صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: تفسير سفر دانيال للقس انطونيوس فكرى

  1. #1

    تفسير سفر دانيال للقس انطونيوس فكرى

    تفسير سفر دانيال - المقدمة



    1. انتهت نبوات حزقيال بواقع حزين هو خراب أورشليم بالكامل مع أمل في المستقبل بعودتها للمجد.
    2. بينما يحدثنا سفر حزقيال عما رآه النبي وتنبأ به في سنوات السبي الأولى، يحدثنا سفر دانيال عما رآه وتنبأ به في السنوات الأخيرة من السبي. 3. كان دانيال من سبط يهوذا (6:1) بل كان على ما يبدو من الأسرة الملكية (3:1) ولقد تم سبي دانيال في السبي الأول (2أي6:36، 7) بينما تم سبي حزقيال في السبي الثاني (2مل14:24-16) (راجع مقدمة سفر أرمياء). 4. دانيال تعني الرب قاضيَّ God is my Judge. وقد أسماه ملك بابل بلطشاسر، وهي تعني ليحفظ الإله بيل حياته، وهكذا أبدل الوثنيون اسم الله باسم إلههم في اسم دانيال. ونلاحظ أن هناك علاقة بين اسم النبي وموضوع نبوته، فنبوة دانيال تتحدث عن ملكوت الله وانتشاره في العالم وأنه الديّان، وأن الممالك تقوم بسماح منه فهو ضابط الكل، وأن كل قوة أخرى هي نابعة منه. وكل قوة أو كل مملكة تقوم هي لتحقيق خطة إلهية حتى لو كانت هذه القوة يبدو أنها تقاوم الله. وهذا يتضح من أن الله يخبر دانيال بكل الممالك التي ستأتي لقرون طويلة قادمة، فمن يعرف المستقبل قادر أن يتحكم فيه. والسفر يحدثنا أيضًا عن قيام مملكة المسيح. ويدين أيضًا الوثنية ويظهر ضعفها وبطلان آلهتها وألقاب الله في هذا السفر تشير لأنه الديان ضابط الكل، فيطلق السفر على الله أنه ملك السماء / إله السماء/ إله الآلهة/ رب الملوك... 5. كان متميزًا من بداية حياته بالحكمة والتقوى. ويتحدث عنه حزقيال النبي المعاصر له، كحكيم أو نبي (حز3:28) وكذلك كرجل صلاة مشهورًا بقوة صلاته وفاعليتها (حز14:14، 20) مما يعني أن دانيال بدأت شهرته منذ صباه. 6. في الرسم الآتي نجد موقع دانيال كنبي وسط أنبياء إسرائيل.

    7. يُقسِّم علماء اليهود الكتاب المقدس إلى ثلاثة أقسام وهي [1] التوراة وتشمل كتب موسى الخمسة ثم [2] النبييم وتشمل الأنبياء נְבִיאִים ثم [3] الكتوبيم أي الكتب وهي ما تبقي. ويضع اليهود نبوات دانيال مع الكتب ولا يعتبرونه نبيًا من الفئة العليا، ولا يضعوا نبواته وسط الأنبياء وحججهم في ذلك واهية: 1. أنه لم يكن مذلولاً في حياته ومهاناً مثل إرمياء، 2. بل عاش كأمير ورئيس وزراء! ولكن هل يقتصر الله في تعامله على الفقراء والمضطهدين؟! هذا أمر عجيب! فالله يتعامل مع أي إنسان عنده استعداد أن يفتح قلبه لاستقبال الإعلانات الإلهية. وبينما عاش دانيال النبي في بلاط أعظم ملوك بابل وفارس من بعدها مثل نبوخذ نصر وكورش وداريوس،3. إلا أنه رفض أن يتنجس بأطايبهم (8:1) وكان مضطهداً ممن حوله ويحيكون المؤامرات ضده (4:6). وكان دانيال ينسحق أمام الله ولا يأكل طعاماً شهياً (3:10). ونجده أيضاً قد ضعف وهزل عندما كان تحت سلطان روح النبوة (27:8). فهو بحق يستحق اللقب الذي أطلقه عليه يوسيفوس المؤرخ اليهودي "أحد أعظم الأنبياء". واللقب الذي أطلقه عليه الملاك جبرائيل "الرجل المحبوب" (11:10) وألم يكن داود النبي ملكاً!! حقاً الروح تهب حيث تشاء. وإشعياء كان من أولاد عمومة الملك حزقيا.
    ب*. من ضمن أسبابهم، كتابة دانيال لنبوته وهو وسط الأمم، ولم يكتبه في أرض يهوذا ولكن حزقيال كتب نبوته أيضًا في بابل وسط الأمم ولم يكتبها في أرض يهوذا. 7. من أسبابهم أيضاً أن دانيال كتب أجزاء من كتابه باللهجة الكلدانية وهي بالذات من (4:2) حتى آخر الإصحاح السابع.
    8. أما باقي السفر فكتبه بالعبرية. ويرى علماء اليهود أن كتابة أجزاء نبوية بغير العبرية يفقدها قيمتها،9. ففي نظرهم أن الله لا يرضى بأن يتكلم بغير العبرانية. ولكن الرد على هذا بسيط جدًاً.
    10. فأولاً: الله غير مقيد بلغة معينة.
    11. ثانياً: فإن الشعب اليهودي في السبي كان يتكلم اللغتين (الكلدانية أو الآرامية + العبرية) وكان دانيال يكتب بالآرامية حين يكتب عن البابليين وحوارهم معه. أما حين يكتب عن النبوات والتعزيات وحديث الله عن المستقبل فهو يكتب بالعبرية،12. فهذه علاقة خاصة بين الله وشعبه. ودانيال يكتب بالآرامية التي يفهمها شعب بابل حتى يكون هذا شاهداً على أن إله دانيال هو الإله الحق "قد قلت لكمالآن قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون" (يو29:14) فالله يطلب خلاص كل إنسان وليس اليهود فقط (إش21:41-23 + 7:44 + 21:45). ثالثاً: فدانيال يكتب بالآرامية ما يشير لتفاهة الآلهة الوثنية ويشير لقوة الله وهو بهذا يعلم شعب الله كيف يجيبون الوثنيون عندما يسألونهم لماذا لا تعبدون آلهتنا. وهذا ما فعله أرمياء أيضاً في تغييره الآية (إر11:10) إلى اللهجة الكلدانية حتى يتعلم المسبيين الرد بها على الكلدانيين وأن يظهروا لهم حماقة أوثانهم. رابعاً: طالما أن اليهود يعتبرون السفر سفر إلهي فلماذا التشكيك؟!
    ث*. يقولون أيضًا أن دانيال لم يمت شهيدًا مثل أرمياء وأشعياء وغيرهم والرد بسيط فموسى وإيليا وإليشع وداود وصموئيل أنبياء كبار، وهم أيضًا لم يستشهدوا. إلا أن دانيال في أصوامه وزهده وبكائه والآلام التي تحملها (مثلًا وهو في جب الأسود) يعتبر من المعترفين. ج*. يقولون أن السفر يشمل أجزاء تاريخية وأجزاء عبارة عن رؤى هي في نظرهم ليست نبوات صريحة وهذه حجة واهية فكل الأسفار النبوية تحتوي على أجزاء تاريخية ولكنها توضع لما فيها من نبوات ضمن مجموعة النبييم أي النبوات נְבִיאִים مثل إشعياء وأرمياء. ودانيال له نبوات صريحة كشفت عن مستقبل الأمم، وكشفها له الله في رؤى عديدة. ونبوات دانيال تشمل امتداد ملكوت المسيح في كنيسته، بل تمتد لنهاية الأيام. ح*. لكن السبب الحقيقي لرفضهم هذا السفر فهو بسبب وضوحه في نبواته عن مجيء المسيح وتحديد سنة مجيئه، وأنه سيبطل ذبيحتهم وطقوسهم. وهي نبوة صريحة وواضحة اضطروا أمامها لأن يتجنبوا السفر كله كما حدث وامتنعوا عن قراءة الإصحاح (53) من نبوة إشعياء. فهم كما فكروا بعقليتهم الضيقة أن يقتلوا لعازر بعد أن أقامه المسيح (يو10:12، 11) حتى لا يكون شاهدًا لألوهية المسيح، هكذا سلبوا من دانيال نبوته حتى لا يشهد للمسيح. وسنأتي لتفسير النبوة العجيبة. التي تنبأ فيها دانيال عن موعد مجيء المسيح في الإصحاح (9). خ*. في الترجمة السبعينية وقد قام بترجمتها من العبرية لليونانية بعض علماء اليهود، نجدهم قد وضعوا سفر دانيال ضمن أسفار الأنبياء الكبار ويضعونه بعد نبوة حزقيال مباشرة، وهذا ما درجت عليه كل الترجمات المسيحية للآن. 2. سفر دانيال هو سفر يبعث الرجاء في النفوس الجريحة فإن كان الله يسمح لنا أحيانًا أن نُلقى في أتون التجارب، لكن نجده معنا وسط الأتون يعزينا، ونجد الله مع شعبه كسور من نار يحميهم ويتمجد وسطهم، بل يرفعهم في ضيقتهم. 3. كما اتخذ اليهود موقفًا من سفر دانيال لأغراضهم الخاصة، نجد أن إبليس لا يكف عن تشكيكه في كلمة الله. فلقد استخدم إبليس نقاد العصر الحديث ليهاجموا في صحة نسبة السفر لدانيال النبي. ومما يأخذونه على سفر دانيال كتابة دانيال بالآرامية (اللغة المنتشرة في بابل آنذاك) ويقولون أن الألفاظ المستخدمة لم تُعرف قبل سنة 165 ق.م. لذلك ادعوا أن هذه النبوة كتبها أحد المكابيين ونسبها لدانيال. ولكن "إن سكت هؤلاء فالحجارة تتكلم". أ*. اكتشف في جزيرة الألفنتين في مصر أوراق بردي وهي عبارة عن رسائل من اليهود للوالي الفارسي على أورشليم تحوي نفس الكلمات المختلف عليها مما يشهد بأنها كانت متداولة في هذا العصر (الرسائل التي عُثِرَ عليها ترجع لنفس فترة سفر دانيال). ب*. اكتشف في الأثار البابلية أن عقوبة الجاحدين لأحد الآلهة هي أن يُلقي في أتون ناري، بل قد وُجِدَ في الحفريات الأتون وقد نقش عليه "هنا موضع حرق من يجدفون على آلهة الكلدانيين، يموتون بالنار" واكتشف أيضًا أن من يُمارس عملًا ضد الملك يُلقى حيًا في جب الأسود. وأكتشف أيضًا أن نبوخذ نصر كان يأمر بعبادة التماثيل الضخمة. ووجد في الآثار ما يشير لجنون نبوخذ نصر في أواخر أيام حياته. ت*. أشار سفر المكابيين الأول (كُتِبَ سنة 135 ق.م.) إلى سفر دانيال كسفر قانوني فلا يمكن أن يكون السفر قد كُتِبَ في عصرهم. بل أن السفر يشهد لدانيال النبي وبره وأن الله أنقذه من أفواه الأسود (1مك61:2) كما اقتبس السفر من دانيال نبوته عن رجسة الخراب (1مك29:1) ويذكر السفر دانيال مع العظماء في الإيمان مثل إبراهيم وداود. ث*. حين توجه الإسكندر الأكبر لأورشليم ليفتحها قابله يوياداع رئيس الكهنة على رأس موكب من الكهنة، وكان يوياداع مرتديًا ملابسه الخاصة به كرئيس كهنة. وفوجئ جيش الإسكندر، بالإسكندر يسجد ليوياداع (وبعد ذلك سألوه فأخبرهم أنه شاهد هذا المنظر في رؤيا قبل أن يخرج من بلاد اليونان) وكان الله هو الذي أشار على يوياداع بأن يفعل ذلك. ويقول يوسيفوس المؤرخ أن يوياداع أظهر للإسكندر نبوة دانيال التي تنبأ فيها بأن الإسكندر سيهزم الفرس. ولهذا صار الإسكندر بعد ذلك صديقًا لليهود يعاملهم بلطف غير عادي. إذًا كان السفر بنبواته معروفًا عند اليهود قبل الغزو اليوناني سنة 333 ق.م. ج*. يردد المعترضون أيضًا أن هناك 3 كلمات يونانية في السفر ويقولون كيف تصل اللغة اليونانية لبابل قبل فتح اليونان لها. وهذه مغالطة لأن الألفاظ اليونانية هي عبارة عن 3 كلمات لثلاث آلات موسيقية وردت أسمائها في حادثة إقامة نبوخذ نصر تمثال لآلهته وطلبه أن يسجد الجميع للتمثال حينما تعزف الموسيقي. ولكن هل هناك مانع أن يستخدم البابليون الآلات الموسيقية اليونانية ويطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية. وحتى نثبت هذا فقد انتشرت الحضارة اليونانية في العالم كله قبل ذلك. وكان هناك بعض الجنود اليونانيين في جيش بابل من الأسرى. وقد كانت صور مركزًا للتجارة العالمية لكل شيء (راجع حزقيال 27) بما فيها بضائع اليونان. ومن الطبيعي حين يستعمل البابليون آلات موسيقية يونانية أن يطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية. ح*. من المشاكل التي يثيرها النقاد أيضًا وجود اللغة الآرامية في سفر دانيال. وحل هذه النقطة كما قلنا من قبل أن هذه اللغة كانت منتشرة وسط اليهود في السبي. بل كانت هي لغة الدبلوماسية والتجارة، وقد انتشرت بين الفرس والفينيقيين ومادي وأشور وأسيا الصغرى وفلسطين، وكان ذلك بسبب انتشار الأراميين في كل مكان. ولنراجع حادثة حصار ربشاقي قائد جيش أشور لأسوار أورشليم وحديثه مع الرؤساء بالعبرية، وطلب رؤساء اليهود منه أن يتحدث بالأرامية فهم يفهمونها. غير أن مشكلة هؤلاء النقاد الحقيقية هي إنكارهم لمبدأ النبوات، فهم لا يتصورون كيف يتنبأ دانيال بأن يأتي ملك اليونان ويغزو فارس التي انتصرت على بابل.. وكل هذا في أيام قوة ونفوذ بابل، فهم لا يقدرون أن يتصوروا أن الله قادر أن يكشف المستقبل لعبيده الأحباء. لذلك يحاولون جاهدين إثبات أن السفر برمته كُتِبَ بعد أن تحققت الأحداث. كل المعترضين يريدون دانيال مؤرخًا وليس نبيًا. 4. مملكة بابل وملوكها: أشهر ملوكها هو نبوخذ نصر= نبو حامي الحدود وهو ابن نبو بلاسَّر الإمبراطور الذي أسس الدولة البابلية سنة 625 ق.م. ونبو بلاسر هو الذي أسقط نينوى عاصمة أشور وأنهى بذلك إمبراطورية أشور. وقد حاول نخو فرعون مصر أن يحمى مصالح مصر في أرض فلسطين فحاربه يوشيا ملك يهوذا، وقتله نخو سنة 608 ق.م. ثم أعد جيشاً كبيراً ليحارب بابل نفسها. فأرسل نبو بلاسر ابنه نبوخذ نصر ليحارب نخو فهزمه في معركة كركميش. ثم جاء نبوخذ نصر إلى أورشليم وسبي منها السبي الأول سنة 606 ق.م. الذي كان من ضمنه دانيال والثلاثة فتية. وكما قلنا فهم غالباً من النسل الملوكي. وقد استحسن ملك بابل أن يجعل أولاد الملوك خداماً لُه.
    وإذا فهمنا أن بابل تشير لمملكة الشيطان في الكتاب المقدس منذ حاولت بابل أن تتحدى الله (تك1:11-9) وحتى سفر الرؤيا، فإن سبي أولاد الملوك ليخدموا ملك بابل هو في معناه الروحي أن الخطية تسببت في أن أولاد الله الذين هم أولاد الملك صاروا عبيدًا للشيطان. وأن خطة إبليس دائمًا هي أن يستولى على قوى النفس ويصيرها عبيدًا للخطية. وحتى تكمل هذه الصورة نجد أن الله دعا إبراهيم أن يترك أور الكلدانيين أرض ميلاده ويذهب إلى كنعان، هذه دعوة الله لكل نفس أن تترك أرض الخطية لكي تحلق في السماويات. وأثناء فتوحات نبوخذ نصر وَصَلَهُ خبر وفاة أبيه فأسرع بالعودة ثم أعلن نفسه خليفة لأبيه بعد معركة كركميش. وتكرر صعود نبوخذ نصر على أورشليم بسبب ثورتها عليه إلى أن خربها في السنة الحادية عشر لملكها صدقيا. وينسب لنبوخذ نصر بناء الحدائق المعلقة وحفر قنوات الريّ. وفيما يلي تاريخ سريع لملوك بابل: أ*. نبو بلاسر: 625-604 ق.م. هو مؤسس الإمبراطورية البابلية. ب*. نبوخذ نصر: 606-561 ق.م. هو أشهر ملوك الإمبراطورية البابلية. ويلاحظ اشتراك نبوخذ نصر في الحكم مع أبيه لمدة ثلاث سنوات. ت*. أبيل مرودخ 561-560 ق.م. وهو ابن نبوخذ نصر. وهذا قد قتله نرجل شراصر زوج أخته. وغالبًا فإن نرجل شراصر هذا هو المعروف باسم نبونيدس. ث*. نبونيدس: وهذا قد اختلف مع كهنة بابل إلى الدرجة التي فَضَّلَ فيها أن يترك عاصمة ملكه تحت رئاسة ابنه بيلشاصر. وتولى بيلشاصر هذا المُلك بدلًا عن أبيه. وذهب نبونيدس للصحراء في منطقة اسمها تيماء وبنى هناك مدينة وقصورًا عاش فيها. فكان نبونيدس هو الملك اسمًا، أمّا الملك الفعلي فهو بيلشاصر. وكان نبونيدس يسمى أولًا في المملكة ويسمى بيلشاصر ثانيًا. ولذلك فحينما أراد بيلشاصر تكريم دانيال سماه ثالثًا (29:5) وحينما سقطت بابل أمام كورش ملك فارس كان نبونيدس هذا في منفاه الاختياري. ولقد اكتشفت في الأثار حديثًا قصة بيلشاصر ونبونيدس بعد أن كان النقاد لمدة طويلة يشككون في وجود ملك باسم بيلشاصر ويتساءلون لماذا يقول بيلشاطر لدانيال وأجعلك ثالثًا في المملكة. ج*. بيلشاصر 555-536 ق.م. ومعنى اسمه أمير منعم عليه من الإله بيل. وبيل أو بال هو نفسه (بعل) وهذا الملك هو الذي أولم وليمة كبيرة مدة حصار بابل بواسطة جيش كورش، واستعمل في هذه الوليمة آنية الهيكل التي غنمها نبوخذ نصر. وظهرت وسط هذه الوليمة أصابع تنبئ بنهاية ملك بابل. وبيلشاصر يسميه الكتاب ابن نبوخذ نصر وهذا صحيح فهو ابن ابنته. ويبدو أن مركز دانيال قد تغير بعد نبوخذ نصر، بل أنه كان يبدو بعيدًا عن القصر حتى تذكرته الملكة في الليلة الأخيرة لحكم بيلشاصر (11:5). ويذكر الكتاب المقدس أن مؤسس بابل هو نمرود. أما البابليين فيقولون أن إلههم مرودخ هو مؤسسها. ومرودخ هو رأس الآلهة. واسم بابل مشتق من بَلْبَلَ حيث بلبل الله ألسنة من حاولوا أن يَتَحَدُّوه. فالخطية تبلبل الألسنة والمحبة تؤلف بين الناس. والروح القدس يوم الخمسين أعطى موهبة الألسنة التي بها فهم الناس لغة الآخرين. وغالباً فالإله مرودخ هو نفسه بيل. وكانت مدينة بابل تحفة معمارية محصنة بسور عجيب، ولكنها سقطت أمام كورش الفارسي. وأشهر آلهة بابل هي مرودخ وبيل. ولكن كان هناك آلهة أخرى مثل الإله سين. وكان نبونيدس ابن كبير كهنة هذا الإله، وحين ملك نبونيدس حاول تغيير العبادة وإعطاء الأهمية لإلهه المحبوب سين بدلاً من مرودخ وبيل ففقد شعبيته واختلف مع الكهنة واضطر للإعتزال وترك الملك لإبنه بيلشاصر.
    شخصية نبوخذ نصر: تسجل لنا النقوشات الأثرية كثيراً من جوانب هذه الشخصية وكبرياءه وزهوه بنفسه ومكانته وقوته وعشقه لآلهته مرودخ وبيل، وأن آلهته دعته لهذه الإمبراطورية العالمية. وكان يسعى دائماً لجعل بابل مكان سُكنى آلهته، أعظم مكان في الدنيا، وهذا يلاحظ في الآثار البابلية التي تمجد آلهتهم وعظمتهم، بينما نجد في النقوش الأشورية أخبار حروبهم. ولوحظ في النقوش الأثرية ميل نبوخذ نصَّر لكتابة الشعر في أواخر أيامه. وهكذا وُجدَ شعر منسوب لهُ فيه أنه جعل بابل عظيمة وبها وفرة من كل ما جلبه من أنحاء العالم. ويتشابه تمامًاً هذا الشعر في كلماته ومضمونه مع ما سجله الكتاب المقدس عن نبوخذ نصر في (4:4-13)، حتى حينما تكلم الملاك تكلم بنفس الأسلوب.
    النبوة المزورة: وُجِدَ في الآثار نبوة منسوبة لنبوخذ نصر واضح تزويرها والنبوة تقول أنه "سيأتي كورش البغل الفارسي ويأخذ حكم بابل وأنه سينجح لخيانة شخص تلمح هذه النبوة أنه نبونيدس" وواضح تزوير هذه النبوة بواسطة كهنة مرودخ أعداء نبونيدس وغرضهم إلغاء صفة النبوة من دانيال وإشعياء وإضفائها على نبوخذ نصر، وأيضاً إهانة كورش الذي أسقط مملكتهم وإحتقر آلهتهم والتشهير بعدوهم نبونيدس.
    الكلدانيين: غالبًا الكلدانيين لفظ يطلقه البابليين على كهنتهم. ولذلك أطلق الأجانب لفظ الكلدانيين على البابليين، أما البابليين أنفسهم فيسمون أنفسهم بابليين (هذه كما يسمى الأجانب المصريين فراعنة مع أن فرعون هو لقب الملوك فقط) وفي الكتابات الحالية يسمى البابليين كلدانيين (راجع دا10:2 + 2:2 + 6:4، 7، 29، 30).
    سقوط بابل:

    يتفق في ذكر حوادث سقوط بابل نبوات أرمياء وأشعياء مع قصة دانيال ومع القصص التي أوردها المؤرخين. أ*. نبوات أرمياء: تنبأ أرمياء بأنهم سيسقطون بغزو يأتي عليهم من الشمال (3:50، 9، 41) وبأن ملوك مادي هم الذين سيفعلون هذا (11:51، 28) وأن أسوارها لن تحميها (12:51) وسقوطها سيجيء عن طريق دفاعاتها المائية التي أطال نبوخذ نصر في شرحها في نقوشاته (36:51) وسيكون سقوطها في وقت احتفال يسكر فيه عظماؤها (39:51،57). ب*. نبوات أشعياء: تنبأ إشعياء بخطة كورش في تحويل مجرى النهر بل تنبأ باسم كورش نفسه (أش26:44-3:45). ت*. قصة دانيال : سجلها في الإصحاح الخامس. ث*. شهادة المؤرخين: أولًا: هيرودوتس: قال أن بابل سقطت بواسطة كورش سنة 536 ق.م. وقد زار هيرودوتس بابل وامتدت زياراته من سنة 464-447 ق.م. وقال أيضًا أن كورش اقترب من بابل في ربيع هذه السنة وقابله البابليين أولًا فهزمهم. فدخلوا مدينتهم واحتموا بأسوارها المنيعة. وكانت مؤونتهم تكفيهم سنينًا طويلة (20 سنة) وهم بدأوا التخزين حين رأوا كورش يهزم بلدًا بعد الآخر فعرفوا أن الدور سيأتي عليهم. فاحتموا بأسوارهم لجأ كورش للخطط الماهرة فشق قناة حولت مجرى النهر إلى بحيرة كانت الملكة نيتوكريس قد أقامتها لعمل بحيرة صناعية لكنها لم تتم. وأعد جزء من جيشه بجانب النهر وحينما هبط مستوى المياه إلى مستوى الخاصرتين سار جيشه وفاجأ البابليين. وكان من الممكن لو كانوا متنبهين أن يقتلوا الغزاة الفرس فورًا ولكنهم كانوا غارقين لاهين في حفلاتهم وسكرهم ورقصهم لذلك فوجئوا بالفرس وسطهم. وهذا المؤرخ أخذ القصة ممن عاصروها. ثانيًا: زينوفون: الذي قال أن كورش فكر أولًا في حصار المدينة وتجويعها. ثم لفت نظره النهر وعرف عمقه فبدأ في حفر قنوات حول المدينة ظنها البابليون نوع من الحصار، فسخروا منه حيث أنهم قادرين على مقاومة الحصار لمدة 20 سنة وفي ليلة سمع كورش أن الجميع يحتفلون وأنهم سكارى، فأخذ معه الجنود وحفروا سكة للنهر ليصب في هذه القنوات حتى إذا صار ممكنًا السير، دخلوا المدينة وقتلوا الملك وكل من وجدوه في الطريق. ثم أعاد الحياة الطبيعية للمدينة تحت حكم داريوس. وكان معه اثنان من الجواسيس ليقودوا الجيش الفارسي. وكانوا من أمراء بابل وأساء ملك بابل معاملتهم فذهبوا إلى كورش أحدهم اسمه جوبرياس الذي يظن البعض أنه داريوس المذكور، ولكن الأرجح أن داريوس هو خال كورش فأم كورش من مادي وكذلك خاله، أما والد كورش فهو من فارس. وملك داريوس على بابل كتابع لكورش ملك الإمبراطورية الفارسية كلها، ولم يكن مستقلًا عنه. (وُجِدَ نقش في بابل كتبه كورش بنفسه يتضمن هذه القصة). 11. مملكة مادي وفارس وملوكها: الماديون هم نسل مادي بن يافث (تك2:10) وقد اشتهروا بخيولهم وفرسانهم وكانوا يتصلون بالفرس في الجنسية واللغة والثقافات والتاريخ. وفي وقت نبوبلاسر مؤسس بابل كانت فارس تتبع مادي. وفي أيام كورش اتحدت مادي وفارس وسميت المملكة مادي وفارس وواضح أن الماديين سبقوا الفرس، لكن تفوق الفرس عليهم فيما بعد. وفي أيام كورش الفارسي استعاد اليهود حريتهم وعادوا إلى أورشليم. وكانت عواصم ملوك فارس برسبوليس (2مك2:9) وسوسا (شوشن) (نح1:1 + إس2:1) وأشهر مدن مادي اكبتانا (أحمثا) (عز2:6). ومع أن كورش سمح لليهود بالعودة إلى بلادهم إلا أنه لم يمنحهم استقلالًا سياسيًا (كان ذلك سنة 536 ق.م.) بل كان يحكمهم حاكم يعينه الإمبراطور الفارسي (نح7:3 وقابل مع 14:5-15) فكانت بلادهم جزءًا من مقاطعة عبر النهر (عز36:8) وكانت مؤلفة من سوريا وفلسطين وفينيقية وقبرص وقد خضع اليهود لحكم الفرس 207سنين. وذلك من احتلال كورش لبابل حتى احتلال الإسكندر الأكبر لفلسطين سنة 333 ق.م.
    12. ملوك الفرس وعلاقتهم بأورشليم:

    أ*. كورش: هو مؤسس دولة مادي وفارس. وهو الذي أصدر نداء بعودة الشعب إلى أورشليم سنة 536 ق.م. (عز2:1) فعاد الشعب وبدأوا في بناء الهيكل (عز8:3-13) وكان ذلك سنة 535 ق.م.. وبدأت مقاومة الأعداء (عز5:4) وتوفى كورش سنة 529 ق.م. وفي فترة حكم كورش مَلَّكَ داريوس المادي على بابل (دا31:5 + 1:6) كمجاملة لشركائه الماديين. ب*. قمبيز (ارتحشستا): هو ابن كورش وملك بعد وفاة كورش. وقد نجح الوشاة في إقناع هذا الملك بوقف العمل في بناء الهيكل فأصدر أمرًا بذلك (عز17:4-25) وظل العمل متوقفًا طوال مدة هذا الملك. وكان لكورش ولدان، الكبير هو قمبيز والآخر يُدعى سمردس. وذهب قمبيز ليحارب في مصر وتولى أخوه الحكم أثناء غيابه، فجاء محتال يشبه سمردس هذا وإغتاله وتملك العرش مكانه لمدة سبعة شهور. وبينما كان قمبيز في رحلة عودته في حملته من مصر مات في الطريق سنة 522 ق.م. فجاء داريوس هستاسب وكان صهرًا لكورش وقتل هذا المحتال وامتلك العرش مكانه. وبموت قمبيز وسمردس انقرضت سلالة كورش. ت*. داريوس هستاسب: استولى على العرش سنة 521 ق.م. وأسس مملكة جديدة امتدت من الهند إلى الأرخبيل الإغريقي والدانوب واغتني جدًا وفي أيامه أخذ النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب للعمل في بناء الهيكل (عز1:5) وكان ذلك سنة 520 ق.م. وأمر هذا الملك بإعادة البناء (عز24:4) + (عز5، 6) وقد اكتمل بناء الهيكل وتم تدشينه سنة 515 ق.م. وقد ملك هذا الملك ما يزيد على 36 سنة وتوفى سنة 486 ق.م. ث*. زركسيس الأول (أحشويرش) هو زوج أستير وهذا ظل يجمع جيشًا لمدة 4 سنين حتى صار جيشًا عظيمًا قوامه 2,5 مليون رجل تقريبًا لكن كان هذا العدد الضخم سببًا في هزيمته فالأوامر لا تصل للأفراد بسهولة. وحاول غزو اليونان ولكنه هُزِمَ في معركة سلاميس سنة 480 ق.م. واضطر للتقهقر وحفظت اليونان هذه النقمة للفرس حتى جاء الإسكندر الأكبر. وكان هذا الملك غارقًا في شهواته ومستهترًا وفي أيامه حدثت حيلة هامان لإبادة الشعب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). واغتيل هذا الملك سنة 465 ق.م. ج*. ارتحشتسا لونجيمانوس أي طويل اليد: وهذا لاطف اليهود وسمح لعزرا أن يعود بعدد منهم إلى أورشليم كما أذن لنحميا أن يعيد بناء أسوار المدينة (عز11:7-13 + نح1:2-10) وتوفى سنة 424 ق.م. وفي عهده سنة 457 ق.م. صدر الأمر بإعادة بناء أورشليم (دا25:9). ح*. تعاقب على العرش عدد من الملوك كان آخرهم داريوس قدمانوس الذي تغلب عليه الإسكندر الأكبر سنة 331 ق.م. لتبدأ الإمبراطورية اليونانية. 13. مملكة اليونان: قامت على يد الإسكندر الأكبر وانتشرت انتشارًا واسعًا جدًا وبسرعة عجيبة. ثم مات الإسكندر شابًا وعمره حوالي 32 سنة. وخلفه قادة جيوشه الأربعة على مملكته التي انقسمت إلى أربع ممالك ضخمة وستأتي التفاصيل بعد ذلك. شهادة السيد المسيح لسفر دانيال: سماه السيد المسيح دانيال النبي أي أن الله هو الذي أوحي له أو أعلن له ما قاله (مت15:24) وقارن هذه الآية مع (دا 27:9، 31:11، 11:12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح عن الضيق في آخر الأيام (مت21:24) مع نبوة دانيال (1:12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح حين يصف مجيئه على السحاب (مت30:24) مع (دا13:7) وأشار لهذا أيضاً في حديثه مع رئيس الكهنة (مت64:26) بل أن المسيح كان يطلق على نفسه لقب ابن الإنسان كما قاله دانيال (13:7) وكانت الآيات (دا13:7، 14) هي الأساس لما استعمله المسيح في وصف مجيئه الثاني (مت23:10 + 27:16، 28 + 28:19 + 30:24 + 31:25) ويضاف لذلك أن وصف القيامة في (يو28:5، 29) هو ما قيل في (دا2:12).
    15. شهادات أخرى من العهد الجديد: أشار بولس الرسول لحادثتي جب الأسود والفتية في أتون النار في (عب33:11، 34).
    16. التشابه بين سفر دانيال وسفر الرؤيا:

    قال الملاك عن دانيال أنه الرجل المحبوب (23:9 + 11:10، 19) ويوحنا هو التلميذ المحبوب للمسيح (يو23:11 + 26:19 + 2:20 + 7:21، 20) وكلاهما كتب سفره في الأسر (دانيال كتبه في بابل ويوحنا كتبه في بطمس) وكلا السفرين له طبيعة أخروية، كلاهما به ختوم بعضها فُتِح والآخر لم يسمح الله بفتحه. وكلاهما تكلم عن مجيء ضد المسيح في سفره وقارن الآتي بين السفرين:
    أ- الأشياء التي ستحدث (دا 29:2، 45) مع (رؤ19:1 + 1:4) ب- نهاية الأرض (دا 35:2) مع (رؤ11:20) ج- دعوة الناس لعبادة التمثال (دا 6:3) مع (رؤ15:13) د- بابل العظيمة (دا 30:4) مع (رؤ8:14 + 8:17 + 2:18، 10، 21) هـ- آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب التي لا تسمع ولا ترى ولا تعرف (دا 23:5) مع (رؤ20:9) و- رؤيا دانيال للمسيح مثل رؤيا يوحنا (دا 13:7،14) مع (رؤ7:1) شعر الرأس كالصوف (دا 9:7) مع (رؤ14:1) ز- الزمان والزمانين ونصف الزمان (دا 25:7 +7:12) مع (رؤ3:11+6:12) ح- وقارن (دا 5:10، 6) مع (رؤ7:1) وقارن (دا 6:12) مع (رؤ5:10، 6)
    وهناك فرق ففي دانيال، يضع المسيح المنطقة على حقويه، وهذا وضع استعداد لعمل ما، فهو يستعد للتجسد لإتمام الفداء، أما في سفر الرؤيا فهو يضع المنطقة عند ثدييه على صدره فهو هنا سيقوم بدور القاضي الديان.
    ط- سفر الحياة (دا 1:12) مع (رؤ15:20)
    قيل أن سفر دانيال هو رؤيا العهد القديم وسفر الرؤيا هو رؤيا العهد الجديد.
    St-Takla.org Image: Tondo of Prophet Daniel, details from: Annunciation with St. Margaret and St. Ansanus (the Annunciation of Archangel Gabriel to Saint Mary), by Simone Martini and Lippo Memmi, 1333, tempera and gold on panel, 305×265 cm (120×104 in) - Uffizi Gallery (Galleria degli Uffizi), Florence (Firenze), Italy. It was established in 1581. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 1, 2014.صورة في موقع الأنبا تكلا: رسم دائري (توندو) يصور دانيال النبي، تفاصيل من لوحة البشارة مع القديسة مرجريت (مارينا) والقديس أنسانوس (أنسانيوس): بشارة الملاك جبرائيل للسيدة مريم العذراء. رسم الفنان سيمون مارتيني والفنان ليبو ميمي، 1333، زخرفة تمبرا وذهب على لوح بمقاس 305×265 سم. - صور متحف معرض أوفيتزي (متحف أوفيزي)، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. وقد أنشئ عام 1581 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 أكتوبر 2014
    17. دور دانيال مع شعب الله في انتشار الكرازة:

    كما شهد بولس الرسول أمام الولاة بل وفي قصر قيصر للمسيح، هكذا شهد دانيال لله أمام ملوك بابل وملوك الفرس. وكما أظهر الله قوته للمصريين ليطلقوا شعبه من عبوديتهم في مصر هكذا كان دانيال بحكمته والمعجزات التي صنعها مُظهِرًا قوة الله لهذه الشعوب الوثنية ليقنعها بعجز آلهتها الوثنية أمام قوة إلهه حتى يطلقوا الشعب. ونلاحظ في (4: 33-37) إيمان نبوخذ نصر مما رآه في دانيال. وفي (عز1: 1-4) تأثر كورش بما أراه إياه دانيال من نبوات، ونبوات دانيال أثرت في الإسكندر ملك اليونان. ولنلاحظ أنه قبل تأسيس كنيسة العهد القديم في أورشليم، قضى الشعب سنيناً في العبودية في مصر حتى حررهم موسى النبي ثم دخلوا أرض الميعاد ولكنهم إستمروا فترة بلا ملك إلى أن أسس داود المملكة. وهكذا بعد العودة من سبى بابل إستمروا فترة تحت حكم الفرس ثم اليونان وبعدهم الرومان إلى أن أتى المسيح ابن داود.
    ولنلاحظ حكمة الله فاليهود الذين تشتتوا بعد سبى أشور للمملكة الشمالية إسرائيل سنة 722 ق.م. ثم سبى بابل للمملكة الجنوبية يهوذا والذي كان على أربع فترات إبتداء من سنة 606 ق.م. وحتى سنة 586 ق.م. هؤلاء اليهود الذين تشتتوا في كل العالم كانوا عاملاً مساعداً لانتشار الإيمان بالله وبالإيمان المسيحي بعد ذلك.
    ويقال أن دانيال هو الذي كشف نبوات إشعياء (التي تنبأ فيها باسم كورش الملك وبخطته في غزو بابل) لكورش الملك، وأراه نبوات أرمياء التي حددت مدة سبي بابل وسقوط بابل (أش26:44-3:45 + أر10:25 + أر10:29-14) وكان هذا سببًا في أن كورش يعتبر أن أمرًا صدر له من السماء ليعيد الشعب ويبني الهيكل (عز1:1-4) ونبوات دانيال هذه في سفره كانت سببًا هي الأخرى في عطف ملك اليونان الإسكندر على أورشليم (راجع صفحة 5 نقطة د). ملحوظة: الشعب بعد عودته من السبي لم يعد لهم نفس الشكل والمجد الذي كان لهم بعد عودتهم من مصر. فهم لم يعودوا أحرارًا تمامًا بل خاضعين مرة للفرس ومرة لليونان ومرة للرومان والهيكل لم يعد لسابق مجده. فالعالم الآن وأورشليم يستعدون لانتهاء الرموز والذبائح الحيوانية التي ترمز للمسيح، ويستعدون لاستقبال المسيح الذبيحة الحقيقية والمحرر الحقيقي من عبودية إبليس. ولذلك فعندما انتهى نحميا من بناء السور انتهي ملاخي أيضًا من نبوته التي كانت آخر النبوات وانتظر العالم مجيء المسيح الذي فيه تحققت النبوات. 18. تقسيمات السفر: هناك تقسيمات للسفر تقسمه لجزء تاريخي (1-6) وجزء نبوي (7-12) ولكن نجد أن إصحاح (2) يدخل في القسم النبوي متفقًا مع إصحاح (7) وهناك رأى بأن أصحاحي (2، 7) يعطوا فكرة عن القوى العالمية، والإصحاحات (3-6) يعطوا فكرة عن مقاومة هذه القوى العالمية لشعب الله. والإصحاح المحوري هو إصحاح (9) الذي يتنبأ عن ميعاد مجيء المسيح وصلبه ثم في (36:11- 7:12) يتنبأ عن الآلام التي سيعاني منها شعب الله في النهاية ومجيء ضد المسيح والقيامة من الأموات. 19. نياحة دانيال النبي: عاش دانيال النبي ما يقرب من 90 سنة قضى معظمها مشهورًا بحكمته كشخصية بارزة في بلاط بابل وفارس. هذا بفرض أن سنه وقت السبي كان حوالي 18سنة ودفن دانيال في مقابر ملوك الفرس.
    تتمة سفر دانيال:

    · تتمة سفر دانيال تشتمل على تسبحة الثلاثة فتية في الأتون. وهذه تضاف بين الآية (23) والآية (24) في الإصحاح الثالث من سفر دانيال. كما تشتمل التتمة على الإصحاح الثالث عشر ويتكلم عن قصة سوسنة العفيفة والإصحاح الرابع عشر ويشمل قصتي الصنم بال والتنين.
    · الكثير من الآباء شهدوا بصحتها، ومع هذا لم توردها نسخة بيروت للكتاب المقدس.
    · هناك أجزاء كثيرة من تسبحة نصف الليل مأخوذة من هذه التتمة وبالذات الهوس الثالث.

    ← ستجد أيضًا في نهاية التفسير عرض عام لسفر دانيال بعنوان: الخط العام لنبوة دانيال النبي.

  2. #2
    الاصحاح الاول

    الآيات (1-7): "في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم ملك يهوذا ذهب نبوخذناصّر ملك بابل إلى أورشليم وحاصرها. وسلم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله فجاء بها إلى أرض شنعار إلى بيت إلهه وأدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه. وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه بأن يحضر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء. فتيانًا لا عيب فيهم حسان المنظر حاذقين في كل حكمة وعارفين معرفة وذوي فهم بالعلم والذين فيهم قوة على الوقوف في قصر الملك فيعلموهم كتابة الكلدانيين ولسانهم. وعيّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين وعند نهايتها يقفون أمام الملك. وكان بينهم من بني يهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء فسمى دانيال بلطشاصر وحننيا شدرخ وميشائيل ميشخ وعزريا عبد نغو." في السنة الثالثة ويقول أرمياء (1:25، 9) في السنة الرابعة ولا يوجد تعارض بينهما فأرمياء يحسب سنة تولى الملك ملكه هي السنة الأولى لحكمه أما دانيال فيتبع الطريقة البابلية، فهو يعتبر السنة التالية للملك هي السنة الأولى لحكمه، وهو بهذا لا يحسب كسور السنة، ونلاحظ أن السبي حدث على أربع مراحل (راجع تفسير سفر أرمياء) والمذكور هنا هو السبي الأول الذي فيه أخذ دانيال والثلاث فتية إلى بابل = أرض شنعار = هو الاسم القديم لأرض بابل، ثم صار اسمها بابل بعد بلبلة الألسنة.
    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar king of Babylon besieges to Jerusalem (Daniel 1:1-2)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يأخذ أورشليم (دانيال 1: 1-2)
    أدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه = الآنية تشير لأولاد الله (2كو7:4 + 2تي20:2، 21) لذلك اهتم عزرا بحصر عدد الآنية (عز7:1-11) وكان هذا رمزًا لتحرير أولاد الله من سلطان إبليس وعودتهم للكنيسة (أورشليم) وكان المخطط البابلي إعادة تشكيل الشباب العبراني (غسل مخهم) حتى ينسوا وطنهم ولغتهم ودينهم وإلههم وكان ذلك كالآتي: أ*. تغيير الأسماء: حنانيا: الله حنان. ميشائيل = من مثل الله. عزريا = الرب عوني هؤلاء تغيرت أسماءهم إلى شدرخ = أخو إله القمر أخ أو أكو ميشخ = من مثل الإله آخ أو أكو وعبدناغو = عبد الإله نبو كبير الآلهة فلأن أسماءهم الأولى تذكرهم بارتباطهم بالله غيَّروها ليرتبطوا بآلهة بابل. إذًا لنهتم أن نطلق على أولادنا أسماء قديسين ليرتبطوا بهم. ب*. نوعية الطعام: كان اليهود مدققين جدًا في طعامهم ولهم أكل محلل وأكل محرم مثل لحم الخنزير، أو ما ذبح للأوثان. وكانت لهم طريقة خاصة في الذبح. وحتى ينسوا هذا قَدَّمَ لهم الملك أفخر مأكولاته. وكان للبابليين طريقة خاصة هي أن يلقوا جزءًا من الطعام لآلهتهم أثناء طبخ طعامهم على النار. لذلك رفض دانيال والفتية هذا النوع من الطعام حتى لا يشتركوا في هذه العبادة الوثنية. ت*. تغيير اللغة: لينسوا لغة أبائهم وتوراتهم، واللغة مقدسة عند العبرانيين فهي لغة موسى ولغة التوراة. وبرع دانيال في علومهم كما تهذب موسى بكل حكمة المصريين. ولكن لا نقرأ أن هذا الملك أمر بتعليمهم ديانات البابليين، أو فنون السحر وإلا كانوا قد رفضوها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فإذا كانوا قد رفضوا طعام البابليين فبالأولى يرفضوا قبول ديانتهم. ويبدو أن المطلوب كان تعليمهم الحكمة والقانون والفنون والعلوم ليؤهلوا للخدمة. وسبي أولاد الملوك مثل دانيال ورفاقه هو تحقيق لنبوة أشعياء ضد الملك حزقيا (7:39) ولكن هؤلاء الفتية الثلاثة مع دانيال وإن تغيرت أسماءهم لم تتغير قلوبهم فكانوا مثل يوسف أمناء لله بالرغم من تغيير أسماءهم (فيوسف غيروا اسمه إلى صفنات فعنيح). ث*. نسل الملك = إذًا كانوا من العائلة الملكية في أورشليم.
    St-Takla.org Image: Ashpenaz the master of his eunuchs choosing some of the children of Israel (Daniel 1:3-4)صورة في موقع الأنبا تكلا: اختيار بعض اليهود بواسطة أشفنز رئيس خصيان الملك (دانيال 1: 3-4)
    الآيات (8-16): "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس. وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان. فقال رئيس الخصيان لدانيال أني أخاف سيدي الملك الذي عيّن طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتديّنون رأسي للملك. فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطاني لنأكل وماء لنشرب. ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم أصنع بعبيدك كما ترى. فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام. وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحمًا من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك. فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطاني." أعطى الله نعمة لدانيال في عين رئيس الخصيان كما سبق وحدث مع يوسف في بيت فوطيفار وفي السجن وعلينا أن نعترف حين نلاحظ محبة وإحترام الآخرين أن هذا من عمل يد الله ونعمته. وما سبب هذه النعمة؟ أن دانيال جعل في قلبه = أي كان ينوي نية جادة، والحياة الروحية تبدأ من القلب هو احتياج يسعى إليه القلب. ودانيال طلب من رئيس الخصيان = وهو طلب مستحيل فعقاب رفض الأوامر الموت. لكن لا ننسى عمل السماء، فهو كان أميناً مع الله " فجعل الله أعداؤه يسالمونه " (أم16: 7). وأعطاه الله نعمة في أعين رئيس الخصيان. ولاحظ قول دانيال جرب عبيدك = فهو طلب كله إيمان لكن بوداعة. لا يتنجس بأطايب الملك = فنحن حين نموت عن شهوات الجسد وننظر إليها في عدم مبالاة يكون هذا سبب نعمة من الله وحكمة وتقوى. وبالإضافة لما سبق فهناك سبباً آخر في أنهم رفضوا طعام الملك، فإنه من غير المناسب أن يفرحوا وهم في السبي وبلدهم في ضيقة. ولاحظ أنهم حين اشتركوا في الحزن مع شعب الله حَوَّلَ الله حزنهم إلى فرح (يو20:16) وهذا حال كل من يبكي على خطيته فالله يعطيه عزاء ويحول دموعه إلى فرح (مز5:126، 6) وهم طلبوا أن يأكلوا القطاني = أي الحبوب التي تطبخ كالعدس والفول والحمص واللوبيا وهذا هو الأكل الصيامي عند الأقباط وهذا أعطاهم منظراً وصحة أحسن وهذا فيه رد كافٍ لمن يرفض الصيام خوفاً على صحته. بل زادت لهم بركة خاصة فصحتهم تحسنت عن أترابهم. وفي آية (17) نجد أن الله أعطاهم عطية زائدة معرفة وعقلاً وحكمة وفهم أحلام. ولنلاحظ أنهم تربوا في يهوذا على الترف ولكن من أجل الله قبلوا بل طلبوا هذه الحياة الخشنة "أكلة بقول مع المحبة خيرمن ثور معلوف مع البغضة" (أم15: 17). ولنذكر أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل أن الاستغراق في شهوات وملذات العالم سبب كثير من الأمراض. ونلاحظ أنهم صاموا ليرضوا الله فأعطاهم الله كل هذا أما لو صمنا لأغراض مادية، فقد لا يعطينا الله ما نطلبه من الماديات لأن هدف صومنا يجب أن يكون فقط شركة حب مع آلام رب المجد.
    St-Takla.org Image: The king appointed for them a daily provision of the king's delicacies (Daniel 1:5)
    صورة في موقع الأنبا تكلا: عين لهم الملك وجبة من أطياب الملك (دانيال 1: 5)
    الآيات (17-21): "أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلًا في كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيمًا بكل الرؤى والأحلام. وعند نهاية الأيام التي قال الملك أن يدخلوهم بعدها أتى بهم رئيس الخصيان إلى أمام نبوخذناصّر. وكلمهم الملك فلم يوجد بينهم كلهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فوقفوا أمام الملك. وفي كل أمر حكمة فهم الذي سألهم عنه الملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته. وكان دانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك." في مقابل أمانتهم نجد مواهب وعطايا الله غير المحدودة بل حصل دانيال على روح النبوة وتفوقوا على الكلدانيين. فماذا تكون آلهة الكلدانيين وحكمتهم أمام الله وعطاياه. وهذه شهادة ممن كانوا أمناء لله. وقد قيل عنهم وقفوا أمام الملك = وهذه تعني أن الملك عينهم مشيرين له (أس14:1) ودانيال استمر حتى السنة الأولى لكورش وهذه لا تعني أن دانيال عاش حتى السنة الأولى لكورش لأنه يقول كان ولم يقل عاش ومعني هذا أنه رأي تحرر شعبه ونهاية السبي وعودتهم إلى أورشليم كمكافأة له فهو طالما اشتاق قلبيًا لهذا. ويعني القول أيضًا أن دانيال استمر في مركزه الهام حتى السنة الأولي لكورش. إلا أنه عاش بعد ذلك بسنوات. وقارن جرب عبيدك 10 أيام مع وجدهم 10 أضعاف. ورقم 10 يشير للكمال في طاعة الوصية فكمال طاعتنا للوصية يعطينا كمال السلطان على قوى الشر. المجوس= كلمة فارسية تعني كهنة وفي ترتيبهم يأتون بعد الحاكم مباشرة في بلاد مادي وفارس.

  3. #3
    الاصحاح الثانى
    جرت أحداث هذا الإصحاح سنة 603 ق.م. ولقد قيل في الإصحاح الأول عدد (17) أن دانيال كان فهيمًا بالأحلام. وفي هذا الإصحاح نرى مثلًا بارزًا لذلك، ولقد ظهر هذا مبكرًا. وهذا جعله معروفًا في بلاط بابل كما كان يوسف مشهورًا في بلاط مصر لنفس السبب. وبينما كان حلم فرعون وتفسير يوسف له متعلقين بسنوات الشبع والجوع فقط، جاء حلم نبوخذ نصر هنا وتفسير دانيال له متعلقًا بممالك العالم ثم مملكة المسيا التي سيؤسسها. ونرى في حلم نبوخذ نصر أن الممالك العظيمة في جبروتها لا بُد أن يكون لها نهاية، هي تبدأ بالذهب وتنتهي بالخزف ثم تباد، أما مملكة المسيح فهي حجر يبدأ صغيرًا ثم يكبر إلى ما لا نهاية. ممالك العالم لها منظر بهي جدًا آية (31) ولكن نهايتها الفناء. أما ملكوت المسيح فيبدأ صغيرًا ثم ينمو ويستمر للأبد. ونرى في هذا الحلم أن الله يتحكم في التاريخ ويدير دفته لمجد اسمه وتنفيذ خطة أزلية فهو ضابط الكل وضابط التاريخ.
    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar had a nightmare (Daniel 2:1)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يحلم بكابوس (دانيال 2: 1)
    آية (1): "وفي السنة الثانية من ملك نبوخذناصّر حلم نبوخذناصّر أحلامًا فأنزعجت روحه وطار عنه نومه." في السنة الثانية من ملك نبوخذ نصر = يبدو أن هناك تعارض بين هذه الآية وبين (5:1) التي أشارت إلى أن الملك عَّين لدانيال والثلاثة فتية مدة 3 سنين للتعليم يقفون بعدها أمامه. إلا أن هناك أراء متعددة لحل هذا الإشكال البسيط: 1. كان البابليون يحسبون السنة الأولى للملك أنها هي السنة التالية الفلكية لتوليه الحكم وبهذا تكون السنة الثانية لنبوخذ نصر هي فعلًا بعد ثلاث سنوات من تدريبهم ليقفوا أمام الملك. 2. قد تكون هي السنة الثانية لحكم نبوخذ نصر منفردًا بعد موت أبيه ولكنها الخامسة أو السادسة لملكه بالاشتراك مع أبيه. 3. كانت المدة المعينة لتعليم هؤلاء الفتيان هي 3 سنوات ولكن يبدو أن دانيال كان متقدمًا بدرجة واضحة، وذلك مبكرًا بدرجة أهلته لأن يقف أمام الملك قبل نهاية هذه السنوات الثلاث. أحلامًا= يبدو أن الحلم كان يتردد عليه عدة مرات بصورة ملحة أو لعدة أيام وهو نفس الحلم. وكانت يد الله واضحة فهو حلم لم ينساه الملك بعد أن استيقظ بل كانت يد الله شديدة عليه. حتى طار عنه نومه. ولنقارن مع "الله يعطي لأحبائه نومًا". فأحباء الله قد يكونون في ظلم واضطهاد أو فقر أو مرض لكنهم في سلام يفوق كل عقل، وهذا يحفظ قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع (في7:4) فينامون في سلام. بينما أن المُلك والسلطان والغنى.. إلخ. فهم غير قادرين أن يعطوا هذا السلام وهذا النوم الهادئ كما نرى في هذه الحالة. هناك ثلاثة أنواع من الأحلام(1):
    1. أحلام من الله: مثل حلم يوسف النجار وحلم فرعون الذي فسَّره يوسف وأيضًا هذا الحلم الذي لنبوخذ نصر هو من الله. ولذلك فهي أحلام موجهة أو منبئة بشيء يحدث في المستقبل.
    2. أحلام من الشياطين: بها يخدعون الإنسان ويضللونه ليسير في طريق خاطئ، أو ليزعجونه.
    3. أحلام من ترسيبات العقل الباطن: وهو ما جمعه الفكر والحواس وترسب وتم تخزينه في العقل الباطن، ويظهر ليلًا بدون ضابط.

    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar consults the wise men (Daniel 2:2-13)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يتكلم مع الحكماء (دانيال 2: 2-13)
    الآيات (2-13): "فأمر الملك بأن يستدعى المجوس والسحرة والعرّافون والكلدانيون ليخبروا الملك بأحلامه فأتوا ووقفوا أمام الملك. فقال لهم الملك قد حلمت حلمًا وإنزعجت روحي لمعرفة الحلم. فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية عش أيها الملك إلى الأبد.أخبر عبيدك بالحلم فنبيّن تعبيره. فأجاب الملك وقال للكلدانيين قد خرج مني القول أن لم تنبئوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إربًا إربًا وتجعل بيوتكم مزبلة. وأن بيّنتم الحلم وتعبيره تنالون من قبلي هدايا وحلاوين وإكرامًا عظيمًا فبيّنوا لي الحلم وتعبيره. فأجابوا ثانية وقالوا ليخبر الملك عبيده بالحلم فنبين تعبيره. أجاب الملك وقال أني اعلم يقينًا أنكم تكتسبون وقتًا إذ رأيتم أن القول قد خرج مني. بأنه أن لم تنبئوني بالحلم فقضاؤكم واحد.لأنكم قد أتفقتم على كلامٍ كذب وفاسد لتتكلموا به قدامي إلى أن يتحول الوقت.فأخبروني بالحلم فأعلم أنكم تبيّنون لي تعبيره. أجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبيّن أمر الملك.لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمرًا مثل هذا من مجوسي أو ساحر أو كلداني. والأمر الذي يطلبه الملك عسر وليس آخر يبيّنه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر. لأجل ذلك غضب الملك واغتاظ جدًا وأمر بإبادة كل حكماء بابل. فخرج الأمر وكان الحكماء يقتلون فطلبوا دانيال وأصحابه ليقتلوهم." ذهب المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون (أي فئة الكهنة) وهؤلاء يَدَّعون معرفة المستقبل. وكانت الأحلام في بابل الوثنية تفسر كالنبوات ولها قواعد للتفسير. أما كل هؤلاء فكانوا خداماً للشيطان في شخص هذه الآلهة الوثنية (بيل ومرودخ) وإبتداء من آية (4) حين قال النبي "فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية بدأ دانيال يكتب بالأرامية حتى نهاية الإصحاح السابع. وكان المتبع أن يخبر الشخص بحلمه هؤلاء السحرة وهم يخبرونه بالتفسير، ولكن الملك إتبع هنا أسلوباً جديداً وطلب منهم أن يقولوا له الحلم أولًاً ثم التفسير، وذلك لأنه خاف أن يطمئنوه ويخدعونه بكلامٍ ملق، فبدأ بتهديدهم بقسوة عنيفة ثم بدأ يستلطفهم ويعطيهم وعود بأنهم لو فعلوا سيعطيهم هدايا وحلاوين = أي هدايا ومكافآت. وقوله في آية (9) إلى أن يتحول الوقت يعني إما أن ينسى الملك الحلم، ومن ثم يقتنع بأي كلام يقوله السحرة، أو ينسى الملك وعيده لهم ويشفق عليهم فلا يقتلهم. وكان قصد الله من كل هذا أن يكشف لملك بابل كذب وبطل هذه الآلهة وأن إله دانيال هو الإله الحقيقي. نلاحظ عبر الإصحاحات (1 – 4) كيف يجتذب الله نبوخذ نصر للإيمان به، وكيف يؤدبه ويقنعه حتى يؤمن.
    الآيات (14-23): "حينئذ أجاب دانيال بحكمة وعقل لأريوخ رئيس شرط الملك الذي خرج ليقتل حكماء بابل. أجاب وقال لأريوخ قائد الملك لماذا أشتد الأمر من قبل الملك.حينئذ أخبر أريوخ دانيال بالأمر. فدخل دانيال وطلب من الملك أن يعطيه وقتًا فيبيّن للملك التعبير. حينئذ مضى دانيال إلى بيته وأعلم حننيا وميشائيل وعزريا أصحابه بالأمر. ليطلبوا المراحم من قبل إله السموات من جهة هذا السر لكي لا يهلك دانيال وأصحابه مع سائر حكماء بابل. حينئذ لدانيال كشف السر في رؤيا الليل.فبارك دانيال إله السموات. أجاب دانيال وقال ليكن اسم الله مباركًا من الأزل والى الأبد لأن له الحكمة والجبروت. وهو يغيّر الأوقات والأزمنة يعزل ملوكًا وينصب ملوكًا.يعطي الحكماء حكمة ويعلم العارفين فهمًا. هو يكشف العمائق والأسرار. يعلم ما هو في الظلمة وعنده يسكن النور. إياك يا إله آبائي أحمد وأسبح الذي أعطاني الحكمة والقوة وأعلمني الآن ما طلبناه منك لأنك أعلمتنا أمر الملك."
    St-Takla.org Image: Arioch enlists Daniel (Daniel 2:14-18)صورة في موقع الأنبا تكلا: أريوخ يجند دانيال (دانيال 2: 14-18)
    واضح أن دانيال لم يُطلب ليحضر مع المنجمين والسحرة أولًا. وهذا بتدبير من الله فارتباك السحرة جعل حكمة دانيال ظاهرة جدًا، بل هم شهدوا أن مطلب الملك لا يقدر عليه سوى الآلهة، وتمجد الله في كل هذا. ونلاحظ أن دانيال يتكلم بحكمة مع آريوخ فالله يعطي لأولاده حكمة. وأيضًا نلاحظ اعتماد دانيال المطلق على الله في حل كل مشاكله وأنه كان رجل صلاة. وصلاته جعلت له تأثيرًا على قلب أريوخ. ولاحظ كلمات دانيال الرقيقة لماذا اشتد الأمر بالملك = أي لماذا هو في ضيقة شديدة حتى يأمر بهذا. فحتى وهو مقبل على الإعدام بأمر ظالم من الملك لم يهاجم الملك أو ينسب له ظلمًا (لا يمكن اكتساب رقة الطبع والمحبة والحكمة إلا بالاتصال المستمر بالله) وطلب دانيال من الفتية الثلاث أن يشاركوه الصلاة نرى فيه صورة للصلاة الجماعية. فهناك صلاة فردية وهناك أيضًا صلاة جماعية وطلب دانيال مراحم الرب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ثم بعد أن كشف الله له السر بدأ يسبح ويشكر الله وهذه العناصر هي عناصر أساسية للصلاة (طلب الرحمة والشكر) لذلك فكنيستنا بإرشاد الروح القدس تضع في بدء صلوات الأجبية صلاة الشكر والمزمور الخمسون (ارحمني يا الله..) ودانيال لم يذهب ليتشاور مع أحد ولا ذهب ليدرس كتب تفسير الأحلام بل ذهب ليصلي؟ وهو يطلب من الله شيئًا صعبًا حقيقة ولكن هل يستحيل على الرب شيء. وفي آية (19) رؤيا الليل = هذا يعني غالبًا أن الله جعل دانيال يحلم نفس الحلم ثم أرسل له الله ملاكًا يفسره له "اقرعوا يفتح لكم" + "صلاة البار تقتدر كثيرًا في فعلها" (يع5: 16). ودانيال قدَّم الشكر لله حتى قبل أن يذهب للملك ويرى النتيجة، فعمل الله دائمًا كامل. الآيات (24-30): "فمن أجل ذلك دخل دانيال إلى أريوخ الذي عيّنه الملك لإبادة حكماء بابل.مضى وقال له هكذا.لا تبد حكماء بابل.أدخلني إلى قدام الملك فأبيّن للملك التعبير. حينئذ دخل أريوخ بدانيال إلى قدام الملك مسرعًا وقال له هكذا.قد وجدت رجلًا من بني سبي يهوذا الذي يعرّف الملك بالتعبير. أجاب الملك وقال لدانيال الذي اسمه بلطشاصر هل تستطيع أنت على أن تعرّفني بالحلم الذي رأيت وبتعبيره. أجاب دانيال قدام الملك وقال.السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبيّنوه للملك. لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرّف الملك نبوخذناصّر ما يكون في الأيام الأخيرة.حلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا. أنت يا أيها الملك أفكارك على فراشك صعدت إلى ما يكون من بعد هذا وكاشف الأسرار يعرّفك بما يكون. أما أنا فلم يكشف لي هذا السر لحكمة فيَّ أكثر من كل الأحياء. ولكن لكي يعرّف الملك بالتعبير ولكي تعلم أفكار قلبك." لم يطلب دانيال هلاك المنجمين والسحرة بالرغم من أنهم يستحقوا ذلك حسب الشريعة وذلك [1] هم لا يعرفون شريعة الله. [2] يعطيهم فرصة أن يكتشفوا جهلهم فيخجلوا من أوثانهم [3] يكتشفوا قوة إله دانيال. وفي (26) هل تستطيع أنت = فيه استغراب أن دانيال صغير السن لكن له معرفة أكثر من كل حكماء بابل. وفي (28) يوجد إله في السموات = هنا دانيال ينسب كل شيء لله. ولنلاحظ أنه حينما نعطي المجد لله يمجدنا الله وسط الناس وحينما ننسب المجد والنجاح لأنفسنا يختفي عنا. والله الذي يكشف لدانيال السر هو "الذي يعلنها للأطفال الصغار ويخفيها عن الحكماء" ورؤيا رأسك على فراشك = فهي تعني أن نبوخذ نصر الملك العظيم الذي جعل من بابل إمبراطورية عظيمة كان قبل أن ينام يحلم ويفكر في المستقبل.. ماذا بعد كل ما عمله حتى الآن. وأجابه الله بأن أعلن له المستقبل، ليعطي لهذا الملك الوثني أن يتعرف على الله الإله الحقيقي ويكون هناك خير لعبيد الله الأمناء مثل دانيال والثلاثة فتية. والأيام الأخيرة = هذه تشير لمملكة المسيح بعد مجيئه وصليبه وصعوده (عب1:1).
    St-Takla.org Image: Daniel Prophecyصورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي
    الآيات (31-45): "أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم. هذا التمثال العظيم البهي جدًا وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد.صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف. كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فأنسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها. هذا هو الحلم. فنخبر بتعبيره قدام الملك. أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتدارًا وسلطانًا وفخرًا. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب. وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض. وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسّر كل هؤلاء. وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث أنك رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين. وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قويًا والبعض قصمًا. وبما رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين فأنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين." كان نبوخذ نصر مفتونًا بالتماثيل، ملأ قصره منها وعبد تماثيل كثيرة. فالله يخاطب هذا الملك باللغة التي يفهمها. والملك رأى التمثال هنا عظيم وبهي جدًا = وهو يشير لممالك العالم. والله هنا يهتم بالممالك التي لها علاقة بشعبه وتؤثر فيه من خلال سلطانها الزمني. وهذه الممالك في نظر الناس عظيمة وبهية جدًا. فالبشر يحكمون حسب المظاهر، فهذه الممالك تحكم وتتسلط وهي غنية جدًا. ولكن في نظر أولاد الله، وفي نظر الله فهذه الممالك كما رآها دانيال في إصحاح (7) ما هي إلا وحوش، هي قوى أرضية جسدانية وقوى طغيان، فيها من طبع الوحوش أكثر من طبع الإنسان. ونلاحظ أن هذه القوى تمثلت بشكل تمثال واحد وليس بعدة تماثيل فكلها قوة واحدة ضد الله وكنيسته. وحين يتحرك الملوك ضد الكنيسة ويضطهدون شعب الله فالشيطان هو الذي يحركهم. والشيطان قد أسماه دانيال أو الملاك الذي يكلمه "رئيس فارس" ثم "رئيس اليونان" (دا 20:10) والمعنى أن هذا الشيطان هو الذي يحرك ويهيج هؤلاء الملوك ضد شعب الله. والمسيح أطلق على الشيطان "رئيس هذا العالم" (يو30:14) إذًا هو الشيطان وقد سكن في أربع أمم مختلفة عبر التاريخ ولاحظ أن رقم أربعة يشير للعمومية، أي لكل العالم. 1. رأس الذهب: هو نبوخذ نصر ملك بابل وأسماه دانيال ملك ملوك أي أعظم ملك، كما يقال عبد العبيد أي أحقر عبد. ولقب ملك الملوك استعمله ملوك بابل وملوك فارس (عز12:7 + حز7:26) وبابل رأس فهي مشهورة بالحكمة والقوة، وهي ذهب لأنها غنية. مملوءة ذهبًا. وهي قديمة جدًا فبابل بدأت بنمرود، أي استمرت ما يقرب من 1600 سنة وفي وقت دانيال كانت كما لم تكن من قبل، وكان نبوخذ نصر في ذلك الحين أقوى ملك عرفه التاريخ حتى هذا الوقت وهو يُمَثَّلْ هنا بالذهب فسلطانه مطلق، وهذا لم يكن لأي ملك في أي مملكة بعده. 2. الصدر والذراعان الفضة: واضح التسلسل الزمني، فمادي وفارس أعقبت بابل زمنيًا. فمعني مجيء الصدر والذراعان تحت الرأس، أن مملكة مادي وفارس ستعقب بابل. وفي آية (39) كلمة أصغر منك = تعني منخفض عنك، فهو يأتي تحته في التمثال. وهذا هو الأصح فإن مملكة فارس لم تكن أصغر من بابل ولكنها تليها زمنيًا في التاريخ. وهي في موقعها على التمثال تليها مكانيًا. فالصدر يجيء تحت الرأس. ولأن الدولة كانت تتكون من مادي وفارس فقد تم تمثيلها بذراعين.
    St-Takla.org Image: Daniel Prophecy: The statueصورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة دانيال عن التمثال: الرأس الذهب (مملكة بابل) - الصدر والذراعان فضة (مادي وفارس) - البطن والفخذان نحاس (مملكة اليونان) - الساقان حديد (الدولة الرومانية) - الأصابع حديد وخزف
    بل أن كورش نفسه كان أبوه من فارس، وأمه من مادي وكذلك خاله داريوس الذي حكم بابل بعد سقوطها في أيديهم. ونلاحظ أن دانيال هنا لم يعط وصفًا لمملكة فارس بينما أعطى وصفًا لليونان بأنها تتسلط على كل الأرض وقال عن الرومان مملكة رابعة صلبة، وذلك غالبًا لأن نبوخذ نصر سيكون شديد الحساسية لمن سيأتي بعده ويحطم مملكته. وبحكمة أيضًا استخدم دانيال كلمة أصغر منك التي تحتمل معنيان "أصغر منك" وتأتي تحتك (هذه كما نقول بالعامية أوطى منك) وبذلك لا يسئ لمشاعر الملك الحالي. 3. البطن والفخذان النحاس: هي دولة اليونان التي أسسها الإسكندر الأكبر حين هزم ملك الفرس داريوس كودومانوس آخر أباطرة الفرس. وهذا فتح كل العالم المعروف تقريبًا. وبكى حين لم يجد ما يغزوه بعد ذلك. واليونان اهتموا بنشر اللغة اليونانية في العالم كله، مما مهد للكتاب المقدس أن ينتشر سريعًا إذ كُتِبَ العهد الجديد باليونانية وكانت قد تمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية قبل هذا فيما يُعرف بالترجمة السبعينية (وكان ذلك في القرن الثالث ق.م.). 4. الساقان الحديد: هي الدولة الرومانية التي جاء المسيح في أيامها ليؤسس مملكته. وكانت الدولة الرومانية دولة قوية كالحديد سادت لعصور طويلة بعد أن حطمت الدولة اليونانية. ولكنها لم تستطع أن تغير الثقافة اليونانية ولا اللغة اليونانية لقرون عديدة. وهي التي أنهت الدولة اليهودية وأحرقت أورشليم والهيكل، وهي التي عذبت المسيحيين لعدة قرون. وفي نهايتها بدأت تضعف وتنقسم فصارت كأصابع القدمين، وبعض هذه الأقسام كان قويًا وبعضها كان ضعيفًا كالخزف. والإمبراطورية الضخمة نظرًا لأنها جمعت فيها دولًا متحضرة وقبائل برابرة، كان الظن أن يجتمعوا في دولة واحدة، ولكنهم لم يجتمعوا أبدًا بل صاروا سببًا في انهيار الإمبراطورية كلها، فلم تستطع أن تقف في وجه العرب بل هم قد حطموها. 5. الحجر الذي قطع بغير يدين: هو المسيح الذي وُلِدَ بغير زرع بشر، وهو الذي حطَّم مملكة الشيطان الذي سكن هذه الممالك أو هذا التمثال. فالروح القدس هو الذي هَيَّاَ بطن العذراء لتلد عمانوئيل إلهنا وملكنا. هذا هو الحجر الذي رذله البناؤون وهو رأس الزاوية وهو حجر العثرة لليهود (مز22:118 + أش14:8) والمسيح وُلِدَ في أيام هذه الإمبراطورية التي سادت العالم وأمر إمبراطورها بالاكتتاب (لو1:2). كل هذه الإمبراطوريات الضخمة التي كانت ضد الله وملكوته خَرِبَت رمزًا لخراب هذا العالم النهائي أما ملكوت المسيح فهو أبدي وكنيسته مؤسسة على صخرة ولن تقوى عليها أبواب الجحيم. وسيأتي يوم النهاية ليضع الله أعداؤه عند موطئ قدميه (1كو24:15، 25) ونلاحظ أن نبوخذ نصر لم يقاطع دانيال مرة واحدة، فهو مأخوذ بهذه القوة الإلهية، فالله وحده هو الذي يستطيع أن يخبر بحلم لإنسان أو بالمستقبل (أش23:41، 26) وقول دانيال الحلم حق وتعبيره يقين = أي أنه من الله وتفسيره من الله، وهو تفسير مؤكد بسبب هذا. والله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، هو أوحي به ولذلك سيتم تنفيذه.
    معنى الذهب والفضة والنحاس والحديد والخزف:

    1. شبهت بابل بالذهب: يسجل هيرودوتس أن معابد بابل امتلأت بكميات خرافية من الذهب، وفي كثير من هياكلها موائد من الذهب الخالص وتماثيل ذهبية (دا 1:3) وفيه نجد نموذجًا لهذه التماثيل الذهبية العملاقة (تقريبًا 30 مترًا 3 × أمتار) قد يكون من الذهب الخالص أو مغطى بقشرة ذهبية). وكانت بعض الآلهة الذهبية تجلس على عروش ذهبية ومذابحهم ذهبية وقد رأى هيرودوتس هذا بعينيه بعد 90 سنة من نبوخذ نصر وقال أنه لم يرى في أي مكان ذهبًا بهذا المقدار. وكانت القصور هكذا مغشاة بالذهب. كان نبوخذ نصر عاشقًا لبابل ولآلهتها مرودخ وبيل. ولم يسجل في تاريخه كثيرًا عن انتصاراته بل ما صنعه لبابل من عظمة وجعلها مدينة ذهبية. وسجل نبوخذ نصر أنه أتى لبابل حبيبته وبيل إلهه، ولهياكل آلهته بأعظم الأحجار الكريمة والذهب من كل مكان. وكانت حوائط هياكله وقصوره تلمع وتبرق كالشمس فهي مغطاة بالذهب. إذن فهذه المملكة كانت تميل للاستعراض، استعراض القوة والغني للملك وآلهته ليلقي الروع في قلوب شعبه. كانت بابل مغشاة بالذهب.
    St-Takla.org Image: God makes the secret revealed to Daniel (Daniel 2:19-23)صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يكشف السر إلى دانيال (دانيال 2: 19-23)
    2. وشبهت مملكة مادي وفارس بالفضة:: الفضة في الكتاب المقدس تشير للنقود، فالمسيح باعه يهوذا بثلاثين من الفضة (مت15:26) وكان ذلك حسب نبوة زكريا (12:11) والفضة تشير للنقود في كل اللغات السامية. وكان الفرس في بدايتهم لا يهتمون بالمال (أش17:13) بل بالسيادة، لكن مع تقدم الوقت اهتموا بتكوين جيوش ضخمة وهذه احتاجت لكثير من النقود للصرف عليها. ومن هنا اهتمت الدولة بالضرائب وجمعها وكان المرازبة المذكورين في (دا 2:6) هم المسئولين عن جمع هذه الضرائب. ويسجل التاريخ أن نظام جمع الضرائب في فارس وصل للكمال أيام داريوس هستاسبس. وراجع سفر عزرا (7:4-22) فالملك ارتحشستا منع البناء "حتى لا تحصل خسارة للملك" أي أن يمتنع اليهود عن دفع الجزية. ولذلك كانت صورة فارس في دانيال (7) أنها تأكل لحمًا كثيرًا وهذا معناه الشره والطمع والنهب أكثر من كونه احتلالًا وإخضاعًا للأمم. ولذلك صار ملوك الفرس أغنياء جدًا (دا 2:11) حتى أنهم أثاروا اليونان بغناهم. بل لسعيهم وراء النقود لم يتردد أحد ملوكهم من أن ينقب مقبرة الملكة البابلية نيتوكريس بحثًا عن كنوزها. وقطعًا فهذه المملكة كانت أقوى من بابل. ولاحظ أن التمثال يتدرج في القوة فالفضة أقوى كمعدن من الذهب. 3. وشبهت مملكة اليونان بالنحاس: ومملكة اليونان كانت أقوى من الفرس كما أن النحاس أقوى من الفضة. وكان رجالها وجيشها أقوى، وفرسانها قد اشتهروا بالشجاعة. وثبت أن الشجاعة أفضل من الثروة. وكان الجيش اليوناني متسلحًا بالنحاس. ويلبسون دروعًا نحاسية. وكان اللباس الحربي اليوناني أقوى من مثيله الفارسي الذي كان يهتم بالمنظر والفخامة، بل أن اليونانيون كان يطلق عليهم الرجال النحاسيون. وفي (حزقيال 13:27) ينسب لليونان تجارة النحاس، وكان هذا يشمل الآنية النحاسية والأسلحة النحاسية. 4. شبهت الدولة الرومانية بالحديد: والحديد هو أقوى المعادن الأربعة. ولقد انتقلت الدولة الرومانية من عصر النحاس والبرونز إلى عصر الحديد. وَوُجِدَ أن شعراء الرومان كانوا يطلقون على عصر النحاس (الأيام القديمة) ولقد أصبحت أسلحتهم من الحديد. ولكن في بداية أيام الرومان كانت الأسلحة المستخدمة خليط من الأسلحة الحديدية والأسلحة النحاسية ودروعهم كانت خليط من النحاس والحديد، ولاحظ وصف الحيوان الرابع في (دا 19:7) الذي يصف الرومان بأن له أسنان حديد وأظافر نحاس. وكانت هذه الإمبراطورية رهيبة في التدمير وخراب أورشليم شاهد على ذلك. وقوة هذه الدولة يدل عليها امتداد فترة حكمهم لحوالي 500سنة قبل أن تنقسم، ثم انقسمت لدولتين، شرقية وغربية، واستمرت بهذه الصورة المقسمة (رجلين حديد) حتى سنة 1453م عندما استولى الأتراك على القسطنطينية واستمر الجزء الغربي يتبع أوروبا. ولاحظ أن التمثال يتدرج من فوق إلى أسفل زمانيًا، لذلك فالرجلين حديد ثم تأتي الأصابع من حديد وخزف فالقدمين يشيروا لمرحلة أولية لهذه الدولة والأصابع لمراحلها النهائية. 5. الأصابع بعضها حديد وبعضها خزف: نبوات دانيال ونبوات كثيرين غيره لها تطبيقين في نفس الوقت، التطبيق الأول في القريب والثاني ينظر إلى بعيد لذلك يمكننا تفسير الحديد.... على أنهم الأجزاء أو الدول القوية المتحضرة داخل الدولة الرومانية والخزف تشير لقبائل البرابرة التي حاولت الإمبراطورية الرومانية ضمها وتوحيدها في جسد الإمبراطورية بلا فائدة. فالحديد لا يمكن دمجه مع الخزف، بل كان سبباً في إنهيار الإمبراطورية هذا هو التفسير القريب. ولكن هناك تفسيراً أبعد يصعب أن نعرفه الآن. ولكن هناك محاولة للفهم، فقد يشير هذا لانبعاث الدولة الرومانية من جديد وبشكل جديد مختلف بعض الشيء، فتكون متكونة من كتلتين، الأولى تتكون من دول قوية ومتحدة (هذه هي الأصابع الحديد) لكن لكل منها شخصيتها كالأصابع المتفرقة، ولكن تجمعها قدم واحدة (كما يحدث مثلاً الآن في الاتحاد الأوروبي) وكتلة أخرى تتكون من دول ضعيفة (أصابع الخزف) لكنها متحدة بصورة ما، فهناك ما يجمعها ولكن لكل منها شخصيتها. ولاحظ أنه لا يذكر عدد الأصابع (فنحن لا نعرف عدد الدول في كل كتلة).
    St-Takla.org Image: Daniel stands before the king (Daniel 2:24-30)صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال يقف أمام الملك (دانيال 2: 24-30)
    وإذا فهمنا أن عدد الأصابع بالطبيعة هو عشر فهل تكون هذه الأصابع هم العشر الملوك الذين يساندون الوحش في الأيام الأخيرة (رؤ12:17)؟ ولاحظ أن المسيح ولد في أيام عظمة الدولة الرومانية (الأرجل الحديد) ، ولكنه ضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. ففي مجيء المسيح الثاني سيبيد العالم وسيكون هذا في أيام الكتلتين الحديد والخزف أي في الصورة الجديدة التي تظهر بها الدولة الرومانية. وفي مجيء المسيح الثاني "سيبيد الأثيم بنفخة فمه" (2تس8:2) ومعه هؤلاء الملوك الذين ساندوه. وبمجيء المسيح الثاني ستنتهي هيئة هذا العالم وتزول السماء والأرض، وهذا هو التطبيق الكامل لهذه النبوة أي زوال كل ملك عالمي والخضوع الكامل لله الملك الوحيد الحقيقي، أي أن الله سيؤسس مملكته الأبدية التي يكون فيها الكل خاضعا تمامًا على أنقاض التمثال أي كل الدول التي حركها الشيطان لمقاومة الله.
    ويتفق قول دانيال فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان (35:2) مع "يبيدالأثيم بنفخة فمه" (2تس8:2).
    وكون الأصابع تشير لملوك فهذا يتضح من (دا 44:2) أي أنه في أيام هؤلاء ملوك (العشرة)، يبيد الله صورة هذا العالم ليؤسس ملكوته الأبدي بعد أن يأتي في مجيئه الثاني. فمجيئه الأول وتجسده كان في أيام مجد الدولة الرومانية وهي على صورتها القديمة. ومجيئه الثاني سيكون في أيام الشكل الجديد للدولة الرومانية أي التي تتكون من نفس دول الدولة الرومانية القديمة ولكن بشكل جديد. فهي ستكون من كتلتين، كل كتلة متحدة بصورة ما، هذه هي الأرجل الاثنين، لكن الدول لها شخصيتها المتفردة داخل هذا الاتحاد.
    تفسير مكمل لتمثال نبوخذ نصر من واقع ما سبق

    رأس التمثال الذهب تشير لملك بابل الذي كبر وتقوَّى وعظمته زادت وبلغت إلى السماء (دا 4: 22) وعن مدى سلطانه "فهو أياً شاء قتل وأياً شاء إستحيا" (دا 5: 19) وهذا السلطان المطلق قد حرم منه داريوس الملك الفارسي، فلم يستطع أن يترك دانيال صديقه حياً (ص6) ولذلك شُبِّهَ بالفضة. وأما اليونان فكان سلطان ملوكهم أقل. أما الرومان فقد اشتهروا بالديموقراطية وفي هذا راجع سفر المكابيين الأول (14:8-16) فالسلطان المطلق يقل بتدرج التمثال من أعلي إلى أسفل بينما القوة تزداد. لذلك شُبِّه اليونان بالنحاس والرومان بالحديد.
    ما بين التمثال ووجوه الكاروبيم

    (راجع شرح الكاروبيم في حز 1) ظهر التمثال في هيئة إنسان ليشير لملوك، فالله خلق الإنسان ليكون ملكًا حرًا لا تستعبده شهوة أو خطية أو شيطان. وظهر التمثال على هيئة أربع ممالك، ورقم 4 يشير لكل العالم. ولما سقط الإنسان فداه المسيح ليعيده حرًا وملكًا (يو36:8 + رؤ5:1، 6) وهذا صار متاحًا لكل إنسان في كل العالم. ولكننا رأينا للأسف أن التمثال سكنه إبليس، أي أن الإنسان بكامل حريته يسلم نفسه للشيطان فيفقد حريته ولا يصير بعد ملكًا بل عبدًا وفي هذه الحالة سيباد حينما يبيد الله الشيطان ومن يتبعه (2تس8:2 + رؤ10:20، 15 + مز4:1-6).
    St-Takla.org Image: Vultures in Bahir Dar, from Saint Takla's website journey to Ethiopia, 2008 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008 صورة في موقع الأنبا تكلا: نسور في بحر دار، من رحلة موقع الأنبا تكلاهيمانوت للحبشة عام 2008 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا، إبريل - يونيو 2008
    أما الكاروبيم فهم عرش الله، أي أن الله يرتاح فيهم فهم مملوؤون من معرفة الله (مز10:18) . وهم لهم أربعة وجوه، ولأن رقم 4 هو رقم العمومية، فهو يشير لأنهم يشفعون في كل العالم. فوجه الأسد يشفع في الحيوانات المتوحشة، ووجه الثور يشفع في الحيوانات الأليفة ووجه النسر يشفع في الطيور ووجه الإنسان يشفع في البشر. هم المركبة الكاروبيمية التي يركبها الله (حزقيال 1) . ويقول المزمور "ركب على كروبوطار وهف على أجنحة الرياح". (مز18: 10) وهذا يعنى الحياة السماوية للكاروبيم مع الله.فهل يمكن للإنسان أن يتحول إلى مركبة كاروبيمية يرتاح الله عليها ويسكن فيداخله فيحيا الإنسان في السماويات، بل يتحول الإنسان ليشفع في الخليقة مثل الكاروبيم. طبعاً هذا ممكن لو تقدس الإنسان أي يتكرس لله، ويعرف الله بنقاوة قلبه فيصير مملوءاً معرفة مثل الكاروبيم.
    والإنسان يتقدس 1. بعمل المسيح الفدائي. 2. بجهاده أن ينفذ وصايا المسيح. وعمل المسيح الفدائي يمثله وجوه الكاروبيم. فوجه الإنسان يشير لتجسده ووجه الثور يشير لأنه قدم نفسه ذبيحة على الصليب ووجه الأسد يشير لقيامته، ووجه النسر يشير لصعوده. بهذا العمل قدس المسيح البشرية.. ولكن من الذي يتقدس ويستفيد من عمل المسيح؟ هذا هو من يقدس طاقاته لحساب المسيح. ومرة أخرى نعود لوجوه الكاروبيم فوجه الأسد يشير لقوى الإنسان العضلية ووجه الثور يشير لقواه الشهوانية ووجه الإنسان يشير لقواه العقلية ووجه النسر يشير لقواه الروحية، وحين يقدس الإنسان كل هذه القوى يسكن الله فيه ويصير مركبة كاروبيمية ويطير ويحلق في السماويات، وتصير أبديته سماوية. ولنقارن بين أجزاء التمثال ووجوه الكاروبيم.
    * فالإنسان له الحرية أن يقدس قواه العقلية، كما يقول الكتاب "مستأسرين كل فكرلطاعة المسيح" (2كو5:10) . لكن هناك من يترك فكره للفلسفات والغرور الباطل "أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل" (كو8:2) . ومن يقدس قواه الفكرية يسمع "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان فيمعرفته مستنيرة عيون أذهانكم" (أف17:1).
    St-Takla.org Image: Interpretations of the statute according to (Daniel 2) prophecyصورة في موقع الأنبا تكلا: تحليل لأجزاء التمثال حسب نبوة (دانيال 2): رأس التمثال (وجه إنسان): القوى العقلية - الصدر والقلب (وجه النسر): القوى الروحية - البطن (وجه الثور): القوى الشهوانية - القدمين (وجه الأسد): القوى العضلية
    * والإنسان له الحرية أن يقدس قلبه وتكون سيرته في السماويات (في20:3) ولذلك يطلب الله قائلاً " يا إبني أعطنى قلبك" (أم26:23) ويقول الكتاب " تحب الرب إلهك من كل قلبك"(تث4:6-6) وقد يترك الإنسان قلبه وعواطفه وقدراته للعالم، وحيث يكون كنزه يكون قلبه أيضاً (مت21:6) وكل من يسلك بالروح يتقدس قلبه.
    * والله خلق للإنسان شهوة حين يقدسها الإنسان يقول مع بولس الرسول "لي اشتهاء أنأنطلق وأكون مع المسيح" (في23:1) ويقول مع داود النبي "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الربوأتفرس في هيكله" (مز4:27) . ولكن قد تنحرف شهوة الإنسان فيشتهي إمرأة قريبه (إر7:5-9).
    * والله قَدَّم للإنسان قوة جبارة هي النعمة بها يستطيع أن يقدس كل قواه العضلية ويكرسها لحساب مجد الله. وتتحول أعضاءه لآلات بر عوضاً عن أن تكون آلات إثم. ولو لم يجاهد الإنسان تتحول كل قواه لخدمة الخطية إذ يفقد النعمة الممنوحة له من الله (رو13:6).
    * وباختصار إما تتقدس قوى الإنسان فيملك الله عليه، ويصير مركبة كاروبيمية وينطلق للسماويات، أو ينجرف وراء شهواته ويصير جسداً مستعبداً لشهواته، يصير جسدانياً تقوده شهواته فيهلك مع التمثال.
    الجبل العظيم وكيف فهم البابليون الحلم وتفسيره:

    كان البابليون يؤمنون أن الآلهة تسكن في جبل مقدس كانوا يسمونه جبل الأراضي وبالذات للإله مرودخ. وبهذا المعنى كانت الآية (35). وكانت الكلمة التي استخدمها دانيال جبلًا كبيرًا هي نفسها التي يستعملها الكهنة. بل أن الكهنة كانوا يسمونهم "كهنة شادوراب" šadû-rabu(2)أي كهنة جبل الرب. والآن هؤلاء الكهنة يسمعون الكلمة نفسها من دانيال الذي يؤمن بالإله الواحد. وهم قطعًا فهموا من كلامه أن السيادة ستنتقل من ملكهم إلى ملك ثانٍ ثم ملك ثالث ثم رابع ثم يحكم إله دانيال "إله السماء" على الأرض، وستكون بداية مملكته بسيطة ولكن سريعًا ما ستملأ الأرض.
    الريح التي ذرت العصافة وكيف فهمها البابليون:

    كان للبابليين إله يدعى إنليل وهو إله العاصفة الشديدة. وهو في صراعه مع الحية إله الخراب أرسل عليها عواصف مدمرة ليدمرها ولكن مرودخ هو الذي انتصر الانتصار النهائي على إله الخراب فأعطى إنليل اسمه لمرودخ أي صار اسم مرودخ هو إله العاصفة. إذًا فالعاصفة هي عمل إلهي أيضًا. والحجر الصغير قطع بعمل إلهي لأنه بغير يدين أي ليس بعمل بشر. ولأن البابليين كانوا يسمون مرودخ ملك الآلهة أطلق نبوخذ نصر على إله دانيال إله الآلهة ورب الملوك (47:2) وهكذا فالله يكلم كل واحد بلغته. وما فعله دانيال جعله يشتهر بالحكمة. الآيات (46-49): "حينئذ خرّ نبوخذناصّر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا له تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال. حقًا أن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ أستطعت على كشف هذا السر. حينئذ عظّم الملك دانيال وأعطاه عطايا كثيرة عظيمة وسلطه على كل ولاية بابل وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل. فطلب دانيال من الملك فولّى شدرخ وميشخ وعبد نغو على أعمال ولاية بابل. أما دانيال فكان في باب الملك."
    St-Takla.org Image: Then King Nebuchadnezzar fell on his face, prostrate before Daniel (Daniel 2:46-49)صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك نبوخذ نصر يركع أمام دانيال (دانيال 2: 46-49)
    كان من المتوقع أن يغتاظ نبوخذ نصر مما سمعه بأن مملكته ستنتهي، ولكن هذا لم يحدث فدانيال كان يتكلم بسلطان إلهي لا يستطيع أحد أن يقاومه، بل نجد في آية (46) أن الملك يعامل دانيال كإله. وغالباً مع أن هذا لم يذكر، أن دانيال رفض هذا كما رفضه بولس الرسول بعد ذلك، ونسب الفضل لله. ونستنتج ذلك من آية (47) التي فيها يعترف نبوخذ نصر بعظمة إله دانيال. فلو كان دانيال قد قبل التكريم كإله لكان قد فقد اتصاله بالله ولضاعت حكمته، ولكن هذا لم يحدث مع دانيال. الله يريد أن يعطى أولاده المجد والحكمة... ولكن من خلال الإتحاد به وليس بالانفصال عنه. فالإتحاد بالله ينقل الإنسان إلى إمكانيات لانهائية، فالله الذي نتحد به لا نهائى لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه أنهم قادرين أن يعملوا كالأعمال التي يعملها وأعظم منها "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها لأني ماضٍ إلى أبى" (يو14: 12). أما الانفصال عن الله فهو الموت، فالله هو الحياة .
    ولنلاحظ أن المال والملك لا يعطيان للإنسان عظمة أن لم يعطه الله. وكما إعتلى يوسف العبد مكاناً بارزاً في مصر هكذا حدث مع دانيال المسبي في بابل. دانيال كان في باب الملك = هذه تساوي رئيس للمجلس أو رئيس وزراء فالباب يجلس عنده القضاة والأمراء والرؤساء. ولم ينس دانيال أصدقائه الذين شاركوه صلاته فأشركهم في مجده. ولنلاحظ في قصتي دانيال ويوسف كيف أن الله يسمح بالضيق (عبودية وسبي) لبعض الوقت ليمجد أولاده. "فإن كنا نتألم معه فلكي نتمجد أيضاً معه" (رو17:8). وإن لم نتمجد على الأرض مثل يوسف ودانيال لكننا سنتمجد قطعاً في السماء (رو18:8).

  4. #4
    الاصحاح الثالث

    سنة 587 ق.م. تركنا الثلاث فتية في نهاية الإصحاح السابق وهم في مراكز سامية ومع أن الله يعطي مجدًا لقديسيه في السماء إلا أنه في بعض الأحيان يعطي أيضًا مكافآت أرضية لهم. وهذا لا يمنع أن يسمح أيضًا لهم ببعض الضيقات والتجارب. وهؤلاء الفتية الثلاث تركوا الكرامة وقبلوا الآلام فأنقذهم الله (عب34:11). هنا الرسول في العبرانيين يشير لهذه القصة في هذا الإصحاح. الآيات (1-7): " نبوخذناصّر الملك صنع تمثالًا من ذهب طوله ستون ذراعًا وعرضه ست أذرع ونصبه في بقعة دورا في ولاية بابل. ثم أرسل نبوخذناصّر الملك ليجمع المرازبة والشحن والولاة والقضاة والخزنة والفقهاء والمفتين وكل حكام الولايات ليأتوا لتدشين التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر الملك. حينئذ أجتمع المرازبة والشحن والولاة والقضاة والخزنة والفقهاء والمفتون وكل حكام الولايات لتدشين التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر الملك ووقفوا أمام التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر. ونادى مناد بشدة قد أمرتم أيها الشعوب والأمم والألسنة. عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف أن تخروا وتسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذناصّر الملك. ومن لا يخرّ ويسجد ففي تلك الساعة يلقى في وسط أتون نار متقدة. لأجل ذلك وقتما سمع كل الشعوب صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير وكل أنواع العزف خرّ كل الشعوب والأمم والألسنة وسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذناصّر الملك."
    St-Takla.org Image: People forced to worship idol by king Nebuchadnezzar: "Whoso falleth not down and worshippeth shall the same hour be cast into the midst of a burning fiery furnace" (Daniel 3:6)صورة في موقع الأنبا تكلا: إجبار الملك نبوخذنصر, الشعب على السجود للأصنام: "ومن لا يخر ويسجد ففي تلك الساعة يلقى في وسط أتون نار متقدة" (دانيال 3: 6)
    قد يكون هذا التمثال للإله مرودخ أو لنبوخذ نصر نفسه. لكن لنلاحظ كمية الذهب المستخدمة (التمثال 60 ذراعًا 6 × أذرع أي حوالي 30 مترًا في ارتفاعه، 3 أمتار في عرضه. وقد يشمل هذا ارتفاع القاعدة وهناك احتمال قطعًا أن لا يكون التمثال كله من الذهب الخالص، بل يكون مغطى بقشرة من الذهب) ولكن عمومًا فكمية الذهب المستخدمة ضخمة فهؤلاء الوثنيون يبذلون الكثير لإرضاء آلهتهم، فماذا نبذل نحن لإلهنا؟! ورقم (6) يتكرر فهو رقم النقص، وضد المسيح رقم اسمه (666) فوراء عبادة التماثيل إبليس بالتأكيد. ونلاحظ أنه بعد اعتراف نبوخذ نصر لله بأنه إله الآلهة ارتد سريعًا ربما ليثبت للشعب أنه لم يرتد عن عبادة الأصنام أو إذا كان التمثال له فهذا يشير لانتفاخه وكبريائه. وربما هو أراد أن يزيل من عقول الشعب إعجابهم بإله دانيال. وهو أمر بجمع كل كبار رجال الدولة لتدشين التمثال أي لإعلان الجميع خضوعهم له. كم تعبوا وكم أنفقوا في سبيل هذه الرحلة الغبية، ولكن عابدي الأوثان أغبياء كأوثانهم. وكان الإغراء بالموسيقى والتهديد بنيران الأتون (= فرن كبير) والمرازبة = حكام الولايات. والشحن = رؤساء الشرطة. والخزنة = وزراء المالية والتموين وقد اكتشفوا في الأثار قاعدة تمثال في مقاطعة اسمها (دوار) في خرائب بابل. وآلة السنطير هي الهارب HARP (وهي آلة وترية) وسجود الناس لهذا الصنم يعادل سجود الناس للوحش في أيام نهاية العالم. وغالبًا كان دانيال خارج بابل وإلا لكان قد رفض السجود للصنم مع الفتية أو هم لم يشتكوا دانيال لأنهم يعرفون تقدير الملك له. الآيات (8-18): "لأجل ذلك تقدم حينئذ رجال كلدانيون وأشتكوا على اليهود. أجابوا وقالوا للملك نبوخذناصّر أيها الملك عش إلى الأبد. أنت أيها الملك قد أصدرت أمرًا بأن كل إنسان يسمع صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف يخرّ ويسجد لتمثال الذهب. ومن لا يخرّ ويسجد فأنه يلقى في وسط أتون نار متقدة. يوجد رجال يهود الذين وكلتهم على أعمال ولاية بابل شدرخ ومشيخ وعبد نغو. هؤلاء الرجال لم يجعلوا لك أيها الملك اعتبارًا. آلهتك لا يعبدون ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون. حينئذ أمر نبوخذناصّر بغضب وغيظ بإحضار شدرخ وميشخ وعبد نغو. فأتوا بهؤلاء الرجال قدام الملك. فأجاب نبوخذناصّر وقال لهم. تعمّدًا يا شدرخ وميشخ وعبد نغو لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبت. فأن كنتم الآن مستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف إلى أن تخرّوا وتسجدوا للتمثال الذي عملته. وأن لم تسجدوا ففي تلك الساعة تلقون في وسط أتون النار المتقدة. ومن هو الإله الذي ينقذكم من يديّ. فأجاب شدرخ وميشخ وعبد نغو وقالوا للملك. يا نبوخذناصّر لا يلزمنا أمرًا نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيام الملك. وإلا فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته." كانت شكوى الكلدانيين من الثلاثة فتية لغيرتهم من المراكز التي نالوها. وفي كلامهم مع الملك يقولون رجال يهود = ليثيروه ويذكروه بأنه سحق يهوذا وأن هؤلاء من يهوذا الدولة الوضيعة ومع هذا فلقد أعطاهم الملك مراكز سامية وهم الآن يعارضون السجود لآلهة الملك. ونلاحظ ثورة الملك الفظيعة ضدهم بينما أن من يعبد الله تتهذب طباعه أما عبادة الأوثان هذه فتحول الناس إلى وحوش. وعمومًا فالخطية تقسي القلب. ولاحظ قول الملك لهم من هو الإله الذي ينقذكم = هذا قول كل متكبر وقال هذا أيضًا فرعون وسنحاريب، هذا بحق رد شيطاني (ونلاحظ أن الله يجتذب نبوخذ نصر لكن أيضًا الشيطان يقاوم عمل الله). أما الفتية الثلاثة فكانت ردودهم رائعة مملوءة إيمانًا وشاعرين بحماية الله لهم مفضلين الموت عن خيانة إلههم. ومهما كانت قوة الملك فهو له سلطان على أجسادهم فقط. ولنعرف حجم الضغوط الواقعة عليهم لنلاحظ:- 1. كان المطلوب منهم تصرف واحد فقط وهو السجود ثم يعودوا لعبادة إلههم أن أرادوا. 2. من يأمرهم بهذا هو الملك الذي له عليهم سلطان مطلق. 3. هذا الملك أحسن إليهم وأعطاهم مراكز سامية مما يشعرهم بالحرج لمخالفة أوامره. 4. هم الآن في بلد قوى وكان لهم عذرهم لو انجرفوا مع التيار القوى. 5. آباؤهم وملوكهم وكهنتهم فعلوا هذا باختيارهم في أورشليم. 6. حرصهم على مراكزهم التي عن طريقها يقدمون خدمات لشعبهم. كل هذا يبرر عقليًا سجودهم ولكن محبتهم لإلههم منعتهم، ليعبدوه وحده.
    St-Takla.org Image: Angel appears in furnace - The Three young men saved: Lo, I see four men loose, walking in the midst of the fire, and they have no hurt; and the form of the fourth is like the Son of God (Daniel 3:25).صورة في موقع الأنبا تكلا: الملاك يظهر في آتون النار - إنقاذ الفتية الثلاثة من الأتون: ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بأبن الآلهة (دانيال 3: 25)
    الآيات (19-27): "حنيئذ امتلأ نبوخذناصّر غيظًا وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو. فأجاب وأمر بأن يحموا الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتادًا أن يحمى. وأمر جبابرة القوة في جيشه بأن يوثقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو ويلقوهم في أتون النار المتقدة. ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة. ومن حيث أن كلمة الملك شديدة والأتون قد حمّي جدًا قتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبد نغو. وهؤلاء الثلاثة الرجال شدرخ وميشخ وعبد نغو سقطوا موثقين في وسط أتون النار المتقدة. حينئذ تحيّر نبوخذناصّر الملك وقام مسرعًا فأجاب وقال لمشيريه ألم نلقي ثلاثة رجال موثقين في وسط النار.فأجابوا وقالوا للملك صحيح أيام الملك. أجاب وقال ها أن ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة. ثم أقترب نبوخذناصّر إلى باب أتون النار المتقدة وأجاب فقال يا شدرخ وميشخ وعبد نغو يا عبيد الله العلي أخرجوا وتعالوا. فخرج شدرخ وميشخ وعبد نغو من وسط النار. فاجتمعت المرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوّة على أجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأتي عليهم." كان المفروض أن كلام الفتية الثلاثة يحرك مشاعر نبوخذ نصر القديمة، وإيمانه السابق بأن الله إله الإلهة ومع أنه يعلم حكمة هؤلاء الفتية الثلاثة إلا أن صورته تغيرت، وهذا يحدث مع كل من أسلم نفسه للشيطان فهو يزداد هياجًا أمام كلمات الله. وهو زاد العقوبة عليهم لكن الله تمجد بالأكثر وسط هذه الوحشية لتكون يد الله واضحة في خلاصهم. ولاحظ أن النيران قد أحرقت قيودهم دون أن تحرق ملابسهم وهذا من بركات أي تجربة يسمح بها الله أنها تحررنا من قيود الخطية (راجع أش2:43). وظهور المسيح وسطهم يعني أن الضيقات التي تقع على أولاده تقع عليه هو. هم استهانوا بالنار التي تقتلهم في دقائق فماذا تكون هذه أمام نيران البحيرة المتقدة بالنار وعذابها أبدي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونلاحظ أن طريقة الله أنه لا يخرجنا من التجربة بل يأتي ويسير معنا فيها ويعزينا فتتحول نيرانها لبرودة وآلامها لسلام وفرح بمن يسير معنا. كان للأتون فتحة من أسفل يري منها من في الخارج الفتية الثلاث وهم في النار ومنها خرج الفتية الثلاث. ونلاحظ أنه بعد أن هاج نبوخذ نصر ضد الفتية الثلاث عاد وسماهم عبيد الله العلي. وظهور المسيح معهم هنا هو ظهور وليس تجسد. فالتجسد كان من العذراء مريم. وعجيب أمر الفتية الثلاث فبعد ما احترقت قيودهم لم يخرجوا من الأتون إلا حينما أمرهم الملك فهم في الأتون مع المسيح أكثر فرحًا من وجودهم خارجه في وسط العالم، حيث الجنود والنفوس المملوءة كراهية. الآيات (28-30): "فأجاب نبوخذناصّر وقال تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين أتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم. فمني قد صدر أمر بأن كل شعب وأمة ولسان يتكلمون بالسوء على إله شدرخ وميشخ وعبد نغو فإنهم يصيرون إربًا إربًا وتجعل بيوتهم مزبلة إذ ليس إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا. حينئذ قدم الملك شدرخ وميشخ وعبد نغو في ولاية بابل." بعد هذه القصة عرف الملك لماذا سقطت أورشليم في يده. فهذا كان ليس راجعاً لقوته بل لأن الله أسلمها ليده بسبب خطاياها. ولو كان يهود أورشليم أمناء مثل الثلاثة فتية لأنقذهم الله أيضاً. ولكن مع كل هذا لم يؤمن الملك بالله بل سَّماه إله شدرخ وميشخ (29) ولاحظ أنه أجاب على سؤاله في (15). 30حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ = نلاحظ هنا مبدأ روحي وهو أن وراء كل تجربة يسمح بها الله لأولاده فائدة ، فهنا نجد أن الملك رفع من قدر الفتية الثلاثة بعد التجربة التي حدثت لهم = قَدَّمَ. وروحيا فالله لا يسمح للشيطان بأن يجربنا إلاّ لو هناك فائدة روحية لنا من وراء التجربة (راجع تفسير إصحاح 2أي 20).
    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar the king made an image of gold (Daniel 3:1)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يصنع تمثالا (دانيال 3: 1)
    صلاة الثلاثة فتية في الأتون : وردت في الأسفار القانونية الثانية وهي صلاة رائعة تأتي بعد الآية (23) والكنيسة الأرثوذكسية تسبح بهذه التسبحة يومياً فيما يسمى بالهوس الثالث من تسبحة نصف الليل التي تسبق القداس. وتقرأها الكنيسة أيضاً في ليلة أبوغلمسيس وبالتحديد الجزء الأول من (24-45) والجزء الثاني من (51-90) فهي تسبحة الهوس الثالث وسيأتي تفصيلها فيما بعد.
    دانيال 3، 13، 14 تتمة نبوءة دانيال

    الأسفار القانونية الثانية
    بقية الإصحاح الثالث

    يشمل صلاة الفتية الثلاثة في آتون النار ونلاحظ عناصر صلاتهم:- 1. الاعتراف بالخطية: كان هذا بانسحاق ويقولون أن كل هذا أتى عليهم (السبي/ احتراق أورشليم/ إلقائهم في آتون النار) بسبب خطيتهم وهذا هو قول العشار اللهم ارحمني أنا الخاطئ وهذا ما قاله النبي إرمياء في المراثي فهم لم ينسبوا لله ظلمًا. 2. اللجاجة في الصلاة: لا تخذلنا للانقضاء... اطلبوا تجدوا... 3. الشفاعة: كانوا يصلون قائلين "من أجل إبراهيم وإسحق ويعقوب". 4. الذبائح المقبولة : اقبل ذبائحنا قدامك. يقول بولس الرسول "قدموا أجسادكم ذبائح حيَّة ولكن هؤلاء قدموا أجسادهم ذبائح حقيقية. علينا أن نحسب كل شيء رخيصًا أمام الله". 5. الشكر: لأنه أنقذهم من النار. والكنيسة تضع صلاة الشكر في مقدمة كل صلاة. 6. العهد مع الله: نتبعك الآن من كل قلوبنا. والتوبة هي نوع من العهد مع الله. 7. التمجيد: خليقة الله الجملية (شمس / نجوم..) تمجد الله وشاهدة على عمله وعظمته.
    تسبحة الثلاثة فتية القديسين:

    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar talks to the Israelites (Daniel 3:26)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يتكلم إلى الإسرائيليون (دانيال 3: 26)
    "24 فكانوا يتمشون في وسط اللهيب مسبحين الله ومباركين الرب. 25 ووقف عزريا وصلى هكذا وفتح فاه في وسط النار وقال. 26 مبارك أنت أيها الرب إله آبائنا وحميد واسمك ممجد إلى الدهور. 27 لأنك عادل في جميع ما صنعت وأعمالك كلها صدق وطرقك استقامة وجميع أحكامك حق. 28 وقد أجريت أحكام حق في جميع ما جلبت علينا وعلى مدينة آبائنا المقدسة أورشليم لأنك بالحق والحكم جلبت جميع ذلك لأجل خطايانا. 29 إذ قد خطئنا واثمنا مرتدين عنك وأجرمنا في كل شيء. 30 ولم نسمع لوصاياك ولم نحفظها ولم نعمل بما أوصيتنا لكي يكون لنا خير. 31 فجميع ما جلبت علينا وجميع ما صنعت بنا إنما صنعته بحكم حق. 32 فأسلمتنا إلى أيدي أعداء آثمة وكفرة ذوي بغضاء وملك ظالم شر من كل من على الأرض. 33 والآن ليس لنا أن نفتح أفواهنا فقد صرنا خزيا وعارا لعبيدك والقانتين لك. 34 فلا تخذلنا إلى الانقضاء لأجل اسمك ولا تنقض عهدك. 35 ولا تصرف رحمتك عنا لأجل إبراهيم خليلك واسحق عبدك وإسرائيل قديسك. 36 الذين قلت لهم أنك تكثر نسلهم كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر. 37 لقد جعلنا أيها الرب أقل عددا من كل أمة ونحن اليوم أذلاء في كل الأرض لأجل خطايانا. 38 وليس لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبي ولا قائد ولا محرقة ولا ذبيحة ولا تقدمة ولا بخور ولا موضع لتقريب البواكير أمامك. 39 ولنيل رحمتك ولكن لانسحاق نفوسنا وتواضع أرواحنا اقبلنا. 40 وكمحرقات الكباش والثيران وربوات الحملان السمان هكذا فلتكن ذبيحتنا أمامك اليوم حتى ترضيك فانه لا خزي للمتوكلين عليك. 41 أنا نتبعك الآن بكل قلوبنا ونتقيك ونبتغي وجهك. 42 فلا تخزنا بل عاملنا بحسب رأفتك وكثرة رحمتك. 43 وأنقذنا على حسب عجائبك وأعط المجد لاسمك أيها الرب. 44 وليخجل جميع الذين أروا عبيدك المساوئ وليخزوا ساقطين عن كل اقتدارهم ولتحطم قوتهم. 45 وليعلموا أنك أنت الرب الإله وحدك المجيد في كل المسكونة. 46 ولم يزل خدام الملك الذين القوهم يوقدون الآتون بالنفط والزفت والمشاقة والزرجون. 47 فارتفع اللهيب فوق الآتون تسعا وأربعين ذراعا. 48 وانتشر واحرق الذين صادفهم حول الآتون من الكلدانيين. 49 أما أصحاب عزريا فنزل ملاك الرب إلى داخل الآتون وطرد لهيب النار عن الآتون. 50 وجعل وسط الآتون ريحا ذات ندى تهب فلم تمسهم النار البتة ولم تسؤهم ولم تزعجهم. 51 حينئذ سبح الثلاثة بفم واحد ومجدوا وباركوا الله في الآتون قائلين. 52 مبارك أنت أيها الرب إله آبائنا وحميد ورفيع إلى الدهور ومبارك اسم مجدك القدوس ورفيع إلى الدهور. 53 مبارك أنت في هيكل مجدك القدوس ومسبح وممجد إلى الدهور. 54 مبارك أنت في عرش ملكك ومسبح ورفيع إلى الدهور. 55 مبارك أنت أيها الناظر الأعماق الجالس على الكروبين ومسبح ورفيع إلى الدهور. 56 مبارك أنت في جلد السماء ومسبح وممجد إلى الدهور. 57 باركي الرب يا جميع أعمال الرب سبحي وارفعيه إلى الدهور. 58 باركوا الرب يا ملائكة الرب سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 59 باركي الرب أيتها السماوات سبحي وارفعيه إلى الدهور. 60 باركي الرب يا جميع المياه التي فوق السماء سبحي وارفعيه إلى الدهور. 61 باركي الرب يا جميع جنود الرب سبحي وارفعيه إلى الدهور. 62 باركا الرب أيها الشمس والقمر سبحا وارفعاه إلى الدهور. 63 باركي الرب يا نجوم السماء سبحي وارفعيه إلى الدهور. 64 باركي الرب يا جميع الأمطار والأنداء سبحي وارفعيه إلى الدهور. 65 باركي الرب يا جميع الرياح سبحي وارفعيه إلى الدهور. 66 باركا الرب أيها النار والحر سبحا وارفعاه إلى الدهور. 67 باركا الرب أيها البرد والحر سبحا وارفعاه إلى الدهور. 68 باركا الرب أيها الندى والجليد سبحا وارفعاه إلى الدهور. 69 باركا الرب أيها الجمد والبرد سبحا وارفعاه إلى الدهور. 70 باركا الرب أيها الصقيع والثلج سبحا وارفعاه إلى الدهور. 71 باركا الرب أيها الليل والنهار سبحا وارفعاه إلى الدهور. 72 باركا الرب أيها النور والظلمة سبحا وارفعاه إلى الدهور. 73 باركي الرب أيتها البروق والسحب سبحي وارفعيه إلى الدهور. 74 لتبارك الأرض الرب لتسبح وترفعه إلى الدهور. 75 باركي الرب أيتها الجبال والتلال سبحي وارفعيه إلى الدهور. 76 باركي الرب يا جميع أنبتة الأرض سبحي وارفعيه إلى الدهور. 77 باركي الرب أيتها الينابيع سبحي وارفعيه إلى الدهور. 78 باركي الرب أيتها البحار والأنهار سبحي وارفعيه إلى الدهور. 79 باركي الرب أيتها الحيتان وجميع ما يتحرك في المياه سبحي وارفعيه إلى الدهور. 80 باركي الرب يا جميع طيور السماء سبحي وارفعيه إلى الدهور. 81 باركي الرب يا جميع الوحوش والبهائم سبحي وارفعيه إلى الدهور. 82 باركوا الرب يا بني البشر سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 83 باركوا الرب يا إسرائيل سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 84 باركوا الرب يا كهنة الرب سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 85 باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 86 باركوا الرب يا أرواح ونفوس الصديقين سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 87 باركوا الرب أيها القديسون والمتواضعو القلوب سبحوا وارفعوه إلى الدهور. 88 باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه إلى الدهور لأنه أنقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط آتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار. 89 اعترفوا للرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته. 90 باركوا يا جميع القانتين الرب إله الآلهة سبحوا واعترفوا لأن إلى الأبد رحمته."
    St-Takla.org Image: Everyone came to the dedication of the image which King Nebuchadnezzar had set up (Daniel 3:2-3)صورة في موقع الأنبا تكلا: اجتمع الناس لتدشين التمثال (دانيال 3: 2-3)
    الله يسمح بالتجارب ولا يرفعها عن عبيده وأبنائه، بل يأتي ويعزيهم ويرافقهم وسط الضيقة كما حدث هنا. وفائدة التجارب هي قطع رباطات الخطية وهذا ما حدث للثلاثة فتية هنا، إذ لم تحترق ملابسهم لكن احترقت الأربطة التي كانت تربطهم (دا 25:3) (بحسب نسخة بيروت). وحينما تتقطع الرباطات يسبح الإنسان الله. فعلى أنهار بابل لم يستطيعوا التسبيح إذ مازالوا في العبودية، مربوطين برباطات العبودية (مز1:137-4). ولكن هؤلاء المحررين من الرباطات يرون الله فيسبحونه. والذي يسبح لا يطلب شيء من الله، بل هو فرح بالله وهذا يكفي. لذلك فالتسبيح أرقى درجات الصلاة. ونرى أن عزريا هو الذي بدأ التسبيح (25) ثم سبح الثلاثة بفمٍ واحد (51). وهذا يعني أن تسبيح عزريا أشعل محبتهم لله فامتلأوا بالروح، فنطق الروح على ألسنتهم جميعًا (مز1:45) صارت ألسنتهم قلم واحد لكاتب ماهر واحد هو الروح القدس.
    ونرى من امتلأ بالروح لا ينسب لله ظلمًا ولا عتابًا على ما هو فيه من ألم، بل ينسب الألم لخطاياه هو (28-33). لقد انفتحت عينا مثل هذا الإنسان فرأي الله في محبته، ويراه أنه لا يمكن أن يؤذي أولاده ، ويفهم أن الضربات هي للتأديب، يرى الله في وداعته وعينيه المملوئتين شفقة ومحبة ويتأمل في صفاته فيسبحه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). احتراق الرباطات ينقي القلب، فيرى الإنسان الله (مت8:5) ومن يرى الله يحبه فيسبحه. ويرى أيضًا بشاعة قلبه فيعترف بخطيته (إر9:17). وبهذا يعترف بعدل الله في كل أحكامه. وإن سمح الله بنار تجربة، فسيخرج منها أبناءه بعد أن تحترق رباطاتهم، إذًا هي لتنقية القلب. والله له أدوات يصنع بها هذا، مثل هذا الأتون ومثل الملك الظالم نبوخذ نصر وجيشه. وبعد أن يتم التأديب يؤدب الله الملوك الظالمين (إر50، 51). صرنا عارًا= الوثنيون رأوهم سبايا محتقرين (33).
    والمؤمن وسط التجربة عليه أن لا يكف عن التضرع لله ليخلصه= لا تخذلنا إلى الانقضاء (34) ولا تنقض عهدك= فعدم أمانتنا لن يجعل الله ينقض عهده ويكون غير أمينًا (رو3:3، 4) لأجل إبراهيم خليلك وإسحق عبدك وإسرائيل قديسك (34، 35) هذا النص موجود في قطع صلاة الساعة التاسعة.
    (37) لقد جعلنا أيها الرب أقل عددًا= فلقد ذهب كثيرين إلى السبي (تث62:28)، وبهذا تنبأ لهم موسى.
    (38) ليس لنا نبي ولا..= صاروا بلا عبادة ولا ذبائح ولا هيكل في السبي. والله قطع علاقته معهم. وهم كانوا أصدقاء لدانيال ولكن في هذا الوقت لم يعرفوا دانيال كنبي، فهذا قد ظهر في أواخر أيامه. وأما حزقيال فلقد أخذوه من ضمن سبايا السبي الثاني. وكان دانيال والفتية الثلاث قبله بسنوات في بابل.. ولا محرقة ولا ذبيحة= ولكن تسبحتهم هذه عند الله لهي أفضل من المحرقات والذبائح [(هو2:14) وقد ترجمت عجول شفاهنا في السبعينية "ثمر شفاه معترفة باسمه" وهكذا اقتبسها بولس الرسول في (عب15:132)] والمعنى أن الشفاه المعترفة بإحسانات الله والتي تسبحه لهي أفضل من عجول المحرقات. وما أحلى تسبحة هؤلاء الفتية عند الله وهم وسط تجربة الأتون. والأعداد (41-43) أخذتها الكنيسة لترتل بها في التسبحة اليومية. إنقذنا على حسب عجائبك = وليس على حسب استحقاقنا. ولماذا؟ لتتمجد أنت يا رب = إعط المجد لاسمك أيها الرب.. وليعلموا أنك أنت الرب الإله وحدك (43-45). فلا تخزنا بل عاملنا بحسب رأفتك وكثرة رحمتك (42) هي ما نصلي بها في صلوات القداس (كرحمتك يا رب ولا كخطايانا).
    St-Takla.org Image: The three holy young men get out of the burning fiery furnace (Daniel 3:26-27)صورة في موقع الأنبا تكلا: الثلاثة فتية يخرجون من النار (دانيال 3: 26-27)
    (46) النفط= منتجات البترول. المشاقة= مثل الشعر الذي يمشط من نسيج الصوف. زرجون= هو مادة كحولية تستخدم كخمر وتساعد على الاشتعال.
    نزل ملاك الرب إلى داخل الأتون وطرد لهيب النار عن الأتون= هذه هي طريقة الرب مع أولاده، هو لا يرفع التجربة حتى تؤتي ثمارها، لكنه يأتي ويكون مع أولاده يعزيهم، فهو يعطي مع التجربة المنفذ (1كو13:10) = جعل وسط الأتون ريحًا ذات ندى.
    وفي تسبحة الثلاثة فتية معًا بعد ذلك نراهم يطلبون من الخليقة كلها أن تسبح الله والمعنى أن الخليقة حتى الجامدة منها تعلن مجد الله وقدرته وعظمته. وهذا رد من الفتية على نبوخذ نصر الذي اعتبر تمثاله الذهبي إلهًا.

  5. #5
    الاصحاح الرابع
    سنة 571 ق.م. في الإصحاح السابق رأينا مقاومة العالم لملكوت الله وهنا نرى الله هو ملك الملوك ورب الأرباب وضابط الكل. والكل خاضع له. نجد هنا قصة نبوخذ نصر عن نفسه ضمنها دانيال في كتابه. وهنا نرى كيف تعامل الله مع الملك بطرق متعددة حتى يؤمن، فأراه حلم التمثال وأظهر له حكمة دانيال وجهل أوثانه، ثم أظهر له قوته في حادثة الثلاثة فتية. ولكن مازال قلبه مرتفعًا ومازال مؤلِّهًا نفسه وهنا الله يحاول تحذيره من عواقب هذه السقطة الشيطانية أي الكبرياء وهي التي سقط فيها الشيطان. ومازال يُسْقِطْ بها كل البشر. والله استخدم حلمًا آخر ليدعوه للتواضع ولما لم يستجب ضربه وأدبه فآمن وتواضع. الآيات (1-3): "من نبوخذناصّر الملك إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها ليكثر سلامكم. الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي أن أخبر بها. آياته ما أعظمها وعجائبه ما أقواها.ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلهه دور فدور." لم يستفد الملك من الحلم واستمر في ارتفاع قلبه وهنا لجأ الله للأسلوب الأعنف، فتحقق وعيد الله ونفذ الإنذار الذي كان قد سبق وأنذر به الملك وقد جُنَّ الملك فعلًا وبعد أن شفى كتب هذه الكلمات التي تُعبِّر عن توبته وشفائه الروحي. وهذا هو أسلوب الله دائمًا فهو الذي أرسل أرمياء منذرًا بخراب أورشليم إن لم تتب ثم نفذ تهديده. وبعد أن عاد الشعب من السبي كان قد شفى تمامًا من العبادة الوثنية التي بسببها ذهب إلى السبي. وهنا شعر الملك بسلطان الله وسيادته على كل الناس. هو استفاد من الدرس وأراد أن يفيد شعبه به فكتب الحادثة وسجلها واعترف بخطيته علنًا. ويعترف هنا بملكوت الله الأبدي بينما عرف أن مملكته ستزول. إلى دور فدور أي من جيل إلى جيل ولغة هذه التسبحة تميل للفكر الكتابي وهذا يظهر تأثير دانيال على الملك الوثني.
    St-Takla.org Image: A huge tree with birds nesting in it, from St-Takla.org's journey to Ethiopia, 2008 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008صورة في موقع الأنبا تكلا: شجرة ضخمة تأوي الطيور، من رحلة موقع الأنبا تكلا لإثيوبيا عام 2008 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا، إبريل - يونيو 2008
    الآيات (4-18): "أن نبوخذناصّر قد كنت مطمئنًا في بيتي وناضرًا في قصري. رأيت حلمًا فروّعني والأفكار على فراشي ورؤى رأسي أفزعتني. فصدر مني أمر بإحضار جميع حكماء بابل قدامي ليعرفوني بتعبير الحلم. حينئذ حضر المجوس والسحرة والكلدانيون والمنجمون وقصصت الحلم عليهم فلم يعرفوني بتعبيره. أخيرًا دخل قدامي دانيال الذي اسمه بلطشاصر كاسم إلهي والذي فيه روح الآلهة القدوسين فقصصت الحلم قدامه. يا بلطشاصر كبير المجوس من حيث أنى أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سرّ فأخبرني برؤى حلمي الذي رأيته وبتعبيره. فرؤى رأسي على فراشي هي أني كنت أرى فإذا بشجرة في وسط الأرض وطولها عظيم. فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها إلهه السماء ومنظرها إلى أقصى كل الأرض. أوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر. كنت أرى في رؤى رأسي على فراشي وإذا بساهر وقدوس نزل من السماء. فصرخ بشدة وقال هكذا.اقطعوا الشجرة وأقضبوا أغصانها وانثروا أوراقها وابذروا ثمرها ليهرب الحيوان من تحتها والطيور من أغصانها. ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع الحيوان في عشب الحقل. ليتغيّر قلبه عن الإنسانية وليعط قلب حيوان ولتمضي عليه سبعة أزمنة. هذا الأمر بقضاء الساهرين والحكم بكلمة القدوسين لكي تعلم الأحياء أن العلي متسلط في مملكة الناس فيعطيها من يشاء وينصب عليها أدنى الناس. هذا الحلم رأيته أنا نبوخذناصّر الملك.أما أنت يا بلطشاصر فبيّن تعبيره لأن كل حكماء مملكتي لا يستطيعون أن يعرفوني بالتعبير.أما أنت فتستطيع لأن فيك روح الآلهة القدوسين." في (4) كان الملك ناضراً = أي مزدهراً فالله أعطاه الإنذار وهو بعد في كامل عقله وسلطانه بعد أن انتهى من كل حروبه وبالذات مع مصر وكان في السنة 34 أو 35 لحكمه. وهذا الحكم الإلهي تحقق بعد سنة من تاريخ الإنذار بالحلم، فالله يطيل أناته. وتم تنفيذ الإنذار وجُنَّ الملك لمدة 7 سنوات ثم شفى لمدة سنتين كتب فيهما هذه القصة ثم مات في السنة 45 له. وفي (5) روعنى = هذا الذي لم يخشى إنساناً ولا حرباً رَوَّعَه حلم لأنه من قبل الله. وفي (7) السحرة = وظيفتهم عمل الرقيات والتعاويذ وكتابات السحر وذلك عن طريق علاقاتهم بالأرواح الشريرة. والمنجمون أو العرافون = هؤلاء يدعون المعرفة عن طريق الأرواح الشريرة أيضاً ويدعون معرفة الغيب (كمن يقرأ الفنجان الآن) والمجوس = هؤلاء يَدَّعون معرفة المستقبل بقراءة النجوم ورصد حركاتها. وهم يعبدون النجوم ويؤمنون بأنها تسيطر على الإنسان. والكلدانيون هم كهنة الأوثان. وكل هؤلاء فشلوا في تفسير الحلم مع أنهم في أعين الناس حكماء (6) . ونجد شبهاً لهذا الحلم في حزقيال (3:31) . وكانت الشجرة هناك هي ملك أشور ولكن حكماء بابل لم يعرفوا هذا.
    أخيرًا دخل قدامي دانيال = هذه عادة كثيرين حتى الآن أن يجعلوا اللجوء لله آخر محاولاتهم بعد يأسهم من البشر. وحتى هذه اللحظة كان الملك يسمى بيل إلهه ولكن هذا تغيرَّ بعد الدرس (1:4-3)
    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar confused by a second dream (Daniel 4:1-7)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يضطرب في الحلم (دانيال 4: 1-7)
    الحلم:

    كان البابليون يعبدون شجرة ووجد في معابدهم رسومات لشجرة يقدسونها ويرتلون لها في عبادتهم. وغالبًا فهي شجرة معرفة الخير والشر، أو شيء يرمز لها. وقد وصلت القصة لهم عبر الأجيال فعبدوا الشجرة وتركوا الله. ولاحظ أن الملك كان متأثرًا بالتسابيح التي تقدم في المعابد. كان يسمعها دائمًا كلما ذهب ليصلي.
    نبوخذ نصر البناء الملكي مشبه بشجرة:

    أحد أعمال هذا الملك العظيم، الحدائق المعلقة (أحد عجائب الدنيا السبع) وكانت على شكل جبل من أجل أن يرضي زوجته التي من مادي ويعوضها عن مناظر الجبال في بلادها وكانت هذه الحدائق تروي بواسطة آلات هيدروليكية لرفع المياه اخترعها نبوخذ نصر(اكتشاف أثري). وقام هذا الملك ببناء العديد من القصور والقلاع والهياكل وشق القنوات. والتعمير الذي قام به يجعله من عظماء أن لم يكن أعظم بناء في العالم. ويبدو أن منظر بابل من فوق قصره كان رائعًا، وقد دفعه هذا للغرور ثم للجنون. وقد وجد في النقوشات الأثرية تقريبًا نفس كلمات هذا الإصحاح. وكانت بابل التي بناها نبوخذ نصر عظيمة تحوى داخل أسوارها المنيعة العجيبة شعب بابل تحت حماية الملك كأنه شجرة يستظلون بها (10:4). وكان لهذا الملك علاقة خاصة بالأشجار، فأينما ذهب لحروبه كان يجمع الأشجار لبناء هياكل آلهته وبعد أن استقرت المملكة وانتهت الحروب استغل الملك السبايا في بناء بابل العظيمة. وجمع في مخازنها كميات هائلة من الحبوب. وُوجِد في النقوشات الأثرية "أنني جمعت كل الرجال في سلام وزمن حكمي هو زمن رخاء أنا صنعته" فوصف الشجرة يتفق مع أفكار نبوخذ نصر عن نفسه بأنه هو الذي وفر الرخاء لشعبه ولغيره من البشر الذين جمعهم تحته أو تحت ظله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهو كما كان مولع بجمع الذهب لآلهته كان مولعًا بأشجار الأرز العالية يأتي بها من لبنان لمعابد آلهته حتى أنه سمَّى لبنان جبل الأرز "غابة مرودخ الفخمة " وكان يتغنى بجمال وروعة الأرز. ووجد في النقوشات الأثرية قوله "أنا قطعت الأرز بيدي الطاهرتين أو النقيتين" وهذا تعبير ديني المقصود به أن الملك قطع بنفسه شجرة الأرز بعد أن تطهر ليبني به هيكل مرودخ. ولا توجد شجرة تعطى ظلًا وحماية كشجرة الأرز لذلك فهي تؤخذ كتشبيه للحكومة القوية التي تحمي مواطنيها. ولاحظ التشبيه فشجرة الأرز تمتد فروعها أفقيًا وهذه الممالك امتدت بطول الأرض (أشور وبابل..) ووجد في النقوشات قول نبوخذ نصر عن بابل حبيبته "تحت ظلها الأبدي جمعت كل البشر في سلام وقد جمعت وخزنت فيها كميات هائلة من الحبوب" وواضح أن ما قيل في هذا الإصحاح هو نفس ما وُجِد منقوشًا في الآثار وقد تكون الشجرة التي حلم بها الملك أرزة كبيرة لكنها ذات ثمار وورق كبير لهذه الأسباب أنزعج الملك من الحلم فالشجرة مقدسة بالنسبة له. وهو شعر بأن هناك خطر قادم عليه.
    St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar talks about his second dream (Daniel 4:8-17)صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يحكى الحلم (دانيال 4: 8-17)
    وفي (10) شجرة وسط الأرض = كانت بابل قد أصبحت مركزًا لهذه الإمبراطورية الكبيرة وطولها عظيم = تشير لمركز الملك العالي. ومنظرها إلى أقصى الأرض. (11) إشارة لأن قوة نبوخذ نصر كانت حديث كل الأمم، الكل عينهم عليها إما عن إعجاب أو عن حسد. وفي (12) أوراقها جميلة = تشير لبهاء وعظمة بلاطه وحكومته وجيشه. وثمرها كثير = الخير فيها كثير، وهي ليست منظرًا فقط بل تحمي من حولها وتعولهم. (هكذا خلق الله الإنسان جميلًا ناضرًا مثمرًا لكن سقوطه في الكبرياء أذله وغيَّر صورته الجميلة) وأنظر فالله أعطى لهذه الدولة الخير والسلام ففيها الحيوان والطير في سلام والإنسان يشبع من كثرة الخيرات. ولكن خطية الكبرياء تخرب كل شيء. وفي آية (13) ساهر قدوس فالملائكة لا تنعس ولا تنام بل هي ساهرة على تنفيذ أوامر الله (الله يكلم الملك البابلي باللغة التي يفهمها فهم كانوا يعتقدون في بابل أن هناك كائنات سماوية تدين أعمال البشر وتقرر مصيرهم). والملك كان يذكر كلمة كلمة من هذا الحلم المفزع والذي فيه رأي الحيوان والطير تهرب من تحت هذه الشجرة. ولنلاحظ فإن الازدهار العالمي هو شيء مؤقت وليس ثابتًا. أتركوا ساق أصلها = هذا يعني أن هناك أمل في عودته، إذًا هي ضربة تأديب لكسر كبريائه كما قال بولس الرسول "أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1كو5:5). وسيربط بقيود حديد ونحاس = حتى لا يهلك نفسه أو غيره في أثناء جنونه. وقد وجد في الآثار من هذا العصر سبائك نحاسية تحيط بالحديد. والملاك فسر للملك معني الحلم (16، 17) فمن وضع في قلبه أن يرتفع مثل الله (حز 28: 2) يخفضه الله وينزع عنه قلب الإنسان ويُعطَي قلب حيوان. بقضاء الساهرين = كما قلنا فهذا ما يؤمن به نبوخذ نصر، أن هناك كائنات سماوية تقرر مصير البشر. لكن عمومًا فالله هو الذي يقضى والملائكة يقروا ويؤيدوا ويستحسنوا قضاء الله. الله لا يحتاج لموافقة أحد. ولكن القديسين من الملائكة ومن البشر يجدون راحتهم في قرارات الله، بل نحن نصلي "لتكن مشيئتك" وكلما ازدادت قداسة إنسان نجده لا يختلف مع الله في شيء = والحكم بكلمة القدوسين = القدوسين أي الملائكة الذين ينفذون حكم الله، وقد تعنى أيضاً أي شعب الله الذين أضيروا من كبرياء وتعنت الملك، هم بالتأكيد سيوافقون الله علي حكمه. وفي (17) ينصب عليها أدني الناس = فالله أقام داود على مملكته وهو راع للغنم والصغير في إخوته وواضح من (16) أن الشجرة تشير لشخص إذ يقول = ليتغير قلبه عن الإنسانية.
    St-Takla.org Image: Daniel interprets the second dream (Daniel 4:18-23)صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال يفسر الحلم (دانيال 4: 18-23)
    الآيات (19-27): "حينئذ تحيّر دانيال الذي اسمه بلطشاصر ساعة واحدة وأفزعته أفكاره.أجاب الملك وقال يا بلطشاصر لا يفزعك الحلم ولا تعبيره. فأجاب بلطشاصر وقال يا سيدي الحلم لمبغضيك وتعبيره لأعاديك. الشجرة التي رأيتها التي كبرت وقويت وبلغ علوها إلهه السماء ومنظرها إلهه كل الأرض.وأوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها سكن حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء. إنما هي أنت يا أيها الملك الذي كبرت وتقويت وعظمتك قد زادت وبلغت إلى السماء وسلطانك إلهه أقصى الأرض. وحيث رأى الملك ساهرًا وقدوسًا نزل من السماء وقال اقطعوا الشجرة وأهلكوها ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع حيوان البر حتى تمضي عليه سبعة أزمنة. فهذا هو التعبير أيها الملك وهذا هو قضاء العلي الذي يأتي على سيدي الملك. يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء. وحيث أمروا بترك ساق أصول الشجرة فان مملكتك تثبت لك عندما تعلم أن السماء سلطان. لذلك أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك." تحير دانيال = من القرار الصعب الصادر ضد الملك العظيم. وكيف يخبره بهذه الأخبار السيئة وهو الذي أحبه وأحسن إليه، وشجعه الملك وأجاب دانيال بكلام لطيف = الحلم لمبغضيك = فهو يتمنى له الخير، لكن أمنياته شيء وقرار الله شيء آخر. وقول الملك لا يفزعك الحلم = تعني إما أنه يريد أن يعرف بأمانة أو غير مهتم بما سيقال. ولأنه لم ينفذ رأي دانيال ولم يستمع لمشورته (27) فالأرجح هو الرأي الثاني. ودانيال أعطي نصيحة للملك بالتوبة، فالتوبة وحدها تنقذنا من الشرور. سبعة أزمنة = 7 سنين. ساعة واحدة (19) = أي مدة قصيرة من الزمن. ولنلاحظ أن دانيال لم يكره الملك بالرغم من شره واضطهاده لشعبه، فأولاد الله لا يكرهون الخطاة بل يكرهون الخطية. ونصيحة دانيال للملك تشمل التوبة السلبية = فارق خطاياك وفيها التوبة الإيجابية = بالبر والرحمة للمساكين. ولو كان نبوخذ نصر قد فعل لارتد حمو غضب الله عنه كما حدث مع نينوى. الآيات (28-33): "كل هذا جاء على نبوخذناصّر الملك. عند نهاية اثني عشر شهرًا كان يتمشى على قصر مملكة بابل. وأجاب الملك فقال أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي. والكلمة بعد بفم الملك وقع صوت من السماء قائلًا لك يقولون يا نبوخذناصّر الملك أن الملك قد زال عنك. ويطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس وانه يعطيها من يشاء. في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد من بين الناس وأكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره مثل النسور وأظفاره مثل الطيور."
    St-Takla.org Image: Daniel advises king Nebuchadnezzar (Daniel 4:24-27)صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال ينصح الملك (دانيال 4: 24-27)
    الله أعطاه الإنذار ودانيال أعطاه النصيحة. ثم أمهله الله سنة لعله يتوب ولكنه مثل كثيرين يميلون أن ينسبوا العظمة لهم وليس لله. وصدر الحكم من السماء فحين تصوَّر أنه ليست قوة قادرة أن تأخذ منه شيء حُرِمَ حتى من كرامته كإنسان، وفقد عقله وأصيب بمرض يسمى ليكانثروبي وهو يجعل الإنسان يتصور نفسه حيوانًا ويقال مرض الاستذئاب (يتصور المريض نفسه ذئبًا) ويفضل المريض أن يسكن مع الحيوانات. حقا فالله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة. وغالبًا فلقد ملك ابن نبوخذ نصر وهو أويل مردوخ مكانه في فترة جنونه هذه. الآيات (34-37): "وعند انتهاء الأيام أن نبوخذناصّر رفعت عينيّ إلى السماء فرجع إليّ عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد الذي سلطانه سلطان أبدي وملكوته إلى دور فدور. وحسبت جميع سكان الأرض كلا شيء وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل. في ذلك الوقت رجع إليّ عقلي وعاد إليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي وطلبني مشيريّ وعظمائي وتثبّت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة. فالآن أن نبوخذناصّر أسبح وأعظم وأحمد ملك السماء الذي كل أعماله حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذلّه." هو شفى لأنه نظر للسماء = رفعت عيني إلى السماء. فالنظر للسماء وليس إلى الأرض هو الذي يشفى، أو تحول النظرة من الإعجاب بالذات إلى الله وهذه هي التوبة والشفاء من الجنون. وهو نظر للسماء كتائب متواضع وبتقوى طالبًا الرحمة. وهو شفى حينما عرف أن الله هو وحده الذي يحكم فنظر إليه فشفاه تحقيقًا للآية (26) وحينما عاد له عقله سبح الله به، فلنسبح الله علي كل ما أعطانا. ما أعظم مراحمك يا رب فعقوبة هذا الإنسان كانت سببًا في خلاصه، وهذا الوثني أنهي حياته مؤمنًا بالله.

  6. #6
    الاصحاح الخامس
    سنه 536 ق.م. في الإصحاح السابق رأينا الله ينذر ويؤدب نبوخذ نصر ليرتد عن كبريائه، وأنه خضع لله فشفى وخلص. وهنا نرى أن من يستخف بإنذارات الله يهلك. نجد هنا قصة الليلة الأخيرة لمملكة بابل. وقبل هذه الليلة بعامين هزم كورش جيش بابل فإحتمي البابليون بأسوارهم حتى هذه الليلة التي سكروا فيها في حفلة ضخمة أكمل بها الملك خطاياه. الآيات (1-9): "بيلشاصّر الملك صنع وليمة عظيمة لعظمائه الألف وشرب خمرًا قدام الألف. وإذ كان بيلشاصر يذوق الخمر أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذناصّر أبوه من الهيكل الذي في أورشليم ليشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. حينئذ أحضروا آنية الذهب التي أخرجت من هيكل بيت الله الذي في أورشليم وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر. في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت بإزاء النبراس على مكلس حائط قصر الملك والملك ينظر طرف اليد الكاتبة. حينئذ تغيّرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره وانحلّت خرز حقويه واصطكت ركبتاه. فصرخ الملك بشدة لإدخال السحرة والكلدانيين والمنجمين.فأجاب الملك وقال لحكماء بابل أي رجل يقرأ هذه الكتابة ويبيّن لي تفسيرها فإنه يلبّس الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقه ويتسلط ثالثًا في المملكة. ثم دخل كل حكماء الملك فلم يستطيعوا أن يقرأوا الكتابة ولا أن يعرّفوا الملك بتفسيرها. ففزع الملك بيلشاصر جدًا وتغيّرت فيه هيئته واضطرب عظماؤه."
    St-Takla.org Image: Banquet of king Nebuchadnezzar (Daniel 5:11)صورة في موقع الأنبا تكلا: وليمة بيلشاصر (دانيال 5: 11)
    كما ذكر في المقدمة فقد ترك نبونيدس الحرب وإدارة شئون المملكة لابنه بيلشاصر الذي كان ينتسب عن طريق أمه لنبوخذ نصر (كان نبوخذ نصر جده) وقد وجد في النقوش الأثرية كتابة لبيلشاصر "أما مرودخ ونرجل وأبى (أي نبونيدس) فماذا صنعوا. لقد كانوا ملوكا بالاسم فقط ولم يكن بينهم من هو جدير بأن يكون سليل نبوخذ نصر". ولكن بيلشاصر لم يشابه جده سوى في جنون العظمة. ويضاف لسقطاته جنونه بالولائم والسكر. وهذه الحفلة المذكورة هنا حضرها 1000، وهذا يدل على حجم هذه الحفلة وكانوا غالبًا من القادة رجال الحرب. وظهور الملك أمامهم ليشرب خمرًا فيه كرامة لهم فالملوك لا يظهرون إلا نادرًا. وفي (1) شرب خمرًا قدام = اتضح أن الملك في هذه الولائم كان يجلس مرتفعًا عن مدعويه. وهذا القول يشير لدقة الكتاب. وهو هزأ بآنية الله المقدسة ولكن بسبب هذا أرعبه الله. فالله أعطاه إنذاراً أولًاً بهزيمته أمام كورش ثم بالحصار لعله يتوب (كما تاب أبوه نبوخذ نصر) ولكنه ازداد في خطاياه وكبريائه. وليعلم أن كل من يهزأ بمقدسات الله، أن الله لا يشمخ عليه. وفي (5) في تلك الساعة = إذاً سقوط بابل كان بسبب هذا الاستهزاء بآنية بيت الرب. وآنية الله المقدسة هي أجسادنا التي هي هياكل لله "ومن يفسد هيكل الله يفسده الله" (1كو17:3+ 2تي20:2، 21) (بيلشاصر هذا يرمز للشيطان الذي تملك على البشر الذين هم آنية بيت الله لزمن ما. وكما ضرب الله بيلشاصر لإستهزائه بالآنية، سينتقم من الشيطان لأنه إستهزأ بأولاده وتسبب في موتهم وهلاكهم). وكورش يرمز للمسيح الذي حررنا ليبنى هيكله أي كنيسته (عزرا 1) ولزيادة السخرية فهم شربوا في آنية الله المقدسة وسبحوا آلهة الذهب والفضة. وهذا الفرح الخاطئ زاد في قساوة قلوبهم. ويد الله التي كتبت الوصايا العشر تكتب الآن قراراً ضدهم بسبب خطاياهم. ولم يرعبهم الله ببروق أو رعود بل بكلمات مكتوبة. وكتاب الله المقدس هو ما كتبته يد الله فلنرتعب منه. ومن شاركوا الملك حفلته الماجنة شاركوه رعبه. والله وضع حجاباً على عيون حكمائه حتى لا يفهم الكتابة سوى دانيال الذي كان غالباً مبعداً عن مجلس الملك من بعد موت نبوخذ نصر. وقد سمع كورش بأخبار هذه الحفلة واستغل حالتهم وسكرهم وهاجم بابل وخربها كما تنبأ إشعياء (21: 1-5) أنهم يهلكون بيد مادي وفارس ليلة لذتهم وأكلهم وشربهم.
    الآيات (10-29): "إلى الملكة فلسبب كلام الملك وعظمائه دخلت بيت الوليمة فأجابت الملكة وقالت أيها الملك عش إلى الأبد.لا تفزعك أفكارك ولا تتغيّر هيئتك. يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين وفي أيام أبيك وجدت فيه نيّرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة والملك نبوخذناصّر أبوك جعله كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين. أبوك الملك. من حيث أن روحًا فاضلة ومعرفة وفطنة وتعبير الأحلام وتبيين ألغاز وحلّ عقد وجدت في دانيال هذا الذي سماه الملك بلطشاصر.فليدع الآن دانيال فيبيّن التفسير. حينئذ أدخل دانيال إلى قدام الملك.فأجاب الملك وقال لدانيال أأنت هو دانيال من بني سبي يهوذا الذي جلبه أبي الملك من يهوذا. قد سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأن فيك نيّرة وفطنة وحكمة فاضلة. والآن أدخل قدامي الحكماء والسحرة ليقرأوا هذه الكتابة ويعرّفوني بتفسيرها فلم يستطيعوا أن يبيّنوا تفسير الكلام. وأنا قد سمعت عنك أنك تستطيع أن تفسر تفسيرًا وتحل عقدًا. فإن استطعت الآن أن تقرأ الكتابة وتعرّفني بتفسيرها فتلبّس الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقك وتتسلط ثالثًا في المملكة. فأجاب دانيال وقال قدام الملك. لتكن عطاياك لنفسك وهب هباتك لغيري.لكني اقرأ الكتابة للملك وأعرّفه بالتفسير. أنت أيها الملك فالله العلي أعطى أباك نبوخذناصّر ملكوتًا وعظمة وجلالًا وبهاء. وللعظمة التي أعطاه إياها كانت ترتعد وتفزع قدامه جميع الشعوب والأمم والألسنة. فايّا شاء قتل وايّا شاء استحيا وايّا شاء رفع وايّا شاء وضع. فلما ارتفع قلبه وقست روحه تجبّرًا انحط عن كرسي ملكه ونزعوا عنه جلاله. وطرد من بين الناس وتساوي قلبه بالحيوان وكانت سكناه مع الحمير الوحشية فأطعموه العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى علم أن الله العلي سلطان في مملكة الناس وأنه يقيم عليها من يشاء. وأنت يا بيلشاصر ابنه لم تضع قلبك مع أنك عرفت كل هذا. بل تعظمت على رب السماء فأحضروا قدامك آنية بيته وأنت وعظمائك وزوجاتك وسراريك شربتم بها الخمر وسبّحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف.إما الله الذي بيده نسمتك وله كل طرقك فلم تمجده. حينئذ أرسل من قبله طرف اليد فكتبت هذه الكتابة. وهذه هي الكتابة التي سطّرت.منا منا تقيل وفرسين. وهذا تفسير الكلام منا أحصى الله ملكوتك وأنهاه. تقيل وزنت بالموازين فوجدت ناقصًا. فرس قسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس. حينئذ أمر بيلشاصر أن يلبّسوا دانيال الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقه وينادوا عليه أنه يكون متسلطًا ثالثًا في المملكة."
    St-Takla.org Image: Gold and silver vessels in front of king Nebuchadnezzar (Daniel 5:2-3)صورة في موقع الأنبا تكلا: آنية الذهب والفضة أمام الملك (دانيال 5: 2-3)
    غالباً الملكة هي نيتوكريس أرملة أبيل مرودخ التي ذكرها هيرودتس وقال عنها أنها كانت حكيمة جدًاً حكمة غير عادية وهي لم تحضر هذه الحفلة الصاخبة لسنها ومركزها. وهي تكلمت عن دانيال بمنتهى الاحترام في حدود ما تسمح به تقاليد بلادها. وقولها أبوك الملك. وتكرار كلمة أبوك كانت لتذكر هذا المغرور بأن الخير الذي فيه راجع لأبيه وليس لنفسه (الجد يطلق عليه أب) . ونلاحظ تمسك دانيال بإسمه حتى أن الملكة استخدمت الإسمين (12). وواضح أن دانيال كان مازال من ضمن رجال القصر، ولكن لكل ملك بطانته فيبدو أنه كان مبعداً، ولكن الله يظهره الآن وفي هذه الليلة بالذات ليكون له دور في المملكة القادمة. وكان دانيال الآن يناهز التسعين عمراً. ولاحظ عجرفة الملك في سؤاله لدانيال أأنت هو دانيال . ولكي يُحقِّر من شأنه يقول من بنى سبى يهوذا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان رد دانيال على الملك جريئاً جدًاً وإحتقر عطاياه فهو يرى نهاية مملكته فكيف يفرح بعطاياه. والسؤال لنا هل نفرح نحن بعطايا هذا العالم الفاني، ولكنه على أي حال قام بواجبه دون أن ينتظر مكافآت. وبدأ دانيال يشرح للملك كيف تعامل الله مع أبيه. وهذا كان ضرورياً كمدخل لكلامه عن بيلشاصر. وشرح دانيال أن الله أعطى نبوخذ نصر مجداً لم يسبق أن أخذه ملك من قبل ولكنه حين نسب هذا المجد لنفسه سقط. وخطية بيلشاصر أكبر لأنه رأى ما حدث لجده ولم يتعظ وإن كان نبوخذ نصر قد أخذ آنية بيت الرب دون أن يعرف قداستها فإن بيلشاصر كان يعرف قداستها لذلك فخطيته أعظم. ونبوخذ نصر عرف الله وآمن به إلا أن بيلشاصر تحدى الله وسبح آلهة الذهب والفضة.. ولم يمجد الله الذي بيده كل طرقه (23). والله كان قد أعلن نفسه لأبيه من قبل.
    منا منا تقيل وفرسين מנא ,מנא, תקל, ופרסין

    Mene, Mene, Tekel u-Pharsin هذه هي الكلمات التي كتبت على الحائط ففزع الملك فهو عرف أن فيها مصيره فالبابليون يعتقدون أن قرارات الآلهة ضدهم تسجل في السماء على ألواح المصير أو القدر. والكلمات التي كتبت كانت بالأرامية اللغة المكتوب بها هذا الجزء من السفر. وكانت الحروف مكتوبة بدون نقط فكان يمكن قراءتها بعدة طرق وهي: 1. أنها أسماء عملات بالآرامية أو أسماء لأوزان فالأوزان كانت تحل محل العملات الآن. وعلى هذا تفهم هكذا. المنا= هو أكبر عملة. والشيكل = منا. وهناك نصف المنا ويسمى أوفارسين Upharsin وبهذا تقرأ الكلمات هكذا:
    St-Takla.org Image: King Nebuchadnezzar drinks from the vessels (Daniel 5:4)صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك يشرب من الآنية (دانيال 5: 4)
    منا منا شيكل ونصف منا. والغريب الذي لا بُد وقد لاحظه دانيال أن التدرج ليس منتظمًا فهو يبدأ بأكبر عملة ويليها أصغر عملة ثم عملة أكبر كأننا نقول (جنيه وقرش صاغ ونصف جنيه) مع ملاحظة أن الحرف "شا" في البابلية هو الحرف "ت" في الآرامية فتكون شيكل = تقيل. 2. الطريقة الثانية التي تعامل بها دانيال مع هذه الكلمات أنها ثلاثة أفعال آرامية هي: مانو = حسبت Mumbered شكالو = وزنت باراسو = قسمت وفي هذا التفسير نجد حرف U قد تعامل معه دانيال على أنه حرف عطف = "و" ورأى دانيال أن معنى اختفاء اليد التي كتبت وتكرار كلمة منا مرتين أن القرار نهائي لا رجعة فيه. وحسب الطريقة الثانية يكون المعنى حسبت حسبت ووزنت وقسمت. ونضع التفسير في جدول لنرى المعنى:- حسب الرؤية الأولى = وجد دانيال هبوط مفاجئ في العملات فالترتيب الطبيعي أن يقال مانا ثم أو فارسين ثم تقيل أي الأكبر فالأصغر فالصغير.
    الرؤية الأولى للكلمات
    تفسير دانيال للكلمات على أنها عملات أو أوزان
    MANA منا (أكبر عملة) TEKIL شيكل (أصغر عملة) = 16/1 منا Upharsin أو فارسين هي عملة قيمتها = 2/1 منا
    الرؤية الثانية للكلمات
    تفسير دانيال للكلمات على أنها أفعال أرامية
    مانو = فعل أرامي بمعني حسبت شاكالو = فعل أرامي بمعنى وزنت باراسو = فعل أرامي بمعنى قسمت
    وهو فهم هذا بأن الملك وزن فوجد ناقصًا أو أنه قد حدث له هبوط عند تقييمه.
    St-Takla.org Image: The writing on the wall (Daniel 5:5-6)صورة في موقع الأنبا تكلا: الكتابة على حائط قصر الملك (دانيال 5: 5-6)
    وحسب الرؤية الثانية = فهو قسم كلمة Upharsin إلي U + Pharsin و" U " هي حرف عطف بمعنى "و" ومعنى Pharsin تقسيم المملكة على مادي وفارس فهو فهم أن فارسين أي مضاعف كلمة فارس كما نقول (مصر ومَصْرَين) هو فهم هذا لأن معنى الكلمة يشير للتقسيم. وراجع آية (28) تجد أن دانيال نطقها فرس = قسمت بمعني أنه نطقها بالمفرد، كما نقول مصر بالمفرد ومصرين بالمثنى، ففهم من هذا أنها قسمت على شقى مملكة فارس وهما مادي وفارس والمعنى أن الله لم يحكم على هذا الملك إلا بعد أن وجده ناقصاً لشروره وآثامه وكبريائه. وهذه الكلمات تعنى لكل خاطئ أنه بالموازين الإلهية يستحق الموت والجحيم. فبالموت أيام الخاطئ تحصي وتنتهي، وقضاء الله بعد الموت سيُقَيِّم أعمال كل خاطئ. ولهذا أي لخطاياه سيسلم للجحيم.
    وهنا نجد أن دانيال لم يعطى أي نصائح لبيلشاصر فهو وجد أن الأمر نهائي لا رجعة فيه، مع أنه كان قد أعطى نصيحة بالتوبة لنبوخذ نصر. ولم يرفض عطايا الملك واعتبرها تكريمًا لله الذي أعطاه هذه الحكمة وليس لشخصه. ملاحظات: كان بيلشاصر شابًا صغيرًا في القصر حين مات نبوخذ نصر أي أنه عاش أحداث جنون الملك وعرف السبب لذلك فدانيال قد ذكره بها وأصبحت مسئوليته أكبر. وقد سبق حبقوق وتنبأ بولع البابليين بالخمر (2: 5) وبأنهم بنوا مدينتهم بدماء السبايا (11:2-13). الآيات (30، 31): "في تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين. فأخذ المملكة داريوس المادي وهو ابن اثنتين وستين سنة." في هذه الليلة =أي الليلة التي فرح فيها الملك بالخمر وأخذ كورش فيها بابل بمفاجأة .فالموت يأتي فجأة لمن قلوبهم في سكر لاهية عن حياتهم الأبدية. وكان هلاك بابل في ليلة لذة كما قال إشعياء (21: 4، 5) وتم تقسيم بابل وأخذها داريوس خال كورش فهم شركاء في الحرب والانتصار والسيادة. وهذا كان تحقيقًا لكلام دانيال (6: 28) ووقت أن تولى داريوس كان عمره 62 سنه. وإذا علمنا أن السبي كانت مدته 70 سنة، وقد تم على مراحل آخرها كان قبل سقوط بابل بخمسين سنة، وفي هذه المرحلة الأخيرة تم تدمير أورشليم نهائيًا وتدمير الهيكل. إذًا فعند تدمير أورشليم والهيكل وسبى الشعب الأخير إلى بابل كان عمر داريوس 12 سنه وكان الله يعده ويعد كورش في ذلك الوقت ليحرروا الشعب ويبنوا الهيكل بعد أن تنتهي فترة التأديب ويشفى الشعب من وثنيته، فالله يعطى مع التجربة المنفذ. وكانت هذه الحادثة سببًا في حصول دانيال على مركزًا ساميًا في مملكة فارس، فقطعًا سمع كورش وسمع داريوس الذي مَلَّكه كورش على بابل بنبوة دانيال في هذه الليلة وسمعوا بحكمته. وسمو مركز دانيال في مملكة فارس سنسمع عنه في الإصحاح التالي.
    St-Takla.org Image: The king calls for the wise men (Daniel 5:7-9)صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك ينادى الحكماء (دانيال 5: 7-9)
    أسوار بابل كانت منيعة جدًا لذلك ظن بيلشاصر أنه لا يمكن غزوها. وهكذا كان الشيطان يظن أنه في أمان، وكان الفداء بالصليب الذي كان فيه نهاية الشيطان، بعيدًا تمامًا عن فكر إبليس، كما كان تحويل نهر الفرات بعيدًا تمامًا عن فكر بيلشاصر. وفي هذا يرمز بيلشاصر إلى الشيطان الذي ظن أن الله لن يعاقبه، فيبدو أن عقاب الشيطان كان مرتبطًا بخلاص آدم وبنيه، وحيث أن الشيطان تصوَّر استحالة وجود طريقة يخلص بها الإنسان لذلك فهو تصوَّر استحالة عقابه. رجاء مراجعة تفسير الآيات (إر49: 15-22). أما كورش فيرمز للمسيح الذي حَرَّر الشعب من بابل وأعاد آنية بيت الرب للهيكل الذي أصدر أمرًا ببنائه (عز1) فكان رمزًا للمسيح باني هيكل جسد الكنيسة.

  7. #7
    الاصحاح السادس
    في الإصحاح السابق رأينا دانيال وقد تم تعظيمه وبيلشاصر رمز إبليس وقد هلك وهذا يشير لعمل المسيح الذي حرر الإنسان وجعلنا أولادًا لله أبيه. ولكننا مازلنا في العالم وسط أسود هائجة لكن الله قادر أن يحفظنا منهم. ونلاحظ أن دانيال لم يعط وصفًا لحكم مملكة بابل أو فارس بالتفصيل، إلا أنه كتب بعض الحوادث لتعليمنا وتثبيت إيماننا وتشجيعنا على طاعة الله. والقصة هنا أشير إليها في (عب33:11) ونرى هنا دانيال في بلاط ملك الفرس وحسد رجال البلاط ضده ومؤامراتهم ضده ونجاته من هذه المؤامرة. الآيات (1-5): "حسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين مرزبانًا يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال لتؤدي المرازبة إليهم الحساب فلا تصيب الملك خسارة. ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة لأن فيه روحًا فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها. ثم أن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علّة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علّة ولا ذنبًا لأنه كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب. فقال هؤلاء الرجال لا نجد على دانيال هذا علّة إلا أن نجدها من جهة شريعة إلهه." انتهى الإصحاح السابق بعمل إعجازي تنبأ فيه دانيال بأن مادي وفارس سيقتسمان مملكة بابل. وغالباً فقد وصل داريوس الذي ملك علي بابل بعد إنتهاء حكم ملوك بابل أخبار عظمة دانيال وحكمته فكان أن أعطى داريوس لدانيال منصباً سامياً في مملكته. وكانت مملكة فارس واسعة جدًاً، ولم يكن ممكناً للملك أن يديرها وحده فأقام 120 أميراً أو رئيساً على المقاطعات ليحفظوا سلامها ويجمعوا الجزية وعلي هؤلاء الـ 120 مرزبانا كان هناك 3 رؤساء ليحاسبوهم فلا تصيب الملك خسارة وقارن مع " لماذا يكثر الضرر لخسارة الملوك" (عز4: 22). وكان دانيال متفوقاً ومفضلاً فوق كل الأمراء والرؤساء وكان عمره الآن حوالي 90 عاماً، ولكن أمانته لله أعطته صحة جسدية وذهنية في هذا العمر المتقدم. وكان أميناً جدًاً في تصرفاته، فهل هذا الإنسان الذي باع العالم يقبل رشوة منأحد. وأدت محبة الملك له أنهفكر في أن يوليه على المملكة كلها . وأيضا كانت نزاهتهسببا في أن كثر الحاقدون عليه، فأرسلوا له جواسيس يتصيدون عليه أي خطأ فلم يجدوا سوى أنه يعبد إلهه بأمانة. وغالباً لم تأت فرصة للملك ليوليه على المملكة كلها. ونحن لم نقرأ أن دانيال طلب مباشرة من ملوك الفرس رجوع الشعب اليهودي لأورشليم، ولكن من المؤكد أن شخصية دانيال وقداسته بالإضافة للنبوات التي أراها لكورش (إشعياء وإرمياء) للأحداث التي وقعت فعلاً، هذا كله أقنع كورش بأن إله دانيال إله عظيم (راجع عز 1: 1-4).
    St-Takla.org Image: Daniel in the lion's den by Gustave Dore, from Dore's Bible Illustrationsصورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال النبي في جب الأسود للفنان جوستاف دوريه، من صور لوحات الكتاب المقدس
    الآيات (6-10): "حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك وقالوا له هكذا أيها الملك داريوس عش إلى الأبد. أن جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على أن يضعوا أمرًا ملكيًا ويشددوا نهيًا بأن كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يومًا من إله أو إنسان إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فثبّت الآن النهي أيها الملك وأمض الكتابة لكي لا تتغيّر كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. لأجل ذلك أمضى الملك داريوس الكتابة والنهي. فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلّى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك." وكان كورش قد أصدر أمرًا ملكيًا بحرية العبادة، فلم يقدر هؤلاء الحاقدين أن يشتكوا على دانيال بأنه يعبد إلهه فلجأوا للخديعة والمكر. ودبروا خطة كالآتي "إن مملكة فارس تضم ديانات كثيرة بآلهة كثيرة وطقوس كثيرة. وهذا يسبب مشاكل متعددة، فحتى تحل هذه المشاكل ويكون هناك نوع من الوحدة ولكي تهدأ الأمور لمدة على الأقل ثلاثين يومًا فلتكن أنت أيها الملك الإله الوحيد والكل يطلب منك وحدك ولا يطلب من إلهه الخاص".. وقد أصابوا بهذه الخطة كبرياء الملك الشخصي، فأي إنسان يعانى من نقطة الضعف هذه، أنه يسقط أمام مثل هذه التملقات (أو ما يسمى مسح الجوخ) فقبل الملك هذه الفكرة ووقع القرار. وكان هؤلاء المتآمرين على ثقة أن دانيال لن يمتنع عن الصلاة ويخون إلهه. ومع أن القرار في ظاهره يحمل معاني الكرم ومراحم الملك التي يريد أن يفيض بها على شعبه، إلا أنه ليظهر الظلم الذي في هذا القرار، فلو طلب ابن من أبيه خبزًا ليأكل لاستوجب بموجب هذا القرار أن يُلقَى في جب الأسود. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ومن الواضح أن هذا القرار كان يمنع الصلاة لمدة 30 يومًا. ولم يقبل دانيال أن يعبد الله سرًا بل حسب هذه فرصة ليظهر محبته لله أكثر من خوفه من الملك. ولاحظ أنه لم يذهب ليشاور الملك أو يتظلم من هذا القرار العجيب بل هو ذهب لله مباشرة وصلَّى. وهو تعود على فتح كواه (شرفاته) ناحية أورشليم، فلم يغلقها هذه المرة فهو لا يريد أن يخفى ما يفعله. فهو لم يفتح كواه ليتَحدَّى الملك بل كانت هذه هي عادته. ولاحظ عناصر صلاة دانيال: 1. بيته بيت صلاة، فهو حين يريد أن يصلى يدخل إلى مخدعه، هي علاقة خاصة. 2. حمد الله أي شكر. 3. جثا على ركبتيه (ولم يمتنع نظرًا لسنه ولا مركزه) ولاحظ أهمية الميطانيات metanoia في الصلاة، وطلب مراحم الله. 4. ثلاث مرات في اليوم = وكان يجد هذا الوقت بالرغم من مشاغله. 5. كواه مفتوحة نحو أورشليم = بمعنى أن اشتياق قلبه متجه لأورشليم مدينة الله وليس لمركزه العالمي ومجد العالم المتوفر له في قصر الملك. 6. لم ينسب لله ظلمًا ولم يشتكى لا من وجوده في السبي ولا من قرار الملك الظالم بل هو يحمد الله منشغلًا بأورشليمه واشتياقات قلبه واثقًا أن كل ما يفعله الله هو للخير. وهو لم يخجل من أورشليم وهي مدمرة. كانت الحكمة الإنسانية تقول ماذا لو امتنع عن الصلاة 30 يومًا ماذا يضيره؟ فهو سيشترى حياته!! ولكن كيف يشهد لله؟ ربما لو فعل لصار قدوة سيئة لكل اليهود الضعفاء فهو بلا شك قدوة، وكل العيون عليه لمركزه وشهرته. عمومًا من عرف قيمة الصلاة لا يمكنه أن يتركها يومًا. ولماذا كان يوجه وجهه نحو أورشليم؟ (راجع 2 أي 6: 36-39).
    St-Takla.org Image: Darius chooses three governors (Daniel 6:1-3) صورة في موقع الأنبا تكلا: داريوس يختار ثلاث رؤساء (دانيال 6: 1-3)
    الآيات (11-17): "فاجتمع جميع حينئذ هؤلاء الرجال فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع قدام إلهه. فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك.ألم تمض أيها الملك نهيًا بأن كل إنسان يطلب من إله أو إنسان حتى ثلاثين يومًا إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود.فأجاب الملك وقال الأمر صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. حينئذ أجابوا وقالوا قدام الملك أن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتبارًا ولا للنهي الذي أمضيته بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جدًا وجعل قلبه على دانيال لينجيه واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه. فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك اعلم أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهي أو أمر يضعه الملك لا يتغيّر. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود.أجاب الملك وقال لدانيال أن إلهك الذي تعبده دائمًا هو ينجيك. وأتي بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغيّر القصد في دانيال." في (13) قولهم من بنى سبى يهوذا = يقصد به التحقير من شأنه هكذا هم يحتقرونه وغالبًا هو كان يذكر الجميع في صلواته هذه. وفي (14) الملك أغتاظ على نفسه = فهو قد اكتشف أنهم خدعوه، وقد عَلِمَ الآن لماذا طلبوا منه هذا الطلب. والملك حاول إنقاذ دانيال واستثنائه من هذا القرار ولكنهم واجهوه بأن شريعة مادي وفارس لا تنسخ آية (15) وراجع في هذا أيضًا إستير (1: 19 + 8: 8). تفسير مكمل لتمثال نبوخذ نصر من واقع ما سبق

    رأس التمثال الذهب تشير لملك بابل الذي كبر وتقوَّى وعظمته زادت وبلغت إلى السماء (دا 4: 22) وعن مدى سلطانه فهو "أيًا شاء قتل وأيًا شاء استحيا" (دا 5: 19). وهذا السلطان المطلق قد حرم منه داريوس، فلم يستطع أن يترك دانيال صديقه حيًا ولذلك شُبِّهَ بالفضة. وأما اليونان فكان سلطان ملوكهم أقل. أما الرومان فقد اشتهروا بالديموقراطية وفي هذا راجع سفر المكابيين الأول (14:8-16) فالسلطان المطلق يقل بتدرج التمثال من أعلي إلى أسفل بينما القوة تزداد. لذلك شبه اليونان بالنحاس والرومان بالحديد ولاحظ الموقف الحرج الذي وقفه داريوس. لذلك تعلم الكنيسة أن نصلي لحكامنا حتى يعطيهم الله حكمة في هذه المواقف المحرجة وذلك لأجل سلام الكنيسة. وكما خُتم على قبر المسيح وخرج حيًا هكذا ختم على جب دانيال والأسود وخرج دانيال حيًا. وكان داريوس يشجع دانيال وبهذا يتأكد أنه سمع بقصة الفتية الثلاث. وأيضًا برر دانيال من أي خطأ. وكان كلام داريوس عن الله كله ثقة في قوة الله.
    St-Takla.org Image: The prince against Daniel (Daniel 6:4-5)صورة في موقع الأنبا تكلا: الأمير ضد دانيال (دانيال 6: 4-5)
    الآيات (18-24): "حينئذ مضى الملك إلى قصره وبات صائمًا ولم يؤت قدامه بسراريه وطار عنه نومه. ثم قام الملك باكرًا عند الفجر وذهب مسرعًا إلى جب الأسود. فلما اقترب إلى الجب نادى دانيال بصوت أسيف. أجاب الملك وقال لدانيال يا دانيال عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائمًا قدر على أن ينجيك من الأسود. فتكلم دانيال مع الملك يا أيها الملك عش إلى الأبد. إلهي أرسل ملاكه وسدّ أفواه الأسود فلم تضرّني لأني وجدت بريئًا قدامه وقدامك أيضًا أيها الملك لم افعل ذنبًا. حينئذ فرح الملك به وأمر بأن يصعد دانيال من الجب فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم." لم يسامح الملك نفسه على إلقاء دانيال في الجب وهو صديقه الوفي، وصام حزينًا ولم ينم، وكيف ينام وروحه مضطربة. وباكرًا ذهب للجب بنفسه ولم يكن عنده من الصبر ما يجعله يرسل خادمًا ليأتيه بالنبأ. ولاحظ كلام دانيال للملك بكل احترام فهو لم يوجه له اللوم على ما فعله، بل معنى كلماته أنه سامحه على ما فعل. ويبدو أن دانيال قضى في الجب مع الملاك ليلة مفرحة = الهى أرسل ملاكه. حقًا إن كل من أتكل على الله ينجيه الله ولا يخزيه. وتقوَّى داريوس فعاقب أعداء دانيال عقوبة بشعة كعادة الملوك الوثنيين وشراهة الأسود في افتراس هؤلاء تثبت أن امتناعها عن افتراس دانيال لم يكن لأنه لا شهية لها للأكل، بل لأن قوة إلهية قد منعتها. ولاحظ أن دانيال كان في الجب في سلام وفرح افتقدهم الملك على سريره في قصره، فهو لم ينم تلك الليلة. في آية (4) يقول إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة. ولكن لا يمكن فهم هذا على أن الـ120 مرزبانًا تورطوا في هذه المؤامرة، بل بعضهم فقط. الآيات (25-28): "ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قبلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيال لأنك هو الإله الحي القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى. هو ينجي وينقذ ويعمل الآيات والعجائب في السموات وفي الأرض.هو الذي نجى دانيال من يد الأسود. فنجح دانيال هذا في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي."
    St-Takla.org Image: The accusers of Daniel are thrown to the lion's den (Daniel 6:24)صورة في موقع الأنبا تكلا: المشتكين ألقوا إلى الأسود (دانيال 6: 24)
    قرار داريوس هنا في توقير الله فاق ما قاله نبوخذ نصر. حقًا فالله قادر أن يتمجد في أعين الجميع حتى الوثنيين. ولاحظ الصفات التي قالها داريوس عن الله = الحي القيوم إلى الأبد فنجح دانيال هذا في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي = كان داريوس المادي يحكم بابل تحت ملك كورش. فقد عين كورش داريوس ملكًا على بابل.

  8. #8
    الاصحاح السابع
    بعد أن أنهى النبي الأحداث التاريخية في الستة الإصحاحات الأولى يبدأ هنا بالأجزاء النبوية وفيها كثير من الغموض، بعضها تحقق والبعض متعلق بالأيام الأخيرة. ونفس النبوة قد تكون تحققت في زمن سابق ولكن سيتم تحقيقها في المستقبل بطريقة أخرى وقد تم صياغة هذه النبوات بحيث تحتمل تطبيقها عدة مرات. الآيات (1-8): "في السنة الأوقات لبيلشاصر ملك بابل رأى دانيال حلمًا ورؤى رأسه على فراشه. حينئذ كتب الحلم وأخبر برأس الكلام. أجاب دانيال وقال.كنت أرى في رؤياي ليلًا وإذ بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك. الأول كالأسد وله جناحًا نسر.وكنت أنظر حتى أنتتف جناحاه وانتصب على الأرض وأوقف على رجلين كإنسان وأعطي قلب إنسان. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب فارتفع على جنب واحد وفي فمه ثلاثة أضلع بين أسنانه فقالوا له هكذا.قم كل لحمًا كثيرًا. وبعد هذا كنت أرى وإذا بآخر مثل النمر وله على ظهره أربعة أجنحة طائر.وكان للحيوان أربعة رؤوس وأعطي سلطانًا. بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدًا وله أسنان من حديد كبيرة.أكل وسحق وداس الباقي برجليه.وكان مخالفًا لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون. كنت متأملًا بالقرون وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن وفم متكلم بعظائم." هنا نجد رؤيا خاصة بأربعة ممالك اضطهدت شعب الله، وهم اليهود في العهد القديم، أما في العهد الجديد فشعب الله هو كنيسته. وهكذا قال السيد المسيح "في العالم سيكون لكم ضيق" لذلك كان تشبيه هذه الممالك بأربعة وحوش. وهذه الرؤيا هي إعادة لحلم نبوخذ نصر في الإصحاح الثاني. والفارق أن نبوخذ نصر كإنسان مادي دنيوي يعتبر ممثل للقوى العالمية، هو يهتم بالقوة والمجد العالمي، أو هو ينبهر بقوة الممالك وعظمتها، لذلك رآها في شكل تمثال هائل رأسه ذهب وقدماه حديد. وهناك رأى بأن التمثال الذي أقامه بطول 60 ذراعًا (إصحاح 3) مشابه لتمثال الحلم، وأقامه كله من ذهب مع أن الله أظهر له في الحلم بأن التمثال لن يستمر ذهبًا، بل ستنتقل السلطة إلى مملكة أخرى ثم مملكة ثالثة إلى أن يباد التمثال كله، إلاّ أنه قد تصور أنه بإقامته لهذا التمثال سيحافظ على مملكته ذهبية إلى الأبد. وكان الله يريد أن يريه أنه لا ثبات لأي مملكة عالمية وكل مملكة عالمية، لها نهاية وأن كل حاكم هو حاكم وقتي وبسماح من الله أما ملكوت المسيح فأبدي. أما دانيال كإنسان روحاني لا يهتم بأمجاد هذا العالم فقد رأى هذه الممالك في صورتها الحقيقية كوحوش كاسرة تتحكم فيها طبيعتها الحيوانية الدموية. وهذه الممالك طالما اضطهدت شعب الله وسفكت دماء القديسين. والشيطان هو الذي يثير هذه الممالك ضد شعب الله ويهيج ملوكها ضدهم. ولذلك رأى دانيال أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وقارن مع (أف2:2) فالشيطان يسميه الرسول "رئيس سلطان الهواء الذي يعمل في أبناء المعصية". ولكننا نرى في (رؤ1:7) أن هناك أربعة ملائكة ممسكين بأربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض إلا بسماح منهم. والمعنى أن الرياح هي التجارب والآلام والضيقات التي يعانى منها شعب الله والتي يثيرها عدو الخير، ولكن شكرًا لله فكل هذا بسماح منه وتحت سيطرته.

    وهذا جدول تخطيطي به نفس المحتوى

    إصحاح (7)
    الرأس ذهب
    مملكة بابل
    أسد له جناحا نسر
    الصدر والذراعان فضة
    مملكة مادي وفارس
    دب مرتفع على جنب واحد
    كبش له قرنان
    بطن وفخذان نحاس
    ملكة اليونان
    نمر له أربعة أجنحة وأربع رؤوس
    تيس من المعز
    الساقان حديد
    الدولة الرومانية
    حيوان هائل وشديد له أسنان حديد وله عشرة قرون ↓
    القدمين حديد وخزف
    صورة جديدة للدولة الرومانية أو عشرة ملوك
    قرن صغير
    قرن صغير
    الحجر ضرب التمثال عند القدمين الحديد والخزف حجر قطع بغير يدين جبل ملأ الأرض
    S
    توضيح العلاقة بين رؤى إصحاحات 2، 7، 8

    والبحر قد يكون هو البحر المتوسط الذي يتوسط ممتلكات هذه الممالك الأربعة، فبابل وفارس امتدت أملاكها حتى الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط أي سوريا وفلسطين ومصر. أما اليونان والرومان فقد امتلكوا كل هذا بالإضافة لأوروبا على الساحل الشمالي. ولكن البحر في الكتاب المقدس يشير للعالم المضطرب الهائج وماؤه المالح من يشرب منه يعطش. وإبليس رئيس العالم سلطان الهواء هجم برياحه على البحر، أي عمل بقوته من خلال هذه الممالك واضطهد شعب الله، فهياج البحر هو الضيقات التي تواجه شعب الله لكنها تحت سيطرة الله وبسماح منه. وهي أربعة رياح فرقم "4" يشير لكل أنحاء العالم فالضيقات تواجه شعب الله أينما كانوا. وتعنى أربع رياح أن معارك هذه الممالك ستشمل كل مكان وستكون عنيفة. لكن لنعلم أنه وإن كان الشيطان يستعمل هذه الممالك لاضطهاد شعب الله، فالله ضابط الكل يستخدم كل الأمور لخير شعبه. فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة. فهو استخدم بابل لتأديب شعبه فامتنعوا عن العبادة الوثنية، ثم استخدم فارس لتحرير شعبه من بابل. واليونان بانتشارهم في كل العالم وانتشار لغتهم وكونها أصبحت لغة عالمية فهذا مهد السبيل لنشر الكتاب المقدس في العالم كله، فقد كتب العهد الجديد باليونانية وتمت ترجمة العهد القديم لليونانية (الترجمة السبعينية). والرومان بامتلاكهم العالم كله مهدوا السبيل للرسل والتلاميذ لنشر الكرازة في العالم كله. فالرومان مهدوا الطرق عبر كل المملكة، وكل الطرق متجهة إلى روما. وهناك علامات في كل طريق تشير للمسافة المتبقية إلى روما العاصمة. وفي (1) رأس الكلام = لب أو أصل الموضوع. وفي (4) أسد له جناحان. وهذا يماثل الرأس الذهبي في تمثال نبوخذ نصر والحيوانات المجنحة هي طريقة معروفة لتصوير ملوك أشور وبابل. وقد وجد هذا في النقوشات الأثرية، وفيها تصويرهم على شكل أسود وثيران مجنحة بأجنحة نسور، فالأسد والثور يشيران للملك والسلطة والقوة والضراوة وأجنحة النسور تشير لسرعة الفتوحات. (جريدة الأهرام نشرت هذا الخبر عن العثور على هذه النقوشات الأثرية بتاريخ 5/6/90) وملك بابل مشبه هنا بأسد فله سلطة مطلقة. ونجد بعد ذلك أنه إنتتف جناحاه = هذا يشير: [1] أنه بعد جنونه قد شفى من وثنيته وتبدل قلبه الوحشي لقلب إنسان = أوقف على رجلين كإنسان وأعطى قلب إنسان (دا 34:4-37) [2]يشير هذا أيضًا لضعف المملكة بعد موت نبوخذ نصر. ثم وصلت بهم الحال للهزيمة أمام جيش كورش. وفي هذا التشبيه والحيوان بلا جناحان فهو غير قادر على الطيران أو الانقضاض أو الغزو والحرب. وكانت آخر حروب بابل المسجلة سنة 568 ق.م. مع مصر. وفي (5) الدب هنا يشير لمادي وفارس. ومادي هو الجانب الأسفل من المملكة أي الغير عامل. وفارس هي الجانب الأعلى من المملكة = فأرتفع على جنب واحد. ففي بدايات هذه المملكة كانت مادي هي المملكة الكبيرة وفارس هي المملكة الأصغر. ولذلك ففي بدايات هذه المملكة كانت تسمى مادي وفارس. وداريوس كان من مادي غير أنه كان خاضعًا لكورش (دا 6: 8). ومع مرور الزمن أصبحت فارس هي القوة الكبيرة وتغير اسم المملكة إلى فارس ومادي (إس 1: 3) ولا يزال شكل الدب يرى في الحجارة الأثرية لهذه المملكة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والدب ليس في قوة الأسد ولكنه ليس أقل وحشية (عا 5: 19) ثلاث أضلع بين أسنانه = تشير لثلاث ممالك كبيرة التهمها هذا الدب الفارسي = وهي غالبًا بابل ومصر وليديا. عمومًا لقد امتدت فتوحات فارس في ثلاث اتجاهات شمالًا وجنوبًا وغربًا (8: 3، 4) شمالًا = ليديا وأرمينيا. وجنوبًا = مصر وغربًا = اليونان وتركيا. وقم كل لحمًا كثيرًا = هذا يشير كما قلنا سابقًا لنظام الضرائب المحكم الذي جعل فارس أغنى دولة. وفي (6) يشير النمر لمملكة اليونان. والنمر حيوان ضاري جدًا ويشتهر بسرعة انقضاضه. وقد قام الإسكندر بغزو العالم في سنوات قليلة جدًا. ويشير لسرعة فتوحاته أنه له أربعة أجنحة بالمقارنة بجناحين لبابل. والإسكندر الأكبر في خلال 6 سنوات تسيد على كل إمبراطورية فارس ومصر وسوريا والهند وأمم أخرى. وهذا النمر يشير للجزء النحاسي في التمثال، بينما مادي وفارس يشار لهما هنا بدب على جانب واحد وفي التمثال بالصدر وذراعين فضة. وكان للحيوان أربعة رؤوس = بعد موت الإسكندر ولم يكن له أولاد، تولى قادة جيشه الكبار حكم المملكة واقتسموها كالتالي: 1. مقدونيا واليونان (اليونان حاليًا) تولاها كاساندر 2. تراقيا وبيثينية (تركيا حاليًا) تولاها ليسيماخوس 3. سوريا حتى حدود الهند (سوريا والعراق وإيران وباكستان) تولاها سلوكس 4. مصر وليبيا تولاها بطلميوس ويسمى ملك مصر ملك الجنوب وملك سوريا ملك الشمال. وذكر الأجنحة قبل الرؤوس يعنى انتشار المملكة قبل اقتسامها.
    St-Takla.org Image: Daniel Prophecyصورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي
    وفي (7) نجد وحش جديد ليس له شبيه وهو أعقب الدولة اليونانية ومن المعروف أن الدولة الرومانية هي التي قامت في أعقاب اليونان. وكانت إمبراطورية رهيبة شملت أوروبا وإفريقيا وأجزاء من أسيا. وكان البحر الأبيض يتوسط هذه الإمبراطورية ولذلك سمى بالمتوسط. وكانت في بدايتها قوية كالحديد، لذلك فهذا الحيوان يماثل الرجلين الحديد في تمثال نبوخذ نصر. ولكن هذه الإمبراطورية في نهايتها صارت ضعيفة وتفككت فصارت مثل الأصابع، وأجزاء منها قوية كالحديد وأجزاء منها ضعيفة كالخزف. والتماثل بين هذه الرؤيا (إصحاح 7) وتمثال نبوخذ نصر (إصحاح 2) تتضح من أن هذا الحيوان له أسنان حديد كبيرة. وفعلًا فقد أكل هذا الحيوان كل الأمم الأخرى وداسها وسحقها. وسيطرت الدولة الرومانية على العالم لأكثر من 500 سنة. ولقد ولد المسيح في زمان هذه الدولة وكان هو الحجر الذي قطع بغير يد = ولد بدون زرع بشر. وهذا الحيوان كان له عشر قرون. الإمبراطورية الرومانية لها شكلان، الأول هو الذي ظهرت به في القديم، أيام مجدها وكان يتوسطها البحر المتوسط الذي كان كبحيرة رومانية. والشكل الثاني هو الذي تنبعث به الدولة الرومانية في نهاية الأيام كدولة متحدة لكن لكل دولة شكلها وشخصيتها المستقلة، أي شكل الأصابع في رجل واحدة، ولكن بعض الأصابع حديد وبعضها خزف وفي الشكل الأول تكون العشر قرون هم العشر أباطرة (نيرون - دقلديانوس) الذين اضطهدوا الكنيسة. وفي أيام نيرون استشهد الرسولين بطرس وبولس وبنهاية دقلديانوس انتهي عصر الاستشهاد، وهذا ما كان يعنيه سفر الرؤيا بقوله يكون لكم ضيق عشرة أيام (رؤ10:2). فالعشرة أيام هنا هي عشرة فترات زمنية يكون فيها ضيق للكنيسة ومع كل هذا الضيق تنمو الكنيسة وتمتد، فكما أن الحجر قطع بلا يد أي بعمل إلهي = فالمسيح ولد بدون زرع بشر، هكذا نمو الكنيسة يكون بعمل إلهي. ومازالت هذه الكنيسة تمتد عبر العالم كله مكونة جبل عال رأسه المسيح الذي يملك ليس على ممالك دنيوية زائلة، بل يملك بصليب محبته على قلوب شعبه. وفي الشكل الثاني للإمبراطورية الرومانية يكون العشر قرون هم عشر ملوك يساندون الوحش الذي سيظهر في آخر الأيام (رؤ12:17). ومن المعروف أن التمثال سيُضرب في هذه الأيام أي أيام الوحش وينتهي شكل العالم الحالي، وهذا يُمثَّل في التمثال بأنه يصير كعصافة البيدر (دا2: 35). فالحجر ضرب التمثال على القدمين اللذين من حديد وخزف (دا2: 34). فالإمبراطورية الرومانية كانت في أوج عظمتها عندما وُلِد المسيح، وهذا يمثَّل بفترة الحقوين في التمثال. ولكن ضرب التمثال الذي يشير لنهاية العالم سيكون مع الشكل الجديد للدولة الرومانية.
    وفي آية (8) قرن آخر صغير: نجد هنا قرن صغير وفي (دا 8:9) نجد قرن آخر صغير. وفي بعض الأحيان يخلط المفسرون بينهما، ولكن هناك فروق واضحة: قرن إصحاح (7) هو قوة جديدة لا علاقة لها بالممالك السابقة فهو ليس امتدادًا لأحدها. هو قام وسطها وهو مختلف عنهم، وهذا معني قرن آخر. بينما أن قرن إصحاح (8) هو امتداد لقوة عالمية موجودة إذ يقول في (دا 8: 9) ومن واحد منها خرج قرن صغير. إذًا هو ليس قوة جديدة أو مختلفة ولكن هو امتداد وتطوير لقوة موجودة. هو خرج من أحد القرون الأربعة التي انقسمت إليها مملكة الإسكندر (غالبًا هو سيخرج من مملكة الشمال كما سيأتي فيما بعد أي سوريا وفلسطين). في اللغة الأصلية كلمة قرن صغير في إصحاح (7) تختلف عن كلمة قرن صغير في (8). ففي إصحاح (7) كلمة قرن صغير تشير لقرن صغير آخر. أما الكلمة قرن صغير في (8) فتعنى "أقل من القلة" أو "قرن من القلة". (غالبًا القلة هنا هم اليهود كما سيأتي فيما بعد) ولاحظ أن المعنى، أنه سيبدأ صغيرًا جدًا من وسط القلة، وهو أقل من القلة ولكنه يتعظم جدًا. قرن إصحاح (8) ينتهي بتطهير القدس (8: 14) أما قرن إصحاح (7) فهو مستمر لنهاية الأيام، حين يجلس الدِّين (7:9) فما أعقب هذا القرن هو الدينونة، أي أنه مستمر إلى المجيء الثاني.
    قرن إصحاح (7)
    1 2 3 4 قرن آخر غير العشرة قرون يأتي في أعقاب الدولة الرومانية ممتد إلى الدينونة الاصطلاح الأرامي المستخدم "قرن صغير أخر" يشير للهرطقات التي تنكر ألوهية المسيح قرن ممتد من أحد القرون الأربعة هو امتداد للدولة اليونانية ممتد إلى أن يتبرأ القدس الاصطلاح الأرامي المستخدم "قرن صغير من القلة" يشير لأنطيوخس إبيفانيوس كرمز لضد المسيح
    عموماً سواء قرن إصحاح (7) أو قرن إصحاح (8) فهم قوى بدأت صغيرة ثم نمت وتحولت لقوى عظيمة إضطهدت شعب الله. وهي قوى ستنجح إلى حين. وهذه القوى ستعظم نفسها تجاه الله أو ضده وضد شعبه. ونعود الآن إلى قرن إصحاح (7) فنجد. وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه. وقوله القرون الأولى إذاً هو لا يقصد القرون العشرة بل ملوك الدولة اليونانية الأربعة الذين تقاسموا مملكة الإسكندر . ثم قارن مع (دا 8:8) فنجد أن مملكة الإسكندر قد انقسمت إلى أربعة قرون وهي:
    1. مقدونيا واليونان اليونان حاليًا. 2. تراقيا وبيثينية تركيا حاليًا. 3. سوريا والعراق وإيران وباكستان. 4. مصر.
    ومعنى هذا أن هذا القرن قد استولى على ثلاثة ممالك من الأربعة المذكورين. وهذا القرن الصغير مواصفاته أنه له عيون كعيون إنسان وفم متكلم بعظائم = وهذا يعنى أنها هرطقة تنكر أن المسيح هو الله. وكلمة عظائم في الإنجليزية Presumptuous things لا تعني تجاديف بل كلمات بجرأة ووقاحة. ووردت في ترجمات أخرى Pompous أو Great أي شيء متسم بالغرور. وهذا ينطبق على الهرطقات التي ظهرت بعد أن تحولت الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، مثل هرطقات أريوس ونسطور وغيرهم. وهذه الهرطقات ظهرت في مصر على يد أريوس وكذلك في ليبيا وانتشرت في سوريا والشرق حتى إيران، ووصلت إلى قصر قسطنطين أي القسطنطينية وهي تركيا حاليًا أي أنها امتدت إلى مصر وسوريا وتركيا وهذه هي الثلاثة قرون التي أكلها القرن الصغير. وهناك رأى بأن هذه الجرأة والوقاحة ظهرت في الشيوعية الملحدة والتي اضطهدت المسيحية. ومن بشاعة اضطهاد الحيوان الرابع وهذا القرن الصغير قيل في آية (7) كنت أرى في رؤى الليل، إشارة لبشاعة ووحشية هذا الوحش وهذا القرن الصغير. الآيات (9-10): "كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه.ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه.فجلس الدين وفتحت الأسفار." في (9) وضعت عروش = التعبير الأرامي المستخدم لكلمة وضعت هو فُرِشت دلالة على فرش البسط والوسائد على ديوان العرش في الممالك الشرقية. والمعنى المصور هنا أن الله يستعد ليوم الدينونة. وهذا مما يعزى شعب الله في كل زمان أن هناك يوماً سيدين الله فيه كل ظالم. والله الآن في السماء يضحك بهؤلاء الظالمين (مزمور 2) فهم يتصورون في حقدهم أنهم ينتقمون من شعب الله والحقيقة أنهم ينفذون خطة الله من نحو شعبه، فهذا ما حدث مع المسيح نفسه. لذلك فالله يضحك بهم كأنه يقول " إصنعوا ما شئتم وفي النهاية ستجدوا أنكم نفذتم ما أريده أنا" . هنا كلمة وضعت عروش تقابل انهيار العروش الدنيوية. فعرش الله ثابت أزلي أبدى، أما هذه العروش التي كانت للوحوش فهي تقوم في فترة زمنية ثم تختفي. ونلاحظ أن الله له عرشه، والأربعة والعشرون قسيساً لهم عروشاً. وما يعزى شعب الله أن كل ما يحدث هو تحت سيطرة الله وهو لخير شعبه دائماً. عرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة = فإلهنا نار آكلة. والبكرات تشير لقصد الله وتدبيره عبر التاريخ (راجع تفسير حزقيال 1) وتدبير الله كله حكمة. وهذا ما يشير إليه قوله قديم الأيام. وشعر رأسه كالصوف النقي. فبلغة البشر، فالشيخوخة وكبر السن يتناسبان طردياً مع الحكمة فيقال فلان له حكمة الشيوخ. وأحكام الله كلها عدل وبر ومحبة وهذا يشير له = لباسه أبيض كالثلج. ونهر نار خرج من قدامه= إشارة إلى دينونته القادمة. ولكنه لأحبائه نهر ماء صافي (رؤ1:22) . وأمام حكمة الله ليصمت كل لسان وكل معترض على أحكامه. وهو محاط بملائكته كما سيأتي في مجيئه الثاني محاطاً بهم.
    وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّأمِ = من هو المقصود بلقب قديم الأيام؟ هذا اللقب ذُكِر هنا ويشير للآب. وذُكِر في (الآية22) والمقصود به الابن، فالآب والابن لاهوتيًّا أزليين فيقال عنهما هذا اللقب. في (الآية9) يشير اللقب للآب لأنه في (الآية13) رأى دانيال النبي شبه ابن إنسان .. وقربوه قدامه = أي قربوه قدام الآب. وكما نعرف أن ابن الإنسان تقال عن الابن بعد تجسده، وهنا نجدهم يقربوه للآب. أما في (الآية22) فالمقصود بلقب قديم الأيام هو الابن، فالآب أعطى الدينونة للإبن (يو5 : 27 – 30). ونلاحظ أن مشيئة الآب هي نفسها مشيئة الابن. فما يريده الآب ينفذه الابن. لأن الابن والروح القدس هما أقنومى التنفيذ، أما الآب فهو أقنوم الإرادة. ومشيئة الثلاثة أقانيم واحدة. ملحوظة:- حين قال دانيال النبي أنه رأى هنا رؤيا خاصة بالدينونة (آية9) تصوَّر البعض أن دانيال قد رأى الله الآب وقد ظهر في هيئة إنسانية وله لباس أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى. وقام بعض الفنانين برسم صور، صوروا فيها الآب على هيئة رجل كبير السن شعره أبيض، وأمامه الابن كشاب له شعر أسود. وكل هذا خطأ:- 1. أقنوميّ الآب والروح القدس لا يتم تصويرهم بهيئة إنسانية أبداً، فالآب لم يتجسد وهكذا الروح القدس. أقنوم الابن وحده هو الذي تجسد وتأنس. ومنذ القديم كان للإبن ظهورات على هيئة إنسانية إعلانا عن أنه سوف يتجسد يوما في ملء الزمان. وكانت هذه الظهورات مثل ما حدث مع إبراهيم وكان مع الابن ملاكان (تك18 : 1) وهكذا مع يشوع (يش5 : 13). 2. مَنْ تصوَّر أن الآب أخذ هنا شكلًا إنسانيًّا لأنه رأى شعر أبيض، نقول له أن المسيح الابن قد رآه القديس يوحنا في رؤياه وله شعر أبيض (رؤ1 : 14). 3. فما هو الشعر الأبيض إذاً؟ حقاً الشعر الأبيض يشير لِقِدَم الأيام وللحكمة، ولكن الأهم فإن الشعر الأبيض يرمز لشعب الله المبرر والذي يحيط بالله. فالشعر يرمز لشعب الله في الكتاب المقدس، الذي يحيط بالله كما يحيط الشعر بالرأس. و(راجع حزقيال 5) لتجد أن الله حينما أراد أن يشرح لشعبه أنه قرر التخلي عنهم وقرر عقابهم عقابا شديدا على وثنيتهم، أمر حزقيال النبي بأن يحلق شعر رأسه (إشارة لأن الله رفضهم)، ويحرق ثلثه، ويضرب ثلثا آخر بالسيف، ويذر الباقى إلى الريح. كان هذا رمزا لأن عقوبة الشعب ستكون بالوباء والسيف والتشتت. 4. أما الكنيسة شعب المسيح التي بررها بدمه (رؤ7 : 14) تظهر في (رؤ1 : 14) كشعر أبيض لأنها كنيسة مبررة اغتسلت وابيضَّت بدم المسيح رأسها. وإلتصقت برأسها المسيح كما يلتصق الشعر بالرأس. 5. وهنا نرى أيضًا المسيح وقد أتى بكنيسته (الشعر الأبيض) إلى حضن الآب. لذلك قال السيد المسيح "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي" (يو14 : 6). وهذا سبب قوله هنا وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّأمِ. فقول الكتاب أن الله جلس، فإن الكتاب بهذا يشير لأن الله إستراح. ولقد إستراح الله حين تم خلاص الإنسان بالفداء وعاد إليه أبنائه. 6. كان هذا وعد الله منذ القديم "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف (إش1 : 18). وهذا هو نفس ما قيل هنا بالنص لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى. لقد تمم المسيح الابن وعده الذي قيل في سفر إشعياء بدمه. 7. لقد تبررت الكنيسة بدم المسيح الذي قَدَّمَ نفسه كذبيحة دموية على الصليب. لذلك قيل هنا في (آية 13) مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ (المسيح الابن) أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّأمِ (الآب)، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ (أي قُدِّم كذبيحة لله كما سنرى في شرح الآية 13). 8. نحن هنا أمام العرش يوم الدينونة، والمعنى أن من سيكون ثابتا في المسيح سيتبرر ويبيض كالثلج، يصير كاملا في المسيح وبلا لوم وبلا دينونة (كو1 : 28 + أف1 : 4 + رو8 : 1). ويأتي به المسيح الابن إلى حضن الآب. ومن لا يوجد ثابتا في المسيح سيدان في لهيب النار (آيات10، 11). فيوم الدينونة نجد موقفين :- أ) إما في المجد. ب) وإما في الجحيم. من يؤمن بالمسيح ويثبت فيه يجده في هذا اليوم الشفيع الكفارى الذي بررنا بدمه (رو8 : 33 ، 34). ومن رفض المسيح سيجده الديان. وهذا هو نفس المنظر الذي صورته هذه الرؤيا التي رآها دانيال النبي هنا. 9. كانت عودة أبناء الله ليحيطوا به سببا لفرحه. لذلك قال يوم عماد المسيح "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". فأولاده عادوا إليه في المسيح ابنه بالمعمودية التي إكتسبت قوتها بالصليب (ذبيحة المسيح الذي قربوه أمام القديم الأيام). 10. اللباس الأبيض كالثلج يشير أيضا للكنيسة، وذلك لأن اللباس يحيط بجسم الشخص كما أحاطت الكنيسة بالمسيح. وهكذا نجد في (مزمور 133) أن الطِيب (الروح القدس) إنسكب أولًا على رأس هارون رئيس الكهنة (الذي كان رمزًا للمسيح رئيس كهنتنا الأعظم). ثم إنسكب على اللحية (الشعر الملتصق بالرأس) وعلى ثيابه (لباسه). فالشعر واللباس إشارة للكنيسة شعب الله. لقد صارت الكنيسة هنا تحيط بعرش الله كما كان الكاروبيم يحيط بالعرش (رؤ4 : 6 + حز1) والعرش مقصود به المجد، وهذا نصيب كل من يغلب من شعب المسيح (رؤ3 : 21). 11. أقانيم الآب والروح القدس لا يظهران أبداً في هيئة إنسانية فهما لم يتجسدا. أما الروح القدس فظهر بهيئات أخرى مختلفة، وكان هذا لشرح شيء ما، لكي نفهم عمله وهذا ما أراده الله. أ) فلقد ظهر على هيئة حمامة، فالحمامة دائما تعود لبيتها. وهذا هو عمل الروح القدس معنا، فهو يثبتنا في المسيح بالمعمودية وحينما نخطئ يعيدنا للثبات في المسيح بالإقناع والتبكيت (يو16 : 8). ب) وظهر الروح القدس بهيئة ألسنة نارية لنفهم عمله، وأنه يحرق الإشتياق للخطية ويغفرها، ويعطينا بدلا منها أشواقا نارية لمحبة الله. ج) ويظهر على هيئة ريح (أع2) فهو يوجهنا ويحملنا دون أن نراه (يو3 : 8). 12. وهكذا الآب لا يظهر في صورة إنسانية أبداً. ونلاحظ أن دانيال لم يقل هنا أنه رأى إنسان، أو وجه إنسان. بل أن كل ما قاله دانيال أن لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى إعلانًا عن عودة أبناء الله أي الكنيسة التي بررها الابن بدمه حينما قدَّم نفسه ذبيحة = قربوه أمامه. لم يقل دانيال أنه رأى الله أو رأى الآب، بل هو قال نفس ما قاله القديس يوحنا في رؤياه "وإذا عرشٌ موضوع في السماء وعلى العرش جالس" (رؤ4 : 2). وهذا نفس ما قاله دانيال النبي هنا وضعت عروش ... وجَلَسَ القديم الأيام. دانيال لم يصف ما رآه بل قال نفس ما قاله يوحنا. وقال عنه القديم الأيام ثم أضاف لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ وكان هذا عن الكنيسة كما رأينا. من كل هذا نفهم أن :-
    دانيال لم يرى الآب بل رأى الكنيسة المبررة في المجد،
    رآها في هيئة شعر أبيض ولباس أبيض.
    ورأى يوم دينونة هذا العالم كنهاية للأشرار الكارهين لشعب الله.
    الآيات (11-12): "كنت أنظر حينئذ من أجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن.كنت أرى إلى أن قتل الحيوان وهلك جسمه ودفع لوقيد النار. إلى باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم ولكن أعطوا طول حياة إلى زمان ووقت." سواء في رؤيا التمثال أو هذه الرؤيا للوحوش تسلسلت الممالك عبر التاريخ. يراها العالم ممالك عظيمة كما في التمثال، ولكن في حقيقتها هي وحوش تحارب شعب الله. وهذه الممالك كانت بالترتيب الأسد (بابل) وعلى أنقاض بابل قام الدب (مادي وفارس) وعلى أنقاضه قام النمر (اليونان) وعلى أنقاضه جاء الحكم الروماني. ولم تذكر النبوة أنه انتهى بمجيء القرن الصغير ولكن سيبقيان معًا، الحيوان والقرن الصغير حتى نهاية الأيام. وهذا يتضح من الآية (11) التي تنقسم لقسمين. الأول خاص بالقرن الصغير. والثاني خاص بالحيوان. وهذه الآية وردت بعد أن بدأ النبي يرى عروشًا معدة. أي أن كلا الحيوان والقرن الصغير باقيان حتى مجيء المسيح الثاني. وفي آية (12) نجد باقي الحيوانات أي بابل وفارس واليونان موجودة ولكنها بلا قوة مؤثرة في مجريات الأمور. ولنراجع رؤيا التمثال في إصحاح (2) فنجد أن الحجر الذي قطع يشير للمسيح في ولادته، وهو ولد في زمان قوة وعظمة الدولة الرومانية ولم تنتهي الدولة الرومانية بميلاده بل استمرت ما يزيد على 400 سنة في قوتها. فما معنى أن الحجر سحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معًا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان 35:2؟ لنلاحظ في 11:7 أن في الدينونة أي في نهاية هذا العالم قتل الوحش وهلك جسمه ودفع لوقيد النار = فيبدو أن الممالك التي كونت الدولة الرومانية المحيطة بالبحر المتوسط ضعفت لفترة ما بعد القرن الخامس والسادس الميلادي، لكنها ستعود للظهور بقوة تؤثر في مجريات الأحداث قرب نهاية الأيام وظهور الوحش. ومما يؤكد هذا (رؤ12:17) "والعشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكاً بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش" (راجع رؤ17) وبهذا التدعيم من الملوك العشرة للوحش سيخربون العالم ويضطهدون شعب الله ولكن سيكون شكل الدولة الرومانية مختلفاً. بعض من ملوكها حديد والآخر من خرف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وفي شكل الإمبراطورية الأول سيكون الملوك متعاقبين وهم بدأوا بنيرون وانتهوا بدقلديانوس (في القرن الرابع الميلادي) . وفي الشكل الجديد للإمبراطورية الرومانية سيكون العشرة ملوك في وقت واحد ومتزامنين مع ظهور الوحش، هذا الذي "يبيده المسيح بنفخة فمه" عند ظهوره الثاني (2تس8:2) . وبهذا نفهم كيف تحمل الريح عصافة البيدر (دا 35:2) وبهذا نرى هلاك كل أعداء الله وكنيسته (يه15) . ولاحظ أن الكلمات العظيمة ليست إلا كلمات باطلة سيعطي الناس عنها حساباً في اليوم الأخير. وبعد أن تزال هيئة هذا العالم سيكون شعب الله في مجد أبدي مع عريسهم في السماء. وراجع (رؤ1:13، 2) فالوحش الذي خرج من البحر كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد، أي نفس شكل الحيوانات السابقة ولكن نجدها هنا مجتمعة في وحش واحد أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً. فيبدو من هذا أن وحش الأيام الأخيرة سيكون جامعاً لكل صفات الوحوش السابقة الشريرة. فالشيطان في نهاية الأيام سيكون محلولاً لزمان يسير وهذه الأيام هي أيام الضيقة العظيمة التي لو لم تقصر لما خلص جسد (مت22:24) وراجع (إصحاح2) فالشيطان هو القوة المحركة وراء التمثال ووراء الوحوش أي وراء الممالك التي تضطهد شعب الله.
    ولنلاحظ أن المجيء الأول للمسيح كان في عصر حقوى التمثال الحديدية، وقبل أن تنقسم الدولة الرومانية إلى مملكتين شرقية (روما) وغربية (القسطنطينية)، ويمثلهما القدمين الحديديتين. أما المجيء الثانيسيجيء في عصر الأصابع ليبيد كل سلطان في العالم،"فالأرض الأولى مضت والبحر لا يوجد فيما بعد" . وفي مجيء المسيح الأول لم يخضع له كل العالم (عب8:2) ، لكن في مجيئه الثاني سيخضع الجميع للآب (1كو28:15) وحينئذ يصبح المؤمنين جبلاً سماوياً يملأ الأرض الجديدة (دا 35:2 + رؤ1:21). فالآن المؤمنين وهم جسد المسيح قد صاروا جبلاً رأسه المسيح ولكن الصورة ستكتمل في مجيء المسيح الثاني. حين يَكْمَل الجبل (رؤ6: 9 – 12) الذي بدأ بحجر صغير (المسيح) الذي قُطِع من جبل (هو جسد البشرية) وظل ينمو حتى صار جبلاً كبيرا (انتشرت الكنيسة في كل العالم). وحينئذٍ يأتي المسيح ليدين العالم.
    الآيات (13، 14): "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة.سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض." نبوخذ نصر رأى المسيح كصخرة قطعت بلا يد فهو ملك وثني، أما دانيال المحبوب من الله فقد رآه هنا شخصياً "مثل ابن إنسان" . والمسيح وجد في الهيئة كإنسان ليصبح وسيطاً بين الله والناس ليقترب الناس في المسيح من الآب. وهذا معنى قربوه قدامه = فبه تمت المصالحة . وكلمة قربوه تعني قدموه ذبيحة أي تقدمة (ومنها كلمة قربان) (لا2:1 + 1:2 + 1:3.. إلخ) فالمسيح قُدِّم ذبيحة ليصالح الله مع الناس. وتأتى هنا كلمة قرَّبوه عن ابن الإنسان في مشهد الدينونة ففي الآيات 9، 10 نرى مشهد الدينونة. والمسيح ابن الإنسان سيشفع فينا يومها. وهو مثل ابن إنسان لأنه في حقيقته هو ابن الله وهو ابن الإنسان ولكنه بلا خطية. وحين ظهر لدانيال ظهر مع سحب السماء، فالسحب تصاحب ظهور الله في مجده (راجع حزقيال 1). وهكذا في صعود المسيح حجبته سحابة وفي مجيئه الثاني سيأتي على السحاب من السماء. وبالمقارنة مع الوحوش فهي تأتي من البحر. هو صعد ليجلس عن يمين أبيه فيعد لنا مكاناً، وفي مجيئه الثاني يأتي ليأخذنا لهذا المكان. وفيه سنوجد نحن قريبين من الله. وهذه المملكة الأبدية لم ولن تقوم مملكة أخرى بعدها. ولهذه النبوة كان المسيح يشير في رده على رئيس الكهنة في (مت64:26) وهكذا فهمها رئيس الكهنة لذلك قال قد جَدَّفَ.
    الآيات (15-28): "أما أنا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وأفزعتني رؤى رأسي. فاقتربت إلى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.فأخبرني وعرّفني تفسير الأمور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة هي أربعة ملوك يقومون على الأرض. أما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين. حينئذ رمت الحقيقة من جهة الحيوان الرابع الذي كان مخالفًا لكلها وهائلًا جدًا وأسنانه من حديد وأظفاره من نحاس وقد أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وعن القرون العشرة التي برأسه وعن الآخر الذي طلع فسقطت قدامه ثلاثة وهذا القرن له عيون وفم متكلم بعظائم ومنظره أشد من رفقائه. وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم. حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة. فقال هكذا. أما الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك فتأكل الأرض كلها وتدوسها وتسحقها. والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك. ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ويظن أنه يغيّر الأوقات والسّنّة ويسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان. فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا إلى المنتهى. والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي.ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون. إلى هنا نهاية الأمر.أما أنا دانيال فأفكاري أفزعتني كثيرًا وتغيّرت عليّ هيئتي وحفظت الأمر في قلبي." فزع دانيال مما رآه خصوصًا ما عرفه عن الحيوان الرابع والقرن الصغير، وسأل بخصوصهما فهو عرف وحشيتهما واضطهادهما لقديسي العلي. وكلام القرن الصغير ضد العلي وكان رد الملاك أن الوحوش هم أربعة ملوك يقومون على الأرض= فهم أرضيين وهذا القرن مع هذا الوحش وبتخطيط الشيطان سيحاولون أن يضعفوا شعب الله بالظلم المتواصل. وفي تخطيطهم أن يفنوهم ولكن كنيسة الله باقية للأبد فهي سماوية. والقرن يظن أنه يغير الأوقات والسنة= أي يلغي كل شرائع الله. زمان وأزمنة ونصف زمان = هي طريقة نبوية في التعبير عن فترة يراها الله في حكمته وتدبيره أنها مناسبة بمعنى ملء الزمان. ولكنها تشير لصعود مفاجئ وهبوط مفاجئ، فالله سيسمح لهذه القوى الشيطانية أن تحارب الكنيسة لفترة ثم يأتي هو على السحاب. كل وحش من هؤلاء يمكن تسميته ضد المسيح، هذا يصعد نجمه فجأة وكما صعد فجأة سينهار فجأة. ولكن وسط هذه الأخبار الصعبة نجد آيات معزية مثل (18:7، 22) ونجد تفسيرها في (26:7، 27) وهي تشير للمجيء الثاني الذي به تنتهي كل الضيقات تمامًاً. بالمجيء الأول صار لشعب الله سلاماً داخلياً ليس من هذا العالم، ولكن مازال الجسد يعاني والسبب أن الجسد مازالت تسكنه الخطية (رو17:7، 18) لذلك فهذه الضيقات هي للتأديب، ومن يحبه الرب يؤدبه (عب6:12) فلنفرح بهذه التجارب (يع2:1) أما بعد "التبني فداء الأجساد" (رو23:8) ستنتهي آلام الجسد ويمسح الله كل دمعة من العيون ولا يعود هناك حر ولا برد ولا جوع ولا عطش ولا مرض ولا موت ولا اضطهاد ولا ظلم. وسيحكم القديسين على هذا العالم (1كو2:6) ولكن كيف؟ القديسون سيشهدون على العالم في اليوم الأخير. حين يحاول أحد الأشرار أن يعتذر عن تقصيره وأعمال فجوره بأنه كان بشراً ضعيفاً، يظهر هؤلاء القديسين أنه كانت لهم نفس الطبيعة ولكنهم آثروا طاعة الله على كل شيء. وفي (22) الدِّين= أي القاضي أو هيئة المحكمة، وتعني أيضاً أن القديسون سيدينون العالم من خلال المسيح رأسهم (مت28:19) ومُلك القديسين ليس ملكاً جسدياً على الأرض لكنه هو مُلك روحي فمملكة المسيح ليست من هذا العالم، ولكن هو الآن.. مُلك أولاد الله على شهواتهم وفساد طبيعتهم وإنتصاراتهم على الشيطان واغراءاته وعلى الجسد، وهو إنتصار الشهداء على الموت ومخاوفه. هي مملكة نور وحب وقداسة ونعمة وكل هذا هو عربون المجد السماوي. والقديسون سيمتلكون المملكة للأبد لأن مَلِكَهُمْ أبدي. ونحن نملك لأننا في المسيح فنحن جسده، وهو يحتوينا في جسده فهي وحدة في جسده "أنا حي فأنتم ستحيون" (يو19:14) . فمملكة الله هي للقديسين. نحن نملك الآن وعدا بالميرث السماوي وبعد المجيء الثاني سنملك حقيقة هذا الميراث.
    الدِّين(ما بين الآيتين 22، 26)
    بحسب الترجمة الإنجليزية (NKJV) جاءت كلمة الدِّين في الآية 22 هكذا
    And a judgment was made in favor of the saints of the Most High
    وجاءت كلمةالدِّينفي الآية 26 هكذا
    But the court shall be seated
    فكانت كلمة الدِّين في الآية 22 بمعنىحكماأصدره الله الديان لصالح قديسيه. أما فيالآية 26 فجاءت بمعنى الدينونة ، حين يجلس الله ليدين الوحش الرابع والعشرة القرونوالقرن الصغير وينزع سلطانهم ويبيدهم.
    وفي (19) أسنانه حديد وأظافره نحاس = هذا يتفق مع ما قيل سابقاً أن عصر اليونان تميز بالنحاس وعصر الرومان تميز بالحديد ولكن مختلطاً بالنحاس فكانت أسلحتهم من حديد أساساً لكنها بنحاس . وآية (21) أن القرن يحارب القديسين ويغلبهم = هي التي جعلت النبي يفزع في آية (15).

  9. #9
    الاصحاح الثامن
    نبوات هذا الإصحاح تتحدث عن المملكتين القريبتين فارس واليونان ويبدو أنها تشير لمجيء ملك من نسل اليونانيين سماه القرن الصغير أيضًا ويكون رمزًا لضد المسيح (الوحش) الذي سيأتي في نهاية الأيام. وابتداء من هنا عاد النبي ليكتب بالعبرية فالكلام لشعب الله. وقصد الله أن يعزي شعبه ويخبرهم عن الأيام الآتية وحتى نهاية الزمان. وبينما كانت رؤيا النبي في إصحاح (7) في الليل وهو نائم، كانت هذه الرؤيا وهو مستيقظ لذلك تسمى الأولى رؤيا المساء وتسمى هذه الرؤيا رؤيا الصباح. وكانت هذه الرؤيا في شوشان وكان بها قصور ملوك الفرس، وقد يكون النبي رأي هذه الرؤيا وهو في الروح بينما مازال بالجسد في بابل. الآيات (1-8): "في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لي أنا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء. فرأيت في الرؤيا وكان في رؤياي وأنا في شوشان القصر الذي في ولاية عيلام. ورأيت في الرؤيا وأنا عند نهر أولاي. فرفعت عينيّ ورأيت وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيرًا. رأيت الكبش ينطح غربًا وشمالًا وجنوبًا فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعظم. وبينما كنت متأملًا إذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمسّ الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه. وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفًا عند النهر وركض إليه بشدة قوته. ورأيته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده. فتعظم تيس المعز جدًا ولما اعتزّ انكسر القرن العظيم وطلع عوضًا عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الأربع." تم تمثيل مملكة مادي وفارس بكبش ذو قرنين. وكان الكبش رمزاً لهذه المملكة يضعون صورته على راياتهم. وكان ملوكهم يلبسون رؤوس كباش من ذهب كتيجان خصوصاً في حروبهم. والقرنان في الرؤيا هما مادي وفارس. وكانت فارس هي الأصغر ولكنها صارت الأكبر ولم تعد مادي تذكر فيما بعد= والأعلى طالع أخيراً. وكورش أصبح أشهر من الماديين بل أصبح كل ملوك هذه المملكة من الفرس. وفي (4) كان الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً = فهم في فتوحاتهم لم يتجهوا أبداً ناحية الشرق، بل وصلوا غرباً لحدود اليونان، بل حاولوا غزو اليونان نفسها وفشلوا، ووصلوا جنوباً إلى مصر وإثيوبيا (كوش) وشمالاً تجاه ليديا وأرمينيا والسكيثيين. ولم يقف حيوان قدامه = لم يقف ملك أمامهم. وفي (5) تيس الماعز هو الإسكندر الأكبر الذي أتي من المغرب= أي من الغرب. كان يرمز للإله جوبيتر بتيس وعُثِرَ في الأثار أن التيس كان رمزاً للجيش اليوناني. ولم يمس الأرض= إشارة لسرعة فتوحاته، وهذه تقابل في الرؤيا السابقة الأجنحة الأربعة. ولم تجدي معه أي مقاومة لذلك سمى = قرن معتبر. وللآن فالعالم يحفظ اسمه كأحد أعظم القادة، وهو هجم على الفرس بجيش قوامه 30ألف جندي و5000حصان، وهاجمهم بسرعة قبل أن تكتشف مخابرات فارس عددهم القليل. وركض إليه بشدة قوته = فهو ضرب ملك الفرس داريوس قدمانوس بعنف بالرغم من أن جيش الفرس كان أكثر عدداً، لكن مهارة اليونان أفضل. ونجد هنا 3 تعبيراتضرب الكبش، كسر قرنيه، طرحه على الأرض وداسه= وهناك رأي بأن هذه تشير لثلاث معارك دارت بين اليونان والفرس، وكان النصر فيها لليونان وهي جرانيكوس وأبسوس وأربيلا وبها تسيد الإسكندر تمامًاً وقتل في المعركة الأخيرة 600.000 رجل فكسر قرني الكبش وكان الإسكندر حين بدأ معاركه في عمر يناهز العشرين عاماً وهزم داريوس وعمره 26عاماً، ومات وعمره 32 أو 33 عاما في عز مجده، ويقال من إفراطه في الشراب. ولم يترك إبناً يرثه فإمتلك قادته الأربعة مملكته = أربعة قرون معتبرة (ملوك اليونان وتركيا وسوريا ومصر) . ومن كثرة ما كان للإسكندر فحين وزعوا أملاكه على قادته الأربعة أصبح لكل واحد منهم أملاكاً كثيرة. فتوزعت المملكة على رياح السماء الأربع= أي في كل أنحاء العالم وهناك قصة سجلها المؤرخ يوسيفوس بخصوص هذه النبوة، فبعد أن سقطت صور وفلسطين في يد الإسكندر بلغت أخبار فتوحاته يدوع رئيس كهنة اليهود فخاف حين علم أن الإسكندر في طريقه إلى أورشليم، وصلى طالباً سلامة بلاده، فأوحى له الله أن يقابل الإسكندر بملابسه الكهنوتية كاملة هو ومعه كهنته من ورائه أما الشعب فيلبسون ملابس بيضاء. وهكذا كان، فحين رأي الإسكندر هذا المنظر ذهب ليسجد لرئيس الكهنة، ولما سأله قادته عن سبب ذلك قال أنه رأي ذلك المنظر نفسه قبل أن يخرج من مقدونية في حُلْمْ، وأن رجلاً في الحلم له نفس شكل رئيس الكهنة وعلى رأسه العمامة مع الصفيحة الذهبية المنقوش عليها "قدسٌ للرب" قد تنبأ له بالإنتصارات في آسيا (في الحلم) ثم قاد يدوع الإسكندر فقدم ذبيحة لإله إسرائيل، وأروه نبوات دانيال بخصوصه التي ذكر فيها أنه سيدمر الفرس وكان هذا مما شجعه في هجومه على داريوس. بل بعد ذلك وضع اليهود تحت حمايته هم وديانتهم ووعد بأن يكون شفوقاً على كل يهودي يلقاه في فارس، وتكريماً للإسكندر سمَّى الكهنة أولادهم المولودين في هذه السنة بإسمه. ولاحظ أن هذه النبوة كتبت قبل أن تتحقق بحوالي 200 سنة، بل قبل قيام دولة الفرس أصلاً = في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر.
    الآيات (9-14): "ومن واحد منها خرج قرن صغير وعظم جدًا نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي. وتعظم حتى إلى جند السموات وطرح بعضًا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم. وحتى إلى رئيس الجند تعظم وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه. وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح. فسمعت قدوسًا واحدًا يتكلم فقال قدوس واحدًا لفلان المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين. فقال لي إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس."
    St-Takla.org Image: Daniel Prophecyصورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي
    هذا القرن الصغير يشير لملك من نسل السلوكيين وهو أنطيوخس إبيفانيوس أي اللامع، ولكن اليهود تلاعباً بالألفاظ أطلقوا عليه إبيمانس أي المجنون. وهو قرن صغير لأن بدايته كانت ضعيفة جدًاً وحقيرة فكان مسجوناً كرهينة في روما، ولكنه تمكن من الهرب. واستولى على المملكة في حياة أخيه الأكبر. ثم تقوى حتى وصل لأن ضرب مصر مملكة الجنوب القوية وفارس وأرمينيا شرقاً. والنبوة تشرح الأضرار التي لحقت بشعب اليهود منه، وسميت أورشليم هنا فخر الأراضي= ففيها سيولد المسيح، وفي زمن أنطيوخس كان فيها هيكل الله. وهو دخل الهيكل وأخذ كل كنوز بيت الرب والمنارة الذهب والمائدة ومذبح المحرقة وأقام مذابح للأوثان في كل مكان. وكان يقتل بوحشية من لا يأكل لحم الخنزير وقتل مرة 100000 يهودي (2مك7:6) . وهو تعظم وتكبر على الله نفسه وحرم رئيس الكهنة أونيا من وظيفته وخدمته. فصار مثل فرعون الذي قال "من هوالله" ؟ ولاحظ أن من يضطهد أولاد الله يضطهد الله نفسه. وهو أبطل المحرقة الدائمة= أي الذبيحة المسائية والذبيحة الصباحية. وهو غالباً منع كل الذبائح لله. ولكنه يذكر المحرقة الدائمة بمعنى إبطال العبادة فهذه أهمها لأنها تمثل العبادة المنتظمة التي تربط الشعب بالله. وهو دنَّسَ الهيكل بجعله هيكلاً لجوبيتر أوليمبوس ووضع فيه تمثالاً له. بل هو قَدَّم خنزير (وهو نجس عند اليهود) على المذبح. وهو حارب جند السماوات= أي شعب الله، فشعب الله هم مملكة السماء. أو هم الكهنة واللاويين. والنجوم = أي اللامعين من الكهنة فهو جعلهم إما يسجدون لآلهته أو يقتلهم. وهو هدم كثيراً من الهيكل وخربه، وهو طرح الحق= أي طرح كتاب الناموس ومزَّقه وأحرقه في محاولة لجعل الشعب ينساه تمامًاً. ولنلاحظ أنه كان له هذه القوة لأن الله سمح له بذلك، فالشعب كان قد أغاظ الله جدًاً، هم وكهنتهم أيضاً (ملا7:1، 8 + 1:2، 8) ولذلك أرسل الله أنطيوخس ليمنع ذبائحهم، فالله يحرم الناس من بركاته التي لا يقدرونها. ورئيس الجند = رئيس شعب الله. وأنطيوخس هذا يسمى الوحش الأول فهو رمز لوحش ثان سيظهر مثله في الأيام الأخيرة وسيخرب العالم. وقد حَدَّدَ الله المدة التي سيحدث فيها الإضطهاد فهم في هذه الفترة سيكونون بلا أنبياء. وحدد المدَّة بأنها 2300 صباح ومساء = فهذا هو الأسلوب العبري في التعبير عن اليوم الكامل، وكان اليوم يبدأ من غروب الشمس. وهذه المدة تساوي 6 سنين+ 3 شهور+ 18 يوما. وهي نفس المدة من يوم دنَّس الأمم اليونانيين الهيكل حتى تطهر بواسطة منيلاوس رئيس الكهنة في زمان المكابيين. والله يحسب مدة ضيقة شعبه فهو "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم" (إش63: 9). وهو هنا يظهر لهم أنه سيريهم أياماً سعيدة بعد تطهير الهيكل مما يحمل أخباراً معزية لهم. وهذه القصة نجدها في سفر المكابيين بالتفصيل. وفي آية (13) الملاك يُسَّمى قدوس. والملاك هنا يظهر اهتمامه بشعب الله. ويسأل إلى متى هذه الضيقات، فهو خاف من إرتداد الشعب لو زادت مدة الضيقة، وهو سأل دون حتى أن يسأل دانيال نفسه ونضيف قول السيد المسيح عن السمائيين، بأنه "يصير فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" فنفهم أنهم يفرحون لأفراحنا وتوبتنا وخلاصنا بل هم يستقبلون من ينتقل (قصة لعازر والغني) . وبمعرفتنا أنهم يكلمون الله ويصلون دائماً، أفلا يثبت هذا شفاعتهم عنا.
    ملحوظة: بعد أن طهر الشعب الهيكل أخذوا يحتفلون بهذه المناسبة بعيد جديد أسموه عيد التجديد، ونجد أن المسيح احتفل به أيضاً (يو22:10) وكانت المدة التي استمر فيها الهيكل نجساً تمتد من سنة171- سنة165 ق.م.. وكان الملاك في آية (13) يكلم فلان المتكلم = فمن هو فلان هذا؟ غالباً هو المسيح كلمة الله الذي لم يكن أحد قد عرف اسمه. والملاك يسأل المسيح، فالمسيح وحده هو الذي يعلم كل شيء. وحتى وقت هذه الرؤيا لم يكن للمسيح اسم فهو لم يكن قد تجسد "لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب" (قض18:13).
    St-Takla.org Image: Ancient (old) Coptic icon of Archangel Gabriel (El Malak Gobrail)صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة أثرية قديمة تصور الملاك جبرائيل رئيس الملائكة
    الآيات (15-27): "وكان لما رأيت أنا دانيال الرؤيا وطلبت المعنى إذا بشبه إنسان واقف قبالتي. وسمعت صوت إنسان بين أولاي فنادى وقال يا جبرائيل فهّم هذا الرجل الرؤيا. فجاء إلى حيث وقفت ولما جاء خفت وخررت على وجهي.فقال لي افهم يا ابن آدم أن الرؤيا لوقت المنتهى. وإذ كان يتكلم معي كنت مسبخًا على وجهي إلى الأرض فلمسني وأوقفني على مقامي. وقال هأنذا أعرّفك ما يكون في آخر السخط.لأن لميعاد الانتهاء. أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس. والتيس العافي ملك اليونان والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول. وإذ انكسر وقام أربعة عوضًا عنه فستقوم أربع ممالك من الأمة ولكن ليس في قوته. وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل. وتعظم قوته ولكن ليس بقوته.يهلك عجبًا وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين. وبحذاقته ينجح أيضًا المكر في يده ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر. فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق.أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيام كثيرة. وأنا دانيال ضعفت ونحلت أيامًا ثم قمت وباشرت أعمال الملك وكنت متحيّرًا من الرؤيا ولا فاهم." في (15) دانيال طلب المعنى في صلاته والله لم يرفض طلبه. وإذا بشبه إنسان= هذا هو المسيح لأنه يعطي أوامر للملاك جبرائيل ليشرح لدانيال. ودليل أنه المسيح أنه خاف وخَرَّ على وجهه (17). والرؤيا لوقت المنتهى = أي حينما ينتهي تدبير الله الخاص بكل هذا. ولكنك يا دانيال لن تعرفه الآن ولكن سَجِّلْهُ للأجيال القادمة. مسبخا= في الإنجليزية deep sleep = النوم العميق، وهذا ربما يكون راجعا لخوفه من الرؤيا أو عدم احتماله لها. في (26) قوله أن الرؤيا إلى أيام كثيرة بالإضافة لقوله لوقت المنتهى توحي بأن هذا القرن الصغير يشير لضد المسيح الذي سيظهر في الأيام الأخيرة ويضطهد شعب الله "ويجلسنفسه في هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله" (2تس3:2، 4) وهذه نفهمها بأنه سيعطل الصلاة بالكنائس. وفي هذا نجد أن أنطيوخس إبيفانيوس يرمز لضد المسيح، فأنطيوخس أبطل المحرقة الدائمة أي أوقف العبادة في الهيكل.
    وبالنسبة لأنطيوخس إبيفانيوس فكما شرح الملاك لدانيال أنه سيأتي في نهاية مملكة اليونان حين يملأ اليهود كأس معاصيهم ويكونون مستحقين لهذا الخراب، ويكون هذا الملك قضيب تأديب لهم. وتعظم قوته ولكن ليس بقوته = بل بقوة الشيطان وهذا ما يجعلنا نطبقه على ضد المسيح (رؤ2:13) "وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانا عظيما". فالتنين هو اسم من أسماء الشيطان.
    أنه لميعاد السخط = أي بسبب سخط الله على اليهود سمح بهذا ضدهم. وفي (23) يسميه فاهم الحيل فهو ماكر جدًاً. وجافي الوجه = أي قاسياً جدًاً. وكان يُحكي عن أنطيوخس أبيفانيوس هذا أنه كان ماكراً جدًاً ودموياً. وهكذا سيكون ضد المسيح (رؤ15:13) فهو بمكره سيجعل صورة الوحش تتكلم، ومن دمويته يجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون . وهذا نفس ما قاله السيد المسيح عن ضيق هذه الأيام الأخيرة "لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد" (مت24: 22). وكلاهما يهلك عجباً= فهو سيهلك الناس الأقوياء ولن يقف في وجهه أحد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ويبيد العظماء وشعب القديسين = فهو له سلطان على الجسد ولكن ليس على الروح. وقوته قائمة على الخداع فأنطيوخس مثلاً بغشه وبمعاهداته الكاذبة دَمَّر الكثير في الحروب. وهو عقد معاهدات غاشة ليَطمإِن له خصومه ثم يغدر بهم = في الإطمئنان يهلك كثيرين. وبهذا يضمن أن يخضع الكل له. ولنجاحه يتصور أنه يستطيع أن يقف في وجه رئيس الرؤساء نفسه أي الله وهيكله.
    وبلا يد ينكسر= فالله هو الذي يهلكه ويميته. وأنطيوخس لم يمت في حرب أو إغتيال بل هو وقع في يدي الله الحي الذي أباده بنفخة فمه. وهذا حدث كما يلي: فهو سمع أن اليهود نزعوا صورة جوبيتر أوليمبوس من الهيكل بقيادة المكابيين حيث وضعها هو، فهاج جدًاً على اليهود وأقسم أن يجعل أورشليم مقبرة عامة وعزم على التوجه فوراً لأورشليم. ولكن بعد أن تفوه بهذه الكلمات الوقحة إبتلاه الرب بضربة عديمة الشفاء في بطنه وتوالد الدود في بطنه بسرعة كبيرة حتى أن أجزاء من لحمه صارت تتساقط ولم يكن أحد يستطيع أن يقترب منه من رائحة نتانته. وطالت مدة معاناته من هذا المرض. ووعد أنه لو شفي من مرضه لما عاد لإضطهاد اليهود، والله لم يشفه، فالله يعلم أنه لو شفاه لكان قد عاد لقسوته، ولكان استمر في تعذيب شعب الله. ولكن حين يأس من الشفاء استدعى أصدقائه واعترف أمامهم أن السبب في ألامه هذه هو إضطهاده لليهود وتدنيسه للهيكل، وكتب خطابات لليهود يعدهم فيها أنه لو شفى سيسمح لهم بممارسة شعائرهم بحرية. وحينما زاد عليه المرض ولم يعد يستطيع احتمال رائحته إعترف قائلاً "أنه من المناسب أن يخضع الإنسان لله، فالإنسان يموت، وعليه أن لا يتحدى الله" ومات بائساً في أرض غريبة على جبال باكاتا قرب بابل حوالي سنة 160ق.م.
    الرؤيا هي حق = أي أن الله سيحتمل تدنيس مقادسه هذه المدة.
    وكان على دانيال أن يكتم الرؤيا حتى لا يغتاظ الفرس بسببها، الذين كانوا سيستولون على بابل وقد يمتنعون بسببها عن تحرير اليهود. فالنبوة تشير لإنكسار الفرس أمام اليونان.
    وهي لأيام كثيرة = فهي تحققت بعد 300 سنة فالله لا يريد كشف كل شيء وإلا تعطلت خططه. وبالرغم من ضعفه قام وباشر عمله = علينا إذاً أن نمارس أعمالنا بأمانة حتى آخر يوم في حياتنا، ملتصقين بالله وخائفين الله.

    ملاحظات:
    مكان الرؤيا = كانت في شوشن المعروفة عند اليونان باسم سوسا. وتسمى في سفر نحميا ودانيال شوشن القصر لأن فيها قصور ملوك الفرس، وفيها جرت أحداث سفر إستير. وموضع هذه المدينة بين نهري الكرخي وأولاي وهما فرعا نهر واحد يتشعب على بعد 20 ميل من شوشن، ولهذا يصح قول دانيال أنه كان عند نهر أولاي (آية 2) وبين أولاي (آية16).
    نبوة الـ2300 يوم = كما رأينا قبلاً فقد تحققت النبوة حرفياً، فكانت المدة بين تنجيس الهيكل بواسطة أنطيوخس إبيفانيوس وتطهيره أيام المكابيين 2300 يوماً تمامًاً. ولقد ظن البعض أنه يمكن تطبيقها على المستقبل بحساب اليوم = سنة (كما سنرى في نبوة السبعين أسبوعاً دا 9) ويسمون هذه الأيام أياماً نبوية فتكون المدة 2300 سنة وذلك حتى يتطهر القدس ولكن:-
    [1] متى تبدأ هذه الـ 2300 سنة ؟ هنا يختلف المفسرون. وعلينا بتواضع أن نقول مع دانيال كنت متحيراً من الرؤيا ولا فاهم = فالنبوات لا يصح أن تكون واضحة تمامًاً، بل هي تتضح قرب أو بعد تتميمها.
    [2] قول الرب هنا واضح أنها 2300 صباح ومساء، إذاً هي أيام وليست سنيناً مثل (دا 9). فالتعبير اليهودي عن اليوم هو صباح ومساء.
    [3] قال البعض أنها تبدأ يوم دخول الإسكندر الأكبر إلى أورشليم سنة 333 ق.م. وهذا خطأ بكل المقاييس. فلقد رأينا ما حدث من الإسكندر وسجوده لرئيس الكهنة، بل أنه فرض حمايته على اليهود، فكيف تنجس القدس عند دخول الإسكندر إلى أورشليم ؟!. وألم يلاحظ من يقول هذا أن البابليين قد دنسوا الهيكل وحطموه تمامًا سنة 586 ق.م.، وألم يكن من الأوقع أن يعتبروا أن البداية هي سنة 167 ق.م. يوم قدَّم أنطيوخس خنزيرة على مذبح الله !
    كانت رؤيا هذا الإصحاح عند نهر أولاي ولاحظ أن بابل وفارس إشتهرتا بنظام مائي عجيب وشق القنوات للزراعة ، وهذا ما جعل إرمياء يقول عن بابل "الجالسة على مياهكثيرة"(38:50). وقد أتى عليها الفرس لغناها (37:50). والفرس هم أيضاً اشتهروا بنظام للقنوات والأنهار لزيادة غناهم. وبسبب غناهم أتى عليهم الإسكندر. لذلك رأي دانيال رؤيته بجانب النهر سبب خيرهم وغناهم ، وهذا سيأتي عليهم بالخراب والسلب على أيدي اليونانيين. وكان نهر أولاي أضخم هذه القنوات بعرض 100متر تقريباً. وكانت هذه الأنهار والقنوات تستعمل أيضاً في المواصلات والتجارة وهذا مما زاد في غناهم. وكانت قوة الفرس في غناهم وثرواتهم. وحيث أن هذا الإصحاح يشير للفرس كقوة عالمية تؤثر في مجرى الأحداث فمكان الرؤيا يشير لسبب قوتهم أيضاً.


  10. #10
    الاصحاح التاسع
    نجد هنا صلاة دانيال من أجل خلاص اليهود وعودتهم لبلادهم. وفيها يعترف بخطاياهم واستحقاقهم لكل هذه المآسي ولكن يطلب مراحم الله (1-19) ثم نجد إجابة فورية من الملاك لصلاته، وفيها يعلنه أن خلاصهم من السبي لهو سريع جدًا (20-23). ثم أخبره بخلاص العالم كله بفداء يسوع المسيح، وأن خلاصهم من السبي لهو رمز للخلاص الذي بالمسيح. وأخبره بنوع هذا الفداء وتوقيته (24-27). وهذه هي أوضح نبوات العهد القديم وأكثرها إشراقًا عن المسيح. الآيات (1-3): " في السنة الأولى لداريوس بن أحشويروش من نسل الماديين الذي ملك على مملكة الكلدانيين. في السنة الأولى من ملكه أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم. فوجهت وجهي إلى الله السيد طالبًا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد." انتهي الإصحاح السابق ونحن نجد دانيال يعمل عمله في قصر الملك. ولكن دانيال كان له عملاً آخر مقدس، فهو مهتم بشعبه ويصلي لأجلهم وبالرغم من أهمية مركزه فهو كرئيس للوزراء، لكنه يجد وقتاً للصلاة ولم يتحجج بمركزه ولا بمشاغله ولا بسنه. وهناك نقطة أخرى فهو كان يمكنه أن يقول "إذا كان قصد الله إسترجاع شعبه فإنه لا بُد أن يتمم قصده بغض النظر عن صلاتي، وما حاجتي أن أشغل نفسي بهذه القضية" غير أنه كان يدرك أن الله قبل بدئه بالعمل، يبدأ بإنهاض نفوس شعبه ليردهم عن ضلالهم ويسترجعهم لنفسه بالتوبة فتكون البركة نتيجة لوصولهم إلى درجة روحية تسمح بذلك. وكان سفر إرمياء ونبواته عن مدة السبي هو مرجع دانيال لمعرفته موضوع الـ 70 سنة (إر11:25 + 10:29) وحسبها دانيال من يوم سبيه وكان هذا سنة 606 ق.م.، وكان الوعد في إرمياء "سأفتقدكم وأحسن إليكم بعد تمام السبعين سنة" . وهو صدَّق هذه النبوات وبدأ يطالب الله بتنفيذها فوجهت وجهي إلى الله = هذا يعبر عن ثباته في الطلب واهتمامه به ليس خلال الصلوات فقط بل حتى في أثناء إنشغاله في عمله. فهو كل اليوم كان رافعاً قلبه لله.
    وواضح أن الله كشف لدانيال عن هذا الميعاد بسبب انشغاله بما جاء في الكتاب المقدس. فعلينا أن ننشغل به ونصادقه ففيه نبوات كثيرة سوف تنكشف في حينها حين يأذن الله بذلك، لكن علينا فقط أن نوجه وجهنا إلى الله ونقرأ يوميًا وننشغل بما نقرأ ونطلب من الله الفهم. ولم يكن دانيال مصليًا فقط بل متذللًا بصوم في مسوح ورماد. الآيات (4-19): "وصلّيت إلى الرب الهي واعترفت وقلت أيها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الأرض. لك يا سيد البر.إما لنا فخزي الوجوه كما هو اليوم لرجال يهوذا ولسكان أورشليم ولكل إسرائيل القريبين والبعيدين في كل الأراضي التي طردتهم إليها من أجل خيانتهم التي خانوك إياها. يا سيد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا لأننا أخطأنا إليك. للرب إلهنا المراحم والمغفرة لأننا تمردنا عليه. وما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك في شرائعه التي جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء. وكل إسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه. وقد أقام كلماته التي تكلم بها علينا وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا ليجلب علينا شرًا عظيمًا ما لم يجر تحت السموات كلها كما أجري على أورشليم. كما كتب في شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا لنرجع من آثامنا ونفطن بحقك. فسهر الرب على الشر وجلبه علينا لأن الرب إلهنا بار في كل أعماله التي عملها إذ لم نسمع صوته. والآن أيها السيد إلهنا الذي أخرجت شعبك من أرض مصر بيد قوية وجعلت لنفسك اسمًا كما هو هذا اليوم قد أخطأنا عملنا شرًا. يا سيد حسب كل رحمتك اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم جبل قدسك إذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عارًا عند جميع الذين حولنا. فاسمع الآن يا إلهنا صلاة عبدك وتضرعاته وأضئ بوجهك على مقدسك الخرب من أجل السيد. أمل آذنك يا إلهي واسمع افتح عينيك وانظر خربنا والمدينة التي دعي اسمك عليها لأنك لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أما وجهك بل لأجل مراحمك العظيمة. يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد أصغ واصنع.لا تؤخر من أجل نفسك يا الهي لأن أسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك." نجد هنا صلاة دانيال ولاحظ فيها الاعتراف بالخطية. وهذا ما نكرره في صلوات الأجبية في المزمور الخمسون. وهو اعترف بخطاياه وخطايا الشعب. ليس ليلقي الذنب على الشعب ويبرر نفسه وإلا لما قال أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر، لكنه يعترف بأن الله بار وعادل وهو لم يظلم شعبه، وهذا واضح في آية (7) لك يا سيد البر. وهو يشعر أنهم لا يستحقون سوى هذا، إنما لا يطلب سوى مراحم الله (16). وهو أيضًا يعطي المجد لله فالله في عهد مع شعبه (4، 15)، إذا التزموا بالوصية تفيض عليهم بركاته، وإذا لم يلتزموا بها يتألمون. ولكن الله لا يعطينا بحسب ما نستحق بل بحسب مراحمه، لذلك تكرر الكنيسة كلمة "ارحمنا".. كيريى ليسون.. يا رب أرحم. ويضاف عنصر آخر لصلاة دانيال وهو اللجاجة يا سيد أغفر يا سيد إصفح وإصنع، وصلاة مثل هذه لا يرفضها الله.
    بركات صلاة دانيال:

    1. ظهور المسيح له أكثر من مرة بل أن دانيال هو الذي أطلق اسم ابن الإنسان على المسيح وهو رآه في مجده على السحاب، وحدد موعد مجيئه الأول.
    St-Takla.org Image: Ancient (old) Coptic icon of Archangel Gabriel (El Malak Gobrail)صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة أثرية قديمة تصور الملاك جبرائيل رئيس الملائكة
    2. صار دانيال صديقًا للملائكة جبرائيل وميخائيل وأسمته الملائكة " الرجل المحبوب". 3. أعطاه الله نعمة أمام ملوك قساة القلوب سواء في بابل أو في فارس. 4. في وسط شرور هذه الممالك حفظه الله في طهارة وقداسة. 5. أعطاه الله حكمة غير عادية فكشف له الأحلام ورأى المستقبل حتى نهاية الأيام. 6. سد الله أمامه أفواه الأسود. قال أحد الآباء " من يعرف أن يصلي حسنًا يعرف أن يعيش حسنًا". الآيات (20-23): "وبينما أن أتكلم وأصلّي وأعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل وأطرح تضرعي أمام الرب إلهي عن جبل قدس إلهي. وأنا متكلم بعد بالصلاة إذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مطارًا وأغفًا لمسني عند وقت تقدمة المساء. وفهمني وتكلم معي وقال يا دانيال أني خرجت الآن لأعلمك الفهم. في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا." هو كان يصلي ويتضرع عن شعبه وعن أورشليم = جبل قدس إلهي ويعترف بخطيته وخطية شعبه نيابة عنهم= خطيتي وخطية شعبي (إن كان دانيال البار المحبوب (حز14:14+ دا 23:9 يعترف بخطيته ويتضرع فماذا نفعل نحن) وما أجمل أن نصلي لإخوتنا ونهتم بالآخرين ونصلي لأجل الكنيسة. وإذا تعلم كل واحد في الكنيسة أن لا يلاحظ السلبيات الموجودة، وإن لاحظها يصلي حتى يرفعها الله عوضاً عن الإدانة وإلقاء اللوم على الآخرين، لإمتلأت الكنيسة بالروح القدس، وإنعدمت السلبيات. لكن يبدو أن الطريق الأسهل هو ان ألقي اللوم على الآخرين ولا أعترف بأنني أنا أيضًا مخطئ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أما دانيال فمن أجل صلاته جاء له الملاك ويسميه إذا بالرجل جبرائيل= فهو اعتاد أن يراه لذلك عرفة فوراً مطاراً واغفاً = أي طائراً برشاقة وسرعة.ولمسني = لينبهه إلى خطورة الموضوع الذي سيحدثه عنه عند وقت تقدمة المساء = كانت تقدمة المساء إحدى تقدمتين يوميتين فهناك ذبيحة صباحية وهناك ذبيحة مسائية. وكان دانيال في ذلك الحين مسبياً لمدة 70 سنة لم يري فيها تقدمة في الهيكل، لكن قلبه كان متعلقاً بالهيكل والعبادة. والله هنا يرفع قلبه لما هو أهم أي الخلاص بالمسيح. وربما كان دانيال في صلاته في هذه اللحظة وهو يفكر في أورشليم المحترقة بالنار والمخربة والمتهدمة يشتاق أن يراها وقد عاد لها المجد وعادت الذبائح تقدم في هيكلها (فأورشليم المحترقة أقرب إلى قلب دانيال من بابل وفارس وهم في مجدهم). ولإنشغال قلبه بمجد الله ومجد أورشليم ظهر له الملاك ليفهمه أن مجد الله الحقيقي ليس في الذبائح الحيوانية ، ولكن في المسيح ذبيحة المساء الحقيقية وبه ستبطل الذبائح الحيوانية. ونلاحظ أن المسيح أسلم الروح وقت المساء علي الصليب. والمسيح قدم نفسه ذبيحة في مساء هذا العالم. والرد الآتي هو أوضح نبوات العهد القديم عن المسيح. فالإصحاح السابع كلمنا عن مملكة المسيح ابن الإنسان الذي قربوه أمام الله أي قُدِّم ذبيحة كفارة عنا ليكون شفيعنا يوم الدينونة . والإصحاح الثاني كلمنا عن الصخرة التي تقطع بغير يدين. وهذا الإصحاح يكلمنا عن ميعاد قطع هذه الصخرة أي ميعاد ولادة المسيح وميعاد صلبه أيضاً، وعمله الكفارى. وعلينا أن لا ننتظر ملاكاً كلما وقفنا لنصلي لكن علينا أن نثق بإيمان في استجابة الله لنا. ولاحظ قول الملاك في ابتداء تضرعاتك = هذا زمن رد الله في بدء الصلاة. إذاً فالله لم يستجب للكلمات التي قالها دانيال بل لقلبه المشتاق وخشوعه أمامه. واستجابة الله كانت سريعة، فالملاك جاء مطاراً واغفاً. وكلمة واغفاً تعني أنه يطير بسرعة لتنفيذ أوامر الله (حزقيال 1) . ولماذا يخبره الله بأسراره؟ هو سبق وأخبره بالآلام التي ستقع علي الشعب علي يدي أنطيوخس، وهذه الآلام هي نبوة ورمز عن آلام الكنيسة علي يد ضد المسيح في أواخر الأيام. وها هو يخبره بما هو أعظم، أي بمجيء المسيح، وهذا لأنه محبوب = فالله أظهر ليوحنا أسراره في الرؤيا فهو التلميذ المحبوب. حقاً إن الحب يفتح قلب الله ويجعله يكشف أسراره.. "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله".
    الآيات (24-27): "سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فأعلم وأفهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعًا يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها. ويثبت عهدًا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصبّ المقضي على المخرب." رؤيا السبعين أسبوعًا
    St-Takla.org Image: Daniel Prophecyصورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي
    كلمة أسبوع الأصلية هنا هي لا تعني أسبوع من سبعة أيام بل تعني وحدة من سبعة أو عدد سبعي "أي المعني سبعون وحدة كل وحدة مكونة من سبعة. إذًا هي سبعون سبعات أو سبعون وحدة سبعات أو سبعة مرات تكرار للسبعين فهي بالتالي = 70 × 7 = 490 سنة ولماذا نعتبر هذه الوحدات سنينًا؟ 1. الكلام عن 70 سنة سبي والملاك يقول لدانيال انتظر 70 سبعة، فيكون المعني 70 × 7 سنين أي 490 سنة. 2. لا يمكن أن تكون غير هذا فلو كانت هذه الوحدات ثواني لكانت المدة كلها 8,16 دقيقة ولو كانت شهور لصارت المدة كلها 41 سنة أي أقل من سنوات السبي السبعون. 3. يقول دانيال في 2:10، 3 أسابيع أيام ليميزها عن هذا الأسبوع. إذًا فلا معني أن تكون الـ2300 يوم في إصحاح (8) لها تطبيق نبوي علي أنها 2300 سنة خصوصًا إذا سمعنا قول الكتاب 2300 صباح ومساء أي يوم من 24 ساعة. وكانت صلاة دانيال من أجل أن يخلص شعبه طالما أن السبعين سنة قد انتهت. وهنا الملاك يقول له أنت تتكلم عن 70 سنة لأجل خلاص اليهود، لكنني سوف أكلمك عن 70×7 سنة ليأتي المسيح الذي سيخلص العالم كله. وربما ظن دانيال أنه بانتهاء السبعين سنة يأتي المسيح لكن الملاك يقول له لا بل سبعين أسبوعا قضيت علي شعبك وعلي مدينتك المقدسة أي ما زال هناك قضاء مدة حتى يأتي المسيح. ولكن هذه الجملة تعني أن المدينة ستعود وبعد عودتها تنتظر المسيح. حقا إجابة الملاك علي دانيال كانت بأكثر مما يطلب أو يفتكر وهكذا عطايا الله دائمًا لنا. وهذه السبعين أسبوعًا في مقابل الـ70 سنة سبي، إذًا هم سيعودون لبلادهم ويستقرون فيها 490 سنة في مقابل 70 سنة سبي، وهذا يظهر أن الله يُسَّر بإظهار مراحمه عن تنفيذ عقابه. وهذه النبوة هي أول نبوة تحدد ميعاد مجيء المسيح. فقبل ذلك كانت كل النبوات تشير لأنه سيجيء ولكن متى يجيئ؟ فقد كانت النبوات تصمت. ولوضوح هذه النبوة كان أن انتظر كثيرين مجيء المسيح (لو25:2، 38). وبسببها كان كثيرين يعتقدون أن مملكة المسيح ستظهر حالًا (لو11:19) وقد يكون بسببها أيضًا أنه جاء كثيرين لأورشليم (أع 5:2). وهذه النبوة تُفْحِم وتسكت كل مَنْ لا يزال ينتظر مسيحًا آخر. وهي تدين هؤلاء اليهود الذين لم يعترفوا بالمسيح حتى الآن. وفي آية (25) يُذكر أن هناك أمر سيصدر بتجديد أورشليم وكان هذا لتعزية دانيال المؤقتة، ولتعزية الشعب بأن أورشليم ستعود. لكن هناك ما هو أهم، وهذا ما تشير له النبوة. واليهود كانوا ينتظرون مسيحًا يخلصهم من الرومان ويعطيهم ملكًا وغني، ولكن هنا يظهر أن المسيح سيأتي بغرض روحي فقط. لتكميل المعصية = فاليهود بعد عودتهم من السبي تطهروا من عبادة الأوثان حقًا، لكنهم عادوا لخطايا كثيرة وارتدوا عن البر. وقد كملت معصيتهم بصلب المسيح ورفضوا الله وخلاصه منتظرين مسيحًا يعطيهم خلاصًا ومجدًا زمنيًا أرضيًا. تتميم الخطايا = الخطية كانت سبباً للخصومة بين الله والإنسان. وهي جعلت الإنسان بعيداً عن الله. وهي أغاظت الله جدًاً. وبسببها عاش الإنسان في بؤس وفقد كرامته. وما كان لشيء أن يصلح هذا كله سوي نزع الخطية أو كبحها وكسر قوتها، بكسر رأس الحية، وهذا تم بالصليب. لذلك ورد تعبير تتميم الخطايا وفي الإنجليزية TO MAKE AN END OF SINS" وبالصليب أقام الله مملكة محبة وقداسة في قلوب البشر على خرائب مملكة الشيطان. وحين مات المسيح قال "قد أكمل" فالخطية الآن لا تقف ضدنا فهو قد غفرها وأعطانا سلطانا أن لا تسود علينا (رو 14:6). وهذا لمن يثبت فيه.
    كفارة الإثم = كلمة كفارة تعني أن دم المسيح يغطينا فنتبرر "هؤلاء غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ14:7). فذبيحة المسيح استوفت عدل الله.
    البر الأبدي = المسيح هو برنا فيه نصير أبرارًا، هو يعطينا حياته فنخلص بحياته. هو كفر عن خطيتنا وأعطانا حياته وإمكانياته نحيا بها أبرارًا. لختم الرؤيا والنبوة = كلمة ختم تعني وضع خاتم على ورقة رسمية لإعطائها قوة فيصدقها الناس. وبالمسيح تحققت كل نبوات العهد القديم. فالعهد الجديد شاهد لصدق العهد القديم، والعكس صحيح فالعهد القديم شاهد واضح بنبواته عن المسيح. وقد تعني أن زمن النبوات قد انتهي بمجيء المسيح الذي تنباؤا عنه. لمسح قدوس القدوسين = المسح تم بحلول الروح القدس على المسيح يوم العماد ليخصصه ليقوم بعمل رئيس كهنة ليقدم ذبيحة نفسه. وحلول الروح القدس علي المسيح كان لحساب الكنيسة وقوله قدوس القدوسين يترجم أيضًا قدس الأقداس.
    لكن متى يبدأ حساب السبعين أسبوعا

    الإجابة في آية (25) من خروج الأمر لتجديد أورشليم وهناك عدة أوامر صدرت من ملوك الفرس وقد ذكرها الكتاب المقدس الأول :- في السنة الأولي لكورش سنة 536 ق.م. (عز1:1-3) ولكن هذا يخص بناء الهيكل. الثاني:- في السنة السادسة لملك داريوس هستاسب سنة 515 ق.م (عز6). ولكن هذا الأمر أيضا خاص ببناء الهيكل وليس بتجديد أورشليم. (راجع المقدمة تحت عنوان ملوك الفرس وعلاقتهم بأورشليم)
    الثالث:- في السنة السابعة من ملك ارتحشستا سنة 457 ق.م (عز7:7). وبعد صدور هذا الأمر بسنوات قليلة توجه نحميا للإشراف على بناء المدينة والسور وكان ذلك في سنة 444 ق.م ولنقرأ سفر نحميا لنعرف حجم الضيقات التي صادفتهم في هذا البناء، حتى أنه قال "يد تبني ويد تمسك السلاح". ولهذا نأخذ تاريخ الأمر الثالث ميعاداً لبدء السبعين أسبوعا أو الـ490 سنة. وتأكيده أن أورشليم ستبني يعني أن الهيكل سيبني والذبائح الحيوانية ستعود حتى يجيء المسيح في منتصف الأسبوع الأخير، ويكون هو الذبيحة الحقيقية التي تنهي الذبائح الحيوانية. بل تنهي الكهنوت اليهودي (شق حجاب الهيكل). وبنهاية الكهنوت اليهودي وشق حجاب الهيكل، إنتهى دور الهيكل اليهودي ليبدأ المسيح في تأسيس هيكل جسده أي الكنيسة. لذلك هو أشار لنفسه بأنه الهيكل (يو18:2-22). وهذا معني مسح قدوس القدوسين. أي تأسيس الكنيسة جسد المسيح بالروح القدس.
    تقسيم السبعين أسبوعًا:

    تقسم السبعين أسبوعًا إلى 7 أسابيع + 62 أسبوعًا + أسبوع. وهذه النبوة تبدأ ببناء أورشليم أي الأمر الصادر بهذا سنة 457 وتنتهي بخراب أورشليم وقد تم خرابها بيد تيطس سنة 70م. فالمجيء الأول للمسيح صاحبه نهاية الكهنوت اليهودي وشق حجاب الهيكل ثم خراب أورشليم ذاتها، فهي التي صلبت ملكها. والمجيء الثاني للمسيح أيضاً سيصاحبه نهاية العالم وأورشليم ضمناً، أو يسبقه خراب أورشليم لاستمرار رفضها للمسيح، بل أنهم سيكملون المعصية بقبولهم لضد المسيح. وحيثما يوجد الشيطان فهذا يعني الخراب. إذاً نهاية النبوة قد تتكرر مرتين بخراب أورشليم.
    الفترة الأولي هي فترة = 7 أسابيع أي 49 سنة من سنة 457 ق.م إلى سنة 408 ق.م وخلالها تم ترميم الأسوار وعمل السوق والخليج (في الإنجليزية شارع) إذاً المقصود بناء المدينة ولماذا كانت المدة طويلة ؟ السبب أن البناء كان متقطعاً بسبب المضايقات والمؤامرات (راجع سفر نحميا) وهذا معني = يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة.
    الفترة الثانية هي فترة = 62 أسبوعاً أي 434 سنة تبدأ من سنة 408 ق.م. إلى سنة 26 م. وبسبب أخطاء حسابية في تقويم السنين، اكتشف أن المسيح في سنة 26م كان عمره 30سنة، أي أن المسيح ولد فعلاً سنة 4 ق.م. إذاً بدأ المسيح ظهوره وخدمته سنة 26م. فهذه النبوة تحدد بالضبط ميعاد ميلاد المسيح وميعاد بدء خدمته، لأن المعروف أن المسيح ككاهن قد قدم ذبيحة نفسه. والكاهن يبدأ خدمته في سن الثلاثين. ولو كنا موجودين أيام ميلاد المسيح لكنا نحسب ميعاد ولادته كالتالي:
    [1] نحدد ميعاد صدور الأمر بتجديد أورشليم......وهو سنة 457 ق.م
    [2] نضيف عليه 49 + 434 فنحدد بهذا ميعاد بدء ظهوره لخدمته العلنية...سنة 26م
    [3] نطرح 30 سنة لنحدد ميعاد ولادته....المسيح ولد سنة 4 ق.م.
    من أين حدثت الأخطاء الحسابية؟

    كان الخبراء في الفلك قديماً هم قدماء المصريين، وهم أول من أنشأ تقويم فلكي، لكنهم إعتمدوا على ظهور نجم في السماء، يظهر كل سنة يسمى نجم الشعرى اليمانية. وهم لاحظوا أن الدورة الشمسية تتطابق مع الفترة بين ظهورين متتاليين لهذه النجمة. فإفترضوا تساوي الفترة بين ظهورين متتاليين للنجم والسنة الشمسية. فقسموا هذه الفترة إلى شهور، والشهور لأيام. وكانت هذه السنة هي ما يسمى بالسنة النجمية لأنها تعتمد على نجم الشعرى اليمانية. وحينما أرادت روما عمل تقويم فلكي خاص بها استقدمت أحد الخبراء المصريين في علم الفلك الذي أتى إلى روما بمعتقداته المصرية، وأسس ما يسمى الآن بالتقويم الميلادي، ولكن على أساس النجوم لأنه إفترض أن السنة الشمسية تتطابق مع السنة النجمية. وكانت السنة الرومانية تبدأ من سنة تأسيس روما على يد رومولوس. وبعد أن دخلت المسيحية إلى روما غيروا هذه البداية، لتصبح بداية التقويم الميلادي هي السنة التي ولد فيها المسيح.
    في القرون الوسطى أتى أحد باباوات روما (غريغوريوس الكبير) وكان عالمًا في الفلك وأكتشف خطأ في حسابات المصريين وأن السنة النجمية أطول من السنة الشمسية بـ11 دقيقة (هذه ما كان العلم أيام قدماء المصريين بقادر على اكتشافها) فأصلح التقويم الميلادي. ومن هنا جاء الخلاف بين الأقباط والغرب. فالغرب يُعيِّدون عيد الميلاد يوم 25 ديسمبر. أما الأقباط فيتبعون السنة النجمية ويحتفلون بعيد الميلاد يوم 29 كيهك. وسنة ميلاد المسيح كان 25 ديسمبر يوافق 29 كيهك. ومع توالي السنين تراكم فرق الـ11 دقيقة، فصار 29 كيهك الآن يوافق 7 يناير. فالغرب يتبع السنة الشمسية، أما الكنيسة القبطية فتتبع السنة القبطية (السنة النجمية). المهم أنه بعد أن أصلح البابا غريغوريوس التقويم الميلادي بحوالي 200سنة اكتشفوا أنه أخطأ في حساباته بحوالي 4 سنوات، ولم يصلح أحد هذا الخطأ فكانت ملايين الكتب قد طبعت وما كان ممكناً إصلاح هذا كله. وصار من المعروف الآن أن المسيح قد ولد سنة 4 ق.م.
    الفترة الثالثة: هي فترة = أسبوع أي 7 سنين . وهو ينقسم إلى نصفين كل منهم = 3 سنة بعد اثنين وستين أسبوعأً يقطع المسيح.. وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة راجع هذا بالمقارنة مع (إش8:53، 10) فالمسيح قيل عنه "قطع من أرض الأحياء، جعل نفسه ذبيحة إثم" . إذاً معنى يقطع المسيح أي يموت ويصبح ذبيحة إثم من أجل ذنب الشعب. وبموت المسيح تبطل الذبائح الحيوانية (راجع عب9، 10). وهذا معنى يبطل الذبيحة. وليس له= معناها ليس من أجل خطيته بل من أجل ذنب الشعب. على أنها تفهم أيضاً "أنه لم يقف أحد بجانبه "تأتي ساعة وهي الآن حين تتركونني وحدي" (يو16: 32). وقد شهد بيلاطس لبر المسيح وأنه وحده بلا ذنب. وكلمة يُقْطَع تستخدم في الخروج واللاويين والعدد بمعنى قتل الشخص أو تنفيذ حكم القتل فيه. وبالنسبة للمسيح لم يكن له من يدافع عن قضيته. وإذا كانت النبوة قد حددت أنه في خلال الـ49 سنة الأولى يكون ضيق أزمنة فهي لم تحدد ماذا سوف يحدث خلال الـ434 سنة التالية لتستعد الأذهان في التفكير في المسيح وحده.
    التفسير اليهودي للنبوة: هم يتلاعبون بالتواريخ لمحاولة إثبات أن الشخص المشار إليه هنا هو أونيا رئيس الكهنة وأنه إضطُهِد وإستُشهِد بواسطة المضطهدين بمساعدة بعض اليهود المرتدين، وسينجح هذا المضطهد في اضطهاده حتى يصب الله غضبه عليه. وهم يعتبرون أن هذا المضطهد هو أنطيوخس إبيفانيوس ولكن تلاعبهم في التواريخ بطريقة مكشوفة جدًاً. ومع هذا فهناك فرق 66 سنة لا يجدون له حلاً.
    تأمل في الفترة الأولى: هناك وعد ببناء المدينة ولكن في أثناء الضيق. وهكذا طول فترة وجودنا على الأرض فهناك ضيقات "في العالم سيكون لكم ضيق" ولكن ما يعزينا أن الله سيكمل عمله ويحمي مدينته (كنيسته) بسور فهو سور من نار لنا ولكنيسته.
    الأسبوع الأخير أو الأسبوع السبعين: فيه المسيح يثبت عهدًا مع كثيرين = هذا هو العهد الجديد الذي أشار إليه أرمياء (31:31) واستمر المسيح ½3 سنة هي مدة خدمته بالجسد على الأرض، يعمل ويخدم، ويجول يصنع خيرًا، ويدعو الجميع للخلاص، ثم يؤسس سر الإفخارستيا (دم العهد الجديد) ثم في منتصف الأسبوع يصلب = وبدمه يتأسس العهد الجديد ويثبت، ويبطل الذبيحة الحيوانية.
    وماذا عن النصف الثاني من الأسبوع؟ هناك تفسيرين:-

    التفسير الأول: الثلاث سنين ونصف الثانية من الأسبوع الأخير هي من وقت صعود المسيح حتى وقت استشهاد اسطفانوس أي حين بدأ اليهود في اضطهاد كنيسة المسيح، وبذلك استحقوا ما حدث لهم على يد تيطس الروماني. وهو ما قيل عنه شعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس = وهو قال رئيس آتٍ = لأنه في وقت هذه الرؤيا لم تكن الدولة الرومانية قد قامت بعد. التفسير الثاني: يقول البعض أنه بعد صلب المسيح توقفت ساعة السبعون أسبوعًا النبوية، أي أن هذه الثلاثة سنين ونصف لم تأتي بعد. خصوصًا أن ½3 سنة = 42 شهرًا = 1260 يومًا المذكورة في سفر الرؤيا. وهذه المدة التي تتوقف فيها الساعة النبوية للسبعون أسبوعا هي المدة التي أعطاها الله للبشرية لتدخل الإيمان وتبدأ بالصليب الذي به تم ربط الشيطان وتقييده ألف سنة (رؤ20: 1 – 3). وحين يُربط الشيطان يسهل دخول المؤمنين للإيمان (مت12: 29) " أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوى ونهب أمتعته إن لم يربط القوى أولًا. وحينئذ ينهب بيته " وقوله ينهب أي يحرر من كانوا تحت سلطانه مستعبدين، فالمسيح له المجد ربط الشيطان بل وأعطى المؤمنين سلطانا عليه ليعطى الفرصة لكل البشر أن يدخلوا للإيمان ويدوسوا على كل إغراءات الخطايا والشهوات التي يضعها الشيطان أمامهم لإسقاطهم. وتنتهى هذه المدة بحل الشيطان لمدة ثلاث سنين ونصف. وخلال هذه المدة أيضًا يعطى الله الفرصة الأخيرة للمؤمنين أن يقدموا توبة فيخلصوا، إذ يروا بأعينهم نتائج الخطايا التي كانوا يتصورون أنها فيها متعتهم فإذ بها هي سبب عذابهم. وتكون الثلاث سنين ونصف هذه هي الفترة التي يطلق فيها الشيطان ويعطى كل قوته للوحش = ضد المسيح، ويقبله اليهود فهم ما زالوا ينتظرون مجيء المسيح الذي يخلصهم دنيويا، ولكن سيكون خراب من يقبله خراب نهائى كما خربوا بيد تيطس سنة 70 م.. وقد يصح كلا الرأيين. الخراب على يد الرومان: يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنه في ذلك اليوم كان بأورشليم 2 مليون يهودي للاحتفال بعيد الفصح. وأتى تيطس وحاصر الأبواب كلها ليمنع الخروج والدخول فاشتدت المجاعة حتى أن رأس الحمار كانت تساوي 500 دينار وأكلت الأمهات أولادهن. ومن تسلل من اليهود صلبه تيطس. وقد علَّقَ 120 ألف على صلبان، وأخيرًا اقتحم أورشليم وأهلك حوالي مليون ودك المدينة والهيكل وكان الاكتساح الروماني كالطوفان مما جعل اليهود يتشتتون تمامًا في العالم. وكلمة غمارة (26) تعني الطوفان فهذا الشعب الآتي أي الرومان سيكتسح أورشليم كالطوفان. وبعد تشتتهم سيستمرون للنهاية في حرب وخرب قضى بها = جزاءً لهم على رفضهم للمسيح. وهذا ما حدث تاريخيًا لليهود، فهم ظلوا مرفوضين يقتلهم كل أحد حوالي 2000 سنة. على جناح الأرجاس مخرَّبْ = كان الغيورين هم جماعة يهودية ظهرت بعد المسيح وقد نسب لهم يوسيفوس سبب خراب أورشليم. فهم في الحقيقة لم يكونوا غيورين على الدين بل كانوا قطاع طرق ولصوص وقتلة، ويصح تسميتهم بالمغتالين. وحاول هيرودس الكبير كبح جماحهم لأنه كانت لهم اليد الطويلة على تلال الجليل. لكنهم في الأيام الأخيرة تحدوا الرومان وأغلقوا مدنًا أمامهم وحين رأوا اقتراب جيوش الرومان منهم لجأوا إلى أورشليم بقيادة من يسمى JOHN GISCHALA وبدأوا في إثارة ثورة ضد الرومان ثم دخلوا الهيكل وامتلكوه، وفيه بدأ طغيانهم ضد الشعب وكانوا يصدرون أوامرهم للشعب والكهنة ويقول المؤرخ "لا يمكن تخيل بشاعة وفظاعة أعمالهم" وهم في نجاستهم وخطيتهم بدا أنهم نجحوا بعض الوقت بل هم أزاحوا رئيس الكهنة وأتوا برجل أخرق ليقوم بدوره ليصنعوا ما يريدونه. وهذا جعل الكهنة يبكون بمرارة على ما يحدث وقال أحدهم "كنت أفضل أن أموت عن أن أرى الهيكل مدوسًا بهؤلاء النجسين الذين يسكرون في الهيكل. ويصبح معنى على جناح الأرجاس مخَّرب = وهذه تترجم على جناح الأرجاس يقوم مُخَرِّب وجناح الأرجاس تترجم OVERSPREADING OF ABOMINATIONS أي المعنى أنه نظرًا لانتشار الرجاسات سيأتي الخراب على يد مخرِّب. وهذا المخرب هو تيطس.. وهم احتقروا النبوات، ولو تأملوا فيها لفهموا. ولكن ما معني جناح الارجاس = بحسب المفهوم القديم بل وحتى الآن يستعمل للتعبير عن السرعة تشبيه الطيور، وذلك لسرعة طيرانها. وكان القدماء مثلًا يتحيرون من سرعة انتشار ضوء الشمس لينير كل الأرض بمجرد ظهور الشمس، فقالوا أن لنور الشمس أجنحة ينتشر بها فينير نور الشمس المسكونة كلها بسرعة. وهذا التشبيه استخدمه ملاخي النبي للإشارة لسرعة انتشار شفاء البشر بفداء المسيح (ملا 4: 2). وبهذا نفهم قول دانيال النبي هنا... أنه حينما ترون أن الشر ينتشر سريعًا فتوقعوا خرابا سريعا. فلماذا يسكت الله القدوس الذي لا يحتمل الخطية. والآن لنفهم كيف أشار المسيح لهذه النبوة. 1- (مت15:24) " فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال" وكان هؤلاء المجرمين بوجودهم في الهيكل هم رجسة الخراب قائمة في المكان المقدس.
    2- (لو 20:21) "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ إعلموا أنه اقترب خرابها حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال...".
    فهؤلاء الثائرين النجسين نجسوا الهيكل. وهيجوا الرومان بثورتهم ضدهم. فأحاطت الجيوش الرومانية بأورشليم. وفي ليلة حاول الجنود الرومان التسلل إلى الهيكل عبر الأسوار ووضعوا على الهيكل النسر الروماني، إلا أن اليهود تنبهوا وقتلوا الجنود الرومان المتسللين. فيأس تيطس من حصار أورشليم وانسحب معتقدًا أنها كمدينة صغيرة لا تستحق هذا العناء من الجيش الروماني العظيم. إلا أنه بعد مسيرة ساعات تقابل مع نجدة آتية من روما مع أوامر من أبيه الإمبراطور فاسباسيان، بسحق أورشليم فعاد أدراجه إلى أورشليم إلا أن المؤمنين من المسيحيين من الذين كانوا داخل أورشليم حينما رأوا هذه العلامات:
    النسر الروماني على الهيكل.
    }
    هؤلاء المجرمين في الهيكل. رجسة الخراب في المكان
    جيوش محيطة بأورشليم.
    وقارنوا هذا مع ما قاله السيد المسيح ففهموا أن أورشليم ستخرب فهربوا إلى الجبال فورًا. أما اليهود فبدأوا في احتفالاتهم بالانتصار وانسحاب الجيوش الرومانية. وما هي إلا ساعات وعاد الجيش الروماني بقيادة تيطس وحاصر أورشليم هذا الحصار البشع الذي سجله يوسيفوس وقال عنه أكلت الأم أبنائها فيه، لكن كان المسيحيين المؤمنين كلهم قد هربوا (هذه فائدة النبوات، أنها تكون غير مفهومة ولكنها تفهم في الوقت المناسب فيكون لها فائدة) فالنبوات يجب أن تظل غامضة حتى يحين موعدها لئلا تتعطل خطط الله. وهذا الحصار انتهى بخراب أورشليم الخراب النهائي. ملحوظة: هؤلاء الغيورين احتلوا الهيكل لمدة 3سنوات قبل خراب أورشليم. هل تتكرر هذه النبوة؟ (راجع 2تس3:2-12) وفيها نجد أن ضد المسيح سيأتي ويدخل هيكل الله، بل أنه سيظهر نفسه أنه إله. وهو سيأتي بعمل الشيطان وبأيات وعجائب كاذبة. ولأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا سيرسل الله لهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب. فنحن أمام صورة أخرى لانتشار الرجاسات وحيثما وُجِد الشيطان يوجد الخراب. وغالباً حين يظهر هذا الأثيم سيعقب هذا انتشار بدعته في العالم وتنتشر الأرجاس. ويكون هذا علامة على خراب نهائي للعالم ولأورشليم. وسيأتي هذا الخراب مثل الفيضان أي بغمارة أيضاً. ولكن الغمارة الأخيرة ستكون الدينونة حيث يُلقي هذا الأثيم ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار حيث يصب المقضُّى على المخرِّب = فالله قضى بخراب أورشليم لصلبها المسيح واضطهادها الكنيسة مبتدئة بقتل الشماس اسطفانوس. وقضى بدينونة هذا العالم النهائية لأنه أحب الخطية فضلَّ وراء ضد المسيح تاركاً المسيح الحقيقي ولذلك سيصب الله قضاؤه على هذا الُمخرِّبْ الذي خرَّب العالم ألا وهو الوحش ضد المسيح. وألا نلاحظ انتشار الخطية في العالم الآن...ولماذا يسكت الله القدوس... إذاً لا بُد ان نستعد لأن غضب الله قادم.
    الآية (27) الذبيحة والتقدمة: الذبيحة تعني الذبائح الدموية والتقدمة مثل الدقيق واللبان.
    كيف نحدد موعد ميلاد المسيح:

    1. (لو 1:3، 2) في السنة الخامسة عشرة لطيباريوس قيصر. وهذا يحدد سنة ميلاد المسيح لأن يوحنا المعمدان يكبر المسيح بستة أشهر. والمسيح بدأ وله 30 سنة (لو23:3). 2. وُلد المسيح أيام هيرودس الكبير وغالبًا في نهاية حكمه، قارن مع (مت19:2، 20) وقد مات هيرودس سنة 4 ق.م. لذلك يكون عُمْر المسيح سنة 26 م. = 30 سنة. 3. من تحديد عُمر الهيكل وتجديده بـ46 سنة، وبمعرفة أن هيرودوس بدأ البناء سنة 20 ق.م. نأتي ثالثة لسنة 26 ق.م.
    كيف نحسب مدة خدمة المسيح قبل صلبه.

    يذكر القديس يوحنا 3 مرات أن المسيح أكل الفصح مع تلاميذه (13:2 + 4:6 + 1:12) والأخير هو الذي بدأت معه آلام المسيح ويمكن إثبات أن المسيح قضى فصحًا آخر بين الثاني والثالث من حساب مواعيد الزراعة فتكون خدمة المسيح ½3 سنين بين بدء خدمته وصلبه.
    بعض الرسومات المفيدة في المساعدة على شرح الأصحاح:






صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •