُذُنَهُمْ. 15 وَقَدْ رَجَعْتُمْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ وَفَعَلْتُمْ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، مُنَادِينَ بِالْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ، وَقَطَعْتُمْ عَهْدًا أَمَامِي فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي. 16 ثُمَّ عُدْتُمْ وَدَنَّسْتُمُ اسْمِي وَأَرْجَعْتُمْ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ الَّذِينَ أَطْلَقْتُمُوهُمْ أَحْرَارًا لأَنْفُسِهِمْ، وَأَخْضَعْتُمُوهُمْ لِيَكُونُوا لَكُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً. 17 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتُنَادُوا بِالْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَخِيهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ. هأَنَذَا أُنَادِي لَكُمْ بِالْعِتْقِ، يَقُولُ الرَّبُّ، لِلسَّيْفِ وَالْوَبَإِ وَالْجُوعِ، وَأَجْعَلُكُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. 18 وَأَدْفَعُ النَّاسَ الَّذِينَ تَعَدَّوْا عَهْدِي، الَّذِينَ لَمْ يُقِيمُوا كَلاَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعُوهُ أَمَامِي. الْعِجْلَ الَّذِي قَطَعُوهُ إِلَى اثْنَيْنِ، وَجَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيْهِ. 19 رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ أُورُشَلِيمَ، الْخِصْيَانَ وَالْكَهَنَةَ وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ الَّذِينَ جَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيِ الْعِجْلِ، 20 أَدْفَعُهُمْ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، فَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ. 21 وَأَدْفَعُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ الَّذِينَ صَعِدُوا عَنْكُمْ. 22 هأَنَذَا آمُرُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ فَيُحَارِبُونَهَا وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ، وَأَجْعَلُ مُدُنَ يَهُوذَا خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ».
ع12، 13: يذكرهم الله بتحريره لهم من عبودية مصر، ويسميها بيت العبيد، ويذكرهم أيضًا بالعهد الذي قطعه مع آباؤهم في برية سيناء بعد خروجهم من مصر حين ظهر على الجبل وأعطاهم الوصايا والناموس.
ع14: كان العهد بين الله وشعبه في كلام الناموس الذي يأمر بأنه إذا أضطر عبرانى نتيجة فقره أن يبيع نفسه أو يبيعه أهله عبدًا لأحد أخواته العبرانيين فأنه يعمل عند سيده ستة سنوات ولابد أن يطلقه سيده في السنة السابعة، ولكن للأسف لم يلتزم الآباء بتنفيذ هذا العهد واستعبدوا أخواتهم بالقوة أكثر من ستة سنوات. وقد ذُكرت هذه الشريعة في (خر21: 2؛ تث15: 12).
ع15: يمدح الله شعبه في مملكة يهوذا أيام إرميا بأنهم جددوا العهد مع الله في بيته، أي الهيكل في أورشليم، معلنين رجوعهم لتنفيذ الشريعة وتحرير العبيد العبرانيين في السنة السابعة.
ع16: يعاتبهم الله لأنهم تراجعوا عن عهدهم معه فأعادوا العبيد العبرانيين الذين أطلقوهم لأنهم أكملوا أكثر من ستة سنوات، وهكذا أستعبدوهم مرة أخرى بالقوة وخالفوا بذلك شريعة الله.
ع17: يعلن الله عقابه لشعبه الذين رفضوا طاعة ناموسه ولم يحرروا أخواتهم العبرانيين الذين يعملون عبيدًا عندهم، فيحرر الله السيف ليقتلهم، وكذلك الوبأ ليسقطهم مرضى، والجوع ليفنيهم، بل يصيروا مثالًا للأمة المضطربة المنزعجة بين أمم الأرض لأنهم خالفوا وصايا ألههم فيؤدبهم بشدة. والله يقصد من هذا أن يخافوه ويتوبوا عن خطاياهم.
† عندما تقرأ وصايا الله في الكتاب المقدس التي تأمرك عن الابتعاد عن الشر وتخيفك بالعقاب الإلهي، أرجع إليه سريعًا بالتوبة وأنفض عنك كل لذة شريرة لتخلص نفسك وتكسب أبديتك.
ع18، 19: طريقة قطع العهد التي كانت سائدة وقتذاك هي ذبح الحيوانات مثل العجل وقطعه إلى نصفين ومرور المتعاهدين بين قطعتين الذبيحة، هكذا فعل رؤساء اليهود فمروا بين عجل مذبوح إلى نصفين معلنين عهدهم مع الله بتحرير العبيد العبرانيين ولكنهم عادوا فخالفوا هذا العهد وقد قطع إبراهيم عهدًا مع الله بنفس الطريقة (تك15: 9-10، 17).
جاز الرؤساء وكل الشعب بين قطعتى العجل ثم لما خالفوا عهدهم عاقبهم الله بدفعهم إلى يد بابل التي تقتلهم بالسيف والوبأ والجوع.
ع20: تظهر شناعة العقاب الإلهي لشعب الله المخالفين للعهد في هجوم بابل العنيف عليهم وقتل الكثيرين وإلقاء جثثهم في الشوارع فتأكلها الطيور الجارحة ووحوش الأرض، إذ ليس من يدفن هذه الجثث لكثرتها ولهروب الباقين من الخوف.
ع21، 22: بعدابتعاد بابل عن حصارها لأورشليم، وظن شعب الله أنهم تخلصوا منهم، وخالفوا عهدهم مع الله، فاستعادوا أخوتهم العبرانيين عبيدًا عندهم، يسمح الله فتعود بابل وتحاصر أورشليم وتخربها وتحرقها وتقبض على صدقيا الملك ورؤساء مملكة يهوذا بل تقتل الكثيرين منهم. وتخرب كل مدن مملكة يهوذا لأن الله أمر بعقابهم لعدم طاعتهم لشريعته.
تفسير سفر ارميا الاصحاح الخامس والثلاثون

(1) اختبار الركابيين (ع1-11):
1 الْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ فِي أَيَّامِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلَةً: 2 «اِذْهَبْ إِلَى بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ وَكَلِّمْهُمْ، وَادْخُلْ بِهِمْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى أَحَدِ الْمَخَادِعِ وَاسْقِهِمْ خَمْرًا». 3 فَأَخَذْتُ يَازَنْيَا بْنَ إِرْمِيَا بْنِ حَبْصِينِيَا وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَنِيهِ وَكُلَّ بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ، 4 وَدَخَلْتُ بِهِمْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مِخْدَعِ بَنِي حَانَانَ بْنِ يَجَدْلِيَا رَجُلِ اللهِ، الَّذِي بِجَانِبِ مِخْدَعِ الرُّؤَسَاءِ، الَّذِي فَوْقَ مِخْدَعِ مَعْسِيَّا بْنِ شَلُّومَ حَارِسِ الْبَابِ. 5 وَجَعَلْتُ أَمَامَ بَنِي بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ طَاسَاتٍ مَلآنَةً خَمْرًا وَأَقْدَاحًا، وَقُلْتُ لَهُمُ: «اشْرَبُوا خَمْرًا». 6 فَقَالُوا: «لاَ نَشْرَبُ خَمْرًا، لأَنَّ يُونَادَابَ بْنَ رَكَابَ أَبَانَا أَوْصَانَا قَائِلًا: لاَ تَشْرَبُوا خَمْرًا أَنْتُمْ وَلاَ بَنُوكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 7 وَلاَ تَبْنُوا بَيْتًا، وَلاَ تَزْرَعُوا زَرْعًا، وَلاَ تَغْرِسُوا كَرْمًا، وَلاَ تَكُنْ لَكُمْ، بَلِ اسْكُنُوا فِي الْخِيَامِ كُلَّ أَيَّامِكُمْ، لِكَيْ تَحْيَوْا أَيَّامًا كَثِيرَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ مُتَغَرِّبُونَ فِيهَا. 8 فَسَمِعْنَا لِصَوْتِ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ أَبِينَا فِي كُلِّ مَا أَوْصَانَا بِهِ، أَنْ لاَ نَشْرَبَ خَمْرًا كُلَّ أَيَّامِنَا، نَحْنُ وَنِسَاؤُنَا وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا، 9 وَأَنْ لاَ نَبْنِيَ بُيُوتًا لِسُكْنَانَا، وَأَنْ لاَ يَكُونَ لَنَا كَرْمٌ وَلاَ حَقْلٌ وَلاَ زَرْعٌ. 10 فَسَكَنَّا فِي الْخِيَامِ، وَسَمِعْنَا وَعَمِلْنَا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَانَا بِهِ يُونَادَابُ أَبُونَا. 11 وَلكِنْ كَانَ لَمَّا صَعِدَ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى الأَرْضِ، أَنَّنَا قُلْنَا: هَلُمَّ فَنَدْخُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ جَيْشِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَمِنْ وَجْهِ جَيْشِ الأَرَامِيِّينَ. فَسَكَنَّا فِي أُورُشَلِيمَ».
ع1: في أيام يهوياقيم ملك يهوذا كانت هناك غارات من البابليين على اليهودية مما جعل سكان القرى والعراء يلتجئون إلى أورشليم ليحتموا داخل أسوارها، ومنهم الركابيون الذين سكنوا في خيام في اليهودية قريبًا من أورشليم.
ع2: الركابيين: هم أحد قبائل القينيين ومن يثرون حمو موسى الذين رافقوا اليهود إلى أرض الميعاد وتأثروا بطباع اليهود وسلوكهم.
المخادع : الحجرات الجانبية بهيكل الرب.
أمر الله إرميا أن يأتي بمجموعة من الركابيين الذين سكنوا في خيام داخل أورشليم ويدخلهم إلى أحد مخادع بيت الرب ويقدم لهم خمرًا ليشربوه.
ع3، 4: أخذ إرميا أحد رؤساء الركابيين، الذي يُدعى "يازنيا" وأسرته ومن معه من الركابيين، وأدخلهم إلى مخدع بنى حانان في بيت الرب.
ع5: طاسات: أوعية كبيرة.
أقداح : أكواب.
قدم لهم إرميا خمرًا في آنية كبيرة وأكواب ليملئوا ويشربوا كيفما يريدون.
ع6: يوناداب بن ركاب: هو أب للركابيين، كان أيام إيليا النبي أي منذ حوالي قرنين ونصف من زمن إرميا.
رفض الركابيون أن يشربوا خمرًا لأن جدهم يوناداب أمرهم ألا يشربوا خمرًا إلى الأبد أى لا يشربوا مطلقًا لأن الخمر تمثل لذات العالم.
ع7: أمرهم أيضًا يوناداب أن يسلكوا كغرباء عن العالم وذلك بما يلي:
السكن في خيام.
عدم اقتناء حقول وحدائق يزرعونها كرومًا وزيتونًا.
وذلك بالإضافة لعدم شرب الخمر وهو الدليل الثالث على غربتهم عن العالم.
ع8-10: أعلن الركابيون طاعتهم طوال حياتهم لأبيهم يوناداب في عدم شرب الخمر والسكن في الخيام وعدم أمتلاك أراضي لزراعتها.
ع11: عندما تحركت جيوش البابليين وهاجمت اليهودية التجأ بنو ركاب إلى أورشليم ليحتموا فيها.
† إن كان بنو ركاب قد تغربوا عن العالم طاعة لأبيهم "يوناداب بن ركاب"، فكم بالأحرى نتغرب نحن عن ماديات العالم وشهواته لأجل محبتنا لله. فليتنا نستخدم كل شيء بمقدار ولا نتعلق بمأكل أو ملبس أو قنية.
(2) عدم طاعة شعب الله (ع12-17):
12 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: 13 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَقُلْ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ: أَمَا تَقْبَلُونَ تَأْدِيبًا لِتَسْمَعُوا كَلاَمِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟ 14 قَدْ أُقِيمَ كَلاَمُ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ بَنِيهِ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا خَمْرًا، فَلَمْ يَشْرَبُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ لأَنَّهُمْ سَمِعُوا وَصِيَّةَ أَبِيهِمْ. وَأَنَا قَدْ كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا وَلَمْ تَسْمَعُوا لِي. 15 وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا قَائِلًا: ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ، وَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا، فَتَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ. فَلَمْ تُمِيلُوا أُذُنَكُمْ، وَلاَ سَمِعْتُمْ لِي. 16 لأَنَّ بَنِي يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ قَدْ أَقَامُوا وَصِيَّةَ أَبِيهِمِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا. أَمَّا هذَا الشَّعْبُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِي. 17 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، لأَنِّي كَلَّمْتُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يُجِيبُوا».
ع12، 13: أرسل الله إرميا إلى رجال يهوذا يوبخهم لعدم قبولهم تأديب الله على خطاياهم على يد البابليين.
ع14: عاتب الله شعبه لعدم طاعتهم وصاياه بينما أطاع بنى ركاب أبيهم في عدم شرب الخمر.
ع15: عاتبهم أيضًا على رفضهم كلام الأنبياء الأوائل منذ أيام موسى، والأواخر مثل إرميا في عدم عبادة الأوثان والرجوع عن شهواتهم الرديئة ليستقروا في أرض كنعان، ولم يطيعوا لذا أستحقوا التأديب الإلهي وهو السبي والطرد من أرضهم.

ع16: وتميز بهذا بنى ركاب عن شعب الله بنى إسرائيل أي الأمم عن اليهود.
† إن طاعة وصايا الله تحميك من متاعب كثيرة فلا تستهن بها، وإن خالفتها فأرجع سريعًا لله بالتوبة.
ع17: من أجل عدم طاعة شعب الله له سيعاقبهم بالسبي، ويعلن اسمه رب الجنود أي رب القوة ليخافوه لعلهم يتوبون في آخر وقت.
(3) مكافأة الركابيين (ع18-19):
18 وَقَالَ إِرْمِيَا لِبَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ لِوَصِيَّةِ يُونَادَابَ أَبِيكُمْ، وَحَفِظْتُمْ كُلَّ وَصَايَاهُ وَعَمِلْتُمْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاكُمْ بِهِ، 19 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لاَ يَنْقَطِعُ لِيُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ إِنْسَانٌ يَقِفُ أَمَامِي كُلَّ الأَيَّامِ».
أعلن الله على فم إرميا لبنى ركاب من أجل طاعتهم لأبيهم أنه سيكافئهم بنسل يمتد على مدى الأيام يعيشون في مخافة الله، وقد أثبت العلماء المتجولون وجود قبائل جنوب البحر الميت وشمال جزيرة العرب يعيشون حتى الآن وينتسبون إلى الركابيين.
† ليتك تشعر بالله الواقف أمامك فتخافه في كل كلامك وأعمالك بل وحتى أفكارك فتبتعد عن كل خطية وتحيا في نقاوة وتتمتع برعايته وبركاته.

تفسير سفر ارميا الاصحاح السادس والثلاثون
(1) كتابة الدرج (ع1-7):
1 وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ هذِهِ الْكَلِمَةَ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2 «خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 3 لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ». 4 فَدَعَا إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا، فَكَتَبَ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ فِي دَرْجِ السِّفْرِ. 5 وَأَوْصَى إِرْمِيَا بَارُوخَ قَائِلًا: «أَنَا مَحْبُوسٌ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الرَّبِّ. 6 فَادْخُلْ أَنْتَ وَاقْرَأْ فِي الدَّرْجِ الَّذِي كَتَبْتَ عَنْ فَمِي كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ، وَاقْرَأْهُ أَيْضًا فِي آذَانِ كُلِّ يَهُوذَا الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. 7 لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ الْغَضَبُ وَالْغَيْظُ اللَّذَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا الرَّبُّ عَلَى هذَا الشَّعْبِ».
ع1: يحدد زمن النبوة وهو السنة الرابعة للملك يهوياقيم ملك يهوذا أي عام 605 ق . م وكان هذا الملك شريرًا ويكره إرميا لأنه يعلن صوت الله.
ع2: أمر الله أرميا أن يكتب كل النبوات التي أعطاها الله له، منذ أيام يوشيا الملك أي عام 626 ق . م حتى زمن كتابة النبوات أي 605 ق . م وهي مدة 21 عامًا، وتشمل نبوات على مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا والشعوب الأخرى. ولعل الدافع لهذا اقتراب زمن السبي وتعرض أرميا لإبعاده عن الهيكل أو سجنه بتعطيل وصول كلام الله للناس، فأمره الله بكتابة النبوات لتحفظ ويحملها المسبيون إلى بابل أو الهاربون إلى مصر أو تبقى نسخة منها في أورشليم يقرأونها فيتوبون.
ع3: غرض الله من هذه النبوات أو كتابتها هو تحريك قلوب شعبه ليتوبوا فيرجع عن عقابهم ويخلصهم.
ع4: درج السفر : عبارة عن رقائق من الجلد أو نبات البردي يكتب عليها وتكون ملفوفة عند حفظها وعندما تقرأ تفتح هذه الرقائق المفوفة.
دعا إرميا تلميذه باروخ النبي ليكتب له النبوات التي سيمليها عليه، وكان إرميا يحفظها بقوة روح الله القدوس أو قد يكون دون كل نبوة بعد إعلانه. فكتب كل نبوات إرميا في درج.
ع5: كان إرميا ممنوعًا من الاقتراب من الهيكل، هذا معنى كلمة محبوس وليس معنى أنه كان محبوس في سجن، بدليل أنه كان يمكنه الهرب كما توضح (ع 19). وكان هذا عام 605 ق . م في الوقت الذي انتصرت فيه بابل على مصر في معركة كركميش التي على نهر الفرات ثم بدأت تتقدم نحو فلسطين لتحاصر أورشليم.
ع6: أمر إرميا تلميذه باروخ النبي والمسجل لنبواته أنه بعد كتابة كل نبواته يقرأها على مسامع الشعب المجتمع في بيت الرب الساكنين في أورشليم وأيضًا الآتين من بلاد يهوذا إلى بيت الرب، وقد حدث هذا في الشهر التاسع من عام 604 ق . م أي السنة الخامسة للملك يهوياقيم فهناك مسافة زمنية بين زمن كتابة الدرج وزمن قراءته وهي أكثر من عام. وكان ذلك في يوم الصوم العام.
[2] الصوم العام (ع 8 - 10)
8 فَفَعَلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ، بِقِرَاءَتِهِ فِي السِّفْرِ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 9 وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، أَنَّهُمْ نَادَوْا لِصَوْمٍ أَمَامَ الرَّبِّ، كُلَّ الشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ الشَّعْبِ الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 10 فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي السِّفْرِ كَلاَمَ إِرْمِيَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي مِخْدَعِ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ الْكَاتِبِ، فِي الدَّارِ الْعُلْيَا، فِي مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الْجَدِيدِ، فِي آذَانِ كُلِّ الشَّعْبِ.
ع8: باروخ اسم عبري معناه مبارك، وكان تلميذًا لإرميا وسجل له نبواته، ثم بعد هذا ذهب إلى بابل وكتب سفرًا خاصًا به هو من الأسفار القانونية الثانية أي ضمن الكتاب المقدس ولكن حذفه البروستانت، وينتسب بقرابه إلى إرميا.
استغرقت كتابة النبوات مدة أكثر من عام ثم قرأها باروخ في بيت الرب أمام الشعب.
ع9: في الشهر التاسع من السنة التاسعة لملك يهوياقيم ملك يهوذا وهو الموافق لعام 604 ق . م في شهر ديسمبر أي في الشتاء، نادوا في أورشليم بصوم عام لكل الشعب، وهو ليس من الأصوام الدينية المكتوبة في شريعة موسى، ولكنه صوم من أجل اقتراب جيوش بابل من أورشليم والشعور بالخطر فطلبوا الله لينقذهم ولكن للأسف لم يصاحب هذا الصوم رجوع عن خطاياهم.
ع10: جمريا بن شافان: شافان هو كاتب الملك يوشيا (2 مل 22: 3، 8) وجمريا ابنه هو أيضًا أخو افيقام الذي عامل أرميا برفق (إر 25: 24) ذهب باروخ إلى الهيكل وصعد إلى إحدى غرف الهيكل وهي التي لجمريا بن شافان الذي يتعاطف مع إرميا ووقف وأطل من فوق من إحدى نوافذ الغرفة على الشعب المجتمع في فناء الهيكل وقرأ نبوات أرميا التي سجلها له ويبدو أنها كانت مكتوبة بشكل مختصر فأمكن أن تقرأ كلها في وقت معقول على كل الشعب.
† الصوم فرصة لتقديم محبتك لله بتنازلك عن تعلقاتك المادية ولكن لابد أن يرتبط بتوبتك ليكون صومًا نقيًا يرضى عنه الله فتشعر بتعزيات روحية وبركة في حياتك.
[3] قراءة السفر للرؤساء (ع11-19):
11 فَلَمَّا سَمِعَ مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ مِنَ السِّفْرِ، 12 نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ، إِلَى مِخْدَعِ الْكَاتِبِ، وَإِذَا كُلُّ الرُّؤَسَاءِ جُلُوسٌ هُنَاكَ: أَلِيشَامَاعُ الْكَاتِبُ، وَدَلاَيَا بْنُ شِمْعِيَا، وَأَلْنَاثَانُ بْنُ عَكْبُورَ، وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ، وَصِدْقِيَّا بْنُ حَنَنِيَّا، وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ. 13 فَأَخْبَرَهُمْ مِيخَايَا بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعَهُ عِنْدَمَا قَرَأَ بَارُوخُ السِّفْرَ فِي آذَانِ الشَّعْبِ. 14 فَأَرْسَلَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ إِلَى بَارُوخَ يَهُودِيَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ شَلَمْيَا بْنِ كُوشِي قَائِلِينَ: «الدَّرْجُ الَّذِي قَرَأْتَ فِيهِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، خُذْهُ بِيَدِكَ وَتَعَالَ». فَأَخَذَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا الدَّرْجَ بِيَدِهِ وَأَتَى إِلَيْهِمْ. 15 فَقَالُوا لَهُ: «اجْلِسْ وَاقْرَأْهُ فِي آذَانِنَا». فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي آذَانِهِمْ. 16 فَكَانَ لَمَّا سَمِعُوا كُلَّ الْكَلاَمِ أَنَّهُمْ خَافُوا نَاظِرِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا لِبَارُوخَ: «إِخْبَارًا نُخْبِرُ الْمَلِكَ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ». 17 ثُمَّ سَأَلُوا بَارُوخَ قَائِلِينَ: «أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ عَنْ فَمِهِ؟» 18 فَقَالَ لَهُمْ بَارُوخُ: «بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي السِّفْرِ بِالْحِبْرِ». 19 فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِبَارُوخَ: «اذْهَبْ وَاخْتَبِئْ أَنْتَ وَإِرْمِيَا وَلاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ أَيْنَ أَنْتُمَا».
ع11: كان، بين المجتمعين في فناء الهيكل والذين سمعوا قراءة باروخ للدرج، شاب هو ميخايا بن جمريا أحد رؤساء الشعب، وجده هو شافان الذي كان الكاتب الرسمي للملك يوشيا.
ع12: أسرع ميخايا بعد سماعه نبوات إرميا، بفم باروخ، وذهب إلى القصر الملكي وهناك في أحد الغرف التي تسمى مخدع الكاتب الذي اعتاد أن يجتمع فيه كتبة الملك والرؤساء، وجد عددًا من الرؤساء بينهم أبوه جمريا وقد كان ميخايا يعلم مكان ما كان اجتماعهم من والده جمريا.
ع13: أخبر ميخايا الرؤساء بنبوات إرميا التي سمعها من باروخ ويبدو أنه في خوف من أجل قوة الكلمات، وهذا يظهر أنه كان شابًا روحانيًا يهتم بكلام الله ويتأثر به.
ع14: أرسل الرؤساء مندوبًا عنهم يسمى يهودي إلى باروخ، وطلبوا منه أن يحضر إليهم ومعه الدرج، فأطاع باروخ وذهب إليهم في القصر الملكي.
ع15: طلب الرؤساء من باروخ أن يقرأ السفر لهم، فقرأه أمامهم.
ع16: لما سمع رؤساء الشعب نبوات أرميا وتهديدات الله بمعاقبة شعبه، خافوا جدًا وشعروا بمسئوليتهم أن يبلغوا الملك حتى يحرك الشعب كله في طريق التوبة، ومن هذا نفهم أن مخافة الله كانت في قلوب هؤلاء الرؤساء مع أن الملك على العكس كان شريرًا لا يخاف الله.
ع17: سأل الرؤساء باروخ عن كيفية كتابة وجمع كل هذه النبوات من أيام يوشيا الملك حتى عصر يهوياقيم أي مدة 21 عامًا كما ذكرنا.
ع18: أعلمهم باروخ أن إرميا النبي كان يمليه النبوات وكان هو يكتب في السفر.
ع19: أشار الرؤساء على باروخ أن يهرب هو وإرميا ويختبئا في مكان مجهول لأنهم خافوا عليهما من انتقام الملك والأنبياء الكذبة، وهذا يؤكد محبتهم لأرميا وباروخ ومخافتهم لله.
† إن مخافة الله تجعل الإنسان يهتم بسماع كلامه بل وطاعته له، فيحاول تنفيذ وصاياه ومن حبه لله وينبه غيره ليرجعوا عن خطاياهم. فتشدد وكن مستعدًا كل يوم واضعًا هدفك الوحيد هو الحياة الأبدية ومتذكر أيضًا الدينونة.
(4) الملك يحرق الدرج (ع20-26):
20 ثُمَّ دَخَلُوا إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الدَّارِ، وَأَوْدَعُوا الدَّرْجَ فِي مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ الْكَاتِبِ، وَأَخْبَرُوا فِي أُذُنَيِ الْمَلِكِ بِكُلِّ الْكَلاَمِ. 21 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يَهُودِيَ لِيَأْخُذَ الدَّرْجَ، فَأَخَذَهُ مِنْ مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ الْكَاتِبِ، وَقَرَأَهُ يَهُودِيَ فِي أُذُنَيِ الْمَلِكِ، وَفِي آذَانِ كُلِّ الرُّؤَسَاءِ الْوَاقِفِينَ لَدَى الْمَلِكِ. 22 وَكَانَ الْمَلِكُ جَالِسًا فِي بَيْتِ الشِّتَاءِ فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، وَالْكَانُونُ قُدَّامَهُ مُتَّقِدٌ. 23 وَكَانَ لَمَّا قَرَأَ يَهُودِيُ ثَلاَثَةَ شُطُورٍ أَوْ أَرْبَعَةً أَنَّهُ شَقَّهُ بِمِبْرَاةِ الْكَاتِبِ، وَأَلْقَاهُ إِلَى النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الدَّرْجِ فِي النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ. 24 وَلَمْ يَخَفِ الْمَلِكُ وَلاَ كُلُّ عَبِيدِهِ السَّامِعِينَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَلاَ شَقَّقُوا ثِيَابَهُمْ. 25 وَلكِنَّ أَلْنَاثَانَ وَدَلاَيَا وَجَمَرْيَا تَرَجَّوْا الْمَلِكَ أَنْ لاَ يُحْرِقَ الدَّرْجَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ. 26 بَلْ أَمَرَ الْمَلِكُ يَرْحَمْئِيلَ ابْنَ الْمَلِكِ، وَسَرَايَا بْنَ عَزَرْئِيلَ، وَشَلَمْيَا بْنَ عَبْدِئِيلَ، أَنْ يَقْبِضُوا عَلَى بَارُوخَ الْكَاتِبِ وَإِرْمِيَا النَّبِيِّ، وَلكِنَّ الرَّبَّ خَبَّأَهُمَا.
ع20: أخذ الرؤساء الدرج، الذي كتبه باروخ، ووضعوه في غرفة أليشا مع الكاتب وهو غالبًا كاتب الملك الرسمي، ثم دخلوا إلى الملك وأخبروه بما عمله باروخ في بيت الرب وبوجود الدرج في قصر الملك في غرفة اليشاماع. وكان اليشاماع غالبًا معهم.
ع21: استقبل الملك هذا الخبر غالبًا بفتور، وأرسل أحد معاونيه في القصر وهو يهودي الذي أرسله سابقًا الرؤساء، ليحضر باروخ من الهيكل (ع 15) فأحضره يهودي من غرفة اليشاماع وأتى به إلى الملك وقرأه أمامه وأمام الرؤساء الواقفين معه.
ع22: بيت الشتاء: بيت معد للسكن في الشتاء، يتميز بالدفء وهذا يؤكد أن هذا الأمر كان في ديسمبر عام 604 ق . م كما ذكرنا.
الكانون : موقد كان يستخدم للتدفئة أو الطهي قديمًا وإلى عهد قريب في القرن العشرين، يشعل فيه بعض الأخشاب فتعطي نارًا للتدفئة بين مساحة صغيرة محاطة بالطوب أو الحجارة.
يؤكد هنا زمان قراءة السفر وهو في الشهر التاسع أي الموافق لديسمبر أي في الشتاء وكان الكانون مشتعلًا للتدفئة في غرفة الملك.
مبراه : سكين صغير يستخدمها الكاتب في أعداد القلم الخشبي ليصير ذو سن رفيع ليكتب به عند غمسه في الحبر.
ع24: بدلًا من أن يخاف الملك من غضب الله، تجاسر وأمر بتمزيق الدرج بواسطة مبراه الكاتب، ولم يحتمل سماع كلام الله إلا بضعه سطور منه، وكان الأولى به أن يخشى الله ويمزق ثيابه ويبكي على خطاياه، فيرحمه الله هو وشعبه.
ع25: كان عناد الملك شديدًا فلم يسمع لتوسلات رؤسائه ألا يحرق كلامه الله الموجود في الدرج.
ع26: تمادى الملك يهوياقيم في شره وأمر أحد أقربائه، وهو يرحمئيل ابن الملك أي من أسرته واثنان آخران من معاونيه، أن يقبضوا على أرميا وباروخ ليعاقبهما أو يقتلهما.
† لا تندفع في غضبك فتصنع أمورًا مزعجة وتغضب الله ومن حولك. أطل أناتك واستمع لمشورة من حولك، وأرفع قلبك بالصلاة فتجد خلاصك وتنجو من شرور كثيرة.
[5] النسخة الثانية من الدرج (ع 27 - 32):
27 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا بَعْدَ إِحْرَاقِ الْمَلِكِ الدَّرْجَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي كَتَبَهُ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا قَائِلَةً: 28 «عُدْ فَخُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجًا آخَرَ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي الدَّرْجِ الأَوَّلِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا، 29 وَقُلْ لِيَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ قَدْ أَحْرَقْتَ ذلِكَ الدَّرْجَ قَائِلًا: لِمَاذَا كَتَبْتَ فِيهِ قَائِلًا: مَجِيئًا يَجِيءُ مَلِكُ بَابِلَ وَيُهْلِكُ هذِهِ الأَرْضَ، وَيُلاَشِي مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ؟ 30 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلًا. 31 وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَعَلَى رِجَالِ يَهُوذَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي كَلَّمْتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا». 32 فَأَخَذَ إِرْمِيَا دَرْجًا آخَرَ وَدَفَعَهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا الْكَاتِبِ، فَكَتَبَ فِيهِ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا بِالنَّارِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَلاَمٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ.
ع27-28: بعد أن أحرق يهوياقيم الملك الدرج بفترة قد تكون بضعة شهور، أمر الله إرميا أن يعد درجًا جديدًا ويكتب فيه كل النبوات السابق كتابتها في الدرج الأول. وهذا يظهر ميل الله وأولاده للعمل الإيجابي وهو تسجيل كلام الله وليس التفكير في شر الأشرار أي شر يهوياقيم ومن معه.
ع29: أرسل الله ليهوياقيم الملك رسالة على لسان إرميا، سواء كتبها في الدرج أو أرسلها مع أي شخص، يعاتب فيها الله يهوياقيم لأنه رفض أن يستمع لعقاب الله بمجئ ملك بابل إلى أورشليم واستيلائه عليها وتدميرها وإهلاك البشر والحيوانات وأظهر عناده لله في حرقه الدرج.
ع30: أرسل الله تهديدًا ليهوياقيم بعقابه نتيجة خطاياه يشمل أمرين:
1- لن يملك أحد أبنائه على مملكة يهوذا، كما هي العادة مع آبائه، بل سيملك ابنه يهوياكين لشهور قليلة ثم عمه صدقيا.
2- سيُقتل يهوياقيم بيد البابليين وتطرح جثته على الأرض ولا يدفنه أحد بأكرام مثل باقي الملوك إعلانًا لغضب الله عليه.
ع31: ويؤكد الله كلام الدرج أنه سيعاقب أورشليم وسكانها ونسل الملك يهوياقيم لأجل شرورهم الكثرة
ع32: أطاع إرميا وأحضر درجًا وأملي على باروخ النبوات السابق كتابتها في الدرج الأول وزاد بعض التفاصيل من النبوات ومنها كلام الله عن عقابه ليهوياقيم المذكور في (ع 30، 31). وبهذا حفظ الله كلامه مهما حاول الأشرار إزالته، فمن يقف أمام الله أو يحاول إزالة كلامه، الله بالطبع يستهزئ به.
† أطع كلام الله حتى لو كان صعبًا وابتعد عن الخطية مهما كانت محببة ولا تحاول تفسير كلام الله بحسب رغباتك فحينئذ يرحمك الله.

تفسير سفر ارميا الاصحاح السابع والثلاثون

(1) التجاء صدقيا إلى إرميا (ع1-4):
1 وَمَلَكَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا بْنُ يُوشِيَّا مَكَانَ كُنْيَاهُو بْنِ يَهُويَاقِيمَ، الَّذِي مَلَّكَهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ فِي أَرْضِ يَهُوذَا. 2 وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ وَلاَ عَبِيدُهُ وَلاَ شَعْبُ الأَرْضِ لِكَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ. 3 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا يَهُوخَلَ بْنَ شَلَمْيَا، وَصَفَنْيَا بْنَ مَعْسِيَّا الْكَاهِنَ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ قَائِلًا: «صَلِّ لأَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا». 4 وَكَانَ إِرْمِيَا يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي وَسْطِ الشَّعْبِ، إِذْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ جَعَلُوهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ.
ع1: بعد موت يوشيا مقتولًا في معركة مجدو وملك ابنه "يهوآحاز" لمدة ثلاثة شهور ثم سباه ملك مصر، ثم ملك أخوه "يهوياقيم" بدلًا منه. وبعد قتل "يهوياقيم" بن يوشيا بيد ملك بابل، ملك ابنه "يهوياكين" والذي يسمى أيضًا "يكنيا" أو "كنياهو" وملك مدة قليلة هي ثلاثة أشهر ثم سباه "نبوخذ نصر" إلى بابل ومَلَك عوضًا عنه عمه "صدقيا" أخو "يهوياقيم" وابن "يوشيا" الملك الصالح. وفي عهد "صدقيا" تم تخريب أورشليم، وحرق الهيكل، وبدء السبي البابلي فصدقيا هو آخر ملوك مملكة يهوذا.
يُلاحظ أن من (إر 37 - 44) يحكى لنا إرميا أحداث تاريخه كثيرة.
ع2: يوضح هنا ابتعاد صدقيا، مثل يهوياقيم أخوه، عن طريق الله ورفضهما طاعة إرميا نبى الله، وإن كان صدقيا يسأل أحيانًا عن كلام الله ولكنه لا يطيعه فشخصيته أضعف من أخوه يهوياقيم، ولكن الأثنان بعيدان عن الله، ولم يقم ملك صالح بعد يوشيا على مملكة يهوذا.
ع3: كان صدقيا في حيرة هل يتحالف مع ملك مصر أم يخضع لملك بابل، فأرسل إثنين من معاونيه إلى إرميا ليصلي من أجله ويرشده
ع4:كان إرميا في هذا الوقت يتمتع بحرية حركة بين الشعب، ويكلمهم بكلام الله أي لم يكن قد أُلقي في السجن بعد.
† إذا كان لك منصب أو رئاسه أو سطان فلا تنسى أن الله هو الذي أعطاك كل هذا، فأطلبه وأطع وصاياه فتحيا في طمأنينة وتقود من معك في الطريق المستقيم.
[2] حصار أورشليم (5 - 10):
5 وَخَرَجَ جَيْشُ فِرْعَوْنَ مِنْ مِصْرَ. فَلَمَّا سَمِعَ الْكَلْدَانِيُّونَ الْمُحَاصِرُونَ أُورُشَلِيمَ بِخَبَرِهِمْ، صَعِدُوا عَنْ أُورُشَلِيمَ. 6 فَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ قَائِلَةً: 7 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا تَقُولُونَ لِمَلِكِ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ لِتَسْتَشِيرُونِي: هَا إِنَّ جَيْشَ فِرْعَوْنَ الْخَارِجَ إِلَيْكُمْ لِمُسَاعَدَتِكُمْ، يَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، إِلَى مِصْرَ. 8 وَيَرْجِعُ الْكَلْدَانِيُّونَ وَيُحَارِبُونَ هذِهِ الْمَدِينَةَ وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. 9 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَخْدَعُوا أَنْفُسَكُمْ قَائِلِينَ: إِنَّ الْكَلْدَانِيِّينَ سَيَذْهَبُونَ عَنَّا، لأَنَّهُمْ لاَ يَذْهَبُونَ. 10 لأَنَّكُمْ وَإِنْ ضَرَبْتُمْ كُلَّ جَيْشِ الْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَكُمْ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ رِجَالٌ قَدْ طُعِنُوا، فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي خَيْمَتِهِ وَيُحْرِقُونَ هذِهِ الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ».
ع5: كان جيش بابل يحاصر أورشليم عام 588 ق . م، فخاف "خفرع" ملك مصر ابن نخو من مهاجمة بابل لمصر، فتحرك بجيوشه ليس حبًا في اليهود ولكن دفاعًا عن بلده فخرج يهاجم جيش بابل المحاصر لأورشليم، فخاف نبوخذ ناصر من محاربة جيشين هما جيش مصر وجيش أورشليم، وفضل محاربة كل منهما على حدة فيسهل عليه الانتصار عليه، ولذا تراجع حينذاك عن محاربة أورشليم. مما جعل صدقيا الملك يحتار أيهما أقوى ليتحالف معه ويخضع له هل ملك مصر أم ملك بابل؟
ع6، 7: أرسل الله لإرميا نبوة ترد على سؤال الملك صدقيا، فقال لمندوبيه أن جيش مصر سيتراجع ويبتعد عن أورشليم ويعود إلى مصر.
ع8: ثم أضاف إرميا في نبوته إن جيش بابل ترك أورشليم مؤقتًا وسيعود لمحاصرتها ويستولي عليها ويدمرها ويحرقها بالنار.
ع9: حذر إرميا صدقيا ومن معه حتى لا يخدعوا أنفسهم ويظنوا أن بابل لن تعود، إذ كان صدقيا يتمنى ذلك ويود التحالف مع مصر، ولكن إرميا أكد لهم أن نبوخذ ناصر سيعود ويستولي على المدينة.
† لا يستطيع أحد ن يخدعك إن لم تخدع نفسك وتقبل أفكار إبليس الشريرة، فأخضع لوصايا الله وتب عن خطاياك فيعطيك الروح القدس تمييزًا وإرشادًا.
ع10: وأضاف إرميا أيضًا إنهم إن تغلبتم على بابل ولم يبقى من جيشهم إلا عدد قليل جرحى قد طُعنوا بالحراب وأصابتهم السهام، فأنهم يقومون ويستطيعون الاستيلاء على أورشليم وتدميرها أي أن الكلدانيين أو البابليين لابد أن يدمروا أورشليم.
[3] إرميا في الجب (ع 11 - 16):
11 وَكَانَ لَمَّا أُصْعِدَ جَيْشُ الْكَلْدَانِيِّينَ عَنْ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ، 12 أَنَّ إِرْمِيَا خَرَجَ مِنْ أُورُشَلِيمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ لِيَنْسَابَ مِنْ هُنَاكَ فِي وَسْطِ الشَّعْبِ. 13 وَفِيمَا هُوَ فِي بَابِ بَنْيَامِينَ، إِذَا هُنَاكَ نَاظِرُ الْحُرَّاسِ، اسْمُهُ يَرْئِيَّا بْنُ شَلَمْيَا بْنُ حَنَنِيَّا، فَقَبَضَ عَلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ قَائِلًا: «إِنَّكَ تَقَعُ لِلْكَلْدَانِيِّينَ». 14 فَقَالَ إِرْمِيَا: «كَذِبٌ! لاَ أَقَعُ لِلْكَلْدَانِيِّينَ». وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُ، فَقَبَضَ يَرْئِيَّا عَلَى إِرْمِيَا وَأَتَى بِهِ إِلَى الرُّؤَسَاءِ. 15 فَغَضِبَ الرُّؤَسَاءُ عَلَى إِرْمِيَا، وَضَرَبُوهُ وَجَعَلُوهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، فِي بَيْتِ يُونَاثَانَ الْكَاتِبِ، لأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ بَيْتَ السِّجْنِ. 16 فَلَمَّا دَخَلَ إِرْمِيَا إِلَى بَيْتِ الْجُبِّ، وَإِلَى الْمُقَبَّبَاتِ، أَقَامَ إِرْمِيَا هُنَاكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً.
ع11، 12: بعد خوف جيوش بابل من جيش مصر وفكها الحصار عن أورشليم ورجوعها إلى بابل، شعر يهود أورشليم بالراحة وخرجوا لينظروا حقولهم المحيطة بأورشليم، ويهتموا بتجارتهم وشؤنهم، فخرج معهم إرميا النبي لينظر حقله الذي اشتراه في عناثوث التي تقع شمال أورشليم وهي مدينته التي وُلٍد فيها، وكان قد اشترى هذا الحقل عندما كان مسجونًا ولم يراه. خرج وسط الزحام وهو يعتقد أن أحدًا لن يهتم به بين الخارجين الكثيرين من أورشليم.
ع13: باب بنيامين : أحد أبواب أورشليم ويقع في شمالها ويؤدي إلى الأرض التي يسكنها سبط بنيامين.
ناظر الحراس: رئيس الحراس الذين يحرسون مدينة أورشليم.
تقع للكدانيين: تخرج لمقابلة الكلدانيين الذين أنت متحالف معهم.
فيما كان إرميا خارج من أورشليم، رآه يرئيا ناظر الحراس فقبض عليه متهمًا إياه بخيانة بلده والخروج لمقابله الأعداء البابلين. وقد ظن يرئيا ذلك لأن نبوات إرميا كانت تنادي بالخضوع لبابل.
ع14: حاول إرميا الدفاع عن نفسه وتكذيب الاتهام الموجه إليه، ولكن يرئيا لم يقبل دفاعه وقبض عليه وأحضره إلى رؤساء الشعب.
ع15: يظهر هنا أن الرؤساء، أيام صدقيا الملك، كانوا أشرارًا رافضين لكلام الله ويختلفون عن الرؤساء الأتقياء الذين كانوا في أيام يهوياقيم المذكورين في الإصحاح السابق. وأمر الرؤساء بإلقاء إرميا في السجن الذي كان موجودًا في بيت الكاتب الرسمي للملك، والذي يُدعى يوناثان، وذلك بعد أن ضربوا إرميا.
ع16: الجب : حفرة أو حجرة سفلية في باطن الأرض.
المقببات : كان الجب له قبب فوق الأرض.
وضعوا إرميا وتركوه زمانًا طويلًا في سجن بيت يوناثان الذي هو الجب ذو القبب.
† لا تنزعج من الاتهامات الباطلة التي يوجهها العالم إليك ولا أيضًا من إساءاته، مهما كانت شديدة، لأن الله معك حتى لو كنت وحدك فالله يساندك ويظهر حقك في النهاية ويكافئك عن كل أتعابك.
[4] إطلاق إرميا وطلب الرحمة (ع 17 - 21):
17 ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا وَأَخَذَهُ، وَسَأَلَهُ الْمَلِكُ فِي بَيْتِهِ سِرًّا وَقَالَ: «هَلْ تُوجَدُ كَلِمَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ؟» فَقَالَ إِرْمِيَا: «تُوجَدُ». فَقَالَ: «إِنَّكَ تُدْفَعُ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ». 18 ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِلْمَلِكِ صِدْقِيَّا: «مَا هِيَ خَطِيَّتِي إِلَيْكَ وَإِلَى عَبِيدِكَ وَإِلَى هذَا الشَّعْبِ، حَتَّى جَعَلْتُمُونِي فِي بَيْتِ السِّجْنِ؟ 19 فَأَيْنَ أَنْبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا لَكُمْ قَائِلِينَ: لاَ يَأْتِي مَلِكُ بَابِلَ عَلَيْكُمْ، وَلاَ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ؟ 20 فَالآنَ اسْمَعْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. لِيَقَعْ تَضَرُّعِي أَمَامَكَ، وَلاَ تَرُدَّنِي إِلَى بَيْتِ يُونَاثَانَ الْكَاتِبِ، فَلاَ أَمُوتَ هُنَاكَ». 21 فَأَمَرَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا أَنْ يَضَعُوا إِرْمِيَا فِي دَارِ السِّجْنِ، وَأَنْ يُعْطَى رَغِيفَ خُبْزٍ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ سُوقِ الْخَبَّازِينَ، حَتَّى يَنْفُدَ كُلُّ الْخُبْزِ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ السِّجْنِ.
ع17: ظن الملك صدقيا أن السجن قد يؤثر على إرميا ويغير رأيه متناسيًا أن الله هو المتكلم وليس إرميا، ولأن رغبة صدقيا كانت مسيطرة على قلبه تمنياته ألا يعود الكلدانيين، لذا أرسل سرًا وأحضر إرميا إلى قصره وطلب أن يسمع كلمة الله، فلم يخف إرميا بطش الملك واستهان بالآلام وأعلن صوت الله قويًا واضحًا وهو أن الكلدانيين سيستولون على أورشليم ويدمرونها.
† لا تخف من إعلان الحق مهما كانت ظروفك صعبة أو ضعفك ظاهر لأن الله معك يسندك ويحميك أعطه فرصة أن يتكلم على فمك اطلبه فيرشدك ويقويك.
ع18: عاتب إرميا الملك صدقيا لأنهم ألقوه في السجن الصعب، الذي هو الجب، وسأل الملك ما هي الخطية التي بسببها أُلقي في الجب لأنه لم يحاكم قبل إلقاءه في الجب.
ع19: وعاتب الملك مُظهرًا كذب الأنبياء الكذبة المحيطين بالملك الذين قالوا أن ملك بابل لن يهاجم أورشليم وقد حدث عكس هذا لأن أورشليم كانت محاصرة وستحاصر مرة أخرى ويستولون عليها. فهذا الحصار يثبت صدق نبوات إرميا.
ع20: يبدو أن سجن يوناثان أي الجب كان قاسيًا جدًا لا يمكن الاستمرار في احتماله فغالبًا كان رطبًا جدًا ومظلمًا فطلب إرميا من صدقيا الملك وترجاه ألا يعيده إلى هذا السجن خاصة أنه برئ.
ع21: حتى ينفذ كل الخبز من المدينة: مهما اشتدت المجاعة في أورشليم
سوق الخبازين: منطقة أو شارع فيه تجمع للأفران والخبازين في مدينة أورشليم كما هو الحال في مدن كثيرة من العالم حيث توجد شوارع وأسواق لبعض الحرف والمنتجات.
تأثر الملك صدقيا بكلام إرميا وشعر ببراءته وتعاطف معه، ولكنه كان ضعيفًا في شخصيته فلم يستطع الأمر بالإفراج عنه حتى لا يقوم عليه رؤساء الشعب المقاومين لإرميا، واكتفى بنقله إلى سجن أفضل وهو الذي في قصر الملك، وأمر أن يُعطى طعامًا كل يوم مهما ساد الجوع في أورشليم لأنه كان متوقعًا بسبب الحصار البابلي المقبل عليهم.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثامن والثلاثون
(1) القبض على إرميا (ع1-6):
1 وَسَمِعَ شَفَطْيَا بْنُ مَتَّانَ، وَجَدَلْيَا بْنُ فَشْحُورَ، وَيُوخَلُ بْنُ شَلَمْيَا، وَفَشْحُورُ بْنُ مَلْكِيَّا، الْكَلاَمَ الَّذِي كَانَ إِرْمِيَا يُكَلِّمُ بِهِ كُلَّ الشَّعْبِ قَائِلًا: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: الَّذِي يُقِيمُ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ. أَمَّا الَّذِي يَخْرُجُ إِلَى الْكَلْدَانِيِّينَ فَإِنَّهُ يَحْيَا وَتَكُونُ لَهُ نَفْسُهُ غَنِيمَةً فَيَحْيَا. 3 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هذِهِ الْمَدِينَةُ سَتُدْفَعُ دَفْعًا لِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَأْخُذُهَا». 4 فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِلْمَلِكِ: «لِيُقْتَلْ هذَا الرَّجُلُ، لأَنَّهُ بِذلِكَ يُضْعِفُ أَيَادِيَ رِجَالِ الْحَرْبِ الْبَاقِينَ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأَيَادِيَ كُلِّ الشَّعْبِ، إِذْ يُكَلِّمُهُمْ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ. لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ لاَ يَطْلُبُ السَّلاَمَ لِهذَا الشَّعْبِ بَلِ الشَّرَّ». 5 فَقَالَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا: «هَا هُوَ بِيَدِكُمْ، لأَنَّ الْمَلِكَ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْكُمْ فِي شَيْءٍ». 6 فَأَخَذُوا إِرْمِيَا وَأَلْقُوْهُ فِي جُبِّ مَلْكِيَّا ابْنِ الْمَلِكِ، الَّذِي فِي دَارِ السِّجْنِ، وَدَلُّوا إِرْمِيَا بِحِبَال. وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجُبِّ مَاءٌ بَلْ وَحْلٌ، فَغَاصَ إِرْمِيَا فِي الْوَحْلِ.
ع1: يذكر هنا أسماء أربعة من رؤساء الملك ذُكر اثنان منهما قبلًا احدهما في (إر 37: 3) والثاني في (إر 21: 1)، ونلاحظ تشابه كبير بين أحداث الأصحاحين 37، 38 مما يعلن أن الأصحاحين لأحداث واحدة ولكن ذكر كل أصحاح تفاصيل توضح ما تم مع إرميا. وإفراد إصحاحين لنفس الحدث يوضح أهميته فهو يظهر ما يلي:
جحود الرؤساء والشعب ومقاومتهم لله ممثلًا في إرميا.
إحتمال إرميا خادم الله أتعابًا كثيرة لأجل خدمته.
ثبات إيمان إرميا حتى الموت.
قسوة الرؤساء التي وصلت إلى محاولة قتل إرميا.
ضعف شخصية الملك صدقيا أمام الرؤساء.
شر صدقيا وميله للتخلص من إرميا ولكن بيد غيره.
ع2: يخرج إلى الكلدانيين : يسلم نفسه للكلدانيين.
دعاهم إرميا إلى تسليم أنفسهم للكلدانيين، ولكن إن بقوا في أورشليم سيموتون بأحد هذه الوسائل:
القتل بالسيف بيد الكلدانيين.
الموت بالجوع لنفاذ الطعام.
الموت بالمرض لأن الأوبئة قد انتشرت بين الشعب وساعد على ذلك الجثث الملقاه في الشوارع.
ع3: أعلن إرميا أن أورشليم ستسقط بيد الكلدانيين وسيستولون عليها.
ع4: عندما علم رؤساء الملك بنبوة إرميا، قرروا أنه خائن وعميل للكلدانيين وأن كلامه هذا يشكك المحاربين اليهود في النصرة على الكلدانيين فيضعفون أمامهم، وبهذا تسقط أورشليم في يد الكلدانيين ولأنه ضد اليهود قرروا قتله.
ع5: يظهر هنا ضعف صدقيا في استسلامه لقرار الرؤساء وترك إرميا في يدهم ليعملوا فيه ما يشاءوا وهذا يُظهر أمرين:
ضعف صدقيا.
قد يكون قلبه شرير ويريد التخلص من إرميا ونبواته ولكن بيد آخرين هم الرؤساء.
ع6: نفذ الرؤساء حكم الموت على إرميا بأن ألقوه في جب ملكيا ابن الملك وهو غالبًا المذكور عنه في (إر 37) أنه في بيت يوناثان أي بجواره وهذا الجب لم يكن فيه ماء بل طين بارتفاع كبير لم يذكر مقداره وهناك استحالة للحياة في هذا الجب لأنه إذا نام فسيختنق بالطين ويموت.
† كن قويًا وأعلن صوت الله مهما هددك الناس وثق أنه يحميك حتى لو اقتربت إلى الموت بل يخيف أعداءك ويمجدك ويكافئك على ثباتك.
[2] إنقاذ إرميا من الجب (ع 7 - 13)
7 فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدَ مَلِكُ الْكُوشِيُّ، رَجُلٌ خَصِيٌّ، وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ، أَنَّهُمْ جَعَلُوا إِرْمِيَا فِي الْجُبِّ، وَالْمَلِكُ جَالِسٌ فِي بَابِ بَنْيَامِينَ، 8 خَرَجَ عَبْدَ مَلِكُ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ وَكَلَّمَ الْمَلِكَ قَائِلًا: 9 «يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، قَدْ أَسَاءَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَا فَعَلُوا بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ، الَّذِي طَرَحُوهُ فِي الْجُبِّ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ فِي مَكَانِهِ بِسَبَبِ الْجُوعِ، لأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدُ خُبْزٌ فِي الْمَدِينَةِ». 10 فَأَمَرَ الْمَلِكُ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيَّ قَائِلًا: «خُذْ مَعَكَ مِنْ هُنَا ثَلاَثِينَ رَجُلًا، وَأَطْلِعْ إِرْمِيَا مِنَ الْجُبِّ قَبْلَمَا يَمُوتُ». 11 فَأَخَذَ عَبْدَ مَلِكُ الرِّجَالَ مَعَهُ، وَدَخَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ، إِلَى أَسْفَلِ الْمَخْزَنِ، وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ ثِيَابًا رِثَّةً وَمَلاَبِسَ بَالِيَةً وَدَلاَّهَا إِلَى إِرْمِيَا إِلَى الْجُبِّ بِحِبَال. 12 وَقَالَ عَبْدَ مَلِكُ الْكُوشِيُّ لإِرْمِيَا: «ضَعِ الثِّيَابَ الرِّثَّةِ وَالْمَلاَبِسَ الْبَالِيَةَ تَحْتَ إِبْطَيْكَ تَحْتَ الْحِبَالِ». فَفَعَلَ إِرْمِيَا كَذلِكَ. 13 فَجَذَبُوا إِرْمِيَا بِالْحِبَالِ وَأَطْلَعُوهُ مِنَ الْجُبِّ. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ السِّجْنِ.
ع7، 8: عبد ملك الكوشي : أحد عبيد ملك يهوذا المقربين إليه وأصله من كوش أي الحبشة.
رجل خصي وهو في بيت الملك: غالبًا كان في بيت النساء إذ كانوا يستخدمون الخصيان لخدمة نساء الملك.
سمع أحد عبيد الملك ويمسى عبد ملك الكوشي، وهو غالبًا مخصص لخدمة بيت نساء الملك، أن الرؤساء الأشرار قد وضعوا إرميا في الجب المملوء بالطين، فأشفق عليه ولعل نساء الملك أخبروه بهذا وأشفقن هن أيضًا على أرميا فحاول إنقاذ إرميا، من الموت جوعًا في الجب الرطب المملوء طينًا، فبحث عن الملك ليكلمه فوجده جالسًا بالقرب من أحد أبواب أورشليم الشمالية الذي يسمى باب بنيامين. وهذا يظهر أن عبد الملك رقيق المشاعر وكذلك يؤمن بكلام الله على فم إرميا. فذهب إلى الملك ليكلمه بخصوص إنقاذ إرميا.
ع9: تظهر هنا أيضًا شجاعة عبد ملك، إذ لم يخف من رؤساء الملك الذين وضعوا إرميا في الجب، وأعلن للملك إن إرميا حتمًا سيموت لأن ليس له طعام بالإضافة إلى صعوبة الحياة في الجب من أجل الرطوبة والطين، وأضاف أمرًا لعله أزعج الملك وهو كما توضح الترجمة السبعينية لهذه الآية أن موت إرميا بالجوع سيأتي بالجوع والشر أيضًا على أورشليم كلها ولعل عبد ملك اعتمد في استنتاجه هذا على أن الإساءة إلى رجل الله تأتي بغضب الله على أورشليم.
ع10: تأثر الملك صدقيا بكلام عبد ملك، إما إشفاقًا على إرميا ولكن غالبًا خوفًا من الشر الذي يأتي على أورشليم بسبب موت إرميا، فسمح لعبد ملك بإخراج إرميا من الجب بل أمر أن يأخذ معه ثلاثين رجلًا لإصعاد إرميا ويقصد بهذا ألا يتعرض لمقاومة من الرؤساء الأشرار، أي تكون معه قوة حتى يخاف هؤلاء الرؤساء.
إرميا هنا يرمز للمسيح الذي قتله اليهود أي أنزلوا إرميا إلى الجب ليموت رافضين تعاليمه ولكن الأمم، الذين يرمز إليهم عبد ملك الحبشي، آمنوا بقيامة المسيح الذي يرمز إليه إصعاد إرميا عن الجب.
ع11-13: يظهر هنا حنان عبد ملك ورقة مشاعره فلم يدلي حبال لأرميا ويصعده بها لئلا يتجرح جسمه، بل أخذ ثيابًا بالية أي قديمة ودلاها لإرميا حتى يضعها تحت إبطيه فتحميه من أي جروح تسببها الحبال، وعمل إرميا كما قال له عبد ملك، فأصعدوه من الجب ونقله إلى سجن عادي فوق الأرض في بيت الملك فأنقذه من الموت.
† ليتك تشعر بمعاناة من حولك وتحاول مساعدتهم، تعاطف معهم وشجعهم وحاول ربطهم بالمسيح والكنيسة، وأنقذهم من شدائدهم بكل طاقتك فيفرح الله بمحبتك
[3] لقاء إرميا بصدقيا (ع 14 - 23):
14 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا وَأَخَذَ إِرْمِيَا النَّبِيَّ إِلَيْهِ، إِلَى الْمَدْخَلِ الثَّالِثِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ، وَقَالَ الْمَلِكُ لإِرْمِيَا: «أَنَا أَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ. لاَ تُخْفِ عَنِّي شَيْئًا». 15 فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «إِذَا أَخْبَرْتُكَ أَفَمَا تَقْتُلُنِي قَتْلًا؟ وَإِذَا أَشَرْتُ عَلَيْكَ فَلاَ تَسْمَعُ لِي!» 16 فَحَلَفَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا لإِرْمِيَا سِرًّا قَائِلًا: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي صَنَعَ لَنَا هذِهِ النَّفْسَ، إِنِّي لاَ أَقْتُلُكَ وَلاَ أَدْفَعُكَ لِيَدِ هؤُلاَءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ». 17 فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنْ كُنْتَ تَخْرُجُ خُرُوجًا إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، تَحْيَا نَفْسُكَ وَلاَ تُحْرَقُ هذِهِ الْمَدِينَةُ بِالنَّارِ، بَلْ تَحْيَا أَنْتَ وَبَيْتُكَ. 18 وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ لاَ تَخْرُجُ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ فَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ، وَأَنْتَ لاَ تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِمْ». 19 فَقَالَ صِدْقِيَّا الْمَلِكُ لإِرْمِيَا: «إِنِّي أَخَافُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ قَدْ سَقَطُوا لِلْكَلْدَانِيِّينَ لِئَلاَّ يَدْفَعُونِي لِيَدِهِمْ فَيَزْدَرُوا بِي». 20 فَقَالَ إِرْمِيَا: «لاَ يَدْفَعُونَكَ. اسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ فِي مَا أُكَلِّمُكَ أَنَا بِهِ، فَيُحْسَنَ إِلَيْكَ وَتَحْيَا نَفْسُكَ. 21 وَإِنْ كُنْتَ تَأْبَى الْخُرُوجَ، فَهذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرَانِي الرَّبُّ إِيَّاهَا: 22 هَا كُلُّ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي بَقِينَ فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا، يُخْرَجْنَ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَهُنَّ يَقُلْنَ: قَدْ خَدَعَكَ وَقَدِرَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ. غَاصَتْ فِي الْحَمْأَةِ رِجْلاَكَ وَارْتَدَّتَا إِلَى الْوَرَاءِ. 23 وَيُخْرِجُونَ كُلَّ نِسَائِكَ وَبَنِيكَ إِلَى الْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَنْتَ لاَ تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِمْ، لأَنَّكَ أَنْتَ تُمْسَكُ بِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، وَهذِهِ الْمَدِينَةُ تُحْرَقُ بِالنَّارِ».
ع14: المدخل الثالث : لعله مدخل خاص بالملك إلى بيت الرب.
خاف الملك صدقيا وشعر بقرب النهاية، التي فهمها من كلام إرميا السابق، ولم يعد متأكدًا من كلام أنبيائه الكذبة فأرسل يستدعي إرميا من السجن ليسمع منه كلمة الله.
ع15: كان إرميا شجاعًا في إخبار الملك بصوت الله، ولكنه وبخ الملك قبل أن يخبره بما سيحدث، فقال له إذا قلت لك صوت الله وكان ضدك فقد تقتلني أو تترك الرؤساء يقتلونني، لأن صدقيا ضعيف الشخصية وقد يستهين بكلام الله ولا يطيعه لضعف إيمانه.
ع16: وعد الملك إرميا ألا يتركه في يد الرؤساء ليقتلوه أي أنه أعلن إهتمامه بسماع صوت الله، ووعد بالمحافظة على حياة إرميا.
ع17: أعلن إرميا صوت الله، الذي وصفه بأنه رب الجنود أي القوي القادر على كل شيء، ونصح الملك أن يسلم نفسه للكلدانيين فيحيا. وهنا تظهر محبة إرميا للملك الذي أساء إليه فهو يطلب خلاصه ونجاته من الموت. ولكن إن لم يسمع صدقيا لكلام الله يحدث شر عظيم يلخصه في خمسة عقوبات هي:
إستيلاء بابل على أورشليم.
حرق أورشليم.
ع18: يستكمل العقوبات فيقول:
القبض على صدقيا بيد نبوخذ نصر عند محاولته الهرب.
ع19: أظهر صدقيا الملك خوفه من اليهود المتحالفين مع نبوخذ نصر الذين خرجوا من أورشليم وذهبوا إلى نبوخذ نصر حتى لا يقبضوا عليه ويسلموه له.
ع20: طمأن إرميا صدقيا بأن اليهود حلفاء نبوخذ نصر لن يسلموه إليه بل عندما يسلم صدقيا نفسه لنبوخذ نصر سيحسن إليه ولا يقتله.
ع21: يفهم من هذه الآية أن إرميا قد رأى رؤيا أوضحت له ما سيحدث عند هجوم نبوخذ نصر على أورشليم. أوضح تفاصيلها في الآيتين التاليتين.
ع22، 23: توضح الرؤيا باقي العقوبات التي تأتي على صدقيا إذا لم يطع الله وهي:
القبض على كل نساء الملك بيد رؤساء نبوخذ نصر.
توبيخ نساء صدقيا له لأنه اعتمد على الأنبياء الكذبة فوقعت له ولهن هذه المصائب بدلًا من أن كان يخضع لله المتكلم على فم إرميا.
ويشبهون سقوطه في يد البابليين بسقوطه في الوحل الذي لا يستطيع الخروج منه أي طين العبودية والذل. وهذا يوضح أن إرميا، لأنه رجل الله، أنقذه من الوحل، أما صدقيا فلعدم خضوعه لله سقط في الوحل، أي عبودية نبوخذ نصر ولم يخرج منها.
† لا تعاند وصايا الله لأنها هي خيرك ومصلحتك حتى لو بدت غير منطقية أو صعبة لأنها تنقذك من الهلاك ومن يد الشيطان.
[4] خوف صدقيا من الرؤساء (ع 24 - 28):
24 فَقَالَ صِدْقِيَّا لإِرْمِيَا: «لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهذَا الْكَلاَمِ، فَلاَ تَمُوتَ. 25 وَإِذَا سَمِعَ الرُّؤَسَاءُ أَنِّي كَلَّمْتُكَ، وَأَتَوْا إِلَيْكَ وَقَالُوا لَكَ: أَخْبِرْنَا بِمَاذَا كَلَّمْتَ الْمَلِكَ، لاَ تُخْفِ عَنَّا فَلاَ نَقْتُلَكَ، وَمَاذَا قَالَ لَكَ الْمَلِكُ. 26 فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي أَلْقَيْتُ تَضَرُّعِي أَمَامَ الْمَلِكِ حَتَّى لاَ يَرُدَّنِي إِلَى بَيْتِ يُونَاثَانَ لأَمُوتَ هُنَاكَ». 27 فَأَتَى كُلُّ الرُّؤَسَاءِ إِلَى إِرْمِيَا وَسَأَلُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ حَسَبَ كُلِّ هذَا الْكَلاَمِ الَّذِي أَوْصَاهُ بِهِ الْمَلِكُ. فَسَكَتُوا عَنْهُ لأَنَّ الأَمْرَ لَمْ يُسْمَعْ. 28 فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ السِّجْنِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أُخِذَتْ فِيهِ أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا أُخِذَتْ أُورُشَلِيمُ،
ع24: خاف الملك من رؤسائه إذا علموا بالعقوبات الآتية على أورشليم فيثورون ويقتلون إرميا معتبرين إياه حليفًا لبابل وخصمًا لشعبه. وهذا يعني أن صدقيا بدأ يقتنع بكلام إرميا ولكن ليس له الإيمان الكامل والشجاعة لتنفيذه فهو يمثل الإنسان الضعيف الشخصية والضعيف الإيمان الذي يهتز بين الحياة مع الله وأفكار العالم.
ع25، 26: قال الملك لأرميا أن الرؤساء سيسمعون قطعًا بمقابلتك لي، فقد كان يعلم أن لهم جواسيس في معاوني الملك وأنهم سيستدعون إرميا ويسألونه عما تم في المقابلة، وأرشده أن يذكر جزءًا مما تم في اللقاء وهو طلب إرميا من الملك ألا يعيده إلى الجب أي سجن يوناثان حتى لا يموت. وقد يكون إرميا قد طلب هذا فعلًا من الملك أو يفهم هذا مما ذكر في (ع 15) فقد يقصد من أن الملك يقتله أن يعيده للجب إذا غضب عليه بسبب نبوته القاسية.
ع27: الأمر لم يسمع: نبوات أرميا التي قالها للملك والتي تشمل خمسة عقوبات لم يعرفها الرؤساء وبالتالي لم يغضبوا عليه.
فعلًا ذهب الرؤساء إلى إرميا في السجن وسألوه عما تم في المقابلة، فأخبرهم كما قال له الملك فتركوه لأنهم لم يعرفوا الحقيقة التي تغضبهم.
ع28: ظل أرميا في سجن الملك حتى استولى نبوخذ نصر على أورشليم وهذا هو تدبير الله لأرميا لما يلي:
إنقاذ إرميا من يد الرؤساء الذين قد يقتلونه بأعتباره عدوهم وحليف نبوخذ نصر.
حتى لا يرى إرميا بعينيه سقوط مدينته المحبوبة وتدميرها.
† الله يحفظك وينجيك من مخاطر كثيرة من خلال الضيقات التي تمر بها فلا تنزعج منها واقبلها فتجد خلاصك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح التاسع والثلاثون

(1) سبي أورشليم (ع1-10):
1 فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِصِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، أَتَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرُوهَا. 2 وَفِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لِصِدْقِيَّا، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ فُتِحَتِ الْمَدِينَةُ. 3 وَدَخَلَ كُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَجَلَسُوا فِي الْبَابِ الأَوْسَطِ: نَرْجَلَ شَرَاصَرُ، وَسَمْجَرْ نَبُو، وَسَرْسَخِيمُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ، وَنَرْجَلَ شَرَاصَرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ، وَكُلُّ بَقِيَّةِ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ. 4 فَلَمَّا رَآهُمْ صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ، هَرَبُوا وَخَرَجُوا لَيْلًا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي طَرِيقِ جَنَّةِ الْمَلِكِ، مِنَ الْبَابِ بَيْنَ السُّورَيْنِ، وَخَرَجَ هُوَ فِي طَرِيقِ الْعَرَبَةِ. 5 فَسَعَى جَيْشُ الْكَلْدَانِيِّينَ وَرَاءَهُمْ، فَأَدْرَكُوا صِدْقِيَّا فِي عَرَبَاتِ أَرِيحَا، فَأَخَذُوهُ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ، فَكَلَّمَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ. 6 فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا فِي رَبْلَةَ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ كُلَّ أَشْرَافِ يَهُوذَا. 7 وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا، وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَأْتِيَ بِهِ إِلَى بَابِلَ. 8 أَمَّا بَيْتُ الْمَلِكِ وَبُيُوتُ الشَّعْبِ فَأَحْرَقَهَا الْكَلْدَانِيُّونَ بِالنَّارِ، وَنَقَضُوا أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ. 9 وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَالْهَارِبُونَ الَّذِينَ سَقَطُوا لَهُ، وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا، سَبَاهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ إِلَى بَابِلَ. 10 وَلكِنَّ بَعْضَ الشَّعْبِ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ، تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، وَأَعْطَاهُمْ كُرُومًا وَحُقُولًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ.
ع1: يحكي لنا هذا الإصحاح كيفية إستيلاء نبوخذ نصر على أورشليم، فيعلن في هذه الآية أنه قد بدأ حصار أورشليم بواسطة نبوخذ نصر في الشهر العاشر من السنة التاسعة للملك صدقيا وهي في عام 588 ق. م.
ع2: استمر حصار البابليين لأورشليم من يناير عام 588 ق. م. حتى صيف نفس السنة حيث اضطروا لفك الحصار فترة صغيرة لتحرك جيش مصر ثم انتصر نبوخذ راصر على مصر في معركة كركميش بالعراق، وبعدها عاد نبوخذ نصر فحاصر أورشليم، التي ضعفت جدًا من الجوع والعطش والأمراض، فدخلها واستولى عليها في صيف عام 587 ق . م في شهر يوليو أي بعد بدء الحصار بحوالي عام ونصف، وكان هذا في الشهر الرابع من السنة الحادية عشر للملك صدقيا.
ع3: الباب الأوسط: غالبًا هو الباب الرئيسي لأورشليم التي كانت مبنية على خمسة تلال أهمها تل في الشمال وآخر في الجنوب بينهما وادي عميق، وكان هذا الباب يؤدي إلى هذا الوادي الذي يفصل المدينة إلى جزئين، فلذا يسمى بالباب الأوسط
هاجم نبوزردان، رئيس الشرط الذي كان يقود الجيش، مدينة أورشليم واقتحمها، ودخل رؤساء جيش بابل وجلسوا في الباب الرئيسي لمدينة أورشليم معلنين استيلاءهم على هذه المدينة، ولم يدخلوا إلى أعماقها لئلا يصبهم أذى من أحد أفراد الشعب، ولكن تحرك جنود بابل ليقبضوا على من يريدون في كل المدينة فأخذوا أفضل الناس سبايا إلى بابل. أما الملك نبوخذ نصر فقد انتظر في ميدنة ربلة ليمنع أي قوات تأتي لنجدة أورشليم. والرؤساء المذكورين هنا هم بعض الرؤساء الذين دخلوا أورشليم وليس كلهم، ويذكر وظائف البعض فأحدهم رئيس الخصيان الذين يعملون عبيدًا عند ملك بابل، وآخر هو رئيس المجوس أي الحكماء والمشيرين لملك بابل وقد ذكرت أسماء أخرى من الرؤساء في (ع 13).
ع4: جنة الملك: حدائق كبيرة تابعة للملك صدقيا بجوار بركة سلوام.
الباب بين السورين: باب لأورشليم يقع جنوبها
العربة : وادي الأردن العميق شمال البحر الميت، ويؤدي إلى الصحراء العربية التي بجوار مصر.
عندما رأى الملك صدقيا بدء دخول القوات البابلية إلى أورشليم، أسرع ليهرب هو ورجال الحرب، أى الحرس الخاص به ورؤساء الجيش، واحتموا في الليل حتى لا يراهم أحد، فخرجوا من طريق جنة الملك إلى أحد أبواب أورشليم الذي يقع في جنوبها ويسمى باب بين السورين والذي يؤدي إلى وادي العربة الذي منه يستطيعون الهروب إلى مصر ليحتموا فيها.
ع5: عربات أريحا: سهول أريحا الممتدة بين أريحا ونهر الأردن وتمتد أيضًا جنوبًا حتى أورشليم.
ربلة : مدينة تقع في أرض حماه شمال مدينة دمشق عاصة سوريا.
فيما كان الملك صدقيا ورجاله المحاربين هاربين من أورشليم في عربات أريحا، كانت عيون ملك بابل تراقبهم وتبحث عنهم، فعلموا بهروبهم وسعوا وراءهم حتى أدركوهم، وقبضوا عليهم في هذه السهول بجوار نهر الأردن، وأخذوهم إلى نبوخذ نصر الذي كان مقيمًا في مدينة ربلة التي استولى عليها من قبل.
ع6: أمر نبوخذ نصر بقتل أبناء صدقيا الذين قبض رجاله عليهم مع أبيهم فقتلوهم أمام عيني صدقيا ليذله ويخيفه، ثم أمر أيضًا فقتلوا عظماء مملكة يهوذا الذين كانوا هاربين مع صدقيا، وهكذا شعر صدقيا بالعجز الكامل بعد قتل أولاده وعظماءه والمحاربين الذين يدافعون عنه
ع7: أمر أيضًا نبوخذ نصر بفقأ عيني صدقيا انتقامًا منه لعدم خضوعه، ثم قيده بسلاسل نحاسية أي قوية جدًا لا يمكنه الفكاك منها، واقتادوه أسيرًا ليعيش أسيرًا في بابل بعد أن فقد كل قوته وحتى نظره.
† لا تعتمد على قوتك وإمكانياتك ولا أراء الناس لأنهم كلهم ضعفاء لا يستطيعون أن يحموك، بل اطع الله وتمسك بوصاياه، حتى لو بدت ثقيلة، واثقًا من قدرته على معونتك وحمايتك وإنقاذك من كل شر.
ع8: بعد أن قتلوا قادة مملكة يهوذا وأسروا الباقيين منهم، صارت أورشليم بلا قوة تدافع عنها، وكان ذاك بعد حوالي شهر من الاستيلاء عليها فأمر هنا نبوخذ نصر بحرق قصر الملك وكذلك قصور أورشليم حتى يذل المدينة وتصبح مدمرة.
ع9: سقطوا له: هربوا وسلموا أنفسهم إلى جيوش بابل
رئيس الشرط: المسئول عن الأمن في بابل
بعد ذلك قبضت جيوش بابل على كل اليهود الصالحين للعمل، وأيضًا الذين هربوا من أورشليم وسلموا أنفسهم إلى جيوش بابل، وأخذوهم سبايا مقيدين كعبيد إلى بابل، كل هذا كان بأمر قائد الجيوش البابلية نبوزردان.
ع10: لم يبق في أورشليم إلا الفقراء والضعفاء من اليهود، فأعطاهم نبوزردان الحقول المحيطة في أورشليم ليزرعوها وقد قصد من ذلك:
المحافظة على هذه الحقول ليأخذ منها البابليون ويستغلونها عندما يريدون في شكل ضرائب.
لا يوجد في أورشليم إلا الضعفاء الغير قادرين على مقاومة بابل.
إكرام هؤلاء الفقراء، الذين استغلهم عظماء اليهود وأغنياؤهم، وبهذا يكسبونهم فيدينون بالولاء لبابل وليس لوطنهم.
(2) العناية بأرميا (ع11-14):
11 وَأَوْصَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى إِرْمِيَا نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسَ الشُّرَطِ قَائِلًا: 12 «خُذْهُ وَضَعْ عَيْنَيْكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا رَدِيئًا، بَلْ كَمَا يُكَلِّمُكَ هكَذَا افْعَلْ مَعَهُ». 13 فَأَرْسَلَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ وَنَبُوشَزْبَانُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ وَنَرْجَلُ شَرَاصَرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، 14 أَرْسَلُوا فَأَخَذُوا إِرْمِيَا مِنْ دَارِ السِّجْنِ وَأَسْلَمُوهُ لِجَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ لِيَخْرُجَ بِهِ إِلَى الْبَيْتِ. فَسَكَنَ بَيْنَ الشَّعْبِ.
ع11، 12: توضح هاتان الآيتان أن "نبوخذ ناصر" أوصى قائد جيوشه نبوزرادان بإطلاق سراح إرميا والعناية به وإعطاءه الحرية أن يفعل ما يريد أي حرية كاملة.
ويفهم من هذا أن نبوزرادان أخرجه من السجن الذي سجنه فيه "صدقيا" الملك وأعطاه حريته في أورشليم، ولكن بالرجوع إلى (إر 40: 1 - 2) نجد أن إرميا كان مقبوضًا عليه ومسبيًا إلى بابل، وفي الطريق عند مدينة تُسمى الرامة، صدر الأمر من نبوخذ نصر إلى نبوزرادان بإطلاق سراحه وإعادته إلى أورشليم حرًا. وليس هناك تعارض بين الأصحاحين فقد أخرجوه من سجنه وأرسلوه إلى بابل مع المسبيين، ولكن يبدو أن أخبارًا وصلت إلى نبوخذ راصر من اليهود المسبيين أن إرميا هو نبي الله الذي كان يُنادي الملك والشعب حتى يخضعوا لبابل، فشعر نبوخذ راصر أنه ليس عدوًا له فأطلق سراحه وأكرمه كما ذُكر في هذا الإصحاح، فعاد من الرامة إلى أورشليم.
ع13، 14: جدليا بن احنيقام بن شافان: كان متعاونًا مع البابليين فأقاموه بعد ذلك حاكمًا على أورشليم وما حولها.
نَفَذ نبوزرادان ورؤساء بابل أوامر نبوخذ نصر الملك وأطلقوا إرميا من السجن، وسلموه إلى جدليا الذي سيصير حاكمًا على أورشليم ليعتني به ويُسكنه بين الشعب في أورشليم ويتحرك بحرية كاملة.
† إن الله يعتني بأولاده حتى في أصعب الضيقات، ويستخدم لذلك كل الوسائل حتى الأعداء أنفسهم. فلا تضطرب مهما كانت ظروفك صعبة لأن الله معك يسندك وينجيك من كل المخاطر، بل ويعتني بك لتحيا معه في طمأنينة.
[3] نبوة عن "عبد ملك" (ع 15 - 18):
15 وَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا إِذْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي دَارِ السِّجْنِ قَائِلَةً: 16 «اذْهَبْ وَكَلِّمْ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيِّ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ كَلاَمِي عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ، فَيَحْدُثُ أَمَامَكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 17 وَلكِنَّنِي أُنْقِذُكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَلاَ تُسْلَمُ لِيَدِ النَّاسِ الَّذِينَ أَنْتَ خَائِفٌ مِنْهُمْ. 18 بَلْ إِنَّمَا أُنَجِّيكَ نَجَاةً، فَلاَ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَكُونُ لَكَ نَفْسُكَ غَنِيمَةً، لأَنَّكَ قَدْ تَوَكَّلْتَ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع15: يعود هذا فيذكر نبوة أعطاها الله لإرميا عندما كان مسجونًا في أورشليم قبل أن يطلق نبوزرادان سراحه.
ع16: هذه النبوة أرسلها الله على فم إرميا إلى "عبد ملك الكوشي" وهو أحد عبيد "صدقيا" ملك يهوذا من المشيرين المقربين إليه والذي صنع أحسانًا إلى إرميا عندما تشفع فيه أمام صدقيا حتى لا يموت في الجب المملوء بالوحل غير خائف من رؤساء ملك يهوذا الذين وضعوه في الجب وأخذ أمرًا من صدقيا فأخرج إرميا من الجب ووضعه في سجن أفضل.
(إر 38: 7 – 13)
هذه الرسالة الإلهية إلى عبد ملك تعلن أن كلام الله، بتدمير أورشليم وقتل وسبي من فيها، سيتم سريعًا ويراه "عبد ملك".
ع17: واحتوت هذه الرسالة أيضًا بشرى لعبد ملك أن الله سينجيه من يد أعدائه البابليين فلا يقبضون عليه.
ع18: والأمر الثالث الذي احتوته هذه الرسالة أن الله سينجيه من الموت فلا يقتله البابليون، وذلك بسبب إيمانه بالله وإتكاله عليه فقد خاف الله وأشفق على إرميا نبيه وأنقذه من الموت، لذا ينجيه الله من الموت، وهكذا حفظ الله ثلاثة هم:
نبيه "إرميا" بسببت طاعته لله وإعلان صوته لكل الشعب.
"عبد ملك" وهو يمثل الأمم الذين يخافون الله ويعملون الرحمة.
الفقراء من اليهود الذين أعطاهم البابليون الحقول والكروم ليزرعوها وياكلون منها وهم يمثلون الضعفاء المتكلون على الله.
† إن كنت تطيع الله وتخافه وتتكل عليه، يحفظك الله وينجيك من الشر ليس فقط في هذه الحياة بل يهبك أمجاد الحياة الأبدية، فتمسك بوصايا الله حتى لو ابتعد الكل عنها ولا تنسى هدفك الوحيد الذي هو "محبة الله"

تفسير سفر ارميا الاصحاح الاربعون
(1) رجوع إرميا إلى المصفاة (ع1-6):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، بَعْدَ مَا أَرْسَلَهُ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ مِنَ الرَّامَةِ، إِذْ أَخَذَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالسَّلاَسِلِ فِي وَسْطِ كُلِّ سَبْيِ أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا الَّذِينَ سُبُوا إِلَى بَابِلَ. 2 فَأَخَذَ رَئِيسُ الشُّرَطِ إِرْمِيَا وَقَالَ لَهُ: «إِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ تَكَلَّمَ بِهذَا الشَّرِّ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ. 3 فَجَلَبَ الرَّبُّ وَفَعَلَ كَمَا تَكَلَّمَ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِهِ، فَحَدَثَ لَكُمْ هذَا الأَمْرُ. 4 فَالآنَ هأَنَذَا أَحُلُّكَ الْيَوْمَ مِنَ الْقُيُودِ الَّتِي عَلَى يَدِكَ. فَإِنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ مَعِي إِلَى بَابِلَ فَتَعَالَ، فَأَجْعَلُ عَيْنَيَّ عَلَيْكَ. وَإِنْ قَبُحَ فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ مَعِي إِلَى بَابِلَ فَامْتَنِعْ. اُنْظُرْ. كُلُّ الأَرْضِ هِيَ أَمَامَكَ، فَحَيْثُمَا حَسُنَ وَكَانَ مُسْتَقِيمًا فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَنْطَلِقَ فَانْطَلِقْ إِلَى هُنَاكَ». 5 وَإِذْ كَانَ لَمْ يَرْجعْ بَعْدُ، قَالَ: «ارْجعْ إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ الَّذِي أَقَامَهُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَأَقِمْ عِنْدَهُ فِي وَسْطِ الشَّعْبِ، وَانْطَلِقْ إِلَى حَيْثُ كَانَ مُسْتَقِيمًا فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَنْطَلِقَ». وَأَعْطَاهُ رَئِيسُ الشُّرَطِ زَادًا وَهَدِيَّةً وَأَطْلَقَهُ. 6 فَجَاءَ إِرْمِيَا إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ إِلَى الْمِصْفَاةِ وَأَقَامَ عِنْدَهُ فِي وَسْطِ الشَّعْبِ الْبَاقِينَ فِي الأَرْضِ.
ع1: الرامة : مدينة تقع شمال أورشليم بـ6 أميال وجنوب غرب المصفاة بميلين.
لعل المقصود بكلمة الله إلى إرميا هي قرار نبوزرادان رئيس الشرط مملكة بابل بتحرير إرميا ورجوعه إلى السبي إلى المصفاة، إذ كان ضمن المسبيين الذي أخذهم البابليون من أورشليم وساروا بهم نحو الرامة، فوصلت أوامر من نبوخذ راصر إلى نبوزردان رئيس الشرط لإطلاق سراح إرميا لعله سمع من اليهود بنبوات إرميا التي تدعو إلى الخضوع لملك بابل، فأعتبره صديقًا وليس عدوًا كان هذا بتدبير من الله لتحرير إرميا.
ع2، 3: نطق نبوزردان بحقيقة روحية هامة وهي أن خراب أورشليم كان بسبب عصيان اليهود لوصايا الله، ولعل هذه الفكرة ساعدت البابليين على تدمير أورشليم، ولكن للأسف لم يفهم اليهود هذه الحقيقة.
† إنتبه لئل يكون أهل العالم يعرفون حقائق روحية تجهلها أنت، مثلما طلب المسيح في مثل وكيل الظلم أن نتعلم الحكمة من أبناء هذا الدهر، فعلى قدر ما تكون خاضعًا لله بالصلاة فسيرشدك حتى على أفواه أهل العالم وليس فقط على أفواه المعلمين الروحيين بالكنيسة.
ع4: أصدر نبوزردان أمرًا بتحرير إرميا، ثم ترك له اختيار المكان الذي يقيم فيه وهو:
الذهاب إلى بابل وهناك تنتظره رعاية وعناية من نبوزردان.
الذهاب إلى أي مكان يختاره في العالم.
ع5، 6: جدليان بن اخيقام بن شافان: "شافان" هو الكاتب الرسمي للملك يوشيا وشاركه في الإصلاحات الدينة فهو رجل تقي، وابنه "اخيقام" هو "جمريا" أحد رؤساء الملك يهوياقيم الذي خاف الله وحاول منع الملك من تمزيق نبوات إرميا (إر 36: 25) فجدليا من عائلة تقية، واسمه كلمة عبرية معناها "يهوه عظيم" وقد اقامه نبوخذ نصر وكيلًا عنه وحاكمًا للملكة يهوذا بعد ان استولى عليها.
المصفاة : تبعد عن أورشليم ثمانية أميال في شمالها الغربي، وقريبة جدًا من الرامة لذا كان من السهل على إرميا أن يرجع إلى المصفاة حيث جدليا الحاكم وواضح أن المصفاة لم تكن قد دمرت بيد بابل مثل أورشليم.
قبل أن يقرر إرمياء أين يقيم، وأصل نبوزردان حديثه مع إرميا فقال له اذهب إلى جدليا الذي هو حاكم يهوذا فيعتني بك وتقيم وسط الشعب هناك. فأطاع إرميا وعاد إلى المصفاة ليعيش وسط شعبه الفقراء والضعفاء بعد أن أعطاه نبوزردان هدية وزادًا للطريق واهتم به.
(2) جدليا حاكم يهوذا (ع7-12):
7 فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ فِي الْحَقْلِ هُمْ وَرِجَالُهُمْ أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ أَقَامَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ عَلَى الأَرْضِ، وَأَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَعَلَى فُقَرَاءِ الأَرْضِ الَّذِينَ لَمْ يُسْبَوْا إِلَى بَابِلَ، 8 أَتَى إِلَى جَدَلْيَا إِلَى الْمِصْفَاةِ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، وَيُوحَانَانُ وَيُونَاثَانُ ابْنَا قَارِيحَ، وَسَرَايَا بْنُ تَنْحُومَثَ، وَبَنُو عِيفَايَ النَّطُوفَاتِيُّ، وَيَزَنْيَا ابْنُ الْمَعْكِيِّ، هُمْ وَرِجَالُهُمْ. 9 فَحَلَفَ لَهُمْ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ وَلِرِجَالِهِمْ قَائِلًا: «لاَ تَخَافُوا مِنْ أَنْ تَخْدِمُوا الْكَلْدَانِيِّينَ. اُسْكُنُوا فِي الأَرْضِ، وَاخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ فَيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ. 10 أَمَّا أَنَا فَهأَنَذَا سَاكِنٌ فِي الْمِصْفَاةِ لأَقِفَ أَمَامَ الْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَيْنَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَاجْمَعُوا خَمْرًا وَتِينًا وَزَيْتًا وَضَعُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ، وَاسْكُنُوا فِي مُدُنِكُمُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا». 11 وَكَذلِكَ كُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مُوآبَ، وَبَيْنَ بَنِي عَمُّونَ، وَفِي أَدُومَ، وَالَّذِينَ فِي كُلِّ الأَرَاضِي، سَمِعُوا أَنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ جَعَلَ بَقِيَّةً لِيَهُوذَا، وَقَدْ أَقَامَ عَلَيْهِمْ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، 12 فَرَجَعَ كُلُّ الْيَهُودِ مِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي طُوِّحُوا إِلَيْهَا وَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا، إِلَى جَدَلْيَا، إِلَى الْمِصْفَاةِ، وَجَمَعُوا خَمْرًا وَتِينًا كَثِيرًا جِدًّا.
ع7، 8: عندما هجمت بابل على مملكة يهوذا، هرب عدد كبير من اليهود إلى الجبال المحبطة مثل بني عمون ومواب وأدوم، وبعد تدمير أورشليم وبلاد كثيرة حولها وإستيلاء بابل على مملكة يهوذا، أقامت جدليا حاكمًا لها ليؤدي لها الجزية فلما سع المتقدمون ن اليهود وغالبًا كانوا من الجنود بما حدث، رجعوا إلى بلاد يهوذا، ويسميهم الرؤساء لأنهم كانوا أقوياء وليسوا مثل الضعفاء الباقين في يهوذا ويذكر بعضًا منهم مثل إسماعيل الذي كان قد هرب إلى بلاد بني عمون وكان رجلًا شريرًا وتعاهد مع ملك بني عمون للاستيلاء على مملكة يهوذا، ويذكر أيضًا أخوان تقيان يوحانان ويوناثان ابناء قاريح وآخرين.
ع9: تأثر جدليا بكلام الله على فم إرميا، فعند استقباله لهؤلاء الرؤساء المذكورين في (ع8) قال لهم اخضعوا لملك بابل واسكنوا بسلام في الأرض.
ع10: استكمل جدليا كلامه بأنه سيظل مقيمًا في المصفاة كوكيل عن بابل ليقابل مندوبي نبوخذ راصر ليؤدي له الجزية وكل التقارير المطلوبة، أما هم فدعاهم ليسكنوا في مدنهم التي كانوا يعيشون فيها في مملكة يهوذا ويزعوا الحقول ويجمعوا ثمارًا كما يريدون من العنب والتين والزيتون وكل ثمار الحقل.
ع11، 12: أيضًا سمع كل اليهود، الذين هربوا إلى الدول المحيطة بمملكة يهوذا، بإقامة جدليا حاكمًا وسط قرار الأمن ورجوع الحياة الطبيعية فعادوا إلى بلادهم وبدأوا في زراعة أراضيهم.
† ما أجمل أن تعيش في سلام حتى تستطيع أن تمارس حياتك الروحية وتتمتع بالله فتباعد عن الصدام مع الآخرين قدر ما تستطيع وأطلب السلام من أجل التفرغ للحياة مع الله.
(3) مؤامرة اغتيال جدليا (ع13-16):
13 ثُمَّ إِنَّ يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ فِي الْحَقْلِ أَتَوْا إِلَى جَدَلْيَا إِلَى الْمِصْفَاةِ، 14 وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ عِلْمًا أَنَّ بَعْلِيسَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ قَدْ أَرْسَلَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا لِيَقْتُلَكَ؟» فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ. 15 فَكَلَّمَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ جَدَلْيَا سِرًّا فِي الْمِصْفَاةِ قَائِلًا: « دَعْنِي أَنْطَلِقْ وَأَضْرِبْ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا وَلاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ. لِمَاذَا يَقْتُلُكَ فَيَتَبَدَّدَ كُلُّ يَهُوذَا الْمُجْتَمِعُ إِلَيْكَ، وَتَهْلِكَ بَقِيَّةُ يَهُوذَا؟». 16 فَقَالَ جَدَلْيَا بْنُ أَخِيقَامَ لِيُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ: «لاَ تَفْعَلْ هذَا الأَمْرَ، لأَنَّكَ إِنَّمَا تَتَكَلَّمُ بِالْكَذِبِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ».
ع13-14: اكتشف بعض الرؤساء أي الضباط اليهود مثل يوحانان بن قاريح مؤامرة لاغتيار جدليا الحاكم، هذه المؤامرة كانت اتفاقية بين "اسماعيل" وهو من النسل الملكي مع "بعليس" ملك بني عمون الذي كان قد هرب إليه اسماعيل عند هجوم بابل على مملكة يهوذا ويبدو أن هذه المؤامرة كان هدفها استيلاء ملك بني عمون على مملكة يهوذا ومقاومة بابل، فأتى يوحانان ومن معه من الضباط والجنود وأخبروا جدليا بالمؤامرة ولكنه للأسف لم يصدقهم واعتبر كلامهم وشاية واتهام زور. وهكذا اندفع جدليا ليحكم برأيه الشخصي ولم يرجع إلى الله بالصلاة أو يستشير إرميا النبي الذي كان مقيمًا بجواره.
† التجئ إلى الصلاة في كل أمر يعرض عليك، وخاصة في القرارات الكبيرة، حتى تسمع صوته فيرشدك وتحفظ نفسك من فخاخ إبليس. إن الله قريب منك، يريد أن يقود حياتك بسلام فاطلبه وألح عليه فتسمع صوته.
ع15: كان يوحانان مشفقًا على جدليا ومهتمًا بالمحافظة على بلاد يهوذا التي بدأت تستقر تحت قيادة جدليا، لذا استأذن جدليا أن ينطلق ويقتل اسماعيل فيخلصه من هذه المؤامرة.
ع16: رفض جدليا مشورة يوحانان وأتهمه بالكذب، فضيع فرصة أرسلها له الله للنجاة من أجل اعتماده على رأيه الشخصي، لعله شعر بقوته عندما صار حاكمًا فرغم تقواه ولكنه ضعف في هذا الموقف وأضطر إلى دفع ثمن غالي وهو حياته كلها.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الحادى والاربعون
(1) إسماعيل يقتل جدليا (ع1-3):
1 وَكَانَ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ أَلِيشَامَاعَ، مِنَ النَّسْلِ الْمُلُوكِيِّ، جَاءَ هُوَ وَعُظَمَاءُ الْمَلِكِ وَعَشَرَةُ رِجَال مَعَهُ إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ إِلَى الْمِصْفَاةِ، وَأَكَلُوا هُنَاكَ خُبْزًا مَعًا فِي الْمِصْفَاةِ. 2 فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَالْعَشَرَةُ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَضَرَبُوا جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ بِالسَّيْفِ فَقَتَلُوهُ، هذَا الَّذِي أَقَامَهُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى الأَرْضِ. 3 وَكُلُّ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، أَيْ مَعَ جَدَلْيَا، فِي الْمِصْفَاةِ وَالْكَلْدَانِيُّونَ الَّذِينَ وُجِدُوا هُنَاكَ، وَرِجَالُ الْحَرْبِ، ضَرَبَهُمْ إِسْمَاعِيلُ.
ع1: ذهب إسماعيل ومعه عشرة رجال لزيارة جدليا حاكم يهوذا المقيم في المصفاة وكان معه أيضًا بعض من البلاط الملكي للملك صدقيا الذي أسرته بابل فرحب بهم جدليا جميعًا وأضافهم وأكلوا معه في وليمة عظيمة عملها لهم وهذا يظهر محبة جدليا وطيبة قلبه وكرمه.
ع2: يبدو أن إسماعيل غار من جدليا وحسده لمنصب الحاكم الذي ناله ولعله تعاهد مع ملك بني عمون لمساعدته على أخذ الحكم لذا كانت زيارته لجدليا لغرض شرير فقام وسط الوليمة والفرح وقتل جدليا حاكم يهوذا الذي أقامه ملك بابل فهذه ليست جريمة قتل عادية بل تحمل معنيين.
1- قتل رأس مملكة يهوذا مما أثار اضطراب الشعب.
2- تحدي لملك بابل الذي أقام جدليا.
ع3: اضطرب رجال القصر وخافوا من المفاجأة فاستكمل إسماعيل شره وضرب كل اليهود رجال جدليا وجميع الكلدانيين المعاونين لجدليا من قبل نبوخذ نصر فهذا يوضح قساوة وشر إسماعيل وجرأته في الشر وكذلك خداعه في استغلال الضيافة والمحبة فرصة للإساءة والشر.
وقد حزن اليهود جدًا لقتل جدليا فأقاموا صومًا من أجل ذلك في الشهر السابع (زك 7: 5، 8: 19) وغالبًا كان ذلك بعد سنة من استيلاء بابل على أورشليم ويهوذا أي عام 586 ق. م.
† ليتك تشكر كل من يقدم لك محبة وترد عليه الخير بالخير وإن حاربتك أفكار شريرة من جهة أحد فارفضها والتمس له العذر لتحتفظ بمحبتك له حتى لا تخطئ إلى أحد ولو بدون قصد وإن حدث اعتذر سريعًا وعوض من أسأت إليه بمحبة كبيرة
[2] سبي وقتل باقي الشعب (ع 4 - 10):
4 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ قَتْلِهِ جَدَلْيَا وَلَمْ يَعْلَمْ إِنْسَانٌ، 5 أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا مِنْ شَكِيمَ وَمِنْ شِيلُوَ وَمِنَ السَّامِرَةِ، ثَمَانِينَ رَجُلًا مَحْلُوقِي اللُّحَى وَمُشَقَّقِي الثِّيَابِ وَمُخَمَّشِينَ، وَبِيَدِهِمْ تَقْدِمَةٌ وَلُبَانٌ لِيُدْخِلُوهُمَا إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. 6 فَخَرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا لِلِقَائِهِمْ مِنَ الْمِصْفَاةِ سَائِرًا وَبَاكِيًا. فَكَانَ لَمَّا لَقِيَهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «هَلُمَّ إِلَى جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ». 7 فَكَانَ لَمَّا أَتَوْا إِلَى وَسْطِ الْمَدِينَةِ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا قَتَلَهُمْ وَأَلْقَاهُمْ إِلَى وَسْطِ الْجُبِّ، هُوَ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهُ. 8 وَلكِنْ وُجِدَ فِيهِمْ عَشَرَةُ رِجَال قَالُوا لإِسْمَاعِيلَ: «لاَ تَقْتُلْنَا لأَنَّهُ يُوجَدُ لَنَا خَزَائِنُ فِي الْحَقْلِ: قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَزَيْتٌ وَعَسَلٌ». فَامْتَنَعَ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ. 9 فَالْجُبُّ الَّذِي طَرَحَ فِيهِ إِسْمَاعِيلُ كُلَّ جُثَثِ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بِسَبَبِ جَدَلْيَا، هُوَ الَّذِي صَنَعَهُ الْمَلِكُ آسَا مِنْ وَجْهِ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. فَمَلأَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا مِنَ الْقَتْلَى. 10 فَسَبَى إِسْمَاعِيلُ كُلَّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ الَّذِينَ فِي الْمِصْفَاةِ، بَنَاتِ الْمَلِكِ وَكُلَّ الشَّعْبِ الَّذِي بَقِيَ فِي الْمِصْفَاةِ، الَّذِينَ أَقَامَ عَلَيْهِمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ، سَبَاهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا وَذَهَبَ لِيَعْبُرَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ.
ع4، 5: شكيم : مدينة تقع شمال أورشليم على بعد 31.5 ميل عند جبل جرزيم وتبعد عن السامرة 5.5 ميل جنوب شرقها.
شيلوه: تبعد 17 ميل شمال أورشليم وكانت مقرًا لتابوت عهد الله أيام عالي الكاهن ولمدة 300 سنة قبل ذلك.
السامرة: عاصمة المملكة الشمالية لليهود التي تسمى إسرائيل التي تحتوي على عشرة أسباط وتقع على بعد حوالي 35 ميل شمال أورشليم.
مشقق الثياب: علامة من علامات الحزن شق الثياب.
مخمشين: مجروحين بجروح غائرة وكانت هذه عادة من العادات الوثنية لإرضاء الآلهة تجريح الجسم.
بعدما قتل إسماعيل جدليا أخفى جسده هو ومن معه في القصر فلم يعلم أحد حتى لا يثير المدينة عليه وفي اليوم التالي لقتل جدليا حضر بالمصادفة 80 رجلًا من اليهود من بلاد مختلفة هي شكيم وشيلوة والسامرة وهي بلاد يهودية تقع شمال أورشليم إنحدروا إلى الجنوب نحو أورشليم فوصلوا إلى المصفاة لأنها في طريقهم إلى أورشليم وكانوا في حزن على دمار أورشليم بدليل شقهم لثيابهم ولكن للأسف تأثروا بالعبادات الوثنية فخمشوا أجسادهم وكانوا يريدون الذهاب لأورشليم لتقديم تقدمات للرب في المكان الذي كان فيه هيكل الرب.
ع6: تمادى إسماعيل في شره وخداعه فتقدم لملاقاة هؤلاء اليهود الآتين بحزن لزيارة آثار هيكل الرب وتظاهر هو أيضًا بالحزن على خراب الهيكل ودعاهم ليستريحوا عند جدليا في المصفاة ثم يواصلون سفرهم إلى أورشليم.
ع7: الجب: حفرة عميقة قد يكون بها ماء أو طين أو تكون جافة.
استدرج إسماعيل الـ80 رجلًا إلى وسط المدينة وأحاط بهم هناك ورجاله وبدأ في قتلهم، فقتل معظمهم وألقاهم في جب كان قريب من وسط المدينة ويبدو أن سبب اغتيالهم هو سرقة ما معهم من متاع وهذا يؤكد شر وطمع إسماعيل بعكس جدليا التقي الذي كان يريد جمع شتات اليهود والمحافظة عليهم وعلى استقرارهم.
ع8: مما يؤكد طمع إسماعيل أن عشرة من هؤلاء الرجال الثمانين لاحظوا نهب إسماعيل لممتلكاتهم قبل قتلهم فطلبوا منه ألا يقتلهم مقابل أن يدلوه على مخازن لهم في بلادهم ملآنة من خيرات الله من المحاصيل الزراعية ومنتجاتها فوافق إسماعيل إشباعًا لأطماعه سواء كان هؤلاء الرجال صادقين أو مخادعين ولكنهم استطاعوا أن ينجوا من الموت بهذا الكلام.
ع9: يذكر لنا هنا خبرًا بأن الجب الذي طرح فيه إسماعيل جثث الرجال الذين قتلهم في وسط المدينة كان قد عمله الملك (آسا) ملك يهوذا عندما بنى مدينة المصفاة بعد تغلبه على الملك (بعشا) ملك مملكة إسرائيل (1 مل 15: 22) (2 أخ 16: 6)
ع10: بنات الملك: كل النساء الذين من النسل الملكي الذين بقوا بعد سبى صدقيا ملك يهوذا ومن معه وترحيلهم إلى بابل وقد يكونوا من أسرة جدليا أي بناته وأخوته ويقصد أقرباء جدليا حاكم مملكة يهوذا.
بعد أن تقوى إسماعيل بقتل الكثيرين وخوف الشعب منه قبض على الرجال والنساء في المصفاة وأخذهم سبايا فساروا وراءه للخروج من المصفاة والذهاب إلى مملكة بني عمون وكان بين من أسرهم الأميرات بنات الملك أي أخذ كل عظماء المدينة وهذا يوضح أنه كان يريد أن يصير ملكًا، أو حاكمًا وذهب إلى ملك بني عمون ليتقوى بمعونة من ملكها (بعليس).
† لا تستخدم ذكاءك في الشر للوصول إلى أغراضك ولتكن وسائلك سليمة للوصول إلى أغراض سليمة.
(3) نجدة يوحانان (ع11 - 18):
11 فَلَمَّا سَمِعَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ مَعَهُ بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذِي فَعَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا، 12 أَخَذُوا كُلَّ الرِّجَالِ وَسَارُوا لِيُحَارِبُوا إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا، فَوَجَدُوهُ عِنْدَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ. 13 وَلَمَّا رَأَى كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَ إِسْمَاعِيلَ يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ مَعَهُمْ فَرِحُوا. 14 فَدَارَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي سَبَاهُ إِسْمَاعِيلُ مِنَ الْمِصْفَاةِ، وَرَجَعُوا وَسَارُوا إِلَى يُوحَانَانَ بْنِ قَارِيحَ. 15 أَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَثَنْيَا فَهَرَبَ بِثَمَانِيَةِ رِجَال مِنْ وَجْهِ يُوحَانَانَ وَسَارَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ. 16 فَأَخَذَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ مَعَهُ، كُلَّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ الَّذِينَ اسْتَرَدَّهُمْ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَثَنْيَا مِنَ الْمِصْفَاةِ، بَعْدَ قَتْلِ جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ، رِجَالَ الْحَرْبِ الْمُقْتَدِرِينَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَالْخِصْيَانَ الَّذِينَ اسْتَرَدَّهُمْ مِنْ جِبْعُونَ. 17 فَسَارُوا وَأَقَامُوا فِي جَيْرُوتَ كِمْهَامَ الَّتِي بِجَانِبِ بَيْتِ لَحْمٍ، لِكَيْ يَسِيرُوا وَيَدْخُلُوا مِصْرَ 18 مِنْ وَجْهِ الْكَلْدَانِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنْهُمْ، لأَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ نَثَنْيَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ جَدَلْيَا بْنَ أَخِيقَامَ الَّذِي أَقَامَهُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى الأَرْضِ.
ع11، 12: جبعون: مدينة تبعد حوالي خمسة أميال شمال أورشليم.
المياه الكثيرة: بركة عميقة عمقها أكثر من عشرة أمتار.
وصل الخبر إلى يوحانان بن قاريح القائد اليهودي التقي الذي نبه جدليا إلى مؤامرة اغتياله بيد إسماعيل ولكنه للأسف لم يصدق يوحانان فقتله إسماعيل (إر 40: 13-16) فجمع يوحانان رؤساء الجيوش اليهود أي الضباط الكبار وجنودهم وتقدم نحو المصفاة لإنقاذ شعبه من يد إسماعيل فلحق به قبل أن يصل إلى مملكة بني عمون عند مدينة جبعون التي تبعد حوالي ثلاثة أميال من المصفاة فالتقى به عند بركة جبعون العميقة.
ع13، 14: اليهود المسبيين الذين قبض عليهم إسماعيل عندما رأوا يوحانان والجنود الذين معه فرحوا وتشجعوا وإذ أشار إليهم يوحانان الآتي لنجدتهم تركوا إسماعيل وتحولوا كلهم فساروا وراء يوحانان أما إسماعيل فكان في خوف شديد عندما رأي يوحانان والجيش الذي معه.
ع15: إذ خاف إسماعيل من يوحانان ووجد معه ثمانية أفراد فقط من الأشرار التابعين له هرب سريعًا إلى بني عمون وهكذا انتهت قصة إسماعيل ومؤامراته وشروره.
ع16-18: جيروت كمهام: كلمة عبرية معناها "مرقت" وهي مكان للضيافة تأسس بجوار مدينة كمهام التي بقرب بيت لحم والتي تقع جنوب أورشليم.
خاف يوحانان والرؤساء التابعين له من غضب نبوخذ نصر ملك بابل عندما يسمع بخبر قتل وكيله جدليا الذي أقامه حاكمًا على يهوذا مع أنهم لم يسيئوا إلى جدليا ولكنهم خافوا من بطش نبوخذ نصر من كل سكان مملكة يهوذا فهربوا ومن معهم إلى مصر من وجه نبوخذ نصر واستراحوا في الطريق في جيروت كمهام وهذا ضعف من يوحانان رغم تقواه فكان لابد أن يصلي ويسأل إرميا أو يسترجع كلام إرميا الذي حذر من الالتجاء إلى مصر فكان عليه أن يؤمن بالله ويظل في إيمانه ليحميه الله.
† التجئ إلى الله بالصلاة دائمًا وسؤال الآباء الروحيين مهما كان تفكيرك منطقيًا حتى لا تنزلق في طريق خاطئ فيحفظك الله ويحميك في كل طرقك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى والاربعون

(1) طلب مشورة الله (ع1-6):
1 فَتَقَدَّمَ كُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ وَيُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَيَزَنْيَا بْنُ هُوشَعْيَا، وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، 2 وَقَالُوا لإِرْمِيَا النَّبِيِّ: «لَيْتَ تَضَرُّعَنَا يَقَعُ أَمَامَكَ، فَتُصَلِّيَ لأَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ لأَجْلِ كُلِّ هذِهِ الْبَقِيَّةِ. لأَنَّنَا قَدْ بَقِينَا قَلِيلِينَ مِنْ كَثِيرِينَ كَمَا تَرَانَا عَيْنَاكَ. 3 فَيُخْبِرُنَا الرَّبُّ إِلهُكَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي نَسِيرُ فِيهِ، وَالأَمْرِ الَّذِي نَفْعَلُهُ». 4 فَقَالَ لَهُمْ إِرْمِيَا النَّبِيُّ: «قَدْ سَمِعْتُ. هأَنَذَا أُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ كَقَوْلِكُمْ، وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُجِيبُكُمُ الرَّبُّ أُخْبِرُكُمْ بِهِ. لاَ أَمْنَعُ عَنْكُمْ شَيْئًا». 5 فَقَالُوا هُمْ لإِرْمِيَا: «لِيَكُنِ الرَّبُّ بَيْنَنَا شَاهِدًا صَادِقًا وَأَمِينًا إِنَّنَا نَفْعَلُ حَسَبَ كُلِّ أَمْرٍ يُرْسِلُكَ بِهِ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَيْنَا، 6 إِنْ خَيْرًا وَإِنْ شَرًّا. فَإِنَّنَا نَسْمَعُ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي نَحْنُ مُرْسِلُوكَ إِلَيْهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْنَا إِذَا سَمِعْنَا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِنَا».
ع1، 2: تقدم رؤساء اليهود وكل الشعب أي جمهور كبير وذهبوا إلى إرميا النبي حتى يصلى من أجلهم معترفين بضعفهم إذ صاروا عددًا قليلًا بعد أن كانوا دولة كبيرة لأن كثيرين قد ماتوا بيد بابل.
ع3: طلبوا من إرميا أيضًا أن يرشدهم إلى أين يذهبون هل إلى مصر أم إلى بابل أم يبقون في بلادهم. ورغم ما يبدو عليهم من اهتمام لسماع صوت الله ولكنهم في الحقيقة قرروا النزول إلى مصر كما يظهر من الأصحاح السابق (إر 41: 17).
ع4: وافق إرميا للصلاة من أجلهم ليرشدهم الله إلى أين يسيرون. وإن كانوا قد قالوا له في (ع2) "الرب إلهك" يرد عليهم إرميا في (ع4) "الرب إلهكم" ليعلمهم أن يكونوا تابعين ومتمسكين بإلههم ويخضعون له كشعبه.
ع5، 6: أعلنوا طاعتهم لكلام الله الذي سيقوله لإرميا واستعدادهم لسماع صوته سواء كان رأى الله يبدو خيرًا أو صعبًا عليهم. ولكن للأسف كانت كل هذه طاعة سطحية أما القلب فمُصر على النزول إلى مصر.
† ليتك تؤمن أن أختيار الله هو أفضل شيء في حياتك فتطيع الله وإرشادات الكنيسة مهما كانت صعبة أو معاكسة لآرائك.
(2) البقاء في بلادهم (ع7-12):
7 وَكَانَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا. 8 فَدَعَا يُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ وَكُلَّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَكُلَّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، 9 وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلْتُمُونِي إِلَيْهِ لِكَيْ أُلْقِيَ تَضَرُّعَكُمْ أَمَامَهُ: 10 إِنْ كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ فِي هذِهِ الأَرْضِ، فَإِنِّي أَبْنِيكُمْ وَلاَ أَنْقُضُكُمْ، وَأَغْرِسُكُمْ وَلاَ أَقْتَلِعُكُمْ. لأَنِّي نَدِمْتُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعْتُهُ بِكُمْ. 11 لاَ تَخَافُوا مَلِكَ بَابِلَ الَّذِي أَنْتُمْ خَائِفُوهُ. لاَ تَخَافُوهُ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَنَا مَعَكُمْ لأُخَلِّصَكُمْ وَأُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ. 12 وَأُعْطِيَكُمْ نِعْمَةً، فَيَرْحَمُكُمْ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ.
ع7: أنتظر الله عشرة أيام ثم أجاب على إرميا وذلك لما يلي:
حتى يصلي إرميا ويستعد لسماع صوت الله ويتمتع بعشرته.
حتى يستعد الشعب لسماع كلام الله ويتأهبوا لطاعته ويتأكدوا من خضوعهم له.
ع8: أرسل إرميا ودعا رؤساء اليهود بقيادة "يوحنان" وكل الشعب التابعين له.
ع9: أخبرهم إرميا أن الله رد عليه بخصوص المشورة التي طلبوها منه ليبقوا في الأرض أم ينزلوا إلى مصر.
ع10: أرشدهم الله أن يبقوا في بلادهم ووعدهم بما يلي:
أن يبنيهم ويغرسهم أي يثبتهم وينميهم فيزدادون في القوة والعدد.
يعدهم أيضًا ألا ينقضهم ولا يقتلعهم أي يثبتوا في الأرض ولا يتعرضون للطرد منها.
ع11: الوعد الثالث إن بقوا في الأرض ألا يؤذيهم ملك بابل بل يعيشون في طمأنينة وسلام.
ع12: الوعد الرابع أن ينالوا رحمة من ملك بابل وعطف أما الوعد الخامس فهو إن يسمح لمن سباهم بالرجوع إلى بلادهم.
† إن كنت تطيع وصايا الله تتمتع بمراحم وبركات لا تتخيلها وتحيا في سلام بل وتنمو أيضًا في محبته.
(3) عقاب النزول إلى مصر (ع13-18):
13 «وَإِنْ قُلْتُمْ: لاَ نَسْكُنُ فِي هذِهِ الأَرْضِ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، 14 قَائِلِينَ: لاَ بَلْ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ نَذْهَبُ، حَيْثُ لاَ نَرَى حَرْبًا، وَلاَ نَسْمَعُ صَوْتَ بُوق، وَلاَ نَجُوعُ لِلْخُبْزِ، وَهُنَاكَ نَسْكُنُ. 15 فَالآنَ لِذلِكَ اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا بَقِيَّةَ يَهُوذَا، هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ تَجْعَلُونَ وُجُوهَكُمْ لِلدُّخُولِ إِلَى مِصْرَ، وَتَذْهَبُونَ لِتَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ، 16 يَحْدُثُ أَنَّ السَّيْفَ الَّذِي أَنْتُمْ خَائِفُونَ مِنْهُ يُدْرِكُكُمْ هُنَاكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَالْجُوعَ الَّذِي أَنْتُمْ خَائِفُونَ مِنْهُ يَلْحَقُكُمْ هُنَاكَ فِي مِصْرَ، فَتَمُوتُونَ هُنَاكَ. 17 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الرِّجَالِ الَّذِينَ جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ لِلدُّخُولِ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ، يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، وَلاَ يَكُونُ مِنْهُمْ بَاق وَلاَ نَاجٍ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي أَجْلِبُهُ أَنَا عَلَيْهِمْ. 18 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: كَمَا انْسَكَبَ غَضَبِي وَغَيْظِي عَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، هكَذَا يَنْسَكِبُ غَيْظِي عَلَيْكُمْ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى مِصْرَ، فَتَصِيرُونَ حَلَفًا وَدَهَشًا وَلَعْنَةً وَعَارًا، وَلاَ تَرَوْنَ بَعْدُ هذَا الْمَوْضِعَ».
ع13، 14: صوت بوق: وتعرض للموت.
حذرهم الله للنزول إلى مصر ظانين أن فيها أمان بعيدًا عن يد بابل لأن في نظرهم مصر قوية وتحميهم ولا يتعرضون للحروب أو الجوع فيعيشون فرحين بالخيرات الكثيرة.
ع15، 16: يخبرهم الله بالحقيقة وهي إنهم إن هربوا إلى مصر سيتعرضون للموت بالسيف الذي يظنون أنهم يهربون منه بتركهم بلادهم ويتعرضون أيضًا للموت جوعًا ولا يجدون الخيرات الكثيرة التي يتوقعونها في مصر.
ع17: وهكذا يتعرضون بنزولهم إلى مصر بالموت إما بالسيف أو الجوع أو المرض.
ع18: يحذرهم الله إنهم إن نزلوا إلى مصر سيتعرضون لغضب الله الذي أدب أورشليم واليهودية بالتخريب والقتل، وأنه سيؤدبهم في مصر بنفس الطريقة أي يعاقبهم لعدم طاعتهم وتوبتهم.
† ليتك تتكل على الله وليس على قوى العالم الزائلة فوصية الله تحميك والاتكال عليه يسندك مهما قامت الضيقات عليك، وعلى العكس كل قوى العالم التي تظن أنها تسندك تنهار تدريجيًا أمامك.
(4) تحذير من النزول إلى مصر (ع19-22):
19 «قَدْ تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ يَا بَقِيَّةَ يَهُوذَا: لاَ تَدْخُلُوا مِصْرَ. اعْلَمُوا عِلْمًا أَنِّي قَدْ أَنْذَرْتُكُمُ الْيَوْمَ. 20 لأَنَّكُمْ قَدْ خَدَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ قَائِلِينَ: صَلِّ لأَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا، وَحَسَبَ كُلِّ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ إِلهُنَا هكَذَا أَخْبِرْنَا فَنَفْعَلَ. 21 فَقَدْ أَخْبَرْتُكُمُ الْيَوْمَ فَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَلاَ لِشَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ. 22 فَالآنَ اعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ تَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَغَيْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوهُ لِتَتَغَرَّبُوا فِيهِ».
ع19: يمنعهم الله بتحذير واضح من النزول إلى مصر حتى لا يهلكوا.
ع20: يذكرهم بخطيتهم وهي الكذب والخداع عندما طلبوا مشورة الله في النزول إلى مصر أو البقاء في بلادهم مع أنهم مصرين في قلبهم أن ينزلوا إلى مصر.
ع21، 22: يكرر إنذاره لهم بالموت إذا استمروا مصرين على النزول إلى مصر.
† إن أخطأت فتب سريعًا ولا تتمادى في شرك لأن الله يحبك ويكرر نداءه لك بالتوبة حتى تنقذ نفسك بالرجوع إليك.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثالث والاربعون
(1) الذهاب إلى مصر (ع1-7):
1 وَكَانَ لَمَّا فَرَغَ إِرْمِيَا مِنْ أَنْ كَلَّمَ كُلَّ الشَّعْبِ بِكُلِّ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلهِهِمِ، الَّذِي أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ إِلَيْهِمْ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، 2 أَنَّ عَزَرْيَا بْنَ هُوشَعْيَا وَيُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ، وَكُلَّ الرِّجَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ كَلَّمُوا إِرْمِيَا قَائِلِينَ: «أَنْتَ مُتَكَلِّمٌ بِالْكَذِبِ! لَمْ يُرْسِلْكَ الرَّبُّ إِلهُنَا لِتَقُولَ: لاَ تَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ لِتَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ. 3 بَلْ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا مُهَيِّجُكَ عَلَيْنَا لِتَدْفَعَنَا لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَقْتُلُونَا، وَلِيَسْبُونَا إِلَى بَابِلَ». 4 فَلَمْ يَسْمَعْ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِصَوْتِ الرَّبِّ بِالإِقَامَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، 5 بَلْ أَخَذَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَكُلُّ رُؤَسَاءِ الْجُيُوشِ، كُلَّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ رَجَعُوا مِنْ كُلِّ الأُمَمِ الَّذِينَ طُوِّحُوا إِلَيْهِمْ لِيَتَغَرَّبُوا فِي أَرْضِ يَهُوذَا، 6 الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَبَنَاتِ الْمَلِكِ، وَكُلَّ الأَنْفُسِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ، مَعَ جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، وَإِرْمِيَا النَّبِيِّ وَبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، 7 فَجَاءُوا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ وَأَتَوْا إِلَى تَحْفَنْحِيسَ.
ع1، 2: بعد أن أخبر إرميا الرؤساء والشعب بكلام الله الذي طلبوه منه منه وقال لهم أن يبقوا في بلادهم ولا يذهبوا إلى مصر لئلا يموتوا أن رؤساء الشعب إتهموه بالكذب، وذلك لأن كلامه لم يوافق رغبتهم.
ع3: اتهموه أيضًا بإتهامين آخرين هما:
أنه منساق وراء كلام تلميذه باروخ ولا يقول لهم كلام الله أي أتهموه بضعف الشخصية والانسياق وراء الآخرين.
أنه يقصد ببقائهم في بلادهم أن يقتلهم البابليون.
ع4: رفض الرؤساء وهيجوا الشعب لرفض كلام الله وعدم البقاء في مملكة يهوذا.
ع5، 6: قاد يوحانان الرؤساء والشعب وكل الذين كانوا قد هربوا إلى البلاد المحيطة مثل موآب وبنى عمون وأدوم سواء كانوا ضباطًا، أو من عائلة الملك، الأميرات، أو وجهاء الشعب وتحركوا ليخرجوا من أرض يهوذا حاملين معهم بالقوة إرميا النبي وتلميذه باروخ النبي. ولماذا أخذوا معهم إرميا مع أنهم يرفضون كلامه؟
إما خوفًا منه لئلا يصدق كلامه فتأتى عليهم الويلات التي قالها فظنوا أن وجوده معهم يحميهم من هذه الويلات.
أو خوفًا من بقائه في أرض يهوذا فيتحالف مع بابل فيهاجمونهم في مصر.
ع7: تحفنحيس: مدينة كبيرة محصنة بها قصر للملك وتقع شرق مصر على بعد عشرة أميال غرب القنطرة.
سافرت هذه القافلة بقيادة يوحانان ووصلت لمصر إلى تحفنحيس المحصنة ليضمنوا لسكنهم فيها الحماية من أية هجمات بابلية.
† لا تتكل على ذراع بشر أو عقلك أكثر من الله لئلا تتعرض لمتاعب كثيرة أطع وصاياه قبل عقلك واطمئن فهو قادر على تنفيذ وعوده لحمايتك ورعايتك.
(2) غزو مصر (ع8-13):
8 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا فِي تَحْفَنْحِيسَ قَائِلَةً: 9 «خُذْ بِيَدِكَ حِجَارَةً كَبِيرَةً وَاطْمُرْهَا فِي الْمِلاَطِ، فِي الْمَلْبِنِ الَّذِي عِنْدَ بَابِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ فِي تَحْفَنْحِيسَ أَمَامَ رِجَال يَهُودٍ. 10 وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُرْسِلُ وَآخُذُ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ عَبْدِي، وَأَضَعُ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ هذِهِ الْحِجَارَةِ الَّتِي طَمَرْتُهَا فَيُبْسِطُ دِيبَاجَهُ عَلَيْهَا. 11 وَيَأْتِي وَيَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ، الَّذِي لِلْمَوْتِ فَلِلْمَوْتِ، وَالَّذِي لِلسَّبْيِ فَلِلسَّبْيِ، وَالَّذِي لِلسَّيْفِ فَلِلسَّيْفِ. 12 وَأُوقِدُ نَارًا فِي بُيُوتِ آلِهَةِ مِصْرَ فَيُحْرِقُهَا وَيَسْبِيهَا، وَيَلْبَسُ أَرْضَ مِصْرَ كَمَا يَلْبَسُ الرَّاعِي رِدَاءَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ بِسَلاَمٍ. 13 وَيَكْسِرُ أَنْصَابَ بَيْتَ شَمْسٍ الَّتِي فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيُحْرِقُ بُيُوتَ آلِهَةِ مِصْرَ بِالنَّارِ».
ع8: لم يستسلم إرميا لإجبار اليهود له أن يأتي لمصر فيخاف ويصمت، بل اعتبرها فرصة لإعلان كلام الله وأتته نبوة من الله هدفها توبة شعبه.
ع9: الملاط: الطين الذي يصنعون منه الطوب.
الملبن : المكان الذي يعجن فيه الطين ليعمل ألواح من الطوب اللبن.
كانت هذه النبوة مصحوبة بأعمال طلبها الله ظاهرة مرئية تؤكد معنى النبوة إذ طلب من إرميا أن يدفن حجارة كبيرة في الطين أمام قصر الملك وهذه تمثل قوة بابل العظيمة التي لا يستوعب بنى إسرئيل ولا المصريون قوتها فهي في نظرهم غير ظاهرة ومطمورة في الطين ولكنها قوية قادرة أن تحطم مصر، ولا تخاف من فرعون إذ أن إرميا طمرها أمام باب قصر الملك.
ع10: ديباجة: الثياب الملكية الحريرية.
يبسط ديباجة عليها : يسيطر على المنطقة ويحتلها.
إعلان النبوة التي تؤكدها الحجارة المطمورة، أن نبوخذنصر ملك بابل سيهاجم مصر ويهزمها وقد حدث هذا عام 568 ق.م.
ع11: عندما يضرب ملك بابل مصر سيقتل البعض ويسبى الآخر.
ع12: أرض مصر: يسيطر عليها بسهولة وسرعة كما يلبس الراعى ثوبه.
في هجوم نبوخذنصر سيحرق معابد مصر الوثنية ويسحق ويستولى على الأرض وبعد انتصاره يعود إلى بلاده ظافرًا.
ع13: أنصاب: المسلات.
اشتهرت مصر بعبادة "رع" إله الشمس وسيحرق ملك بابل معابده والمسلات المقامة لتمجيده يكسرها ويحرق عمومًا المعابد التي يقابلها.
† تحطيم قوة مصر تدعو الإنسان للاتكال على الله فهو القوة الوحيدة الثابتة الدائمة في العالم.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الرابع والاربعون

(1) عبادتهم للأوثان (ع1-10):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ كُلِّ الْيَهُودِ السَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، السَّاكِنِينَ فِي مَجْدَلَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ، وَفِي نُوفَ وَفِي أَرْضِ فَتْرُوسَ قَائِلَةً: 2 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبْتُهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، فَهَا هِيَ خَرِبَةٌ هذَا الْيَوْمَ وَلَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، 3 مِنْ أَجْلِ شَرِّهِمِ الَّذِي فَعَلُوهُ لِيُغِيظُونِي، إِذْ ذَهَبُوا لِيُبَخِّرُوا وَيَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ. 4 فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا قَائِلًا: لاَ تَفْعَلُوا أَمْرَ هذَا الرِّجْسِ الَّذِي أَبْغَضْتُهُ. 5 فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلاَ أَمَالُوا أُذْنَهُمْ لِيَرْجِعُوا عَنْ شَرِّهِمْ فَلاَ يُبَخِّرُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى. 6 فَانْسَكَبَ غَيْظِي وَغَضَبِي، وَاشْتَعَلاَ في مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، فَصَارَتْ خَرِبَةً مُقْفِرَةً كَهذَا الْيَوْمِ. 7 فَالآنَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لِمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِكُمْ لانْقِرَاضِكُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً أَطْفَالًا وَرُضَّعًا مِنْ وَسْطِ يَهُوذَا وَلاَ تَبْقَى لَكُمْ بَقِيَّةٌ؟ 8 لإِغَاظَتِي بِأَعْمَالِ أَيَادِيكُمْ، إِذْ تُبَخِّرُونَ لآلِهَةٍ أُخْرَى فِي أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي أَتَيْتُمْ إِلَيْهَا لِتَتَغَرَّبُوا فِيهَا، لِكَيْ تَنْقَرِضُوا وَلِكَيْ تَصِيرُوا لَعْنَةً وَعَارًا بَيْنَ كُلِّ أُمَمِ الأَرْضِ. 9 هَلْ نَسِيتُمْ شُرُورَ آبَائِكُمْ وَشُرُورَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَشُرُورَ نِسَائِهِمْ، وَشُرُورَكُمْ وَشُرُورَ نِسَائِكُمُ الَّتِي فُعِلَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ 10 لَمْ يُذَلُّوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَلاَ خَافُوا وَلاَ سَلَكُوا فِي شَرِيعَتِي وَفَرَائِضِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ وَأَمَامَ آبَائِكُمْ.
ع1: مجدل: مدينة تقع شمال شرق مصر نواحى السويس (خر14: 2)، (عد33: 7).
تحفنحيس : تقع غرب القنطرة وتبعد عنها 10 أميال وكان فيها قصر للملك.
نوف : مدينة تقع جنوب القاهرة حوالي 12 ميل وكانت عاصمة لمصر في بعض الوقت.
فتروس : هي طيبة أي الأقصر الحالية وكانت عاصمة لمصر بعض الوقت.
يفهم من هذه الآية أن اليهود الذين هربوا من مملكة يهوذا انتشروا في مصر من شمالها إلى جنوبها، وفى آخر هجرة حملوا إرميا معهم، وكانت كلمة الله له موجهة لليهود المنتشرين في بلاد مصر كلها وخاصة البلاد المذكورة هنا.
ع2: يتكلم الله بقوة معلنًا اسمه أنه رب الجنود أي الإله القادر على كل شيء الذي أدب شعبه في أورشليم وكل مملكة يهوذا بتدمير مدنهم وقتل الكثيرين منهم، وأصبحت المدن خربة لا يسكنها أحد.
ع3: سبب هذا التأديب هو عبادة الشعب للأوثان لآلهة لم يعرفوها لا هم ولا آبائهم بل هي آلهة الشعوب المحيطة بهم.
ع4: الرجس: الشر والقذارة التي يكرهها الله.
الله في طول آناته أرسل أنبياء كثيرين من أيام موسى حتى إرميا يعلمونهم عبادة الله والابتعاد عن عبادة الآلهة الغريبة، التي هي نجاسة وشر يبغضه الله جدًا.
ع5: للأسف لم يسمع الشعب لكلام الأنبياء وأصروا على عبادة الأوثان.
ع6: ومن أجل هذه الشرور أدبهم الله بتخريب مدنهم.
ع7: يحذرهم الله من أجل استمرارهم في عبادة الأوثان التي ستؤدى إلى فنائهم كبارًا أو صغارًا. وقد حدث هذا فعلًا فمات اليهود الذين في مصر ولم يبق إلا عدد قليل استطاعوا العودة إلى مملكة يهوذا.
ع8: استكمل اليهود شرورهم بعبادة الأوثان في مصر في تحدٍ لله وإغاظة له، والنتيجة أنه سيؤدبهم فينقرضوا كشعب، أي يصيروا شعبًا ضعيفًا جدًا حتى يكونوا مثالًا للعار والخزى بين الشعوب، إذ أتت عليهم لعنة إلههم الذي أغضبوه.
ع9: يذكرهم الله بشرور آبائهم وخطايا ملوكهم وزوجاتهم مثل ازابيل زوجة آخاب، وزوجات سليمان اللاتي أملن قلبه عن عبادة الله، وشرور كل الشعوب وكيف كان تأديبهم الإلهي بتخريب مدنهم وقتل الكثيرين منهم.
ع10: كان من الطبيعي أمام التأديب الإلهي أن يتذلل الشعب في توبة ويخافوا الله، فينالوا مراحمه ولكنهم للأسف استمروا في عبادة الأوثان، بل تزايدوا فيها عندما جاءوا إلى مصر المملوءة بالآلهة الوثنية، ولم يرجع أحد إلى شريعة الله وعبادته.
† تذكر كم صنعت بك خطاياك القديمة وأتعبتك وأبعدتك عن الله حتى تحترس اليوم من مصادر الشر التي تسقطك في الخطية فتبتعد عنها وإن سقطت تتوب سريعًا وترجع إلى الله وتتمتع بغفرانه وحبه ورعايته.
(2) عقاب الله لخطاياهم (ع11-14):
11 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أَجْعَلُ وَجْهِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ، وَلأَقْرِضَ كُلَّ يَهُوذَا. 12 وَآخُذُ بَقِيَّةَ يَهُوذَا الَّذِينَ جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ لِلدُّخُولِ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لِيَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ، فَيَفْنَوْنَ كُلُّهُمْ فِي أَرْضِ مِصْرَ. يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ وَبِالْجُوعِ. يَفْنَوْنَ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ. يَمُوتُونَ وَيَصِيرُونَ حَلْفًا وَدَهَشًا وَلَعْنَةً وَعَارًا. 13 وَأُعَاقِبُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، كَمَا عَاقَبْتُ أُورُشَلِيمَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ. 14 وَلاَ يَكُونُ نَاجٍ وَلاَ بَاق لِبَقِيَّةِ يَهُوذَا الآتِينَ لِيَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، لِيَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا الَّتِي يَشْتَاقُونَ إِلَى الرُّجُوعِ لأَجْلِ السَّكَنِ فِيهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرْجعُ مِنْهُمْ إِلاَّ الْمُنْفَلِتُونَ».
ع11: يعلن الله قراره بإبادة شعبه فيرون وجه الله الغاضب عليهم فيسمح بقتلهم لأجل خطاياهم.
ع12: حلفًا: يصيرون مثالًا للتأديب الإلهي ويحلف الناس مستشهدين بما حدث لهم. أي يصيروا عبرة أمام كل الشعوب.
دهشًا : يتعجب الناس من قسوة التأديب التي حدثت لهم لكثرة شرورهم.
يصيب التأديب الإلهي المهاجرين إلى مصر أي البقية من اليهود الذين بقوا بعد السبي البابلي وطلبوا الحماية بمجيئهم إلى مصر بدلًا من طاعة الله والاتكال عليه والبقاء في بلادهم كما قال لهم إرميا فيبيدهم الله بشكل واضح فيصيرون أمام كل الشعوب مثالًا للتأديب الإلهي نتيجة تمردهم عصيانهم.
ع13: يحل العقاب الإلهي لليهود العابدين الأوثان في مصر كما حل على اليهود عابدى الأوثان في أورشليم ومملكة يهوذا بهجوم بابل عليهم، كما هجمت بابل على أورشليم تهجم أيضًا على مصر.
ع14: يفنى اليهود المهاجرين إلى مصر ولا يرجعون إلى بلادهم إلا عددًا قليلًا استطاع أن يهرب، وقد أبقى الله على هذه البقية لعلها تتوب وتعبده.
† الله في حنانه يطيل أناته عليك ويعطيك فرصة للتوبة وإن سمح بضيقات وتعطل بعض الأمور في حياتك ولكن مازال لك قوة لترجع إليه فتحيا نفسك وتتمتع بعشرته.
(3) الإصرار على عبادة الأوثان (ع15-19):
15 فَأَجَابَ إِرْمِيَا كُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ عَرَفُوا أَنَّ نِسَاءَهُمْ يُبَخِّرْنَ لآلِهَةٍ أُخْرَى، وَكُلُّ النِّسَاءِ الْوَاقِفَاتِ، مَحْفَلٌ كَبِيرٌ، وَكُلُّ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي فَتْرُوسَ قَائِلِينَ: 16 «إِنَّنَا لاَ نَسْمَعُ لَكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي كَلَّمْتَنَا بِهَا بِاسْمِ الرَّبِّ، 17 بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا، فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ. كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا. 18 وَلكِنْ مِنْ حِينَ كَفَفْنَا عَنِ التَّبْخِيرِ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَسَكْبِ سَكَائِبَ لَهَا، احْتَجْنَا إِلَى كُلّ، وَفَنِينَا بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ. 19 وَإِذْ كُنَّا نُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ، فَهَلْ بِدُونِ رِجَالِنَا كُنَّا نَصْنَعُ لَهَا كَعْكًا لِنَعْبُدَهَا وَنَسْكُبُ لَهَا السَّكَائِبَ؟»
ع15: كان إرميا يتكلم مع اليهود الساكنين في فتروس أي الأقصر حاليًا ويدعوهم للتوبة والرجوع إلى الله كما هو واضح في الآيات السابقة من هذا الإصحاح ولكن كان الرد غريبًا من الرجال والنساء الذين كانوا مجتمعين حول إرميا في محفل كبير لسماع صوت الله.
ع16: رفض الكل سماع كلام الله على فم إرميا في تحدٍ واضح لله وعصيان كامل.
ع17: أعلنوا أنهم سيستمرون في عبادة آلهة السموات وهي إما عشتاروث آلهة الأشوريين أو بعل أو أية آلهة يتخذونها من السموات مثل الشمس والقمر والنجوم والعواصف... وكان دليلهم ومشجعهم على عبادتها هو ما ظنوه من راحة وخير أثناء عبادتهم لها في مملكة يهوذا إذ نسبوا خيرهم لعبادة آلهة السماء وليس لله الذي يطيل آناته عليهم. وهذا يبين مدى التمرد والإصرار على الشر.
† إن كنت قد ضعفت وأخطأت فارجع إلى الله لأنه حنون ورحيم ولكن لا تبرر خطاياك فتصر عليها وتتحدى الله، فمن أنت حتى تقف أمام الله وتعصاه؟!! أعتذر له ولمن حولك باتضاع فتستعيد بنوتك له.
ع18: سكائب: كانوا يسكبون الخمر والزيت إرضاء للآلهة.
احتجنا إلى كلٍ : احتجنا إلى كل الاحتياجات المادية أي أصبحنا في فقر.
نسبوا الخير لعبادة آلهة السماء ونسبوا الفقر إلى عدم عبادتهم مع أن الحقيقة أن الخير كان من طول أناة الله عليهم، والفقر كان تأديب إلهي ليعودوا إليه. وهكذا لابتعادهم عن الله لم يفهموا مقاصده واستمروا بعناد في شرورهم.
ع19: أعلنت النساء أن عبادتهن لآلهة السموات بعمل كعك وسكب سكائب كان بموافقة بل ومساعدة رجالهن أي أن الكل رجالًا ونساءًا مصرين على عبادة الأوثان.
(4) تأكيد العقاب الإلهي (ع20-30):
20 فَكَلَّمَ إِرْمِيَا كُلَّ الشَّعْبِ، الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَكُلَّ الشَّعْبِ الَّذِينَ جَاوَبُوهُ بِهذَا الْكَلاَمِ قَائِلًا: 21 «أَلَيْسَ الْبَخُورُ الَّذِي بَخَّرْتُمُوهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَمُلُوكُكُمْ وَرُؤَسَاؤُكُمْ وَشَعْبُ الأَرْضِ، هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّبُّ وَصَعِدَ عَلَى قَلْبِهِ. 22 وَلَمْ يَسْتَطِعِ الرَّبُّ أَنْ يَحْتَمِلَ بَعْدُ مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، مِنْ أَجْلِ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي فَعَلْتُمْ، فَصَارَتْ أَرْضُكُمْ خَرِبَةً وَدَهَشًا وَلَعْنَةً بِلاَ سَاكِنٍ كَهذَا الْيَوْمِ. 23 مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ قَدْ بَخَّرْتُمْ وَأَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ، وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ، وَلَمْ تَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَهَادَاتِهِ مِنْ أَجِلِ ذلِكُمْ قَدْ أَصَابَكُمْ هذَا الشَّرُّ كَهذَا الْيَوْمِ». 24 ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِكُلِّ الشَّعْبِ وَلِكُلِّ النِّسَاءِ: «اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 25 هكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِفَمِكُمْ وَأَكْمَلْتُمْ بِأَيَادِيكُمْ قَائِلِينَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نُتَمِّمُ نُذُورَنَا الَّتِي نَذَرْنَاهَا، أَنْ نُبَخِّرَ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ، فَإِنَّهُنَّ يُقِمْنَ نُذُورَكُمْ، وَيُتَمِّمْنَ نُذُورَكُمْ. 26 لِذلِكَ اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا السَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ: هأَنَذَا قَدْ حَلَفْتُ بِاسْمِي الْعَظِيمِ، قَالَ الرَّبُّ، إِنَّ اسْمِي لَنْ يُسَمَّى بَعْدُ بِفَمِ إِنْسَانٍ مَا مِنْ يَهُوذَا فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ قَائِلًا: حَيٌّ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 27 هأَنَذَا أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ، فَيَفْنَى كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ حَتَّى يَتَلاَشَوْا. 28 وَالنَّاجُونَ مِنَ السَّيْفِ يَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا نَفَرًا قَلِيلًا، فَيَعْلَمُ كُلُّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا الَّذِينَ أَتُوْا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لِيَتَغَرَّبُوا فِيهَا، كَلِمَةَ أَيِّنَا تَقُومُ. 29 «وَهذِهِ هِيَ الْعَلاَمَةُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنِّي أُعَاقِبُكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَقُومَ كَلاَمِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ. 30 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ فِرْعَوْنَ حَفْرَعَ مَلِكَ مِصْرَ لِيَدِ أَعْدَائِهِ وَلِيَدِ طَالِبِي نَفْسِهِ، كَمَا دَفَعْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَدُوِّهِ وَطَالِبِ نَفْسِهِ».
ع20: أطال الله أناته على الشعب المتمرد فأرسل لهم كلامه ثانية على فم إرميا.
ع21: ذكرهم إرميا بشرورهم في التبخير للأوثان في أورشليم وبلاد يهوذا مما أغاظ الله وضايقه جدًا، لأنه خرج من الشعب كله والملوك والرؤساء.
ع22: لم يستطع الله أن يصبر أكثر من هذا على شرورهم إذ لم يجد فيهم ميل للتوبة، فأدبهم بتخريب أورشليم وبلاد يهوذا. فيوضح هنا إرميا أن الفقر والخراب كان بسبب خطاياهم في حق الله وليس لابتعادهم عن عبادة آلهة السماء كما ظنوا.
ع23: يؤكد أن سبب العار والذل الذي صاروا فيه هو خطاياهم في حق الله بتبخيرهم للأوثان.
ع24، 25: قال لهم إرميا كلام الله وعقابه الآتي عليهم بسبب تبخيرهم لآلهة السموات وتقديم نذور لها كل هذا يؤكد إيمانهم بها وليس بالله.
ع26: بسبب شرورهم سيمنع الله ذكر اسمه بأفواه اليهود الأشرار لأنهم يذكرون اسمه وفى نفس الوقت يعبدون الأوثان التي هي ضده فسيسمح بقتلهم على يد بابل لأجل إصرارهم على الشر.
ع27: يقرر الله أنه سيبيد شعبه فيموتون بسيف ملك بابل ومن لا يموتون بالسيف سيموتون بالجوع عكس ما تخيلوا من وجود خيرات لهم في مصر.
† لا تظن أن راحتك في طموحاتك المادية لأنها غير مضمونة ومتقلبة وزائلة، ولكن أطلب أولًا أن تحيا مع الله وتستعيد سلامك وتتمتع بفرح على الأرض ثم في السماء.
ع28: كلمة أينا تقوم: كلمة أيًا منا تقوم، هل كلمة الله أم كلمة اليهود.
عندما يهجم ملك بابل على مصر ويقتل الكثيرين من المصريين ومعهم اليهود سيظهر كلام من هو الصحيح أكلام الله الذي نفذ كلامه وعاقبهم بقتل أكثرهم ولم يفلت إلا القليلون الذين عادوا إلى بلادهم أم كلمة شعبه المتمرد الذين يظنون أنهم في حماية آلهة السموات ويتمتعون بحماية وخير مصر. أي أن الأحداث ستثبت أن كلام الله هو الصحيح وليس كلام المتمردين عبدة الأوثان.
ع29، 30: أعطى الله علامة على تنفيذ كلامه بموت معظم شعبه الذين أتوا إلى مصر بأن فرعون مصر واسمه حفرع سيموت بيد ملك بابل وقد حدث هذا فعلًا لأن حفرع هذا من الأسرة السادسة والعشرين فهو الملك الرابع منها وقد مات عام 546 ق.م. فهذه علامة واضحة أن ملك بابل الذي قبض على صدقيا ملك يهوذا سيقتل حفرع ملك مصر.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الخامس والاربعون

(1) زمن النبوة (ع1):
1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا إِرْمِيَا النَّبِيُّ إِلَى بَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا عِنْدَ كَتَابَتِهِ هذَا الْكَلاَمَ فِي سِفْرٍ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلًا:
يحدد إرميا زمن هذه النبوة وهو السنة الرابعة للملك يهوياقيم بن يوشيا وكان ملكًا شريرًا يرفض كلام الله بدليل تمزيقه وحرقه للدرج المكتوب فيه نوبات إرميا بيد باروخ (إر 36) بل وطلبه القبض على إرميا وباروخ.
فبعد ذلك أمر الله إرميا أن يكتب هذه النبوة موجهة لباروخ. فمن الناحية الزمنية كان ينبغى أن يوضح هذا الأصحاح بعد الأصحاح السادس والثلاثون ولكن وضع هذا الأصحاح هنا بعد النبوات الموجهة لليهود في مصر التي ذكرت في الأصحاح السابق وهدفها سواء في زمانها أو في وضعها هنا تعزية باروخ.
† اشكر الله كل يوم على تعزياته ومساندته لك في الحياة سواء في شكل عطايا صالحة أو ضيقات تشعر بمساندة الله لك فيها.
(2) حزن باروخ (ع2، 3):
2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لَكَ يَا بَارُوخُ: 3 قَدْ قُلْتَ: وَيْلٌ لِي لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ زَادَ حُزْنًا عَلَى أَلَمِي. قَدْ غُشِيَ عَلَيَّ في تَنَهُّدِي، وَلَمْ أَجِدْ رَاحَةً.
عندما رأى باروخ رفض الملك يهوياقيم لكلام الله حزن جدًا وأخذ يتنهد حزنًا ويتأوه حتى كاد يفقد وعيه من الحزن لأنه رأى الإصرار على الشر في الملك والأشرار الذين معه وتكرر هذا الإصرار على الشر مرات كثيرة مثل إصرار اليهود على النزول إلى مصر بعد قتل جدليا (إر 43) ثم إصرارهم على عبادة الأوثان في مصر (إر 44).
† إن باروخ حزن لأنه واجه المشكلة بنفسه وكان ينبغى أن يتكل على الله وينفذ فقط وصاياه. فلا يتعلق قلبك بثمار أعمالك الصالحة فتنزعج إن كانت سيئة بل أقبل تدبير الله لأنه يعلم خيرك وأتركه يأتي بالثمار الصالحة في الوقت الذي يراه وثق أنه يحبك ويحفظك مهما أحاط بك الشر.
(3) رجاء لباروخ (ع4، 5):
4 «هكَذَا تَقُولُ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَهْدِمُ مَا بَنَيْتُهُ، وَأَقْتَلِعُ مَا غَرَسْتُهُ، وَكُلَّ هذِهِ الأَرْضِ. 5 وَأَنْتَ فَهَلْ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُورًا عَظِيمَةً؟ لاَ تَطْلُبُ! لأَنِّي هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى كُلِّ ذِي جَسَدٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعْطِيكَ نَفْسَكَ غَنِيمَةً فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَسِيرُ إِلَيْهَا».
ع4: يعلن الله عقابه وتأديبه لأورشليم واليهودية بسبب شرورهم حتى يدعو الكل للتوبة، فيهدم شعبه الذي كونه ويطرده ويقتلعه من أرض الميعاد الذي غرسه فيها.
ع5: يبدو أن باروخ كان يأمل أن ينال منصبًا في الدولة لأن أخوه سرايا صار رئيسًا للمحلة أيام صدقيا (إر 51: 59) لذا ينهاه الله عن التعلق بالمراكز ومطالب العالم العالية لأنها كلها زائلة وستخرب أورشليم وكل البلاد المحيطة بها ويموت الكثيرون ولكن تظهر محبة الله لباروخ أنه ينجيه من الشر فلا يصيبه أذى.
† لا تتعلق بأمور هذ العالم الزائلة بل اهتم بخلاص نفسك حتى لا تتنجس بشروره وتصل إلى الملكوت وإن سقطت فتقوم سريعًا وإن نلت أمور مادية فأشكر الله العاطى واستخدمها لمجده.


تفسير سفر ارميا الاصحاح السادس والاربعون
(1) معركة كركميش (ع1، 2):
1 كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الأُمَمِ، 2 عَنْ مِصْرَ، عَنْ جَيْشِ فِرْعَوْنَ نَخُو مَلِكِ مِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ فِي كَرْكَمِيشَ، الَّذِي ضَرَبَهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا:
ع1: يبدأ من هذا الإصحاح نبوات عن الأمم حتى نهاية السفر وهو يهتم بتأديب الأمم لأن الله خالق جميع الشعوب ويريد خلاصهم فإن كان يؤدبهم بشدة فحتى يتوبوا وحينئذ يباركهم ببركة عظيمة مثل مصر التي أدبها بهزيمة تلو الأخرى وفقر وذل حتى تتوب ثم يعطيها بركة فتصير كنيسة قوية لله حتى الآن.
ع2: فرعون نخو: هو الملك الثاني من الأسرة السادسة والعشرين ويمثل نهاية الملوك الأقوياء في مصر وملك من عام 609 - 583 ق . م
كركميش: معناها قلعة كاموش إله موآب الرئيسي وتقع على نهر الفرات في عربة النبوة الأولى المذكورة في هذا الإصحاح عن هزيمة فرعون نخو ملك مصر بيد نبوخذراصر ملك بابل في معركة كركميش في السنة الرابعة للملك يهوياقيم ملك يهوذا أي عام 605 ق.م
† رغم أن نخو كان مستوليًا على كركميش لمدة 4 سنوات وقد حصنها واستولى على كل البلاد التي قبلها في سورية ولكنه هزم على يد نبوخذ نصر وضاع كل سلطانه على هذه المنطقة. فلا تتكبر مهما كانت قوتك واعلم أن كل قوة معك هي نعمة من الله أشكره عليها واستخدمها بأمانة لمجده.
[2] سقوط مصر المتكبرة (ع 3 - 12)
3 «أَعِدُّوا الْمِجَنَّ وَالتُّرْسَ وَتَقَدَّمُوا لِلْحَرْبِ. 4 أَسْرِجُوا الْخَيْلَ، وَاصْعَدُوا أَيُّهَا الْفُرْسَانُ، وَانْتَصِبُوا بِالْخُوَذِ. اصْقِلُوا الرِّمَاحَ. الْبَسُوا الدُّرُوعَ. 5 لِمَاذَا أَرَاهُمْ مُرْتَعِبِينَ وَمُدْبِرِينَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَقَدْ تَحَطَّمَتْ أَبْطَالُهُمْ وَفَرُّوا هَارِبِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا؟ الْخَوْفُ حَوَالَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 6 الْخَفِيفُ لاَ يَنُوصُ وَالْبَطَلُ لاَ يَنْجُو. فِي الشِّمَالِ بِجَانِبِ نَهْرِ الْفُرَاتِ عَثَرُوا وَسَقَطُوا. 7 مَنْ هذَا الصَّاعِدُ كَالنِّيلِ، كَأَنْهَارٍ تَتَلاَطَمُ أَمْوَاهُهَا؟ 8 تَصْعَدُ مِصْرُ كَالنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ تَتَلاَطَمُ الْمِيَاهُ. فَيَقُولُ: أَصْعَدُ وَأُغَطِّي الأَرْضَ. أُهْلِكُ الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا. 9 اصْعَدِي أَيَّتُهَا الْخَيْلُ، وَهِيجِي أَيَّتُهَا الْمَرْكَبَاتُ، وَلْتَخْرُجِ الأَبْطَالُ: كُوشُ وَفُوطُ الْقَابِضَانِ الْمِجَنَّ، وَاللُّودِيُّونَ الْقَابِضُونَ وَالْمَادُّونَ الْقَوْسَ. 10 فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ. 11 اصْعَدِي إِلَى جِلْعَادَ وَخُذِي بَلَسَانًا يَا عَذْرَاءَ، بِنْتَ مِصْرَ. بَاطِلًا تُكَثِّرِينَ الْعَقَاقِيرَ. لاَ رِفَادَةَ لَكِ. 12 قَدْ سَمِعَتِ الأُمَمُ بِخِزْيِكِ، وَقَدْ مَلأَ الأَرْضَ عَوِيلُكِ، لأَنَّ بَطَلًا يَصْدِمُ بَطَلًا فَيَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا مَعًا».
ع3: المجن : آلة حربية للدفاع مثل الترس.
ترس : قرص خشبى له عروة يلبسه الجندى في ذراعه ويحركه أمامه لحمايته من السهام.
ينادى قادة الجيش المصرى جنودهم ليعدوا أسلحتهم، ويتقدموا لمحاربة جيش بابل في معرك كركميش.
ع4: أسرجوا الخيل : ضعوا السُرج على ظهر الخيول والسُرج جمع سِرج وهو المقعد الذي يجلس عليه الفارس فوق ظهر الفرس.
الخوذ: جمع خوذة وهي غطاء معدني يوضع على رأس الجندي لحمايته من الضربات.
اصقلوا: نظفوها لتصير حادة ومدببة فتصيب الأعداء.
الدروع: جمع درع وهو ما يلبسه الجندي على صدره حتى فوق ركبتيه ويكون معدني لحمايته من الضربات.
يستكمل الله دعوتهم لجنودهم ليعدوا الآت الحرب ويلبسونها للدخول في معركة مع البابليين.
ع5: مدبرين: مسرعين هربًا إلى الوراء
بحزن شديد يرى إرميا بروح النبوة جنود مصر هاربين من أمام قوة الجيش البابلي وهم في خوف شديد يسرعون لينجوا بحياتهم.
ع6: ينوص: يهرب
يرى إرميا أيضًا أن الجنود المتميزين بالخفة والسرعة لا يستطيعوا الهرب من وجه جيش بابل. وكذلك الأقوياء الأبطال المصريين يسقطون قتلى، وهكذا انهزم الجيش المصري في الشمال أي في كركميش على نهر الفرات.
ع7: أمواهها: مياهها وأمواجها
ع8: كان الجيش المصري واثقًا من قوته مثل نهر النيل المملوء بالحياه، فكان الجيش متأكدًا من أنه سينتصر على بابل.
ع9: كوش: الحبشة
فوط: منطقة في ليبيا أو الصومال
اللوديون : باقي سكان ليبيا
كان الجيش المصري مستعينًا بالمرتزقة من البلاد المجاورة مثل ليبيا وأفريقيا وكذلك الحبشة وهؤلاء المرتزقة كانوا متمرنين على رمي السهام بالقوس، فتقدم الجيش المصري بثقة أنه سيغلب لقوته العظيمة
ع10: كان يوم معركة كركميش يوم انتقام الرب من مصر المتكبرة التي أذلت شعبه أيام موسى وضايقته في العصور التالية، ويستخدم الله بابل كأداة لتأديب مصر فالله هو المنتقم ليذل المصريين لعلهم يتوبون ويرجعون إليه ولا يعتمدو على آلهتهم الوثنية. فقد قتل في هذه المعركة وسالت دماء الكثيرين من المصريين.
ع11: جلعاد: منطقة تقع شرق نهر الأردن واستولى عليها بنو إسرائيل وسكنوا فيها.
بلسانًا: نبات عبارة عن أشجار مرتفعة ملساء لها ورق صغير، من جزع الشجرة يخرج سائل يستخدم في علاج أمراض كثيرة وكان ينمو في جلعاد والحبشة.
العقاقير: أدوية.
رفادة: قطعة من القماش تلف على الجروح مثلما ما نسميه اليوم الشاش. وعبارة لا رفادة يقصد بها لا علاج لك.
يشبه مصر بامرأة ضعيفة يستعير لها اسم عذراء أي فتاة صغيرة ضعيفة قد أصابتها جيوش بابل وتبحث عن أدوية لعلاج جروحها ولكن بلا فائدة لأنها قد تحطمت أمام بابل.
ع12: يعلن هزيمة مصر التي أخذت تصرخ من هول الهزيمة في كركميش، وسمعت بها الدول المحيطة بها؛ لأنه إن كانت مصر قوية كالبطل لكن بابل أقوى منها فصدمتها كبطل وحطمتها.
† إن كنت قد قابلت ضيقات وآلام فلا تبحث عن علاج لك في العالم إذ علاجك الوحيد هو معرفة المسيح والحياة معه فهو الذي يشفيك من جميع آلامك النفسية والجسدية ويعيد لك قوتك الروحية.
[3] هجوم بابل على مصر (ع 13 - 17):
13 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ فِي مَجِيءِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَضْرِبَ أَرْضَ مِصْرَ: 14 «أَخْبِرُوا فِي مِصْرَ، وَأَسْمِعُوا فِي مَجْدَلَ، وَأَسْمِعُوا فِي نُوفَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ. قُولُوا انْتَصِبْ وَتَهَيَّأْ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ حَوَالَيْكَ. 15 لِمَاذَا انْطَرَحَ مُقْتَدِرُوكَ؟ لاَ يَقِفُونَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ طَرَحَهُمْ! 16 كَثَّرَ الْعَاثِرِينَ حَتَّى يَسْقُطَ الْوَاحِدُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَقُولُوا: قُومُوا فَنَرْجِعَ إِلَى شَعْبِنَا، وَإِلَى أَرْضِ مِيلاَدِنَا مِنْ وَجْهِ السَّيْفِ الصَّارِمِ. 17 قَدْ نَادُوا هُنَاكَ: فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ هَالِكٌ. قَدْ فَاتَ الْمِيعَادُ.
ع13: بعد انتصار بابل على مصر في معركة كركميش عام 605 ق . م تحركت جيوش بابل المحاصرة وأورشليم، فتقدمت جيوش مصر لمعاونة أورشليم فانسحب الجيش البابلي بحكمة حربية وذلك عام 588 ق . م وعادت جيوش مصر إلى مصر ثم تحركت جيوش بابل لمهاجمة مصر وذلك بعد حوالي 17 سنة من انتصارها عليهم في كركميش فدمرت قوة مصر ثم عادت لمحاصرة أورشليم واستولت عليه وضربتها عام 587 ق . م.
ع14: ينادى إرميا بروح النبوة مصر ببلادها المختلفة التي سبق الكلام عنها في (إر 44: 1) حتى تستعد للهجوم البابلي الآتي عليها.
ع15: سقط أبطال وجبابرة الجيش المصري قتلى أمام الجيش البابلي ويوضح إرميا أن هذا بسماح من الله لتأديبهم لأجل كبريائهم لعلهم يتوبون لقوله لأن الرب قد طردهم.
ع16: كذلك جنود المرتزقة الذين ضمتهم مصر إلى جيشها من بلاد أفريقيا عندما رأوا ضعف مصر للمرة الثانية أمام بابل التي هاجمت مصر في أرضها وسقط بعضهم مع الجنود المصريين قتلى أمام بابل قالا هلم نرجع إلى بلادنا وذلك لينجوا أنفسهم لأن مصر أصبحت ضعيفة وأصبحت القوة المهيمنة على العالم هي بابل.
ع17: نادى الجنود المرتزقة وكذلك المصريون بأن فرعون الملك معرض للهلاك وقد مر الوقت الذي كانت فيه مصر القوى العظمى في العالم قبل أشور وبابل.
في ترجمة أخرى مثل اليسوعية ترجمت كلمة هالك بجلبة أي "ضجيج" والمعنى نادوا فرعون بأن مصر قد امتلأت ضجيجًا بسبب الهجوم البابلي وضاعت كرامة مصر وضعفت.
† لا تعتمد على قوتك في مواجهة العالم لأنك إنسان ومهما كانت قوتك فهي معرضة للتقلب ولكن اعتمد على الله الذي لا يتغير فلا تخشى من قوة العالم واحتفظ بسلامك حتى لو مرت بك ضيقات فتكون مطمئنًا كل حين.
[4] تخريب مصر بيد بابل (ع 18 - 26)
18 حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، كَتَابُورٍ بَيْنَ الْجِبَالِ، وَكَكَرْمَل عِنْدَ الْبَحْرِ يَأْتِي. 19 اِصْنَعِي لِنَفْسِكِ أُهْبَةَ جَلاَءٍ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ السَّاكِنَةُ مِصْرَ، لأَنَّ نُوفَ تَصِيرُ خَرِبَةً وَتُحْرَقُ فَلاَ سَاكِنَ. 20 مِصْرُ عِجْلَةٌ حَسَنَةٌ جِدًّا. الْهَلاَكُ مِنَ الشِّمَالِ جَاءَ جَاءَ. 21 أَيْضًا مُسْتَأْجَرُوهَا فِي وَسْطِهَا كَعُجُولِ صِيرَةٍ. لأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا يَرْتَدُّونَ، يَهْرُبُونَ مَعًا. لَمْ يَقِفُوا لأَنَّ يَوْمَ هَلاَكِهِمْ أَتَى عَلَيْهِمْ، وَقْتَ عِقَابِهِمْ. 22 صَوْتُهَا يَمْشِي كَحَيَّةٍ، لأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ بِجَيْشٍ، وَقَدْ جَاءُوا إِلَيْهَا بِالْفُؤُوسِ كَمُحْتَطِبِي حَطَبٍ. 23 يَقْطَعُونَ وَعْرَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَإِنْ يَكُنْ لاَ يُحْصَى، لأَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا أَكْثَرَ مِنَ الْجَرَادِ، وَلاَ عَدَدَ لَهُمْ. 24 قَدْ أُخْزِيَتْ بِنْتُ مِصْرَ وَدُفِعَتْ لِيَدِ شَعْبِ الشِّمَالِ. 25 قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ أَمُونَ نُو وَفِرْعَوْنَ وَمِصْرَ وَآلِهَتَهَا وَمُلُوكَهَا، فِرْعَوْنَ وَالْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ. 26 وَأَدْفَعُهُمْ لِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ نَبُوخَذْراصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَلِيَدِ عَبِيدِهِ. ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تُسْكَنُ كَالأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع18: تابور: جبل مرتفع إرتفاعه 1800 قدم يقع بجوار وادي يزرعيل في شمال بلاد اليهود.
كرمل: جبل مرتفع أيضًا إرتفاعه 1700 قدم يقع في شمال لبنان ما يقرب من البحر الأبيض المتوسط.
يشبه نبوخذ نصر ملك بابل بجبل مرتفع مثل جبل تابور أو جبل كرمل اللذين يقعان في شمال فلسطين فيتحرك نبوخذ نصر ويأتي ليهاجم مصر.
ع19: أهبة جلاء: الاستعداد للسفر وترك المكان، فيجمع الإنسان حاجياته الضرورية يشبه مصر بفتاة ضعيفة القوة ويدعوها لتستعد للهرب من وجه نبوخذ نصر وقد كانت تسكن آمنة ولكن هجوم بابل عليها، يجعلها تهرب من أمامها ونوف التي كانت تعتبر عاصمة لمصر في بعض الوقت وتقع نواحى شمال الجيزة وحلوان أي جنوب القاهرة تصير خربة من الهجوم البابلي ويتركها سكانها.
ع20: يشبه مصر أيضًا بعجله حسنة المنظر فيلتهمها نبوخذ نصر ويذبحها ويأكلها لأنها عبدت العجل أبيس فسحقها ملك بابل لعلها تتوب وتؤمن بالله الحقيقي ونبوخذ نصر جاء من الشمال وهجم على مصر.
ع21: صيرة: سمينة
استأجرت مصر جنود مرتزقة من أفريقيا لتقوي جيشها ولكن إذ رأوا ضعفها وأنهم سيذبحون كعجول سمينة مع جيش مصر المنهزم أمام بابل هربوا إلى بلادهم لينجوا بأنفسهم وهكذا صارت مصر ضعيفة أمام دول العالم لأنها تكبرت ولم تعرف الله خالق السماوات والأرض.
ع22: يشبه الجيش المصري بالحية التي صوتها وهو الحفيف صوت ضعيف جدًا أمام صراخ الجيش البابلي القوي وكما تقطع رأس الحية بالفأس يشبه إرميا قوة جيوش بابل كأنهم يقطعون الحطب بفؤوسهم فيكسرون قوة مصر.
ع23: يشبه كثرة الجيش البابلي بالجراد في كثرته فيهجمون على مصر التي تشبه بالوعر أي المكان المقفر وفيه أشجار كثيرة فيقطعها ملك بابل ويتغلب على كل هذه الأشجار لكثرة أعداده.
ع24: بهزيمة مصر أمام بابل الآتية من الشمال صار لها الخزي والعار.
ع25: آمون نو: مدينة آمون أي طيبة عاصمة مصر وهي مدينة الأقصر. يُعلن الله أنه سيعاقب كبرياء المصريين وآلهتهم الكثيرة التي أعظمها آمون الذي مركزه في طيبة فيخربها ويخرب مدن مصر ويحطم آلهتهم بيد ملك بابل. فالله هو المحرك لأمور العالم ليدعو مصر إلى الاتضاع والرجوع إليه.
ع26: بعد أن يحطم نبوخذ نصر مصر يعود لتعمر ثانية ولكن عمرانًا أفضل من العمران المادي وهو بدخول الإيمان على يد مارمرقس لتصبح مصر مسيحية وتترك عبادة الأوثان.
† إن كانت الضيقات وتخريب حياتك المادية يؤدي إلى ثبات إيمانك فإقبله فهو طريق النجاة لك لأن الله يحبك وينتشلك من شرور العالم لتحيا له.
[5] خلاص إسرائيل (ع 27، 28):
27 «وَأَنْتَ فَلاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَلاَ تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ، لأَنِّي هأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِمْ، فَيَرْجعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلاَ مُخِيفٌ. 28 أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ فَلاَ تَخَفْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، لأَنِّي أُفْنِي كُلَّ الأُمَمِ الَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ. أَمَّا أَنْتَ فَلاَ أُفْنِيكَ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْحَقِّ وَلاَ أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً».
ع27: إذ يؤدب الله مصر التي أذلت شعبه سنينًا طويلة يبشر شعبه الذي سبته بابل بأنه سيرجع من السبي فلا يخاف من سطوة بابل أو آشور فكما تحطمت مصر وآشور ستتحطم بابل والإمبراطوريات التالية لها بل يستخدم الله ملوك مادي وفارس الذين يحطمون بابل فيعيدوا شعبه ليعمروا أورشليم واليهودية. وهذا رمزًا للرجوع إلى الله والإيمان بالمسيح في ملء الزمان.
ع28: إن كان الله قد يفني الإمبراطوريات العظيمة التي أذلت شعبه فهو يعدهم بالمحافظة عليهم وإن كان سيؤدبهم لخطاياهم حتى يتوبوا فهو يعود ويرحمهم إذ يؤمنون بالمسيح ويحيون معه إلى الأبد.
† وعود الله جميلة تقوي النفس مهما أحاطت بها شدائد وحتى تأديباته لأولاده بمقدار ضئيل حتى يتوبوا ثم يعطيهم مراحم كثيرة. فليطمئن قلبك يا أخي وتذكر وعودة فلا تخشى أي أتعاب.

تفسير سفر ارميا الاصحاح السابع والاربعون
(1) ضرب مصر وبابل لفلسطين (ع1-3):
1 كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَبْلَ ضَرْبِ فِرْعَوْنَ غَزَّةَ: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا مِيَاهٌ تَصْعَدُ مِنَ الشِّمَالِ وَتَكُونُ سَيْلًا جَارِفًا، فَتُغَشِّي الأَرْضَ وَمِلأَهَا، الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، فَيَصْرُخُ النَّاسُ، وَيُوَلْوِلُ كُلُّ سُكَّانِ الأَرْضِ. 3 مِنْ صَوْتِ قَرْعِ حَوَافِرِ أَقْوِيَائِهِ، مِنْ صَرِيرِ مَرْكَبَاتِهِ وَصَرِيفِ بَكَرَاتِهِ لاَ تَلْتَفِتُ الآبَاءُ إِلَى الْبَنِينَ، بِسَبَبِ ارْتِخَاءِ الأَيَادِي.
ع1: يحدد السفر زمن هذه النبوة وهو قبل ضرب فرعون نحو لغزة ولا يُعرف بالتحديد هذا الزمن ولكنه في أواخر القرن السابع وبداية القرن السادس ق.م فقد يكون ملك مصر هذا قد ضربها في طريقه إلى كركميش التي على نهر الفرات أو في عودته منها بعد هزيمته على يد نبوخذ نصر أو في عودته من محاولة نجدة أورشليم عندما ضربها ملك بابل عام 587 ق.م وفلشطين هذه دخلت في حروب مع شعب الله أيام شمشون وأيام صموئيل وأيام داود النبي فهي تحمل عداوة لبني إسرائيل فالله الذي صبر عليها سنينًا طويلة يسمح بتأديبها الآن وتخريبها ليتضع أهلها ويبتعدوا عن عنفهم ويؤمنوا بالله وقد حدث هذا فعلًا فآمن الكثيرون منهم بالمسيح.
وضرب غزة هو ضرب مدينة فلسطينية مشهورة والمقصود به ضرب غزة نفسها، أو بداية ضرب مدن فلسطين كلها.
ع2: النبوة عن مهاجمة بابل لفلسطين ويشبه بابل بسيل مياه جارف آت من الشمال لأن عندهم نهر الفرات الكبير فيأتي على بلاد فلسطين ويدمرها بكل ما فيها ويقتل الساكنين فيها، ويصرخ الفلسطينيون ببكاء شديد من هول الدمار.
ع3 : صرير وصريف: صوت احتكاك حديد المركبات ببعضه، وصوت احتكاك لعجلات المركبات بالأرض
ارتخاء الأيادي: الضعيف الشديد والخوف
تهجم بابل بفرسانها ومركباتها الحربية وتقتل وتدمر مدن فلسطين فيهرب الفلسطينيون في ذعر شديد حتى أنهم من ضعفهم يتركون أبناءهم وراءهم.
† لا تكن قاسيًا في معاملتك لمن حولك مستندًا على قوتك فهي معرضة للزوال وأعلم أن الله عادل وقادر أن يؤدبك بشدة ولكنه يطيل أناته عليك لعلك تتوب وترحم من حولك وتسامحهم على أخطائهم.
[2] تخريب الحلفاء (ع4):
4 بِسَبَبِ الْيَوْمِ الآتِي لِهَلاَكِ كُلِّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِيَنْقَرِضَ مِنْ صُورَ وَصَيْدُونَ كُلُّ بَقِيَّةٍ تُعِينُ، لأَنَّ الرَّبَّ يُهْلِكُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، بَقِيَّةَ جَزِيرَةِ كَفْتُورَ.
اليوم الآتي: يوم هجوم بابل على فلسطين وحلفائها
صور: مدينة في لبنان تقع على البحر الأبيض المتوسط وهي ميناء تجاري هام
معنى كلمة صور "صخر" لأنها مبنية على صخور.
صيدون: مدينة في لبنان تقع على البحر الأبيض المتوسط جنوب صور ومعنى الكلمة "مكان صيد السمك" لأنه تشتهر بالصيد.
كفتور: جزيرة كريت.
في هجوم بابل على الفلسطينيين لتخريب بلادهم هجموا أيضًا على حلفائهم صور وصيدون وكذلك جزيرة كريت التي أتى منها الفلسطينيون إلى البلاد المسماه باسمهم وبتدمير الحلفاء لا يجد الفلسطينيون معونة أمام الهجوم البابلي.
† ليكن اعتمادك على الله وليس على قوى العالم فهي زائلة وضعيفة مهما بدت قوتها فالتجئ إلى الله بالصلاة في كل إحتياجاتك.
[3] الآلهة الوثنية لا تنفع فلسطين (ع 5 - 7):
5 أَتَى الصُّلْعُ عَلَى غَزَّةَ. أُهْلِكَتْ أَشْقَلُونُ مَعَ بَقِيَّةِ وَطَائِهِمْ. حَتَّى مَتَى تَخْمِشِينَ نَفْسَكِ. 6 آهِ، يَا سَيْفَ الرَّبِّ، حَتَّى مَتَى لاَ تَسْتَرِيحُ؟ انْضَمَّ إِلَى غِمْدِكَ! اهْدَأْ وَاسْكُنْ. 7 كَيْفَ يَسْتَرِيحُ وَالرَّبُّ قَدْ أَوْصَاهُ عَلَى أَشْقَلُونَ، وَعَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ هُنَاكَ وَاعَدَهُ؟»
ع5: تخمشين: تجرحين جسدك.
وطائهم: الوديان المحيطة بالمدن.
يشبه غزة بفتاة أتى الصلع على رأسها ففقدت شعرها والمقصود أنها فقدت مكانتها وصارت ضعيفة كالفتاة في ضعفها الجسدي وتدمرت بلاد فلسطين القوية مثل أشقلون وحاولت فلسطين أن تستعين بآلهتها الوثنية وتخمش جسدها إرضاءً لها ولكن بلا جدوى فلم تعينها آلهتها أمام الهجوم البابلي.
ع6: غمدك: الجراب الذي يوضع فيه السيف.
يلقب بابل بسيف الرب الذي يؤدب الفلسطينيين، ويرى النبي قسوة التدمير أو القتل الذي تقوم به بابل على فلسطين فتأثر النبي ونادى الرب أن يوقف هذا التدمير أو القتل.
ع7: يرد الله في النبوة بأن السيف سيظل يقتل لأن الله أمره بهذا تأديبًا للفلسطينيين على عنفهم.
† حيث أن العالم متقلب ويمكن أن تفقد قوتك في أي وقت فكن متجردًا من الماديات واستخدمها بمقدار لأن الزهد لجميل من عنف التقلبات وأشبع بمحبة الله فتحيا سعيدًا وتعد نفسك للأبدية.


تفسير سفر ارميا الاصحاح الثامن والاربعون

(1) تدمير موآب (ع1-5):
1 عَنْ مُوآبَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: وَيْلٌ لِنَبُو لأَنَّهَا قَدْ خَرِبَتْ. خَزِيَتْ وَأُخِذَتْ قَرْيَتَايِمُ. خَزِيَتْ مِسْجَابُ وَارْتَعَبَتْ. 2 لَيْسَ مَوْجُودًا بَعْدُ فَخْرُ مُوآبَ. فِي حَشْبُونَ فَكَّرُوا عَلَيْهَا شَرًّا. هَلُمَّ فَنَقْرِضُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً. وَأَنْتِ أَيْضًا يَا مَدْمِينُ تُصَمِّينَ وَيَذْهَبُ وَرَاءَكِ السَّيْفُ. 3 صَوْتُ صِيَاحٍ مِنْ حُورُونَايِمَ، هَلاَكٌ وَسَحْقٌ عَظِيمٌ. 4 قَدْ حُطِّمَتْ مُوآبُ، وَأَسْمَعَ صِغَارُهَا صُرَاخًا. 5 لأَنَّهُ فِي عَقَبَةِ لُوحِيتَ يَصْعَدُ بُكَاءٌ عَلَى بُكَاءٍ، لأَنَّهُ فِي مُنْحَدَرِ حُورُونَايِمَ سَمِعَ الأَعْدَاءُ صُرَاخَ انْكِسَارٍ.
ع1: يعلن الله خراب موآب التي تقع شرق نهر الأردن شمال بني عمون ويذكر مدنها الشهيرة رمزًا لموآب كلها فمدينة نبو تقع بجوار جبل عباريم شرق الاردن مقابل أريحا وبجوارها مدينتي قريتايم ومسجاب.
ع2: هجوم بابل على موآب يدمر عاصمتهم حشبون ويقتل سيف بابل شعب موآب في مدنية مدمين الموآبية.
ع3: نتيجة تخريب مدينة حورونايم الموآبية وقتل الكثيرين يصرخ بقية الموآبيين مما حدث لهم
ع4 : نتيجة تخريب موآب يصرخ أطفالها خوفًا ورعبًا مما يحدث لهم.
ع5: يذكر هنا أيضًا مدينتين موآبيتين هما (عقبة لوحيت) و(حورونايم) التي تقع في وادي بجوارها فمن هذه المدن يُسمع البكاء الشديد لحزن شعبيها على خراب بلادهم.
من أجل فساد موآب وانتشار الشهوات الشريرة فيها أتى عليها الخراب على يد نبوخذ نصر وكان ذلك في عام 582 ق . م
الموآبيون وهم نسل لوط أي ذوي قرابة لبني إسرائيل وعلى علاقة بشعب الله أيام الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب ثم بعد سكن بني إسرائيل في أرض الميعاد كانت هناك خلافات وحروب بينهما حتى أخضع داود الموآبين. ثم دمرت موآب بيد آشور وعندما حاولت بعد ذلك استعادة قوتها دمرها الموآبيون الذين يتكلم عنهم هنا إرميا، ثم خضعت بعد ذلك للحكم الفارسي وبعده للعرب.
† لا تتمادى في شهواتك لئلا يأتي عليك العدل الإلهي وتكون نهايتك هي الهلاك بل قدس حواسك وأفكارك لتكون لله فتحيا مطمئنًا.
[2] هروب موآب (ع6-10):
6 اهْرُبُوا نَجُّوا أَنْفُسَكُمْ، وَكُونُوا كَعَرْعَرٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. 7 «فَمِنْ أَجْلِ اتِّكَالِكِ عَلَى أَعْمَالِكِ وَعَلَى خَزَائِنِكِ سَتُؤْخَذِينَ أَنْتِ أَيْضًا، وَيَخْرُجُ كَمُوشُ إِلَى السَّبْيِ، كَهَنَتُهُ ورُؤَسَاؤُهُ مَعًا. 8 وَيَأْتِي الْمُهْلِكُ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ، فَلاَ تُفْلِتُ مَدِينَةٌ، فَيَبِيدُ الْوَطَاءُ، وَيَهْلِكُ السَّهْلُ كَمَا قَالَ الرَّبُّ. 9 أَعْطُوا مُوآبَ جَنَاحًا لأَنَّهَا تَخْرُجُ طَائِرَةً وَتَصِيرُ مُدُنُهَا خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ فِيهَا. 10 مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ.
ع6: عرعر: شجيرة تنمو في الصحراء أوراقها صغيرة وتأكلها الماعز وهي ترمز للإنسان المتكل على البشر إذ يفقد قوته مثلما يفقد العرعر أوراقه عندما تأكلها الحيوانات.
ينادي إرميا الموآبيين أن يهربوا من الهجوم البابلي وإذ يصلون إلى الصحراء يهملهم البابليون ولكنهم يكونون في ضيق وعزلة وضعف مثل نبات العرعر.
ع7: كموش: إله الموآبيين وكانت تقدم له ذبائح بشرية من الأطفال وقد أدخل سليمان عبادته في أورشليم وأزالها بعده يوشيا الملك.
يوبخ مدن موآب التي اتكلت على قوتها وأحوالها إذ سيظهر خزيها عندما يدمرها البابليون ويطردون سكانها فيخرجون حاملين تماثيل إلههم كموش في ضعف وخزي وبذلك ويذل كهنة كموش ورؤساء موآب عندما تسبيهم بابل.
ع8: الوطاء: وادي
تدمر بابل كل مدن موآب سواء التي في المرتفعات أو الأودية لأن الله هو الذي أمر بهذا تأديبًا لموآب.
ع9: يعبر إرميا عن خوف الموآبين من بابل إذ يحتاجون للسرعة في الجري كما يطير الطائر لأن الهجوم البابلي سيكون عنيفًا ويقتل كل من يصادفه.
ع10: ينادي الله جيش بابل حتى يقتلوا الموآبيين ويعملوا عمل الرب أي تدمير موآب بكل حماس ونشاط فلا يتراخى البابليون عن قتل الموآبيين بالسيف ويعتبر تدمير موآب هو عمل الرب لأنهم أغاظوه بشهواتهم الشريرة فهو يؤدبهم بيد بابل.
† إن كل أعمالك وخاصة إن كانت خدمة لمن حولك واهتمام بخلاص نفوسهم هو عمل الرب، فليتك تعمله باهتمام لأنه عمل الرب ويقدم له قبل أن يقدم للناس وكما اهتم المسيح بخلاص نفسك وتممه بكل جدية فمات عنك، اعمل عمله بكل نشاط مهما كانت التضحية.
[3] ضعف موآب (ع 11 - 13):
11 «مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَى دُرْدِيِّهِ، وَلَمْ يُفْرَغْ مِنْ إِنَاءٍ إِلَى إِنَاءٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى السَّبْيِ. لِذلِكَ بَقِيَ طَعْمُهُ فِيهِ، وَرَائِحَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ. 12 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُرْسِلُ إِلَيْهِ مُصْغِينَ فَيُصْغُونَهُ، وَيُفَرِّغُونَ آنِيَتَهُ، وَيَكْسِرُونَ أَوْعِيَتَهُمْ. 13 فَيَخْجَلُ مُوآبُ مِنْ كَمُوشَ، كَمَا خَجِلَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْتِ إِيلَ مُتَّكَلِهِمْ.
ع11: درديه: بقايا العنب المتخمر أي الرواسب التي توجد في قاع زجاجات الخمر.
مستقر على درديه: يعنى أن يكون موآب مطمئنًا مثل رواسب الخمر التي لا تتحرك في قاع الزجاجات لأنه لا يجرؤ أحد على تحريكها أي مهاجمة موآب.
لم يفرغ من إناء إلى إناء: لم ينقل الموآبيون من مكان إلى مكان أي من بلادهم إلى بلاد أخرى في السبي.
يشرح حالة الموآبيين إذ كانوا يعيشون في طمأنينة داخل بلادهم ويشبههم بالدردي الذي في قاع آنية الخمر ولم يُسبهم أحد إلا عددًا قليلًا في أيام الهجوم الآشوري حتى جاء الهجوم البابلي فسبى معظم الموآبيين. أي أن موآب عاشت في سلام وتنعم مثل الخمر التي رائحتها فيها وطعمها لم يتغير حتى هاجمها بابل فحولها إلى حالة رديئة قتل الإناء الرديئ الذي صب منه كل خيراته ثم كسرت هذه الآنية الرديئة أي نزعت خيراتها وحطمتها.
ع12: مصغين فيصغونه: مصنعين أي صياغ فيشكلونه والمقصود يحولونه إناءً رديئًا.
ينذر إرميا موآب بأنه ستأتي أيام وهي أيام الهجوم البابلي فيطردون الموآبيين من بلادهم ويدمرون مدنهم ويشبه مدن موآب بآنية الخمر فيقلبها بابل وتهرق الخمر ويحركون الرواسب التي في القاع ثم يكسرون الآنية أي يدمرون المدن والخلاصة أن بابل ستنزع سلام موآب وتطرد سكانها وتدمر مدنها.
ع13: يشعر موآب بضعفه وضعف إلهه كموش أمام بابل ويخزى كما خزيت مملكة إسرائيل أي المملكة الشمالية التي عاصمتها السامرة عندما اتكلت على التماثيل التي أقامها الملك يربعام في بيت إيل عندما انفصل بالعشرة أسباط عن مملكة يهوذا وأورشليم وظهر ضعف هذه التماثيل فلم تحمِ الشعب من وجه الهجوم الآشوري والسبي.
† اتكل على الله في كل أعمالك فهو قادر أن يحميك ولا تتكل على أموالك وقدراتك لئلا يظهر ضعفك وخزيك واستخدم هذه الإمكانيات من أجل الله وبمعونته فتكون مفيدة لك.
[4] خزي موآب (ع 14 - 25):
14 «كَيْفَ تَقُولُونَ نَحْنُ جَبَابِرَةٌ وَرِجَالُ قُوَّةٍ لِلْحَرْبِ؟ 15 أُهْلِكَتْ مُوآبُ وَصَعِدَتْ مُدُنُهَا، وَخِيَارُ مُنْتَخَبِيهَا نَزَلُوا لِلْقَتْلِ، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 16 قَرِيبٌ مَجِيءُ هَلاَكِ مُوآبَ، وَبَلِيَّتُهَا مُسْرِعَةٌ جِدًّا. 17 اُنْدُبُوهَا يَا جَمِيعَ الَّذِينَ حَوَالَيْهَا، وَكُلَّ الْعَارِفِينَ اسْمَهَا قُولُوا: كَيْفَ انْكَسَرَ قَضِيبُ الْعِزِّ، عَصَا الْجَلاَلِ؟ 18 اِنْزِلِي مِنَ الْمَجْدِ، اجْلِسِي فِي الظَّمَاءِ أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ بِنْتَ دِيبُونَ، لأَنَّ مُهْلِكَ مُوآبَ قَدْ صَعِدَ إِلَيْكِ وَأَهْلَكَ حُصُونَكِ. 19 قِفِي عَلَى الطَّرِيقِ وَتَطَلَّعِي يَا سَاكِنَةَ عَرُوعِيرَ. اسْأَلِي الْهَارِبَ وَالنَّاجِيَةَ. قُولِي: مَاذَا حَدَثَ؟ 20 قَدْ خَزِيَ مُوآبُ لأَنَّهُ قَدْ نُقِضَ. وَلْوِلُوا وَاصْرُخُوا. أَخْبِرُوا فِي أَرْنُونَ أَنَّ مُوآبَ قَدْ أُهْلِكَ. 21 وَقَدْ جَاءَ الْقَضَاءُ عَلَى أَرْضِ السَّهْلِ، عَلَى حُولُونَ وَعَلَى يَهْصَةَ وَعَلَى مَيْفَعَةَ، 22 وَعَلَى دِيبُونَ وَعَلَى نَبُو وَعَلَى بَيْتِ دَبْلَتَايِمَ، 23 وَعَلَى قَرْيَتَايِمَ وَعَلَى بَيْتِ جَامُولَ وَعَلَى بَيْتِ مَعُونَ، 24 وَعَلَى قَرْيُوتَ وَعَلَى بُصْرَةَ وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ أَرْضِ مُوآبَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ. 25 عُضِبَ قَرْنُ مُوآبَ، وَتَحَطَّمَتْ ذِرَاعُهُ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع14، 15: يتعجب إرميا من أجل افتخار رجال موآب بقوتهم في الحرب وقد انسحقوا أمام الهجوم البابلي هذا ما يراه بروح النبوة، وهرب شعبها من مدنهم التي في السهول وصعدوا إلى الجبال ليختبئوا فيها وأن سيف بابل قد وصل إليهم وأنزلهم على الأرض قتلى. هذا هو تأديب وأمر الله من جهة موآب فالله فيه كل القوة لذا يدعوه رب الجنود الذي يحطم كل قوة شريرة على الأرض تقف في وجهه مثل موآب.
ع16: يعلن أيضًا أن دمار موآب قريب جدًا، فنبوة إرميا ستتحقق سريعًا بهجوم بابل على موآب.
ع17: أندبوها: قولوا كلمات رثاء تظهروا بها محاسنها وابكوا عليها. ينادي الله المدن والدول المحيطة بموآب ليحزنوا عليها، فرغم عظمتها السابقة قد تحطمت الآن بيد بابل ويشبه قوتها بقضيب الذهب الذي يمسكه الملك أو عصا الرئاسة أي أنها ستفقد مجدها وعظمتها بين الدول وتصير في خزي شديد أمام بابل.
ع18: الظماء: الأرض اليابسة العطشانة
ديبون: المدينة الموآبية التي يوجد بها الإله كموش إله الموآبيين وتقع شمال نهر أرنون أي شرق البحر الميت.
يعلن لموآب أنها ستنحط من مجدها وتصير في جوع وعطش يؤدي بها إلى موت ولا ينفعها إلهها كموش الذي يضعونه في مدينة ديبون، لأن جيش بابل مهلك موآب قد هجم على مدنها وصعد على أسوارها وحصونها وهدمها.
ع19: عروعير: مدينة موآبية في شمال نهر أرنون الذي يقع شرق البحر الميت وهي على بعد 12 ميل من البحر الميت وجنوب شرق ديبون.
يوضح مدى تعجب الموآبيين من سرعة الهجوم البابلي عليهم فينادي سكان مدينة عروعير أن يخرجوا على الطرق المؤدية إلى باقي مدن موآب فيروا الناس يجرون هربًا فيسألون حينئذ ما هو سبب هروبهم فيعرفون أنه الهجوم البابلي العنيف.
ع20: ثم ينادي الموآبيين ليخبروا كل المدن المحيطة بنهر أرنون الذي يقع داخل بلاد موآب ويعرفونهم بالهجوم البابلي ليهربوا بعيدًا. وهكذا يغطي البكاء والخوف أهل الموآبيين فيتشتتوا هربًا في كل مكان.
ع21-24: يظهر اكتساح الهجوم البابلي لكل موآب ويذكر هنا أشهر مدن موآب التي خربت ليبين وصول بابل لكل المدن البعيدة والقريبة في موآب وتحطيمها.
ع25: عضب: انكسر.
الخلاصة هي تحطيم قوة موآب أمام بابل والتي يرمز إليها بالقرن الذي ينكسر والذراع التي تتحطم فالقرن والذراع هما القوة التي يدافع أو يهاجم بها الحيوان أو الإنسان في الحرب.
† تأمل المواقف التي اتكلت فيها على قوتك والمتاعب التي لحقت بك حتى تلتجئ إلى الله وتعتمد عليه فلا يقوى عليك الشيطان ولا كل قوى العالم.
[5] كبرياء موآب (ع 26 - 32):
26 «أَسْكِرُوهُ لأَنَّهُ قَدْ تَعَاظَمَ عَلَى الرَّبِّ، فَيَتَمَرَّغَ مُوآبُ فِي قُيَائِهِ، وَهُوَ أَيْضًا يَكُونُ ضُحْكَةً. 27 أَفَمَا كَانَ إِسْرَائِيلُ ضُحْكَةً لَكَ؟ هَلْ وُجِدَ بَيْنَ اللُّصُوصِ حَتَّى أَنَّكَ كُلَّمَا كُنْتَ تَتَكَلَّمُ بِهِ كُنْتَ تَنْغَضُ الرَّأْسَ؟ 28 خَلُّوا الْمُدُنَ، وَاسْكُنُوا فِي الصَّخْرِ يَا سُكَّانَ مُوآبَ، وَكُونُوا كَحَمَامَةٍ تُعَشِّشُ فِي جَوَانِبِ فَمِ الْحُفْرَةِ. 29 قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ. هُوَ مُتَكَبِّرٌ جِدًّا. بِعَظَمَتِهِ وَبِكِبْرِيَائِهِ وَجَلاَلِهِ وَارْتِفَاعِ قَلْبِهِ. 30 أَنَا عَرَفْتُ سَخَطَهُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّهُ بَاطِلٌ. أَكَاذِيبُهُ فَعَلَتْ بَاطِلًا. 31 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أُوَلْوِلُ عَلَى مُوآبَ، وَعَلَى مُوآبَ كُلِّهِ أَصْرُخُ. يُؤَنُّ عَلَى رِجَالِ قِيرَ حَارِسَ. 32 أَبْكِي عَلَيْكِ بُكَاءَ يَعْزِيرَ، يَا جَفْنَةَ سَبْمَةَ. قَدْ عَبَرَتْ قُضْبَانُكِ الْبَحْرَ، وَصَلَتْ إِلَى بَحْرِ يَعْزِيرَ. وَقَعَ الْمُهْلِكُ عَلَى جَنَاكِ، وَعَلَى قِطَافِكِ.
ع26: يظهر حقارة موآب أمام الهجوم البابلي فيصير كالسكران الذي يترنح وفقد توازنه وعظمته ويطالب جيش بابل أن يسقيه الخمر أي يجعله يترنح من الخوف كما يترنح السكران، ومن كثرة سكره يتقيأ ما في داخله فيزداد ذله إذ يتمرغ في القئ الذي تقيأ وتستهزئ به كل الشعوب المحيطة كل هذا بسبب كبريائه وتعاظمه على الله وعلى شعبه اسرائيل إذ كان موآب يستهزئ بشعب الله عندما تحل بهم ضيقة أو يهاجمهم الأعداء.
ع27: تنغض الرأس: تهز رأسك استهزاء واستخفافًا
يعاتب الله موآب وهو في خزيه ويعلن له أن سبب هذا الخزي هو استهزائه بشعب الله واحتقاره له كأنه أحد اللصوص الأشرار، فكان يتكلم عليه باستهزاء ويحرك رأسه مستخفًا به في ضيقاته.
ع28: خلوا: اخلوا واهربوا واتركوا المدن
ينادي الموآبيين ليهربوا من مدنهم إلى الجبال ويختبئوا بين الصخور لعلهم ينجون من يد بابل وشبههم بحمامة ضعيفة لا تستطيع أن تعشش بأمان بين فروع الأشجار بل تهرب لتصنع لها عشًا بين الصخور في الجبال.
ع29: يؤكد هنا أن كل الشعوب المحيطة تعلم كبرياء موآب الشديد وبسببه صار هذا الخزي أمام بابل.
ع30: يعلن الله أن غضب موآب الذي كان يفزع من حوله هو لا شيء وقد ظهر ضعفه وخزيه أمام بابل. وأن كل كلمات الكبرياء التي كان يرددها موآب هي أكاذيب بدليل الخزي الذي ناله أمام بابل.
ع31: قير حارس: مدينة موآبية تقع شرق البحر الميت والجزء الجنوبي منه.
تظهر أبوة إرميا في بكائه على موآب، فهو مثل إلهه يريد خلاص الجميع وليس شعب الله فقط، وهو متأثر جدًا فيبكي ويولول ثم يصرخ بصوت عالٍ من أجل خراب موآب وداخل نفسه يئن أيضًا متوجعًا لأجله ويذكر هنا إحدى مدن موآب رمزًا لكل مدن موآب.
ع32: يعزير: مدينة موآبية تقع شمال موآب غرب ربة عمون بعشرة أميال.
سبمة: مدينة موآبية بجوار مدينة حشبون عاصمة الموآبين وهي في شمال بلاد موآب واشتهرت سبمة بكرومها.
جفنة: شجرة عنب.
جناك: الثمار التي تجمع من المحصول.
يواصل إرميا مشاعر أبوته نحو موآب فيبكي على بلادها المشهورة بغناها مثل يعزير وسبمة لأن كل خيراتها من عناقيد العنب بقضبانها والثمار المختلفة وقد استولى عليها البابليون ونقلوها في البحر أي الأنهار ليتمتعوا بها بعد أن دمروا بلاد موآب وتركوا سكانها الذين بقوا بعد القتل في فقر شديد.
† إن كبرياءك تفصلك عن الله فتحرم من مراحمه فيهجم عليك الشيطان وبذلك لا تجد من يعينك لذا اتضع سريعًا وقدم توبة أمام الله فيسامحك ويخلصك من العدو.
[6] ذل وفقر موآب (ع 33 - 39):
33 وَنُزِعَ الْفَرَحُ وَالطَّرَبُ مِنَ الْبُسْتَانِ، وَمِنْ أَرْضِ مُوآبَ. وَقَدْ أُبْطِلَتِ الْخَمْرُ مِنَ الْمَعَاصِرِ. لاَ يُدَاسُ بِهُتَافٍ. جَلَبَةٌ لاَ هُتَافٌ. 34 قَدْ أَطْلَقُوا صَوْتَهُمْ مِنْ صُرَاخِ حَشْبُونَ إِلَى أَلْعَالَةَ إِلَى يَاهَصَ، مِنْ صُوغَرَ إِلَى حُورُونَايِمَ، كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ، لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ أَيْضًا تَصِيرُ خَرِبَةً. 35 وَأُبَطِّلُ مِنْ مُوآبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، مَنْ يُصْعِدُ فِي مُرْتَفَعَةٍ، وَمَنْ يُبَخِّرُ لآلِهَتِهِ. 36 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يُصَوِّتُ قَلْبِي لِمُوآبَ كَنَايٍ، وَيُصَوِّتُ قَلْبِي لِرِجَالِ قِيرَ حَارِسَ كَنَايٍ، لأَنَّ الثَّرْوَةَ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا قَدْ بَادَتْ. 37 لأَنَّ كُلَّ رَأْسٍ أَقْرَعُ، وَكُلَّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ، وَعَلَى كُلِّ الأَيَادِي خُمُوشٌ، وَعَلَى الأَحْقَاءِ مُسُوحٌ. 38 عَلَى كُلِّ سُطُوحِ مُوآبَ وَفِي شَوَارِعِهَا كُلِّهَا نَوْحٌ، لأَنِّي قَدْ حَطَمْتُ مُوآبَ كَإِنَاءٍ لاَ مَسَرَّةَ بِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 39 يُوَلْوِلُونَ قَائِلِينَ: كَيْفَ نُقِضَتْ؟ كَيْفَ حَوَّلَتْ مُوآبُ قَفَاهَا بِخِزْيٍ؟ فَقَدْ صَارَتْ مُوآبُ ضُحْكَةً وَرُعْبًا لِكُلِّ مَنْ حَوَالَيْهَا.
ع33: جلبة: ضجيج وضوضاء
إذ استولى البابليون على خيرات موآب وبساتينها المملوءة أشجارًا مثمرة صار الموآبيون في حزن شديد إذ لم يعد لهم كروما وأيضًا المعاصر هدمها الأعداء وبدلًا من أن يسمع في موآب هتاف الفرح بجني المحاصيل وعصر الكروم واستخراج الخمر سيسمع ضجيج البكاء خاصة وأن الرجال الذين يدوسون العنب في المعاصر قد ماتوا بيد بابل.
ع34: حشبون: عاصمة موآب تقع شمالها.
العالة: مدينة موآبية تقع على تل شمال جشبون.
ياهص: مدينة موآبية تقع شرق البحر الميت.
صوغر: بجوار سدوم وعمورة ولم تحترق معها لالتجاء لوط إليها وتقع جنوب شرق البحر الميت.
حورونايم : مدينة موآبية تقع في سهل بجوار صوغر
مياه نمريم: ينابيع كثيرة تقع جنوب شرق البحر الميت.
عجلة ثلاثية: عجلة عمرها ثلاث سنوات.
عم البكاء والحزن الموآبين إذ تعالت صرخات الضيق من بلاد موآب المختلفة من عاصمة موآب حشبون ومن كل البلاد مهما كانت غنية بخيراتها وقد سلب العدو كل هذه الخيرات.
ع35: فقد الموآبيون رجاءهم في آلهتهم إذ لم تعينهم في هجوم بابل عليهم فأبطلوا عبادة الأوثان يأسًا منها ولكنهم لم يرجعوا إلى الله. وهكذا لم يقدم بخور في معابد الأوثان ولا عبادة على المرتفعات للآلهة الوثنية.
ع36: يعبر إرميا عن حزنه على مدن موآب مثل قيرحارس بأن يضرب في ناي حزين عليها لفقدانها ثرواتها.
ع37: يظهر حزن موآب في حلق شعر الرجال وكان المحلوقون يفعلون هكذا في المسبيين وأيضًا يحلقون لحاهم التي ترمز للوقار أي يصير الموآبيون في ذل وهوان.
ع38: عم البكاء والحزن بيوت الموآبيين حيث صعدوا وبكوا على أسطحها فبدلًا من أن كانوا يقدمون العبادات الوثنية على الأسطح قدموا البكاء والذل وامتلأت الشوارع من الباكين. لأن الله قد حطم موآب بواسطة بابل ويشبه موآب بإناء قديم غير صالح للاستعمال فيحطمه صاحبه.
ع39: تحول فخر موآب إلى ضعف وحقارة وهربوا من أمام بابل وأعطوها قفاهم وصار موآب مثالًا للهزء أمام من حوله بل ورعب وخوف إذ كيف تحطم الجبار فخافت جميع المدن من بطش بابل بهم إذا هجمت عليهم.
† عندما تضغط عليك الضيقات لا تستسلم لليأس بل إلتجئ لله رافضًا كل ما اعتمدت عليه فتختبر قوة الله في حياتك وينقذك من متاعبك.
[7] غزو بابل لموآب (ع 40 - 47)
40 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا هُوَ يَطِيرُ كَنَسْرٍ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى مُوآبَ. 41 قَدْ أُخِذَتْ قَرْيُوتُ، وَأُمْسِكَتِ الْحَصِينَاتُ، وَسَيَكُونُ قَلْبُ جَبَابِرَةِ مُوآبَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ مَاخِضٍ. 42 وَيَهْلِكُ مُوآبُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَعْبًا، لأَنَّهُ قَدْ تَعَاظَمَ عَلَى الرَّبِّ. 43 خَوْفٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ عَلَيْكَ يَا سَاكِنَ مُوآبَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 44 الَّذِي يَهْرُبُ مِنْ وَجْهِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالَّذِي يَصْعَدُ مِنَ الْحُفْرَةِ يَعْلَقُ فِي الْفَخِّ، لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهَا، أيْ عَلَى مُوآبَ، سَنَةَ عِقَابِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 45 فِي ظِلِّ حَشْبُونَ وَقَفَ الْهَارِبُونَ بِلاَ قُوَّةٍ، لأَنَّهُ قَدْ خَرَجَتْ نَارٌ مِنْ حَشْبُونَ، وَلَهِيبٌ مِنْ وَسْطِ سِيحُونَ، فَأَكَلَتْ زَاوِيَةَ مُوآبَ، وَهَامَةَ بَنِي الْوَغَى. 46 وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ! بَادَ شَعْبُ كَمُوشَ، لأَنَّ بَنِيكَ قَدْ أُخِذُوا إِلَى السَّبْيِ وَبَنَاتِكَ إِلَى الْجَلاَءِ. 47 وَلكِنَّنِي أَرُدُّ سَبْيَ مُوآبَ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع40: يشبه جيش بابل في هجومه السريع وانقضاضه على موآب بالنسر الذي ينقض بسرعة من السماء على فريسته.
ع41: ماخض: المرأة ساعة ولادتها.
قريوت: مدينة موآبية حصينة تقع جنوب نهر أرنون.
بهجوم بابل استولوا على المدن الحصينة وعلى كل بلاد موآب وصار الجنود الموآبيين الأقوياء في ضعف شديد مثل المرأة التي تتلوى ساعة ولادتها.
ع42: سبب هلاك موآب وفناء شعبه هو كبريائه على الله وشعبه بني إسرائيل.
ع43، 44: يصاب الموآبيون بالخوف الشديد فيموتوا خوفًا ومن ينجو من الموت خوفًا يقع وهو هارب من بابل في حفر توجد في الطريق فيموت ومن يستطيع أن يهرب من هذه الحفر يسقط في الفخاخ التي صنعتها بابل لهم لإسقاطهم فيهلكون أيضًا.
وذلك لأن الله أمر بعقابهم لكثرة شرورهم في هذا الوقت أي هذه السنة.
ع45: عندما هرب الموآبيون من قرية موآب التجأوا إلى عاصمتهم حشبون ففوجئوا بها تحترق بيد بابل فضاع المهرب منهم.
ع46: الخلاصة هي فناء الشعب الموآبي الذي يعبد كموش برجاله ونسائه على يد بابل.
ع47: يقصد برد سبى موآب ليس إقامة دولة لهم ولكن إيمان الموآبين المسبيين بالمسيح فيحيوا حياة جديدة في الإيمان.
† إن إبليس بقوته العظيمة وسرعة انقضاضه على البشر لا يستطيع أن يفعل شيئًا إن لم يكن له فيهم مكانًا. فاحترس يا أخي من الخطية حتى لا تسقط فيها وإن سقطت فارجع عنها بالتوبة فيخاف منك إبليس ويبتعد عنك.

تفسير سفر ارميا الاصحاح التاسع والاربعون

(1) بني عمون (ع1-6):
1 عَنْ بَنِي عَمُّونَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَلَيْسَ لإِسْرَائِيلَ بَنُونَ، أَوْ لاَ وَارِثٌ لَهُ؟ لِمَاذَا يَرِثُ مَلِكُهُمْ جَادَ، وَشَعْبُهُ يَسْكُنُ فِي مُدُنِهِ؟ 2 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُسْمِعُ فِي رَبَّةِ بَنِي عَمُّونَ جَلَبَةَ حَرْبٍ، وَتَصِيرُ تَلاًّ خَرِبًا، وَتُحْرَقُ بَنَاتُهَا بِالنَّارِ، فَيَرِثُ إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ وَرِثُوهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 3 وَلْوِلِي يَا حَشْبُونُ لأَنَّ عَايَ قَدْ خَرِبَتْ. اُصْرُخْنَ يَا بَنَاتِ رَبَّةَ. تَنَطَّقْنَ بِمُسُوحٍ. انْدُبْنَ وَطَوِّفْنَ بَيْنَ الْجُدْرَانِ، لأَنَّ مَلِكَهُمْ يَذْهَبُ إِلَى السَّبْيِ هُوَ وَكَهَنَتُهُ وَرُؤَسَاؤُهُ مَعًا. 4 مَا بَالُكِ تَفْتَخِرِينَ بِالأَوْطِيَةِ؟ قَدْ فَاضَ وَطَاؤُكِ دَمًا أَيَّتُهَا الْبِنْتُ الْمُرْتَدَّةُ وَالْمُتَوَكِّلَةُ عَلَى خَزَائِنِهَا، قَائِلَةً: مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ؟ 5 هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكِ خَوْفًا، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ، مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ حَوَالَيْكِ، وَتُطْرَدُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا أَمَامَهُ، وَلَيْسَ مَنْ يَجْمَعُ التَّائِهِينَ. 6 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أَرُدُّ سَبْيَ بَنِي عَمُّونَ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع1: يتعجب النبي إرميا لعداوة بن عمون لبني إسرائيل فقد سكن سبط جاد شرق نهر الأردن حيث تقع مملكة بني عمون شمال مملكة موآب وقد تميزت بني عمون بالعداوة على مدى الأجيال لشعب الله منذ أيام القضاة حتى قرب ميلاد المسيح. فإرميا يحزن لتقدم ملك بني عمون واستيلائه على بعض أراضي سبط جاد أي شعب الله. وفي بعض الترجمات يكتب ملكوم بدل ملكهم وملكوم هو إله بني عمون الذي كانت تقدم له ذبائح بشرية والمقصود أن شعب بني عمون يستولى ويسكن في مدن بني إسرائيل.
ع2: ربة بني عمون: عاصمة بني عمون وهي الآن عمان عاصمة الأردن.
من أجل عداوة بني عمون لشعب الله يؤدبها الله عن طريق بابل فيسمع في عاصمتها ربة ضجيج الحرب. ويخرب جيش بابل مدينة ربة وتصير تلًا ويحرقون بنات بني عمون أي يقتلون سكان ربة والمقصود بميراث بني إسرائيل لبني عمون هو استيلاء بابل على مدنها أي أن الله يؤدب أعداء شعب الله.
ع3 : عاي: إما مدينة موآبية أو كلمة معناها دمار والمقصود دمار مدن بني عمون.
حشبون: عاصمة موآب كانت تقع غالبًا في ملك موآب وأحيانًا في ملك بني عمون يناديها إرميا لتبكي على مدينة عاي التابعة لبنى عمون. وينادى أيضًا نساء مدينة ربة عاصمة بني عمون ليصرخن حزنًا على قتلاهم ويطلب منهن أن يلبسن الملابس الخشنة مثل المسوح دليلًا على الحزن الشديد وكن يلبسنها خاصة على الوسط فما أسفل - أي الحقوين - ثم يطلقن كلمات الرثاء - أي الندب - من أجل الخراب الذي حل بهن وكذلك يَدُرْنَ بين جدران المعابد يطلبن نجدة الآلهة ليس من معين لأن السبي البابلي قد أخذ الملك والكهنة والرؤساء وأصبح شعب بنى عمون الباقي في ذل شديد.
ع4: الأوطية: الوديان
كان شعب بني عمون يفتخر بسهوله الخصبة التي تعطي محاصيل جيدة وخيرات كثيرة فيناديه النبي ليبطل افتخاره بعد أن امتلأت الوديان من دماء قتلاه وذلك لارتداده عن الله وعبادته الأوثان واعتماده على غناه وخيراته التي ستباد بيد بابل.
ع5: عندما يهجم جيش بابل على سكان بني عمون يملأ قلوبهم الخوف ويهربون تاركين أراضيهم وتسبى بابل رجالهم وتنقلهم إلى بلاد أخرى بعيدة. وفي النهاية تخلو بلاد بني عمون من سكانها ويتشتت شعبها في بلاد كثيرة ولا يستطيعون الرجوع والتجمع ثانية في بلادهم.
ع6: يبشرهم إرميا بأنهم سيعودون من السبي ويخبرنا سفر نحميا أن طوبيا العموني كان رئيسًا لبني عمون وذلك كان أثناء سبى مادى وفارس وكذلك هذه الآية نبوة عن رجوع بني عمون للإيمان أي إيمانهم كأمم بالمسيح، فالمسيح جاء لأجل اليهود والأمم.
† لا تعتمد على غناك وخيراتك فهي متقلبة ولكن اعتمد على الله واهب هذه الخيرات واشكره كل يوم على إحساناته فقد وهبها لك دليلًا على محبته ليتعلق قلبك به لتنطلق في صلوات وتأملات وخدمة له.
[2] أدوم (ع 7 - 22):
7 عَنْ أَدُومَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَانَ؟ هَلْ بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ؟ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ؟ 8 اُهْرُبُوا. الْتَفِتُوا. تَعَمَّقُوا فِي السَّكَنِ يَا سُكَّانَ دَدَانَ، لأَنِّي قَدْ جَلَبْتُ عَلَيْهِ بَلِيَّةَ عِيسُو حِينَ عَاقَبْتُهُ. 9 لَوْ أَتَاكَ الْقَاطِفُونَ، أَفَمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ عُلاَلَةً؟ أَوِ اللُّصُوصُ لَيْلًا، أَفَمَا كَانُوا يُهْلِكُونَ مَا يَكْفِيهِمْ؟ 10 وَلكِنَّنِي جَرَّدْتُ عِيسُوَ، وَكَشَفْتُ مُسْتَتَرَاتِهِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْتَبِئَ. هَلَكَ نَسْلُهُ وَإِخْوَتُهُ وَجِيرَانُهُ، فَلاَ يُوجَدُ. 11 اُتْرُكْ أَيْتَامَكَ أَنَا أُحْيِيهِمْ، وَأَرَامِلُكَ عَلَيَّ لِيَتَوَكَّلْنَ. 12 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا إِنَّ الَّذِينَ لاَ حَقَّ لَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا الْكَأْسَ قَدْ شَرِبُوا، فَهَلْ أَنْتَ تَتَبَرَّأُ تَبَرُّؤًا؟ لاَ تَتَبَرَّأُ! بَلْ إِنَّمَا تَشْرَبُ شُرْبًا. 13 لأَنِّي بِذَاتِي حَلَفْتُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّ بُصْرَةَ تَكُونُ دَهَشًا وَعَارًا وَخَرَابًا وَلَعْنَةً، وَكُلُّ مُدُنِهَا تَكُونُ خِرَبًا أَبَدِيَّةً. 14 قَدْ سَمِعْتُ خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، وَأُرْسِلَ رَسُولٌ إِلَى الأُمَمِ قَائِلًا: تَجَمَّعُوا وَتَعَالَوْا عَلَيْهَا، وَقُومُوا لِلْحَرْبِ. 15 لأَنِّي هَا قَدْ جَعَلْتُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَمُحْتَقَرًا بَيْنَ النَّاسِ. 16 قَدْ غَرَّكَ تَخْوِيفُكَ، كِبْرِيَاءُ قَلْبِكَ، يَا سَاكِنُ فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ، الْمَاسِكَ مُرْتَفَعِ الأَكَمَةِ. وَإِنْ رَفَعْتَ كَنَسْرٍ عُشَّكَ، فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 17 وَتَصِيرُ أَدُومُ عَجَبًا. كُلُّ مَارّ بِهَا يَتَعَجَّبُ وَيَصْفِرُ بِسَبَبِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا! 18 كَانْقِلاَبِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَمُجَاوَرَاتِهِمَا، يَقُولُ الرَّبُّ، لاَ يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ وَلاَ يَتَغَرَّبُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ. 19 هُوَذَا يَصْعَدُ كَأَسَدٍ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأُرْدُنِّ إِلَى مَرْعًى دَائِمٍ. لأَنِّي أَغْمِزُ وَأَجْعَلُهُ يَرْكُضُ عَنْهُ. فَمَنْ هُوَ مُنْتَخَبٌ، فَأُقِيمَهُ عَلَيْهِ؟ لأَنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يُحَاكِمُنِي؟ وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي يَقِفُ أَمَامِي؟ 20 لِذلِكَ اسْمَعُوا مَشُورَةَ الرَّبِّ الَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى أَدُومَ، وَأَفْكَارَهُ الَّتِي افْتَكَرَ بِهَا عَلَى سُكَّانِ تِيمَانَ: إِنَّ صِغَارَ الْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ. إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ عَلَيْهِمْ. 21 مِنْ صَوْتِ سُقُوطِهِمْ رَجَفَتِ الأَرْضُ. صَرْخَةٌ سُمِعَ صَوْتُهَا فِي بَحْرِ سُوفَ. 22 هُوَذَا كَنَسْرٍ يَرْتَفِعُ وَيَطِيرُ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى بُصْرَةَ، وَيَكُونُ قَلْبُ جَبَابِرَةِ أَدُومَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ مَاخِضٍ».
ع7: أدوم: هو عيسو وكلمة أدوم معناها أحمر وقد سكن في جبال سعير التي تقع جنوب فلسطين وعاصمتها سالع وقاومت بني إسرائيل كثيرًا وخضعت لها أحيانًا وكان هيرودس الملك أيام المسيح أدوميًا.
ع8: تيمان: معناه الجنوب وهي من أهم مدن الآدوميين وسميت على اسم حفيد عيسو وتقع شمال شرق بلاد أدوم ويتميز شعبها بالحكمة وضرب الأمثال.
تعجب إرميا عند سقوط تيمان وبلاد أدوم بيد البابليين، ويتساءل أين حكمتهم التي لم تنفعهم في الدفاع عن أنفسهم أمام بابل.
ع8: ددان: ابن إبراهيم من قطورة وسكن جنوب شرق أدوم وكان تابعًا له وتميز شعبها بالتجارة.
تعمقوا في السكن: اختبئوا
ينادي بلاد ددان التابعة لأدوم والمجاورة له ليهربوا ويتلفتوا يمينًا ويسارًا وهم هاربين لأجل خوفهم من الأعداء البابليين ويختبئوا قدر ما يستطيعوا لأن غضب الله على أدوم قد حل عليهم أيضًا.
ع9: علالة: الثمار القليلة الباقية في عنقود العنب أو أفرع الشجر.
يندهش النبي لأجل إبادة بابل لبلاد الأدوميين لأن المعتاد أن القاطفين عندما يجمعون الثمار يتركون بعض الحبات أو الثمار القليلة واللصوص عندما يسرقون يأخذون ما يكفيهم من المسروقات ويتركون الباقي أما بابل فقد حطمت أدوم تمامًا.
ع10: هذا ما حدث لأدوم على يد بابل إبادة شاملة لنسله وإخوته وجيرانه أي كل سكانه ومن يجاوره من الشعوب التي يعتمد عليها ولم يبق العدو شيئًا من ممتلكات أدوم إلا واستولى عليه وحطمه فتجرد أدوم تمامًا ولم يبق له شئٌ نفيسٌ مستترٌ أو مخبأ.
ع11: يعود الله فيعطي رجاء لأدوم أنه بعد قتل رجاله سيدعو الله ويحافظ على أطفاله الأيتام ونسائه الأرامل. فالله لا يقصد إبادة الأمم بل رجوعهم إليه بالإيمان والتوبة عندما يسمعون نبوات إرميا عنهم وكذا عندما يموت بعضهم فيؤمن الباقون.
ع12: يقصد بالكأس كأس الغضب الإلهي ويقصد بالذين لا حق لهم أن يشربوا الكأس هم شعب الله أي أن الله إن كان قد سمح بتأديب شعبه لخطاياهم حتى يتوبوا فبالأولى أدوم الشرير الذي يعبد الأوثان، والمتكبر ينبغي أن يشرب كأس غضب الله لأن الله العادل يحكم عليه ولا يبرئه.
ع13: بصرة: مدينة رئيسية في أدوم وكانت عاصمة له بعض الوقت.
يعلن الله تخريب أهم مدن أدوم وهي بصرة حتى أن من يمر بها يدهش لأجل خرابها بعد أن كانت مدينة عظيمة وتصير مثلًا للعار واللعنة لأنها لا تقوم ولا تبني ثانية.
ع14: يظهر الله ما سيحدث لأدوم وهو اجتماع الأمم أي جيوش بابل عليها لتدميرها.
ع15: بعد تدمير أدوم لا يصبح شعبًا قويًا بل صغيرًا ومحتقرًا بين الشعوب.
ع16: محاجئ الصخر: مغاير وسط الصخور كان يسكن فيها الأدوميون محصنين في الصخور في مخابئ يشعرون أنه لا يستطيع أحد أن يصل إليها لحصانتها.
الأكمة: التل أو الهضبة
يوبخ أدوم لأجل كبريائه وتخويفه للشعوب المحيطة به لأنه قوي يسكن فوق الجبال في مغاير محصنة، ويقول له الله إن شبهت نفسك بالنسر وهو أقوى الطيور الجارحة الذي لا يمكن الوصول إليه، فالله بقوته يحطه إلى الأرض ويدمر بلاده بيد بابل.
ع17: من أجل دمار أدوم التي كانت بلاد عظيمة يتعجب كل من يمر بها بل ويصفر استهزاءً بها لأجل خرابها.
ع18: يشبه دمار أدوم بخراب سدوم وعمورة والبلاد المجاورة لها أي أنه دمار شامل فلا يستطيع أن يسكن هناك إنسان بل تصير مهجورة تمامًا.
ع19: كبرياء الأردن: مياه نهر الأردن عندما تفيض بقوة وكبرياء
يشبه جيش بابل بالأسد ملك الحيوانات في قوته عند هجومه على أدوم ويشبهه أيضًا بفيضان مياه الأردن فيهجم على أدوم التي كانت مراعي خصبة. ولكن الله يغمز له أي يشير إليه فيرجع عن أدوم ولا يقتل كل من فيه فيركض عنه أي يجري ويبتعد بابل عن أدوم. ثم يتكلم الله بقوة واصفًا نفسه بالراعي الذي له سلطان كامل على كل الأرض، فيأمر بابل فتهاجم أدوم ثم يوقفها ويرجعها عنه لأن الله هو ضابط الكل.
ع20: يعلن الله حكمه على بلاد أدوم التي من أشهر مدنها تيمان بأنها ستصير ضعيفة جدًا بعد الهجوم البابلي فتسحبها قطعان الأغنام الضعيفة بعد تخريب مدنها.
ع21: يوضح مدى مصيبة أدوم وصراخ شعبها الحزين أنه من عنف الهجوم البابلي سيصرخون بشدة حتى أن صوتهم يسمع في بحر سوف أي البحر الأحمر ويصل بهذا صراخهم إلى مصر وترتجف وتهتز كل أراضي الشعوب المحيطة بأدوم من أجل بليته.
ع22: يشبه جيش بابل بالنسر القوي الذي يبسط جناحيه على بلاد أدوم أي يهاجمه ويدمر مدنه التي يرمز إليها ببصرة عاصمته ولا يبقى أي رجل قوي يدافع عن أدوم بل يصير أقوياؤه في ضعف وألم كالمرأة عندما تلد.
† إن كان الكبرياء هو سبب شرور كثيرة وجلب غضب الله فالاتضاع هو أقصر طريق إلى قلب الله فأعلن توبتك أمامه وتضرع إليه في خشوع فتنال مراحم ويظهر اتضاعك الحقيقي عندما تتضع وتحتمل من حولك.
[3] عن دمشق (ع 23 - 27):
23 عَنْ دِمَشْقَ: «خَزِيَتْ حَمَاةُ وَأَرْفَادُ. قَدْ ذَابُوا لأَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا خَبَرًا رَدِيئًا. فِي الْبَحْرِ اضْطِرَابٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْهُدُوءَ. 24 ارْتَخَتْ دِمَشْقُ وَالْتَفَتَتْ لِلْهَرَبِ. أَمْسَكَتْهَا الرِّعْدَةُ، وَأَخَذَهَا الضِّيقُ وَالأَوْجَاعُ كَمَاخِضٍ. 25 كَيْفَ لَمْ تُتْرَكِ الْمَدِينَةُ الشَّهِيرَةُ، قَرْيَةُ فَرَحِي؟ 26 لِذلِكَ تَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي شَوَارِعِهَا، وَتَهْلِكُ كُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 27 وَأُشْعِلُ نَارًا فِي سُورِ دِمَشْقَ فَتَأْكُلُ قُصُورَ بَنْهَدَدَ».
ع23: دمشق: عاصمة بلاد الأراميين أي سوريا وهي مدينة قديمة وقوية
حماة وأرفاد: بلاد سورية عظيمة تأتي بعد دمشق في أرام التي هي سوريا.
عندما سمعت بلاد الأراميين أخبار الهجوم البابلي خافت جدًا وصارت في خزي وذلك لضعفها أمام قوة الأعداء واضطربت كالبحر الهائج.
ع24: انزعجت دمشق وما حولها من بلاد وصارت مرتعبة أمام بابل متألمة كالمرأة عندما تلد.
ع25، 26: تميزت دمشق بالفساد ولذات الشهوات المختلفة ولكن كل هذا الفرح قد ضاع بهجوم بابل عليها وقتل شبانها وكل رجال الحرب بها.
ع27: بنهدد: لقب لملوك دمشق.
مدينة دمشق تحتمي بأسوارها العالية ولكن عند هجوم بابل عليها تحرق أسوارها دليل على خرابها.
† لذة الخطية مؤقتة أما لذة الفضيلة فدائمة، فتمسك بمحبة الله وتلذذ بعشرته ليدوم سلامك وفرحك ولا يستطيع إبليس العدو أن يحطمك.
[4] العرب (ع 28 - 33):
28 عَنْ قِيدَارَ وَعَنْ مَمَالِكِ حَاصُورَ الَّتِي ضَرَبَهَا نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قُومُوا اصْعَدُوا إِلَى قِيدَارَ. اخْرِبُوا بَنِي الْمَشْرِقِ. 29 يَأْخُذُونَ خِيَامَهُمْ وَغَنَمَهُمْ، وَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ شُقَقَهُمْ وَكُلَّ آنِيَتِهِمْ وَجِمَالَهُمْ، وَيُنَادُونَ إِلَيْهِمِ: الْخَوْفَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. 30 «اُهْرُبُوا. انْهَزِمُوا جِدًّا. تَعَمَّقُوا فِي السَّكَنِ يَا سُكَّانَ حَاصُورَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْكُمْ مَشُورَةً، وَفَكَّرَ عَلَيْكُمْ فِكْرًا. 31 قُومُوا اصْعَدُوا إِلَى أُمَّةٍ مُطْمَئِنَّةٍ سَاكِنَةٍ آمِنَةٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، لاَ مَصَارِيعَ وَلاَ عَوَارِضَ لَهَا. تَسْكُنُ وَحْدَهَا. 32 وَتَكُونُ جِمَالُهُمْ نَهْبًا، وَكَثْرَةُ مَاشِيَتِهِمْ غَنِيمَةً، وَأُذْرِي لِكُلِّ رِيحٍ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا، وَآتِي بِهَلاَكِهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَاتِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 33 وَتَكُونُ حَاصُورُ مَسْكَنَ بَنَاتِ آوَى، وَخَرِبَةً إِلَى الأَبَدِ. لاَ يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ، وَلاَ يَتَغَرَّبُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ».
ع28: قيدار: أشهر قبائل بلاد العرب وهي كلمة معناها أسود وتسكن في خيام وليس في المدن أي هم البدو وكانوا يمتلكون مواشي كثيرة وكانوا أغنياء.
حاصور: تقع جنوب الفرات أي شمال شبه جزيرة العرب وهم قبائل بدوية يسكنون الخيام أو القرى غير المسورة.
تنادي نبوة إرميا جيوش بابل لتهاجم قبائل قيدار التي تسكن في الشرق من مصر
ع29: شققهم: قطع من القماش توصل بالخيام لتوسعها.
عند هجوم بابل على قيدار تستولى على خيامهم وأغنامهم وشققهم وآنيتهم فيخاف سكان قيدار ويحاولون الهرب إذ يشعرون بالهجوم البابلي يحاصرهم من كل جانب ولم تسبهم بابل إذ شعرت أنه لا حاجة لها بهم واكتفت بسلب ممتلكاتهم.
ع30: كذلك خافت قبائل حاصور من أجل أمر نبوخذ نصر ملك بابل بمهاجمتهم، ومن خوفهم حاولوا الهروب للنجاة من يده والاختباء، بعد أن شعروا بهزيمتهم وضعفهم أمامه.
ع32: مقصوصي الشعر مستديرًا: كانوا يرضون آلهتهم بقص شعرهم مستديرًا ويبقى بعض الشعر فوق رؤوسهم ويقصد هنا أهل حاصور.
كانت قبائل حاصور غنية بكثرة الماشية والجمال فنهبها البابليون وهرب سكانها المقصوصو الشعر وقتل منهم البابليون الكثير وبهذا تشتتوا كما يذرى الفلاح القش بالمذراة أي يتطاير في الهواء.
ع33: بنات آوى: حيوان مفترس حجمه بين الثعلب والذئب ويعيش في الأماكن المهجورة.
تصير بلاد حاصور خربة لا يسكن فيها الناس بل الحيوانات التي تعيش في الأماكن المهجورة مثل بنات آوى.
† لا تشابه أهل العالم في مظهرهم وليكن متكلك على الله وليس على كثرة ممتلكاتك المادية وعلى قدر تدقيقك تتمتع بعلاقة نقية مع الله فتختبر محبته
[5] عيلام (ع 34 - 39):
34 كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَلَى عِيلاَمَ، فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلَةً: 35 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُحَطِّمُ قَوْسَ عِيلاَمَ أَوَّلَ قُوَّتِهِمْ. 36 وَأَجْلِبُ عَلَى عِيلاَمَ أَرْبَعَ رِيَاحٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ السَّمَاءِ، وَأُذْرِيهِمْ لِكُلِّ هذِهِ الرِّيَاحِ وَلاَ تَكُونُ أُمَّةٌ إِلاَّ وَيَأْتِي إِلَيْهَا مَنْفِيُّو عِيلاَمَ. 37 وَأَجْعَلُ الْعِيلاَمِيِّينَ يَرْتَعِبُونَ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ وَأَمَامَ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ شَرًّا، حُمُوَّ غَضَبِي، يَقُولُ الرَّبُّ. وَأُرْسِلُ وَرَاءَهُمُ السَّيْفَ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. 38 وَأَضَعُ كُرْسِيِّي فِي عِيلاَمَ، وَأُبِيدُ مِنْ هُنَاكَ الْمَلِكَ وَالرُّؤَسَاءَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 39 «وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنِّي أَرُدُّ سَبْيَ عِيلاَمَ، يَقُولُ الرَّبُّ».
ع34: عيلام: بلاد قوية تقع شرق بابل تتميز برمي السهام وقد خضعت لآشور ثم بابل ولكن قوتها ساعدت بعد ذلك على تحطيم بابل وقيام مملكة مادي وفارس ويحدد زمن هذه النبوة بابتداء ملك صدقيا آخر ملوك يهوذا.
ع35: يعلن الله هزيمة عيلام أمام بابل وتحطيم قوتهم التي تظهر في براعتهم في رمي السهام بالقوس
ع36: عند هجوم بابل على عيلام تهاجمهم من كل جانب وتطرد سكانها فيتشتتون في الأرض كلها كما يذرى الفلاح القش فيتطاير في الهواء في كل مكان.
ع37: يصبح العيلاميون في خوف شديد وتقتل بابل الكثير منهم
ع38: يضع الله كرسيه في عيلام ويقصد به تسلط بابل عليهم لأن بابل هي الأداة الإلهية في تأديب الأمم ويبيد الله ملك ورؤساء عيلام.
ع39: يعطي الله رجاءً لعيلام بالرجوع من السبي ليس فقط بعد سقوط بابل ولكن أيضًا بإيمان العيلاميين بالمسيح وقد ذكروا في الإصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل أنهم كانوا مجتمعين في أورشليم في يوم الخمسين وآمنوا بالمسيح.
† قد يظن البعض أن قوتهم الجسمانية وأسلحتهم المادية من قوى العالم المختلفة، وممتكاتهم قد تعطيهم النجاح. ولكن لتكن لك القوة الروحية أي إيمانك بالمسيح الذي يستطيع أن يغلب العالم فلا تضطرب من كل تقلباته.
تفسير سفر ارميا الاصحاح الخمسون
(1) سقوط بابل (ع1- 3):
1 الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ عَنْ بَابِلَ وَعَنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عَلَى يَدِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ: 2 «أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ، وَأَسْمِعُوا وَارْفَعُوا رَايَةً. أَسْمِعُوا لاَ تُخْفُوا. قُولُوا: أُخِذَتْ بَابِلُ. خَزِيَ بِيلُ. انْسَحَقَ مَرُودَخُ. خَزِيَتْ أَوْثَانُهَا. انْسَحَقَتْ أَصْنَامُهَا. 3 لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهَا أُمَّةٌ مِنَ الشِّمَالِ هِيَ تَجْعَلُ أَرْضَهَا خَرِبَةً فَلاَ يَكُونُ فِيهَا سَاكِنٌ. مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى حَيَوَانٍ هَرَبُوا وَذَهَبُوا.
ع1: بابل: أول ذِكر لها كان في (تك 10: 10) حيث أسسها شخص متمرد يُسمى نمرود وفيها ظهر كبرياء الإنسان وعدم خضوعه لله في محاولة بناء برج، فبلبل الله ألسنة المجتمعين (تك 11: 9). وظهرت كمملكة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في عهد حمورابي واضع القوانين المشهورة باسمه، وفي القرن الثالث قبل الميلاد ظهرت أعظم قوة لها في عهد نبوخذ نصر الذي استولى على كل البلاد المحيطة به حتى البحر الأبيض المتوسط وانتصر على ملوك كثيرين مؤسسًا إمبراطوريته.
الكلدانيين: سكنوا فيما بين النهرين في القرن العاشر قبل الميلاد ومنهم خرج إبراهيم.
هذا الإصحاح والإصحاح التالي له يتحدث الله في نبوات على فم إرميا ضد بابل وقد أعطاها الله كلامًا كثيرًا بما يساوى كل نبوات إرميا على بلاد العالم المختلفة لأن شر بابل كان عظيمًا أكثر من باقي البلاد، والله استخدمها في تأديب شعبه وتأديب بلاد العالم ولكن لابد أن يؤدبها هي في النهاية.
ع2: ارفعوا راية: اعلنوا إعلانًا واضحًا أمام الكل كالراية المرتفعة أمام الجميع
بيل: اسم أكادي معناه السيد ويقابل بالعبرية الإله بعل، وهو أيضًا أحد أسماء الإله مرودخ، وكان يُرسم على شكل رأس عظيم على رأسه تاج وله سبعة قرون ثور.
مرودخ: كان إله لمدينة بابل ونظرًا لعظمتها اعتبر ملك الإلهة وتسمى باسمه ملوك كثيرين من بابل.
يعلن الله قراره بسقوط بابل وتحطيمها رغم تعظمها على كل بلاد العالم ويعلن ضعف آلهتها الوثنية وأهمها مرودخ الذي يسمى أيضًا بيل. ولأجل حتمية تنفيذ هذا القرار يأمر الله أن ينادوا في كل الشعوب ولا يخفوا عن أحد لأن بابل تكبرت وأذلت العالم كله.
ع3 : سبب سقوط بابل هو هجوم الإمبراطورية الجديدة المكونة من اتحاد مملكتي مادي وفارس اللتين تسكنان شرقها وشمالها وستهاجم بابل من الشمال وتخربها فلا يبقى فيها أي حياة ولا يستطيع إنسان أو حيوان أن يسكن فيها بل تصير مهجورة.
† إن كل ما تعتمد عليه من قوى العالم لن ينفعك شيئًا أمام الغضب الإلهي، فبابل لم تنفعها أوثانها ولا عظمتها ولا غناها فاتكل على الله واتضع أمامه فتجد حمايتك.
[2] عودة إسرائيل من السبي (ع 4 - 8):
4 «فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، يَأْتِي بَنُو إِسْرَائِيلَ هُمْ وَبَنُو يَهُوذَا مَعًا. يَسِيرُونَ سَيْرًا، وَيَبْكُونَ وَيَطْلُبُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ. 5 يَسْأَلُونَ عَنْ طَرِيقِ صِهْيَوْنَ، وَوُجُوهُهُمْ إِلَى هُنَاكَ، قَائِلِينَ: هَلُمَّ فَنَلْصَقُ بِالرَّبِّ بِعَهْدٍ أَبَدِيٍّ لاَ يُنْسَى. 6 كَانَ شَعْبِي خِرَافًا ضَالَّةً، قَدْ أَضَلَّتْهُمْ رُعَاتُهُمْ. عَلَى الْجِبَالِ أَتَاهُوهُمْ. سَارُوا مِنْ جَبَل إِلَى أَكَمَةٍ. نَسُوا مَرْبَضَهُمْ. 7 كُلُّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَكَلُوهُمْ، وَقَالَ مُبْغِضُوهُمْ: لاَ نُذْنِبُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ، مَسْكِنِ الْبِرِّ وَرَجَاءِ آبَائِهِمِ الرَّبِّ. 8 اُهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ وَاخْرُجُوا مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَكُونُوا مِثْلَ كَرَارِيِزَ أَمَامَ الْغَنَمِ.
ع4: يبشر الله شعبه بمملكتيه إسرائيل ويهوذا أنهم سيعودون من السبي وذلك بتوبتهم ورجوعهم إلى الله وبكائهم على خطاياهم فيشفق الله عليهم ويعيدهم إلى بلادهم.
ع5: صهيون: اسم قديم لقلعة بجوار أورشليم والمقصود بصهيون أورشليم كلها
يعود شعب الله إلى أورشليم ليبني الهيكل ويصلي ويقدم ذبائح ويتذكرون عهودهم مع الله ويقدمون توبة وعهد أبدي للحياة معه
ع6: مريضهم: المكان الذي تستريح فيه الغنم وتنام (أي الحظيرة)، والمقصود بيت الله ومدينته أورشليم التي يعبدون الله فيها.
يرجع الله سبب ضلال شعبه وابتعاده عنه هو عدم رعاية رعاته له، بل لفسادهم أتاهوا الشعب بعيدًا عنه ويعبر عن ذلك بالجبال والآكام حيث عبدوا فوقها الآلهة الغريبة وتركوا عبادة الله.
ع7: من أجل شرور شعب الله وابتعادهم عنه صاروا فريسة للأمم فأضلوهم وسبوهم سواء آشور وقبلها مصر وبعدها بابل. وكان أعداء شعب الله هؤلاء أدوات تأديب في يد الله لشعبه لأنهم ضلوا عنه مع أنه سبب برهم وفي بيته ومدينته يسكنون وهو رجاؤهم في كل ضيقاتهم ولكنهم للأسف تركوه وصاروا غنيمة لأعدائهم كل واحد منهم يأكلهم ويستغلهم.
ع8: كراريز : تيوس أي ذكور الماعز.
ينادي الله شعبه بالخروج من بابل بعد أن ضربت وتملك كورش أول ملوك مادي وفارس وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم فيحثهم الله على الخروج من بابل والرجوع إلى بلادهم، وعودة شعب الله إلى أورشليم وعبادتهم له ترمز إلى الرجوع إلى الله عند الإيمان بالمسيح في ملء الزمان ويطلب الله من شعبه أن يكونوا قدوة لباقي الشعوب في الإيمان بالمسيح مثل الكراريز التي تخرج بسرعة من الحظائر وتجري إلى المرعى فيتبعها باقي الأغنام.
† إن محبة الله وعطفه ورحمته عظيمة على كل من يتوب ويرجع إليه فلا تتوان عن التوبة مهما كانت خطاياك أو الضلال الذي وصلت إليه وهو ما زال يحبك وينتظر توبتك ليهبك الخلاص ويعوضك عن شقاء الخطية الذي عانيته من ابتعادك عنه.
[3] غزو بابل (ع 9 - 16):
9 «لأَنِّي هأَنَذَا أُوقِظُ وَأُصْعِدُ عَلَى بَابِلَ جُمْهُورَ شُعُوبٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ، فَيَصْطَفُّونَ عَلَيْهَا. مِنْ هُنَاكَ تُؤْخَذُ. نِبَالُهُمْ كَبَطَل مُهْلِكٍ لاَ يَرْجعُ فَارِغًا. 10 وَتَكُونُ أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ غَنِيمَةً. كُلُّ مُغْتَنِمِيهَا يَشْبَعُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 11 لأَنَّكُمْ قَدْ فَرِحْتُمْ وَشَمِتُّمْ يَا نَاهِبِي مِيرَاثِي، وَقَفَزْتُمْ كَعِجْلَةٍ فِي الْكَلإِ، وَصَهَلْتُمْ كَخَيْل، 12 تَخْزَى أُمُّكُمْ جِدًّا. تَخْجَلُ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. هَا آخِرَةُ الشُّعُوبِ بَرِّيَّةٌ وَأَرْضٌ نَاشِفَةٌ وَقَفْرٌ. 13 بِسَبَبِ سَخَطِ الرَّبِّ لاَ تُسْكَنُ، بَلْ تَصِيرُ خَرِبَةً بِالتَّمَامِ. كُلُّ مَارّ بِبَابِلَ يَتَعَجَّبُ وَيَصْفِرُ بِسَبَبِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا. 14 اِصْطَفُّوا عَلَى بَابِلَ حَوَالَيْهَا يَا جَمِيعَ الَّذِينَ يَنْزِعُونَ فِي الْقَوْسِ. ارْمُوا عَلَيْهَا. لاَ تُوَفِّرُوا السِّهَامَ لأَنَّهَا قَدْ أَخْطَأَتْ إِلَى الرَّبِّ. 15 اهْتِفُوا عَلَيْهَا حَوَالَيْهَا. قَدْ أَعْطَتْ يَدَهَا. سَقَطَتْ أُسُسُهَا. نُقِضَتْ أَسْوَارُهَا. لأَنَّهَا نَقْمَةُ الرَّبِّ هِيَ، فَانْقِمُوا مِنْهَا. كَمَا فَعَلَتِ افْعَلُوا بِهَا. 16 اقْطَعُوا الزَّارِعَ مِنْ بَابِلَ، وَمَاسِكَ الْمِنْجَلِ فِي وَقْتِ الْحَصَادِ. مِنْ وَجْهِ السَّيْفِ الْقَاسِي يَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ.
ع9: يعلن الله أنه هو المسئول عن تأديب وتخريب بابل فيقيم عليها مادي وفارس الذين يشبههم بنائم والله قد أيقظه، أي أن الله هو ضابط الكل ويؤدب بابل لأنها ظلمت واستغلت كل شعوب الأرض فيقيم عليها شعوبًا لتخريبها.
هذه الشعوب تأتي من الشمال فقد هاجمت مادي وفارس بابل من الشمال اصطفوا عليها أي حاصروها، ويصف مادي وفارس بالبطل الذي يُهلك من أمام ويرمي نباله على فريسته بابل فتسقط ولا يعود هذا البطل إلا بعد أن يحقق هدفه وهو الاستيلاء على بابل وقد خضعت بابل في بداية حكم مادي وفارس بسهولة ولكنها عادت فتمردت فضربوها.
ع10: الكلدانيين: هم السكان الأصليين لما بين النهرين وبابل.
يستولى مادى وفارس على بلاد بابل ويأخذون غنائمها الكثيرة فتشبع جدًا مادي وفارس
الكلأ: الأعشاب والمقصود القمح والشعير عند درسها لفصل حبوبها عن القش
ع11: عجلة: بقرة صغيرة
يعلن الله سبب تأديب بابل أنها كانت تشمت بشعب الله عندما استولت على أراضيه وغنائمه مثل عجلة تجر النورج لدراس القمح والشعير فتقفز بفرح أي أن بابل كانت تفرح بإذلال شعب الله. ويشبه بابل أيضًا بفرس يقفز ويعطي أصواتأً قوية هي الصهيل ويفرح أي أن بابل فرحت بتدمير يهوذا وإسرائيل.
ع12: إدعت بابل أنها أم للشعوب ولم تكن كذلك لأنها لم تشفق على شعوب العالم بل أذلتها. فيكلم الله هذه الشعوب ويقول لها أن أمكم بابل أي التي إدعت أنها أمكم صارت في خزي وخجل لأنها ضربت وأصبحت برية ومكان مهجور لا يوجد به ماء أو حياة مع أنها كانت أرض خصبة لكن جفت ينابيعها وصارت دمارًا.
ع13: غضب الرب على بابل فصارت مهجورة وكل من يمر بها يتعجب ويصفر من كثرة تعجبه لأجل خراب بابل التي كانت عظيمة جدًا.
ع14: ينادي الله جنود مادي وفارس ليضربوا عليها سهام كثيرة ويقتلوا من بها لأنهم عصوا الرب.
ع15: يستكمل الله كلامه إلى جنود مادي وفارس ليهتفوا هتاف النصرة عليها من كل جانب لأنها قد استسلمت وأعطت يدها فلم يعد لها قوة لتقاوم جنود مادي وفارس الذين هدموها ونزعوا أساساتها وكسروا أسوارها فهم ينتقمون منها لأنه أمر الرب وهي بهذا تنال جزاءها فكما فعلت شرًا بكل الشعوب هكذا أيضًا يفعلون بها شرًا ويحطمونها.
ع16: المنجل: سكين مستديرة يجمعون بها أعواد القمح والشعير.
لأن بابل ستصير مهجورة وتفقد خصوبتها ولا يوجد من يزرعها أو يحصد شيئًا منها ويهرب من فيها خوفًا من سيف مادي وفارس الذي يقتل سكان بابل ويرجع سكانها الذين تركوا بلادهم عندما سبتهم بابل فيتركونها ويعودون إلى بلادهم ليعيشوا في أمان. فبعد أن كانت بابل أكثر مكان في العالم أمان ومجال للغنى صارت خوفًا لكل من يقيم بها فهربوا منها.
† من يغش الله ولا يشفق على من حوله ويظلمهم ينتقم منه الله ولو بعد حين. فلا تتمادى في الشر أو الظلم وارجع سريعًا بالتوبة يرحمك الله.
[4] معاقبة الأعداء (ع 17 - 20)
17 «إِسْرَائِيلُ غَنَمٌ مُتَبَدِّدَةٌ. قَدْ طَرَدَتْهُ السِّبَاعُ. أَوَّلًا أَكَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، ثُمَّ هذَا الأَخِيرُ، نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هَرَسَ عِظَامَهُ. 18 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأَرْضَهُ كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ. 19 وَأَرُدُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى مَسْكَنِهِ، فَيَرْعَى كَرْمَلَ وَبَاشَانَ، وَفِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجِلْعَادَ تَشْبَعُ نَفْسُهُ. 20 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، يُطْلَبُ إِثْمُ إِسْرَائِيلَ فَلاَ يَكُونُ، وَخَطِيَّةُ يَهُوذَا فَلاَ تُوجَدُ، لأَنِّي أَغْفِرُ لِمَنْ أُبْقِيهِ.
ع17: يشبه الله أعداء شعبه بالسباع أما شعبه فبالغنم، فعندما تهجم الأسود على الغنم تأكلها كفريسة وتحكمها والسباع الأولى هي أشور التي سبت مملكة إسرائيل ثم جاءت بعدها مملكة بابل بقيادة نبوخذ نصر فسبت مملكة يهوذا وحكمتها بشدة هي وإسرائيل لأنها استولت على كل البلاد التي كانت خاضعة لآشور.
† إن الشيطان عدونا يأخذ أشكال مختلفة مثل آشور أو بابل ولكن هو عنيف ويريد التحكم فينا. ولا نستطيع أن ننجو من يده إلا إذا تمسكنا بالله فلا نرتعب من الأسود مادمنا في حماية الله، وإلهنا قادر ليس فقط أن يصد الأسود عنا بل يعاقبها أيضًا ويحمينا حماية كاملة.
ع18: أَرْضَهُ: اصنع فيه رضوضًا أي كدمات شديدة والمقصود أذله وأحطم قوته.
يبشر الله شعبه بأنه سيرفع عنه سلطان بابل ويحطمها كما حطم آشور بيد بابل سيحطم بابل بيد مادى وفارس فهو يؤدب شعبه بأشور وبابل ولكن عند توبة شعبه يعاقب أشور وبابل بشرورهما الكثيرة.
ع19: كرمل وباشان: أماكن خصبة في لبنان تقع في نصيب أفرايم وتدر خيرات كثيرة.
جلعاد: تقع شرق نهر الأردن وتتميز بخصوبتها وفيها أشجار البلسان التي عصارتها دواء غالي الثمن، وتقع جلعاد في نصيب سبطى رأويين ومنسى وفي الوقت الذي يعاقب فيه الله بابل يعيد شعبه ليسكن في بلاده في بداية حكم مملكة مادي وفارس فيرجعون إلى أراضيهم التي تفيض لبنًا وعسلًا أي خيرات كثيرة.
ع20: إذا ظنت الأمم المحيطة بشعب الله أن هذا الشعب خاطئ والله يعاقبه فعندما يعيدهم إلى بلادهم المملوءة بالخيرات يعلن الله أنه قد غفر خطاياهم وسامحهم لأنهم تابوا ورجعوا إليه فالله يكافئ أولاده التائبين بالبقاء والاستقرار والسلام.
[5] تدمير بابل (ع 21 - 32):
21 «اِصْعَدْ عَلَى أَرْضِ مِرَاثَايِمَ. عَلَيْهَا وَعَلَى سُكَّانِ فَقُودَ. اخْرِبْ وَحَرِّمْ وَرَاءَهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَافْعَلْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ. 22 صَوْتُ حَرْبٍ فِي الأَرْضِ، وَانْحِطَامٌ عَظِيمٌ. 23 كَيْفَ قُطِعَتْ وَتَحَطَّمَتْ مِطْرَقَةُ كُلِّ الأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً بَيْنَ الشُّعُوبِ؟ 24 قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكًا، فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ، وَأَنْتِ لَمْ تَعْرِفِي! قَدْ وُجِدْتِ وَأُمْسِكْتِ لأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ الرَّبَّ. 25 فَتَحَ الرَّبُّ خِزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ آلاَتِ رِجْزِهِ، لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ عَمَلًا فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 26 هَلُمَّ إِلَيْهَا مِنَ الأَقْصَى. افْتَحُوا أَهْرَاءَهَا. كَوِّمُوهَا عِرَامًا، وَحَرِّمُوهَا وَلاَ تَكُنْ لَهَا بَقِيَّةٌ. 27 أَهْلِكُوا كُلَّ عُجُولِهَا. لِتَنْزِلْ لِلذَّبْحِ. وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُ قَدْ أَتَى يَوْمُهُمْ، زَمَانُ عِقَابِهِمْ. 28 صَوْتُ هَارِبِينَ وَنَاجِينَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ، لِيُخْبِرُوا فِي صِهْيَوْنَ بِنَقْمَةِ الرَّبِّ إِلهِنَا، نَقْمَةِ هَيْكَلِهِ. 29 اُدْعُوا إِلَى بَابِلَ أَصْحَابَ الْقِسِيِّ. لِيَنْزِلْ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَنْزِعُ فِي الْقَوْسِ حَوَالَيْهَا. لاَ يَكُنْ نَاجٍ. كَافِئُوهَا نَظِيرَ عَمَلِهَا. افْعَلُوا بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَتْ، لأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى الرَّبِّ، عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 30 لِذلِكَ يَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي الشَّوَارِعِ، وَكُلُّ رِجَالِ حَرْبِهَا يَهْلِكُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 31 هأَنَذَا عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْبَاغِيَةُ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ، لأَنَّهُ قَد أَتَى يَوْمُكِ حِينَ عِقَابِي إِيَّاكِ. 32 فَيَعْثُرُ الْبَاغِي وَيَسقُطُ ولاَ يَكُونُ لَهُ مَنْ يُقِيمُهُ، وَأُشْعِلُ نَارًا في مُدُنِهِ فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوَالَيْهَا.
ع21: مراثايم: تقع جنوب بابل ومعناها التمرد المزدوج.
فقود: تقع شرق بابل ومعناها عقوبة
حرم وراءهم: اقتل
يعلن الله لأعداء بابل أي مادي وفارس التي تهاجمها لتخربها في كل جزء منها سواء في الشرق أو الجنوب وتُعاقبها لتمردها على الله.
ع22: سيسمع في بابل صوت الجنود المحاربين وآلات الحرب بالإضافة إلى أصوات التحطيم والتخريب التي تحدث فيها.
ع23: يشبه بابل بالمطرقة التي تحطم ما تسقط عليه فقد حطمت واستولت على كل بلاد العالم المحيط بها والآن الله يعاقبها فيقطعها ويحطمها بيد مادي وفارس ويخرب مبانيها.
ع24: شركًا: فخًا
فعلقت: سقطت في الفخ وأصبحت غير قادرة على الخروج منه.
سمح الله بالفخ لبابل وهو هجوم مادي وفارس عليها وسقطت في ضعف ولم تعرف كيف تقاوم وخربت بابل لأنها سارت في الشر ووقفت خصمًا لله بتدمير شعبه فاستحقت أن تعاقب.
ع25: رجزه: غضبه
يشبه الله نفسه برجل عظيم له خزائن أخرج منها آلات غضبه ويقصد تأديب بابل بيد مادي وفارس. هذا هو عمله في أرض بابل التي يسكنها الكلدانيون.
ع26: الأقصى: أقصى الشرق بالنسبة لبابل هو مملكة مادي وفارس
أهراءها: مخازنها فالأهراء هي الأجراف التي تجمع فيها الحبوب بعد حصادها.
عرامًا: أكوامًا
يطلب من مادى وفارس أن تهاجم بابل وتفتح خزائنها وتنهبها وتخربها فتصير تلالًا خربة وتقتل كل من فيها.
ع27: طالب أعداء بابل ليس فقط بقتل الناس الساكنين فيها بل أيضًا بهائمها، للقضاء على الحياة بها وعلى كل خيراتها.
ع28: هرب بعض سكان بابل الذين آمنوا بالله نتيجة معاشرتهم لليهود الذين كانوا في السبي وأتوا إلى أورشليم التي هي صهيون وأعلنوا العقاب الذي تم لبابل من إله إسرائيل ولعلهم أعلنوا إيمانهم وانضموا إلى شعب الله.
ع29: بغت: ظلمت.
ينادي جنود مادي وفارس المتميزين في رمي السهام بالقوس ليصوبوا سهامهم على بابل ويقتلوا من فيها لأنها ظلمت شعب الله إسرائيل، ومن يعتدي على شعب الله فهو يعتدي على الله نفسه لذلك يعاقبها الله بشدة، فهذا هو الجزاء الطبيعي لها لأنها أذلت شعوب الأرض الذين منهم شعب الله فكما عاقبت الشعوب تُعاقب هي الآن.
ع30: في يوم هجوم جيش مادي وفارس على بابل يقتلون شبابها وجنودها المحاربين أي يقضون على قوتها.
ع31: يوم هجوم مادي وفارس هو يوم عقاب بابل التي ظلمت شعوب الأرض.
ع32: تسقط بابل الظالمة ولا تجد من يقيمها لأن الله أمر بمعاقبتها ويسمح الله فيحرقون قصورها وبيوتها.
† إن كانت لك قوة وإمكانيات فلا تظلم بها غيرك بل استخدمها لمساعدة الضعفاء والمحتاجين واعلم أنه إن لم ترحم الآخرين لن يرحمك الله وعلى قدر ما تسيء إلى الناس سيدينك الله.
[6] معاقبة الظالم (ع 33 - 46)
33 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا مَعًا مَظْلُومُونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ أَمْسَكُوهُمْ. أَبَوْا أَنْ يُطْلِقُوهُمْ. 34 وَلِيُّهُمْ قَوِيٌّ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. يُقِيمُ دَعْوَاهُمْ لِكَيْ يُرِيحَ الأَرْضَ وَيُزْعِجَ سُكَّانَ بَابِلَ. 35 سَيْفٌ عَلَى الْكَلْدَانِيِّينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَلَى سُكَّانِ بَابِلَ، وَعَلَى رُؤَسَائِهَا، وَعَلَى حُكَمَائِهَا. 36 سَيْفٌ عَلَى الْمُخَادِعِينَ، فَيَصِيرُونَ حُمُقًا. سَيْفٌ عَلَى أَبْطَالِهَا فَيَرْتَعِبُونَ. 37 سَيْفٌ عَلَى خَيْلِهَا وَعَلَى مَرْكَبَاتِهَا وَعَلَى كُلِّ اللَّفِيفِ الَّذِي فِي وَسْطِهَا، فَيَصِيرُونَ نِسَاءً. سَيْفٌ عَلَى خَزَائِنِهَا فَتُنْهَبُ. 38 حَرٌّ عَلَى مِيَاهِهَا فَتَنْشَفُ، لأَنَّهَا أَرْضُ مَنْحُوتَاتٍ هِيَ، وَبِالأَصْنَامِ تُجَنُّ. 39 لِذلِكَ تَسْكُنُ وُحُوشُ الْقَفْرِ مَعَ بَنَاتِ آوَى، وَتَسْكُنُ فِيهَا رِعَالُ النَّعَامِ، وَلاَ تُسْكَنُ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ تُعْمَرُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 40 كَقَلْبِ اللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَمُجَاوَرَاتِهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، لاَ يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ، وَلاَ يَتَغَرَّبُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ. 41 هُوَذَا شَعْبٌ مُقْبِلٌ مِنَ الشِّمَالِ، وَأُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَيُوقَظُ مُلُوكٌ كَثِيرُونَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. 42 يُمْسِكُونَ الْقَوْسَ وَالرُّمْحَ. هُمْ قُسَاةٌ لاَ يَرْحَمُونَ. صَوْتُهُمْ يَعِجُّ كَبَحْرٍ، وَعَلَى خَيْل يَرْكَبُونَ، مُصْطَفِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ لِمُحَارَبَتِكِ يَا بِنْتَ بَابِلَ. 43 سَمِعَ مَلِكُ بَابِلَ خَبَرَهُمْ فَارْتَخَتْ يَدَاهُ. أَخَذَتْهُ الضِّيقَةُ وَالْوَجَعُ كَمَاخِضٍ. 44 هَا هُوَ يَصْعَدُ كَأَسَدٍ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأُرْدُنِّ إِلَى مَرْعًى دَائِمٍ. لأَنِّي أَغْمِزُ وَأَجْعَلُهُمْ يَرْكُضُونَ عَنْهُ. فَمَنْ هُوَ مُنْتَخَبٌ فَأُقِيمَهُ عَلَيْهِ؟ لأَنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يُحَاكِمُنِي؟ وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي يَقِفُ أَمَامِي؟ 45 لِذلِكَ اسْمَعُوا مَشُورَةَ الرَّبِّ الَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى بَابِلَ، وَأَفْكَارَهُ الَّتِي افْتَكَرَ بِهَا عَلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ: إِنَّ صِغَارَ الْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ. إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ عَلَيْهِمْ. 46 مِنَ الْقَوْلِ: أُخِذَتْ بَابِلُ. رَجَفَتِ الأَرْضُ وَسُمِعَ صُرَاخٌ فِي الشُّعُوبِ.
ع33: يتحدث الله عن شعبه المسكين في مملكتي إسرائيل ويهوذا وكيف تعرضوا لظلم آشور ثم بابل الذين أضلوهم وأخذوهم للسبى ولم يطلقوهم بل بعنف وقسوة عاملوهم.
ع34: الأرض: يقصد أرض شعبه.
يعلن الله مسئوليته عن شعبه فهو وليهم أي قريبهم المسئول عنهم وفي نفس الوقت قوته عظيمة فاسمه رب الجنود وهو سيفحص قضيتهم ودعواهم وطلبتهم المرفوعة إليه فينصفهم ويريحهم في أرضهم ويعاقب بابل التي أذلتهم.
ع35: يعلن الله أن مادي وفارس ستقتل أهل بابل الذين يسكنون فيها وكذا رؤساء الشعب مع الملك بالإضافة إلى مشيري الملك الذين هم حكماء الدولة.
ع36: الخادعين: الأنبياء الكذبة والسحرة والمنجمين.
أبطالها: قادة الجيش.
سيقتل سيف مادى وفارس الأنبياء الكذبة والمنجمين الذين لهم مكانة كبيرة في الدولة وكذلك قادة جيوشها.
ع37: خيلها ومركباتها: أسلحتها الحربية
اللفيف: السكان غير البابليين الذين يعضدون بابل أي حلفائها.
خزائنها: خيراتها.
ستمتد يد مادى وفارس لتقتل الخيل وتحطم المركبات الحربية وتبيد ليس فقط البابليين بل حلفائهم وتنهب غنائمها من الفضة والذهب والماشية وكل متاع ثمين.
ع38: سينشف الأعداء نهر الفرات الداخل إلى المدينة من تحت سورها العظيم إذ سيحولون مجرى النهر ليكونوا بركة عظيمة فتنشف مياه النهر ويقتحمون المدينة من تحت أسوارها وتفقد الماء وتكاد السكان تموت عطشًا وفي كل هذا لم تنقذهم آلهتهم الوثنية التي تعلقوا بها وفقدوا عقولهم في الانقياد وراءها.
† إن كل ما تعتمد عليه من قوى العالم وخيراته معرض للزوال فاشكر الله على عطاياه واتكل عليه فتحيا مطمئنًا حتى لو كان ما معك قليلًا.
ع39: بنات آوى: حيوان مفترس حجمه بين الذئب والثعلب.
رعال النعام : بنات النعام وهو طائر كبير يسير على الأرض.
يدمر الأعداء بابل فيهجرها الناس وتسكنها الوحوش والحيوانات البرية مع النعام.
ع40: ستخرب بابل مثل خراب سدوم وعمورة والبلاد المجاورة لها ويهجرها كل الناس.
ع41: يوضح الله أنه ضابط الكل الذي يعاقب بابل على شرورها مستخدمًا مملكة مادي وفارس الآتية من شمال بابل ويمثل بنائم يوقظه الله ليهاجم بابل.
ع42: يُظهر الله قوة جنود مادي وفارس المهرة في استخدام الأسلحة مثل السهام والرماح وسيحاصرون بابل فيقفون صفًا واحدًا حولها متحدين معًا كرجل واحد فينتصرون عليها وفي نفس الوقت يعاملونها بقسوة فيخربونها.
ع43: إن كان ملك بابل يتعاظم بقوته فالآن هو في ضعف شديد أمام هجوم مادي وفارس وهو يتلوى من الخوف مثل المرأة التي قاربت الولادة وتتلوى ألمًا ويبين الله ضعفه بإرتخاء يديه التي ترمز لقوته والمقصود ليس فقط الملك، بل كل جيوشه صارت في ضعف أمام الأعداء.
ع44: كبرياء الأردن: عندما يفيض نهر الأردن وتندفع مياهه بقوة.
تهجم جيوش مادي وفارس بقوة مثل اندفاع مياه الأردن في فيضانها وتهجم على بابل المملوءة بالخيرات التي يشبهها يبحر دائم أي خيرات دائمة ولكن تظهر رحمة الله في إشارته إلى جيوش مادي وفارس فتوقف تخريبها لبابل وترجع عنها، فالله رحيم لا يريد إبادة سكان بابل بل توبتهم وترك عبادتهم للأوثان ويطلب الله أن يجد راعيًا أمينًا يقيمه عليها ليقودها إلى الإيمان وهذا ما حدث بعد قيامة المسيح إذ انتشرت البشارة في العالم كله ووصلت إلى بابل والله هو القوي القادر على تأديب كل الشعوب لترجع إليه ولا يستطيع أحد أن يقف أمامه وقد تكرر هذا الكلام في (إر 49: 19 - 21).
ع45: بابل أصبحت ضعيفة لدرجة أن صغار الغنم تقودها، ويخرب الله بلادهم.
ع46: إن انهيار بابل العظيمة سيسمع في كل الأرض وتصرخ الشعوب من أجل سقوطها.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الحادى والخمسون
(1) معاقبة بابل (ع1- 14):
1 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُوقِظُ عَلَى بَابِلَ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي وَسْطِ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ رِيحًا مُهْلِكَةً. 2 وَأُرْسِلُ إِلَى بَابِلَ مُذَرِّينَ فَيُذَرُّونَهَا وَيُفَرِّغُونَ أَرْضَهَا، لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. 3 عَلَى النَّازِعِ فِي قَوْسِهِ، فَلْيَنْزِعِ النَّازِعُ، وَعَلَى الْمُفْتَخِرِ بِدِرْعِهِ، فَلاَ تُشْفِقُوا عَلَى مُنْتَخَبِيهَا، بَلْ حَرِّمُوا كُلَّ جُنْدِهَا. 4 فَتَسْقُطَ الْقَتْلَى فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَالْمَطْعُونُونَ فِي شَوَارِعِهَا. 5 لأَنَّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا لَيْسَا بِمَقْطُوعَيْنِ عَنْ إِلهِهِمَا، عَنْ رَبِّ الْجُنُودِ، وَإِنْ تَكُنْ أَرْضُهُمَا مَلآنَةً إِثْمًا عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 6 اهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ، وَانْجُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ. لاَ تَهْلِكُوا بِذَنْبِهَا، لأَنَّ هذَا زَمَانُ انْتِقَامِ الرَّبِّ، هُوَ يُؤَدِّي لَهَا جَزَاءَهَا. 7 بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ الرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ الأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ الشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ جُنَّتِ الشُّعُوبُ. 8 سَقَطَتْ بَابِلُ بَغْتَةً وَتَحَطَّمَتْ. وَلْوِلُوا عَلَيْهَا. خُذُوا بَلَسَانًا لِجُرْحِهَا لَعَلَّهَا تُشْفَى! 9 دَاوَيْنَا بَابِلَ فَلَمْ تُشْفَ. دَعُوهَا، وَلْنَذْهَبْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ، لأَنَّ قَضَاءَهَا وَصَلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَارْتَفَعَ إِلَى السَّحَابِ. 10 قَدْ أَخْرَجَ الرَّبُّ بِرَّنَا. هَلُمَّ فَنَقُصُّ فِي صِهْيَوْنَ عَمَلَ الرَّبِّ إِلهِنَا. 11 سُنُّوا السِّهَامَ. أَعِدُّوا الأَتْرَاسَ. قَدْ أَيْقَظَ الرَّبُّ رُوحَ مُلُوكِ مَادِي، لأَنَّ قَصْدَهُ عَلَى بَابِلَ أَنْ يُهْلِكَهَا. لأَنَّهُ نَقْمَةُ الرَّبِّ، نَقْمَةُ هَيْكَلِهِ. 12 عَلَى أَسْوَارِ بَابِلَ ارْفَعُوا الرَّايَةَ. شَدِّدُوا الْحِرَاسَةَ. أَقِيمُوا الْحُرَّاسَ. أَعِدُّوا الْكَمِينَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ قَصَدَ وَأَيْضًا فَعَلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى سُكَّانِ بَابِلَ. 13 أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، الْوَافِرَةُ الْخَزَائِنِ، قَدْ أَتَتْ آخِرَتُكِ، كَيْلُ اغْتِصَابِكِ. 14 قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ بِنَفْسِهِ: إِنِّي لأَمْلأَنَّكِ أُنَاسًا كَالْغَوْغَاءِ، فَيَرْفَعُونَ عَلَيْكِ جَلَبَةً.
ع1: يعلن الله أن بابل القائمة على الله وعلى شعبه سيهيج عليها ريحًا شديدة هي مملكة مادي وفارس فتدمرها، وهنا يظهر الله ضابط الكل الذي يستخدم قوة الأرض لتنفيذ مشيئته. فيستخدم بابل لتأديب شعبه والأمم ثم يستخدم مادي وفارس لتأديب بابل لعل الكل يتوبون.



ع2: يشبه مادي وفارس، ليس فقط بريح مهلكة، بل بمذرين، أي الذي يفصلون الحبوب عن القش بواسطة آلة تسمى المذراة. ولأن بابل ليس فيها أي صلاح الذي يُرمَز إليه بالحبوب لذا فالمذرين يذرون القش فيطير بعيدًا وتصبح بابل فارغة لأن الحبوب تسقط قريبًا والقش يطير بعيدًا، أي أن مادي وفارس يخربون بابل فتصبح مهجورة. ويوضح أن مادي وفارس ستحاصر بابل من جميع الجوانب، فتقتل من فيها ويهرب القليلون منها.



ع3 : منتخبيها: أبطالها.

حرموا: اقتلوا

ينادي الله مادي وفارس لقتل جنود بابل، سواء الذين يضربون السهام بالقوس أو الذين يلبسون الدروع لتحميهم ويهاجمون بالسيوف والرماح، فتقتل مادي وفارس الجبابرة أبطال بابل.
ع4: وهكذا تمتلئ بابل من جثث القتلى في كل الشوارع
ع5: يوضح هنا الله أنه وإن أخطأ اليهود في مملكتي يهوذا وإسرائيل بعبادة الأوثان أو الشهوات وأغضبوا إلههم، لكنه يحبهم إذ هم مؤمنون باسمه دون جميع الشعوب، فهو يؤدبهم بابل ثم يعاقب بابل التي كانت قاسية عليهم ويطالبها بكل دماء شعبه.
ع6: ينادي الله شعبه وكل الأمم الذين يقبلون نبواته على فم إرميا ليهربوا من بابل لأنها ستخرب، وكل من صدق كلام الله وهرب نجا من الموت.
ع7: يشبه الله بابل بكأس ذهبية من أجل كثرة غناها، ولكنها بيد الرب خالقها، يستخدمها لتأديب شعبه والأمم، وإذ لا تتوب يؤدبها. وخطيئة بابل أنها لم تفعل الشر فقط، بل أعثرت الأمم بخطاياها ويشبه ذلك بكأس مملوء خمرًا تسقى كل الأمم فتغويهم وتسقطهم في الشر. بل من انغماس الأمم في الشر فقدت ملكها وصارت كالمجنونة.
ع8: بلسانًا: دواء يؤخذ من نبات كان ينمو في جنوب فلسطين.
ينادي الله الملائكة ليحضروا دواءً لبابل لعلها تشفى، ولكنها رفضت كلام الله على فم الأنبياء، فلم تجد دواء ينفعها، لكن شعب الله قبل الدواء، أي تاب، فأرجعهم سالمين إلى بلادهم في بداية حكم مادي وفارس. وهكذا تحطمت بابل أما شعب الله فعاد ليعبده في أورشليم.
ع9: أدرك شعب الله إصرار بابل على الشر ورفضها التوبة، فتركوها ونجوا بأنفسهم وعادوا إلى أورشليم
ع10: صهيون: أورشليم
فرح شعب الله بإعادته لهم من السبي وغفرانه لخطاياهم، فرجعوا إلى أورشليم يخبرون بإنقاذ الله لهم عندما تابوا وإعادته لهم ليعبدوه في هيكله.
ع11: ينادي الله جنود مادي وفارس ليستعدوا حتى يحاربوا بابل وينتقموا منها منفذين إرادة الله من أجل ظلمهم لشعبه.
ع12: يستكمل كلامه مع جنود مادي وفارس لمحاصرتها وإقامة حراس حولها وإعداد كمين يقتحم المدينة من تحت أسوارها، من خلال مجرى نهر الفرات الذي جففوه.
ع13: يعاتب بابل التي اعتمدت على غناها بوفرة مياهها من خلال نهر الفرات العظيم الذي يمر فيها وكثرة الفضة والذهب في خزائنها وينذرها بأنها ستغتصب بيد مادي وفارس، فيكيل الله عليها الدمار وهكذا يشبه الدمار بكيل ممتلئ شرًا وغصبًا يسكبه عليها.
ع14 الغوغاء: الجراد.
جلبة: ضوضاء.
يختم الله كلامه في معاقبة بابل بأن جيوش بابل ستهجم عليهم بكثرة كالجراد وبضوضاء شديد فتخربها
† لا تعتمد على قوتك أو غناك فكل هذا زائل، ولا تستهن بالشر لأن الله يراقب كل شيء إرجع إليه بالتوبة واتكل عليه وثق في محبته أنه يقبلك مهما كانت خطاياك.
[2] الله وليس سواه (ع 15 - 26):
15 «صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ، وَمُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ، وبِفَهْمِهِ مَدَّ السَّمَاوَاتِ. 16 إِذَا أَعْطَى قَوْلًا تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِ، وَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ، وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. 17 بَلُدَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَعْرِفَتِهِ. خَزِيَ كُلُّ صَائِغٍ مِنَ التِّمْثَالِ لأَنَّ مَسْبُوكَهُ كَذِبٌ وَلاَ رُوحٌ فِيهِ. 18 هِيَ بَاطِلَةٌ، صَنْعَةُ الأَضَالِيلِ. فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ. 19 لَيْسَ كَهذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ، وَقَضِيبُ مِيرَاثِهِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 20 أَنْتَ لِي فَأْسٌ وَأَدَوَاتُ حَرْبٍ، فَأَسْحَقُ بِكَ الأُمَمَ، وَأُهْلِكُ بِكَ الْمَمَالِكَ، 21 وَأُكَسِّرُ بِكَ الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْمَرْكَبَةَ وَرَاكِبَهَا، 22 وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَأَسْحَقُ بِكَ الشَّيْخَ وَالْفَتَى، وَأَسْحَقُ بِكَ الْغُلاَمَ وَالْعَذْرَاءَ، 23 وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّاعِيَ وَقَطِيعَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْفَلاَّحَ وَفَدَّانَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْوُلاَةَ وَالْحُكَّامَ. 24 وَأُكَافِئُ بَابِلَ وَكُلَّ سُكَّانِ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمِ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي صِهْيَوْنَ، أَمَامَ عُيُونِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 25 هأَنَذَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُهْلِكُ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْمُهْلِكُ كُلَّ الأَرْضِ، فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأُدَحْرِجُكَ عَنِ الصُّخُورِ، وَأَجْعَلُكَ جَبَلًا مُحْرَقًا، 26 فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْكَ حَجَرًا لِزَاوِيَةٍ، وَلاَ حَجَرًا لأُسُسٍ، بَلْ تَكُونُ خَرَابًا إِلَى الأَبَدِ، يَقُولُ الرَّبُّ.
ع15: يسبح إرميا الله خالق الكون كله، وما يذكره هنا من (ع 15 - 19) هو تكرار لما سبق وذكره في (إر 10: 12 - 16). فهو خالق السماء والأرض والمسكونة كلها.
ع16: الله أيضًا هو محرك كل شيء في الكون، فيحرك الرياح لتسقط الأمطار ويعطي أمرًا للبروق فتخرج بلمعانها وتسقط الأمطار معها ويشبه قوة الله ضابط الكل بخزائن يحتفظ فيها بالرياح ويأمرها فتخرج منها.
ع17، 18: بلد: أصبح جاهلًا وغبيًا.
أمام عظمة الله وعلمه، يظهر جهل الإنسان، فمعرفته محدودة جدًا أمام حكمة الله غير المحدودة، ويظهر جهل الإنسان في تصويره آلهة بشكل أصنام لا قوة فيها، وبالتالي يشير هنا إلى ضعف بابل المتكلة على الأصنام أمام قوة الله غير المحدودة. فكل التماثيل التي صاغها الصناع باطلة ويظهر ضعفها أنها لا تعين أصحابها في الضيقات مثل هجوم مادي وفارس على بابل وتدميرهم لها.
ع19: هذه أصنام بابل التي بلا قوة، أما شعب الله إسرائيل فملكهم الذي يشير إليه بالقضيب الذي يمسكه الملك في يده فقوي جدًا يغلب كل قوة العالم وينجي شعبه المتكل عليه الذين هم ميراثه، أي ملكه والتابعين له. وهو أيضًا ميراثهم، إذ يرثون فيه ملكوت السموات.
ع20: بعد انتهاء التسبحة المقدمة لله، يخاطب دولة عظيمة يشبهها بفأس تحطم في الحرب كل من يقابلها وهي:
1- إما دولة مادي وفارس التي حطمت بابل واستولت على كل دول العالم.
2- أو بابل التي حطمت دول العالم ثم يعاقبها الله في (ع 24)
ع21: هذه الفأس تحطم كل القوى العسكرية لدول العالم المتمثلة في الخيل والمركبات الحربية.
ع22: يقتل بهذه الفأس جميع الناس رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، وكل الشباب.
ع23: ويقتل أيضًا ويخرب أنواع الحرف المختلفة، سواء الرعاة وقطعانهم، أو الفلاحين وزراعاتهم. بل ويقتل أيضًا ررؤساء هذه الدول.
ع24: يقرر الله أنه سيعاقب بابل على كل شرورها وظلمها لشعبه في أورشليم.
ع25: يشبه بابل العظيمة بجبل يتشامخ بكبريائه، فيحرقه الله ويدحرجه مثل حجر صغير، أي تصير بابل في منتهى الضعف. فكما أهلك سائر الأرض، تهلك بابل الآن بسبب شرها.
ع26: تصبح حجارة هذا الجبل بلا فائدة ولا تصلح حجارة لبناء جديد، سواء حجارة قوية لوضعها في زاوية الحائط أو حتى حجارة عادية لأي بناء، أي تصبح بابل خربة ومهجورة، ولا تصلح لسكن أي إنسان.
† تأمل عظمة الله في الخليقة لتسبحه وتمجده وتتكل عليه وتفرح بوجوده معك، فلا تعود تضطرب لتحركات الآخرين وتهديداتهم بل تحيا مطمئنًا في حضن إلهك.
[3] الشعوب تحطم بابل (ع 27 - 33)
27 «اِرْفَعُوا الرَّايَةَ فِي الأَرْضِ. اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الشُّعُوبِ. قَدِّسُوا عَلَيْهَا الأُمَمَ. نَادُوا عَلَيْهَا مَمَالِكَ أَرَارَاطَ وَمِنِّي وَأَشْكَنَازَ. أَقِيمُوا عَلَيْهَا قَائِدًا. أَصْعِدُوا الْخَيْلَ كَغَوْغَاءَ مُقْشَعِرَّةٍ. 28 قَدِّسُوا عَلَيْهَا الشُّعُوبَ، مُلُوكَ مَادِي، وُلاَتَهَا وَكُلَّ حُكَّامِهَا وَكُلَّ أَرْضِ سُلْطَانِهَا، 29 فَتَرْتَجِفَ الأَرْضُ وَتَتَوَجَّعَ، لأَنَّ أَفْكَارَ الرَّبِّ تَقُومُ عَلَى بَابِلَ، لِيَجْعَلَ أَرْضَ بَابِلَ خَرَابًا بِلاَ سَاكِنٍ. 30 كَفَّ جَبَابِرَةُ بَابِلَ عَنِ الْحَرْبِ، وَجَلَسُوا فِي الْحُصُونِ. نَضَبَتْ شَجَاعَتُهُمْ. صَارُوا نِسَاءً. حَرَقُوا مَسَاكِنَهَا. تَحَطَّمَتْ عَوَارِضُهَا. 31 يَرْكُضُ عَدَّاءٌ لِلِقَاءِ عَدَّاءٍ، وَمُخْبِرٌ لِلِقَاءِ مُخْبِرٍ، لِيُخْبِرَ مَلِكَ بَابِلَ بِأَنَّ مَدِينَتَهُ قَدْ أُخِذَتْ عَنْ أقْصَى، 32 وَأَنَّ الْمَعَابِرَ قَدْ أُمْسِكَتْ، وَالْقَصَبَ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ، وَرِجَالُ الْحَرْبِ اضْطَرَبَتْ. 33 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ بِنْتَ بَابِلَ كَبَيْدَرٍ وَقْتَ دَوْسِهِ. بَعْدَ قَلِيل يَأْتِي عَلَيْهَا وَقْتُ الْحَصَادِ».
ع27: أراراط: منطقة في أرمينيا شمال بحيرة فان.
منى: منطقة بجوار أراراط في أرمينيا.
أشكناز: هم شعب نسل جومر حفيد يافث (تك 10: 3) يسكنون في أرمينيا.
يحدث الله مادى وفارس لتنادي على الشعوب المحيطة بها والتي أخضعتها مادي قبلًا بسلطانها لتخرج معها حتى تحارب بابل، فيرفع القائد المادي راية الحرب وتتبعه الشعوب لمهاجمة بابل. والمقصود أن أعدادًا ضخمة من الجنود حاربت بابل وخربتها.
ع28: قدسوا: خصصوا.
والخلاصة أن كل الشعوب التابعة لسلطان مادي ستهاجم بابل، إذ أصبحت مادي هي أقوى دولة في العالم وقتذاك واتحدت بها فارس وخضعت لها شعوب كثيرة سحقت بها ممالك الأرض التي أولها بابل.
ع29: يصور عظمة الهجوم المادي على بابل بأن الأرض تهتز وترتجف تحت أقدام الجنود المحتشدة حول بابل لتدميرها وذلك لأن الله ضابط الكل أراد معاقبة بابل.
ع30: نضبت: أي جفت والمقصود ضعفت جدًا شجاعتهم أي صاروا بلا قوة.
عوارضها: الأخشاب التي تسند أعمدة البيت وتغطيه كسقف.
خاف أبطال بابل أي قادة جيوشها وعجزوا عن الحرب وهربوا ملتجئين إلى حصونهم وضاعت منهم شجاعتهم، فصاروا في ضعف النساء إذ رأوا بيوتهم وقصورهم قد احترقت بالنار.
ع31: عندما تحدث أي حرب، يسرع الجنود القادرون على الجرى سريعًا ليخبروا الملك بنتيجة الحرب. وهنا يجري العّداء أي سريع الجري ليعطي الخبر لعداء آخر فيصل الخبر سريعًا إلى الملك بسقوط بابل من أقصى المدينة إلى أقصاها، أي سقطت كلها.
ع32: وأخبروا الملك أن الطرق المؤدية إلى المدينة قد سيطر عليها الأعداء، وأنه عندما التجأ الجنود البابليون لأعواد القصب للاختفاء بينها، أحرق الأعداء القصب ليقضوا على الكل، وأصبح الجيش البابلي كله في ضعف واضطراب.
ع33: يشبه بابل ببيدر، وهو المكان المتسع الذي تدرس فيه الحبوب بواسطة النوارج التي تجرها الحيوانات، أي أن بابل تدوسها أقدام الأعداء لتقتل من فيها وتقطع رؤوسهم عن أجسادهم بالسيوف كما تفصل الحبوب عن القش بالمدراس. وهكذا ستحصد رؤوس كل سكانها وتخرب المدينة تمامًا. وكما خرَّبت بابل مملكة يهوذا ومصر وموآب، هكذا ستُخرب هي أيضًا. (إر 4: 7).
† لا تغضب الله بأفعالك لئلا يسمح بقيام الكل عليك ليضايقونك فإن أخطأت إرجع إليه سريعًا بالتوبة لأنه رحيم وطويل الأناة
[4] تدمير بابل لأنها ظلمت شعب الله (ع 34 - 40)
34 «أَكَلَنِي أَفْنَانِي نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. جَعَلَنِي إِنَاءً فَارِغًا. ابْتَلَعَنِي كَتِنِّينٍ، وَمَلأَ جَوْفَهُ مِنْ نِعَمِي. طَوَّحَنِي. 35 ظُلْمِي وَلَحْمِي عَلَى بَابِلَ» تَقُولُ سَاكِنَةُ صِهْيَوْنَ. «وَدَمِي عَلَى سُكَّانِ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ» تَقُولُ أُورُشَلِيمُ. 36 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُخَاصِمُ خُصُومَتَكِ، وَأَنْتَقِمُ نَقْمَتَكِ، وَأُنَشِّفُ بَحْرَهَا، وَأُجَفِّفُ يَنْبُوعَهَا. 37 وَتَكُونُ بَابِلُ كُوَمًا، وَمَأْوَى بَنَاتِ آوَى، وَدَهَشًا وَصَفِيرًا بِلاَ سَاكِنٍ. 38 يُزَمْجِرُونَ مَعًا كَأَشْبَال. يَزْأَرُونَ كَجِرَاءِ أُسُودٍ. 39 عِنْدَ حَرَارَتِهِمْ أُعِدُّ لَهُمْ شَرَابًا وَأُسْكِرُهُمْ، لِكَيْ يَفْرَحُوا وَيَنَامُوا نَوْمًا أَبَدِيًّا، وَلاَ يَسْتَيْقِظُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 40 أُنَزِّلُهُمْ كَخِرَافٍ لِلذَّبْحِ وَكَكِبَاشٍ مَعَ أَعْتِدَةٍ.
ع34: تصرخ يهوذا كأنثى ضعيفة أمام قسوة البابليين فتقول أن نبوخذ نصر ملك بابل قد أكل خيراتها ودمرها وابتلع كل مجدها كتنين يبتلع ويفترس أي شيء أمامه وشرب كل خيراتها فصارت إناءً فارغًا، وطوَّح كل سكانها الذين هربوا من سيوف جنوده.
ع35: تتوجع مملكة يهوذا معلنة أنها مظلومة وأن بابل ستحاسب على دماء يهوذا التي سالت في الشوارع.
ع36: يخرج الله ليدافع عن شعبه، فيصير خصمًا لبابل بدلًا من شعبه الضعيف، فيمنع عن بابل خيراتها بتجفيف نهر الفرات الذي اعتمدت خيرات بابل عليه عندما حولت مادي نهر الفرات وجففته.
ع37: عندما يخرب الله بابل، تصبح أكوامًا من الحجارة ومهجورة لا يسكنها إنسان بل الوحوش مثل بنات آوى، ويتعجب كل من يمر بها، إذ كيف خربت أعظم مدن العالم، ويعرف أن السبب هو شرها.
ع38: جراء أسود: أشبال أو صغار الأسود.
يهاجم بابل جنود مادى، فتكون كصغار الأسود التي تفترس كل من يقابلها وتلتهم كل خيرات بابل وتصرخ عليها صراخًا مرعبًا.
عند حرارتهم: عند هياجهم باللذات من الأكل والشرب احتفالًا بإلههم.
ع39: كان البابليون يحتفلون بعيد إلههم بال، ويشربون الخمر مع ملكهم، وإذ هم في لذة الشهوات هجم عليهم الماديون فشربوا غضب الله وماتوا لينتهوا إلى العذاب الأبدي لأجل شرورهم.
ع40: أعتدة: جمع عتاد وهي أسلحة الحرب وكل ممتلكات الإنسان.
يصبح البابليون مثل الخراف والكباش أمام قوة الماديين فيذبحونهم ويأخذون ممتلكاتهم وخيراتهم.
† كن عادلًا في تصرفاتك مع من حولك حتى لو كانوا بلا قوة. لا تظلم أحدًا وأعط الكل حقه ليس فقط في المال بل في الكلام والتعبير عن نفسه وراحته ولا تفرح أنك نلت بأنانيتك ما تريده على حساب الآخرين لأنك ستحاسب على كل هذا.
[5] خراب بابل ونجاة شعب الله ( ع 41 - 53):
41 « كَيْفَ أُخِذَتْ شِيشَكُ، وَأُمْسِكَتْ فَخْرُ كُلِّ الأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ دَهَشًا فِي الشُّعُوبِ؟ 42 طَلَعَ الْبَحْرُ عَلَى بَابِلَ، فَتَغَطَّتْ بِكَثْرَةِ أَمْوَاجِهِ. 43 صَارَتْ مُدُنُهَا خَرَابًا، أَرْضًا نَاشِفَةً وَقَفْرًا، أَرْضًا لاَ يَسْكُنُ فِيهَا إِنْسَانٌ وَلاَ يَعْبُرُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ. 44 وَأُعَاقِبُ بِيلَ فِي بَابِلَ، وَأُخْرِجُ مِنْ فَمِهِ مَا ابْتَلَعَهُ، فَلاَ تَجْرِي إِلَيْهِ الشُّعُوبُ بَعْدُ، وَيَسْقُطُ سُورُ بَابِلَ أَيْضًا. 45 اُخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا يَا شَعْبِي، وَلْيُنَجِّ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنْ حُمُوِّ غَضَبِ الرَّبِّ. 46 وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكُمْ فَتَخَافُوا مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي سُمِعَ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي خَبَرٌ فِي هذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، خَبَرٌ وَظُلْمٌ فِي الأَرْضِ، مُتَسَلِّطٌ عَلَى مُتَسَلِّطٍ. 47 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي وَأُعَاقِبُ مَنْحُوتَاتِ بَابِلَ، فَتَخْزَى كُلُّ أَرْضِهَا وَتَسْقُطُ كُلُّ قَتْلاَهَا فِي وَسْطِهَا. 48 فَتَهْتِفُ عَلَى بَابِلَ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا، لأَنَّ النَّاهِبِينَ يَأْتُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 49 كَمَا أَسْقَطَتْ بَابِلُ قَتْلَى إِسْرَائِيلَ، تَسْقُطُ أَيْضًا قَتْلَى بَابِلَ فِي كُلِّ الأَرْضِ. 50 أَيُّهَا النَّاجُونَ مِنَ السَّيْفِ اذْهَبُوا. لاَ تَقِفُوا. اذْكُرُوا الرَّبَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَلْتَخْطُرْ أُورُشَلِيمُ بِبَالِكُمْ. 51 قَدْ خَزِينَا لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا عَارًا. غَطَّى الْخَجَلُ وُجُوهَنَا لأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَدْ دَخَلُوا مَقَادِسَ بَيْتِ الرَّبِّ.
ع41: شيشك: الغاطسة في الماء والمقصود بابل التي على نهر الفرات أي حولها مياه كثيرة.
يظهر الله تبدل الأحوال ببابل العظيمة التي كانت تفتخر على كل بلاد العالم وكيف انهارت وتخربت لأجل كبريائها وشرورها.
ع42: يشبه هجوم مادي وفارس بالبحر الهائج الذي يغطي بابل فيغرقها أي يدمرها إذ كانت جنود مادي ومن يتبعها كثيرة جدًا كأنها البحر.
ع43: بعد تخريب بابل ستصبح مهجورة لا يسكن فيها إنسان.
ع44: كان رمز قوة بابل هو إلهها بيل، فكانت بابل تظلم وتأكل كل الشعوب ويرمز إليها بالإله بيل الذي أكل كل الشعوب ولكنه لا شيء أمام قوة الله وهو مجرد تمثال يقدمون له الحيوانات ليأكلها، والحقيقة أن كهنته هم الذين يأكلونها (دا 13)، أي يُعلن الله ضعف بابل وإلهها الذي يتحطم وكذلك أسوارها العظيمة التي تفتخر بها على كل الشعوب تتكسر وتتهدم.
ع45: ينادي على شعبه المقيم في بابل ليهرب فيها عند هجوم مادي وفارس عليها ولا يعتقد بقوتها التي تتباهى بها لأنها ستخرب فيهرب شعب الله منها بسرعة، كل هذه النبوات أعلنها الله قبل خراب بابل بحوالي 70 سنة ولم يصدقها أحد إلا شعبه الذين هربوا فنجوا أنفسهم بطاعتهم لله.
ع46: متسلط على متسلط: مادى وفارس تتسلط على بابل
يطمئن الله شعبه عندما يرون هجوم مادى وفارس على بابل ويعلن لهم أن الأخبار ستتوالى بتسلط مادي وفارس على العالم فلا ينزعجوا بسقوط بابل وتسلط مادي وفارس لأن الله سيعيدهم إلى بلادهم في بداية حكم مادي وفارس.
ع47: بهجوم مادي وفارس يحطمون بابل وآلهتها أي أصنامها ليعلنوا أن آلهتهم أقوى من آلهة بابل ويقتلوا رجال بابل ويخزي كل من يبقى حيًا منهم.
ع48: لأن الله هو الذي أمر بتخريب بابل فإن السموات والأرض تفرحان بهذا، والأرض ترمز لمدن العالم التي ظلمتها بابل فيشمتون فيها عند خرابها أما السموات فترمز للملائكة الذين يفرحون بإزالة الشر ومعاقبته، وسيكون هجوم مادي وفارس على بابل من الشمال.
ع49: يبين الله هنا أن عقاب بابل هو بسبب ظلمها لشعب الله، وكما قتلت رجال شعب الله يقتل مادي وفارس رجال بابل.
ع50: يكلم شعب الله الهاربين من بابل ليُسرعوا في الهرب ويفكروا في الرجوع إلى أورشليم لتجديد هيكلها وتقديم العبادة لله.
ع51: يُذكر الله شعبه بالخزي الذي شعروا به عند مهاجمة بابل لأورشليم ودخولهم هيكل الله وتخريبه.
ع52: بسبب تدنيس بابل لهيكل الله يحطم الله أصنامها بيد مادي وفارس ويقتل ويجرح سكانها.
ع53: يقرر الله في النهاية أنه مهما تكبرت بابل واعتمدت على قوتها وعظمتها فالله سيعاقبها ويدمرها.
† اهرب من الشر ومخالطة الأشرار وأماكنهم التي تعثرك وكل ما يًُسقطك في الخطية لأن هربك هذا معناه إيمانك بالله والطهارة فسيساعدك الله ويباركك ويُبعد عنك كل شر.
[6] تحطيم بابل العظيمة (ع 54 - 58):
52 لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ مَنْحُوتَاتِهَا، وَيَتَنَهَّدُ الْجَرْحَى فِي كُلِّ أَرْضِهَا. 53 فَلَوْ صَعِدَتْ بَابِلُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَلَوْ حَصَّنَتْ عَلْيَاءَ عِزِّهَا، فَمِنْ عِنْدِي يَأْتِي عَلَيْهَا النَّاهِبُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 54 «صَوْتُ صُرَاخٍ مِنْ بَابِلَ وَانْحِطَامٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، 55 لأَنَّ الرَّبَّ مُخْرِبٌ بَابِلَ وَقَدْ أَبَادَ مِنْهَا الصَّوْتَ الْعَظِيمَ، وَقَدْ عَجَّتْ أَمْوَاجُهُمْ كَمِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَأُطْلِقَ ضَجِيجُ صَوْتِهِمْ. 56 لأَنَّهُ جَاءَ عَلَيْهَا، عَلَى بَابِلَ، الْمُخْرِبُ، وَأُخِذَ جَبَابِرَتُهَا، وَتَحَطَّمَتْ قِسِيُّهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهُ مُجَازَاةٍ يُكَافِئُ مُكَافَأَةً. 57 وَأُسْكِرُ رُؤَسَاءَهَا وَحُكَمَاءَهَا وَوُلاَتَهَا وَحُكَّامَهَا وَأَبْطَالَهَا فَيَنَامُونَ نَوْمًا أَبَدِيًّا، وَلاَ يَسْتَيْقِظُونَ، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 58 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ أَسْوَارَ بَابِلَ الْعَرِيضَةَ تُدَمَّرُ تَدْمِيرًا، وَأَبْوَابُهَا الشَّامِخَةَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ، فَتَتْعَبُ الشُّعُوبُ لِلْبَاطِلِ، وَالْقَبَائِلُ لِلنَّارِ حَتَّى تَعْيَا».
ع54، 55: يصف الله ما سيحدث في بابل عند هجوم مادي وفارس عليها فيعلوا صوت تحطيم منازلها وأسوارها ويصاحبه صراخ سكانها الذين يسقطون بالسيف ويُخربون وينتهي أصوات الكبرياء الصادرة من الملك والرؤساء ويحل محله صوت الخوف والخزي وصراخ الهاربين.
ع56: الله يعاقب بابل من أجل شرورها فيحطمها بواسطة مادي وفارس ويقتل جنودها الأبطال ويحطم أسلحتها الحربية.
ع57: يسقط كل رؤساء وعظماء بابل كمن شربوا خمرًا كثيرًا جدًا فترنحوا وسقطوا على الأرض ولن يقوموا لأنهم ماتوا.
ع58: تعيا: تتعب تعبًا شديدًا
يُظهر ضعف البشر مهما كانت قوتهم فقد بذلت بابل جهدًا كبيرًا وأموالًا طائلة في بناء أسوارها ولكنها ستتحطم حتى تعرف جميع الشعوب أن الحماية من الله وليس من القوة المادية.
† لا تضيع وقتك كله في أعمال العالم وتنسى هدفك وهو الله وإذا حاربك القلق اتجه إليه وليس إلى تحصيل الأموال وحشد قوى العالم فهي لن تحميك أو تطمئنك.
[7] قراءة النبوات في بابل (ع 59 - 64):
59 اَلأَمْرُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ سَرَايَا بْنَ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَّا، عِنْدَ ذَهَابِهِ مَعَ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ، وَكَانَ سَرَايَا رَئِيسَ الْمَحَلَّةِ، 60 فَكَتَبَ إِرْمِيَا كُلَّ الشَّرِّ الآتِي عَلَى بَابِلَ فِي سِفْرٍ وَاحِدٍ، كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ الْمَكْتُوبِ عَلَى بَابِلَ، 61 وَقَالَ إِرْمِيَا لِسَرَايَا: «إِذَا دَخَلْتَ إِلَى بَابِلَ وَنَظَرْتَ وَقَرَأْتَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، 62 فَقُلْ: أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ تَكَلَّمْتَ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لِتَقْرِضَهُ حَتَّى لاَ يَكُونَ فِيهِ سَاكِنٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ، بَلْ يَكُونُ خِرَبًا أَبَدِيَّةً. 63 وَيَكُونُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ قِرَاءَةِ هذَا السِّفْرِ أَنَّكَ تَرْبُطُ بِهِ حَجَرًا وَتَطْرَحُهُ إِلَى وَسْطِ الْفُرَاتِ 64 وَتَقُولُ: هكَذَا تَغْرَقُ بَابِلُ وَلاَ تَقُومُ، مِنَ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَيْهَا وَيَعْيَوْنَ». إِلَى هُنَا كَلاَمُ إِرْمِيَا.
ع59: اختار إرميا رجلًا مؤمنًا من اتباع الملك صدقيا وهو سرايا بن نيريا رئيس المحلة أي رئيس المدينة التي يحل فيها ويسكن فيها الشعب ويبدو أنه كان رئيسًا على أورشليم وهو رجل تقي وأخو باروخ بن نيريا النبي كاتب نبوات إرميا وتلميذه. وكان سرايا ذاهبًا مع الملك صدقيا للسنة الرابعة لملكه إلى بابل لتجديد عهوده وولائه لبابل مع أنه بعد رجوعه خالف عهده وبدأ يميل إلى ملك مصر.
ع60: كتب إرميا نبواته التي أعلنها عن بابل والمكتوبه في (إر 50، 51)، كتبها بنفسه في سفر أي قطعة كبيرة من الجلد أو ورق البردي. ولخطورة هذه النبوات كتبها إرميا بنفسه ولم يجعل باروخ يكتبها حتى لا يعرضه للخطر بهياج بابل عليه احتلال أرضه، وتحمل المسئولية مجاذفًا بحياته تنفيذًا لأوامر الله. وهنا تظهر أبوة إرميا وبذله كخادم.
ع62: طلب إرميا من سرايا عند دخوله إلى بابل أن يجمع اليهود الذين تم سبيهم إلى بابل ويقرأ عليهم كلمات هذا السفر ويؤكد أن بابل ستخرب.
وقد يبدو هذا الكلام لغير المؤمنين غريبًا جدًا فكيف دعى إرميا شعبه للخضوع لبابل والآن يعلن أنها ستخرب، والسبب طبعا هو قبول تأديب الله للخضوع لبابل حتى يتوبوا ثم عدم التعلق بخيرات بابل والاحتماء بها لأنها ستخرب بسبب شرها وينبغي أن يؤمنوا بالله ويحتموا به.
ع63: أمر إرميا بتأكيد خراب بابل بمثال توضيحى وهو أن يربط السفر المكتوب فيه النبوات بحجر ثم يلقيه أمام أعين الشعب في نهر الفرات معلنًا أن بابل ستغرق هكذا أي تخرب.
† إن الله ينبهك لأحداث العالم حتى تتوب وترجع إليه فيظهر لك سقوط قوى العالم وعقاب الأشرار حتى لا تعتمد على العالم الشرير فتأمل أعمال الله التي أمامك لتؤمن به وتحيا معه.

تفسير سفر ارميا الاصحاح الثانى الخمسون
(1) التمرد على بابل وسقوط أورشليم (ع1- 7):
1 كَانَ صِدْقِيَّا ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمِيطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. 2 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ يَهُويَاقِيمُ. 3 لأَنَّهُ لأَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا حَتَى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ، كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. 4 وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِمُلْكِهِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ، جَاءَ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَبْرَاجًا حَوَالَيْهَا. 5 فَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ فِي الْحِصَارِ إِلَى السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ صِدْقِيَّا. 6 فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ اشْتَدَّ الْجُوعُ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ خُبْزٌ لِشَعْبِ الأَرْضِ. 7 فَثُغِرَتِ الْمَدِينَةُ وَهَرَبَ كُلُّ رِجَالِ الْقِتَالِ، وَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ لَيْلًا فِي طَرِيقِ الْبَابِ بَيْنَ السُّورَيْنِ اللَّذَيْنِ عِنْدَ جَنَّةِ الْمَلِكِ، وَالْكَلْدَانِيُّونَ عِنْدَ الْمَدِينَةِ حَوَالَيْهَا، فَذَهَبُوا فِي طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ.
ع1: بعد سبى بابل للملك يهوياكين ملك يهوذا اختار ملك بابل عمه متنيا بدلًا منه وغير اسمه إلى صدقيا (2 مل24: 17) وجعله ملكًا وهو في سن الحادية والعشرين وكان ضعيف الشخصية يظهر ولاءه لبابل ثم يعود فيتكلم مع مصر ويلقى إرميا في السجن. ثم يعود فيستشيره وظل حكم صدقيا 11 عامًا فقد فيها قدرته على قيادة شعبه وخسر ثقة بابل فيه، وكان هذا بتدبير الله لتأديب صدقيا وكل مملكته لأجل خطاياهم.
ع2: سار صدقيا في الشر مثل أخيه يهوياقيم وإن كان يتظاهر أحيانًا بالخضوع لله ولنبيه إرميا.
ع3 : انتهى حكم صدقيا لمملكة يهوذا بأنه تمرد على ملك بابل فقام الأخير عليه وسباه وحطم وحرق أورشليم لأجل خطايا شعبها.
ع4: في السنة التاسعة للملك صدقيا أتت جيوش بابل وحاصرت أورشليم وبنت حولها متاريس وأبراج ليمنعوا هروب أهلها منها وليستطيعوا معرفة ما يدور بها ويسهل اقتحامها وكان ذلك في شهر يناير من عام 588 ق . م وهو ما يقابل اليوم العاشر من الشهر العاشر من السنة التاسعة لملك صدقيا.
ع5، 6: استمر حصار أورشليم لمدة عام ونصف أي إلى شهر يوليو عام 587 ق . م وهو ما يقابل التاسع من الشهر الرابع من السنة الحادية عشر للملك صدقيا وفي هذا الوقت اشتد الجوع بسكان أورشليم حتى كادوا يموتوا فبحثوا عن طريقة للهرب والنجاة بأنفسهم.
ع7: في محاولة أخيرة للنجاة صنع اليهود فجوة في سور المدينة وخرجوا منها وكانت بين السورين عند حديقة الملك.
† إذا كنت تريد أن تتغلب على أعدائك الشياطين فلابد أن تعتمد على الله وليس على أفكارك أو قوتك الخاصة لأنهم أقوى منك وبهذا تنجي نفسك من أيديهم مهما أحاطت حيلهم وحروبهم بك.
[2] محاكمة صدقيا (ع 8– 11):
8 فَتَبِعَتْ جُيُوشُ الْكَلْدَانِيِّينَ الْمَلِكَ، فَأَدْرَكُوا صِدْقِيَّا فِي بَرِّيَّةِ أَرِيحَا، وَتَفَرَّقَ كُلُّ جَيْشِهِ عَنْهُ. 9 فَأَخَذُوا الْمَلِكَ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ، فَكَلَّمَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ. 10 فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ أَيْضًا كُلَّ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا فِي رَبْلَةَ، 11 وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا، وَقَيَّدَهُ بِسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، وَجَاءَ بِهِ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ، وَجَعَلَهُ فِي السِّجْنِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ.
ع8: برية أريحا: وادي بجوار مدينة أريحا التي تقع بجوار نهر الأردن وشمال شرق أورشليم.
هرب الملك صدقيا من مدينة أورشليم ولكن استطاعت جيوش بابل القبض عليه عندما وصل إلى برية أريحا.
ع9: ربلة: مدينة بجوار حماة ونهر العاصي الذي في سوريا الآن وتقع شمال أريحا.
أخذت جنود بابل الملك صدقيا وذهبوا به إلى نبوخذ نصر ملك بابل الذي كان مقيمًا في ربلة ليمنع أي إمدادات مصرية تأتي لليهود من المصريين المقيمين هناك ولأن هناك طريق تجارية بين مصر وبابل.
ع10: حتى يخيف ويذل نبوخذ نصر صدقيا قتل أولاده أمام عينيه ثم رؤساء شعبه.
ع11: ثم فقأ عيني صدقيا وقيده بسلاسل نحاسية أي سلاسل قوية حتى لا يهرب واقتاده مسبيًا إلى بابل وألقاه في السجن حتى نهاية حياته.
† أذل نبوخذ نصر صدقيا وبعد سنوات فقد نبوخذ نصر عقله وألقي مثل الحيوانات بعيدًا عن الناس مدة سبعة سنوات. لا تُذل غيرك لئلا تُذَل ولا تظلم أحدًا بل كن رحيمًا فتنال مراحم الله.
[3] سقوط أورشليم وسلب الهيكل (ع 12 - 23)
12 وَفِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، جَاءَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ، الَّذِي كَانَ يَقِفُ أَمَامَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 13 وَأَحْرَقَ بَيْتَ الرَّبِّ، وَبَيْتَ الْمَلِكِ، وَكُلَّ بُيُوتِ أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ بُيُوتِ الْعُظَمَاءِ، أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ. 14 وَكُلَّ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا هَدَمَهَا كُلُّ جَيْشِ الْكَلْدَانِيِّينَ الَّذِي مَعَ رَئِيسِ الشُّرَطِ. 15 وَسَبَى نَبُوزَرَادَانُ، رَئِيسُ الشُّرَطِ، بَعْضًا مِنْ فُقَرَاءِ الشَّعْبِ، وَبَقِيَّةَ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَالْهَارِبِينَ الَّذِينَ سَقَطُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَبَقِيَّةَ الْجُمْهُورِ. 16 وَلكِنَّ نَبُوزَرَادَانَ، رَئِيسَ الشُّرَطِ، أَبْقَى مِنْ مَسَاكِينِ الأَرْضِ كَرَّامِينَ وَفَلاَّحِينَ. 17 وَكَسَّرَ الْكَلْدَانِيُّونَ أَعْمِدَةَ النُّحَاسِ الَّتِي لِبَيْتِ الرَّبِّ، وَالْقَوَاعِدَ وَبَحْرَ النُّحَاسِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ، وَحَمَلُوا كُلَّ نُحَاسِهَا إِلَى بَابِلَ. 18 وَأَخَذُوا الْقُدُورَ وَالرُّفُوشَ وَالْمَقَاصَّ وَالْمَنَاضِحَ وَالصُّحُونَ وَكُلَّ آنِيَةِ النُّحَاسِ الَّتِي كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَا. 19 وَأَخَذَ رَئِيسُ الشُّرَطِ الطُّسُوسَ وَالْمَجَامِرَ وَالْمَنَاضِحَ وَالْقُدُورَ وَالْمَنَايِرَ وَالصُّحُونَ وَالأَقْدَاحَ، مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَالذَّهَبَ، وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَالْفِضَّةَ. 20 وَالْعَمُودَيْنِ وَالْبَحْرَ الْوَاحِدَ، وَالاثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا مِنْ نُحَاسٍ الَّتِي تَحْتَ الْقَوَاعِدِ، الَّتِي عَمِلَهَا الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ الرَّبِّ. لَمْ يَكُنْ وَزْنٌ لِنُحَاسِ كُلِّ هذِهِ الأَدَوَاتِ. 21 أَمَّا الْعَمُودَانِ فَكَانَ طُولُ الْعَمُودِ الْوَاحِدِ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا، وَخَيْطٌ اثْنَتَا عَشَرَةَ ذِرَاعًا يُحِيطُ بِهِ، وَغِلَظُهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَهُوَ أَجْوَفُ. 22 وَعَلَيْهِ تَاجٌ مِنْ نُحَاسٍ، ارْتِفَاعُ التَّاجِ الْوَاحِدِ خَمْسُ أَذْرُعٍ. وَعَلَى التَّاجِ حَوَالَيْهِ شَبَكَةٌ وَرُمَّانَاتُ، الْكُلِّ مِنْ نُحَاسٍ. وَمِثْلُ ذلِكَ لِلْعَمُودِ الثَّانِي، وَالرُّمَّانَاتِ. 23 وَكَانَتِ الرُّمَّانَاتُ سِتًّا وَتِسْعِينَ لِلْجَانِبِ. كُلُّ الرُّمَّانَاتِ مِئَةٌ عَلَى الشَّبَكَةِ حَوَالَيْهَا.
ع12: بعد الاستيلاء على أورشليم وسبى الملك وقتل العظماء وسبى الكثيرين إلى بابل أرسل نبوخذ نصر رئيس الشرط وهو يمثل رئيس الجيش أو وزير الداخلية ويسمى نبوزرادان إلى أورشليم وكان ذلك في اليوم العاشر في الشهر الخامس في السنة التاسعة عشر لنبوخذ نصر.
ع13: كان عمل نبوزرادان التدمير الكامل لأورشليم حتى لا تفكر يومًا ما في التمرد على بابل فأحرق هيكل سليمان وقصر الملك وقصور العظماء بعد أن سلب ما فيها وقد كان السلب الأول للهيكل قد أتمته بابل عام 597 ق . م حينما أخذت الفضة والذهب الذي فيه.
ع14: وهدم أيضًا نبوزرادان أسوار أورشليم بواسطة رجال الجيش حتى تفقد أورشليم حصانتها وحمايتها فلا تقاوم بابل.
ع15، 16: اختار نبوزرادان كل من رآه ذو نشاط أو قوة أو شخصية متميزة من فقراء الشعب وكذلك الذين أرادوا تسليم أنفسهم لبابل أخذهم جميعًا سبايا لبابل وأبقى في أورشليم وما حولها مجموعة من المساكين الذين يعملون مزارعين ليعملوا في الأرض ويحفظوها ولكن ليس لهم قوة للقيام بثورة ضد بابل.
ع17: الذي بقى في هيكل الرب هي المشغولات النحاسية والتي أهمها عمودي النحاس والبحر النحاسي الذي كان يغتسل فيه الكهنة وكذلك قواعد الأعمدة.
ع19: القدور : آنية نحاسية كبيرة يوضع فيها اللحم أو الرماد.
الرفوش: جمع رفش وهو جاروف نحاسي لجمع الرماد من على المذبح النحاسي.
المقاص: جمع مقص وهي من أدوات المذبح النحاسي.
المناضح: وعاء صغير قد يكون من النحاس أو الفضة أو الذهب ليضخ الدم به.
الصحون: أطباق صغيرة نحاسية أو ذهبية.
الطسوس: آنية لجمع الدم بها.
المجامر: آنية ذهبية لوضع الفحم والبخور.
المناير: جمع منارة وهي من الذهب وتضاء بالزيت.
الأقداح: كئوس صغيرة.
أخذ نبوزرادان كل أدوات الهيكل صغيرة أو كبيرة المصنوعة من الذهب أو الفضة والنحاس.
ع20-23: يوضح في هذه الآيات الكميات الضخمة من النحاس التي أخذها نبوزرادان من الهيكل سواء الموجودة في الأعمدة وقواعدها أو البحر وقواعده المصنوعة على شكل ثيران. ويوضح مقاسات العمود النحاسي الذي ارتفاعه ثمانية عشر ذراع أي حوال تسعة أمتار ومحيطه حوال اثنى عشر ذراعأً وسمكه 4 أصابع أي حوالي 7 سم، والتاج الذي على العمود ارتفاعه خمسة أذرع وعلى التاج شبكة ورمانات عددها مائة. كل هذا مصنوع من النحاس الخالص فكان وزن النحاس ضخم جدًا.
† إن الخطية تسلبك كل فخرك ومجدك فأسرع إلى التوبة لتستعيد بنوتك ومجدك كإبن لله وتعود إلى طريق الحياة والسعي في طريق الملكوت.
[4] قتل الكهنة وسبى الشعب (ع 24 - 30)
24 وَأَخَذَ رَئِيسُ الشُّرَطِ سَرَايَا الْكَاهِنَ الأَوَّلَ، وَصَفَنْيَا الْكَاهِنَ الثَّانِي وَحَارِسِي الْبَابِ الثَّلاَثَةَ. 25 وَأَخَذَ مِنَ الْمَدِينَةِ خَصِيًّا وَاحِدًا كَانَ وَكِيلًا عَلَى رِجَالِ الْحَرْبِ، وَسَبْعَةَ رِجَال مِنَ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ وَجْهَ الْمَلِكِ، الَّذِينَ وُجِدُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَكَاتِبَ رَئِيسِ الْجُنْدِ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُ شَعْبَ الأَرْضِ لِلتَّجَنُّدِ، وَسِتِّينَ رَجُلًا مِنْ شَعْبِ الأَرْضِ، الَّذِينَ وُجِدُوا فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ. 26 أَخَذَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، إِلَى رَبْلَةَ، 27 فَضَرَبَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ. فَسُبِيَ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ. 28 هذَا هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ: مِنَ الْيَهُودِ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ. 29 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَشَرَةَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ سُبِيَ مِنْ أُورُشَلِيمَ ثَمَانُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلاَثُونَ نَفْسًا. 30 فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ، سَبَى نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ مِنَ الْيَهُودِ سَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ نَفْسًا. جُمْلَةُ النُّفُوسِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ.
ع24، 25: قبض نبوزرادان على الباقين من العظماء في أورشليم فأخذ الكاهن سرايا المتقدم والكاهن الذي يليه وهو صفنيا وكذلك حراس باب الهيكل وهم ثلاثة من الكهنة بالإضافة إلى الخصي المسئول عن رجال الحرب وهو يمثل وزير الدفاع؛ وقبض أيضًا على سبعة رجال من مشيري الملك، والكاتب الذي يجمع رجال الحرب للتجنيد وأضاف عليهم ستين رجلًا هم أعظم من وجدهم بين الشعب.
ع26، 27: بعد أن قبض نبوزرادان على العظماء الموجودين في أورشليم أتى بهم إلى نبوخذ نصر ملك بابل فعذبهم ثم قتلهم في ربلة حيث كان يقيم.
ع28: يذكر في هذه الآية والآيات التالية الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل وهم على ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى سبى 3023 وكان ذلك في السنة السابعة لنبوخذ نصر أي عام 598 ق . م ويلاحظ أن هذا العدد من الرجال عدا النساء والأولاد الذين يذكرون جميعًا (2 مل 24: 14 - 16) وهذا بالطبع غير الذين قتلهم.
ع29: المرحلة الثانية في السبي كانت لعدد 832 من الرجال وذلك كان عام 587 ق . م في السنة الثامنة عشر نبوخذ نصر.
ع30: أما المرحلة الثالثة من المسبين فكانت لعدد 745 من الرجال وكان ذلك في السنة الثالثة والعشرين لملك نبوخذ نصر أي عام 582 ق . م وذلك أيام جدليا الذي أقامه ملك بابل حاكمًا على أورشليم. وبهذا يكون جملة عدد الرجال المسبيين إلى بابل هو 4600.
† لا تحطم قوة الآخرين لتظل أنت قويًا وحدك لأن الله قادر أن يقويهم ويعيد إليهم مجدهم كما أعاد شعبه من السبي وعلى قدر ما تترفق بالآخرين يسندك الله ويترفق بك.
[5] نهاية يهوياكين الملك ( ع 31 - 34):
31 وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ لِسَبْيِ يَهُويَاكِينَ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ، فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ، فِي سَنَةِ تَمَلُّكِهِ، رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا، وَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ. 32 وَكَلَّمَهُ بِخَيْرٍ، وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ كَرَاسِيِّ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. 33 وَغَيَّرَ ثِيَابَ سِجْنِهِ، وَكَانَ يَأْكُلُ دَائِمًا الْخُبْزَ أَمَامَهُ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. 34 وَوَظِيفَتُهُ وَظِيفَةٌ دَائِمَةٌ تُعْطَى لَهُ مِنْ عِنْدِ مَلِكِ بَابِلَ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.
ع31، 32: ظل يهوياكين ملك يهوذا في السجن عندما سباه نبوخذ نصر ملك بابل إليها وذلك حتى أكمل 37 عامًا في السجن وحينئذ مات نبوخذ نصر وملك ابنه أويل مرودخ على بابل وأراد أن يظهر حسن إدارته وعطفه على الرعية فأخرج يهوياكين من السجن ليعيش معه في قصره بل وأعطاه كرامة أكثر من الملوك أو الولاة الذين كانوا مسجونين معه وأخرجهم هم أيضًا إعلانًا لرحمة الحكم الجديد خاصة وأن يهوياكين كان قد وصل إلى الثمانين من عمره وشعبه في أورشليم أصبح مسكينًا وضعيفًا واليهود الذين في بابل استقروا وتملكوا وضعف ميلهم للرجوع إلى أورشليم أي لم تعد هناك خطورة من قيام يهواكين بثورة ضد بابل.
ع33، 34: عاش يهوياكين في قصر ملك بابل وكان يأكل طعامًا على مائدته وأعطي له مرتب يصرف كما يريد أي عاش مكرمًا حتى نهاية حياته في بابل. وهذا كان مقدمة لرجوع الشعب من السبي أي أن الله قادر على تحرير الملك وشعبه من العبودية والقيود.
† كن واثقًا في قدرة الله الذي يستطيع أن يرفع عنك الضيقات مهما كانت ثقيلة بل يحول الضيقات إلى بركات وتتحرر من خطاياك وتنال جزاء احتمالك الضيقات بشكر.