ما هو الرياء؟

الرياء هو إظهار صورة واقع خلاف الحقيقة، أو إخفاء حقيقة الدوافع، كالتظاهر بمختلف الصفات والامتيازات بينما يفتقد المرء لها. وقد يكون للرياء دافع وضرورة كمحاباة الإنسان والمجاملة، أو قد يكون مرض يصيبه كالشعور بالنقص والضعف وذلك بفعل إبليس والتجارب التي يشنها على كيانه. ويُعرّف البعض الرياء بأنه فن من فنون التمثيل، فيتشبه المرائي بالممثل المسرحي الذي يظهر على خشبة المسرح مُتقنا لشخصية ما تكون تمامًا بعيدة عن واقعه، فيظهر في دور غني بينما هو مُفلس، والممثل الموهوب هو الذي يلبس الشخصية تمامًا ويحاكيها ويجعل المشاهدين والجمهور يؤمنون بشخصيته تلك.
أما الرياء في الأمور الدينية والحياة الروحية فله واقعه المرير والتأثير السلبي على مجتمعنا الشرقي الذي يتميز بالمجاهرة ببعض القيم والاخلاقيات التي لا تجد لها تطبيقا عمليًا في الحياة، أو على الأقل الفهم والنظرة السليمة لجوهرها، وبذلك لا يجد أو يحصل المرء على الأمر المبتغى من تلك المبادئ. لنأخذ الصلاة مثلا، فأساسها ليس قائمًا على طولها أو أصالتها أو عراقتها أو الخ... بل إلى سموها ووصولها إلى الهدف المنشود منها وهو الارتباط باللـه والاتصال به "فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصل الى ابيك" (متى 6: 6). إن من يحاول إظهار ورعه وتقواه أمام الآخرين محاولا الحصول على الاهتمام أو الوقار، حتى وإن كان بتصرفه هذا يغرس الرهبة والمخافة في قلوب الآخرين ودعوتهم إلى الإيمان، إلا إنه لا ينال رضى اللـه فقلبه يكون مشغولا بآلية الظهور والاهتمام الكثير بالمظهر الخارجي للـه "هذا الشعب يكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا" (مر7: 6)، وكيفية نوال استحسان واحترام وتمجيد الناس "هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما" (متى 23: 28)، وهكذا قد يكون استوفى أجره وخسر مجازاة الآب في الخفاء والتي سيعلنها لاحقا علانية.
الإدعاء بغير ما نحن هو ما وجده يسوع في المجتمع الذي عاش بينه، فرأى عبادة الفريسين للـه التي لم تنبع من حبهم له، بل لأن ذلك كان مريحًا لهم، فكان يجعلهم يبدون متدينين مما يرفع من مكانتهم في المجتمع. ولم يزل واقع حياتنا يشمل تلك العبادة، فنحفظ بعض الممارسات الدينية بينما نسمح لقلوبنا أن تظل بعيدة عن اللـه، فالعبادة ليست إجراءً شكليًا وإنما ذكرًا حقيقيًا "المحبة فلتكن بلا رياء" (رو12: 9)
وقد يظن البعض بأن صفة الرياء في بعض السلوكيات ليست سلبية كما نصورها، فهي ليست كتلك أن تكون سارقا أو قاتلا، لكن الحقيقة هي أن من اكتشف صفة الرياء في تصرفاته ولم يعترف بها أو يتعهد بعلاجها وتركها وعوضًا عنها ممارسة فضيلة الوضوح والمصداقية في كل شيء، هو كالمريض الذي لا يعترف بأبسط أعراض المرض والذي يقوده في النهاية إلى الموت. فالوقاية أو المعالجة المبكرة لرذيلة الرياء هي خير وسيلة لإستئصالها من حياتنا وإلى الأبد.