مقدمة هذه الرسالة وفيها خمسة فصول

الفصل الأول: في كاتب هذه الرسالة والمرسل إليه


تقدم الكلام على كاتب هذه الرسالة والذي أُرسلت إليه في مقدمة الرسالة الأولى صفحة ١٨٠ و١٨٢ فارجع إليها إلا أنه حين كتب الرسالة الثانية كان مسجوناً في رومية (ص ١: ١٦).

الفصل الثاني: في المكان الذي أُرسلت إليه


المرجّح أن تيموثاوس كان في أفسس حين كتب بولس هذه الرسالة وعلى ذلك خمسة أدلة:

  • الأول: أنه أمر تيموثاوس أن يسلّم على بيت أنيسيفورس أفسسي (ص ١: ١٨) فيستنتج من ذلك أن أهل بيته في أفسس.
  • الثاني: أنه أوصى تيموثاوس بأن يمر على ترواس وهو آتٍ من موضعه إلى رومية (ص ٤: ١٣). وكانت ترواس على الطريق المسلوكة بين أفسس ورومية كما يُفهم من (أعمال ٢٠: ٥ و٢كورنثوس ٢: ١٢).
  • الثالث: أنه حذر تيموثاوس أن يحذر اسكندر (ص ٤: ١٤) وهو أفسسي (أعمال ١٩: ٣٣ و١تيموثاوس ١: ٢٠).
  • الرابع: إنه أمره أن يبادر إليه (ص ٤: ٩) وزاد على هذا قوله وأما تيخيكس فقد أرسلته إلى أفسس (ص ٤: ١٢) فإرساله تيخيكس لينوب عنه في أفسس يسهل عليه ترك مركزه فيها. وكان من عادة بولس حين يدعو مبشراً من مركز مهم أن يرسل غيره إليه لينوب عنه (تيطس ٣: ١٢).
  • الخامس: إن الأضاليل والخطايا التي أمر تيموثاوس في هذه الرسالة بمقاومتها هي عينها التي أمره بمقاومتها في الرسالة الأولى وبهذا يتبين أنه كان باقياً في أفسس وهي المدينة التي بلغته فيها الرسالة الأولى.



الفصل الثالث: في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها


يظهر من الرسالة نفسها أنها كانت كُتبت في رومية وبولس في سجنها (ص ١: ٨ و١٦ و٤: ٦). واختلف المفسرون في أنه كتبها في سجنه الأول أو في الثاني فالذين ذهبوا إلى أنه كتبها في سجنه الأول قالوا لم يُسجن في رومية سوى مرةٍ. والذي يدل على أنه سُجن فيها ثانية وأنه كتب هذه الرسالة حينئذ أنه لو كانت قد كُتبت في السجن الأول لزم ضرورة أنه كتبها قرب الوقت الذي كتب فيه الرسائل إلى أفسس وكولوسي وفيلبي وفليمون. وعلى هذا اعتراضات كثيرة:

  • الأول: إنه حين كتب رسالتيه إلى فيلبي وفليمون كان متوقعاً انطلاقه من السجن سريعاً وذهابه من رومية (فيلبي ١: ٢٤ و٢: ٢٤ وفليمون ٢٢) وقال في هذه الرسالة «فَإِنِّي أَنَا ٱلآنَ أُسْكَبُ سَكِيباً، وَوَقْتُ ٱنْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ» (ص ٤: ٦).
  • الثاني: قوله في هذه الرسالة «فِي ٱحْتِجَاجِي ٱلأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ ٱلْجَمِيعُ تَرَكُونِي» (ص ٤: ١٦). ويظهر من هذا انه حوكم غير مرة وأن نتيجة محاكمته الأولى أنه أُنقذ من الموت وأطلق بدليل قوله «أُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ» وأنه حصل على فرصة للجولان والتبشير بالإنجيل بدليل قوله «لِكَيْ تُتَمَّ بِي ٱلْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ» (ص ٤: ١٧). وهذا لا يوافق القول بسجنه مرة واحدة في رومية قبل موته.
  • الثالث: قوله في أمر هذه الرسالة «أَرَاسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْثُوسَ» (ص ٤: ٢٠). وهذا يشير إلى أن بولس سافر إلى رومية غير المرة التي سافرها إليها بحراً لأن الكلمة المترجمة «ببقي» تشير في الأصل إلى أن بولس كان مسافراً مع أرستس ثم اختار أن يبقى أرستس في كورنثوس وظل سائراً في طريقه لأنه كتب هذه الرسالة من رومية. ومن المعلوم أن بولس حين سافر إلى رومية بأمر فستوس الوالي (أعمال ص ٢٦ وص ٢٧) لم يمر بكورنثوس فيستحيل أنه ترك حينئذ أرستس فيها. وفي آخر مرة كان بولس في كورننثوس قبل سجنه الأول كان تيموثاوس معه (أعمال ٢٠: ٤) فلا داعي إلى أن يكتب بولس إلى تيموثاوس أن أرستس بقي في كورنثوس وقتئذ لأن تيموثاوس يكون قد عرف ذلك كما عرفه بولس. فالقول بأنه سجن مرة واحدة في رومية يسلتزم أنه ترك أرستس في كورنثوس منذ ما يزيد على ست سنين ولا نستطيع أن نتصور علة لكتابة بولس مثل هذا إلى تيموثاوس بعد مرور كل هذه المدة لكن يهون علينا فهم ذلك إذا قلنا بسجنه في رومية مرتين لأن بقاء أرستس في كورنثوس وعدم مرافقته بولس إلى رومية يكونان علة لطلبه حضور تيموثاوس إليه سريعاً (ص ٤: ٢١) وإلا فلا نجد من علة لذلك.
  • الرابع: قوله في هذه الرسالة «َأَمَّا تُرُوفِيمُسُ فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً» (ص ٤: ٢٠) وبولس لم يأت إلى ميليتس حين أرسله فستوس إلى رومية لأن لوقا ذكر كل المواضع التي أتى إليها في سفر الأعمال (أعمال ص ٢٧) ولم يذكر ميليتس بينها. ولنا من ذلك أنه سافر إلى رومية ثانية بعد إطلاقه من سجنها إلا إذا فرضنا أنه ترك تروفيمس قبل ذلك بست سنين حين اجتمع بشيوخ كنيسة أفسس فيها (أعمال ص ٢٠) وإن هذا كان علة طلبه مبادرة تيموثاوس إليه. والذي يقرب إلى التصديق من هذا الفرض هو أنه أشار إلى حادثة قريبة من وقت كتابة الرسالة حين مر بميليتس وترك تروفيموس فيها ومرّ بكورنثوس وترك أرستس فيها ولذلك احتاج إلى تيموثاوس فسأله المبادرة إليه. والذي ينافي فرض تركه تروفميس في ميليتس بسفره الأول هو أنه لم يتركه قط في ذلك السفر فإنه كان معه في أورشليم في نهاية ذلك السفر وكان علة قبضه عليه (أعمال ٢١: ٢٩).
  • الخامس: إن الذي يوافق القول بسفر بولس إلى رومية ثانية منذ أمد قريب من زمن كتابه هذه الرسالة طلبه من تيموثاوس إحضار الرداء الذي تركه في ترواس عند كاربس متى جاء والكتب أيضاً ولا سيما الرقوق (ص ٤: ١٣). فيعسر علينا أن نعتقد أنه مرّ عليه ست سنين منذ ترك ثيابه والكتب التي كتبها أو كان يطالعها والرقوق وأنه لم يحتج إليها كل تلك المدة حتى طلبها ولا بد من أنه كان له فرصة لطلبها أيام تقضت عليه في قيصرية سنتان إن كان قد تركها في سفره الأول.
  • السادس: إنه في الرسائل التي نعلم أنها كتبت في سجنه الأول وهي رسائل أفسس وفيلبي وكولوسي وفليمون ذكر أشخاص كانوا معه وفي هذه الرسالة ذكر أنهم كانوا غائبين عنه. ومثال ذلك أنه يتبين من (كولوسي ١: ١) أن تيموثاوس كان مع بولس وخاطبه في هذه الرسالة وهو غائب عنه. وفي (كولوسي ٤: ١٠) ذكر أن مرقس كان مع بولس وأنه يشاركه في التسليم على كنيسة أفسس ولكنه طلب في هذه الرسالة من تيموثاوس أن يُحضر مرقس معه (ص ٤: ١١). وأن ديماس كان معه حين كتب الرسالة إلى كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) ولكنه حين كتب هذه الرسالة قال أن «ديماس تركني» (ص ٤: ١٠). وكل ما ذُكر يدل على أن هذه الرسالة كُتبت إلى تيموثاوس في مدة غير مدة سجنه الأول حين كتب الرسائل المذكورة أي مدة سجنه ثانية في رومية قبل موته بقليل وذلك سنة ٦٧ أو ٦٨ ب. م وهي آخر سني حياة نيرون قيصر.


والمرجّح أن بولس بعد زمن يسير من كتابة الرسالة الأولى قُبض عليه في شمالي مكدونية الغربي حيث توقّع أن يشتّي (تيطس ٣: ١٢) وسيق من هنالك إلى رومية ووقف للمحاكمة أول مرة أمام نيرون أو واليه تبجيلينوس المشهور بالمعاصي (ص ٤: ١٦). وبعد هذا بقليل كتب الرسالة الثانية إلى تيموثاوس على أن يوم موته غير معلوم ولم يُعلم هل واجهه تيموثاوس قبل موته أو لا.

الفصل الرابع: في الداعي إلى كتابة هذه الرسالة


قيل في هذه الرسالة أن الداعي إلى كتابتها أن يأتي تيموثاوس إليه سريعاً مصحوباً بمرقس لغياب من كان يعتمدهم (ص ١: ٤ و٤: ٩ - ١٢ و٢١). وكان في ريب من مستقبله متردداً بين أن يرى ابنه في الإيمان أيضاً وأنه يموت قبل وصوله إليه لذلك كتب له وصايا أبوية موافقة لمقتضى الحال معظمها حثه إياه على الثبات والأمانة.

الفصل الخامس في مضمون هذه الرسالة


بيان ما يجب على خادم الكنيسة مثل أن يكون ثابتاً في الإيمان وأميناً في القيام بكل واجبات رتبته وإن رأى غيره خائناً.
وأعظم ما في هذه الرسالة أمران الأول أهمية عمل المبشرين بالإنجيل لنفع من هم في الكنيسة ومن هم ليسوا فيها. والثاني أهمية كتاب الله بالنظر إلى كونه القانون الوحيد للراعي وللرعية.
ومواضيع هذه الرسالة بالتفصيل بعد التحية (ص ١: ١ و٢) خمسة:

  • الأول: حثه تيموثاوس على الثبات في الإيمان والمحبة في أثناء الضيقات الكثيرة وعلى استعمال ما حصل عليه من المواهب والتمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعه منه (ص ١: ٣ - ١٨).
  • الثاني: توصيته إياه أن يتقوى بنعمة الرب يسوع المسيح وأن يحتمل بشجاعة ما عيّن أن يحتمله من أجل المسيح باعتبار كونه جندياً أميناً على ما وُكل إليه متذكراً قيامة المسيح ومقتدياً بمعلمه بولس (ص ٢: ١ - ١٣).
  • الثالث: توصيتيه إياه بالسهر والأمانة لكثرة المعلمين المضلين الذين كانوا يطلبون أن يصرفوه عن سبيل الحق (ص ٢: ١٤ - ٢٦).
  • الرابع: الأنباء بارتداد كثيرين عن الإيمان في الأيام الأخيرة وتحذيرات مبنية على ما ذُكر ووجوب أن يتخذ كلمة الله وسيلة إلى دفع الضلال (ص ٣: ١ - ١٧ وص ٤: ١ - ٥).
  • الخامس: أمور وتوصيات شخصية. ومن تلك الأمور يستدل على قرب استشهاده. وفيها بيان رجائه الوطيد السار في الحياة الأبدية وتوقعه أن يرى تيموثاوس قبل موته ووصف وحدته وختم كلامه بالبركة الرسولية (ص ٤: ٦ - ٢٢).


وهذه الرسالة آخر رسائل بولس ويحق أن نحسبها وصيته الأخيرة بيّن بها لتلميذه المحبوب آخر أشواقه وهو كأنه يدخل ظل الموت.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ


تسليم الرسول على تيموثاوس ع ١ و٢


١ «بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، لأَجْلِ وَعْدِ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّتِي فِي يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
٢كورنثوس ١: ١ وأفسس ٣: ٦ وتيطس ١: ٢ وعبرانيين ٩: ١٥
بُولُسُ، رَسُولُ... بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ قال في الرسالة الأولى «بحسب أمر الله» (١تيموثاوس ١: ١) ولا ريب في أن هذا الأمر كان ناشئاً عن مشيئته تعالى. ونسب «رسوليته» إلى «مشيئة الله» واختياره في رسالتيه إلى كورنثوس والرسالة إلى أفسس وكولوسي وعنى بذلك أن الله اختاره رسولاً بقطع النظر عن استحقاقه أو عمله. ونسبته هنا «رسوليته» إلى «مشيئة الله» موافقة لخضوعه للإرادة الإلهية على ما أظهر في كل هذه الرسالة. وهذا الخضوع حمله على أن يسرّ بأسفاره للتبشير بالإنجيل وأن يبتهج بإقامته بسجن نيرون حيث كان يتوقع الموت حين كتب هذه الرسالة إلى صديقه وتلميذه.
لأَجْلِ وَعْدِ ٱلْحَيَاةِ في هذا بيان أن غاية تعيينه رسولاً المناجاة بوعد المسيح بالحياة الأبدية حياة السعادة الحقة للمؤمنين به (تيطس ١: ١ و٢) ومع أن بولس كان يتوقع يومئذ نهاية الحياة الحاضرة تكلم في الوعد بالحياة التي لا تنتهي وهي الحياة في المسيح (ع ٢٠ و٢: ٨) وهذا على وفق قول المسيح «أتيت لتكون لكم الحياة» (يوحنا ١٠: ١٠) وهذه الحياة يحتاج إليها الخاطئ كل الاحتياج لأنه محكوم عليه بالموت لأجل خطاياه فعجز عن أن ينالها بسوى المسيح.
٢ «إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ٱلابْنِ ٱلْحَبِيبِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا».
١تيموثاوس ١: ٢
ٱلابْنِ ٱلْحَبِيبِ دعاه في الرسالة الأولى «الابن الصريح في الإيمان» وأظهر بما دعاه به هنا محبته له وبذلك ثقته به.
نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ (انظر تفسير رومية ١: ٧ و١تيموثاوس ١: ٢).

شكر الرسول لله لأجل تيموثاوس وبيان محبته له وشوقه إلى مشاهدته ع ٣ إلى ٥


٣ « إِنِّي أَشْكُرُ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ فِي طِلْبَاتِي لَيْلاً وَنَهَاراً».
رومية ١: ٨ وأفسس ١: ١٦ أعمال ٢٢: ٣ و٢٣: ١ و٢٤: ١٤ و٢٧: ٢٣ ورومية ١: ٩ وغلاطية ١: ١٤ و١تسالونيكي ١: ٢ و٣: ١٠
إِنِّي أَشْكُرُ ٱللّٰهَ موضوع شكره في (ع ٥) وهو إيمان تيموثاوس العديم الرياء الذي سكن في جدته وأمه.
أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي لم يعن «بالأجداد» أجداد شعب إسرائيل كإبراهيم وإسحاق ويعقوب بل سلفاءه الأقربين الذين شهد بتقواهم وأمانتهم وامتيازهم بالغيرة الدينية فاعتبر غيرته الدينية ميراثاً من أولئك الجدود مع أن التقوى لا تورث عن الوالدين. لكن كثيراً ما يكون الوالدون المسيحيون سبب خلاص لأهل بيتهم علاوة على خلاص أنفسهم. ومن أمثلة ذلك في الإنجيل غير بولس زكا (لوقا ١٩: ٩) وكرنيليوس (أعمال ١٠: ٤٤). وليدية والسجّان في فيلبي (أعمال ١٦: ١٥ و٣١). وكثيرون اليوم من هم كبولس في أن لهم ما يدعوهم إلى الشكر لله على إيمان أسلافهم.
بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ حين كنت يهودياً (أعمال ٢٣: ١) وحين صرت مسيحياً.
أَذْكُرُكَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ الخ هذا دليل على أن حياة بولس السرّية كانت حياة صلاة فإن غايته من الصلاة لم تكن نفع نفسه فقط بل نفع الذين أحبهم أيضاً ولا سيما تيموثاوس.
٤ «مُشْتَاقاً أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِراً دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحاً».
ص ٤: ٩ و٢١
مُشْتَاقاً أَنْ أَرَاكَ (انظر ص ٤: ٩ و٢١) والمرجّح أن اشتياقه هذا كان من علل كتابته لهذه الرسالة لشدة المودة بينه وبين تيموثاوس ولفرط حاجته إليه ولأنه كان يرى أنه مشرف على الموت.
ذَاكِراً دُمُوعَكَ المرجّح أن هذه الدموع هي التي أجراها يوم فارقه آخر مرة. ولعله ظهرت علامات الخطر على بولس يومئذ فحملت تيموثاوس على الشك في أن يراه ثانية فبكى.
كان لبولس أصدقاء كثيرون في كل موضع كان يذهب إليه وكانوا يظهرون محبتهم له بحزنهم وبكائهم ساعة المفارقة (أعمال ٢٠: ٣٧ و٣٨ و٢١: ٣١).
٥ «إِذْ أَتَذَكَّرُ ٱلإِيمَانَ ٱلْعَدِيمَ ٱلرِّيَاءِ ٱلَّذِي فِيكَ، ٱلَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلٰكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضاً».
١تيموثاوس ١: ٥ و٤: ٦ وأعمال ١٦: ١
إِذْ أَتَذَكَّرُ ٱلإِيمَانَ ٱلْعَدِيمَ ٱلرِّيَاءِ ٱلَّذِي فِيكَ هذا متعلق بقوله «اشكر الله» في الآية الثالثة فأبان أن علة ذلك الشكر أن الله أنشأ الإيمان الحق في قلب تيموثاوس وقلب أمه وجدته انظر تفسير «الإيمان العديم الرياء» في (١تيموثاوس ٤: ٦).
ٱلَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ هذا تصريح بأنها كانت كتيموثاوس مؤمنة حقة بالمسيح والأرجح أنها آمنت أيام زيارة بولس الأولى لدربة ولسترة وفي سفره الأول للتبشير (أعمال ص ١٤: ١).
وقوله «أولاً» يرجّح أنها كانت أول من آمن من بيتها. ولم يذكر لوقا هذه الجدة في كلامه على بيت تيموثاوس (أعمال ١٦: ١) فالأرجح أنه لم يعرف من أمرها ما عرف بولس. ويتضح من قول لوقا أن أم تيموثاوس وُلدت يهودية إن جدته كانت كذلك ولا ريب في أن إيمان تلك الجدة كان وسيلة بالله إلى هداية بنتها وحفيدها إلى المسيح.
وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي لا نعلم شيئاً من أمرها غير ما ذُكر هنا وقول لوقا أنها كانت يهودية ذات بعل يوناني وأنها آمنت بالمسيح (أعمال ١٦: ١) ولم يُذكر أن أباه كان مؤمناً. فمن أعظم البركات للولد أن تكون أمه تقية. ومن تقيات الأمهات حنة أم صموئيل وأليصابات أم يوحنا وسالومي أم يعقوب ويوحنا ومونيكي أم أوغسطينوس.

حث بولس لتيموثاوس على أن يزيد غيرة وإيماناً وشجاعة ع ٦ إلى ١٨


٦ «فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ».
١تسالونيكي ٥: ١٩ و١تيموثاوس ٤: ١٤
لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أي لإيمانك الذي ورثته وكان لك ولم يزل.
أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِيكَ اعتبر الرسول تلك الموهبة مثل جمر نار غطاه الرماد فخمد فاحتاج إلى أن يُحرك ويجدد لكي يلتهب كما التهب أولاً. لم يتهمه الرسول بالفتور في الحياة الروحية لأنه اعتبر أنه اتقدت فيه النار السماوية لكنه لعلمه أنها لا تبقى مضطرمة بدون الاجتهاد واستعمال الوسائط ولرغبته في أن تزيد اضطراماً حثه على بذل المجهود في زيادة إيقادها. وهذا لا يفرق معناه كثيراً عن معنى قوله «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلتَّقْوَى وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ. جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ» (١تيموثاوس ٦: ١١ و١٢). وقوله «ٍٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى» (ص ٢: ١٥).
لعلّ بولس خاف من أن ييأس من طول سجن معلمه ومن خوفه أن يؤخذ عنه بعد قليل بعدما كان سنده في كل تلك السنين ومن الشك في أنه يضطر أن يقاوم أعداء الكنيسة وحده في داخلها وفي خارجها فأراد بذلك أن يشجع تلميذه على أن يجدد جهاده واجتهاده تمهيداً لما يكون عليه وهو وحده.
وأراد «بموهبة الله» نعمة الروح القدس الخاصة التي وُهبت له لتقديره على التبشير بالإنجيل علاوة على ما أُعطي سائر المؤمنين (انظر تفسير ١تيموثاوس ٤: ١٤).
بِوَضْعِ يَدَيَّ لا منافاة بين قوله هنا وقوله «بوضع أيدي المشيخة» (١تيموثاوس ٤: ١٤). إذا حسبنا بولس من جملتهم حين رسمه أو قائدهم كما يليق به بالنظر إلى كونه رسولاً. و «الموهبة» التي نالها تيموثاوس حينئذ كانت موهبة «القوة والمحبة والنصح» (ع ٨). وكان «وضع الأيدي» علامة تلك الموهبة وختمها الظاهر لا قوة سرّية تصل من أيدي الراسمين إلى المرسوم.
٧ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلنُّصْحِ».
رومية ٨: ١٥ ولوقا ٢٤: ٤٩ وأعمال ١: ٨ وتيطس ٢: ٤
لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا حين دعانا بروحه القدوس وخص بنا خدمة الإنجيل.
رُوحَ ٱلْفَشَلِ أي الجبن واليأس ولهذا حثّه على أن يضرم موهبة الله فيه لأن تلك الموهبة تستلزم الشجاعة والرجاء وتطرد من القلب اليأس الذي كان تيموثاوس عرضة له لمقاومة المعلمين الكاذبين له وغيرهم من الأعداء داخل الكنيسة وخارجها ولميله طبعاً إلى الإعراض عن المقاومة ولتأثير سجن الرسول فيه وتوقعه قرب موته (يوحنا ١٤: ٢٩ ورؤيا ٢١: ٨). فذكر بولس تيموثاوس أن الروح القدس لم ينشئ قط في قلب المؤمن جبناً أو يأساً.
بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ ليجاهد جهاد الإيمان ويهجم على جنود الضلال فضلاً عن احتمال الصيقات بالصبر. «فروح القوة» هو هبة الاقتدار على دفع التجربة عن حصن الحق وتقوية الرفقاء بأقواله وأعماله.
وَٱلْمَحَبَّةِ التي تحمله على إنكار ذاته ونفع غيره وأعمال الرحمة وبذل نفسه في سبيل المسيح وكنيسته.
وَٱلنُّصْحِ أي الخلوص وهذا يظهر بضبط النفس فيقدر به الإنسان على أن يخالط العالم ولا يتدنس به ولا يسلم لتجاربه وشهواته ولا يتزعزع بتضليلاته فيشهد أبداً عليه بفساد مبادئه وأعماله.
٨ «فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ».
رومية ١: ١٦ و١تيموثاوس ٢: ٦ ورؤيا ١: ٢ وأفسس ٣: ١ وفيلبي ١: ٧ وكولوسي ١: ٢٤ وص ٤: ٥
فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا الخجل قرين الخوف فالشجاعة نتيجة الروح الذي أعطانا الله إياه بدليل قوله «إِنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ» (ع ٧). نهى الرسول تيموثاوس عن أن يخاف من إنسان يريد منعه عن الشهادة بكل الحق المتعلق بربنا وعن المناداة بالإنجيل في شأن لاهوته وتجسده ورفض رؤساء اليهود إياه وموته عن الخطأة على الصليب وقيامته وصعوده. ونهيه عن «الخجل» يستلزم أن ينادي جهراً بأن المسيح أصل كل رجاء وسرور (يوحنا ٣: ١١ و٣٢ و٣٣ و٧: ٧ وأعمال ١٠: ٢٢ و٢٠: ٢٤ و١كورنثوس ١: ٦ ورؤيا ٢٢: ٦). خشي بولس من أن الضيقات والاضطهادات المقترنة بالشهادة لإنجيل المسيح تحمل تيموثاوس على إخفاء بعض مبادئه ولذلك كتب هذه النصيحة وضم نفسه إليه بقوله «ربنا» بياناً لكون ربهما واحداً وشهادتهما له واحدة.
وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ أي يجب أن لا تستحي من أن نعترف الآن وفيما بعد أني أنا بولس المسجون المحكوم عليّ صديقك ومعلمك. فتبرهن من هذه الآية أن بولس لما كتب هذه الرسالة كان في السجن وأن تيموثاوس علم أنه سجن على جسارته في التبشير بالإنجيل وأنه كان في خطر لا يريد أن يعرّض نفسه لمثله وإن كل أصدقاء بولس كانوا عرضة لذلك كما يظهر مما قيل في فيجلُّس وهرموجانس (ع ١٥) وامتياز أنيسيفورس عليهما (ع ١٦).
بَلِ ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ أي كن مستعداً لمشاركتي ومشاركة المسيح وكل أتباعه في أن تحتمل بالصبر والفرح كل ما يعرض للمؤمن من أجل اعترافه بالإنجيل (كولوسي ١: ٢٤).
حَسَبِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ في هذا بيان لأن الاستعداد لاحتمال المشقات في سبيل الإنجيل هو بالنسبة إلى مقدار الشعور بقوة الله فينا بإنقاذه إيانا من الخطيئة والشيطان وجذبنا إلى المسيح ومنح النعمة والصبر لنا لكي نثبت في نيران التجارب ونطمئن وننتصر بتوقعنا الموت.
٩ «ٱلَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ وَٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ».
١تيموثاوس ١: ١ وتيطس ٣: ٤ و١تسالونيكي ٤: ٧ وعبرانيين ٣: ١ ورومية ٣: ٢٤ و٩: ١١ وتيطس ٣: ٤ ورومية ٨: ٢٨ ورومية ١٦: ٢٥ وأفسس ١: ٤ و٣: ١١ وتيطس ١: ٢ و١بطرس ١: ٢٠
في هذه الآية تفصيل كل مظاهر «قوة الله» لنا.
ٱلَّذِي خَلَّصَنَا بإنقاذنا من جهنم وجعله إيانا سعداء إلى الأبد في السماء. هذا يتضمن كل ما عمله الله لنا من أعمال الفداء وسوف يعمله على وفق قوله «حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا» (تيطس ٣: ٤ و٥).
إن خلاص الخاطئ بيّنة على عظمة قدرة الله أعظم من خلقه العالم فيستحق عليه التمجيد الأعظم (رؤيا ٧: ١٠ و١١).
وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً لأن الداعي إلى الخلاص الله الآب القدوس نفسه (رومية ٨: ٢٨ و٣٠ وغلاطية ١: ٦ وأفسس ٤: ١) وهي دعوة مقدسة لأنها دعوة الإنسان إلى الشركة في الطبيعة الإلهية (٢بطرس ١: ٤). وإلى الاتحاد بالمسيح (١بطرس ١: ٩) فتوجب علينا أن نكون قديسين. فللناس دعوة خارجية بالتبشير تسمعها الأذن ودعوة داخلية بالروح القدس يدركها القلب.
لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا قال ذلك بياناً لأصل هذا الخلاص أنه ليس منّا البتة (انظر تفسير رومية ٣: ٣٤ وأفسس ١: ٤ و٢: ٨ و٩ وانظر أيضاً تيطس ٣: ٥). إن الله لم يدعنا إلى الخلاص باعتبار استحقاقنا بدليل قوله في العبارة التالية «إن النعمة أُعطيت منذ الأزل» فمن الواضح أن لا مدخل لأعمالنا في مسئلة الخلاص لأنه قصده قبل أن خلقنا.
بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ أي قصد الله الأزلي بدون إمكان سبب خارج فهو من مجرد محبته تعالى (أفسس ١: ١٠ و١١).
وَٱلنِّعْمَةِ أي الرحمة بدليل قوله «لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا» (تيطس ٣: ٥).
أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ أي بقصد الله وقضائه منذ الأزل والمسيح كان علة هذه «النعمة» فهي عطية مبنية على استحقاقه وأمكن منحها بموته كفارة لخطايا الخاطئ.
١٠ «وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ».
رومية ١٦: ٢٦ وأفسس ١: ٩ وكولوسي ١: ٢٦ وتيطس ١: ٣ و١بطرس ١: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ٥٤ و٥٥ وعبرانيين ٢: ١٤
وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ التي أُظهرت هي «نعمة الله» وهي الهبة التي أُعطيها الناس بالمسيح باعتبار كون الإيمان به شرطها والوسيلة إليها (أفسس ١: ٤ و٣: ١١). وقصد الله إعطاءها منذ الأزل لكنها كانت مكتومة عن الناس في العصور الماضية إلى ملء الزمان الذي عُيّن بقضاء الله وحيئنذ ظهرت بالمسيح. وتلك «الأزمنة» لم تكن مدة النظام اليهودي ولا المدة بين سقوط آدم ومجيء المسيح بل الدهر الذي هو قبل كل تاريخ عالمي ونظام أرضي (رومية ١٦: ٢٥ وأفسس ٣: ١٠ و١١).
بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بالجسد (كولوسي ١: ٢٦ وتيطس ١: ٣) ليس بمجرد ولادته بل بكل مظاهره على الأرض حتى موته وقيامته فكان تعليمه وآيات قدرته من أجزاء «ظهوره»
ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ أي نزع شوكته وأعجزه عن أن يؤذي شعبه إذ أزال كل نتائجه الضارة وصيّره صديقاً بعد أن كان عدواً. و «الموت» هنا ليس مجرد انفصال النفس عن الجسد بل كل ما كان متضمناً في كونه «أجرة الخطيئة» فهو الموت الأبدي المؤثر في كل من النفس والجسد وعكسه «الحياة الأبدية» (١كورنثوس ١٥: ٢٦).
أعلن الإنجيل أنه بموت المسيح صار موت أجساد المؤمنين أمراً لا يُخشى منه (يوحنا ١١: ٢٦ ورومية ٨: ٢ و٣٨ و١كورنثوس ١٥: ٥٥ وعبرانيين ٢: ١٤). وأُعلن أيضاً أنه سوف يُبطل حقيقة إلى الأبد (رؤيا ٢٠: ٤١ و٢١: ٤). وأبطل المسيح الموت بموته وانتصر عليه بقيامته.
وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ المقصود «بالحياة» هنا حياة النفس الجديدة المجيدة التي ينالها المؤمن بالمسيح وهي تبتدئ في الأرض وتدوم إلى الأبد وتتضمن كمال القداسة والسعادة. و «الخلود» هو صفة من صفات الحياة الجديدة فهي ليست مجرد صفتة من صفات الجسد بعد القيامة بل من صفات الروح أيضاً لأن مجد تلك الحياة باق بخلاف الحياة الأرضية الزائلة. فالمسيح «أنار الحياة والخلود» بتعليمه وبإقامته بعض الموتى وأنارهما أحسن إنارة بقيامته (رومية ٢: ٧ و٨: ١١ و١كورنثوس ٤: ٥ و١بطرس ١: ٣ و٤ ورؤيا ٢١: ٤).
بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ قليلون من المؤمنين سمعوا تعليم المسيح بشفتيه وشاهدوا إقامته الموتى ونظروه بعد قيامته ولذلك لم يعرف أكثر البشر هذه الحقائق المجيدة إلا بواسطة الإنجيل الذي يشهد بكلام المسيح وأعماله.
١١ «ٱلَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزاً وَرَسُولاً وَمُعَلِّماً لِلأُمَمِ».
أعمال ٩: ١٥ وأفسس ٣: ٧ و٨ و١تيموثاوس ٢: ٧ وص ٤: ١٧
ٱلَّذِي جُعِلْتُ أَنَا الخ (انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ١٢ و٢: ٧). ذكر الرسول هنا أنواع خدمته للمسيح والسلطة التي منحه المسيح إياها في الكنيسة لكي يكون لكلامه هنا أهمية موافقة لسمو الوكالة التي ولاّه المسيح إيّاها.
١٢ «لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أَحْتَمِلُ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ أَيْضاً. لٰكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».
أفسس ٣: ١ وص ٢: ٩ و١بطرس ٤: ١٩ و١تيموثاوس ٦: ٢٠ ع ١٨ وص ٤: ٨
لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أي لأن المسيح «جعلني كارزاً ورسولاً الخ».
أَحْتَمِلُ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ التي عرفها تيموثاوس من سجن وسلاسل وترك بعض الأصحاب إيّاه وإهانة كثيرين له وبغضهم إياه واحتمال كل ذلك بصبر وفرح. وذكر احتماله إياها لكي يشجع تلميذه على احتمال مثلها على وفق قوله «ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ» (ع ٨).
لٰكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ من أن أحتمل ما وقع عليّ من الإهانات والآلام من أجل المسيح. وقوله «لست أخجل» يستلزم أنه كان يفرح وإذا كان هو لا يخجل من ذلك فلا حق لتيموثاوس وأن يخجل من مثله.
لأَنَّنِي عَالِمٌ ذكر أسباب ثقته وسروره لكي يبلغ تيموثاوس ما بلغه هو من عظمة الثقة والمسرة فإنه آمن بالله الآب القادر على كل شيء بدليل قوله «لِذٰلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ» (أعمال ٢٧: ٢٥ انظر أيضاً تيطس ٣: ٨). والذي آمن به وتحققه هو قدرته ومحبته وأمانته في مواعيده.
وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي الموقن من لا يدخل قلبه أدنى شك. وكان يقين بولس مبنياً على قوله تعالى وما اختبره من حفظه إياه في ما مضى من ضيقات كثيرة متنوعة. ووديعة الإنسان يغلب أن تكون أثمن كنوزه. و «وديعة» بولس هنا نفسه التي استودعها في يدي صديقه السماوي ليحفظها له في الحاضر والمستقبل إلى الأبد. وثقته بحفظ تلك الوديعة في الأمن جعلته مطمئناً مستريحاً على رغم كل المصائب. ومثل هذا كان استيداع يسوع نفسه في يدي أبيه وهو على الصليب إذ قال «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا ٢٣: ٤٦). ومثله قول المرنم في مزمور ٣١: ٥ انظر أيضاً ١بطرس ٤: ١٩). وتيقن بولس حفظ الله لنفسه على رغم ضعف إيمانه وكثرة أعدائه من الناس والشياطين.
إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي اليوم الآخر يوم مجيء الرب ليجمع شعبه ويهب فيه إكليل الحياة للأمين حتى الموت.
١٣ «تَمَسَّكْ بِصُورَةِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّحِيحِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
ص ٣: ١٤ وتيطس ١: ٩ وعبرانيين ١٠: ٢٣ ورؤيا ٢: ٢٥ ورومية ٢: ٢٠ و١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ٣ ص ٢: ٢ و١تيموثاوس ١: ١٤
تَمَسَّكْ بِصُورَةِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّحِيحِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي إن الرسول بعد ما شجع تيموثاوس وهيّج غيرته الروحية أوصاه بأن يحفظ بدون تغيير قواعد الإيمان التي علّمه إيّاها وأن يحترص على كل ما تعلمه منها بحروفه خشية من أن يتخذ من المعلمين الكاذبين صوراً جديدة للتعبير عن تعاليم الإنجيل الأولى بناء على ادعاء أنها أوفق للبيان فيضعف قوتها الأصلية فتفقد المعنى الذي قصده الروح القدس. ومن أمثال الصور الأصلية ما ذكر في (١تيموثاوس ١: ١٥ و٦: ٣). وقوله «عظيم سر التقوى» الخ (١تيموثاوس ٣: ١٦). وقوله في الآية السابقة «إني عالم بمن آمنت» الخ والكلمة المترجمة «بصورة» هي هنا الكلمة المترجمة «بمثال» في (١تيموثاوس ١: ١٦). وأشار بقوله «الذي سمعته مني» إلى ما يمكن تيموثاوس أن يذكره مما علّمه بولس إياه بإرشاد الروح القدس وهو معه. ولعله أشار إلى ما علّمه إيّاه وقت ممارسته مما يتضمن خلاصة الإيمان المسيحي. فخاف بولس أن ينسى تلك الكلمات أو يغيّر صورتها وعبارتها بغية أن يرضي غيره أو يخلص من التغيير والاضطهاد.
فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا إما متعلق «بتمسك» فيبين أنه يجب على تيموثاوس أن يتمسك في الإيمان والمحبة بالحقائق التي سمعها من بولس أي بكل الثقة بأنها صادقة وبمحبة شديدة لمصدرها الإلهي. وذلك الإيمان وتلك المحبة لا يمكن نيلهما إلا بالاتحاد بالمسيح. وأما متعلق بقوله «سمعته» ويبيّن أن تيموثاوس حين علّمه بولس «الكلام الصحيح» اتخذه منه بكل ثقة بمعلمه ومحبة له بناء على اتحاد بولس بالمسيح وتعلّمه منه وهذا هو الأرجح.
١٤ «اِحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ ٱلصَّالِحَةَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلسَّاكِنِ فِينَا».
١تيموثاس ٦: ٢٠ ورومية ٨: ١١
اِحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ ٱلصَّالِحَةَ التي استودعك الله إياها وهي التي أرادها بقوله في الرسالة الأولى «يا تيموثاوس احفظ الوديعة الخ» (١تيموثاوس ٦: ٢٠ فارجع إلى التفسير) فهي غير «الوديعة» التي ذُكرت في (ع ١٢) وهي التي استودعها بولس في يدي الرب فمعناها هنا التعليم المسيحي بأسره الذي أؤتمن عليه من الله على يد الرسول وغيره من المشيخة وهي المشار إليها في (ص ٢: ٢).
بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ الذي بقوته وحده يقدر أن يحفظ تلك الوديعة الثمينة. فبقوة هذا «الروح» حفظت «وديعة الحق الإلهي» كل العصور التي تقضت من أيام بولس إلى الآن فلم تُحفظ بعلم معلميها من البشر وغيرتهم ولا بسيوف المؤمنين بها.
ٱلسَّاكِنِ فِينَا أي فيّ وفيك يا تيموثاوس وفي سائر المؤمنين الحقيقيين ليقدّرهم على «حفظ الوديعة» التي يعجزون عن حفظها بمجرد قوتهم وحرصهم.
١٥ «أَنْتَ تَعْلَمُ هٰذَا أَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ فِي أَسِيَّا ٱرْتَدُّوا عَنِّي، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ».
أعمال ١٩: ١٠ ص ٤: ١٠ و١٦
أَنْتَ تَعْلَمُ هٰذَا أشار بولس هنا إلى الأحزان التي اعترته من ترك بعض أصحابه إياه مما علم به تيموثاوس فاحتملها بالصبر وأراد أن لا ييأس تيموثاوس من أجلها ولا من أجل القبض عليه وسجنه بل أن يتخذ ذلك سبباً لاجتهاد جديد في سبيل الإنجيل.
جَمِيعَ ٱلَّذِينَ فِي أَسِيَّا ٱرْتَدُّوا عَنِّي المراد بأسيا هنا جزء من أسيا الصغرى يشتمل على ميسيا وفريجية وليديا وكاريا (انظر تفسير أعمال ١٦: ٦). ولنا مما قيل هنا أن كثيرين من المؤمنين في تلك الجهات ولعل بعض الكنائس أبوا أن يعتبروا بولس بعد ذلك رسولاً وأن يسلّموا بصحة تعليمه. ذُكر في الرسالة الأولى إلى كورنثوس أنه كان أحزاب في تلك الكنيسة حتى أن بعضهم قال «أنا لبولس وبعض أنا لأبلوس وآخر أنا لصفا» ولعل هذا التحزب امتد إلى كنائس أسيا باجتهاد المعلمين الكاذبين ولا سيما بعض متنصري اليهود الذي أبغضوا بولس لأنه قبل الأمم في الكنيسة بدون حفظ الرسوم الموسوية. ولا ريب في أن رفض أولئك للرسول الذي تعب وتألم من أجلهم كان من أعظم مصائبه. والأرجح أن ذلك حدث لبولس حين كان في أفسس آخر مرة وكان تيموثاوس عارفاً به. ذهب بعض المفسرين (وهم قليلون) إلى أن المقصود «بالذين في أسيا» هم بعض مؤمني أسيا الذين قطنوا وقتئذ في رومية. كانوا في أول أمرهم أصدقاء بولس ولكنهم تركوه حين اشتد عليه الخطر.
ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ لم يتضح لماذا خصص هذين بالذكر ولعل ذلك ليدل تيموثاوس على أي كنائس أسيا ارتدّ عنه. ولعل هذين الرجلين ممن تكلم بولس وتيموثاوس في أمرهما قبلاً وكانا يخشيان من ارتدادهما. ولا نعرف من أمر ذينك المرتدين سوى ما قيل هنا أنهما كانا صديقين وانقلبا عدوّين.
١٦ «لِيُعْطِ ٱلرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَاراً كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي».
متّى ٥: ٧ وص ٤: ١٩ وفليمون ع ٨ وأعمال ٢٨: ٢٠ وأفسس ٦: ٢٠
ذكر هنا واحداً كانت سيرته مخالفة لسيرة ذينك المرتدين.
لِيُعْطِ ٱلرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ المرجّح أن أنيسيفورس كان من تجار أهل أفسس اقتضت تجارته أن يسافر إلى رومية وهناك سمع نبأ سجن بولس فزاره ولم يستطع بولس أن يجازيه بشيء على معروفه إلا أن يسأل الله أن يرحمه هو وأهل بيته كما رحمه هو في ضيقه.
لأَنَّهُ مِرَاراً كَثِيرَةً أَرَاحَنِي بزياراته المتوالية وباعتنائه بي وأنا في السجن والمعروف في مثل هذه الحال وهي حال الضيق والخذلان أضعاف المعروف في حال الفرج والرخاء.
لَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي لم يستحي من أن يعترف بأنه صديق المسجون (الذي أُهين لهذا السبب عينه) ولم يبال بالخطر الذي عرّض نفسه له بإظهار صداقته للمتهم بخيانة الدولة.
١٧ «بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ ٱجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي».
طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ ٱجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي يلزم من هذا أنه كان يعسر على طالبه أن يجده وإن أحوال بولس تغيّرت عما كانت حين كتب لوقا أنه «أَقَامَ... فِي بَيْتٍ ٱسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ الخ» (أعمال ٢٨: ٣٠ و٣١).
١٨ «لِيُعْطِهِ ٱلرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ ٱلرَّبِّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّداً».
متّى ٢٥: ٣٤ إلى ٤٠ و٢تسالونيكي ١: ١٠ وع ١٢ وعبرانيين ٦: ١٠
أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ ٱلرَّبِّ كما وجدت رحمة منه على وفق قول الرب أنه يحسب المعروف لأحد تلاميذه معروفاً له (متّى ٢٥: ٤٠).
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي وقت مجيء المسيح ثانية ودينونة الأحياء والأموات ومجازاة الأمناء أخيراً.
وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ التي هي موطنه ولم يزل فيها أهل بيته. وتيموثاوس كان يعرف ما أتاه يومئذ من المعروف لبولس لأنه كان معه هنالك. وذكر معروفه السابق في أفسس ومعروفه التالي في رومية بياناً أن محبة ذلك التلميذ له إكراماً للمسيح كانت دائمة وأنه يستحق أن يجازي كل ذلك في وقت واحد.
اتخذ بعض الناس قول بولس هنا دليلاً على جواز الصلاة من أجل الموتى إذ فرضوا أن أنيسيفورس كان قد مات يومئذ وأن بولس صلى من أجل نفسه بأن طلب رحمة الله له في يوم الدين. ولكن ليس من دليل على أنه كان قد مات. ويُستدل مما قيل في (ص ٤: ١٠) أنه كان يومئذ غائباً عن بيته لأنه لم يكن قد رجع إليه من رومية. وقول بولس هنا «ليجد رحمة» ليس هو إلا بيان رغبته الشديدة لتيموثاوس في أن أنيسيفورس ينال من الرب الجزاء على معروفه له وهذا غير كاف ليُبنى عليه عقيدة أنه تجوز الصلاة من أجل الموتى فضلاً عن أنه ليس في كل الكتاب المقدس آية تسند هذه العقيدة.


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي


توصية بولس لتيموثاوس أن يتقوى في نعمة الرب وأن يسلّم التبشير بالإنجيل إلى أُناس أمناء وأن يحتمل المشقات كجندي صالح (ع ١ - ٧). ووجوب أن يذكر قيامة المسيح وسيرته هو باعتبار كونه معلمه وأن يتحقق مجازاة الله له على كل أتعابه تمام المجازاة لأنه وعد أن يثيبه بالمجد أخيراً وهو أمين في وعده (ع ٨ - ١٣). وأن يوصي غيره بأن لا يجاهد في سبيل أقوال فارغة ولا في سبيل أمور باطلة (ع ١٤). وأنه يقوم بكل ما يجب عليه بالامانة لكي لا يخجل أخيراً وأن يعتزل المجادلات غير النافعة وأن يحذر سيرة الضالين (ع ١٥ - ١٨). وان لا ييأس بارتداد البعض لأن أساس الدين المسيحي وطيد ولأن الله يعلم الذين له حقاً فلا يسمح بأن يبقوا في الضلال إلى أن يهلكوا وأن يشبهوا العملة المسيحيين بآنية مختلفة في البيت بعضها للكرامة وبعضها للهوان وأن يجتهد في أن يكون إناء للكرامة نافعاً للسيد (ع ١٩ - ٢١) وبيان الذنوب التي يجب أن يعتزلها والفضائل التي يجب أن يمارسها (ع ٢٢ - ٢٦).
توصية بولس لتيموثاوس بأن يتقوى في الحياة الروحية وأن يسلم التبشير بالإنجيل إلى أناس أمناء وأن يحتمل المشقات كحندي صالح وأن يكون صبوراً ع ١ إلى ٧


١ «فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ٱبْنِي بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
١تيموثاوس ١: ٢ وص ١: ٢ وأفسس ٦: ١٠
فَتَقَوَّ أَنْتَ متحذراً من سوء سيرة المرتدين في أسيا مقتدياً بأنيسيفورس الأمين.
بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ فإن هذه «النعمة» هي الوسيلة إلى التقوى. فقوله في هذه الآية كقوله للأفسسيين «أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ» (أفسس ٦: ١٠) فارجع إلى تفسيره. ونعمة الروح القدس التي يهبها المسيح تقدر المسيحي على أن يريد ويعلم كل ما يطلبه الله. تحقق بولس أنه على وشك ترك هذا العالم ووكل أعماله إلى تيموثاوس فرغب في أن يكون شاهداً بالحق ثابتاً شجاعاً. ووسائط الحصول على القوة الروحية مما لا يعتمده أهل العالم كثيراً إنما هم يعتمدون على عزائمهم ومقاصدهم وعلى ما عهدوه من شجاعة غيرهم من الجبابرة ولكن المسيحي يتكل على قوة المسيح التي يحصل عليها بالاتحاد به على وفق قول النبي «أَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً» (إشعياء ٤٠: ٣١). وتلك «النعمة» يهبها المسيح بسخاء لمن يطلبونها إليه.
٢ «وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً».
ص ١: ١٣ و٣: ١٠ و١٤ و١تيموثاوس ١: ١٨ و١تيموثاوس ٣: ٢ وتيطس ١: ٩
احتاج تيموثاوس إلى أن يتقوى بالنعمة ليقدر على حفظ وديعة الحق بالأمانة وليس ذلك فقط بل لكي يسلمها بلا تغيير إلى خلفائه.
مَا سَمِعْتَهُ مِنِّي من جوهريات الدين المسيحي ومبادئ الإنجيل التي كانت موضوع تعليم بولس وتبشيره كل مدة السنين التي رافقه تيموثاوس فيها وهو يخاطب الجموع العظيمة ويتكلم معه على انفراد. والذي سمعه منه مثل ما هو مكتوب في رسائله إلى الكنائس.
بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ ممن وعظهم بولس من اليهود والأمم أغنياء وفقراء أصدقاء كالمشائخ الذين خاطبهم في ميليتس ومستهزئين كالفلاسفة اليونانيين وربانيي اليهود. ومن أولئك الشهود الشيوخ الذين وضعوا أيديهم عليه في حضرة بولس ومخاطبته إياه يومئذ والأرجح أن معظم الإشارة إلى هؤلاء (١تيموثاوس ٤: ١٤ و٦: ٢ وص ١: ٦).
أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ كما أودعه غيرك إياك. رغب بولس في أن ينادي غيره بالإنجيل الذي هو نادى به متى أسكته الموت. وقصد «بالأمناء» المؤمنين الأقوياء في المسيح والمحبة له إلى حد أن لا يرجعوا عنه ويخونوا الحق مهما قويت تجارتهم. وفي وصية الرسول هذه إعداد الوسائل وهو أن تنتخب الكنيسة أو نوابها من هم أهل لخدمتها فيُرسموا.
يَكُونُونَ أَكْفَاءً رغب بولس في أن يودع التعليم والتبشير في الكنيسة من لهم تمام المعرفة بالإنجيل والقوة على التعبير به لغيرهم فضلاً عن كونهم أتقياء. لم ينكر بولس المعونة الإلهية على التبشير التي يمكن أن ينالها الإنسان بالصلاة لكنه لم يعتبر أن تلك المعونة تُغني الخادم عن استعمال الوسائط البشرية للنجاح من الدرس الواجب للحقائق التي يجب أن يعلّم غيره إيّاها. وقد سبق الكلام في ما يجب أن يكون عليه المبشرون في (١تيموثاوس ٣: ٢ - ٧) فارجع إلى تفسير ذلك. وهذه الوصية غير مقصورة على تيموثاوس بل هي للمبشرين بالإنجيل في كل زمان إذ يجب عليهم أن يعتنوا بإعداد غيرهم ليقوموا مقامهم متى تركوا هذا العالم ويجب أن يكون من يعدونهم قادرين على أن يعلموا الشعب حقائق الإنجيل بالأمانة والوضوح والقوة.
٣ «فَٱشْتَرِكْ أَنْتَ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ص ١: ٨ و٤: ٥ و١تيموثاوس ١: ١٨
فَٱشْتَرِكْ أَنْتَ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ علم تيموثاوس المشقات التي احتملها بولس بخدمته للإنجيل وما أظهره ومارسه من الغيرة في ذلك فنصحه بأن يتتبع خطواته ويحتمل مثل ما احتمله من الأتعاب والمشقات فكأنه قال له خذ نصيباً من تلك المشقات كما أخذت أنا نصيباً منها. ومشاركة تيموثاوس للرسول في المشقات مشاركة للمسيح أيضاً فيها. فدعوة المسيح لتلاميذه وهو قوله «اتبعوني» تتضمن الدعوة إلى احتمال المشقات. ولبيان ما عليه في خدمة الإنجيل من الأتعاب المشقات وما له من الثواب مثل تلك الخدمة بثلاث خدم دنيوية.
كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ شبّه أولاً خدمة المبشر بخدمة الجندي. إن الجندي يحتمل غالباً مشاق كثيرة من تركه بيته وأصحابه وتعّرضه للحر والبرد والرياح والأمطار والإعياء من طول السير وقلة الطعام أحياناً فضلاً عن خطر الموت بمحاربة العدو. ولكنه طوعاً للملك ورغبة في الدفع عن وطنه يحتمل بالرضى كل المشقات والأخطار. فالأحرى بجنود المسيح أن يحتملوا بالصبر والسرور ما عليهم من الأتعاب والمصائب حباً للمسيح ملكهم ورغبة في نفع نفوس الناس (قابل ما قيل هنا بما قيل في ١كورنثوس ٩: ٧ و٢كورنثوس ١٠: ٤ و٥ وأفسس ٦: ١٢ - ١٨ و١تيموثاوس ١: ١٨ و٦: ١٢).
٤ «لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ ٱلْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ».
١كورنثوس ٩: ٢٥
لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ ٱلْحَيَاةِ مدة سني خدمته باعتبار كونه جندياً. شبّه الرسول هنا واجبات المبشر بواجبات الجندي في أمر غير احتمال المشقات وهو عدم ارتباكه بالأمور العالمية. مُنع الجنود الرومانيون بمقتضى الشريعة الرومانية من الزواج والتجارة والفلاحة وسائر أنواع الصنائع ورفع الدعاوي إلى الحكام في المحكمة العامة ومن أن يكونوا معلمين ووكلاء وأوصياء والقصد من ذلك المنع أن يبذل الجندي كل أفكاره وأعماله في سبيل الخدمة العسكرية. كلذلك على المبشر بالإنجيل أن يمتنع عن كل ما يعيقه عن التبشير متمثلاً بنحميا في مجاوبته من دعواه إلى تركه بناء سور أورشليم لكي يشاوره بقوله «إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيماً فَلاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ ٱلْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا» (نحميا ٦: ٣). ومعنى الآية كمعنى قول المسيح «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ» (متّى ٦: ٢٤). ومعنى توبيخ النبي لإسرائيل بقوله «قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ» (هوشع ١٠: ٢).
لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ كرئيس الجيش أو الملك كذلك على المبشر أن يرضي رئيس خلاصنا وملكنا يسوع المسيح ويجب عليه أن يجعل معظم غايته إتمام مشيئة رئيسه وإطاعة أوامره وإجراء مقاصده. لم يحسب الرسول أنه خالف قاعدة واجباته الرسولية يوم كان يصنع الخيام لأنه لم يصنعها ليربح المال ويجمعه في الخزانة بل لينفقه على ضروريات نفسه ورفقائه وهم يخدمون المسيح والكنيسة (٢تسالونيكي ٣: ٦ - ٩). فإذا أخذنا عمل الرسول تفسيراً لكلامه هنا رأينا أن كلامه لا يمنع خادم الدين من العمل الجائز لتحصيل قوته الضروري بل يمنعه من الانهماك في الأعمال الدنيوية التي تمنعه من إفادة غيره في الروحيات.
٥ «وَأَيْضاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً».
١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢٦
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ كما يفعل المجاهد في الملاعب اليونانية المشهورة. وهذا التشبيه الثاني لخدمة المبشر. وكان بولس معتاداً استعماله (ص ٤: ٧ و٨ و١كورنثوس ٩: ٢٤ وعبرانيين ١٢: ١).
لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً أي على وفق قوانين تلك الألعاب من مصارعة وعدوٍ وملاكمة وأمثال ذلك. وكان لليونانيين القدماء قوانين شديدة في أكل المجاهدين وشربهم ورياضتهم وتعرّضهم للبرد والحر والعري أوجبت على من أراد نيل المجازاة أن يشغل مدة طويلة في تمرين جسده ومنع نفسه من اللذات وكان من خالف تلك القوانين يُهان ويُعاقب فضلاً عن خسارته المجازاة (انظر تفسير ١كورنثوس ٩: ٢٦ و٢٧) كذلك على خادم كنيسة المسيح الذي يتوقع نيل إكليل الحياة أن يخضع في كل شيء لإرادة سيده السماوي المعلنة في قوانينه أي كتابه المقدس لا أن يرغب في إجراء إرادته هو.
٦ «يَجِبُ أَنَّ ٱلْحَرَّاثَ ٱلَّذِي يَتْعَبُ يَشْتَرِكُ هُوَ أَوَّلاً فِي ٱلأَثْمَارِ».
١كورنثوس ٩: ١٠
يَجِبُ أَنَّ ٱلْحَرَّاثَ ٱلَّذِي يَتْعَبُ في هذه الآية التشبيه الثالث وهو تشبيه الرسول للمبشر المسيحي «بالحرّاث». وأتى المسيح بمثل هذا التشبيه في مثَل الإنسان وابنيه الذي فيه قال ذلك الإنسان لأحد ابنيه «يَا ٱبْنِي، ٱذْهَبِ ٱلْيَوْمَ ٱعْمَلْ فِي كَرْمِي» (متّى ٢١: ٢٨). وفي مثَل فعلة الكرم ورب البيت الذي استأجرهم (متّى ٢٠: ١ - ١٧). فيجب على خادم الدين أن يكون نشيطاً خادماً للمسيح فعلاً لا اسماً واعترافاً فقط وأن يتعب دائماً. وشرط اشتراكه أولاً في الأثمار هو مداومته العمل.
يَشْتَرِكُ هُوَ أَوَّلاً فِي ٱلأَثْمَارِ أي ينال الجزاء قبل غيره لتعبه واجتهاده. حقق الرسول بهذا لتيموثاوس أنه إذا اجتهد بغيرة وأمانة في العمل في حقل الرب أثابه سيده سريعاً تمام الإثابة. وفي هذا تحذير وهو أنه إن توانى في ذلك العمل خسر الثواب. «والثواب» المشار إليه هنا هو من الله ولا إشارة فيه إلى النفقة التي يأخذها خادم الكنيسة من أعضائها.
٧ «ٱفْهَمْ مَا أَقُولُ. فَلْيُعْطِكَ ٱلرَّبُّ فَهْماً فِي كُلِّ شَيْءٍ».
ٱفْهَمْ مَا أَقُولُ أي انسب ما قلته إلى نفسك فاعتبر أنك جندي للمسيح وكمجاهد بغية الحصول على الإكليل السماوي وكحارث مجتهد في كرم الرب.
فَلْيُعْطِكَ ٱلرَّبُّ فَهْماً لكي تدرك ما قلته وما أقوله في الآية التالية. وفي هذا بيان أن الإنسان محتاج إلى معونة الله لكي يفهم الحقائق الإلهية حق الفهم ويسير بمقتضاها حق السير.

وجوب أن يذكر قيامة المسيح وسيرته هو باعتبار كونه معلمه وأن يتحقق مجازاة الله له على كل أتعابه تمام المجازاة لأنه وعد أن يثيب بالمجد أخيراً وهو أمين في وعده ع ٨ إلى ١٣


٨ «اُذْكُرْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِي».
١كورنثوس ١٥: ١ و٤ و٢٠ أعمال ٢: ٣٠ و١٣: ٢٣ ورومية ١: ٣ و٤ ورومية ٢: ١٦
اُذْكُرْ أتى الرسول هنا بأمرين عظيمين جوهريين حثّ بهما تيموثاوس على الأمانة في الخدمة والصبر في المشقات وهما «قيامة المسيح وتجسده». ولعل الداعي إلى ذكر هذين الأمرين إنكار المعلمين الكاذبين إياهما (ع ١٨) أو لعلهما جزء من الإقرار بالإيمان الذي أوجب على كل المسيحيين الأولين أن يعترفوا به علناً عند اشتراكهم في الكنيسة.
يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ قيامة المسيح أساس إيمان كل المسيحيين ورجاؤهم (١كورنثوس ١٥: ١٢ - ٢٠) فلاق أن يوجّه بولس أفكار تلميذه إليها لكي يشجعه ويسنده فإن قيامته تثبت سلطته على الموت وأنه قادر أن ينقذ شعبه منه. وتبرهن أنه حي الآن فيقدر أن يعين أتباعه ويحميهم. فكما أن موته دل على ناسوته وأنه قادر أن يشعر مع البشر دلت قيامته على لاهوته وأنه قادر على أن يخلّص. فذكر «قيامة المسيح» مما شجع تيموثاوس على أن يثبت في التبشير واحتمال المشقات في سبيل الإنجيل كما فعل بولس (ع ٣).
مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ كون المسيح وُلد من نسل داود دليل على أنه لحم ودم مثلنا وأنه من سلسلة داود الملكية. ويثبت أنه المسيح الموعود به بالنبؤات التي سبقت ميلاده. ومن تلك النبوآت قول إرميا «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِناً، وَهٰذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا» (إرميا ٢٣: ٥ و٦ انظر متّى ٢٢: ٤٢ - ٤٥ ويوحنا ٧: ٤٢ وتفسير رومية ١: ٣).
بِحَسَبِ إِنْجِيلِي أي على وفق التعليم الذي اعتدته (٢تسالونيكي ٢: ١٤). وعبّر عن تعليمه بقوله «إنجيلي» مراراً (رومية ٢: ١٦ و١٦: ٢٥ و١كورنثوس ١٥: ١ و١تيموثاوس ١: ١١). ذهب بعضهم بأن الرسول هنا أشار بإنجيله إلى بشارة لوقا التي كتبها بمساعدة بولس وهو مرافق له في أسفاره ولكن الدلائل ليست بكافية لإثبات ذلك.
٩ «ٱلَّذِي فِيهِ أَحْتَمِلُ ٱلْمَشَقَّاتِ حَتَّى ٱلْقُيُودَ كَمُذْنِبٍ. لٰكِنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ لاَ تُقَيَّدُ».
أعمال ٩: ١٦ وص ١: ١٢ وأفسس ٣: ١ وفيلبي ١: ٧ وكولوسي ٤: ٣ و١٨ وأعمال ٢٨: ٣١ وأفسس ٦: ١٩ و٢٠ وفيلبي ١: ١٣ و١٤
ٱلَّذِي فِيهِ أي لسبب الإنجيل الذي أنادي به (ص ١: ١٦ و٤: ١٦ و١٧).
أَحْتَمِلُ ٱلْمَشَقَّاتِ حَتَّى ٱلْقُيُودَ أشار إلى أحواله يومئذ علة ثانية لاحتمال تيموثاوس مشقاته بالصبر فأراد أن يتمثل به في الشجاعة والرجاء مع أنه كان مسجوناً مقيداً كأنه من شر المذنبين. ظُن أن بولس قُيّد يوم سُجن ثانية في سجن ممرتينوس الذي ذكره بلينوس المؤرخ الروماني. وهو مبني على قنة الكابتول على القرب من صرح المملكة الأكبر وهو قديم جداً كان موقعه مقطعاً للحجارة. ولهذا السجن طبقتان لا مدخل للعليا إلا من كوّة صغيرة في سقفه ولا مدخل للسفلى إلا من كوّة في أرض العليا. وسعة العليا ٢٧ قدماً في ٢٠ قدماً وسعة السفلى ٢٠ قدماً في ١٠ أقدام وليس من سلم إلى إحداهما. وعلة اختلاف الطبقتين في السعة أنه كان مثل كهف تحت الأرض.
كَمُذْنِبٍ هذا ما وُصف به كل من اللصين اللذين صُلبا مع المسيح (لوقا ٢٣: ٣٩). و «المذنب» هنا من تعدّى شريعة المملكة.
لٰكِنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ لاَ تُقَيَّدُ هذا استطراد أظهر به ما يعزّيه في مشقاته الثقيلة. وعبّر عن الإنجيل «بكلمة الله» لأن الله مصدره (١تسالونيكي ٢: ١٣). وقال إن تلك «الكلمة لم تقيّد» لأنه وإن كان مقيداً كان له أن يبشر زائريه بالإنجيل وأن يصلي ويسأل الله انتشار الإنجيل وأن يكتب ما يشاء من الرسائل. ولكن لأن وسائله إلى التبشير في هذا السجن كانت أقل جداً مما كان له في سجنه الأول المذكور في (أعمال ١: ١٢). وفي قوله هذا إيماء إلى أن تيموثاوس غير مقيّد فيقدر أن يقوم مقامه وإن ذلك مما يجب عليه. فاعتبر بولس قيده شيئاً زهيداً ما دامت الفرص لكلمة الرب أن تجري وتتمجد (٢تسالونيكي ٣: ١). وإن الله كان حين امتناع بولس عن التبشير يقيم غيره ليقوم مقامه بتأدية الشهادة ولا يزال يفعل كذلك إلى الآن فإذا عجز شاهد ليسوع عن تأدية الشهادة لمرض أو سجن أو موت أقام غيره مقامه.
١٠ «لأَجْلِ ذٰلِكَ أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ، لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضاً عَلَى ٱلْخَلاَصِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ مَجْدٍ أَبَدِيٍّ».
أفسس ٣: ١٣ وكولوسي ١: ٢٤ و٢كورنثوس ١: ٦
لأَجْلِ ذٰلِكَ أي «لأن كلمة الله لا تقيّد» بل تزيد انتشاراً على توالي الأيام.
أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ أي لأجل الذين اختارهم الله للحياة الأبدية منذ تأسيس العالم وسيأتون إليه بالإيمان بواسطة التبشير بالإنجيل. فسُرّ بولس بأن يتألم لكي يساعد أولئك المؤمنين على التقدم في الحياة الروحية لأن تألمه بالإيمان والصبر يكون مثالاً لكل المؤمنين في مستقبل العصور ولأن ما كتبه وهو في السجن كهذه الرسالة يكون واسطة إلى هداية أولئك إلى المسيح وثبوتهم في الحق.
لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضاً عَلَى ٱلْخَلاَصِ لم يعن أنهم يحصلون على الخلاص بدون استعمال الوسائط التي عيّنها الله من الإيمان بالمسيح والاهتداء إليه بشهادة المؤمنين به واحتمال المشقات من أجل اسمه.
ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ فإنه العلة الوحيدة للخلاص بالإيمان بموته وشفاعته في المؤمنين وهو على يمين الله.
مَعَ مَجْدٍ أَبَدِيٍّ فهذا المجد آخر نتائج خلاص المختارين بالمسيح وكون احتمال بولس المشقات من الوسائط التي ينال بها المختارون تلك النتيجة المجيدة علة احتماله إياها بصبر ومسرّة.
١١ «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ».
١تيموثاوس ١: ١٥ رومية ٦: ٥ و٨ و٢كورنثوس ٤: ١٠
في هذه الآية العلة الثالثة لأن يحتمل تيموثاوس المشقات بالشجاعة والصبر وهي نيل الحياة الأبدية بالمسيح.
صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ هذه العبارة من العبارات الصحيحة التي كانت الكنيسة الأولى تعتقد صحتها وتكرّرها في الإقرار بالإيمان. وهي تشغل ثلاث آيات (ع ١١ - ١٣). ولعلها كانت إحدى الأغاني الروحية المذكورة في (أفسس ٥: ١٩ وكولوسي ٣: ١٦ انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ١٥ و٣: ١٠).
أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ المراد «بالموت» هنا التعرّض من أجل المسيح لبغض القساة وشديد الاضطهاد وموت العار فهو المراد بقوله «أموت كل يوم» (١كورنثوس ١٥: ٣١). وبقوله «حَامِلِينَ فِي ٱلْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» (٢كورنثوس ٤: ١٠) والموت مع المسيح هو ما ذكره في (رومية ٦: ٣ و٤ وكولوسي ٢: ١٢).
فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ هذا ينزع الخوف من الموت لأجل المسيح لأنه مقترن بالحياة معه حياة مجيدة لا تتغير ولا تنتهي. فالذين يشتركون في مشقات المسيح على الأرض يشتركون بمقتضى وعده في حياته في السماء.
١٢ «إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضاً سَيُنْكِرُنَا».
رومية ٨: ١٧ و١بطرس ٤: ١٣ ومتّى ١٠: ٣٣ ومرقس ٨: ٣٨ ولوقا ١٢: ٩
إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ في هذه الحياة لأجل المسيح بالشجاعة ونحن نبشر بإنجيله لخلاص غيرنا وتمجيد اسمه. وهذا مثل قوله «فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ» (رومية ٦: ٨).
فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ في المجد. وهذا زيادة على قوله «نحيا معه» وهو مثل قول يوحنا أن المسيح «جَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ» (رؤيا ١: ٦). وقول المسيح «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي ٱلتَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ» (متّى ١٩: ٢٨ انظر أيضاً رومية ٥: ١٧ و٨: ١٧). قابل الرسول في الآية السابقة الموت بالحياة وقابل في هذه الآية الخضوع بالتسلط. والوعد بالحياة الأبدية والمجد الذي صرّح به المسيح وذُكر في هاتين الآيتين وترّنم به المؤمنون في مجتمعاتهم يحمل على الإيمان والنشاط في خدمة المسيح واحتمال المشقات من أجله بالصبر.
إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ الخ هذا أنذار للمعترفين بالإيمان إذا تأخروا لجبانة أو ضعف إيمان عن الشهادة للمسيح وإنجيله في زمن الاضطهاد أو إذا سمحوا للذّات هذا العالم ومجده أن تجور بهم عن سبيل الأمانة والطاعة للمسيح. وهذا الإنذار مبني على قول المسيح «مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٠: ٣٣). وقوله «مَنِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلْفَاسِقِ ٱلْخَاطِئِ فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ» (مرقس ٨: ٣٨). وهذا الإنذار موجه إلى من ادّعوا أنهم مسيحيون وهو يتضمن ويلاً أعظم من ويل الوثنيين الذين لا يؤمنون لأن الذين ينكرهم المسيح هم الذين توقعوا اعترافه بهم.
١٣ «إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ».
رومية ٣: ٣ و٩: ٦ وعدد ٢٣: ١٩
إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ في حفظ عهودنا بالإيمان والمحبة والطاعة.
فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً في وعده فينكرنا. فإنه لا يعامل التلميذ الخائن كما يعامل التلميذ الأمين. فإن أخلفنا وعدنا له فهو لا يخالف وعيده فهو صادق في الإنذار كما هو صادق في الوعد. وكونه صادقاً عادلاً لا يتغير يمنع من أنه يخالف الوعيد أو يُخلف الميعاد. وهذا يوافق قوله «فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللّٰهِ؟ حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ ٱللّٰهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً» (رومية ٣: ٣ و٤). وهذا لا يترك شيئاً من الرجاء للمعترف بالمسيح الذي ترك محبته الأولى وفتر ولم يتب.

توصيته لتيموثاوس أن يوصي غيره بأن لا يجاهر في سبيل أقوال فارغة أن يقوم بكل ما يجب عليه لكي لا يخجل أخيراً وأن يعتزل المجادلات التي لا تنفع ويحذر سيرة الضالين ع ١٤ إلى ١٨


١٤ «فَكِّرْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ مُنَاشِداً قُدَّامَ ٱلرَّبِّ أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِٱلْكَلاَمِ، ٱلأَمْرُ غَيْرُ ٱلنَّافِعِ لِشَيْءٍ، لِهَدْمِ ٱلسَّامِعِينَ».
١تيموثاوس ٥: ٢١ و٦: ١٣ وص ٤: ١ و١تيموثاوس ١: ٤ و٦: ٤ وتيطس ٣: ٩ و١١
هذه الآية بداءة القسم الثاني من الرسالة فكان موضوع القسم الأول حث تيموثاوس على الشجاعة والثبات واحتمال المشقات بالصبر. وموضوع القسم الثاني بيان ما يجب أن يُفعل في كنيسة أفسس.
فَكِّرْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ أي ذكر المؤمنين في أفسس بهذه الأمور وهي ما ذُكر من (ع ١١: ١٣) وأعظمها أمران مشاركة المسيح في المشقات ثم مشاركته في المجد. ومثل هذا قوله لتيطس «أُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱللّٰهِ» (تيطس ٣: ٨). وأوصى بولس تيموثاوس أن يذكرهم بهذه الأمور لأن المعلمين الكاذبين كانوا يعلمون ما ينافيها.
مُنَاشِداً قُدَّامَ ٱلرَّبِّ أي كأنك تستحلفهم أمام المسيح وكأنه هو يستحلفهم رأساً. وهذا دليل قاطع على أهمية الأمر الموشك أن يعرضه عليهم.
أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِٱلْكَلاَمِ أي أن لا يتجادلوا في البدع التي أتاهم بها المعلمون الخادعون وعبّر عن ذلك في الرسالة الأولى «بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ» (١تيموثاوس ٦: ٤).
ٱلأَمْرُ غَيْرُ ٱلنَّافِعِ لِشَيْءٍ أي ذلك التماحك لا ينفع نفوسهم شيئاً لكونه فارغاً باطلاً.
لِهَدْمِ ٱلسَّامِعِينَ أي هو أعنى التماحك لهدم الخ. والمعنى أنه بدلاً من أن يبني السامعين في الإيمان والمحبة والأعمال الصالحة يضرّهم ويحوّل أفكارهم عن جواهر الدين إلى الوهميات التي تتلف إيمانهم بالحقيقيات وتنشئ بينهم المخاصمات. قال بولس لأهل كورنثوس إن الرب أعطاه السلطان للبنيان لا للهدم (٢كورنثوس ١٣: ١٠). وكان عمل أولئك المعلمين خلاف عمله.
١٥ «ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ».
ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً بدلاً من الجدال في المسائل الباطلة المضرة فابذل وسعك في القيام بكل الواجبات الراعوية بغية أن ترضي الله الذي سيمتحن عمل كل واحد ما هو (١كورنثوس ٣: ١٣). وأمره إياه بالاجتهاد دليل على كثرة التجارب الحاملة على إرضاء الناس والنفس دون الله.
عَامِلاً لاَ يُخْزَى أي لا يخجل ويُذل وهذا تفسير «للمزكَّى». فإذا كان عمله لا يحتمل امتحان الله خُزي أمامه. وهذا على وفق قوله في نفسه «حَسَبَ ٱنْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ» (فيلبي ١: ٢٠) فرغب لتيموثاوس فيما رغب فيه لنفسه. وعدم الخزي أمام المسيح يستلزم الفوز بالمدح.
مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ أراد «بكلمة الحق» الإنجيل الذي نادى به. وفي العبارة مجاز أصله على ما ظن بعضهم فعل الكاهن اليهودي في الهيكل وهو تقسيم الذبيحة إلى أقسامها الواجبة. وعلى ما ظن آخر فعل رب البيت أو وكيله وهو قسمته الطعام على أهل البيت على قدر الحاجة. والمقصود أنه يجب على تيموثاوس أن يعلّم الناس إنجيل المسيح حتى تكون تعاليمه موافقة لأحوال السامعين واحتياجاتهم لكي يقتات بها الجميع وينموا في القداسة والاستعداد للسماء. وهذا يقرب من قوله تعالى لنبي إسرائيل «اَلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مَعَهُ حُلْمٌ فَلْيَقُصَّ حُلْماً، وَٱلَّذِي مَعَهُ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِكَلِمَتِي بِٱلْحَقِّ. مَا لِلتِّبْنِ مَعَ ٱلْحِنْطَةِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟» (إرميا ٢٣: ٢٨).
١٦ « وَأَمَّا ٱلأَقْوَالُ ٱلْبَاطِلَةُ ٱلدَّنِسَةُ فَٱجْتَنِبْهَا، لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ».
١تيموثاوس ٤: ٧ و٦: ٢٠ وتيطس ١: ١٤
حذّر بولس تيموثاوس في هذه الآية مما يخالف تفصيل «كلمة الحق بالاستقامة».
ٱلأَقْوَالُ ٱلْبَاطِلَةُ ٱلدَّنِسَةُ عبّر عن هذه الأقوال سابقاً بـ «ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ» (١تيموثاوس ٦: ٢٠) فارجع إلى التفسير. ولا ريب في أنه أشار بها إلى تعاليم الكذبة كتعليم الأسينين بين اليهود والغنوسيين الذين خلطوا الفلسفة اليونانية بالمبادئ المسيحية.
فَٱجْتَنِبْهَا كما يُجتنب المكروه الضار.
لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ أي لأن أصحاب تلك الأقوال الباطلة الدنسة يتقدمون الخ. وهذه العبارة بيان لعلة وجوب أن يتجنب تلك الأقوال لأن البحث عنها والتمسك بها يفصلان بين الإنسان وخالقه ويمنعه من محبة الحق وإيمانه الأصلي فينشأ قوله «َلٰكِنَّ ٱلنَّاسَ ٱلأَشْرَارَ ٱلْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ» (ص ٣: ١٣).
١٧ «وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُس».
١تيموثاوس ١: ٢٠
وَكَلِمَتُهُمْ أي تعليم أولئك الضالين أصحاب الأقوال الباطلة.
تَرْعَى كَآكِلَةٍ الآكلة داء يعتري الإنسان في قسم من بدنه فينشأ عنه أولاً الورم ثم الالتهاب والحكة ثم فساد اللحم وموته في ذلك الجزء ثم يمتد إلى غيره من الأجزاء السالمة إذا لم يُستأصل ويقتل من اعتراه. فشبّه الرسول إضلال المضلين بذلك المرض لأنه إن تُرك أفنى كل فضائل النفس وأفسد مبادئها الصحيحة وأهلكها أخيراً.
ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُس هما من قواد التضليل والأرجح أنهما كانا مشهورين فذكرهما بولس مثالاً ممن أخذوا يعدلون عن الإيمان الحق بواسطة «مماحكات الكلام» ثم سقطوا إلى غاية الضلال المهلك وذكر من هذين «هيمينايس» في الرسالة الأولى ((١تيموثاوس ١: ٢٠) بالنظر إلى كونه ضالاً. ويتبين مما ذُكر هنا أنه لم ينتفع من تحذير الرسول يومئذ وأما «فيليتس» فلم يُذكر إلا هنا.
١٨ «ٱللَّذَانِ زَاغَا عَنِ ٱلْحَقِّ، قَائِلَيْنِ: «إِنَّ ٱلْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ» فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ» .
١تيموثاوس ٦: ٢١ و١كورنثوس ١٥: ١٢
ٱللَّذَانِ زَاغَا عَنِ ٱلْحَقِّ وفي الأصل اليوناني «اللذان أخطأ سهمهما الغرض» فهذا كقوله «زاغوا من جهة الإيمان» (١تيموثاوس ٦: ٢١).
قَائِلَيْنِ: إِنَّ ٱلْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ هذا أحد أضاليلهم فإن قيامة أجساد الموتى مما صرّح به المسيح في تعليمه ومن ذلك قوله «فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا ٥: ٢٨ و٢٩). وهذه العقيدة تمسّك بها بولس ونادى بها بكل اجتهاد بدليل قوله لفيلكس الوالي «لِي رَجَاءٌ بِٱللّٰهِ فِي مَا هُمْ أَيْضاً يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ، ٱلأَبْرَارِ وَٱلأَثَمَةِ» (أعمال ٢٤: ١٥). فبوحي الروح القدس أقام أدلة قاطعة على صحة تلك العقيدة وعلم أن مجيءالمسيح ثانية مما يقترن بالقيامة والدينونة العظيمة وتوزيع الثواب على الأبرار والعقاب على الأشرار وأن نفوس الناس تلبس جسد مجد أو جسد هوان بمقتضى أعمالها في الجسد وإن جسد المؤمن يكون مثل جسد المسيح الممجد (١كورنثوس ١٥: ٥٣ و٥٤ و١تسالونيكي ٤: ١٣ - ١٨).
وهذه العقيدة رفضها فلاسفة اليونان (أعمال ١٧: ٣٢) والصدوقيون بين اليهود (أعمال ٢٣: ٨) وشك فيها بعض الذين ادعوا أنهم مسيحيون (١كورنثوس ١٥: ١٢). إن الأسينيين بين اليهود وبعض المسيحيين الذين سموا ثرابيوتي اعتقدوا اعتقاد هيميناس وفيليتس. وقالوا بأن كل ما قيل في الكتاب المقدس في شأن القيامة مجاز يراد به قيامة النفس روحياً من موت الخطيئة أو كما قال الغنوسيون أن القيامة ليست سوى قيامة النفس من حال الجهالة والظلمة إلى حال النور والمعرفة. ولعل هيمينايس وفيليتس وجدا شيئاً لإثبات تعليمهم بتحريف أقوال بولس في (رومية ٦: ٤ وكولوسي ٢: ١٢) كما قال بطرس في رسائل بولس وهو «أن بعض الناس يحرفها» (٢بطرس ٣: ١٦).
فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ اعتبر بولس إنكار قيامة الأجساد ضلالاً مهلكاً لأن ذلك يستلزم نفي قيامة المسيح التي هي أساس الدين المسيحي كما أبان في (١كورنثوس ١٥: ١٣ و١٤ و١تيموثاوس ١: ١٩ و٢٠).

وجوب أن لا ييأس تيموثاوس من ارتداد بعض القوم لأن أساس الله والإيمان المسيحي راسخ وأن الله يعلم الذين هم له ويحفظهم من الهلاك الأبدي. وأن يجتهد في أن يكون إناء للكرامة في بيت الله وبيان ما يجب أن يعتزله وما يجب أن يتبعه ع ١٩ إلى ٢٦


١٩ «وَلٰكِنَّ أَسَاسَ ٱللّٰهِ ٱلرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ. يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ. وَلْيَتَجَنَّبِ ٱلإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي ٱسْمَ ٱلْمَسِيحِ».
متّى ٢٤: ٢٤ ورومية ٨: ٣٥ و١يوحنا ٢: ١٩ وعدد ١٦: ٥ وناحوم ١: ٧ ويوحنا ١٠: ١٤ و٢٧
وَلٰكِنَّ أي وإن كان إيمان البعض قد تزعزع وانفصلوا هم عن الحق.
أَسَاسَ ٱللّٰهِ ٱلرَّاسِخَ أي ما وجده الله من الحق لأن الله قادر على كل شيء ولا يتغير. واختلف المفسرون في المراد من «الأساس» هنا فذهب بعضهم إلى أنه عقيدة القيامة وتعليمها الأساسي. وذهب آخر إلى أنه مواعيد الله كلها. وغيره إلى أنه المسيح. وفريق إلى أنه الدين المسيحي. وفريق إلى أنه كنيسة المسيح التي عبر عنها «ببيت الله» في الآية التالية. والأرجح أنه الكنيسة وأساسها المسيح بدليل قوله «لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ، ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (١كورنثوس ٣: ١١). وهذا البناء أساس الكنيسة الروحية في المستقبل بدليل قوله لكنيسة أفسس «فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ، ٱلَّذِي فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي ٱلرَّبِّ. ٱلَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلّٰهِ فِي ٱلرُّوحِ» (أفسس ٢: ١٩ - ٢٢). ويؤيد هذا الرأي ما في (متّى ١٦: ١٨).
قَدْ ثَبَتَ قابل هذا بالذين تزعزع إيمانهم وقلبوا إيمان غيرهم (ع ١٨). وهذا الأساس مثل ملكوت المسيح الذي «لا يتزعزع» (عبرانيين ١٢: ٢٨).
إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ أي أساس الله الراسخ الذي هو الكنيسة وأساسها المسيح يشبه بيتاً عليه بعض الرسوم. والمرجّح أن هذا التشبيه مبني على عادة قديمة ولم تزل إلى الآن وهي عادة الكتابة على أسكفة الباب كما ذُكر في (تثنية ٦: ٩ و١١: ٢٠) وعلى أعمدة البناء وحجارته الأساسية (رؤيا ٢١: ١٤). وهذه الكتابة تنبئ بمن أسس البيت وبناه وتدل على قصده منه. ولم يقل الرسول في العبارة «في هذه الكتابة» بل «له هذا الختم» لأن «الختم» يشير إلى المعاهدة ويثبتها.
يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ هذه الجملة الأولى من الكتابة وهي تثبت أن الله يعتني بشعبه ويحميهم. وتشبه قول موسى لقورح وقومه «غداً يعلن الرب من هو له» (تثنية ١٦: ٥). وقول المسيح «إنه الراعي الصالح وأن الراعي الصالح يعرف خاصته وأن خرافه تسمع صوته وهو يعرفها فتتبعه وأن لا أحد يخطفها من يده» (يوحنا ١٠: ١٤ و٢٧ و٢٩). إن الرب يعرف من له لأنه يحبهم ولا ينفك يعرفهم ويحفظهم لأنه عرفهم منذ الأزل حين اختارهم للخلاص وسيعرفهم حين يُكملون في المجد في السماء. ومعرفته هنا كمعرفته في قوله «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ ٱللّٰهَ، فَهٰذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ» (١كورنثوس ٨: ٣).
لْيَتَجَنَّبِ ٱلإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي ٱسْمَ ٱلْمَسِيحِ هذه جملة ثانية تصوّر الرسول أنها كُتبت على أساس بيت الله. ومعنى قوله «ليتجنب الإثم» كقول إشعياء اِعْتَزِلُوا. ٱعْتَزِلُوا. ٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِساً. ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ٥٢: ١١) ومعنى قوله «يُسمي اسم المسيح» كمعنى قول النبي في (إشعياء ٢٦: ٣١) «وهو المعترف بقلبه أن يسوع هو المسيح» كما في (١كورنثوس ١٢: ٣) ومعنى الجملة كلها أنه من المحال أن يرتكب من يعترف بالمسيح الإثم عمداً. والمراد «بالإثم» هنا تعليم المعلمين الضالين الذي نشأ عنه الإعراض عن الحق وسوء السيرة.
إن رسوخ كنيسة المسيح يتحقق من الله ومن الناس بموجب هاتين الكتابتين اللتين خُتمت بهما لأن الله يعرف الذين له فلا يهملهم ولا يتركهم يهلكون. ولأن كل مسيحي حقيقي يرغب في القداسة ويجتهد في اعتزال الإثم بالصلاة وإنكار النفس.
٢٠ «وَلٰكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضاً، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهٰذِهِ لِلْهَوَانِ».
١تيموثاوس ٣: ١٥ ورومية ٩: ٢١
في هذه الآية بيان أنه مع معرفة الله الذين له وحفظه إياهم بوجد في الكنيسة المنظورة من ليس له حقيقة.
فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ أي في كنيسة الله على الأرض التي شبهها المسيح بشبكة مطروحة في البر جامعة من كل نوع من أنواع السمك (متّى ١٣: ٤٧ - ٤٩). انتقل الرسول من تشبيه الكنيسة بأساس بني عليه هيكل عظيم ونوع رخيص فانٍ والأول للإكرام والثاني للهوان. وقال هذا دفعاً لاعتراض لا بد من أن يخطر على بال تيموثاوس وغيره وهو إذا كانت كنيسة المسيح راسخة ومجيدة فكيف يكون فيها ضالون ومضلون.
تِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهٰذِهِ لِلْهَوَانِ باعتبار العمل الذي احتيج به إلى الآنية. وأشار بنوعي الآنية إلى اتباع المسيح المخلصين الأمناء وأتباعه المرائين الخائنين. ومن أولئك الأتباع من عرفهم الجميع أنهم أتقياء ومنهم من عرفهم الجميع أنهم مراؤون فشبّه الأولين «بالذهب» وشبّه الآخرين «بالخزف» والتفاوت بين أفراد كل من الفريقين كالتفاوت بين الذهب والفضة وبين الخشب والخزف فالمسيحيون الذين يشبهون الذهب والفضة يبقون في كنيسة الله إلى الأبد ولكن الذين يشبهون الخشب والخزف لا يبقون في تلك الكنيسة إلا وهم على هذه الأرض. والفرق بين نوعي المسيحيين غير متوقف على تفاوتهم في الغنى أو العلم أو المواهب بل على الصفات الأدبية فالنقي القلب إناء من ذهب.
٢١ «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هٰذِهِ يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّساً، نَافِعاً لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدّاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ».
إشعياء ٥٢: ١١ وص ٣: ١٧ وتيطس ٣: ١
فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هٰذِهِ لا ريب في أن الرسول أشار بقوله «من هذه» إلى الذين أنكروا القيامة وأنه قصد أنه يجب على تيموثاوس أن يعتزل أولئك الاشرار الخائنين كل الاعتزال فلا يخالطهم كأصدقاء إذا أراد أن يكون مثل إناء من ذهب للكرامة. ويصح أيضاً أن يُراد منه أنه يجب على كل الذين يريدون أن يقفوا أنفسهم للرب أن يعتزلوا كل دنس الأشرار وأن يصلوا صلاة داود «ٱغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي. طَهِّرْنِي بِٱلزُّوفَا فَأَطْهُرَ. ٱغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ ٱلثَّلْجِ» (مزمور ٥١: ٢ و٧).
يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ إنه يستحيل أن تحول الآنية المادية نفسها كأن تصير الذهبية خشبية والخزفية فضية ولكن ذلك يمكن ذوي النفوس الناطقة الذين يشبهون الآنية المادية في بضع صفاتها. وفي كلام الرسول على تحول آنية الهوان إلى آنية الكرامة والعكس إشارة إلى تغير كتغيره هو فإنه حين كان مجدفاً ومضطهداً أشبه إناء خزفياً ولما صار رسولاً أشبه إناء ذهبياً. ولكن يهوذا الاسخريوطي كان رسولاً مكرماً ثم صار لصاً وسلّم سيده فصار مثل إناء من خزف بعد أن كان كإناء من ذهب.
مُقَدَّساً أي موقوفاً لاستعمال مقدس كما كانت آنية الهيكل في أورشليم.
نَافِعاً لِلسَّيِّدِ موافقاً لإتمام مقصوده في إجراء كل ما تخلص به نفوس الناس ويتمجد الله. فكل عمل يُقصد به تمجيد الله عمل شريف وإن استخف الناس به. فإنفاق الأموال على الفقراء والمساكين وعمل التبشير بغية نيل المدح من الناس دنس وخطيئة. وسقي كأس ماء بارد أو غسل رجل تلميذ إكراماً للمسيح شريف مكرم.
مُسْتَعَدّاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يدعو الله إليه. طويل المدة كان كبذله كل الحياة في خدمته تعالى أو قصيرها كموته شهيداً. وهذا على وفق قول بولس «نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ١٠).
٢٢ «أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلسَّلاَمَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ».
١تيموثاوس ٦: ١١ وأعمال ٩: ١٤ و١كورنثوس ١: ٢ و١تيموثاوس ١: ٥ و٤: ١٢
أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا هذا شرط كونه «إناء للكرامة» وهو يستلزم الطهارة باطناً فضلاً عن الانفصال عن فعل الشر ظاهراً. إن الشباب عرضة لبعض الشهوات أكثر من الشيوخ فحين حذّر بولس تيموثاوس هذا التحذير كان سن تيموثاوس بين الثلاثين والأربعين. وهذه «الشهوات» تشتمل على الكبرياء والبخل وحب الرئاسة وسرعة الغضب وكل أنواع الشر التي تقود إليها محبة الذات ولا سيما الشهوة التي نهت عنها الوصية السابعة.
وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ سبق مثل هذا في (١تيموثاوس ٦: ١١) فارجع إلى التفسير.
وَٱلسَّلاَمَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ تقييده «السلام» مع أهل الله ضروري في محله لأن «السلام» هنا الاتفاق والاتحاد وهو يستحيل أن يكون بين المؤمن وعدو المسيح وإنجيله. وهذا هو «السلام» الذي سأله المسيح لتلاميذه في صلاته قرب موته لكي «يتحد بعضهم ببعض» وبه يتمجد الله ويعلم العالم أنهم تلاميذه (يوحنا ١٧: ٢٣).
مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ هذا يدل على أن «الذين يدعون» المذكورين هم المخلصون المتواضعون الذين يخدمون الله لغير غاية دنيوية (رومية ١٢: ١٨) وهم غير المعلمين الكاذبين الذين اتخذوا الدين تجارة (١تيموثاوس ٦: ٥).
٢٣ «وَٱلْمُبَاحَثَاتُ ٱلْغَبِيَّةُ وَٱلسَّخِيفَةُ ٱجْتَنِبْهَا، عَالِماً أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ».
١تيموثاوس ١: ٤ و٤: ٧ و٦: ٤ وع ١٧ وتيطس ٣: ٩
وَٱلْمُبَاحَثَاتُ ٱلْغَبِيَّةُ وَٱلسَّخِيفَةُ ٱجْتَنِبْهَا أي المجادلات التي يشتغل بها الأغبياء والسخيفو العقول. والظاهر أن المعلمين الكاذبين كانوا يسرّون بها ويجتهدون في أن يجذبوا تيموثاوس إلى الخوض فيها معهم. وقد سبق الكلام في مثل هذه المباحثات في تفسير (ع ١٦ وفي ١تيموثاوس ١: ٤ و٦ و٤: ٧) فارجع إليها.
أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ إنها ولدت الخصومات في الكنيسة منذ أيام بولس إلى هذه الساعة وانقسام كنيسة المسيح إلى فرق مختلفة نتيجة تلك المباحثات. وكثير من المسائل يبحث الناس فيه ولا يمكنهم حله وإن أمكنهم حله في ينتفعوا به فيستطيعون أن يتباحثوا في الأمور المهمة بلا غضب ولا خصام لكنه يغلب أن تكون المباحثة في الأمور الزهيدة من أسباب الخصام.
٢٤ «وَعَبْدُ ٱلرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِٱلْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى ٱلْمَشَقَّاتِ».
تيطس ٣: ٢ و١تيموثاوس ٣: ٢ و٣ وتيطس ١: ٩
عَبْدُ ٱلرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ أي يجب على كل عبيد الرب أن يعتزلوا الخصام ولا سيما المبشرين كتيموثاوس. فينبغي أن يقتفوا خطوات سيدهم الرب الذي قيل أنه «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي ٱلشَّارِعِ صَوْتَهُ» (إشعياء ٤٢: ٢ ومتى ١٢: ١٩) ولكن يجوز له أن يحامي عن الحق متى اقتضت الحال ذلك. لكن يجب أن يحامي عنه باللين والحلم رغبة في نفع الخصم لا في الانتصار عليه (رومية ١٢: ١٨).
بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِٱلْجَمِيعِ هادئاً وديعاً لطيفاً حليماً لا في معاملة أصحابه فقط بل في معاملة كل من التقى به (١تسالونيكي ٢: ٧). فإذا قصدنا أن ننفع الذين هم خارج الكنيسة فالطريق إلى ذلك أن نكسب أولاً محبتهم وثقتهم بنا ثم نشهد لهم بما للمسيح.
صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ كما في (١تيموثاوس ٣: ٢). فيجب أن يكون قادراً على تعليم من يقبلون أن يتعلموا وراغباً في تبليغ معرفته إياهم لينتفعوا بها.
صَبُوراً عَلَى ٱلْمَشَقَّاتِ التي علّتها مقاومو الحق كما يظهر من الآية التالية (انظر تفسير أفسس ٤: ٢ وكولوسي ٣: ١٣).
٢٥ «مُؤَدِّباً بِٱلْوَدَاعَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ ٱللّٰهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ».
غلاطية ٦: ١ و١تيموثاوس ٦: ١١ و١بطرس ٣: ١٥ وأعمال ٨: ٢٢ و١تيموثاوس ٢: ٤ وص ٣: ٧ وتيطس ١: ١
مُؤَدِّباً بِٱلْوَدَاعَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ الذين يبغضون الحق ويحبون الضلال ويتمسكون به. فالطبيعة البشرية تحكم على الإنسان بأن يغضب على مثل أولئك وأن يوبخهم وينعتهم بالغباوة والضلال. ولكن هذه العبارة توجب أن نبذل الوسع في أن نبين لهم الحق باللين والحلم. وعلينا أن نشفق عليهم ونصلي من أجلهم وأن نظهر حزننا عليهم لأنهم يضرون أنفسهم ويضرون الحق بآرائهم السخيفة ولا يجوز أن نُظهر الغضب على الذين يخالفوننا.
عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ ٱللّٰهُ تَوْبَةً هذا بيان ما يجب أن يكون القصد من تعليم المقاومين وهو تأديبهم واتخاذ الوسائل إلى منع أن يزيدوا عناداً وأن يسلموا بأنهم ضالون ويتوبوا عن خطيئة إيمانهم والضرر الذي نتج لغيرهم من مقاومتهم للحق. وقوله «يعطيهم» الخ بيان أن التوبة هبة من الله وعمل نعمته بواسطة التعليم فليست مجرد نتيجة من نتائج الوسائط البشرية.
لِمَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ هذه نتيجة توبتهم عن ضلالهم فإنهم بها يرجعون إلى الاعتراف بالحق وإلى اتحادهم بالكنيسة.
٢٦ «فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ ٱقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ».
١تيموثاوس ٣: ٧
فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ الخ شبّه الرسول هنا الضالين بمن اعتراهم سبات أو سكر شديد يحتاجون إلى من يوقظهم منه وقد صيدوا «بفخ إبليس» عدوّهم وعدوّ الحق فيحتاجون إلى من ينقذهم منه. وأتى الرسول هذا التشبيه لبيان احتياجهم إلى المساعدة الإلهية لإنقاذهم من ضلالهم لأن ضلالهم لم ينتج عن الجهل والخطإ فقط بل عن تسلط الروح النجس عليهم أيضاً فهم عاجزون عن أن يخلصوا أنفسهم منه. وهذا يشير إلى حطّة وذلّ وخطر شديد ويبيّن عظمة النعمة التي تقودهم إلى التوبة والاعتراف بالحق. والضمير في قوله «لإرادته» عائد إلى إبليس الذي صاد الكافرين المقاومين. وفي ذلك تصريح بأن كل مقاومة للحق إجراء لإرادة إبليس.


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ


في هذا الأصحاح نبوءة بالارتداد عن الإيمان وبأنه سوف يحدث في الكنيسة وبيان ما يتعلق به (ع ١ - ٨). وأنه يُصدّ عنه بعد حين فتظهر غباوة الذين ارتدوا (ع ٩). وتذكير الرسول لتيموثاوس بما احتمله هو من الاضطهاد حثا له على أن يحتمل احتماله (ع ١٠ و١١). وتبيينه له أن كل الأتقياء أغراض للمشقات وأن الأشرار لا بد من أن يزيدوا شراً (ع ١٢ و١٣). وحثّه إياه على الثبات في الحق وتذكيره إياه بتعلمه الكتب المقدسة منذ الحداثة وتصريحه بعظمة قيمتها (ع ١٤ - ١٧).
نبوءة بالارتداد عن الإيمان في الكنيسة ع ١ إلى ٨


١ «وَلٰكِنِ ٱعْلَمْ هٰذَا أَنَّهُ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ».
١تيموثاوس ٤: ١ وص ٤: ٣ و٢بطرس ٣: ٣ و١يوحنا ٢: ١٨ ويهوذا ١٨
ٱعْلَمْ هٰذَا بشهادة الروح القدس بدليل قوله «لٰكِنَّ ٱلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ ٱلإِيمَانِ الخ» (١تيموثاوس ٤: ١). وقال هذا حثا على مقاومة أضاليل المعلمين الكاذبين وتشجيعاً له على احتمال المشقات واستعداداً لنصائح أُخر بغية أن تحفظ طهارة الكنيسة وتُنفى الأضاليل.
فِي ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ هي كل الوقت ما بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثاني وهو وقت المناداة بالإنجيل وتنتهي بنهاية العالم والدينونة الأخيرة (انظر تفسير ١تيموثاوس ٤: ١). وذُكرت «الأيام الأخيرة» في (إشعياء ٢: ٢ وهوشع ٣: ٥ وميخا ٤: ١ وأعمال ٢: ١٧ وعبرانيين ١: ١ و١يوحنا ٢: ١٨).
سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ أي أوقات ضيقة وحزن وخطر كالأوقات التي ذُكرت في (٢تسالونيكي ٢: ١ - ١٢ و١تيموثاوس ٤: ١).
وتكون تلك الأوقات صعبة على المؤمنين لكي يحفظوا الإيمان على صحته ويثقوا به في أثناء التجارب الكثيرة وصبرهم وشجاعتهم في أثناء الاضطهادات الشديدة. وصعبة على الكنيسة لصيانة طهارتها في الاستمرار على تأدية شهاداتها في أثناء ارتداد كثيرين من أعضائها. ونرى مما سيأتي أن بولس توقع أن تكون بداءة تلك الأزمنة في عصره لأنه بعد أن وصف المرتدين أمر تيموثاوس أن يتجنبهم وهذا ما في قوله «لأَنَّ سِرَّ ٱلإِثْمِ ٱلآنَ يَعْمَلُ» (٢تسالونيكي ٢: ٧). وظهر في الكنيسة أحياناً الفتور في الأمور الدينية ثم انتبهت كذلك وأخذت في إصلاح الأمور شؤونها وإضرام نيران الغيرة والمحبة. ونستنتج مما قيل في الإنجيل أن أعظم الأخطار على الكنيسة تكون قرب مجيء المسيح ثانية (٢تسالونيكي ص ٢ و١تيموثاوس ص ٤ و١بطرس ١: ٥ و٢بطرس ٣: ٣).
٢ «لأَنَّ ٱلنَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ».
فيلبي ٢: ٢١ و٢بطرس ٢: ٣ ويهوذا ١٦ و١تيموثاوس ٦: ٤ و١تيموثاوس ١: ٢٠ و٢بطرس ٢: ١٢ ويهوذا ١٠ ورومية ١: ٣٠
لأَنَّ ٱلنَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ لم يقل أنه لم يكن مثلهم قبلاً في العالم لأن أمثالهم في كل عصر. ولم يقل أن جميع الناس يكونون الخ فمراده أنه يكون في الكنيسة كثيرون كذلك. ولا عجب من أن تأثير الإنجيل يومئذ في قلوب الناس الذين كان معظمهم من الوثنيين لم يكن كتأثيره في قلوب الناس اليوم لأنه لم يكن يومئذ لنا اليوم من وسائط نشره وفهم تعليمه. وكونهم «محبين لأنفسهم» لا يناقض قوله إن المحبة المسيحية الحقة «لا تطلب ما لنفسها» (١كورنثوس ١٣: ٥). وحب النفس أصل كل شر في الفكر والقول والعمل.
مُحِبِّينَ لِلْمَالِ كالفريسيين في أيام المسيح (لوقا ١٦: ١٤). ومحبة المال ابنة محبة النفس.
مُتَعَظِّمِينَ يدّعون لأنفسهم ما يليق بغيرهم من الإكرام.
مُسْتَكْبِرِينَ معجبين بأنفسهم مستخفين بغيرهم.
مُجَدِّفِينَ كما تحمل الكبرياء صاحبها على احتقار غيره وتحمله على الاستخفاف باسم الله وصفاته وعنايته وهذا هو التجديف عينه.
غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ مخالفين للوصية الخامسة. فالذين يجدفون على أبيهم السماوي يجب أن لا يتوقعوا أن يكرمهم أولادهم ويطيعوهم.
غَيْرَ شَاكِرِينَ لا يشكرون الله على بركاته السماوية ولا إخوتهم على إظهار لطفهم (١تيموثاوس ١: ٩ ولوقا ٦: ٣٥).
دَنِسِينَ بلا طهارة قلب ولا طهارة سيرة.
٣ «بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي ٱلنَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ».
رومية ١: ٣١ وتيطس ٢: ٣ و١كورنثوس ٧: ٥ و٢بطرس ٣: ٣
بِلاَ حُنُوٍّ غير مكترثين بحاجات أقربائهم ولا بحقوق غيرهم ولا بالمرضى والمصابين.
بِلاَ رِضىً أي لا يميلون إلى الصلح ولا يقبلون عذر المسيء إليهم.
ثَالِبِينَ أي ذامين بغير حق (١تيموثاوس ٣: ١١).
عَدِيمِي ٱلنَّزَاهَةِ أي عبيد شهواتهم فلا سلطة لعقولهم على أميالهم.
شَرِسِينَ سيئي الأخلاق قساة الكلام شديدي الخلاف.
غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ مقاومين لكل صالح من إنسان وكلام وعمل ويلزم من ذلك أنهم يسرون بالشر وأهله (رومية ١: ٣٢).
٤ «خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ لِلّٰهِ».
أعمال ١٩: ٣٦ و٢بطرس ٢: ١٠ وفيلبي ٣: ١٩ و٢بطرس ٢: ١٣ الخ ويهوذا ٤ و١٩
خَائِنِينَ أي مشتكين على إخوتهم وقت الاضطهاد فيسلمونهم إلى الأعداء طمعاً في المال كما فعل يهوذا الاسخريوطي بالمسيح (متّى ٢٦: ١٥). فهم كاليهود الذين حكم عليهم استفانوس (أعمال ٧: ٥٢).
مُقْتَحِمِينَ أي هاجمين بغتة هجوم اعتداء.
مُتَصَلِّفِينَ أي متكبرين مفتخرين بما ليس لهم (١تيموثاوس ٣: ٦).
مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ إلى حد عنده لا يكرمون الله ولا يهابون إنساناً بغية الحصول على مشتهياتهم.
دُونَ مَحَبَّةٍ لِلّٰهِ هذا قرينة على أن حب الذات المذكور هو الحب المحظور.
٥ «لَـهُمْ صُورَةُ ٱلتَّقْوَى وَلٰكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هٰؤُلاَءِ».
١تيموثاوس ٥: ٨ وتيطس ١: ١٦ و٢تسالونيكي ٣: ٦ و١تيموثاوس ٦: ٥
لَـهُمْ صُورَةُ ٱلتَّقْوَى يمارسون رسوم الدين الظاهرة لكي يظهروا للناس أنهم أتقياء كالفريسين فإنهم كانوا يصلون في الأزقة والشوراع لكي يظهروا أنهم كذلك (متّى ٦: ٥).
مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا يظهرون بأعمالهم أن لا تأثير للذين في قلوبهم ولا يشعرون بما عليهم من المسؤولية ولا يصدقون وعد الله ولا يخافون وعيده. فمثل هؤلاء مسيحيون اسماً مخالفون لأوامر المسيح فعلاً فيضرون الحق أكثر مما يضره أعداؤه المجاهرون بعدواته. فكل هذه الرذائل التي نسبها الرسول إلى النصارى في الأزمنة الأخيرة تقرب من الرذائل التي نسبها إلى الوثنيين (رومية ١: ٢٩ الخ).
فَأَعْرِضْ عَنْ هٰؤُلاَءِ كما أنهم أعرضوا عن المسيح بما ذُكر. أمر بولس تيموثاوس أن يعتزل هؤلاء كل الاعتزال لأنهم يضرون من يخالطهم فهم مضلون كما أنهم ضالون. ولم يوصه أن يعتزل الوثنيين لأنه رجا أن يشرق نور الإنجيل عليهم وهم جالسون في الظلمة. ولم يأمره بتجنب المبتدعين لأنه يحتمل أنه يرجعهم إلى الحق. إنما أمره باعتزال الذين يدّعون أنهم مسيحيون ويسلكون كالأمم الذين لا يعرفون الله. وأمره لتيموثاوس بالإعراض عنهم يظهر أن الرسول لم يتكلم على الذين كانوا في مستقبل الكنيسة البعيد بل على الذين كانوا في عصره مما اتصفوا بتلك الرذائل.
٦ «فَإِنَّهُ مِنْ هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ ٱلْبُيُوتَ، وَيَسْبُونَ نُسَيَّاتٍ مُحَمَّلاَتٍ خَطَايَا، مُنْسَاقَاتٍ بِشَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ».
متّى ٢٣: ١٤ وتيطس ١: ١١
أخذ الرسول يتكلم على الأعمال التي يُعرف بها أولئك الضالون المدعون أنهم أتباع المسيح الذين أمر تيموثاوس بالإعراض عنهم وهذا يستلزم أنهم كانوا يومئذ في أفسس.
يَدْخُلُونَ ٱلْبُيُوتَ أي يتخذون وسائط دخول مخادع المسكن التي لا أذنٌ في دخولها إلا لسكانه والأقربين.
يَسْبُونَ نُسَيَّاتٍ بغية أن يسبوا الرجال بواسطتهن ولا ريب في أنهم أتوا ذلك بدعواهم أنهم على غاية القداسة وأنهم دخلوا تلك المخادع للتعزيات الدينية إراحة للنفوس المتعبة والضمائر المثقلة فيتخذونهن تلميذات لهم فيكن تحت سلطتهم كأسرى الحرب. وهذا مثل ما نسبه المسيح إلى الفريسيين بقوله «إِنَّكُمْ تَطُوفُونَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ٱبْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً» (متّى ٢٣: ١٥). وصغّر تلك النساء تحقيراً لهن ولخادعيهن فإنهم اقتدوا بالشيطان إذ جرب حواء أولاً توصلاً إلى إغواء آدم.
مُحَمَّلاَتٍ خَطَايَا الخ تسليمهنّ بكل أنواع الأضاليل في التعليم أدى بهنّ إلى ارتكاب كل أنواع الفجور.
٧ «يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ أَبَداً».
١تيموثاوس ٢: ٤
يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ الخ ادّعين أنهنّ تلميذات الحق واتخذن عذراً عن أعمالهن الرديئة ولعلهن ادعين أنهم يطلبن معرفة أسرار الدين فخالطن السحرة كا فعل سيمون الساحر. وعلة أنهنّ لم يستطعن أن يُقبلن إلى معرفة الحق تقسّي قلوبهن بالأفعال الرديئة وعماء ضمائرهنّ (يوحنا ٧: ١٧).
فقد رأينا في تاريخ الكنيسة أن طريق نشر الأضاليل فيها هو أن بعض الأعضاء تمسكوا بها ثم نشروها بمساعدة شريرات النساء كما فعل سيمون الساحر وبعض الغنوسيين وأتباع منتانوس ودوناتس وأريوس. وكان أكثرهم بعد عصر بولس لكنه أنبأ بنشوئهم ورأى استعداداً لأضاليلهم في أيامه.
٨ «وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذٰلِكَ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً يُقَاوِمُونَ ٱلْحَقَّ. أُنَاسٌ فَاسِدَةٌ أَذْهَانُهُمْ، وَمِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ».
خروج ٧: ١١ و١تيموثاوس ٦: ٥ ورومية ١: ٢٨ و٢كورنثوس ١٣: ٥ وتيطس ١: ١٦
كَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى هما اثنان من سحرة فرعون المذكورين في (خروج ٧: ١١ و٢٢ و٨: ١٨ و١٩) ولم يذكر الكتاب اسميهما إلا هنا. وكان تيموثاوس متعلماً أسفار العهد القديم منذ الصغر وكان يعرف نبأ موسى ومقاومة السحرة له في مصر فذكر له الرسول اثنين مشهورين منهم ولعلهما من رؤسائهم وشبّه المعلمين الكاذبين بهما. وقد ذكرت بعض الكتب اليهودية هذين الساحرين وقالت أنهما حثا فرعون على قتل صبيان العبرانيين فضلا عن مقاومتهما لموسى. وقال بعضهم أنهما غرقا في البحر الأحمر. ومثل مقاومتهما لموسى كانت مقاومة عليم الساحر لبولس في قبرس ومقاومو بني سكاوا له في أفسس (أعمال ١٣: ٨ و١٩: ١٣ و١٤).
كَذٰلِكَ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً يُقَاوِمُونَ ٱلْحَقَّ ادّعى سحرة مصر أن لهم سلطاناً على المعجزات كسلطة موسى فمنعوا فرعون من أن يعتبر موسى رسولاً من الله فمنعوا تأثير تعليمه. وكذلك معلمو أفسس المضلّون ادعوا أن لهم كل ما لبولس وسائر الرسل من السلطان فمنعوا الناس من سمع كلام الرسل. وتنبأ المسيح بقيام مثل هؤلاء (متّى ٢٤: ٢٤) وأُشير إليه في (أعمال ٨: ٩ و١٣: ٦ و٢تسالونيكي ٢: ٩ ورؤيا ١٣: ١٤ و١٥).
أُنَاسٌ فَاسِدَةٌ أَذْهَانُهُمْ لم يقتصر الرسول على أن ينسب إليهم الخطأ في التعليم بل وصفهم أيضاً «بفساد الأذهان» فلم يبق لهم من شركة في الدين المسيحي بسوى الاسم (١تيموثاوس ٦: ٥).
وَمِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ أي امتُحنوا فرُفضوا إذ تحقق الذين امتحنوهم أن تعليمهم مناف لتعليم الإنجيل تمام المنافاة وأنهم أضرّوا الذين اتبعوهم.
٩ «لٰكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ، لأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحاً لِلْجَمِيعِ، كَمَا كَانَ حُمْقُ ذَيْنِكَ أَيْضاً».
خروج ٧: ١٢ و٨: ١٨ و٩: ١١
لٰكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ أي أن أولئك المضلين لا ينجحون دائماً في مقاومة الحق وزرع زوانهم بين القمح وأنه لا بد من أن ينتصر الحق على الباطل (رؤيا ١١: ٧ و١١).
لأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحاً لِلْجَمِيعِ أي يتحقق الناس فساد تعليمهم من نتائجه الضارة وأن الله أيضاً يفتح عيون الناس ليروا الخطر الذي يقودهم إليه أولئك الخادعون. وهذا نبوءة وبيان أن الله وضع بقضائه حداً للشرّ كما أنه وضع حداً لأمواج البحر كقوله تعالى في البحر «إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ» (أيوب ٣٨: ١١). فإذا كان يجب أن لا ييأس تيموثاوس مما اختبره من ارتداد الناس في أفسس. وتمت هذه النبوءة بما كان من الضلال في الكنيسة على ما يُستفاد من تاريخها فظهر مراراً كثيرة أن الحق كان على وشك الانكسار وأن الضلال قد انتصر فساعد الله الحق ونصره وجعل اعداءه يخجلون ويسكتون. وأمثال ذلك ما حدث لأتباع أريوس وبيلاجيسو وسوسينيوس.
كَمَا كَانَ حُمْقُ ذَيْنِكَ أَيْضاً أي ينّيس ويمبريس لأنهم اضطرا إلى الإقرار أنهما لا يستطيعان أن يصنعا المعجزات التي صنعها موسى (خروج ٨: ١٨ و١٩ و٩ ١١).

تشجيع تيموثاوس بسيرته ع ١٠ و١١


١٠ «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي».
فيلبي ٢: ٢٢ و١تيموثاوس ٤: ٦
ذكّر بولس تيموثاوس بما شاهده من سلوكه وتعليمه وأعماله التي تختلف كل الاختلاف عن سيرة المعلمين الكاذبين وتعليمهم ليحمله على اعتزالهم والاقتداء به في احتمال المشقات من اجل الحق.
فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي كما يتبع التلميذ تعليم معلمه ولكونك تلميذي دائماً عرفت كل ما يتعلق بي من تعليم وعمل. وأراد «بتعليمه» ما نادى به في مواعظه به على انفراد وما كتبه في رسائله.
سِيرَتِي أي تصرفي في كل السنين التي كنت لي فيها رفيقاً وهذا كقوله «لِذٰلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، ٱلَّذِي هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ وَٱلأَمِينُ فِي ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي ٱلْمَسِيحِ» (١كورنثوس ٤: ١٧).
وَقَصْدِي الذي أُعلن بقولي وفعلي وهو أن أكون أميناً للمسيح وإنجيله وأتمم رسوليتي إلى الأمم.
إِيمَانِي أي ثقتي بالله وتمسكي بمبادئ الإنجيل الجوهرية.
أَنَاتِي في احتمال الاضطهادات الشديدة المتوالية من اليهود ولا سيما رفقائه الأولين من الفريسيين وهو يحب شعبه شديد المحبة وكان مستعداً أن يخسر من أجلهم أعظم الخسائر (رومية ٩: ٣).
مَحَبَّتِي وهي المحبة التي وصفها بقوله أنها «تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ» (١كورنثوس ١٣: ٧).
صَبْرِي في استمراري على تعب الخدمة واحتمالي المشقات الشديدة.
١١ « وَٱضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ ٱضْطِهَادَاتٍ ٱحْتَمَلْتُ! وَمِنَ ٱلْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي ٱلرَّبُّ».
أعمال ١٣: ٤٥ و٥٠ وأعمال ١٤: ٢ و٥ وأعمال ١٤: ١٩ الخ ومزمور ٣٤: ١٩ و٢كورنثوس ١: ١٠ وص ٤: ١٧
ٱضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي التي ذُكر كثيراً منها في (٢كورنثوس ص ١١).
مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ (بيسيديا) (أعمال ١٣: ١٤ و١٥). ولم يكن تيموثاوس معه حيئنذ ولكنه لا ريب في أنه سمع بما أصابه هناك.
إِيقُونِيَّةَ (أعمال ١٣: ٥٠).
لِسْتِرَةَ (أعمال ١٤: ٥ و٦ و١٩). ذكر الرسول تيموثاوس بما أصابه في سني خدمته الأولى ولم يذكره بما أصابه في السنين الأخيرة لأن تيموثاوس رافقه في كل السنين الأولى وكان يومئذ حديث السن فأثر فيه ما شاهده حينئذ أكثر مما سواه. على أن مصائبه الأخيرة لم تكن أقل من الأولى لكنه كان قد اعتاد على المصائب فلم يذكرها.
وَمِنَ ٱلْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي ٱلرَّبُّ (ص ٤: ١٧ و٢كورنثوس ١: ٥). تاريخ حياة الرسول المذكورة في أعمال الرسل من (ص ١٢ الخ) كانت سلسلة اضطهادات وإنقاذات وأشار هنا إلى «الانقاذات» لكي يبين لتلميذه أنه كما كان مستعداً لاحتمال الاضطهادات كان الله مستعداً لإنقاذه منها وأن له أن يتوقع مثل ذلك الإنقاذ.

كون الأتقياء عرضة للاضطهاد ع ١٢ إلى ١٤


١٢ «وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِٱلتَّقْوَى فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ».
مزمور ٣٤: ١٩ ومتّى ١٦: ٢٤ ويوحنا ١٧: ١٤ وأعمال ١٤: ٢٢ و١كورنثوس ٥: ١٩ و١تسالونيكي ٣: ٢
أبان الرسول في هذه الآية أن ما أصابه غير مقصور عليه بل هو نصيب كل أتباع المسيح فيجب أن لا يتوقع تيموثاوس أن يُعفى منها. وما صدق على المسيحيين في العصر الرسولي يصدق على المسيحيين في كل عصر لأنهم عرضة أبداً للخسارة في سبيل المسيح وإنجيله لكن نوع الاضطهاد يختلف باختلاف العصور فقد يكون خسارة المال والصيت والحرية والرتبة وغيرها من الحقوق والنفي والألم والموت. وخلاصة هذه الآية أنه إن لم يكن صليب لا يكن إكليل.
أَنْ يَعِيشُوا بِٱلتَّقْوَى فِي ٱلْمَسِيحِ أي لا يمكن أن تكون تقوى المؤمن حقيقة إلا باتحاده بالمسيح (غلاطية ٢: ٢٠ وفيلبي ١: ٢١).
يُضْطَهَدُونَ أي لا يمكن أن يكون المؤمن تقياً ولا يُضطهد لأن العالم عدوٌ لله وعليه قول المسيح لتلاميذه «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ. اُذْكُرُوا ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ» (يوحنا ١٥: ١٩ و٢٠ انظر أيضاً متّى ١٠: ٢٢ و٢٨ و٣٩ و١تسالونيكي ٣: ٣).
١٣ « وَلٰكِنَّ ٱلنَّاسَ ٱلأَشْرَارَ ٱلْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ».
٢تسالونيكي ٢: ١١ و١تيموثاوس ٤: ١ وص ٢: ١٦
ما في هذه الآية تمهيد لما أمر تيموثاوس به في (ع ١٤).
ٱلأَشْرَارَ ٱلْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ أي أن الأشرار لا يصلحون أنفسهم أبداً فيجب على تيموثاوس أن يتوقع أن تبقى الاضطهادات وتشتد على مرور الزمان وأنه على قدر ما يزيد نور الإنجيل يزيد الفرق بينه وبين الظلمة. ومنذ أيام بولس إلى الآن لم تفتر مقاومة العالم للإنجيل لكنها تغيرت كيفيتها فكان كلما كثرت معرفة المسيح في الأرض ومحبة تلاميذه له كلما زادت عداوة غيرهم له.
مُضِلِّينَ أي مجتهدين أن يحملوا الناس على أن يتخذوا الحرام حلالاً والكذب صدقاً وبالعكس (رؤيا ١٣: ١٥ و١٨: ٢٣ و٢٢: ١٥) وفي ذلك إشارة إلى ينيس ويمبريس (ع ٨) وأمثالهما يومئذ.
مُضَلِّينَ من الشيطان ومن قلوبهم لأنهم يظنون أنهم ينجحون في تعليم الضلال وأن فاحص القلوب يغفل عنهم وعن أعمالهم. ولعلهم باستعمالهم الكذب يعتادون تصديق الأكاذيب. ولعل الله يعقابهم على خداعهم بأن ينزع منهم قوة التمييز بين الحق والباطل بدليل قوله «لأَجْلِ هٰذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللّٰهُ عَمَلَ ٱلضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ» (٢تسالونيكي ٢: ١١ و١٢).
١٤ «وَأَمَّا أَنْتَ فَٱثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ».
ص ١: ١٣ و٢: ٢
وَأَمَّا أَنْتَ فَٱثْبُتْ مهما فعل هؤلاء.
عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ مني (ع ١٠) ومن أمك وجدتك (ص ١: ٥ و٢: ٢).
وَأَيْقَنْتَ من الكتب المقدسة (ع ١٥).
عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ القرينة تدل على أن الرسول أشار بهذا إلى نفسه والأصل اليوناني يدل على أن معلمه واحد. فإذاً لا إشارة بذلك إلى أنه جَمَل برنابا معه. والمعنى أن تيموثاوس عرف دعوة بولس الرسولية وأنه قد تعلم من المسيح وأن المسيح صدّق تعليمه بأن أنجحه.

فوائد الأسفار المقدسة ع ١٥ إلى ١٧


١٥ «وَأَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
يوحنا ٥: ٣٩
أَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ هذا علة ثانية لثباته في الحق والعلة الأولى مصدر معرفته إياه.
تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ عنى بذلك أسفار العهد القديم التي علّمته إيّاها أمه فإنها يهودية أصلاً (ص ١: ٥ وأعمال ١٦: ١٠٣). وتسميته تلك الأسفار «بالكتب المقدسة» دليل على اعتباره واعتبار المجامع اليهودية إياها وأنها يحب أن تُعتبر كذلك في الكنائس المسيحية. وقداستها مبنية على كونها إعلان الله لشعبه المختار.
ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ هذا بيان النفع الذي كان منها لتيموثاوس ويمكن أن يكون لغيره من المطالعين فإنها تحكم للخلاص جميع الذين يقرأونها بإخلاص طالبين النور والإرشاد من الروح القدس. وفي قوله «القادرة» الخ بيان للفرق بين الكتاب المقدس وسائر الكتب فإن هذه قادرة أن تحكم الناس للحصول على السلطة والصيت والغنى وأما الكتاب المقدس فغايته أعظم من كل ذلك وهي الخلاص الأبدي وهو يحكم للخلاص بإرشاد الناس إلى التمسك بالمسيح المخلص. وهذا على وفق شهادته للناموس وهي قوله «قَدْ كَانَ ٱلنَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ» (غلاطية ٣: ٢٤).
بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا بيان أن الإيمان بالمسيح هو الوسيلة إلى نيل الخلاص بدرس أسفار العهد القديم فهي المصباح الذي به ندرس ونستفيد من مواعيدها وتواريخها ورموزها ونبوآتها. فالأسفار الإلهية بدون الإيمان بالمسيح مختومة وكلها ألغاز غامضة ولكن إذا قرأناها مؤمنين بالمسيح أنارت لنا بنور سماوي من أول سفر التكوين إلى آخر سفر الرؤيا (مرقس ٦: ١٦ ورومية ١: ١٧). وهذه الأية تشهد للمسيحيين بسلطان أسفار العهد القديم وتعلمهم كيفية تحصيل النفع من درسها.
١٦ «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ».
٢بطرس ١: ٢٠ و٢١ ورومية ١٥: ٤
هذه الآية تُعلن قيمة كتاب الله وتشهد له بتقويم حياة المؤمن الروحية وهي تصريح لتيموثاوس بأنه باقٍ له معلم حكيم معصوم من الغلظ ينصحه ويرشده بعد أن يفارقه معلمه بولس وحثّ له على أن يبقى أميناً على ذلك الكتاب كما تعلم منذ الصغر. فيسوغ أن نتخذ ما في هذه الآية آخر شهادات بولس بقيمة الكتاب المقدس.
كُلُّ ٱلْكِتَابِ أي كل أسفار العهد القديم واعتبرها كتاباً واحداً (أما أسفار العهد القديم فلم تكن قد كُتبت بعد كلها يومئذ. ومما لم يكن قد كُتب بشارة يوحنا ورسائله ورؤياه وبعض رسائل بولس لم يكن قد نُشر).
مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ أي أن الله ألهم كتبته أن يكتبوه وجعله واسطة حياة روحية لمطالعيه. وهذا على وفق قول بطرس الرسول «إِنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ ٱلْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (٢بطرس ١: ٢٠ و٢١). وكونه «موحى به من الله» يميّزه عن سائر الكتب.
نَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ أي تعليم الذي يطالعه لا الواعظ به، نعم إن الواعظ نافع لتعليم السامعين ولكن الرسول لم يتكلم عليه هنا بل تكلم عليه في موضع آخر (ص ٤: ٢) فمنه يتعلم تيموثاوس ما قصد الله أن يعتقد هو به وما يجب أن يعمله (١تيموثاوس ٤: ١٦). والكتاب نافع لتعليم حقائق إلهية لا حقائق علمية فيبقى العهد القديم معلماً للإنسان الجديد في يسوع المسيح كما كان معلماً للقدماء. واتخذ بولس ما كُتب في العهد القديم من أمر إبراهيم دليلاً على أن التبرير بالإيمان (رومية ص ٤).
وَٱلتَّوْبِيخِ للضال على ضلاله فيهتدي. وقد وبخ بولس اليهود غير المؤمنين به (رومية ص ١٠ وص ١١). والكتاب لا يفتأ يوبخ الخطأة على خطاياهم.
لِلتَّقْوِيمِ أي للإصلاح في الأدبيات. وليس في وسائط التقويم في كل العالم مثل كتاب الله وليس من تقويم دائم إلا به.
وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ لأن البر غايته من أوله إلى آخره. وتأثيره في القارئ يحمله على أن يكون طاهراً عادلاً صادقاً (رومية ١٥: ٤ و١كورنثوس ١٠: ١ - ١٠ وعبرانيين ١٢: ٧).
١٧ «لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللّٰهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ».
١تيموثاوس ٦: ١١ ص ٢: ٢١
لِكَيْ هذا بيان للعلة التي لأجلها أوحى الله بالكتاب المقدس وجعله نافعاً لما ذُكر وفيه إشارة إلى أن النتيجة لا يمكن أن تحصل إلا بكلمة الله.
إِنْسَانُ ٱللّٰهِ لقّب بولس تيموثاوس بهذا اللقب في (١تيموثاوس ٦: ١١) ولقب به هنا كل مسيحي باعتبار أنه مولود من الله ومشابه له. ولقب به أيضاً النبي في (١ملوك ١٣: ١ و٢ملوك ٦: ٦ و٩).
كَامِلاً أي كامل العدة كجندي لبس السلاح الكامل وهذا دليل قاطع على أن كتاب الوحي كافٍ بدون إضافة التقاليد البشرية.
مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لأن ذلك الكتاب يصرّح له بما يعتبره الروح القدس صالحاً وبكل عمل يجب عليه أن يخدم الله به في حياته الروحية على الأرض. فيلزم من ذلك أن درس الكتاب المقدس يقدّر الإنسان على النمو دائماً في الحياة الروحية حتى يكون مستعداً بالمعرفة والإرادة لإتمام كل ما يرضي الله. وكيف لا يكون ذلك والله مصدره والخلاص غايته والحق الخالص موضوعه.
وما قيل في قيمة كتاب العد القديم ونفعه يصدق أيضاً على كل أسفار العهد الجديد ولا سيما قول المسيح. فيجب أن نوجه إلى أنفسنا قول المسيح «فَتِّشُوا ٱلْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ ٱلَّتِي تَشْهَدُ لِي» متخذين إيّاها إنها مجموع أسفار العهدين (يوحنا ٥: ٣٩).


اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ


توصيات أخيرة لتيموثاوس ليكون أميناً في التبشير بالإنجيل وإتمام كل ما يجب عليه في خدمته في أثناء الضيقات المحيطة بها (ع ١ - ٥) وتوقُّع بولس قرب الأجل (ع ٦ - ٨). وبيان رغبته في مبادرة تيموثاوس إليه وأسباب ذلك وبعض التوصيات الخاصة (ع ٩ - ١٥). ونبأ وقوفه الأول أمام نيرون وترك رفقائه له وأن ذلك علة طلب قدومه إليه (ع ١٦ - ١٩) ختم الرسالة بالتحيات والبركة (ع ١٩ - ٢٢).
إيصاء تيموثاوس بالأمانة ع ١ إلى ٥


١ «أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذاً أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ ٱلأَحْيَاءَ وَٱلأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ»
١تيموثاوس ٥: ٢١ و٦: ١٣ وص ٢: ١٤ وأعمال ١٠: ٤٢
أَنَا أُنَاشِدُكَ (١تيموثاوس ٥: ٢١). قال هذا تمهيداً لكلماته الأخيرة وتنبيهاً على أن ما سيقوله ذو شأن.
أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كان الآب والابن شاهدان عليه بأنه أوصاه ومصدقان لذلك. وجاء مثل هذا تثبيتاً للأمر في (تثنية ٤: ٢٦ ومرقس ٤: ٧ وأعمال ١٩: ١٣).
ٱلْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ ٱلأَحْيَاءَ وَٱلأَمْوَاتَ فهو يطالب تيموثاوس بالقيام بما أوصاه به بولس. وانتظار دينونة الله من أعظم الأسباب الحاملة عبيد الله على أن لا يفتروا في إتمام واجباتهم وأن لا يخشوا المصائب والأخطار المحيطة بهم.
عِنْدَ ظُهُورِهِ ثانية يوم يأتي ليدين العالم كما قيل في (متّى ١٦: ٢٧ و١تسالونيكي ٤: ١٦ و١٧ و٢تسالونيكي ٢: ٨ و١تيموثاوس ٦: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ١٠ وتيطس ٢: ١٣).
وَمَلَكُوتِهِ ظهر المسيح أولاً في هيئة عبد وسيظهر أيضاً في هيئة ملك مظهراً مجد ملكوته وعظمته ويغير حينئذ الأحياء ويقيم الموتى لكي يعترف من في السماوات وعلى الأرض بأنه ملك ورب ويتم قول يوحنا الرسول «حَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلَةً: قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا ١١: ١٥ انظر تفسير رومية ١٤: ١١ وفيلبي ٢: ١٠). إن المسيح يملك الآن ولكن ملكوته روحي لا يراه البشر (لوقا ٢٢: ١٨ و٣٠ ورؤيا ١: ٧ و١١: ١٥ و١٩: ٦) ذهب بعض المفسرين أن عبارة الأصل أحد الأقوال «الصادقة الأمينة» التي ذُكرت في هذه الرسالة.
ولا شيء في تلك العبارة يستلزم أن المسيح مزمع أن يقيم مملكة أرضية هنا كمملكة داود وسليمان.
٢ «ٱكْرِزْ بِٱلْكَلِمَةِ. ٱعْكُفْ عَلَى ذٰلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، ٱنْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ».
١تيموثاوس ٥: ٢٠ وتيطس ١: ١٣ و٢: ١٥ و١تيموثاوس ٤: ١٣
ٱكْرِزْ بِٱلْكَلِمَةِ أي بالإنجيل. هذا هو عمله الخاص مدة حياته.
ٱعْكُفْ عَلَى ذٰلِكَ أي اقبل عليه مواظباً إياه.
فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ لم تحصر كرازته في وقت معين أو مكان خاص بل كان عليه أن يغتنم كل فرصة للمناداة بالإنجيل في الكنيسة وفي البيت عند أسرّة المرضى وموائد الأصحاء في أزمنة الأمن وفي أزمنة الخطر حيث يرحب الناس بتعليمه وحين يرفضونه مشابهاً للنهر الذي تجري مياهه صافية شربها الناس أم لم يشربوها. وهذا يسهل على من قلبه مملوء حباً للمسيح ولنفوس الهالكين وهو يخاف من الله الديّان العادل أكثر مما يخاف من الناس.
وَبِّخِ (ص ٣: ١٦) أي برهن للناس صحة الإنجيل واحتياجهم إليه.
ٱنْتَهِرْ المذنبين. وأمثال هذا ما في (متّى ٨: ٢٦ و١٢: ١٦ و١٦: ٢٢ ولوقا ٤: ٣٥ و٣٩ و١٧: ١٣ و١٨: ١٥ ويهوذا ٩). وغاية هذا الانتهار أن يبيّن للخاطئ النتائج الهائلة من استمراره على إثمه. ويغلب أن انتهار الخطأة لا ينفعهم شيئاً إلا إذا كان المنتهر محباً وضمير المنتَهَر يشهد بحق الانتهار. وقد تكون غاية الانتهار منع الصالحين من الاقتداء بالأشرار.
عِظْ (انظر تفسير رومية ١٢: ٨).
بِكُلِّ أَنَاةٍ على المقاومين عند المقاومة.
وَتَعْلِيمٍ أي واظب على التعليم بالصبر لكي يُدرك من تعلّمهم المعنى ويسروا به ويعملوا بموجبه.
٣ «لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ ٱلْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَـهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ».
ص ٣: ١ و١تيموثاوس ١: ١٠ وص ٣: ٦
في هذا حثّ له على اغتنام الوقت الحاضر لإفادة الناس.
سَيَكُونُ وَقْتٌ هو الوقت المذكور في (ص ٣: ١ و١تيموثاوس ٤: ١) وقد ابتدأ ذلك الوقت في عصره.
لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ هذا كلام على المدعين أنهم مؤمنون كما يتضح من القرينة لأن الكنيسة كالشبكة المطروحة في البحر تجمع الأخيار والأشرار. وعلة أنهم «لا يحتملون التعليم الصحيح» وهو تعليم الإنجيل لأنهم يكرهونه وهو ليس بحجة على أن يمتنع تيموثاوس من المناداة به.
بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ ٱلْخَاصَّةِ هذا علة كرههم تعليم الرسول وتعليم تيموثاوس وغيره لأنه توبيخ لهم على سيرتهم الرديئة ودعوة لهم إلى إماتة الشهوات.
يَجْمَعُونَ لَـهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ فضّلوهم على معلمي التعليم الصحيح. أرادوا أن يتمتعوا برجاء الخلاص الموعود به في الإنجيل بدون أن يكلفوا أنفسهم السيرة الطاهرة وإنكار النفس الذي يطلبه الإنجيل فطلبوا معلمين يعدونهم بأفراح السماء وأعرضوا عن طلب القيام بشروط نيلها. أحبوا أن يسمعوا تعاليم جديدة في الدين وقصصاً ملفقة تلذّ للسامعين ولا توجب عليهم السيرة الأدبية.
٤ «فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى ٱلْخُرَافَاتِ».
١تيموثاوس ١: ٤ و٤: ٧ وتيطس ١: ١٤
فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ أي يأبون أن يسمعوا التوبيخ على خطاياهم والوعيد بالعقاب.
وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى ٱلْخُرَافَاتِ الخرافات الأحاديث المستملحة الباطلة وما يرفضه العقل السليم. فإن أولئك الضالين اتخذوها بدلاً من حقائق الإنجيل العظيمة الأبدية. وأشار إلى تلك «الخرافات» في (١تيموثاوس ١: ٤).
٥ « وَأَمَّا أَنْتَ فَٱصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ٱحْتَمِلِ ٱلْمَشَقَّاتِ. ٱعْمَلْ عَمَلَ ٱلْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ».
ص ١: ٨ و٢: ٣ وأعمال ٢١: ٨ وأفسس ٤: ١١ ورومية ١٥: ١٩ وكولوسي ١: ٢٥ و٤: ١٧
وَأَمَّا أَنْتَ فخالف لأولئك.
فَٱصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أي انتبه واغتنم كل فرصة للشهادة للحق والمحاماة عنه ومقاومة الضلال والخطيئة (متّى ٢٥: ١٣ و١كورنثوس ١٦: ٢٣).
ٱحْتَمِلِ ٱلْمَشَقَّاتِ (ارجع إلى تفسير ص ١: ٨ و٢: ٣).
ٱعْمَلْ عَمَلَ ٱلْمُبَشِّرِ أي قم بعمل كل ما يجب على المنادي بالإنجيل والمعلم بحقائقه (انظر تفسير أعمال ٢١: ٨ وأفسس ٤: ١١).
تَمِّمْ خِدْمَتَكَ أي لا تترك شيئاً من واجبات خدمة الإنجيل. فيجب أن يكون المبشر مثالاً لكل من يأتي بعده. وكان على تيموثاوس فوق ما كان على غيره من المبشرين الواجبات من جهة كونه نائباً عن بولس مدة غيابه فكان له سلطة الرسول وعليه مسؤوليته.

توقُّع بولس قرب أجله ع ٦ إلى ٨


٦ «فَإِنِّي أَنَا ٱلآنَ أُسْكَبُ سَكِيباً، وَوَقْتُ ٱنْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ».
فيلبي ٢: ١٧ وفيلبي ١: ٢٣ و٢بطرس ١: ١٤
ذكر الرسول في هذه الآية ما أوجب عليه فرط الاجتهاد في القيام بما يجب عليه وهو انطلاقه من هذا العالم وترك كل مسؤولية العمل التي كانت عليه على تيموثاوس فحثّه بذلك على السلوك في خطواته وتوقع المجازاة التي هو على وشك الحصول عليها.
ًأُسْكَبُ سَكِيبا فرض قبل ذلك إمكان سكب دمه بقوله «إِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضاً عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ» (فيلبي ٢: ١٧) وذكر هنا تيقنه حدوثه. وأشار بهذا إلى ما اعتاده الوثنيون في هياكلهم من سكب الخمر والزيت على رأس البهيمة التي يريدون ذبحها وإحراقها أو إلى ما اعتاده كهنة اليهود من سكب الخمر ورش الملح على ما يقربنوه من القرابين (عدد ١٥: ١ - ١٠). فإنه تيقن قرب موته شهيداً في سبيل الحق وشبّه نفسه بذبيحة الهيكل. وأبان بهذا التشبيه أن الموت ليس بعلة هول له بل أنه رائحة قربان جيدة وإن كان موت إهانة وألم.
وَوَقْتُ ٱنْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ شبّه موته قبلاً «بانسكاب» ثم شبّهه هنا «بحل الرباط» الذي يمكن السفينة بالشاطئ أو رفع المرساة التي تثبتها في مكانها للشروع في السفر إلى مرفإ السلام الأبدي.
٧ «قَدْ جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ، حَفِظْتُ ٱلإِيمَانَ».
١كورنثوس ٩: ٢٤ و٢٥ وفيلبي ٣: ١٤ و١تيموثاوس ٦: ١٢ وعبرانيين ١٢: ١
قَدْ جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ أي جهاد الإيمان سرّ بولس بأن يشبّه خدمته للمسيح بجهاد المجتهد في الملاعب اليونانية المشهورة وأن يشبّه نفسه بالمصارع أو الملاكم وأراد بذلك جهاده في الماضي والحاضر.
أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ كجار في الميدان كما أبان في (١كورنثوس ٩: ٢٦ وانظر أيضاً عبرانيين ١٢: ١ و٢) وما سبق من قوله «لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ» (أعمال ٢٠: ٢٣) تفسير لقوله هنا.
حَفِظْتُ ٱلإِيمَانَ أي حرست كنز الإنجيل بالأمانة بلا نقص ولا تغيير (١تيموثاوس ٦: ٢٠ وفيلبي ٣: ١٣ و١٤).
٨ «وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ ٱلْبِرِّ، ٱلَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانُ ٱلْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضاً».
١كورنثوس ٩: ٢٥ ويعقوب ١: ١٢ و١بطرس ٥: ٤ ورؤيا ٢: ١٠ وص ١: ١٢
وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ ٱلْبِرِّ نظر الرسول إلى مجازاته بعد الموت. وكان هذا «الإكليل» ثواب الجهاد الذي جاهده (ع ٧) والسعي الذي أكمله. وهو الإكليل الذي وُعد به الأبرار واستحقوا أن يتكللوا به. وقال «قد وُضع لي» لأنه عُيّن له وحُفظ حتى أنه ليس في خطر الفقدان (كولوسي ١: ٥ و١بطرس ١: ٤).
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي يوم الدين يوم يأتي المسيح ليتمجد بقديسيه.
ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانُ ٱلْعَادِلُ انتظر الموت بحكم نيرون الظالم وانتظر إكليل النصر من يد المسيح الذي جاهد في خدمته تحت مراقبته.
وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضاً زاد هذا تنشيطاً لتيموثاوس وغيره من أمثاله ممن جاهدوا للإيمان وتوقعوا مجيء المسيح ثانية بشوق ورجاء وأكد لهم أنهم يشاركونه في المسرة والثواب. وأراد «بظهوره» إتيانه في المجد (١تيموثاوس ٦: ١٤ وتيطس ٢: ١٣).

رغبة الرسول في سرعة مجيء تيموثاوس إليه وأسباب ذلك ع ٩ إلى ١٥


٩ «بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ سَرِيعاً».
توقّع الرسول قرب موته ومع ذلك رأى أنه يمكن أن يبقى في السجن مقيداً منفرداً أياماً وأشهراً فطلب إلى تيموثاوس أن يجيء إليه سريعاً فأبان بذلك محبته له ورغبته في مشاهدته وأظهر سابقاً مثل هذه الرغبة (ص ١: ٤ و٨) لكنه ذكر هنا سبباً لم يذكره هناك وهو ترك أكثر أصحابه إياه. ولعله نظر إلى إحساس تيموثاوس ورغبته في أن يراه قبل وفاته وأن يسمع منه النصائح الأخيرة وكلمات الوداع ولذلك سمح له أن يترك عمله في أفسس. والمسيح أظهر مثل هذه الرغبة باجتماع مع أصدقائه قبل موته (متّى ٢٦: ٣٨).
١٠ «لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي، وَكِرِيسْكِيسَ إِلَى غَلاَطِيَّةَ، وَتِيطُسَ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ».
كولوسي ٤: ١٤ وفليمون ٢٤ و١يوحنا ٢: ١٥
لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي هذا من أسباب طلب مجيء تيموثاوس سريعاً. وديماس كان رفيق بولس في التبشير وكان معه مدة سجنه الأول وشارك لوقا في إرسال السلام إلى أهل كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) وإلى فليمون (فليمون ٢٤).
إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ ذكر بولس أن هذا علة ترك ديماس إياه. سجن بولس الثاني كان أقسى من سجنه الأول وكان الخطر فيه على رفقائه أكثر من الخطر عليهم في الأول فآثر ديماس راحة بيته وأمته على تعريض نفسه للمشقات والخطر والموت مع بولس فلم يكن له رجاء كاف للحياة الأبدية يقدره على أن يغلب حب العالم الحاضر. وفي كلام بولس ما يدل على أنه أسف على فراقه وذهابه إلى تسالونيكي وظن بعضهم أنها كانت وطنه. والكلام على تسالونيكي في مقدمة الرسالة إليها (مجلد ٥ صفحة ١١٤).
وَكِرِيسْكِيسَ إِلَى غَلاَطِيَّةَ هذا الرجل أحد رفقاء بولس أو مساعديه ولم يُذكر في غير هذا الموضع من العهد الجديد. والكلام على غلاطية في مقدمة الرسالة إليها (مجلد ٤ صفحة ٣٨١).
وَتِيطُسَ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ وهذا أيضاً أحد رفقاء بولس وكان أميناً مكرماً محبوباً وإليه كتب بولس الرسالة التي تلي هذه. و «دلماطية» جزء من بلاد الليركيون وهي من جملة البلاد التي بشر بولس فيها (رومية ١٥: ١٩) وهو على الشمال الغربي من مكدونية على الشاطئ الشرقي من بحر أدريا وهو خليج البندقية. والأرجح أن بولس أرسله إلى هنالك ليبشر بالإنجيل ويفتقد الكنائس التي أسسها. ولعله لم يعرف ما يأتي عليه من الضيق يوم أرسله إلى تلك الأرض. وكان إتيان تيموثاوس إليه من أفسس أسهل من إتيان تيطس إليه من دلماطية.
١١ «لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ».
كولوسي ٤: ١٤ وص ١: ١٥ وأعمال ١٢: ٢٥ و١٥: ٣٧ وكولوسي ٤: ١٠ وفليمون ٢٤
لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي هذا هو كاتب البشارة الثالثة وأعمال الرسل والكلام عليه في مجلد ٢ صفحة ٣ وهو طبيب بولس ورفيقه في كثير من أسفاره وخدمته (انظر تفسير أعمال ١٦: ١٠). ورافق بولس في سفره بحراً إلى رومية كما يتضح من نبإ هذا السفر في سفر الأعمال وكان معه وهو مسجون هناك (كولوسي ٤: ١٤).
خُذْ مَرْقُسَ الخ هو يوحنا مرقس (أعمال ١٥: ٣٧) كاتب البشارة الثانية ابن أخت برنابا رافق بولس وبرنابا في أول سفرهما الأول للتبشير لكنه تركهما في بمفيلية وكان تركه لهما علة أن بولس لم يثق به وقتاً (أعمال ١٥: ٣٨). ولكن ما قيل هنا دليل على أنه واثق به بعد ذلك كل الثقة وصادقه ويؤيد ذلك أنه كان مع بولس يوم سُجن أولاً في رومية (كولوسي ٤: ١٠ وفليمون ٢٤).
لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ لم يذكر نوع الخدمة والأرجح أنها الخدمة في الأمور الشخصية الزمنية والأمور العامة الروحية.
١٢ «أَمَّا تِيخِيكُسُ فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ».
أعمال ٢٠: ٤ وأفسس ٦: ٢١ وكولوسي ٤: ٧ وتيطس ٣: ١٢
ِتِيخِيكُسُ هو عامل مع بولس وذُكر في (أعمال ٢٠: ٥ وتيطس ٣: ١٢) وكان بولس في سجنه الأول في رومية (كولوسي ٤: ٧ وأفسس ٦: ٢١).
أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ الأرجح أنه أرسله ليقوم مقام تيموثاوس في التبشير ليستطيع تيموثاوس أن يذهب إلى رومية.
١٣ «اَلرِّدَاءَ ٱلَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُوَاسَ عِنْدَ كَارْبُسَ أَحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ، وَٱلْكُتُبَ أَيْضاً وَلاَ سِيَّمَا ٱلرُّقُوقَ».
اَلرِّدَاءَ ٱلَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُوَاسَ ذكر لوقا أن بولس كان في ترواس (أعمال ٢٠: ٦) قبل سجنه الأول ولكن إذ كان ذلك قبل كتابة هذه الرسالة بما يزيد على ست سنين فيبعد عن التصديق أنه لم يسأل في كل تلك المدة ما هو ضروري لصحته وراحته فيكون ما ذُكر من الأدلة على أنه زار ترواس غير الزيارة المذكورة في سفر الأعمال وكان ذلك بين سجنه الأول وسجنه الثاني. ولعله زارها هذه الزيارة في الصيف فترك الرداء هناك لعدم حاجته إليه. ويحتمل أنه ذهب من ترواس بسرعة ولخطر فجائي فترك كل ما له فيها. ويرجح أنه حين طلب الرداء كان في السجن برد ورطوبة وهو مريض طاعن في السن. ولا منافاة بين طلبه الرداء وتوقعه قرب أجله لأنه لم يتحقق موته حالاً. والكلام على ترواس في تفسير (أعمال ١٦: ٨).
عِنْدَ كَارْبُسَ لم يُذكر كاربس في غير هذا الموضع والقرينة تدل على أنه كان من أصدقائه.
وَٱلْكُتُبَ أَيْضاً وَلاَ سِيَّمَا ٱلرُّقُوقَ المرجّح أن الكتب كانت من ورق الحلفاء وأن الرقوق ما نُظف ودُبر من جلود الغنم. وفضّلها على الورق لصلاحها لأثمن الأقوال بسبب بقائها. كان بولس من العلماء فمن الطبع أنه كان يحب الكتب دينية وعلمية فلا عجب من أن يحملها في أسفاره للمطالعة كل ما أمكنته الأحوال وأن يشتاق إليها وهو منفرد في السجن.
ظن بعضهم أنه طلب الرقوق لكي يثبت حقوقه السياسية وأنه روماني والأرجح أنها كانت من أسفار العهد القديم وظن آخرون أنها ما كتبه من تفسير الكتب المقدسة الناشئ عن تأملاته ومطالعاته.
١٤ «إِسْكَنْدَرُ ٱلنَّحَّاسُ أَظْهَرَ لِي شُرُوراً كَثِيرَةً. لِيُجَازِهِ ٱلرَّبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِ».
أعمال ١٩: ٣٣ و١تيموثاوس ١: ٢٠ و٢صموئيل ٣: ٣٩ ومزمور ٢٨: ٤ ورؤيا ١٨: ٦
إِسْكَنْدَرُ ٱلنَّحَّاسُ أَظْهَرَ لِي شُرُوراً كَثِيرَةً ظن بعضهم أنه هو المذكور في (١تيموثاوس ١: ٢٠ وأعمال ١٩: ٣٣). والمرجّح أنه أراد بالشرور الضرر الذي ضره إياه في أفسس بمقاومته لتعليمه وببث الضلال. ولعله أضره في رومية برفع شكاية كاذبة عليه إما بلفظه وإما بكتابته.
لِيُجَازِهِ ٱلرَّبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِ قال بولس هذا غيرة على الإنجيل الذي قاومه اسكندر وعلى اسم المسيح الذي أهانه لا رغبة في الانتقام. ويحتمل الأصل اليوناني أن العبارة خبر نبوءة لا طلب.
١٥ «فَٱحْتَفِظْ مِنْهُ أَنْتَ أَيْضاً لأَنَّهُ قَاوَمَ أَقْوَالَنَا جِدّاً».
فَٱحْتَفِظْ مِنْهُ هذا دليل على أن اسكندر لم يزل في أفسس فأراد بولس أن يحترس تيموثاوس منه ما دام هو في تلك المدينة.
لأَنَّهُ قَاوَمَ أَقْوَالَنَا جِدّاً أتى ذلك إما بمنع تبشير بولس في أفسس وإما بمنع تبرئته أمام نيرون يوم أُتهم بالخيانة قولاً وفعلاً كما فعل ترتلس أمام فيلكس (أعمال ٢٤: ٥).

وقوفه الأول أمام نيرون ع ١٦ إلى ١٨


١٦ «فِي ٱحْتِجَاجِي ٱلأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ ٱلْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ».
ص ١: ١٥ أعمال ٧: ٦
فِي ٱحْتِجَاجِي ٱلأَوَّلِ في رومية أمام الأمبراطور يوم حامى بولس عن نفسه ولم يكن له من وكيل.
ٱلْجَمِيعُ تَرَكُونِي احترق جزء كبير من رومية سنة ٦٤ ب. م فنيرون الأمبراطور بغية أن يدفع عن نفسه ظن الناس أنه هو الذي أحرقه أتهم المسيحيين بذلك فنشأ عنه اضطهاد شديد لهم قتل به كثيرون منهم كما شهد به تاسيطوس المؤرخ الروماني. والمرجّح أن بولس كان من جملة المتهمين بذلك فقُبض عليه وسُجن باعتبار كونه من رؤساء النصرانية. فكان كل من تظاهر حينئذ بمصادقة بولس أو بالمحاماة عنه يعرّض نفسه لأشد الخطر فلا عجب أن بعض المدعين أنهم تلاميذ المسيح تركوه كما ترك المسيح تلاميذه يوم محاكمته (متّى ٢٦: ٦٥) على وفق ما أنبأ المسيح به (يوحنا ١٦: ٣٢). إن بعض أصدقائه كان غائباً عند كتابة هذه الرسالة ولا بد من أنه كان حينئذ في رومية كثيرون (ممن ذكروا في فيلبي ١: ١٣ و١٤) يقدرون أن يساعدوه لولا الخوف.
لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ في هذا تصريح بأنهم خطئوا إلى الله بتركهم عبده في وقت الخطر. فطلب أن الله يغفر لهم لأن تركهم إياه كان نتيجة ضعفهم وخوفهم ولم يكن بغية إضراره.
١٧ «وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي ٱلْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ».
متّى ١٠: ٢٩ وأعمال ٢٣: ١١ و٢٧: ٢٣ وأعمال ٩: ١٥ و٢٧: ١٧ و١٨ وأفسس ٣: ٨ ومزمور ٢٢: ٢١ و٢بطرس ٢: ٩
لٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَقَفَ مَعِي هذا على وفق قول المسيح وهو في مثل ذلك «أَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ ٱلآبَ مَعِي» (يوحنا ١٦: ٣٢) وعلى تمام الوعد في (متّى ١٠: ١٩ و٢٠).
وَقَوَّانِي أي شجعني على التكلم ووهب لي الحكمة فيه وهذا كقوله «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَوِّينِي» (فيلبي ٤: ١٣). فالمساعدة التي توقعها من الناس الأصدقاء لم يحصل عليها لكنه حصل على أكثر ما توقع من الصديق الأزلي.
لِكَيْ تُتَمَّ بِي ٱلْكِرَازَةُ لا ريب في أن بولس اغتنم في محاماته عن نفسه أمام نيرون فرصة التبشير بالإنجيل كما فعل قبلاً أمام أغريباس وفستوس واعتبر تلك الفرصة أحسن فرص خدمته لأنه نادى بها أمام الأمبراطور بأن المسيح الذي صُلب وقام من الأموات هو مخلص العالم من أمم ويهود. والمسيح قواه على تأدية تلك الشهادة بجراءة وقوة.
وَيَسْمَعَ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ كان قضاة مجلس نيرون من الأمم ولا ريب في أنه كان أكثر السامعين منهم لأن رومية التي هي محل المحاكمة كانت مركز العالم يومئذ فكان الأمم يأتونها من كل الجهات والأقاصي. كان بولس مشتاقاً منذ سنين كثيرة أن يبشر في رومية (رومية ١: ١٠ و١٥) فأجاب الله صلواته في الوقت المناسب ولم يكن له في حياته مثل تلك الفرصة للمناداة للأمم بالإنجيل.
فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ ذهب بعضهم أنه عنى بالأسد نيرون وأراد أن نيرون لم يحكم عليه بالموت حالاً. وذهب بعضهم أن الكلام مجاز حقيقته شديد الخطر وأن الله أبقاه حياً لكي يشهد هذه الشهادة في المجلس الروماني ويكتب هذه الرسالة إلى تيموثاوس وبواسطته إلى الكنيسة كلها. وما يثبت أن كلامه مجاز أنه أتى مثله في نبإ خطره في أفسس بقوله «إِنْ كُنْتُ كَإِنْسَانٍ قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشاً فِي أَفَسُسَ» (١كورنثوس ١٥: ٣٢).
١٨ «وَسَيُنْقِذُنِي ٱلرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ ٱلسَّمَاوِيِّ. ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ».
مزمور ١٢١: ٧ ورومية ١١: ٣٦ وغلاطية ١: ٥ وعبرانيين ١٣: ٢١
سَيُنْقِذُنِي ٱلرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ رَدِيءٍ اختباره معونة الله في الماضي حقق له معونته في المستقبل. ولم يقل سينقذني من الموت لأنه كان متوقعاً قرب الأجل فمعناه أن الله يقيه من كل ما يمنعه من أن يكون مثمراً إلى آخر أنفاس حياته.
وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ ٱلسَّمَاوِيِّ أي ينقذني بالموت عينه من التعب والألم ويهب لي الابتهاج بأن أكون مع المسيح حسب اشتياقي إليه (فيلبي ١: ٢٣).
ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ أي للمسيح الذي أحبه ولم يتركه. وهذا التسبيح كالتسبيح في (رومية ٩: ٥ وعبرانيين ١٣: ٢١).

تحيات ودعاء ع ١٩ إلى ٢٢


١٩ «سَلِّمْ عَلَى فِرِسْكَا وَأَكِيلاَ وَبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ».
أعمال ١٨: ٢ و رومية ١٦: ٣ و٢تيموثاوس ١: ١٦
سَلِّمْ عَلَى فِرِسْكَا وَأَكِيلاَ (انظر تفسر أعمال ١٨: ١ وتفسير رومية ١٦: ٣ وتفسير ١كورنثوس ١٦: ١٩).
وَبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ (راجع تفسير ص ١: ١٦ - ١٨) والمرجّح أن أنيسيفورس كان غائباً يومئذ عن أفسس.
٢٠ «أَرَاسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْثُوسَ. وَأَمَّا تُرُوفِيمُسُ فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً».
أعمال ١٩: ٢٢ ورومية ١٦: ٢٣ وأعمال ٢٠: ٤ و٢١: ٢٩
أَرَاسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْثُوسَ ذُكر اثنان بهذا الاسم أحدهما في (أعمال ١٩: ٢٢) وهو أحد أعضاء كنيسة أفسس أرسله بولس من أفسس إلى مكدونية لينادي فيها بالإنجيل. والآخر في (رومية ١٦: ٢٣) وقيل أنه خازن المدينة أي كورنثوس. والمرجّح أنه هذا هو المراد هنا فإنه كان رفيق بولس في سفره حتى وصل إلى وطنه وبقي هناك. وقد سبق الكلام على مدينة كورنثوس في مقدمة الرسالة إليها (مجلد ٤ صفحة ١).
وَأَمَّا تُرُوفِيمُسُ هو من متنصري الأمم رافق بولس في سفره الثاني للتبشير بالإنجيل وكان مع بولس في أورشليم. واتهم اليهود بولس بأنه نجّس الهيكل بأن أدخل تروفيمس إليه وكان ذلك علة القبض عليه وسجنه في قيصرية سنتين وإرساله إلى رومية وسجنه هنالك أول مرة.
فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً المرجّح أن هذا الترك حدث بعد نهاية سجن بولس الأول في رومية سنة ٦٣ ب. م وقرب وقت سجنه الثاني فيها سنة ٦٧ ب. م. وذكر علة بقائه في ميليتس لئلا يُلام على عدم مرافقته الرسول إلى رومية.
كانت ميليتس فرضة أفسس وسبق الكلام عليها في تفسير (أعمال ٢٠: ١٥).
٢١ «بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ قَبْلَ ٱلشِّتَاءِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَفْبُولُسُ وَبُودِيسُ وَلِينُسُ وَكَلاَفِدِيَّةُ وَٱلإِخْوَةُ جَمِيعاً».
ع ٩
بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ قَبْلَ ٱلشِّتَاءِ وإلا صعب عليك السفر أو حدث ما يمنعك منه من البرد والمطر أو أموت قبل أن تصل إليّ. وهذا يدل على أنه كتب هذه الرسالة قرب الشتاء.
يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَفْبُولُسُ وَبُودِيسُ وَلِينُسُ وَكَلاَفِدِيَّةُ لا نعرف شيئاً من أمر هؤلاء سوى ما ذُكر هنا. وإرسالهم السلام إلى تيموثاوس يدل على أنهم ممن بقوا أمناء لبولس حين تركه بعض أصدقائه (ع ١٦).
٢٢ «اَلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ مَعَ رُوحِكَ. اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ. آمِينَ».
غلاطية ٦: ١٨ وفليمون ٢٥
هذا الدعاء الختامي يفرق قليلاً عن البركة الرسولية التي ختم بها أكثر رسائله لكنه يشتمل على كل البركات التي يحتاج تيموثاوس إليها.

Call of Hope
P.O.Box 10 08 27
D - 70007
Stuttgart
Germany