مقدمة هذه الرسالة وفيها أربعة فصول

الفصل الأول: في من أُرسلت إليه هذه الرسالة


الذي أرسلت إليه هذه الرسالة هو تيموثاوس كما يفيد عنوانها. وأول ذكر لهذا الشخص في الآية الأولى من الأصحاح السادس عشر من سفر الأعمال. ومولده مدينة دربة أو لسترة من كورة ليكأونية والأرجح أنه لسترة. وكان أبوه من الأمم ولأنه لم يُذكر اسمه في الإنجيل رُجح أنه مات وابنه صغير فلم تربه إلا أمه أفنيكي وجدّته لوئيس وهما يهوديتان تقيتان. والذي يدل على كون أبيه ليس بدخيل أنه ترك ابنه بلا ختان. والذي يدل على أنه لم يكن متعبداً في الوثنية الاسم الذي سمى ابنه إياه أي تيموثاوس ومعناه «متقي الله» ولم يسمه اسم أحد آلهته الوثنية. والذي يثبت أن أمه وجدّته كانت تقيتان أنهما علمتاه الأسفار المقدسة العبرانية (٢تيموثاوس ١: ٥). والأرجح أنهما كانتا مؤمنتين بأن يسوع هو المسيح (أعمال ١٦: ١) وان تيموثاوس تنصر في زيارة بولس الأولى مع برنابا نحو سنة ٤٦ ب. م (أعمال ص ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٥ و٣: ١٥). وحين ذهب بولس ثانية إلى لسترة مع سيلا في سنة ٥١ ب. م اتخذ تيموثاوس لما رأى فيه من الإيمان والغيرة الروحية (١تيموثاوس ١: ١٨) وسمعه من شهادة الإخوة بتقواه (أعمال ١٦: ٢) رفيقاً بدلاً من مرقس الذي تركه خوفاً من مصائب السفر وأخطاره. وختنه لكي يأخذه معه إلى مجامع اليهود وبيوتهم في كل موضع يذهب إليه ولكي يساعده على العمل بينهم لا لأن الختان ضروري للخلاص. ورُسم خادماً للإنجيل بوضع أيادي بولس وأيادي المشيخة (١تيموثاوس ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦) ولا نعلم متى كان ذلك من مدة خدمته. ومنذ ابتداء مرافقته لبولس إلى آخر حياة هذا الرسول كان شريكه في أتعابه ونوازله. ومدة ذلك لا تنقص عن ست عشرة سنة. وذكر أنه كان معه في مكدونية وكورنثوس (أعمال ١٧: ١٤ و١تسالونيكي ١: ١) وأفسس (أعمال ١٨: ٢٢ و١٩: ١ و٢٢) وأنه أرسله من أفسس إلى كورنثوس نائباً عنه (١كورنثوس ٤: ١٧ و١٦: ١٠). وأنه كان معه في مكدونية حين كتب رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (٢كورنثوس ١: ١) وفي كورنثوس حين كتب رسالته إلى كنيسة رومية (رومية ١٦: ٢١). وأنه كان ممن سبقوا بولس إلى ترواس أنه رافقه في كل الطريق (أعمال ٢٠: ٣ و٤) وأنه كان مع بولس مدة سجنه في رومية لأنه كان معه حين كتب رسالة كولوسي ورسالة فيلبي والرسالة إلى فليمون (كولوسي ١: ١ وفيلبي ١: ١٠ وفليمون ١) ولكن لا نعلم أرافقه في سفره بحراً أم لحقه بعد ذلك. وأن بولس بعد إطلاقه من سجنه الأول في رومية سنة ٦٣ تركه في أفسس ليرعى كنيستها (١تيموثاوس ١: ٣) وذلك في نحو سنة ٦٤. ووصله وهو يخدم هنالك الرسالتان المعنونتان باسمه. وقيل في رسالة العبرانيين أنه كان مسجوناً ثم أُطلق (عبرانيين ١٣: ٢٣). وآخر ما ذُكر من أمره أن بولس سأله وهو في رومية أن يأتي إليه بسرعة. وهذا كل ما علمناه يقيناً من نبإ هذا الجندي الأمين ليسوع المسيح والرفيق العزيز لبولس الرسول.
جدول حوادث تاريخ تيموثاوس


الحوادث الأمبراطور المعاصر ب.م
- أول التقائه ببولس وهو ولد في لسترة في بيت أفنيكي ولوئيس كلوديوس ٤٥ أو٤٦
- مرافقته لبولس للتبشير واختتانه كلوديوس ٥١
- سفره مع بولس إلى مكدونية كلوديوس ٥٢
- كونه مع بولس في كورنثوس كلوديوس ٥٣
- كونه مع بولس في أفسس نيرون ٥٤-٥٦
- كونه مع بولس في كورنثوس حين كتب رسالته إلى رومية نيرون ٥٧
- مرافقته لبولس في سفره من كورنثوس إلى آسيا نيرون ٥٨
- كونه مع بولس في رومية وقت سجنه نيرون ٦٢ و٦٣
- ترك بولس إياه في أفسس نائباً عنه نيرون ٦٤
- وصول الرسالتين من بولس إليه نيرون ٦٥ و٦٦
- ذهابه إلى بولس وهو في رومية على ما يُرجّح نيرون ٦٧





الفصل الثاني: في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها


لا نعلم يقيناً متى كُتبت هذه الرسالة ولا أين كُتبت ولكن المرجح أنها كُتبت سنة ٦٥ أو ٦٦ ب. م. وبولس مارّ في مكدونية بعد زيارته أفسس (١تيموثاوس ١: ٣) ولا يمكن أن تكون تلك الزيارة المذكورة في (أعمال ٢٠: ١) لأن تيموثاوس لم يُترك يومئذ هناك بل رافق الرسول في سفره. ولم يقصد بولس الرجوع إلى أفسس كما قصد ذلك حين كتب الرسالة (١تيموثاوس ٣: ١٤) لأنه كان حينئذ متجهاً إلى أورشليم وأنبأ مشائخ كنيسة أفسس أنه لا يتوقع مشاهدتهم بعد.

الفصل الثالث: في الداعي إلى كتابة هذه الرسالة


ذُكر الداعي إلى كتابة هذه الرسالة في أولها وهو أن بولس وكَلَ العناية بالكنيسة إلى تيموثاوس وهو يتوقع الرجوع إليه سريعاً ولكنه خيفة أن يُعاق أكثر مما توقع كتب هذه الرسالة في ما رآه ضرورياً أن ينبئه به مدة غيابه (١تيموثاوس ٣: ١٤ و١٥). وغايته منها تنشيط تيموثاوس وتعليمه إياه واجباته. ومعظم هذا التعليم أمران: الأول إبطال البدع المضلة التي دخلت كنيسة أفسس وأخذت تنتشر فيها واهتم الرسول بها كثيراً. والثاني ما يتعلق بسياسة الكنيسة من جهة تعيين رعاتها وشمامستها واختيار الأرامل اللواتي يُوزع عليهن صدقات الكنيسة وتأديب المجرمين في الكنيسة. ولا ريب في أن الروح القدس ألهم بولس أن يكتب هذه الرسالة لكي تنفع كل الرعاة في شأن تعليم الرعايا وسياستها.

الفصل الرابع: في مضمون هذه الرسالة


ليس لهذه الرسالة نظام حلقات السلسلة كنظام الرسالة إلى رومية والرسالة إلى أفسس فإن الرسول كتب أفكاره حسبما صدرت من ذهنه فنصح تيموثاوس نصح والد لولده. ولعل الطريق الحسنى لبيان مضمونها أن تقسم إلى ستة أقسام على وفق عدد أصحاحاتها. فمضمون الأصحاح الأول التسليم الرسولي وتذكير بولس غاية تركه إياه في أفسس لكي ينقذ الكنيسة من المعلمين الكاذبين الذين قصدوا إفساد الكنيسة بأضاليلهم. وهذا حمله على أن يذكر نبأ نفسه بالاختصار بياناً للاختلاف بين تعليمهم وتعليمه من جهة الناموس.
ومضمون الأصحاح الثاني بيان واجبات المؤمنين في العبادة الجمهورية. فتكلم بالتفصيل على واجبات الرجال وواجبات النساء في ذلك.
ومضمون الأصحاح الثالث خَدَمُ الكنيسة من شيوخ وشمامسة وشماسات وما يجب عليهم من السجايا والأعمال.
ومضمون الأصحاح الرابع كلام في المعلمين المضلين وبيان الخطر من الفروض الفضولية المتعلقة بإماتة الجسد وإظهار أن أحسن تفنيد للتعليم الفاسد حسن سيرة تيموثاوس ورفقائه في خدمة الإنجيل.
ومضمون الأصحاح الخامس بيان ما يجب على الرعاة الروحيين من حسن المعاملة للرعيّة ولا سيما توزيع الإحسان على النساء المحتاجات اللواتي لا معين لهنّ. وتعليم خاص في أمر الأرامل الطاعنات في السن ونصائح في شأن انتخاب الشيوخ الذين هم رفقاؤه في التبشير والمرسومية.
ومضمون الأصحاح السادس بيان ما يجب على العبيد المؤمنين لسادتهم. وتوبيخ الذين علّموا التعاليم الضارة في هذا الأمر. والتحذير من الطمع وبيان أنه أصل شرور كثيرة. وختمه كلامه بتوصية تيموثاوس أن يجاهد جهاد الإيمان الحسن وأن يتذكر ما عُهد منه من التمثّل بالمسيح في الاعتراف الحسن للحق وانتظاره استعلان مجيء ربه المجيد. وانتهاء كلامه بالبركة الرسولية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ


التحية الرسولية (ع ١ و٢). وبيان قصده من تركه تيموثاوس في أفسس وهو تفنيد بدع المعلمين المفسدين ولا سيما ضلالتهم في استعمال الناموس (ع ٣ و٤). وبيان غاية الناموس وهي المحبة للمنع من ارتكاب الإثم لا إكثار الرسوم (ع ٥ - ١١). وشكر الرسول لله لأنه استأمنه على الإنجيل وأرسله للمناداة به (ع ١٢ - ١٧). وبيان شأن وكالة تيموثاوس (ع ١٨ - ٢٠).
تحية ع ١ و٢


١ «بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، بِحَسَبِ أَمْرِ ٱللّٰهِ مُخَلِّصِنَا وَرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، رَجَائِنَا».
أعمال ٩: ١٥ وغلاطية ١: ١ و١١ ص ٢: ٣ و٤: ١ وتيطس ١: ٣ و٢: ١٠ ويهوذا ٢٥ وكولوسي ١: ٢٧
خاطب بولس تيموثاوس باعتبار كونه صديقاً له ومعلماً وأباً روحياً لكي يحثه على الأمانة والثبات وهو محاط بتجارب كثيرة في أفسس فخاطبه كمن وكله الله بتفنيد الضلال الذي نشأ في كنيستها.
بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (انظر تفسير رومية ١: ١).
بِحَسَبِ أَمْرِ ٱللّٰهِ قال في رسالتيه إلى كورنثوس «بمشيئة الله» (١كورنثوس ١: ١ و٢كورنثوس ١: ١). وقوله هنا «أمر الله» يدل على سلطان أعظم مما يدل عليه قوله «مشيئة الله» ويفيد أنه مجبر على أن يعمل عمل الرسول لا مخير. وقصده من هذا أن يبين لتيموثاوس أن الوكالة المسلّمة له لتفنيد الضلال في أفسس أخذها ممن له سلطان من الله ليكون شجاعاً في إجراء عمله. فإن الله أمر بولس أن يكون رسولاً في وقت ظهور المسيح له على طريق دمشق (أعمال ٩: ١٥) وفي هيكل أورشليم (أعمال ٢٢: ٢١) وحين أمر الروح القدس بإفرازه لتبشير الأمم (أعمال ١٣: ٢).
مُخَلِّصِنَا دُعي هنا الأقنوم الأول من اللاهوت مخلصاً لأنه مصدر خلاص البشر. وهذا مثل ما جاء في (لوقا ١: ٤٧ و١تيموثاوس ٤: ١٠ وتيطس ٢: ١٠). ولأنه أرسل المسيح لكي ينشئ خلاص البشر بموته (يوحنا ٣: ١٦).
رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أخذ بولس رسوليته أيضاً من المسيح كما أبان في (غلاطية ١: ١ و١١ و١٢).
رَجَائِنَا أي أساس رجائنا الخلاص. والمسيح رجاؤنا لأنه مات على الصليب من أجلنا ويسكن فينا بالإيمان ويشفع فينا عند الآب ولأنه مركز كل ما نرجوه باعتبار كوننا مسيحيين من أمور حياتنا الروحية الآن وتعزيتنا عند الموت وسرورنا الأبدي في السماء. فكل رجاء الخلاص الذي أعده الله متوقف على المسيح (انظر تفسير كولوسي ١: ٢٧).
٢ «إِلَى تِيمُوثَاوُسَ، ٱلابْنِ ٱلصَّرِيحِ فِي ٱلإِيمَانِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا».
أعمال ١٦: ١ و١كورنثوس ٤: ١٧ وفيلبي ٢: ١٩ و١تسالونيكي ٣: ٢ وتيطس ١: ٤ وغلاطية ١: ٣ و٢تيموثاوس ١: ٢ و١بطرس ١: ٢
تِيمُوثَاوُسَ انظر الفصل الأول من مقدمة الرسالة.
ٱلابْنِ ٱلصَّرِيحِ فِي ٱلإِيمَانِ آمن تيموثاوس بالمسيح وتجدد بواسطة إرشاد بولس فأحبه الرسول دائماً محبة الوالد لولده (انظر تفسير ١كورنثوس ٤: ١٤ - ١٧). وقال «في الإيمان» لأنهما شريكان فيه إذ آمنا بالمسيح إيماناً واحداً وهذا رباط أقوى من رباط القرابة الطبيعية. ولعله أراد بقوله «الابن الصريح» الإشارة إلى مشابهته القوية لبولس في السجايا مشابهة الابن لأبيه بدليل قوله فيه «لَيْسَ لِي أَحَدٌ آخَرُ نَظِيرُ نَفْسِي الخ» (فيلبي ٢: ٢٠).
نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ الخ طلب النعمة والسلام لمؤمني رومية (رومية ١: ٧) والرحمة والسلام لمؤمني غلاطية (غلاطية ٦: ١٦). إن جودة الله على الأثمة نعمة وعلى المحتاجين رحمة وعلى المضطهدين سلام. ومعظم الفرق بين النعمة والرحمة أن النعمة يُنظر فيها غالباً إلى عدم استحقاق المحسَن إليه وأن الرحمة يُنظر فيها غالباً إلى احتياجه أو شقائه. واختبار بولس رحمة الله الآب التي حصل عليها في أثناء كل أتعابه ومشقاته وأخطاره التي احتملها كل مدة حياته حمله على أن يرغب في أن يكون لتيموثاوس مثل ما كان له. ورغب في ذلك له لأنه يُعده لخدمة الإنجيل (ع ١٣ و١٦ و٢كورنثوس ٤: ١).

بيان غاية تركه تيموثاوس في أفسس ع ٣ و٤


٣ «كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ، إِذْ كُنْتُ أَنَا ذَاهِباً إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، لِكَيْ تُوصِيَ قَوْماً أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيماً آخَرَ».
أعمال ٢٠: ١ و٣ وفيلبي ٢: ٢٤ وغلاطية ١: ٦ و٧ وص ٦: ٣ و١٠
كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ هذا متعلق بمحذوف تقديره «أفعل». وقال «طلبت» ولم يقل أمرت تلطفاً. ويتضح من هذا أن بولس وتيموثاوس كانا يخدمان الإنجيل معاً في أفسس. وأما بولس فرأى أنه يجب أن يذهب إلى مكدونية وأن يُبقي تيموثاوس في أفسس. وذهب أكثر المفسرين أن ذلك كان بعد المدة التي كتب فيها لوقا سفر أعمال الرسل وبعد إطلاق بولس من سجن رومية. نعم أنهما كانا معاً في أفسس سنة ٥٨ ب. م. فاضطر بولس أن يهرب منها للسجس الذي أنشأه ديمتريوس فذهب إلى مكدونية وأرسل تيموثاوس إليها قبل ذهابه وأمره أن يذهب إلى كورنثوس لإصلاح الأمور هنالك (أعمال ١٩: ٢٢ و١كورنثوس ٤: ١٧ و٢٢). وهذا يمنع من أن يكون الكلام هنا والكلام في سفر الأعمال في حادثة واحدة. وقد سبق الكلام على أفسس في تفسير (أعمال ١٩: ١).
مَكِدُونِيَّةَ هي بلاد في الجنوب الشرقي من أوربا وهي الجزء الشمالي من القسمين اللذين قُسمت إليهما بلاد اليونان في زمن المملكة الرومانية ومن أعظم مدنها فيلبي وتسالونيكي.
لِكَيْ تُوصِيَ قَوْماً هذا بيان غاية مكثه هناك وهو يشير إلى عمل وقتي خاص لا إلى الراعوية الدائمة في كنيسة أفسس. ولم يبين الرسول من هم القوم المشار إليهم فلا بد من أن تيموثاوس عرفهم فلم يحتج إلى تعريفهم. ولعل بعضهم كان من شيوخ الكنيسة الذين قال فيهم بولس منذ نحو ست سنين قبل كلامه هنا «وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ» (أعمال ٢٠: ٣٠). ولم يقصد «توصي» إيصاء واحداً بسلطان بل تعليماً متوالياً ونصحاً ليردهم عن ضلالهم وبيين لهم الضرر الناتج من تعليمهم وحملهم على الرجوع إلى الطريق المستقيم أو على ترك مقاومتهم للحق على الأقل.
أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيماً آخَرَ غير تعليم الإنجيل الذي نادى بولس به. إن بولس حين مر بمليتوس وهو ذاهب إلى أورشليم اجتمع بمشائخ كنيسة أفسس وظن يومئذ أنهم لا يرون وجهه بعد وتنبأ بدخول معلمين مفسدين في كنيستهم وأن بعضهم يتبعهم (أعمال ٢٠: ٢٩ و٣٠). وكان ذلك قبل هذا الكلام بنحو خمس سنين أو ست سنين إذا اعتبرنا أن هذه الرسالة كُتبت بعد ما تقضى على بولس سنتان في سجن قيصرية سنتان في سجن رومية ومدة في إسبانيا وكريت وأسيا الصغرى. ويظهر من هذه الآية أن نبوّته وقتئذ (أعمال ٢٠: ٣٠) قد تمّت.
٤ «وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَـهَا، تُسَبِّبُ مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي فِي ٱلإِيمَانِ».
ص ٤: ٧ و٦: ٤ و٢٠ و٢تيموثاوس ٢: ١٤ و١٦ و٢٣ وتيطس ١: ١٤ و٣: ٩ ص ٦: ٤
وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ فيميلوا إليها ويعتقدوها بدلاً من تعليم الإنجيل. والمراد «بالخرافات» هنا أقوال الناس التي لا يمكن إثباتها وتوصف بأنها «الدنسة العجائزية» (ص ٤: ٧) وبأنها «يهودية» (تيطس ١: ١٤). والمرجّح أنها خليط من آراء يهودية وآراء الغنوسيين الذين نشأوا في أول القرن الثاني وانتشروا كثيراً وأفسدوا تعليم الإنجيل الصحيح. فإن ربّاني اليهود علموا الشعب تعاليم غير مكتوبة فوق المكتوب في الأسفار الإلهية وجُمعت بعد ذلك من أفواه الناس وكُتبت سفراً يُعرف اليوم «بالتلمود». وأشار المسيح إلى هذه الخرافات بقوله للفريسيين «أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ» (متّى ١٥: ٦).
وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَـهَا كان بعض هذه الأسباب مبنياً على ما في سفر العدد من أسفار موسى الخمسة مضافاً إليها تفاسير وهمية وبعضها على جداول مدنيّة مشهورة بين اليهود وبعضها من آراء الغنوسيين في شأن كون الله أصلاً تفرغت منه الأرواح مختلفة النسب والرتب. وكانت نتيجة هذا التعليم مانعة تقدم الإنجيل بين الأمم وجاعلة الكنيسة المسيحية كأنها فرع من الكنيسة اليهودية وأنها قائمة برسوم ورموز بدلاً من أن تكون روحية حيّة.
مُبَاحَثَاتٍ باطلة تسبب خصومات وانشقاقات كقوله «بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ» (ص ٦: ٤ انظر أيضاً ٢تيموثاوس ٢: ١٤ و٢٣ وتيطس ٣: ٩) فهي مما لا يفيد عقلاً ولا أدباً.
دُونَ بُنْيَانِ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي فِي ٱلإِيمَانِ قصد الله أن يكون الإنجيل وسيلة إلى بنيان شعبه في المعرفة والبرّ لكي ينالوا الخلاص ومبدأ الإنجيل الجوهري هو الإيمان. فنتيجة تلك المباحثات هادمة للإيمان ومما يقود الخاطئ إلى الاتكال على نفسه لنيل الخلاص بدلاً من أن يتكل على المسيح.

بيان أن غاية الناموس المحبة والمنع من ارتكاب الإثم ع ٥ إلى ١١


٥ «وَأَمَّا غَايَةُ ٱلْوَصِيَّةِ فَهِيَ ٱلْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ».
يوحنا ١٣: ٨ و١٠ وغلاطية ٥: ١٤ و٢تيموثاوس ٢: ٢٢
أَمَّا غَايَةُ ٱلْوَصِيَّةِ فَهِيَ ٱلْمَحَبَّةُ المقصود «بالوصية» هنا تعليم الله العام وهو أعلنه في إنجيله وكُلف المبشرون به أن يعلنوه بتبشيرهم وغايته إنشاء المحبة الحقة لله وللناس وهي تُعلن بالأعمال اللائقة بها. وتلك المباحثات منافية لهذه الغاية. والمرجح أن المعلمين الكاذبين علموا أن غاية الوصية غير ذللك فأراد بولس من تيموثاوس أن يقاومهم بشجاعة وأن يبيّن قصد الوصية الحق وهو أنها ليست موضوع الجدال والخصام بل منشئة المحبة في القلب وأثمارها في المسيرة.
مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ جاء أن «المحبة رباط الكمال» أي أنها تشتمل على كل الفضائل لأنها تستلزمها ومركزها القلب الطاهر الخالي من كل كبرياء ورياء وحب الذات والشهوات الرديئة.
وَضَمِيرٍ صَالِحٍ وهذا من مراكز المحبة إذا كان مستنيراً بروح الله ومعرفة الحق ومنقّى من الخطيئة ومصالحاً لله بدم يسوع فيستحيل أن أحداً يحب الله حق المحبة ويخالف ضميره باستمراره على الخطيئة التي يعلم أنها خطيئة (ص ٣: ٩ و٢تيموثاوس ١: ٣).
وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاء هذا أصل المحبة السماوية التي هي غاية كل التعليم الإلهي وأثمار الإيمان تبيّن خلوصه من الرثاء وأنه غير قائم بمجرد أقوال واعترافات فارغة.
وفي هذه الآية سلسلة حلقات هي فضائل إلهية تربط الإنسان بالله تعالى. وأول هذه الحلقات حلقة الإيمان الحق فبدونه لا يمكن أن يكون الضمير صالحاً وبدون الضمير الصالح لا يمكن أن يكون القلب طاهراً وبدون القلب الطاهر لا يمكن أن تكون المحبة مسيحية. وأبان الرسول في موضع آخر التعلق بين الضمير الصالح والإيمان الحق وبين الضمير الشرير والإيمان الفاسد (ع ١٩ وص ٣: ٩ و٤: ١ و٢).
٦ «ٱلأُمُورُ ٱلَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا ٱنْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِلٍ».
ص ٦: ٤ و٢٠
ٱلأُمُورُ ٱلَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا معنى الزيغ عنها القصور عن نيلها كما يخطئ سهم الرامي الغرض (ص ٦: ٢١ و٢تيموثاوس ٢: ١٨). فالذين زاغوا لم يحصلوا على المحبة التي هي غاية الوصية. وتلك «الأمور» هي المحبة والإيمان بلا رياء والضمير الصالح.
ٱنْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِلٍ بدلاً من نيلهم الفضائل المسيحية المذكورة آنفاً والمناداة بها. والمراد «بالكلام الباطل» المباحثات التي للهدم لا للبنيان وهي تؤدي إلى الخصومات العنيفة (ص ٦: ٢٠ وتيطس ١: ١٠ و٣: ٩) وفسر مراده به في الآية السابقة. ومعنى هذا الانحراف العدول عن سنن الحق إلى مسالك الضلال (تيطس ١: ١٥) وقوله «انحرفوا» يشير إلى أنهم شرعوا يسلكون في سبيل الإنجيل الذي يؤدي إلى الخلاص ولكنهم وقعوا في التجربة وتركوا الإنجيل لخرافات يهودية وأمثالها من البدع المضلة.
٧ «يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِي ٱلنَّامُوسِ، وَهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ وَلاَ مَا يُقَرِّرُونَهُ».
ص ٦: ٤
يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِي ٱلنَّامُوسِ أي أن يحسبهم الناس كذلك. فإن معلمي الناموس كانوا في تلك الأيام يُحسبون من أعظم من يستحقون الإكرام. فرغبوا في أن يحصلوا على الإكرام الذي كان لغمالائيل معلم بولس وهليل الشهير وأمثالهما وهم لا يستحقون شيئاً منه. والناموس الذي ادّعوا أنهم معلموه لا ريب في أنه هو الناموس اليهودي فأفسدوه بأن مزجوه بخرافات يهودية تقود إلى الفجور. وهؤلاء المعلمون لم يكونوا مثل اليهود الذين خاصمهم بولس في أول أمره في شأن حرية الدين المسيحي لأنهم طلبوا من المسيحيين أن يراعوا كل شريعة موسى بتدقيق. والمعلمون المذكورون هنا على ما تؤيده القرائن أفسدوا كل الناموس الأدبي بتفسيرهم الفاسد لشريعة موسى وزيادة عليها.
لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ فلم يكن تعليمهم ناتجاً عن تأملهم في مطاليب الناموس وتأثيره في قلوبهم فلم يعرفوا غاية الناموس ولا معناه الروحي فكانوا موسومي الضمير (تيطس ١: ١٤ و١٥). وفكان تعليمهم نتاج مقاصد نفسانية كما شهد يوحنا على أمثالهم بقوله «وَتَجْدِيفَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ ٱلشَّيْطَانِ» (رؤيا ٢: ٩).
وَلاَ مَا يُقَرِّرُونَهُ يدّعون أن تعاليمهم موافقة لمبادئ أصلية أزلية وهي منافية لها. ويدّعون أنهم يعرفون معاني خفية للناموس وهم يجهلونه. ويظهر من هذا أن صفة المعلم الحكيم الضرورية هي أن يعلم حقيقة ما يعلّمه ويتيقّن أن تعليمه حق.
٨ «وَلٰكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ ٱلنَّامُوسَ صَالِحٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيّاً».
رومية ٧: ١٢
لٰكِنَّنَا نَعْلَمُ قدر بولس على هذا القول لأن الروح القدس علّمه وكان له سلطان رسول على تعليم ما تعلّمه من العُلى.
أَنَّ ٱلنَّامُوسَ صَالِحٌ هذه شهادة رسول ملهم بصلاح الناموس وهي تدفع تُهمة أعدائه أنه عدّو للناموس.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيّاً أي إن استعمله المعلم حسب قصد الله أن يُستعمل لإعلان قداسته وبيان واجبات الإنسان وإثبات أن الإنسان مجرم في عيني الله بمخالفته لأوامره تعالى وأنه مستوجب العقاب (انظر تفسير رومية ٧: ١٢). فإذاً لم يوضع الناموس للمباحثات الباطلة والمجادلات الضارة ولا لكي يكون حجة لمن يحفظ رسومه الخارجية على أنه غير مكلف بحفظ مبادئ القداسة الأزلية التي بُنى عليها ولا علة لتبرير الخاطئ أمام الله. والقرينة تدل على أن بولس أراد أن استعماله الجائز هو ما كان لمنع ارتكاب الخطايا التي يذكرها في الآيات الآتية وهي التي أباحها أولئك المعلمون الكاذبون المحرّفون.
٩ «عَالِماً هٰذَا: أَنَّ ٱلنَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَٱلْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَٱلْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَٱلْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِي ٱلآبَاءِ وَقَاتِلِي ٱلأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِي ٱلنَّاسِ».
غلاطية ٣: ١٩ و٥: ٢٣ لاويين ١٠: ١٠
عَالِماً هٰذَا أي حال كون معلم الناموس المذكور عالماً هذا.
أَنَّ ٱلنَّامُوسَ أي الشريعة الأدبية التي خلاصتها الوصايا العشر كما يتضح في هذه الآية من الأمور التي نهى الناموس عنها.
لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ أي للمؤمن الذي تبرر بالإيمان بالمسيح وتقدس بالروح القدس. وسلك في سبيل مشيئة الله بمحبة القلب لا خوفاً من العقاب على مخالفته. فلم يوضع للبار لأنه لا يفتقر إليه إذ هو يرغب في أن يعمل ما يطلبه الناموس ويكره ما ينهي عنه. وكونه ممن يقودهم الروح القدس أغناه عن إرشاد الناموس (رومية ٦: ١٤ وغلاطية ٤: ١٨ و٢٣). فليس للناموس قوة على أن يدين المؤمن لتعدياته السالفة لأن المسيح أكمل الناموس عنه (رومية ١٠: ٤). وحرية الإنجيل لا تبيح للإنسان أن يفعل ما يشاء بل تحمله على القيام بما يوجبه الناموس شكراً لله وحباً له. وتحرره من ناموس الخطية والموت لأنه لا يميل البتة إلى مخالفة وإلى تعريض نفسه لعقابه. وأكثر الذين خدمهم تيموثاوس في كنيسة أفسس بسطاء مؤمنون بالمسيح أبرار بالمعنى الذي ذُكر في هذا التفسير.
بَلْ لِلأَثَمَةِ وَٱلْمُتَمَرِّدِينَ ذكر الرسول هنا الذين وُضع الناموس لهم وقدم بالذكر ستة أنواع منهم ذكرهم أزواجاً فالأثمة هم الذين لا يبالون بالناموس والمتمردون هم الذين أبوا طاعته.
لِلْفُجَّارِ وَٱلْخُطَاةِ الذين ليس في قلوبهم خوف الله ويظهرون ذلك بأعمالهم القبيحة التي تقودهم إليها شهواتهم النجسة.
لِلدَّنِسِينَ وَٱلْمُسْتَبِيحِينَ وهم من لا طهارة في قلوبهم ويُظهرون ذلك بسيرتهم المخالفة لكل قوانين الأدب. فهؤلاء الأنواع الستة من الخطأة الذين وُضع الناموس لهم ممن خالفوا الوصايا الأربع الأولى من وصايا الله العشر. وجمعهم الرسول معاً لتعديهم حقوق الله فيها. ومن ذكره بعدهم هم الذين تعدوا على حقوق الناس وهي موضوع الوصية الخامسة وما بعدها حتى التاسعة.
لِقَاتِلِي ٱلآبَاءِ وَقَاتِلِي ٱلأُمَّهَاتِ أي المتعدين الوصية الخامسة.
لِقَاتِلِي ٱلنَّاسِ أي المتعدّين الوصية السادسة.
١٠ «لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي ٱلذُّكُورِ، لِسَارِقِي ٱلنَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ يُقَاوِمُ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ».
ص ٦: ٣ و٢تيموثاوس ٤: ٣ وتيطس ١: ٩ و٢: ١
لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي ٱلذُّكُورِ أي المتعدّين الوصية السابعة.
لِسَارِقِي ٱلنَّاسِ أي المتعدّين الوصية الثامنة. وكانت هذه الخطيئة مشهورة في عصر بولس الرسول وكانوا يسرقون الناس ليستعبدوهم أو يبيعوهم عبيداً. وهذا نُهي عنه أيضاً في (خروج ٢١: ١٦ وتثنية ٢٤: ٧).
لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ أي المتعدّين الوصية التاسعة والحانثون هم الكاذبون في القسم. وهؤلاء ممن صرّح الإنجيل بأنه يمتنع عليهم أن يدخلوا المدينة السماوية (رؤيا ٢٢: ١٥).
وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ الخ لا ريب في أن الرسول قصد أن يضمن في هذا الشهوة الرديئة التي نهت عنها وصية الله العاشرة استيفاء لكل التعديّات لمطاليب الناموس التي وُضع هو للمنع من ارتكابها. وتفسير بولس هنا للناموس مخالف كل المخالفة لتفسير المعلمين الكاذبين له إذ جعلوه قائماً بالمباحثات والكلام الباطل في أمور لا تتعلق بحياة الإنسان الروحية وسيرته الطاهرة.
١١ «حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْمُبَارَكِ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ».
١كورنثوس ٩: ١٧ وغلاطية ٢: ٧ وكولوسي ١: ٢٥ و١تسالونيكي ٢: ٤ وص ٢: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١١ و١تيموثاوس ١: ٣
حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْمُبَارَكِ مراد الرسول أن ما قاله في الناموس في الآيتين التاسعة والعاشرة ليس مجرد رأي منه بل أنه مما قرّره الإنجيل الذي وكله إليه الرب يسوع. لأن الإنجيل أعلن صريحاً أن غاية الناموس إيجاب الدينونة على الخطأة المصرين على إثمهم الذين أبوا أن يحملوا نير المسيح الهين وحمله الخفيف. ونُسب الإنجيل إلى «مجد الله» لأنه أعلن للعالم مجد الله بالمسيح فموضوعه الخاص مجده تعالى (٢كورنثوس ٤: ٤). وبه يتمجد المسيح لإعلانه كيف يبرر الله الخاطئ بفداء ابنه بدون الناموس ولأن غايته إنقاذ الخطأة لا دينونتهم. ونعت الله «بالمبارك» لكماله وأزليته وعدم تغيّره ولأنه وهب المغفرة المباركة للخطأة الذين يقبلونها.
ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ أحب بولس أن يذكر النعمة الفائقة التي حصل عليها بائتمانه على الإنجيل (رومية ١٥: ١٦ وأفسس ٣: ٨ وكولوسي ١: ٢٥) فحسبها أعظم نعمة يمكنه نيلها.

شكر بولس لله لإعلانه الإنجيل له وائتمانه عليه ع ١٢ إلى ١٧


١٢ «وَأَنَا أَشْكُرُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا ٱلَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ».
٢كورنثوس ١٢: ٩ و١كورنثوس ٧: ٢٥ و٢كورنثوس ٣: ٥ و٦ و٤: ١ وكولوسي ١: ٢٥
أَشْكُرُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ اختبار بولس أجلى برهان له على أن النعمة المعلنة بالإنجيل تفوق النعمة المعلنة للناموس. فكان قلبه يفيض شكراً للمسيح كلما ذكر بغضه ومقاومته له في الماضي وحسب خدمة الإنجيل أعظم كرامة له مع أنها كلفته المشقات وإنكار الذات والفقر والعار والاضطهاد لأنه بتلك الخدمة أمكنه أن يُظهر حبه للمسيح وشكره له واستطاع بها أن ينفع العالم ولأنه وجد بها مواعيد السعادة الأبدية لكل خادم أمين.
ٱلَّذِي قَوَّانِي لكي أستطيع القيام بالمناداة بالإنجيل وبذلك قصد أن ينسب إلى نعمة المسيح إنارة عقله وقدرته على إقناع الناس وحملهم على قبول المسيح بتعليمه والقوة الجسدية على احتمال أتعابه المتنوعة ومصائبه العديدة والصبر والثبات وكل قواه الجسدية والعقلية التي احتاج إليها لإتمام عمله السامي.
أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً الأمانة هي الصفة الضرورية للوكلاء (١كورنثوس ٤: ١ و٢). إن المسيح عرفه أميناً منذ اختاره ودعاه ليكون إناء مختاراً لحمل اسمه إلى الأمم وعرف أنه يكون أميناً إلى النهاية. وحسب بولس تلك الأمانة من مواهب النعمة لا من فضائله كما يظهر من قوله «أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ ٱلرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً» (١كورنثوس ٧: ٢٥). وقوله أيضاً «وَلٰكِنْ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلٰكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي مَعِي» (١كورنثوس ١٥: ١٠).
إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ هذا برهان أن الله حسبه أميناً في الخدمة إذ اختاره لها ودعاه إليها (١تسالونيكي ٥: ٩). ووصف هذه الخدمة في (أعمال ٢٠: ٢٤).
١٣ «أَنَا ٱلَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلٰكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ».
أعمال ٨: ٣ و٩: ١ و١كورنثوس ١٥: ٩ وفيلبي ٣: ٦ ولوقا ٢٣: ٣٤ ويوحنا ٩: ٣٩ و٤١ وأعمال ٦: ١٧ و٢٦: ٩
أَنَا ٱلَّذِي كُنْتُ قَبْلاً أي قبل أن آمنت بالمسيح. في هذه الآية تعنيف بولس نفسه بوصفه ما كان عليه وهو شاول الفريسي اليهودي الغيور لديانة اليهود وأمتهم. وأتى بهذا التعنيف بياناً لعلة شكره في الآية السابقة.
مُجَدِّفاً كان تجديفه أنه أنكر دعوة يسوع المسيح أنه ابن الله وقاومه قولاً وفعلاً على أنه لم يقصد يومئذ التجديف بل كان يظن أنه يقدم لله خدمة (أعمال ٢٦: ٩).
وَمُضْطَهِداً قولاً وفعلاً (أعمال ٢٢: ٤ وغلاطية ١: ١٣).
مُفْتَرِياً على المؤمنين بالمسيح لأنه حسبهم ضالين ومضلين وهذا إهانة لهم فوق الاضطهاد وهو ناتج عن الكبرياء وحب الظلم.
وَلٰكِنَّنِي رُحِمْتُ بدليل أن الله غفر خطيئتي ودعاني رسولاً وحسبني أميناً (ع ١٢).
لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ لم ينكر أنه كان مخطئاً بعدم إيمانه بالمسيح وأنه استحق العقاب لكن جهله خفف جرم إثمه وقد قال «فَأَنَا ٱرْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُوراً كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاسْمِ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ» (أعمال ٢٦: ٩). ولو عرف أن يسوع هو المسيح وقاومه على علم وخلاف لضميره لكان ارتكب التجديف على الروح القدس الذي هو خطيئة لا تُغفر (لوقا ١٢: ٤٥ وعبرانيين ١٠: ٢٦ و١يوحنا ٥: ١٦ و١٧). ولم يستحق الغفران لسبب جهله لكن جهله جعل الله يغفر له بدون أن يخالف قداسته. فعلّة المغفرة له إنما هي النعمة الإلهية (ع ١٤ وتيطس ٣: ٥). وهذا يذكرنا صلاة المسيح من أجل قاتليه «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا ٢٣: ٣٤).
فِي عَدَمِ إِيمَانٍ هذا وصف حالة قلبه وكان سبب جهله صحة دعوى المسيح.
١٤ «وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً مَعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوع».
رومية ٥: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ١٢ لوقا ٧: ٤٧
وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً هذا تفسير لقوله «رُحمت» فإنه حين تكلم على خطيئة البشر قال «كثرت الخطيئة» (رومية ٥: ٢٠) وإذ تكلم في النعمة هنا قال «تفاضلت جداً».
مَعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وهما عطيتا الله بدلاً من عدم الإيمان والبغض الذي كان في قلبه قبلاً.
ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ الإيمان بالمسبح باعتبار كونه سيداً ورباً كان مقترناً بالمحبة له باعتبار كونه مخلصاً وصديقاً فكان المسيح أعظم مواضيع إيمانه ومحبته (كولوسي ١: ٤) وبواسطتهما نال التمتع التام برحمة الرب.
١٥ «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا».
ص ٣: ١ و٤: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ١١ وتيطس ٣: ٨ ومتّى ٩: ١٣ ومرقس ٢: ١٧ ولوقا ٥: ٣٢ و١٩: ١٠ ورومية ٥: ٨ و١يوحنا ٣: ٥
صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ لأن الله هو المتكلم بها وهو صادق في كل كلامه (١كورنثوس ١: ٩ و١تسالونيكي ٥: ٢٤ و٢تسالونيكي ٣: ٣ ورؤيا ٢١: ٥ و٢٢: ٦). وهذه الجملة جاءت مقدمة أقوال كثيرة في رسائل بولس الخاصة ولعلها كانت تتداولها ألسنة المسيحيين الأولين باعتبار كونها من قواعد الإيمان المختصرة (انظر ص ٤: ٩ و١تيموثاوس ٢: ١١ وتيطس ٣: ٨).
وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ من كل البشر بكل عواطف القلب والنفس بدون أدنى ريب. وذلك لأنها صادقة ولأن البشر كلهم خطأة محتاجون إلى مخلص ولأن المسيح مات من أجل خطأة محتاجون إلى مخلص ولأن المسيح مات من أجل الجميع ولأن الخلاص بالمسيح يستحق أن يُقبل لأنه لائق بالله ومستطاع للإنسان ولأن الخلاص نفسه عظيم جداً.
أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ هذه خلاصة تعليم المسيح والرسل كما أُعلن في الإنجيل وهو على وفق ما قيل في (يوحنا ٣: ١٦ و١يوحنا ٤: ٩ و١٠). ويتضمن أن يسوع هو المسيح الموعود به وأنه أعلن للناس باسمه يسوع أي مخلص. ومجيئه إلى العالم يستلزم وجوده قبل مجيئه أي أزليته (يوحنا ١٦: ٢٨ و١٧: ٥ وأفسس ١: ٣ و٤). وأن العالم حين جاء إليه كان مملوءاً خطايا وعرضة للهلاك من أجل الخطيئة (يوحنا ١: ٢٩ و١٦: ٢٨ ورومية ٥: ١٢ و١يوحنا ٢: ٢). وإن غاية مجيئه خلاص الهالكين. وأن الخلاص الذي أتى به غير محدود البتة فهو معروض على كل خاطئ من اليهود الشعب المختار ومن الأمم الذين كانوا بلا إله ولا رجاء بدليل قول المسيح نفسه «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا ١٩: ١٠). فليتأكد الشاعرون بأنهم خطأة أن المسيح جاء لكي يخلّصهم.
ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا هذا الإقرار ناشئ عن تواضع الرسول العميق وشهد على نفسه بهذا باختياره لكنه لم يشهد على غيره بمثله لأنه لا يعرف قلوب الآخرين. وهذا يوافق قوله على نفسه في (١كورنثوس ١٥: ٩ وفيلبي ٢: ٣ وأفسس ٣: ٨). وعظمة محبته للمسيح ومعرفته بأنه ابن الله ومخلّص العالم جعلتاه يعتبر خطيئته بمقاومته للمسيح وقتل أتباعه فظيعة جداً. وإذا قطعنا النظر عن مقاومته للمسيح لم يبق لنا ما نحكم به على أنه أخطأ من غيره ويؤيد ذلك ما قاله على نفسه في (أعمال ٢٣: ١ و٢٤: ١٦ و١كورنثوس ١٥: ٩ وفيلبي ٣: ٦).
١٦ «لٰكِنَّنِي لِهٰذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ».
٢كورنثوس ٤: ١ وأعمال ١٣: ٣٩
لٰكِنَّنِي لِهٰذَا رُحِمْتُ ما ذكره بولس هنا هو أحد أسباب نيله الرحمة فمن الواضح أنه ليس هو العلة الوحيدة.
لِيُظْهِرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ لم يقل أولاً باعتبار الزمان بل باعتبار مقدار الرحمة الإلهية الظاهرة فيه لأنه حسب افتداءه بالمسيح أعظم براهين الرحمة وأوضحها. والمراد «بكل أناة» أكثر ما يكن تصوره. وذلك لأن الله لم يقطعه من الأحياء وهو في أثناء خطيئته مقاوماً له ومضطهداً لشعبه بل ترك له فرصة للتوبة وأعلن المسيح نفسه له بكل لطف وكشف له خطيئته وغفر له مجاناً وجعله رسوله المختار لينادي بإنجيله.
مِثَالاً أعظم مثال يمكن إيراده لطول أناة الله واستعداده لغفران الخطايا وأعظم تعزية للخطأة ليرجوا القبول بعد رجوعهم إلى الله وينجوا من اليأس. نعم إن في تاريخ داود وبطرس دليل على أن الله يغفر الخطيئة لكن برهان ذلك على ما في سيرة شاول الطرسوسي أعظم من كل ما سواه فلا داعي لأحد إلى أن ييأس من رحمة الله إذ نال ذلك المضطهد والمجدف المغفرة والخلاص.
لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ الخ أي مثالاً لسائر الخطأة منذ نال بولس الرحمة إلى نهاية العالم. والإيمان بالمسيح شرط نيل الرحمة والاتكال عليه شرط الحصول على الحياة الأبدية لأنه أتى ليهبها ومات ليشتريها. والذي أظهر الرحمة لأول الخطأة مستعد أن يظهرها لكل من سواه. ونيل الخطأة الحياة الأبدية المذكورة في هذه الآية بالمسيح إثبات لصحة قوله «أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (ع ١٥).
١٧ «وَمَلِكُ ٱلدُّهُورِ ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى، ٱلإِلٰهُ ٱلْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ».
مزمور ١٠: ١٦ و١٤٥: ١٣ ودانيال ٧: ١٤ وص ٦: ١٥ و١٦ ورومية ١: ٢٣ ويوحنا ١: ١٨ وعبرانيين ١١: ٢٧ و١يوحنا ٤: ١٢ ورومية ١٦: ٢٧ ويهوذا ٢٥ و١أيام ٢٩: ١١
الكلام في هذه الآية معترض وهو تمجيد الرسول لله على رحمته العظيمة له بناء على ما كان عليه قبل الإيمان وما كان عليه بعده. وجاء مثل ذلك في (رومية ١: ٢٥ و١١: ٣٦ و١٦: ٢٧ و٢كورنثوس ١١: ٣١). وهذا التمجيد هو لله الواحد المثلث الأقانيم.
مَلِكُ ٱلدُّهُورِ أي الملك منذ الأزل بخلاف ملوك الأرض القصار الحياة وهو متسلط في كل الأزمنة على كل البرايا والحوادث (خروج ١٥: ١٨ ومزمور ١٤٥: ١٣).
لاَ يَفْنَى أي أنه أبدي فلا يزول.
وَلاَ يُرَى كالخليقة المادية وأوثان الأمم (ص ٦: ١٦ وخروج ٣٣: ٢٠ ويوحنا ١: ١٨ وكولوسي ١: ١٥ وعبرانيين ١١: ٢٧).
ٱلْحَكِيمُ وَحْدَهُ (تُركت لفظة «الحكيم» في بعض النسخ). نُعت الله بهاتين الصفتين في (رومية ١٦: ٢٧ ويهوذا ٢٥) ونُعت «بالوحدة» في (ص ٦: ٢٥ ومزمور ٨٦: ١٠ ويوحنا ٥: ٤٤). وهذا ما لا يصح على أحد من الخليقة من الملائكة والناس (١كورنثوس ٨: ٥ و٦).
لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ هذا مثل ما في (رومية ٥: ١٣).
إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ أي أبداً أو في كل المستقبل.

بيان شأن وكالة تيموثاوس ع ١٨ إلى ٢٠


١٨ «هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ أَيُّهَا ٱلابْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ ٱلنُّبُوَّاتِ ٱلَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا ٱلْمُحَارَبَةَ ٱلْحَسَنَةَ».
ص ٦: ١٣ و١٤ و٢٠ و٢تيطس ٢: ٢ وص ٤: ١٤ وص ٦: ١٢ و٢تيموثاوس ٢: ٣ و٤: ٧
رجع الرسول هنا إلى موضوعه الذي كان يتكلم فيه قبل التمجيد المعترض.
هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ المتضمنة في الكلمة الصادقة وهي «أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ» (ع ١٥) وأنه يجب على الجميع أن يتكلوا عليه لنيل الحياة الأبدية (ع ١٦).
أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حسب المناداة بهذا التعليم وديعة وكلت إليه (٢تيموثاوس ١: ١٤).
ٱلنُّبُوَّاتِ ٱلَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ أشار بهذا إلى حادثة لم تُذكر. إن الروح القدس وهب لبعض المؤمنين قوة النبوءة في عصور الكنيسة الأولى وحدث ذلك في أورشليم (أعمال ١١: ٢٧ و٢٨). وأنطاكية (أعمال ١٣: ١ و٢) وكورنثوس (١كورنثوس ص ١٤) وقيصرية (أعمال ٢١: ٨ - ١٠). ويحتمل أن تيموثاوس تُنبئ ببعض أموره عند معموديته أو رسامته (١تيموثاوس ١: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦). ولعل أحد الأنبياء الذين نطقوا بها كان سيلا. ولعل تلك النبوءات كانت مما يتعلق بعمله التبشيري كما تنبأ حنانيا بعمل بولس (أعمال ٩: ١٨) فذكره بولس بهذه النبوءات لتعلقها بخدمته المستقبلة للكنيسة وللإنجيل لكي يكون ثابتاً أميناً شجاعاً (ص ٦: ١٢ و٢تيموثاوس ٤: ٧).
لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا ٱلْمُحَارَبَةَ ٱلْحَسَنَةَ أي تجارب الخطيئة والضلال. وذكره بالنبوءات التي سبقت عليه وبالمواهب الروحية المقترنة بها يومئذ كأنها أسلحة له إذا تسلح بها لا يكون عرضة لليأس أو الخوف (انظر تفسير أفسس ٦: ١٠ - ١٧). و «المحاربة الحسنة» هي جهاد الإيمان (ص ٦: ١٢). وهي ليست واقعة واحدة لكنها وقائع متوالية في الحياة كلها. ونُعتت «بالحسن» لأن غايتها حسنة وهي المحاماة عن الحق ومقاومة الضلال ولأن قائد جنودها حسن. والضمير في قوله «فيها» يعود إلى «النبوّات» ومعناه أنه يتقوى بذكرها وبالرجاء الناشئ عنها على «الجهاد الحسن».
١٩ «وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، ٱلَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ ٱنْكَسَرَتْ بِهِمِ ٱلسَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ أَيْضاً».
ص ٣: ٩ ص ٦: ٩
وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ وجود هذين الأمرين شرط ضروري «للمحاربة الحسنة» فيجب أن يقترنا (كما في ع ٥) لأنه بدون الاتكال القلبي على الله يستحيل أن يكون الإنسان أميناً لربه وله ضمير صالح.
ٱلَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ أراد «بالقوم» المعلمين الكاذبين الذين ظهروا في كنيسة أفسس وضلوا عن حق الإنجيل واجتهدوا في إنشاء بدع الضلال وحذر بولس تيموثاوس منهم (ع ٦ وغيره). والذي رفضه هؤلاء هو الإيمان كأنهم كرهوه وعصوا الضمير الصالح لاستثقالهم تعنيفاته. وقول بولس ذلك يستلزم أنه حسبهما بمنزلة معدل السفينة المعروف عند النوتية بالصابورة وهو ثقل يوضع في قعر السفينة لتعتدل أي تستقيم فلا تقلبها الريح وتدفعها إلى حيث تشاء. «فالإيمان والضمير الصالح» ضروريان للنفس كالمعدل المذكور بشهواتهم الرديئة يرفضون بالطبع الإنجيل سريعاً لأنه مضاد لسيرتهم ومُبكت عليها. وقصد «بالإيمان» هنا ما أعلنه الإنجيل موضوعاً لإيمان الناس. واعتبره في أول هذه الآية صفة من صفات القلب وهبة من الله. وان لبولس اختبار انكسار السفينة الحقيقية أربع مرات فشبه أحوال رافض الإيمان بأحوال من انكسرت به السفينة. وفي ذلك إيماء إلى أن الذين انكسرت سفينة إيمانهم قلما يُرجى أنهم يبلغون المرفأ السماوي.
٢٠ «ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَٱلإِسْكَنْدَرُ، ٱللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفَا».
٢تيموثاوس ٢: ١٧ و٢تيموثاوس ٤: ١٤ و١كورنثوس ٥: ٥ أعمال ١٣: ٤٥
مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَٱلإِسْكَنْدَرُ هما اثنان من القوم الذين انكسرت سفينتهم من جهة «الإيمان والضمير الصالح» ولا ريب في أن تيموثاوس كان يعرفهم وأنهم كانوا من أعضاء كنيسة أفسس. والمرجّح أن هيمنايس هو الذي ذُكر في (٢تيموثاوس ٢: ١٧). وإن الضلال الذي علمه هو أنه قد مضى زمن القيامة أي أن القيامة ليست سوى كلمة مجازية تشير إلى حياة القداسة بعد الموت للخطيئة. والمرجّح أن الاسكندر هو اسكندر النحاس الذي أظهر لبولس شروراً كثيرة (٢تيموثاوس ٤: ١٤). وذهب بعضهم أنه هو الذي أقامه اليهود وكيلاً عنهم في مشهد أفسس (أعمال ١٩: ٣٣) ولكن ليس لذلك ما يحققه لأن اسم اسكندر كان شائعاً يومئذ كما هو شائع اليوم.
ٱللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ المرجّح أنه فعل هذا يوم كان في أفسس أخر مرة. فإذا قابلنا ما قيل هنا بما قيل في (١كورنثوس ٥: ٥) فهمنا أن معنى «التسليم للشيطان» لكي يفعل بهما عدو البشر هذا ما يرغب في أن يفعله دائماً من الضرب بالأمراض والآلام الجسدية. وهذا موافق لما عرفناه من أضرار الشيطان لأيوب ما نسبه المسيح إلى قوة الشياطين (لوقا ١٣: ١٦). وما قاله بولس في نفسه (٢كورنثوس ١١: ٧). والمرجّح أن مثله ما جاء في (١تسالونيكي ٢: ١٨).
لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفَا هذا يدل على أن الغاية من تسليمهما للشيطان هي تأديبهما وإصلاحهما لا انتقاماً لإهلاكهما. لم يتوقع بولس أن الشيطان يعلمهما التقوى بل توقع أنهما يستفيدان من المصائب التي تأتي عليهما بواسطة الشيطان. والظاهر أنهما لم يقتصرا على الضلال في العقائد بل زادا على ذلك التجديف. أو لعل بولس اعتبر الضلال في أمر القيامة بمنزلة التجديف أو لعله اعتبر كل ضلال يفسد الإيمان والضمير الصلاح كذلك.


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي


جل مضمون هذا الأصحاح وصايا تتعلق بالعبادة الجمهورية.

  • ما يتعلق بتقديم الصلاة (ع ١ - ٨) وفي هذا القسم قال بولس يجب أن تُقام طلبات لأجل كل أنواع الناس الممتازين من جهة المقام والأمة ولا سيما من أجل أرباب المناصب (ع ١ و٢). وعلة ذلك أن الله يريد خلاص الجميع (ع ٣ و٤). وأن الذي خلق الجميع إله واحد ولذلك يعتني بالجميع (ع ٥). وأن الوسيط بين الله والناس واحد وهو كفارة عن الجميع (٦ و٧).
  • وجوب أن تقدم الصلاة بأيدي طاهرة بلا حقد (ع ٨).
  • تصرف النساء في الاجتماعات الجمهورية (ع ٩ - ١٥) وفي ذلك قال أنه يجب عليهن الحشمة في السيرة واللبس (ع ٩). وأن زينتهن الفضلى الأعمال الصالحة وأن يتعلمن من غيرهن بروح الوداعة وأن يعتبرن رجالهن الاعتبار اللائق (ع ١٢ - ١٤). وأن لهن حق أن يتوقعن الحماية والمعونة من الله حين ضيقتهن إذا بقين على الإيمان والتقوى.


ما يتعلق بتقديم الصلاة الجمهورية ع ١ إلى ٨


١ «فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَٱبْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ».
فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ هذا بداءة تفصيل الأمور التي ترك تيموثاوس في أفسس لكي يجريها (ص ١: ٣) وهي التي أشار إليها في (ص ١: ٣ و١٨) وطلب ذلك أول كل شيء لكونه من أهم الواجبات فاعتبره أولى من غيره.
أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَٱبْتِهَالاَتٌ لعل الفرق بين الطلبات والصلوات والابتهالات أن البركات المطلوبة في الأولى أعمّ من المطلوبة في الثانية وأن الثالثة تشير إلى لجاجة المصلي. ووجوب تقديم الصلاة مبني على ما أعلنه الله في كتابه وهو أنه يجب أن يقترب الناس إليه بالصلاة ويبسطوا ما يحتاجون إليه أمامه. فتقديم الصلاة يمجد الله وينفع المصلي. والصلاة هي الوسيلة التي عيّنها الله لنا لنيل ما نرغب فيه من البركات.
وَتَشَكُّرَاتٌ يظهر من ذلك وجوب أن لا تخلو صلواتنا من الإقرار بالمراحم الماضية. ولعل تقديم الشكر هو الجزء الأعظم من عبادة القديسين في السماء لأنهم لا يعلمون عظمة ما عليهم للرب إلا بعد دخولهم السماء. فعلينا أن نشكر الله من أجل مراحمه لنا ولغيرنا فلا حق لنا أن نتوقع منه مراحم جديدة إذا لم نشكره على المراحم الماضية.
لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لا لأجل المؤمنين وحدهم فيجب أن نصلي من أجل اليهود وكل أمم الأرض المختلفين في الدين واللسان واللون والتمدن عبيداً وأحراراً أصدقاء وأعداء. وليس من ديانة سوى الديانة المسيحية توجب المحبة لجميع الناس وطلب نفع الجميع بأحسن الوسائل وهي الطلب من مصدر كل الخيرات لكل الناس حاجات عامة وخاصة زمنية وروحية لذلك يجب أن نطلبها لهم.
٢ «لأَجْلِ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ».
عزرا ٦: ١٠ وإرميا ٢٩: ٧ رومية ١٣: ١
لأَجْلِ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ هذا تفصيل لقوله «جميع الناس» وقوله هنا يطلق على الأمبراطور الروماني يومئذ وولاة جميع البلاد التي تحت حكمه. فنفس الملك ليست عند الله أثمن من نفس العبد فلا نصلي من أجل الملك خاصة باعتبار أن نفسه أعظم من نفس من دونه بل لأن سعادة كثير من الناس متوقفة على سلوكه فيمكنه أن ينشئ خيراً عظيماً إذا كان عادلاً حكيماً وان ينشئ شراً كثيراً إذا كان ظالماً جاهلاً ولأنه عليه مسؤولية خطيرة وتجارب كثيرة فيحتاج إلى أن نصلي من أجله وهذا على وفق قول الكتاب «إن قلوب الملوك في يد الله» (أمثال ٢١: ١ وما قيل في رومية ١٣: ١) وتجب الصلاة من أجل الملوك والحكام في العبادة الجمهورية فإنه يبين بذلك فضلاً عن توقع إجابة الصلاة أن المؤمنين ليسوا بعاصين للملك كما كان اعداؤهم يفترون عليهم. أمر الله اليهود بالصلاة من أجل ملوكهم الوثنيين (إرميا ٢٩: ٧ وعزرا ٦: ١٠). قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن إحدى علل إثارة الرومانيين الحرب على اليهود فنشوء خراب أورشليم عنها وإبطال الذبائح في الهيكل هي إبطال تقديم الذبائح في الهيكل من أجل القيصر الروماني وكان الآمر بتقديمها أوغسطس قيصر وقام به اليهود سنين كثيرة. إن صلاة المسيحيين اليومية وقَتهم من التفكر في عصيان الملوك. وكانت كتابة هذه الرسالة قبل إثارة الرومانيين تلك الحرب بنحو أربع سنين أو خمس فلم يشترك فيها أحد من المسيحيين ولعل سبب ذلك تأثير تعليم بولس وسائر الرسل الخضوع للملوك. وكان على مؤمني أفسس أن يصلوا من أجل الملوك لأن راحتهم كانت متوقفة على عمل نيرون كما كانت متوقفة على تصرف كاتب المدينة يوم سجس ديمتريوس (أعمال ١٩: ٣١ و٣٤). وكما كانت راحة كنيسة فيلبي متوقفة على تصرف ولاتها (أعمال ١٦: ٢٣). وراحة مؤمني كورنثوس على تصرف غاليون الوالي (أعمال ١٨: ١٧). وراحة بولس على تصرف فيلكس وفستس (أعمال ٢٤: ٢٧).
لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً هذه إحدى غايات الصلاة من أجل الملوك وهي أن يميل الله قلوبهم إلى أن يمنحوا الحرية لكل إنسان في عبادة الله ويحموه من الظلم والاضطهاد. والاطمئنان فضلاً عن انه بركة في ذاته يجعل لهم فرصة للعناية بأمور النفس والسعي في نفع غيرهم روحياً.
فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ العيشة على هذه السنن كانت مبتغى المسيحيين فلم يرغبوا في إكليل الاستشهاد لكي ينالوا به السماء بل طلبوا أن يمجدوا الله بحياتهم على مقتضى الشريعة الإلهية والاجتهاد في مراعاة حقوق إخوتهم البشر.
٣ «لأَنَّ هٰذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ».
رومية ١٢: ٢ وص ٥: ٤ ص ١: ١ و٢تيموثاوس ١: ٩
لأَنَّ هٰذَا حَسَنٌ أي تقديم الطلبات لأجل جميع الناس وهذا علة ثانية لتقديم ذلك وهي أنه لائق في ذاته ويستحسنه الضمير الصالح والعقل السليم.
وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ أي أن الله يريد ذلك وهو موافق لقصده. ودعا الله هنا «مخلصاً» كما دعاه كذلك في (ص ١: ١) تمهيداً لما قاله في الآية التالية في شأن رحمة الله الفائقة.
٤ «ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ».
حزقيال ١٨: ٢٣ ويوحنا ٣: ١٦ و١٧ وتيطس ٢: ١١ و٢بطرس ٣: ٩ ويوحنا ١٧: ٣ و٢تيموثاوس ٢: ٢٥
ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ فيجب على المؤمن أن يريد ما يريده الله فإذاً يجب أن نصلي من أجل إتمام إرادته. وأتى بولس بهذا برهاناً على أن تقديم الصلاة مقبول لديه تعالى وهو أنه يريد خلاص الجميع فيريد استعمال الوسائط المؤدية إلى خلاصهم ومن تلك الوسائط صلوات شعب الله فلو لم يشإ الله خلاص الناس لم يكن لطلب خلاصهم من نفع. ولأنه أحب خلاص الجميع بذل ابنه عن الجميع (يوحنا ٣: ١٦). ولذلك دعا كل الناس إليه ليأتوا ويخلصوا (رومية ٨: ٣٢) وحثهم على ذلك بقوله «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال ٣٣: ١١). وقد أعد لهم الخلاص (ص ٤: ١٠ وتيطس ٢: ١١). ورتب الوسائل إلى نيله وهي التوبة والإيمان بيسوع المسيح. فإذن لا يهلك أحد لأن الله يريد هلاكه ولا لأن ذبيحة المسيح غير كافية لفداء الجميع بل لأن الإنسان يرفض الخلاص الذي عُرض عليه مجاناً في الإنجيل بدليل قول المسيح «هٰذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ» (يوحنا ٣: ١٩). وقوله «لاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ» (يوحنا ٥: ٤٠).
وإرادة الله خلاص جميع الناس لا تستلزم خلاص الجميع بلا استثناء وبدون اتخاذ الوسائل المعينة كما أن إرادته سعادة جميع الناس لم تستلزم أن يكون الجميع سعداء. وكذلك يريد قداسة الكل ولكن ذلك لم يستلزم أن يكون الجميع قديسين. فإرادته هنا ليست كإرادته خلق العالم ولو كانت كذلك لقال يريد أن يخلص الجميع ولكن قال بدل ذلك «يريد أن جميع الناس يخلصون» وهذا يدل على وجوب أن تكون إرادة الإنسان موافقة لإرادة الله في نيل الخلاص.
وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ أراد الله ذلك لأنه واسطة الخلاص. وهذا الإقبال يدل على عمل الإنسان الاختياري لا الإجباري. و «الحق» المقصود هنا هو الذي أعلنه الإنجيل وهو «الحق في يسوع» (أفسس ٤: ٢١). و «المعرفة» التي يريدها الله ليست عقلية بل اختبارية أيضاً وهي التي أبانها المسيح بقوله «هٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» وقوله «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا ١٧: ٣ و١٧).
٥ «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ».
رومية ٣: ٢٩ و٣٠ و١٠: ١٢ وغلاطية ٣: ٢٠ وعبرانيين ٨: ٦ و٩: ١٥
لأَنَّهُ الذي في هذه الآية دليل على أنه حسن لدى الله أن نصلي من أجل الجميع وأنه تعالى يريد خلاص الجميع.
إِلٰهٌ وَاحِدٌ كما جاء في (إشعياء ٤٥: ٢٢ وغلاطية ٣: ٢٠) فالله واحد في جوهره وفي مقاصده من جهة جميع الناس ولهذا عمّت نعمته كل البشر لأنهم خلقه جميعاً ويؤيد ذلك قول الرسول «صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ ٱلأَرْضِ» (أعمال ١٧: ٢٦). وقوله «أَمِ ٱللّٰهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضاً؟ بَلَى لِلأُمَمِ أَيْضاً؟ لأَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ، هُوَ ٱلَّذِي سَيُبَرِّرُ ٱلْخِتَانَ بِٱلإِيمَانِ وَٱلْغُرْلَةَ بِٱلإِيمَانِ» (رومية ٣: ٢٩ و٣٠). ويعتني بالكل اعتناء واحد وهذا الإله هو مخلص (ع ٣) فيشاء خلاص الجميع (ع ٤) وكونه واحداً يؤكد أنه لا يتغير (يعقوب ١: ١٧). وقصده الذي لا يتغير يستلزم إظهار محبته لكل المخلوقات العاقلة فإذاً يجب أن نصلي لله من أجل جيمع الناس لكي يخلصوا فلا يحق لمن يدّعي أنه مسيحي أن لا يبالي بهلاك الوثنيين أو خلاصهم.
وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ لا تكون للإنسان الساقط تعزية واطمئنان بمعرفته إن الله واحد ما لم يعرف بوجود وسيط بين الخاطئ والله القدوس. وغاية الرسول من وحدانية الوسيط كغايته من وحدانية الله لأن ذلك يستلزم أنه وسيط كل الجنس البشري لا وسيط بعض الناس دون بعض. وتعيين الله المسيح وسيطاً يستلزم أنه يعتني بالجميع وأنه يريد خلاص الجميع وأنه يجب أن نصلي من أجل الجميع.
وما قيل هنا في وحدانية الله قيل في وحدانية الوسيط فليس لنا حق أن نعتقد وجود وسطاء كثيرين أكثر مما لنا حق أن نعتقد وجود آلهة كثيرين. إن اتخاذ المخلوقات وسطاء وطلب شفاعتهم إهانة للوسيط الوحيد وإنكار لحقوقه فالذين لا يقبلون الشفيع الذي عيّنه الله لا حق لهم أن يتوقعوا أن يقبلهم.
ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ الذي هو إنسان تام نفساً وجسداً وغاية الرسول من هذه العبارة بيان أن المسيح شفيع الجنس البشري كله لأنه اتخذ الطبيعة التي لك وصار نائب الجنس كله فهو آدم الثاني (رومية ٣: ٢٩ وأفسس ٤: ٥ و٦ وعبرانيين ٨: ٦ و٩: ١٥ و١٢: ٢٤).
وقوله أن المسيح إنسان لا يستلزم أنه إنسان فقط كسائر البشر ونفي لاهوته كما أن القول بأنه إله لا ينفي إنه إنسان أيضاً فإنه دُعي إلهاً في (ص ٣: ١٦ ويوحنا ١: ١ و٢٠: ٢٨ ورومية ٩: ٥ و١يوحنا ٥: ٢٠ وعبرانيين ١: ٨). ولو كان إنساناً فقط لم يكن من داع هنا إلى القول بأنه إنسان لأن هذا لم يُقل في الكتاب المقدس على بولس وغيره من الرسل. وكونه وسيطاً بين الله والناس يستلزم أن يكون له طبيعة كل منهما فيجب أن يكون إنساناً لينوب عن الناس ويموت فداء عنهم (رومية ٥: ١٥ و١كورنثوس ٥: ٦ و٢كورنثوس ٥: ١٩ وكولوسي ٢: ١٤). ويجب أن يكون إلهاً لكي تكون شفاعته ذات قيمة عند الله الآب. ولم يصرّح بولس بلاهوت المسيح هنا لأن غايته ليست سوى بيان أن المسيح كان إنساناً اتخذ الطبيعة البشرية ليحسن أن يكون شفيعاً في كل الذين هم شركاء تلك الطبيعة (عبرانيين ٢: ١٦ - ١٨).
٦ «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، ٱلشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ».
متّى ٢٠: ٢٨ ومرقس ١٠: ٤٥ وأفسس ١: ٧ وتيطس ٢: ١٤ و١كورنثوس ١: ٦ و٢تسالونيكي ١: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ٨ رومية ٥: ٦ وغلاطية ٤: ٤ وأفسس ١: ٩ و٣: ٥ وتيطس ١: ٣
ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ بذله نفسه لأجل الجميع برهان على أن الخلاص معد للجميع وعلى وجوب أن يصلي المؤمنين من أجل الجميع. وهذا البذل يتضمن كل ما فعل المسيح من إنكار ذاته لفداء البشر الذي من أعظم ما فيه موت المسيح كما جاء في (فيلبي ٢: ٥ - ٨ وتيطس ٢: ١٤). وبذل المسيح نفسه علاوة على بذل الله إياه (يوحنا ٣: ١٦). وبذل نفسه تبرعاً شرط ضروري لكون فدائه مقبولاً وهو على وفق قوله «أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى ٢٠: ٢٨). والمراد «بالفدية» موته على الصليب بدل موت الخطأة الأبدي (أفسس ١: ٩ و١بطرس ١: ١٨ و١٩). فثمن فداء الجنس البشري من الهلاك الأبدي الذي أوجب عليه لخطاياه هو موت المسيح ولا يكفي لفدائه أقل من هذا الثمن وهو كافٍ لفداء كل البشر بالنظر إلى قيمة الذبيحة التي قدمها لأنه هو إله كما أنه إنسان.
ٱلشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ الشهادة خبر لمبتدإ محذوف تقديره كون ما سبق من أن «الله يريد خلاص الجميع» (ع ٤) وأن المسيح بذل نفسه فدية لأجل الجميع (ع ٦). فكأنه قال أن ما سبق هو الشهادة الخ. ولا يمكن الله يثبت إرادته خلاص الناس بشهادة أكمل من أن يبذل ابنه للموت. و «الأوقات الخاصة» المذكورة هنا ذُكرت في (ص ٦: ١٥ وتيطس ١: ٣) وهي الأوقات المعيّنة في قضاء الله لإتيان المسيح إلى العالم وموته مهاناً متألماً. وللمناداة بالبشرى بأن الله يريد خلاص البشر. وأن هذا الخلاص ليس لليهود وحدهم بل لجميع الناس. وتلك الأوقات هي أخصّ أوقات التبشير بالإنجيل الذي ابتدأ بمناداة يوحنا المعمدان ثم بمناداة المسيح نفسه ومعموديته ثم بمناداة الرسل بتثبيت الروح القدس ليجعلها مؤثرة (انظر رومية ٥: ٦ وغلاطية ٤: ٤ وتفسير ذلك).
٧ «ٱلَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزاً وَرَسُولاً. اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي ٱلْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ، مُعَلِّماً لِلأُمَمِ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْحَقِّ».
أفسس ٣: ٧ و٨ و٢تيموثاوس ١: ١١ ورومية ٩: ١ ورومية ١١: ١٣ و١٥: ١٦ وغلاطية ١: ١٦
ٱلَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزاً أي للمناداة بتلك الشهادة. وهي المذكورة في (ع ٦). و «الكارز» هنا من الكرازة ومعناها مرّ في تفسير (١كورنثوس ١: ٢١ و٢كورنثوس ٥: ٢٠) وستأتي في (٢تيموثاوس ١: ١١ وتيطس ١: ٣).
وَرَسُولاً كما في (رومية ١: ١ وغلاطية ٢: ٩).
اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي ٱلْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ هذا نوع من القسم أتى به الرسول إثباتاً لما قاله كما أتى في (رومية ٩: ١ وغلاطية ١: ٢٠) فارجع إلى التفسير. ولعله أتى بهذا القسم لأن بعض من في أفسس أنكر رسوليته.
مُعَلِّماً لِلأُمَمِ هذا هو العمل الذي عُيّن بولس له خاصة كما بُيّن في (أعمال ٩: ١٥ و٢٢: ٢١ و٢٦: ١٧ ورومية ١١: ١٣ وغلاطية ٢: ٧).
فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْحَقِّ هذا تفسير لموضوع تعليمه للأمم أي وجوب الإيمان بالرب يسوع المسيح وقبول الحق المعلن بالإنجيل. ولا ريب في أن إيمان بولس القلبي بالمسيح جعله أهلاً للشهادة له.

وجوب أن تّقدم الصلاة بأيدي طاهرة بلا حقد ع ٨


٨ «فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ ٱلرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَالٍ».
ملاخي ١: ١١ ويوحنا ٤: ٢١ مزمور ١٣٤: ٢ وإشعياء ١: ١٥
فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ رجع هنا إلى موضوع كلامه في (ع ١ - ٣) بعد الكلام المعترض من (ع ٤ - ٧).
ٱلرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ اجتمع فيه كثيرون أم قليلون. القرينة تدل أن الصلاة هنا شفاهية في محافل المؤمنين لا الصلاة السرية وفي العبارة بيان أنه على من تكون المسؤولية في تقديم تلك الصلاة. وقوله «كذلك أن النساء» في الآية التالية دليل على أنه أراد «بالرجال» ذكور الناس لا الناس كلهم إذ لم يريد أن يرفع النساء أصواتهن بالصلاة في كنيسة أفسس في اجتماع الرجال والنساء معاً. ففي مجمع اليهود لم يكنن مأذوناً للنساء أن يتكلمن فأراد أن يجري المسيحيون في ذلك مجرى اليهود. ونفهم من قوله «يصلي الرجال» أن الصلاة الجهرية غير مقصورة على رعاة الكنيسة وشيوخها دون غيرهم من المؤمنين فيها. والمراد «بكل مكان» المواضع الموافقة للصلاة وما تدعو الأحوال إلى الصلاة فيها. وهو يذكرنا قول المسيح للمرأة السامرية «يَا ٱمْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلٰكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ» (يوحنا ٤: ٢١ و٢٣).
رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً اعتاد القدماء رفع الأيدي عند القسم ومنح البركة والصلاة (خروج ٩: ٢٩ و٣٣ و١ملوك ٨: ٢٢ و٢أيام ٦: ١٢ و١٣ ومزمور ٢٨: ٢ و٦٣: ٥ و٦٨: ٣١ وإشعياء ١: ١٥). والمرجّح أن تلك العادة كانت جارية يومئذ في كورنثوس ولا تزال جارية عند أكثر المسيحيين. والمراد «بالأيدي الطاهرة» هي التي لم تتدنس بالخطيئة أي بممارسة الأعمال الشريرة وهذا على وفق قول المرنم «مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ... اَلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ، وَٱلنَّقِيُّ ٱلْقَلْبِ» (مزمور ٢٤: ٣ و٤ انظر أيضاً مزمور ٢٦: ٦). وقول يعقوب الرسول «نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا ٱلْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي ٱلرَّأْيَيْنِ» (يعقوب ٤: ٨).
بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَالٍ في المواضيع الدينية والخصومات الشخصية. ونستنتج من هذا أنه كان في اجتماعات الكنيسة بعض القلق أو أن الرسول خاف أن يحدث ذلك فيها. ولنا منه أنه على الإنسان إذا أراد الصلاة المقبولة أن يكون قلبه خالياً من عوامل الغضب وتهيّجات الجدال سريّة كانت صلاته أم جهرية (فيلبي ٢: ١٤). وشرط الصلاة المقبولة هنا كالشرط الذي أبانه يسوع في تقديم الذبيحة المقبولة بقوله «فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ» (متّى ٥: ٢٣ و٢٤).

تصرّف النساء في الاجتماعات الجمهوريةع ٩ إلى ١٥


٩ «وَكَذٰلِكَ أَنَّ ٱلنِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ ٱلْحِشْمَةِ مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ ٱلثَّمَنِ».
١بطرس ٣: ٣
كَذٰلِكَ أَنَّ ٱلنِّسَاءَ قوله «كذلك» يدل على أنه أراد بالرجال في الآية الثامنة الذكور وما قاله هنا في النساء قاله في أمر تصرفهنّ وزيهنّ وهنّ في اجتماعات العبادة الجمهورية وأكثره مناسب لهنّ في كل الأحوال.
يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ ٱلْحِشْمَةِ أي اللباس الذي يدل على الحشمة فكان اللائق بمحل العبادة أن لا يتحلى النساء بما يدل على كونهنّ معجبات بأنفسهن أو بجلب نظر الناس إليهنّ ويحوّلها عن العبادة الواجبة لله. ويظهر من هذا أن الرسول ذكر حضورهنّ الصلاة الجمهورية مسلماً أنه لا بد منه وأن عليهنّ أن يظهرن احترامهنّ لله ولعبادته بإصغائهنّ وسكونهنّ وبنظافة أثوابهنّ وترتيبها والتواضع وتجنب كل حلي يمنع لابسته والناظر عليها من العبادة الروحية. و «الحشمة» تشير إلى وجوب أن تكون أثواب المرأة مناسبة لمقامها ومحلها.
مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ نستنتج من ذلك أن بعض نساء أفسس كنّ يأتين الكنيسة بالثياب الفاخرة لأن بعضهنّ كنّ غنيّات كما يظهر من (ص ٦: ١٧). وأراد الرسول أن تكون ثياب المؤمنات لائقة بفضائل قلوبهنّ بأن تدل على إنكار الذات وعلى الطهارة والروحانية.
لاَ بِضَفَائِرَ هذا كقول بطرس في (١بطرس ٣: ٣).
أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ ظن بعضهم أن غنيّات أفسس كنّ يحلينّ بمصوغ الذهب ومنظوم اللؤلؤ شعورهنّ وببعض ذلك جباههنّ وأعناقهنّ وآذانهنّ ومعاصمهنّ بناء على ما اكتُشف حديثاً من تماثيل نساء تلك العصور فإن هذه التماثيل دلت على أن النساء كن يألفنّ التأنق في الملبوسات.
أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ ٱلثَّمَنِ لكثرة قيمة موادها أو طول الزمن وكثرة التعب اللذين تقتضيهما صنعها وزخرفتها.
طلب بولس من نساء كورنثوس ما لم يطلبه من نساء أفسس أن يكون ملبوسهنّ في الكنيسة بحشمة بالنظر إلى وجود «الملائكة» (١كورنثوس ١١: ١٠).
١٠ «بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى ٱللّٰهِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ».
أفسس ٢: ١٠ وتيطس ٢: ١٤ و٣: ٨ و١بطرس ٣: ٤
كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى ٱللّٰهِ هذا وصف للمرأة المؤمنة يظهر منه ما يوجب عليها الإيمان بالمسيح والتعهد له من ممارسة أفضل أنواع التقوى اللائق بحضورها أمام الله لكي تحصل على رضاه. وأن النساء المؤمنات يجب أن يمتزن عن نساء العالم بعدم اتكالهنّ على الزنية الخارجية لتحسين هيآتهنّ والافتخار بها.
بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ هذه هي الحلى اللائقة بالمؤمنات ومنها الإحسان إلى الفقراء والمصابين والمرضى والجهلاء كطابيثا اليافيّة التي شُهد لها بأنها «كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا» (أعمال ٩: ٣٦). وقال الرسول كما «يليق الخ» لأن الله وهب للمرأة لينا فتميل إلى الشفقة على المتألمين ومساعدتهم خلافاً للرجال فإنه يليق بهم الشجاعة والتعرّض للأخطار والمصاعب.
١١ «لِتَتَعَلَّمِ ٱلْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ».
لِتَتَعَلَّمِ ٱلْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ أي لتكتف بسمع الكلام في الاجتماعات الجمهورية ولا تتعرض للتعليم. ومعنى «تتعلم» كما في (١كورنثوس ١٤: ٣٤ انظر التفسير هناك). وفي رسالته إلى كنيسة كورنثوس نهى النساء عن السؤال عن المشاكل الدينية في الكنيسة (١كورنثوس ١٤: ٣٥).
فِي كُلِّ خُضُوعٍ لم يتكلم هنا في خضوع النساء لأزواجهن بل في الخضوع الذي تظهره بالسكوت في الاجتماعات الجمهورية فإن تكلم الرجال في الاجتماعات العامة يدل على السلطة (ع ١٤).
ولا شيء في هذا الكلام يدل على أنه لا يليق بالمرأة المتعلمة أن تعلّم النساء الجاهلات أو أن تصلي جهاراً في الاجتماعات النسائية فإن ذلك كان مما يجب على الشماسات فإنه كان عليهنّ أن يعلمنّ الجاهلات.
١٢ «وَلٰكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ».
١كورنثوس ١٤: ٣٤ و٣٥، و١كورنثوس ١١: ٣ وأفسس ٥: ٢٤
لٰكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ كلام الرسول هنا مقصور على الوعظ في الاجتماعات المختلطة من الرجال والنساء.
وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ هذا التسلط لازم قيامها مقام الواعظ أو المعلم في الكنيسة. والمراد «بالرجل» هنا الجنس لا بعلها بخصوصه. اعتبر بولس النساء مساوية للرجال في الشركة في كل حقوق المسيح وأمجاده وأنها كالرجل في كونها مكلفة بالسعي في نشر ملكوت الله في العالم لكنه اعتبر دائرة أعمالها مختلفة عن دائرة أعمال الرجل. وأن أكثر خدمتها للمسيح يجب أن تقوم به في بيتها بتربية أولادها وتعليم الجاهلات من النساء فلم تكلف بخدمة العالم في الأسواق والمنابر. وبنى هذا الرأي بإلهام الروح على تاريخ الخليقة وما نشأ من حوادث السقوط المذكورة في الكتاب المقدس.
١٣ «لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ».
تكوين ١: ٢٧ و٢: ١٨ و٢٢ و١كورنثوس ١١: ٨ و٩
لأَنَّ آدَمَ أثبت ما قاله في الرجال عموماً بمثل آدم فما صدق على آدم في ذلك يصدق على كل الرجال وكذلك ما قاله في حواء يصدق على كل النساء.
جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ هذا على وقف ما جاء في (تكوين ٢: ٧). أثبت بولس أفضلية الرجل بسبق خلقه خلق المرأة وما أعلن من أحوال خلقها مثل أنها أُخذت من جنب المرء وأُعطيت له لتكون معنية له لا متسلطة عليه فالرجل لم يُخلق لأجل المرأة بل المرأة خُلقت لأجل الرجل (١كورنثوس ١١: ٩).
١٤ «وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لٰكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي».
تكوين ٣: ٦ و٢كورنثوس ١١: ٣
اتخذ بولس كون المرأة خُلقت بعد الرجل علة أن لا تتسلط على الرجل (ع ١٣) واتخذ سبقها إياه إلى الغواية علة أن لا تكون معلمة للجمهور.
َ آدَمُ لَمْ يُغْوَ لٰكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ قيل في الكتاب أن «الحيّة غرّت المرأة» (تكوين ٣: ١٣) ولم يقل فيه أنها غرّت آدم بل قيل أنه «سمع لقول امرأته» (تكوين ٣: ١٧). إن كليهما أخطأ فحواء أخطأت بأن خُدعت بجودة منظر الثمرة واحتيال الحية وصدقت قول الشيطان أن أكل الثمرة يجعلها حكيمة وأن عصيانها لا يجلب عليها الموت. وآدم أخطأ وهو عالم أنه عصى الله بما أتاه. اتخذ بولس قبول حواء الانخداع صفة لكل امرأة إثباتاً لضعفها وعدم أهليتها أن تكون رأس الجنس البشري ومعلمته. لم يطمع الشيطان في أن يغوي آدم رأساً بالتجربة فعمد إلى إغواء امرأته لتكون مساعدة له.
حَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي أي سبقت آدم إلى عصيان الله. لم ينكر بولس أن آدم تعدى أيضاً بل اعتبر إصغاء حواء للمجرّب وانخداعها به على سقوط زوجها فوجب عليها أن تكون خاضعة لرجلها.
ذُكر في تاريخ التجربة الأولى أن القصاص المخصوص الذي أوجبه الله على المرأة لاشتراكها في التعدي هو أنها «بالوجع تلد أولادها» (تكوين ٣: ١٦). علم بولس أنه من ذكر كون المرأة عصت أولاً يذكر القارئ القصاص الذي أوجبه الله عليها لذلك فختم كلامه الذي لا يخلو من أن يظهر أنه قساوة على المرأة بكلمات التعزية والوعد لئلا تُعتبر أنها مهانة ومتروكة.
١٥ «وَلٰكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ ٱلأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْقَدَاسَةِ مَعَ ٱلتَّعَقُّلِ».
تكوين ٣: ١٦ و١كورنثوس ٣: ١٥
لٰكِنَّهَا أي مع كل ما ذُكر من خطإ المرأة والإشارة إلى قصاصها.
سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ ٱلأَوْلاَدِ إن الله حوّل اللعنة التي أوجبها على آدم إلى بركة له وكذلك جعل قصاص المرأة متوقف على ولادة الأولاد كأنها علته لأن ذلك يمنع من خلاص العاقر ويثبت أن كثيرة الأولاد أحق بالخلاص من غيرها فإن كلامه كان في مؤمنات أفسس كما يتبين من قوله «إن ثبتن في الإيمان الخ» بل المعنى التأكيد للمرأة المساعدة الإلهية في ساعة مصابها الجسدي وتألمها وأنها لا تكون تحسب أن الله تركها حينئذ بل تنظر إليه محباً ومعيناً. وإن لم تكن لها مشاركة في تعليم الجمهور فلها مشاركة في خلاص المسيح بإتمامها الواجبات التي وضعها الله عليها في بيتها. وولادتها للأولاد تشتمل على تربيتها إياهم كما يليق بالأم المسيحية (ص ٥: ١٤). وفي هذا بيان أن الرسول مع اعتباره اختلاف دائرة واجبات المرأة المؤمنة عن واجبات الرجل المؤمن اعتبر شرط خلاصها بالمسيح كشرط خلاص الرجل به وهو إتمام الواجبات التي أوجبها الله عليها. وأول تلك الواجبات ما يجب على الوالدة المسيحية لأولادها.
ذهب بعضهم أن «الولادة» هنا تشير إلى كون المسيح «نسل المرأة» وأن المعنى هنا تخلص المرأة بأن المسيح يولد من امرأة ولكن لا دليل على أن ذلك هو المقصود. ولا برهان على أن مريم خلصت بكونها أم المسيح وأن غيرها من النساء خلص بذلك لأن الرجل ينتفع بتجسد المسيح كما تنتفع به المرأة.
إِنْ ثَبَتْنَ فِي ٱلإِيمَانِ هذا دليل قاطع على أن بولس يتكلم في النساء المؤمنات. والثبوت في الإيمان شرط لخلاص النساء كما أنه شرط لخلاص كل المؤمنين (متّى ٢٤: ١٣). و «الإيمان» هنا هو الإيمان بالمسيح مخلصاً وبصدق الله في وعده للمتكلين عليه.
وَٱلْمَحَبَّةِ (١كورنثوس ص ١٣ ولوقا ٧: ٣٧ - ٤٨).
وَٱلْقَدَاسَةِ (رومية ٦: ٢٢ و١تسالونيكي ٤: ٣ و٤).
مَعَ ٱلتَّعَقُّلِ أي ضبط النفس والتصرّف بين الناس كما يليق بالمسيحيّات على وفق تعليم الرسول هنا في واجبات النساء.


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ


صفات خدم الكنيسة وما يجب عليهم



  • صفات الأسقف (ع ١ - ٧) قيل هنا أن عمله شريف (ع ١ - ٣) فيجب أن يكون صيته حسناً وسجاياه ممدوحة أمام الله والناس وأنه يسوس بيته حسناً (ع ٤ و٥). وأن يكون بالغاً في السن مختبراً الأمور حتى لا يقع في التجارب التي تعتري الشبان خاصة (ع ٦). وأن يكون ممدوحاً من الأجانب (ع ٧).
  • صفات الشمامسة (ع ٨ - ١٣). منها أن يكون الشماس حسن السمعة وقوراً مخلصاً (ع ٨) متمسكاً بالتعليم الصحيح (ع ٩) وأن يوجد بعد الامتحان أنه أهل للشمامسة (ع ١٠). وأن تكون زوجته مثالاً في الأعمال الصالحة (ع ١١). وأن يكون بعل امرأة واحدة ويسوس بيته حسناً (ع ١٢ و١٣).
  • بيان ما حمل الرسول على كتابة هذه الرسالة إلى تيموثاوس. إيضاح أهمية واجباته للكنيسة وعظمة الحقائق التي يُنادى بها بواسطة الكنيسة (ع ١٤ - ١٦).



صفات الأسقف وما يجب عليه ع ١ إلى ٧


١ «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ: إِنِ ٱبْتَغَى أَحَدٌ ٱلأُسْقُفِيَّةَ فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً».
ص ١: ١٥ وأعمال ٢٠: ٢٨ وفيلبي ١: ١ وأفسس ٤: ١٢
صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ هذا من العبارات التي لا يجوز أن يشك أحد في صحتها وكانت جارية في الكنيسة الأولى مجرى المثل. ذكرها الرسول كثيراً في رسائله الراعوية (انظر تفسير ص ١: ١٥) والمعنى أن ما يأتي حق.
إِنِ ٱبْتَغَى أَحَدٌ ٱلأُسْقُفِيَّةَ ذكر الأسقف في (أعمال ٢٠: ٢٨ وفيلبي ١: ١ و١تيموثاوس ٣: ٢ وتيطس ١: ٧ و١بطرس ٢: ٢٥) والمراد به الناظر أو الرقيب ويُطلق في الإنجيل على المعتني بالكنيسة بقطع النظر عن مقامه فيها. ويُسمى بالشيخ وبالقسيس أيضاً (قابل ما قيل هنا بما في في تيموثاوس ١: ٥ - ٧). فالثلاثة في الأسماء واحد في الذات فالذين سموا «أساقفة» في (أعمال ٢٠: ١٧). سموا شيوخاً في (أعمال ٢٠: ٢٨). وتبين من كلام لوقا عند خطاب بولس لخدم كنيسة أفسس في ميليتس أنه لم يكن فيهم أسقف واحد فقط بدليل قوله «وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَٱسْتَدْعَى قُسُوسَ ٱلْكَنِيسَةِ» (أعمال ٢٠: ٢٨). وكانت حال كنيسة فيلبي في ذلك كحال كنيسة أفسس (فيلبي ١: ١). واتخذت الكنيسة المسيحية لفظة «شيخ» من المجمع اليهودي الذي كان فيه الشيوخ منذ قرون قبلما نشأت الكنيسة المسيحية. وسموا بذلك في المجمع والكنيسة لأنهم كانوا متقدمين على غيرهم في السن والاختبار ثم أُطلق هذا الاسم على أصحاب الرتبة بقطع النظر عن السن. فان كل رعاة الكنائس وقسوسها في أيام الكنيسة الأولى يُسمون «شيوخاً» و «أساقفة» وكانوا سواء في المقام والسلطة فهؤلاء مع الرسل (مدة حياتهم) لم يكن غيرهم رئيساً للكنيسة سوى الرأس غير المنظور.
فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً هذا لا يصدق على كل عمل يشتهيه الناس ويمارسونه. فهذا العمل المذكور هنا صالح لأن الإنسان يستطيع بممارسته أن يمجّد الله ويفيد إخوته البشر لكن ليس جميع الذين يشتهون ذلك العمل أهلاً له بل أهله الذين دعاهم الروح القدس ومن دعاهم هذا الروح إلى ذلك العمل يؤهلهم له. لم يتكلم الرسول هنا على مواهب الروح القدس السامية التي تؤهل الإنسان للأسقفية وقصر كلامه في خطاب تيموثاوس على وصف بعض الصفات الضرورية للأسقف حتى لا يسمح لأحد أن يمارس ذلك العمل ما لم تكن له تلك الصفات.
٢ «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِياً، عَاقِلاً، مُحْتَشِماً، مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ».
تيطس ١: ٦ الخ ص ٥: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ٢٤
بِلاَ لَوْمٍ بلا ما يجلب عليه اللوم من أعماله. فيجب أن تكون سيرته في الماضي والحال طاهرة مستقيمة مشكورة لئلا يضر صيت الكنيسة ويعجز عن إفادتها. وقيل مثل ذلك في (تيطس ١: ٦). فإذاً لا يكفي أن يكون طالب الأسقفية عالماً فصيحاً بل يجب أن يكون باراً في تصرفه بين الناس وأن لا يكون من المجرمين في الجسديات أو الروحيات.
بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أي ليس له سوى امرأة واحدة في وقت واحد. فإن بعض اليهود في عصر بولس كانوا متعددي الزوجات وكان الرومانيون واليونانيون لا يبالون في عصر بولس بأمر العفاف ولا يكرمون الزواج وكان الطلاق شائعاً بين اليهود والأمم لأسباب زهيدة (متّى ٥: ٣١ و٣٢ و١٩: ٣ - ٩) ونظراً لقلة اعتبار العفاف في المملكة الرومانية والترتيب الذي عيّنه الله في الزواج صرّح بولس بأن الذي يريد الأسقفية في الكنيسة المسيحية يجب أن يكون مثالاً في حياته البيتية متزوجاً امرأة واحدة أميناً لها.
إن ما ذُكر لا يستلزم وجوب أن يكون الأسقف متزوجاً بل فيه ترجيح أن يكون متزوجاً لأنه تكلم على أولاده في (ع ٤). فالذين يمنعون زيجة خدم الدين يخالفون قول الرسول هنا وقوله في (عبرانيين ١٣: ٤) وحكم الله الأصلي بقوله «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ» (تكوين ٢: ١٨).
ليس في ما قاله الرسول هنا ما يمنع من زيجة الأسقف ثانية بعد موت زوجته لأن ليس في الكتاب من دليل على تحريم ذلك بل فيه تصريح بجوازه بدليل قوله «ٱلْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِٱلنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيّاً. وَلٰكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي ٱلرَّبِّ فَقَطْ» (١كورنثوس ٧: ٣٩) وما يسوغ للمؤمنة يسوغ للمؤمن وما يسوغ لأحد المسيحيين يسوغ للقسيس.
وغني عن البرهان أن الآية تستلزم نهي الشيخ عن اتّباع عوائد اليهود والأمم في ذلك العصر من أن يتزوج المرء امرأة ويطلقها مراراً حتى يكون زوج ثلاث نساء أو أربع مطلقات لا يزلن في قيد الحياة. فالشريعة الإلهية تحكم أن كل امرأة مطلقة لعلة غير علة الزناء لا تزال امرأة المطلق فالذي يأتي خلاف ذلك لا يصلح أن يكون أسقفاً. «بعل امرأة واحدة» هو أن تلك المرأة هي الكنيسة ولا يحق له أن يأخذ غيرها ولكن هذا خال من البرهان ومناف للنص والواقع.
صَاحِياً أي منتبهاً لحاجات الكنيسة غير غافل ولا سكّير.
عَاقِلاً أي هادئاً حليماً.
مُحْتَشِماً أي معتزلاً كل ما يستحيا منه حاملاً للناس على إكرامه متصرفاً تصرّفاً يليق بمقامه في الكنيسة.
مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ كان المؤمنون في عصر الكنيسة الأولى يجولون كثيراً من مكان إلى آخر يجول بعضهم اختياراً للتبشير بالإنجيل وبعضهم اضطراراً إما لسبب الاضطهاد في أوطانهم أو لنفي أرباب الحكومة إيّاهم فكان هؤلاء يذهبون طبعاً إلى بيوت أمثالهم في الإيمان فكان يليق بالأسقف خصوصاً أن يكون مثالاً لغيره من أعضاء الكنيسة في إضافة مثل أولئك الغرباء وينفق عليهم غير متوقع العوض. ومثل هذا القول قوله لمؤمني رومية «مُشْتَرِكِينَ فِي ٱحْتِيَاجَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ ٱلْغُرَبَاءِ» (رومية ١٢: ١٣). وقوله في رسالة العبرانيين «لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ ٱلْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ» (عبرانيين ١٣: ٢).
صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ أي عارفاً ما هو ضروري لتعليم حقائق الديانة المسيحية وقادراً على التعبير عما يعرفونه فإن غيرة الأسقف جيدة لكنها لا تكفي بلا عمل فيجب أن يكون الأسقف صالحاً للتعليم لكي يبني المؤمنين ويبكم المضلين.
٣ «غَيْرَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيماً، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ».
ع ٨ وتيطس ١: ٧ و٢تيموثاوس ٢: ٢٤ و١بطرس ٥: ٢ وتيطس ١: ٦
بعض ما بيّنه الرسول في ما سبق من صفات الشيخ إيجاباً أخذ يبيّنه هنا سلباً.
غَيْرَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ أي غير مولع بالمسكرات فإن المسكرات كانت محظورة على كهنة اليهود مدة خدمته (لاويين ١٠: ٩) فكما لاق أن يُمنعوا منها لاق أن يُمنع منها قسوس المسيحيين لأن إدمانها يعجزه عن التصرّف بالحكمة في الأمور العالمية والأمور الإلهية وفي أموره.
وَلاَ ضَرَّابٍ إن مدمن الخمر عرضة لأن يضرب غيره ولعل مثل هذا جرى لغيظ في كنيسة أفسس كما جرى في كنيسة كورنثوس بدليل قول الرسول «لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ» (٢كورنثوس ١١: ٢٠) ولعل بعض القسوس أتوا ذلك لشدة غيرتهم الدينية كما فعل نحميا باليهود الذين تزوجوا الأجنبيات بدليل قوله «فَخَاصَمْتُهُمْ... وَضَرَبْتُ مِنْهُمْ أُنَاساً» (نحميا ١٣: ٢٥).
وَلاَ طَامِعٍ بِٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ في هذا إشارة إلى أن شدة الرغبة في جمع المال تقود إلى اتخاذ وسائط مذمومة بغية جمعه. إن الطمع يجعل صاحبه عرضة للحسد والخصام (ص ٦: ١٦ وعبرانيين ١٣: ٥). وقد حذّر المسيح تلاميذه منه بقوله «ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ» (لوقا ١٢: ١٥). ووبخ الفريسيين عليه أمامهم تحذيراً لهم من التمثل بهم (لوقا ١٦: ١٤). نعم لشيخ الكنيسة حق أن يسأل أسباب المعاش وما يقوم بحاجات أهل بيته. ولكن إذا أظهر شدة رغبته في حشد المال خالف الإنجيل وعرّض نفسه للتجربة وأضاع نفعه لغيره.
بَلْ حَلِيماً الحلم صفة لائقة بالرئيس الروحي خصوصاً اقتداء بسيده.
غَيْرَ مُخَاصِمٍ أي غير محب للجدال وغير سريع الغضب.
وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ أي غير بخيل وغير مجتهد في جمع المال لمجرد حبه إياه.
٤ « يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي ٱلْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ».
يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً تُعرف صفات الإنسان من أسلوب تدبيره لبيته فتصرّفه خارج البيت لا تُعرف منه حقيقة صفاته. والمراد «بالبيت» هنا الزوجة والأولاد والخدم. فيجب أن يكون راعي الكنيسة مثالاً لغيره في الاقتصاد والكرم والتقوى والغيرة لتمجيد الله.
لَهُ أَوْلاَدٌ فِي ٱلْخُضُوعِ عدّ الرسول كون الأسقف متزوجاً وله أولاد من الأمور التي لا بد منها وخص بالذكر من أمور تدبير البيت تربية الأولاد لأن الأولاد دون التربية الواجبة عار على البيت وضرر للأولاد ومثال رديء لغيره ولا سيما إذا كان صاحب البيت راعي كنيسة. إن أمر الله للولد بأن يُكرم أباه وأمه يستلزم وجوب من يتخذ الوالدون الوسائل المؤدية إلى أن يطيعهم الأولاد وأن يؤدبهم إذا اقتضت الحال. فعالي الكاهن جلب على نفسه وعلى بيته غضب الله لأنه لم يجبر أولاده على طاعتهم إياه (١صموئيل ٣: ١٣).
بِكُلِّ وَقَارٍ هذا من الصفات الواجب أن تكون للاسقف وهو أن يكون بالاحتشام اللائق باعتبار كونه رأس البيت ورئيس الكنيسة فيعتزل الخفة والمزاح الزائد إلى حد يكون عنده غير مستعد لتقديم الصلاة في وقت الحاجة أو قليل الاعتبار عند الناس ويضعف سلطانه على التوبيخ والتعليم في الأمور الدينية أخطأ بذلك.
٥ «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ ٱللّٰهِ؟».
اعتبر بولس عجز الإنسان عن «تدبير بيته حسناً» دليلاً على كونه عاجزاً عن سياسة الكنيسة لأن تدبير بيته الخاص أسهل من تدبير بيت الله لأنه أصغر وأقل أهلاً وسلطانه عليه أعظم من سلطانه على الكنيسة وهو يخالط أهل بيته أكثر مما يخالط أعضاء الكنيسة. فإذا خلا من الصفات التي تقدره على الصغير فكم بالأولى يخلو من الصفات التي تقدره على الكبير. وإذا أظهر القسوة والخشونة وقلة المحبة لأولاده حتى غفل عنهم وأتى المحاباة بينهم ظهر بذلك أنه غير أهل لسياسة أهل بيت الإيمان حتى يجعلهم إخوة وأخوات في المسيح وفي الحب والوفاق.
٦ «غَيْرَ حَدِيثِ ٱلإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ».
إشعياء ١٤: ١٣
غَيْرَ حَدِيثِ ٱلإِيمَانِ أي لا يليق أن يُقام حديث الإيمان أسقفاً قبل أن يمر عليه زمن يتحقق به إيمانه وقبل أن يحصل على المعرفة الواجبة بالاختبار وقبل أن يتحقق غيره حكمته وأمانته. وكان تيموثاوس حديث السن (ص ٤: ١٢) لكنه لم يكن حديث المعرفة للدين ولا حديث الخدمة في التبشير بالإنجيل.
لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ أي يُعرّض نفسه بكبريائه للسبب الذي سقط به الشيطان بدليل قول بطرس (٢بطرس ٢: ٤). فقول الرسول هنا يستلزم أن الشيطان شخص حقيقي لا شر ممثل وأنه سقط من حال القداسة التي كان فيها ودين وأنه قادر الآن على أن يكمن لغيره ويجربه وأن علة سقوطه كانت إعجابه بنفسه ونفي مذهب ماني الفارسي وهو أنه كان منذ الأزل مبدآن أحدهما الخير والآخر الشر أو مملكة النور ومملكة الظلمة وأنهما خصمان أزليان فإن الشيطان كان في أول أمره ملكاً ثم عصى الله وسقط ودين ولم يزل له سلطان يمارسه لتضليل من يقبلون إغراءه.
٧ «وَيَجِبُ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ».
أعمال ٢٢: ١٢ و١كورنثوس ٥: ١٢ و١تسالونيكي ٤: ١٢ ص ٦: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ٢٦
لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ أي من الأمم الذين هم خارج الكنيسة (لوقا ٥: ١٢ وكولوسي ٤: ٥) وأراد بهم جيرانه ومعارفه وأصدقاءه وسائر من يخالطهم في المعاملات وهم ليسوا من جماعة المؤمنين فيجب أن يكون الأسقف ممن يقدرون أن يشهدوا باستقامته وصدقه وطهارته قبل أن يتعيّن أسقفاً للكنيسة. ومثل هذه الشهادة كان لتيموثاوس من رفقائه قبل أن أخذه بولس معيناً له على التبشير (أعمال ١٦: ٢).
لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ إن كان ليس له صيت حسن قبل أن يُقام أسقفاً كان عرضة بعد إقامته أسقفاً للتّهم القبيحة وتصديق الناس إياها بسهولة. فحسن صيته قبل الأسقفية يكون له بعدها ترساً يرد به سهام التُهم والتغيير.
وَفَخِّ إِبْلِيسَ أي الفخ الذي يضعه إبليس في طريقه (٢تيموثاوس ٢: ٢٦). فإن تعييره على الخطايا السالفة يقوده إلى اليأس حين رفع الشكايات عليه أو يجعله عرضة لشدة الغيظ على المتهمين وفي الدفع عن نفسه. فنظراً إلى صعوبة دفع مثل تلك الشكايات التي يتخذها إبليس وسيلة إلى حمل الغير على التشكي منه والشكاية عليه نصح بولس أن لا يُقام مثل هذا أسقفاً وإن كان قد تاب واصطلح.

كلام في الشمامسة والشماسات ع ٨ إلى ١٣


٨ «كَذٰلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِٱلْخَمْرِ ٱلْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ».
أعمال ٦: ٣ ولاويين ١٠: ٩ وحزقيال ٤٤: ٢١ وع ٣
كَذٰلِكَ أي يجب أن يمتاز الشمامسة بالصفات التي يمتاز بها الأساقفة.
ٱلشَّمَامِسَةُ ذُكروا مع الأساقفة في (فيلبي ١: ١). وقد أُنشئت الخدمة الشماسية في الكنيسة لاقتضاء الحال الاعتناء بالفقراء (أعمال ٦: ٣ و٤). وكان عدد الشمامسة في كنيسة أورشليم سبعة اختارتهم الكنيسة ورسمهم الرسل بالصلاة ووضع الأيدي عليهم. ونستنتج من الصفات المطلوبة منهم ومن الإِشارة إلى عملهم في تاريخ الكنيسة أنهم كانوا مساعدين لشيوخ الكنيسة في تدبير أمورها الزمنية. وكان اثنان من أولئك الشمامسة مبشريين فضلاً عن كونهما شماسين وهما فيلبس واستفانوس. وكما علمنا بوجود الشمامسة في كنيسة أورشليم علمنا بوجودهم في كنيسة كورنثوس لكنهم دُعوا في كنيسة كورنثوس «أعواناً» (١كورنثوس ١٢: ٢٨). وفي كنيسة رومية وسموا فيها «أصحاب خدمة» (رومية ١٢: ٧). وفي كنيسة فيلبي (فيلبي ١: ١) وفي كنيسة أفسس (ص ٣: ٨ و١٣). وفي كنائس أسيا الصغرى وسموا فيها «خدماً» (١بطرس ٤: ١١) كما يستفاد من الأصل اليوناني.
ذَوِي وَقَارٍ كما يليق بوكلاء الكنيسة (ع ٤).
لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ أي ينبئون بعض من يزورونهم في الخدمة شيئاً ويخبرون غيرهم بضده ويَعِدون ولا يَفون.
غَيْرَ مُولَعِينَ بِٱلْخَمْرِ أي يجب أن يكونوا مثالاً في الصحو واعتزال الشهوات (ع ٣).
وَلاَ طَامِعِينَ بِٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ لأن ذلك ضروري للذين وكلت إليهم إحسانات الكنيسة ليوزعوها على الفقراء وإلا اشتهوا المال وأنفقوه على أنفسهم كما فعل يهوذا الاسخريوطي (يوحنا ١٢: ٦).
٩ « وَلَـهُمْ سِرُّ ٱلإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ».
ص ١: ١٩
لَـهُمْ سِرُّ ٱلإِيمَانِ أي الحق الإلهي الذي كان مكتوماً عن الناس حتى أُعلن بالمسيح والروح القدس (رومية ١٦: ٢٥ و١كورنثوس ٢: ٧ - ١٠). ودُعي هذا الحق «سر الإيمان» لأنه موضوع الإيمان ولا يدركه إلا المؤمن وهو هنا ما يتعلق بالفداء بدم المسيح.
بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ فيستمر على ما آمن به لتصديق ضميره إياه ويُظهر إيمانه بالأعمال الصالحة.
١٠ «وَإِنَّمَا هٰؤُلاَءِ أَيْضاً لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ».
لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً كما أوجبه في انتخاب الأسقف بقوله «غير حديث الإيمان» (ع ٦) فيجب على مبتغي الشماسية أن يُظهر استقامته بطريق ما قبل أن يُعين شماساً على وفق قول الرسل لجمهور التلاميذ «ٱنْتَخِبُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ، مَشْهُوداً لَـهُمْ» (أعمال ٦: ٣).
١١ «كَذٰلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ٱلنِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ».
تيطس ٢: ٣
ٱلنِّسَاءُ المرجح أن المراد «بالنساء» هنا الشماسات لا نساء الشمامسة لأنه لم يقل شيئاً في صفات زوجة الأسقف. وهؤلاء الشماسات إما أن يكنّ أرامل وإما طاعنات في السن ليكن أهلاً لخدمة الكنيسة بتوزيع مال الإحسان. وعبّر عنهم «بالنساء» إذ لا لفظة في اليونانية تفيد معنى شماسات. والصفات المطلوبة منهن مواجبة على كل مؤمنة ولا سيما اللواتي تعيّن لخدمة مخصوصة في الكنيسة. والمرجح أنه كانت من تلك الشماسات فيبي في كنيسة كنخريا (رومية ١٦: ١) وأفودية وسنتيخي في كنيسة فيلبي (فيلبي ٤: ٢) وطابيثا في كنيسة يافا (أعمال ٩: ٣٦ - ٤١).
ذَوَاتِ وَقَارٍ كما طُلب من الشمامسة. فيجب أن يكن وافرات الحشمة واللطف حتى يجعلن كل الناس يعتبرونهن.
غَيْرَ ثَالِبَاتٍ لأن لسان المرأة يمكنه أن يجرح أكثر من سيف الرجل فيجب أن لا يكنّ حاسدات ولا نمامات ولا خادعات.
صَاحِيَاتٍ منكرات أنفسهنّ ليكنّ مثلاً لغيرهنّ فيجعلنّ تعليمهنّ مؤثراً.
أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ لرجالهنّ وأولادهنّ والكنيسة والمسيح في الأمور الكبيرة والصغيرة والروحية والزمنية لدى الناس ولدى الله. ويجب على كل المؤمنات أن يكن أمينات ولا سيما اللواتي يوزعن الصدقات على البائسات والمرضى وينصحنَ ويعلمنَ الجاهلات.
١٢ «لِيَكُنِ ٱلشَّمَامِسَةُ كُلٌّ بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَناً».
عاد الرسول هنا إلى الكلام في الشمامسة وما قيل في هذه الآية في شأنهم قيل في الأساقفة في الآية الثانية.
بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (انظر تفسير ع ٢).
مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَناً (انظر تفسير ع ٤ و٥) فممارستهم الفضائل البيتية دليل على أهليتهم لخدمة بيت الله. واعتناؤهم بأولادهم أفضل استعداد للاعتناء بالفقراء والمرضى والمصابين.
١٣ «لأَنَّ ٱلَّذِينَ تَشَمَّسُوا حَسَناً يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي ٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
متّى ٢٥: ٢١
ذكر الرسول في هذه الآية حسن الجزاء الذي يجازي به الله الشماس الأمين السالك بمقتضى ما ذُكر من القوانين.
يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً في يوم الله العظيم فهم ينفعون أٰنفسهم فضلاً عن نفعهم للكنيسة لأنهم ينالون رضى الله وثوابه. وأشار السيد إلى مثل هذا بقوله «نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلأَمِينُ» (متّى ٢٥: ٢١).
وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي ٱلإِيمَانِ أي يتحققون أن المسيح اعترف بأنهم له وأن الله قبلهم وأنهم نالوا نعمة تمكنهم من الإيمان بالمسيح وخدمته على الأرض وتوقع أن يتمجدوا معه في السماء.

بيان أهمية مضمون ما سلف ع ١٤ إلى ١٦


١٤ «هٰذَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكَ رَاجِياً أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَنْ قَرِيبٍ».
هٰذَا أي ما سبق.
رَاجِياً الخ يتبين من هذا أن الرسول اعتبر أن عمل تيموثاوس في أفسس وقتي لأنه توقع الرجوع إليها بعد قليل ليقوم بالخدمة فيها بدلاً منه أو ليزيده تعليماً لواجبات جديدة لكنه رأى من الضروري أن يكتب حينئذ بالاختصار.
١٥ «وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، عَمُودُ ٱلْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ».
أفسس ٢: ٢١ و٢٢ و٢تيموثاوس ٢: ٢٠
إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ اعتبر الرسول مدة غيبته غير محققة لأن حياته كانت تحيط الأخطار بها دائماً ولأن أموراً كثيرة ربما ألجأته إلى الذهاب إلى مكان آخر لخدمة الرب.
فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ يظهر من هذا أن الرسول رأى من أهم الأمور ما أوصى به في شأن الأساقفة والشمامسة الذين هم أهل للخدمة وصفاتهم.
فِي بَيْتِ ٱللّٰهِ أخذ الرسول ذلك الاسم عن العهد القديم واستُعمل أولاً في بيت إيل (تكوين ٢٨: ١٧ - ١٩). ثم استُعمل للهيكل في أورشليم ثم استُعمل لكل شعب الله الذين صاروا بيته بالعهد. ويُراد به هنا جماعة المؤمنين الذين يسكن الله بينهم وهم كنيسته الحقيقية العظيمة الروحية التي كان هيكل أورشليم على جبل صهيون رمزاً لها. ودُعيت الكنيسة المسيحية في الإنجيل «بيت الله» (١كورنثوس ٣: ٩ و١٦ و٢كورنثوس ٦: ١٦ وأفسس ٢: ٢٢ وعبرانيين ٣: ٢ و٥ و٦ و١بطرس ٤: ١٧). فالكنيسة «بيت الله» لأنه هو أسسها وبناها ويسكن فيها بروحه ويحفظها وهو يكملها بالواسطة التي يريدها والزمن الذي يختاره.
ٱلَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ في هذا تصريح بأن «بيت الله» هو الكنيسة أي جمهور المؤمنين لا مكان اجتماعاتهم وأنه تعالى لا يزال ساكناً بينهم الآن كما سكن قديماً بعلامات منظورة في الخيمة التي زالت والهيكل الذي خرب. وقال هذا ليجعل تيموثاوس يشعر بأهمية الأمور التي وُكلت إليه فإن تمجيد الله متوقف على أعماله الحسنة في الكنيسة فضلاً عن نفع الكنيسة. ودعا هنا رئيسها الذي يعمل هو نفسه في وسطها «بالإله الحي» تمييزاً له عن تمثال الإلاهة أرطاميس المشهورة الذي لا حياة فيه وكان يعبده ألوف في هيكلها الذي علا كل ما ارتفع من أبنية أفسس وكان أمام عيون أهلها وفاق بالجمال كل الأبنية على وجه الأرض. ومع أن تيموثاوس كان يخدم كنيسة أفسس وحدها كان أيضاً يخدم كنيسة المسيح الواحدة الجامعة التي كل كنيسة محلية جزء مها وكل مؤمن حجر حي فيها (١بطرس ٢: ٥).
عَمُودُ ٱلْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ هذان يؤلفان شيئاً واحداً «فالعمود» الجزء الأعلى و «القاعدة» الجزء الأسفل لجسم واحدٍ. وغيّر بولس هنا التمثيل الذي جرى عليه لأنه مثّل الكنيسة أولاً بجمهور كبير الله الحي ساكن في وسطه وسماه «بيت الله» ومثلها هنا بعمود متين على قاعدة راسخة مرتفع على مرأى من الناس والملائكة لبيان حق إنجيل الخلاص المعلن بالمسيح. فالأمر ذو الشأن في التمثيل الأول هو أن الله ساكن في وسط شعبه والأمر ذو الشأن في الثاني أمجاد الفداء المعلنة بواسطة الكنيسة كأنها عمود عظيم متين لا يتزعزع من كل هيجات الضلال وصدمات الأشرار.
وما قيل هنا في جمهور المؤمنين معاً قيل أيضاً في أفرادهم (غلاطية ٢: ٩ ورؤيا ٣: ١٢) وفي الرسل والأنبياء في (أفسس ٢: ٢٠ ورؤيا ٢١: ١٤).
ولعل الرسول أشار في كلامه إلى الضلالات التي كانت يومئذ تُعرض للخطر «الحق الذي سُلّم للقديسين» الذي كانت الكنيسة سنده. وتلك الضلالات هي ما أنبأ بولس بأنها على وشك أنت تُنشر في أفسس (ص ٤: ١).
وعلة كون الكنيسة «عمود الحق وقاعدته» إن الله عيّنها لصون الحق والشهادة له وأنها مبنية على المسيح الذي هو الحق (١كورنثوس ٣: ١١) فالحق لا يحتاج إلى عماد يسنده من كنيسة أو غيرها لكن الكنيسة وسيلة إلى إعلان الحق للعالم لكي يتحقق جماله وعظمته.
١٦ « وَبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ، رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ».
يوحنا ١: ١٤ و١يوحنا ١: ٢ متّى ٣: ١٦ ويوحنا ١: ٣٢ و٣٣ و١٥: ٢٦ و١٦: ٨ و٩ ورومية ١: ٤ و١بطرس ٣: ١٨ و١يوحنا ٥: ٦ الخ متّى ٢٨: ٢ ومرقس ١٦: ٥ ولوقا ٢: ١٣ و٢٤: ٤ ويوحنا ٢٠: ١٢ وأفسس ٣: ١٠ و١بطرس ١: ١٢ وأعمال ١٠: ٣٤ و١٣: ٤٦ و٤٨ ورومية ١٠: ١٨ وغلاطية ٢: ٨ وأفسس ٣: ٥ و٦ و٨ وكولوسي ١: ٢٧ و٢٨ وص ٢: ٧ وكولوسي ١: ٦ و٢٣ ولوقا ٢٤: ٥١ وأعمال ١: ٩ و١بطرس ٣: ٢٢
غاية الرسول في هذه الآية أن يبين لتيموثاوس عظمة الحق الذي الكنيسة عموده وقاعدته.
بِٱلإِجْمَاعِ أي باتفاق كل المؤمنين ونص شهادة الإنجيل كله.
عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى المراد «بالسر» هنا الحق الذي كان في العصور الخالية مكتوماً عن الناس ثم أُعلن له بالمسيح (يوحنا ١: ١ و١٤ ورومية ١٦: ٢٥ و٢٦ وكولوسي ١: ٢٦ و٢تيموثاوس ١: ١٠ وتيطس ٢: ١١ و٣: ٤) وهو النظام الإلهي لتبرير الخاطئ وخلاصه. وسُمي «سر التقوى» لأنه أساس التُقى وعلته في الإنسان ولأنه غاية الله في إعلان الخلاص بالمسيح. و «التقوى» عبارة عن حياة الله في الإنسان وهي تقوم بحلول المسيح في القلب على مقتضى قوله «أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي ١: ٢٧).
ذكر الرسول في ما بقي من هذه الآية ستة أمور أعلن بها «سر التقوى» بالمسيح الفادي ولم يصرّح بأن ذلك السر هو المسيح لكنه انتقل من الكلام في السر إلى الكلام في المسيح كأنهما شيء واحد.
ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ تجسد المسيح كان أول إعلان لذلك السر العظيم فذُكر أولاً لتقدمه على سائر أعمال الفداء بدليل قول الكتاب «ٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا ١: ١٤). وقوله «إِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ (النعمة) بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (١تيموثاوس ١: ١٠). والمراد «بالجسد» هنا الطبيعة البشرية على وفق قول الرسول في المسيح «ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» (رومية ١: ٣). فارجع إلى التفسير هناك. وقوله «ظهر في الجسد» يستلزم أنه كان مع الآب منذ الأزل كقول البشير فيه «هٰذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللّٰهِ» (يوحنا ١: ٢).
ظن بعض المفسرين أنه يجب أن يُقرأ «الذي ظهر بالجسد» بدلاً من «الله ظهر بالجسد» وبُين ذلك في حاشية إنجيل الشواهد ولكن أكثر الدلائل على صحة ما ذُكر هنا. على أننا لسنا مفتقرين إلى هذه الآية لإثبات لاهوت المسيح إذ براهين ذلك كثيرة في الإنجيل (انظر تفسير متّى ١: ٢٣ ويوحنا ١: ١٤). وواضح لكل ذي عقل أن المسيح لو كان جسداً من أول أمره لم يكن معنىً لقوله «ظهر في الجسد».
تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ أي ثبتت دعواه الإلهية بقداسة سيرته في ما يزيد على ثلاث وثلاثين سنة وهو على الأرض وخلوه من كل خطيئة. وشهادة الروح القدس له وذلك بحلوله عليه جهاراً حين تعمّد (متّى ٣: ١٦) وبكل المعجزات التي فعلها الروح القدس به (متّى ١٢: ٢٨ ويوحنا ٣: ٣٤) وبقيامته (رومية ١: ٣ و٤) وصعوده إلى السماء وجلوسه على يمين الآب (أفسس ٣: ١٠ وعبرانيين ١: ٦ و١بطرس ١: ١٢).
إن الذين رأوه ماشياً في حقول الناصرة أو عاملاً في بيت يوسف لم يروا فرقاً بينه وبين غيره من الناس لكن الروح القدس أثبت كل ما ادّعاه من الطبيعة الإلهية بما ذُكر.
تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ على وفق شهادة الإنجيل بأنه ظهر للملائكة عند ميلاده (لوقا ٢: ٩ - ١٣) وبعد التجربة (متّى ٤: ١١) وفي جثسيماني (لوقا ٢: ٤٣) وعند قيامته (متّى ٢٨: ٢). ولعل الرسول أشار بذلك إلى ظهور «الكلمة» للملائكة حين صار جسداً فكانت تلك الرؤية حينئذ أول رؤيتهم الله لأنه «لم يره أحد قط» قبل التجسد. أو أشار إلى رؤيتهم إياه بمجده الحقيقي حين رجع إلى الجلوس على يمين أبيه بعد قيامته وصعوده (أفسس ٣: ١٠ وعبرانيين ١: ٦ و١بطرس ١: ١٢).
كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ ما ظهر للملائكة من مجد المسيح ظهر لكل الناس من اليهود وغيرهم بالكرازة به وكانت بداءة ذلك إرسال الإثني عشر رسولاً للتبشير في يهوذا وأورشليم وإرساله إياهم ثانية بعد قيامته بقوله «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس ١٦: ١٥). وتم ذلك بما حدث يوم الخمسين وبما حدث في تاريخ الكنيسة منذ ذلك اليوم إلى الآن وبذلك تم قول الله في المسيح بلسان النبي «قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْداً لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (إشعياء ٤٩: ٦ انظر ايضاً رومية ١٦: ٢٦ وأفسس ٣: ٨٩).
أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ عنى «العالم» هنا كمعناه في (١يوحنا ٢: ١٥ و٥: ١٩) وهذا نتيجة ظهور الله في الجسد والكرازة به بين الأمم فلم يكن ذلك عبثاً وأنه وإن رفضه بعض من سمعوا آمن الآخر كما شهد الإنجيل في شأن تلاميذه (يوحنا ١٢: ١) وفي شأن بعض اليهود (يوحنا ١٠: ٤٢ وأعمال ص ٢) وبعض السامريين (أعمال ٨: ٥ و٦) والوثنيين (أعمال ١١: ١).
رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ أي أصعد إلى السماء ممجداً (لوقا ٢٤: ٤٠ و٥١ ويوحنا ١٧: ٥ وأعمال ١: ٩). وهذا نهاية ظهور للمسيح في ست درجات أولها على الأرض وآخرها في السماء وكلها تُعلن مجده. وما ذُكر في هذه الستة هو «عمود الحق وقاعدته» الذي بُنيت عليه كنيسة المسيح (ع ١٤) وعُيّن تيموثاوس خادماً له.
ذهب بعضهم أن ما في هذه الآية جزء من قاعدة إيمان الكنيسة الأولى أو ترنيمة مقدسة كانوا يترنمون ويعترفون بها في اجتماعاتهم العامة.


اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ


بيان الرسول لتيموثاوس في هذا الأصحاح أهمية العمل الذي وُكل إليه بالنظر إلى أنواع الضلال التي نشأت في كنيسة أفسس وعرضتها للتجربة والخطر وإفهامه ما هو بعض تلك الأنواع (ع ١ - ٦). وتحذير الإخوة من الأوهام في الدين وحثهم على اعتزال الخرافات الدنسة ونهيه لتيموثاوس عن اعتبار الرياضة الجسدية التي أوجبها المعلمون الكاذبون وحثه إياه على ترويض نفسه للتقوى وتوقع إهانة الناس الذين يعلمهم هذا التعليم وأن يكون أميناً شجاعاً في إيراده (ع ٧ - ١١). ونصائح شخصية تتعلق بتصرفه (ع ١٢ - ١٦).
تحذير من المعلمين الكاذبين ع ١ إلى ٦


١ «وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ ٱلإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ».
يوحنا ١٦: ١٣ و٢تسالونيكي ٢: ٣ و٢تيموثاوس ٣: ١ الخ و٢بطرس ٣: ٣ و١يوحنا ٢: ١٨ ويهوذا ٤ و١٨ و١بطرس ١: ٢٠ و٢تيموثاوس ٣: ١٣ و٢بطرس ٢: ١ ورؤيا ١٦: ١٤ ودانيال ١١: ٣٥ و٣٧ و٣٨ ورؤيا ٩: ٢٠
وَلٰكِنَّ هذا إشارة إلى أن ما يأتي في هذا الفصل يختلف كل الاختلاف عن سر الفداء المجيد المسلم للكنيسة كوديعة ثمينة تيموثاوس ورفقاؤه خدم لها لأنه تعاليم بشرية توجب على الإنسان إماتة النفس والأعمال النافلة وحرمان الإنسان نفسه من العيشة الأهلية وطيّبات الأطعمة لتوهّم أنهم بذلك يُنال رضى الله الخاص.
ٱلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً أي الروح القدس فإنه كان يعلم المؤمنين في عصور الكنيسة الأولى بطرق خارقة العادة. وكان يأتي ذلك أحياناً بعلامات منظورة كما أتى ذلك للأثنى عشر يوم الخمسين فإنه ظهر لهم بألسنة نارية (أعمال ٢: ١ - ١٢). ولجماعة المؤمنين كلها (أعمال ٤: ٣١). ولبطرس يوم تنصر كرنيليوس (أعمال ١٠: ١٠ - ١٦ و١٩ - ٢٠) ولبولس ثلاث مرات مدة أسفاره (أعمال ١٦: ٦ و٧ و٩ و١٠). ولأغابيوس (أعمال ٢١: ١١). وأشار الرسول في خطابه لمشائخ أفسس إلى غير ما ذُكر من أقوال الروح (أعمال ٢٠: ٢٣). وذكر هنا واحداً من إعلانات الروح ولم يبيّن أنه هل كان الروح القدس يخاطبه وحده أو يخاطب جمهور الكنيسة وقوله «صريحاً» يدل على الآخر وأن لا ريب في صحة ذلك القول عند السامعين وأنه لم يكن بإشارات ورموز بل بالوحي المحض.
فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ هذا يعني بحسب اصطلاح الإنجيل الأيام التي بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثاني الموعود به (عبرانيين ١: ٢) وتسمى أيضاً بأيام الإنجيل.
يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ ٱلإِيمَانِ أي يرجع عن تعاليم المسيح في إنجيله كقوله في (٢تسالونيكي ٢: ٣). ويظهر من العبارة أن أولئك الضالين كانوا من عداد المؤمنين وأعضاء الكنيسة وأن عددهم ليس بقليل.
وقد فضل الرسول المراد بهذا «الارتداد» في ما يأتي وهذا موافق لقول يوحنا الرسول «لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ١). ومعنى «ارتدادهم عن الإيمان» إنكارهم الإيمان الحق وتمسكهم بالباطل.
تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً أي الشياطين إن الشيطان قادر على الخداع وإضلال الذين ينقادون له (أفسس ٢: ٢ و٦: ١٢) إما بنفسه وإما بواسطة المعلمين الكاذبين (١يوحنا ٤: ٢ - ٦).
وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ الشياطين هنا تفسير «للأرواح المضلة» وهم مصدر الضلال ومعلميه للناس فإنهم حملوا الوثنيين على أن يعبدوا الأوثان ويقاوموا المسيح. وقوله هنا على وفق قوله «إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ ٱلأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ لِلّٰهِ... لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ ٱلرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ» (١كورنثوس ١٠: ٢٠ و٢١). ولم يرد الرسول هنا أنهم علموا ما يتعلق بالشياطيين من صفاتهم وذواتهم. ولم يدع المعلمين الكاذبين شياطين بل بيّن إن مصدر أنواع الضلال المذكورة الشياطين. ومثل قول بولس قول يعقوب الرسول «لَيْسَتْ هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ» (يعقوب ٣: ١٥).
٢ «فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ».
متّى ٧: ١٥ ورومية ١٦: ١٨ و٢بطرس ٢: ٣ وأفسس ٤: ١٩
فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ المراد «بالأقوال الكاذبة» ما يأتي في الآية التالية. ونسب «الرياء» إلى قائلها لأنهم نسبوا تعاليمهم إلى الله وهي منهم بإغواء الشياطين فادعوا أن حفظها علة القداسة السامية ونيل رضى الله. أو لأنهم ادعوا أن قداستهم فوق قداسة غيرهم وأنهم بلغوها باتباعهم تعاليمهم. وهذا كقوله «إِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِٱلْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ ٱلْعُقُولَ» (تيطس ١: ١٠).
مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ كأنها مكوية بالحديد المحمى فهي غليظة قليلة الحس كجلد اليد المكوية. إن ضمائر المعلمين الكذبة كانت كذلك لكثرة ما قاوموا الحق فلم يبق لهم من شعور بتنبيهات الضمير لكي يأتوا الحلال ويعتزلوا الحرام فإنهم ادعوا فرط القداسة وهم في الواقع تابعو الشر اختياراً حتى لم يستطيعوا أن يميزوا «إِنْ كَانَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظَلاَماً فَٱلظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!» (متّى ٦: ٢٣).
ظن بعضهم أن قول الرسول هنا مأخوذ عن عادة السادة فإنهم يكوون عبيدهم بحديد محمى لإنشاء علامات يتميزون بها وكانت ضمائر أولئك المعلمين موسومة كذلك فعُرفوا بأنهم عبيد الخطيئة والشيطان.
٣ «مَانِعِينَ عَنِ ٱلزَّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا ٱللّٰهُ لِتُتَنَاوَلَ بِٱلشُّكْرِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي ٱلْحَقِّ».
١كورنثوس ٧: ٢٨ و٣٦ و٣٨ وكولوسي ٢: ٢٠ و٢١ وعبرانيين ١٣: ٤ رومية ١٤: ٣ و١٧ و١كورنثوس ٨: ٨ تكوين ١: ١٩ و٩: ٣ رومية ١٤: ٦ و١كورنثوس ١٠: ٣٠
مَانِعِينَ عَنِ ٱلزَّوَاجِ هذا أحد تعاليم الشياطين المذكورة في (ع ٢) وإحدى قواعد مذهب اليهود الأسنيين الذين ذهبوا إلى أن القداسة قائمة بإنكار الشهوات الطبيعية وصارت إحدى قواعد الغنوسيين الذين نشأوا بين المسيحيين. وأشار الرسول إلى هذا التعليم بقوله «قهر الجسد» (كولوسي ٢: ٢٣) قال بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس ما معناه إن أحوال الزمان قد تحمل الإنسان على تفضيل العزوبة على الزواج (١كورنثوس ٧: ٢٨ و٣٦ و٣٨). والكتاب المقدس لم ينه عن الزواج قط ولم يشر إلى أن العزوبة أقدس منه بل بالعكس إذ صرّح الكتاب بأن الله وضع الزيجة في جنة عدن (تكوين ٢: ١٨ و٢٢ أنظر أيضاً ص ٥: ١٤).
أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ أي عن المأكولات اللحمية. فالذين نهوا عن الزواج نهوا عن هذه الأطعمة ولا يزال بعض الناس يعتبر ذلك فضيلة ككثيرين في كل عصر ووسيلة ضرورية إلى بلوغ أعلى درجات القداسة. ومنهم الغنوسيون والأفلاطونيون قالوا بأن أصل الشر في المادة وتعذيب الجسد بالجوع يميت الشر. ولعل أصل هذا المذهب أن الله أمر شعبه في شريعة موسى أن يمتنع عن أكل بعض الأطعمة حفظاً لقداستهم الرمزية فتوسعوا بذلك إلى تحريم كل أنواع اللحم لنيل القداسة القلبية.
قَدْ خَلَقَهَا ٱللّٰهُ لِتُتَنَاوَلَ بِٱلشُّكْرِ قال هذا مقابلة بين قصد الله وما استنبطه الناس من عقولهم فإنه حين خلقها صرّح بأنها حسنة ولم يقصد أن تكون تجارب للناس وعثرة لهم كما تستلزمه تعاليم أولئك المعلمين فإن الله أذن للإنسان أن يأكل البقول أولاً (تكوين ١: ٢٩) ثم البقول واللحوم (تكوين ٩: ٣).
مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ معتبرين تلك الأطعمة بركة لا شيئاً محرماً كأنها نافية للقداسة وغير مرضية لله.
وَعَارِفِي ٱلْحَقِّ فالإيمان بالمسيح ومعرفة حق الإنجيل هما شرط القداسة الحقيقية والقبول عند الله لا النوافل التي يخترعها الناس كالمذكورة هنا.
٤ «لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ ٱلشُّكْرِ»
رومية ١٤: ١٤ و٢٠ و١كورنثوس ١٠: ٢٥ وتيطس ١: ١٥
كُلَّ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ جَيِّدَةٌ بمقتضى قول الكتاب «وَرَأَى ٱللّٰهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً» (تكوين ١: ٣١ انظر أيضاً رومية ١٤: ١٤ و٢٠). فكون الخليقة من يده تعالى برهان أنها جيدة والقول بخلاف ذلك قدحٌ في الخالق جل وعلا وأنه فضلاً عن خلقه إياها عيّن البقول ولحوم البهائم خاصة قوتاً للإنسان (تكوين ٩: ٣ و٤). فتعليم ماني وأتباعه مناف لما في الآية لأنهم اعتقدوا أن كل مادي مصدر الخطيئة وموطنها وأن القداسة تقوم باعتزال ما يمكن اعتزاله منها.
وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ من البقول ولحوم البهائم النافعة وهي باقية على أصلها.
إِذَا أُخِذَ مَعَ ٱلشُّكْرِ مع اعتراف الآخذ بأنه ناله من يده تعالى هبة لا أجراً وأنه أعطاه إياها دليلاً على محبته. وفي قول الرسول هنا تلميح إلى أن ما يأخذه الناس وينتفعون به بلا شكر يجلب عليهم دينونة.
٥ «لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَٱلصَّلاَةِ».
لأَنَّهُ يُقَدَّسُ اي يُطّهر حتى يسوغ أن يستعمله المقدسون. إن المواد ليست بطاهرة ولا بنجسة في ذاتها ولكن طريق استعمال الناس إياها يجعلها ذات صفة أدبية بالنظر إلى المستعملين. وكلمة الله والصلاة تجعل المواد العارية من الصفة الأدبية واسطة بركة أدبية وقرنه بكلمة الله بالصلاة يفيد أن ما نطلبه بالصلاة وما نشكر الله عليه فيها موافق لكتاب الله وأمثلته نصاً أو معنىً وذلك كما لو سألنا الله أن يقوتنا كما قات بني إسرائيل في البرية والنبي إيليا عند نهر كريت وصرفة (١ملوك ١٧: ٣ و٨) وكما جاء في مواعيد الكتاب الكثيرة وكقول المسيح في الصلاة الربانية «خبزنا كفافنا أعطنا» (متّى ٦: ١١).
٦ «إِنْ فَكَّرْتَ ٱلإِخْوَةَ بِهٰذَا تَكُونُ خَادِماً صَالِحاً لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، مُتَرَبِّياً بِكَلاَمِ ٱلإِيمَانِ وَٱلتَّعْلِيمِ ٱلْحَسَنِ ٱلَّذِي تَتَبَّعْتَهُ».
أفسس ٤: ١٥ و١٦ و٢تيموثاوس ٣: ١٤ و١٥ ولوقا ١: ٣
بِهٰذَا أي بعدم الاكتراث بوصايا الناس المتعلقة باتخاذ إماتة الجسد وسيلة إلى القداسة (ع ٣ و٥).
خَادِماً صَالِحاً كما عُين عليه حين رُسم مبشراً (٢تيموثاوس ٤: ٥) وهذا ما دُعي إليه الرسل والمشائخ والمبشرون والشمامسة من خدمة الكنيسة فلم يُدعوا إلى الرئاسة والسلطة عليها. وفي هذا الكلام ما يستلزم أن صحتها ونموها في الحياة الروحية متوقفان على ممارسة الوسائط التي عيّنها الله وان مقدار النمو متوقف على قدر الانتفاع بتلك الوسائط وأنه يجب على من يعلّمون غيرهم أن يهتموا بتقدم أنفسهم في الأمور الروحية ليستطيعوا أن يفيدوه.
مُتَرَبِّياً بِكَلاَمِ ٱلإِيمَانِ أي بحقائق الإنجيل الجوهرية.
وَٱلتَّعْلِيمِ ٱلْحَسَنِ لا «تعاليم الشياطين» (ع ١) وذُكر «التعليم الحسن» في (ص ١: ١٠ و٦: ٣ وتيطس ١: ٩ و٢: ١).
ٱلَّذِي تَتَبَّعْتَهُ مدحه بولس على ما حصله من المعرفة الروحية والنمو الروحي حثاً له على زيادة التقدم وهذا كقوله له «أَتَذَكَّرُ ٱلإِيمَانَ ٱلْعَدِيمَ ٱلرِّيَاءِ ٱلَّذِي فِيكَ، ٱلَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي» وقوله «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي» (٢تيموثاوس ١: ٥ و٣: ١٠). فإن مواظبته على درس أسفار العهد القديم وهو ولد أعدته لقبول يسوع مسيحاً ومخلصاً والالتفات إلى شهادات الأنبياء بأموره.

وجوب تحذير الإخوة من الخرافات الدينية وما يتعلق بها والاتكال على الرياضة الجسدية ع ٧ إلى ١١


٧ «وَأَمَّا ٱلْخُرَافَاتُ ٱلدَّنِسَةُ ٱلْعَجَائِزِيَّةُ فَٱرْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى».
ص ١: ٤ و٦: ٢٠ و٢تيموثاوس ٢: ١٦ و٢٣ و٤: ٤ وتيطس ١: ١٤ و١كورنثوس ٩: ٢٧ وعبرانيين ٥: ١٤
ٱلْخُرَافَاتُ ٱلدَّنِسَةُ ٱلْعَجَائِزِيَّةُ فَٱرْفُضْهَا عنى بذلك التكلم في ما لا ينفع ولا يستحق التفات الحكماء إليه. ولم يصرّح بما أراده من الخرافات المذكورة والمرجح أنه أراد بها ما ذكره في (ص ١: ٤ وفيلبي و٢تيموثاوس ٢: ١٦) و «إماتة الجسد» التي حذرهم منها في هذا الأصحاح (ع ١ - ٦). ومباحثة رباني اليهود التي كانت شائعة في مدارسهم لا تستحق أن تسمى بأحسن مما ذُكر لأن بعضهم كان مما يتعلق بصورة الحروف العبرانية التي كُتبت الشريعة بها وبعضها مسائل دقيقة في عرضيات المطاليب الشرعية مثل تعشير النعنع والأنسون والكمون وعدد الخطى الجائزة في سفر السبت وتعليم كثير من الأساطير الدينية والتاريخية من صحيحة وكاذبة ومسائل جداول الأنساب. وحذر بولس تيموثاوس من أن يبحث فيها ويشغل بها الوقت عبثاً وأوصاه بأن يعتبر أنها غير نافعة لفعله وأنها مضرة.
وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى بدلاً من تلك التعاليم الباطلة كالأمر بالنُسك والزهد اليهودي وما يتصل به. وحثه بولس أن يمارس أعمال التقى لكي ينمو في كل الفضائل المسيحية. وفي هذا تلويح إلى أنه لا يستطيع أحد أن ينمو في القداسة بلا جد واجتهاد فيجب أن لا يكتفي بالتأمل في واجباته بل يزيد عليها ممارسته إياها على الدوام وأن يعتاد الصبر في تصرفه مع الناس واحتمال ضعفهم ونقائصهم وأن يبذل الجهد في أن يزيد إيمانه كل يوم (ليغلب به العالم) ومحبته للناس (ليسهل عليه أن ينكر نفسه بغية نفعهم) ورجاءه (لكي لا تغلبه المصائب كلما دعاه الله إلى احتمالها) وتواضعه (لكي يشابه سيده الوديع والمتواضع القلب) وطاعته لإرادة الله (ليهون عليه أن يقول في كل حال «لتكن مشيئتك»). فقول الرسول «روّض نفسك التقوى» كقول المسيح «لْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ» (متّى ٥: ١٦). فإن المؤمن يُظهر في تصرفه اليومي حسن الديانة المسيحية. ولا يجعل هذا الاجتهاد نافعاً إلا نعمة الله فيه تقترن به وتكلله. ولنا من هذا أن اجتهاد الإنسان لا تنفعه ولا تنميه (١كورنثوس ١٥: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ٦).
٨ «لأَنَّ ٱلرِّيَاضَةَ ٱلْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيلٍ، وَلٰكِنَّ ٱلتَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْحَاضِرَةِ وَٱلْعَتِيدَةِ».
١كورنثوس ٨: ٨ وكولوسي ٢: ٢٣ ص ٦: ٦ ومزمور ٣٧: ٤ و٨٤: ١١ و١١٢: ٢ و٣ و١٤٥: ١٩ ومتّى ٦: ٣٣ و١٩: ٢٩ ومرقس ١٠: ٣٠ ورومية ٨: ٣٨
ٱلرِّيَاضَةَ ٱلْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيلٍ المرجّح أنه بنى هذا الكلام على ما اعتاده أهل أفسس وكورنثوس من استعمال أعضاء أجسادهم في العَدو والصراع ورفع الأثقال وطرحها إلى بعيد استعداداً للملاعب الألومبية والملاعب البرزخية وهي المشار إليها في (١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢٧). وكان الاعتدال في تلك الرياضة يوليهم صحة وقوة وإكليل المجد قدام الناس. وكان على المستعد لتلك الألعاب الخضوع لقوانين ثقيلة ذُكرت في تفسير (١كورنثوس ٩: ٢٥) ويتضح مما ذُكر في (ص ٥: ٢٣) أن تيموثاوس مارس بعض تلك القوانين. وظنّ بعضهم أن الرسول أشار هنا إلى إماتة الجسد بالأصوام وما يتصل بها على ما ذُكر في (ع ٣) وأنه فرض إمكان نيل بعض الناس بواسطتها نفعاً روحياً ولكن الأدلة على أن هذا مراده واهية وإلا كانت تلك الرياضة روحية لا جسدية. ولا يقرب من العقل أن ما فنده في (ع ٣ - ٥) وسماه «تعاليم شياطين» يصفه في (ع ٨) بالنفع ولو قليلاً.
وَلٰكِنَّ ٱلتَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ ظاهر وباطن وجسدي وروحي في الزمن الحاضر والمستقبل إلى الأبد كما يتضح من العبارة التالية. وهذا مقابل الرياضة الجسدية التي نفعها محدود وجزئي ووقتي. «فالتقوى» تشتمل على الخير الأعظم للإنسان كله فإذاً يخطئ كل الأخطاء من يظن أن أتباع المسيح خسارة. ومثل هذا قول المسيح «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ ٱلآنَ فِي هٰذَا ٱلّزَمَانِ» (مرقس ١٠: ٢٩ و٣٠). «فالتقوى» التي هي ممارسة الدين الحق تقدر الإنسان على كل مقصد صالح وعلى نيل كل حاجة حقيقية واحتمال كل ضيقة وحزن وتهب التعزية والنجاة في كل المصائب وتعد للقيام بكل الواجبات للنفس وللقريب ولله وتحقق النعمة هنا والمجد في المستقبل. وتنفع «التقوى» الجسد لأنها تحمل الإنسان على الاعتدال والدأب والاقتصاد وتنفع العقل لأنها تجعله يميز كل أمر على قدر قيمته. وتريح الضمير لأنها تقود الإنسان إلى السلوك بمقتضى كلام الله وتجعله ناجحاً في أعماله لأنها تزيده اجتهاداً واستقامة ورزانة وحكمة وتهب له رجاء صالحاً في ساعة الموت. وأما إماتة الجسد النافلة فتحرم المؤمن من السعادة في الحياة الحاضرة ولا تؤهله شيئاً لسعادة الحياة الآتية.
لَهَا مَوْعِدُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْحَاضِرَةِ أي تتكفل للإنسان بكل ما يحتاج إليه وهو على هذه الأرض. وهذا يوافق إجمالاً ما في (مزمور ٣٣: ١ و٧٤: ١١ و٨٤: ١١). وهي تحقق الحصول على القوت والكسوة (إشعياء ٣٣: ١٦ ومتّى ٦: ٢٥ - ٣٣) والتعزية في الأرزاء (تثنية ٣٣: ٢٧ وأيوب ٥: ١٩ ومزمور ٤٦ ورومية ٨: ٢٨ وعبرانيين ١٣: ٥). والمعونة في الشيخوخة والموت (مزمور ٢٣: ٤ و٣٧: ٢٥ وإشعياء ٤٣: ٢ و٤٦: ٤ و١كورنثوس ٣: ٢١ - ٢٣). والذكر الحسن بعد الموت (مزمور ٣٧: ١ - ٦).
وَٱلْعَتِيدَةِ المواعيد للتقي كثيرة منها قول الله «وَٱلْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ ٱلْجَلَدِ، وَٱلَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى ٱلْبِرِّ كَٱلْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ ٱلدُّهُورِ» (دانيال ١٢: ٣). ولا شيء في هذه الآية ينافي تعليم الإنجيل إن الخلاص هبة مجانية وأن التبرير مبني على استحقاق المسيح وآلامه.
٩ «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ».
ص ١: ١٥
انظر تفسير (ص ١: ١٥). المراد «بالكلمة» هنا ما سبق في (ع ٨) وهي قوله «التقوى نافعة لكل شيء» الخ وهذه الكلمة مستحقة أن تُكتب بين أفضل قواعد الديانة المسيحية.
١٠ «لأَنَّنَا لِهٰذَا نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ، لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، ٱلَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ وَلاَ سِيَّمَا ٱلْمُؤْمِنِينَ».
١كورنثوس ٤: ١١ و١٢ وص ٦: ١٧ ومزمور ٣٦: ٦ و١٠٧: ٢ و٦ الخ
لِهٰذَا أي لنيل الوعد العظيم بالسعادة هنا وبالحياة الأبدية مع الله في المستقبل.
نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ أي نحتمل بلا خوف أشد التعب والتعيير نحن المبشرين والمعلمين المسيحيين لما ذُكر. وفي ذلك قال بطرس الرسول «إِنْ عُيِّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلْمَسِيحِ فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ ٱلْمَجْدِ وَٱللّٰهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ» (١بطرس ٤: ١٤). وهذا موافق لما شهد به بولس في شأن عمله وعمل سيلا من أنهما كانا «يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ ٱلتَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي ٱلإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ» (أعمال ١٤: ٢٢). فاحتمالهم أتعابهم وتعييراتهم بالرضى دليل قاطع على أنهم اعتبروا التقوى التي يقتضيها الإنجيل تؤكد لهم حصولهم على الوعد المذكور آنفاً.
لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ لأنه أمين ومصدر ذلك الوعد وقادر على إنجازه. وكون «الإله الحي» أساس هذا الرجاء لا الأوثان البكم الخالية من الحياة المعبودة في هياكل أفسس الوثنية التي ليست سوى صنع أيدي عابديها يجعلنا نتعب ونُعيّر راضين مسرورين.
ٱلَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ في هذا تصريح بأن الله الحي هو إله المحبة وأن مراحمه غير مقصورة على أمة واحدة كما ظن اليهود فإنهم توهموا أنه قصر رحمته عليهم فهي لمؤمني كل صنف من البشر. ووصف الله بأنه «مخلص» يوافق قوله الله «ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (ص ٢: ٤) فإنه أعد الوسائط الكافية الموافقة لخلاص الجميع فهو بالنظر إلى تدبير الوسائط مخلص العالم وبالنظر إلى الفعل مخلص الذين يقبلون الخلاص منه.
وَلاَ سِيَّمَا ٱلْمُؤْمِنِينَ الخلاص ممكن لكل إنسان لكنه لا يحصل عليه إلا المؤمنون الذين اعتصموا بذلك الخلاص العام الذي قُدم بالمسيح. وإذا كان الله يريد خلاص جميع الناس فبالأولى أنه يخلص المتكلين عليه. ولا شيء في هذه الآية ينافي تعليم الكتاب الإلهي الصريح وهو أن من الناس من يهلكون بخطاياهم ونصيبهم الموت الثاني (٢تسالونيكي ١: ٩ ورؤيا ٢١: ٨).
١١ «أَوْصِ بِهٰذَا وَعَلِّمْ».
ص ٦: ٢
أَوْصِ بِهٰذَا وَعَلِّمْ أشار بقوله «هذا» إلى التقوى الحقيقية المذكورة في (ع ٧ - ١٠) لا إماتة الجسد والخرافات التي نادى بها بعضهم.

نصائح الرسول لتيموثاوس خاصة ع ١٢ إلى ١٦


١٢ «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْكَلاَمِ، فِي ٱلتَّصَرُّفِ، فِي ٱلْمَحَبَّةِ، فِي ٱلرُّوحِ، فِي ٱلإِيمَانِ، فِي ٱلطَّهَارَةِ».
١كورنثوس ١٦: ١١ وفيلبي ٢: ١٥ وتيطس ٢: ٧ و١بطرس ٥: ٣
لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ يظهر لنا أن هذه النصيحة أولى أن تكون لكنيسة أفسس من أن تكون لتيموثاوس. فتوجيهها إلى تيموثاوس يوجب عليه أن لا يترك لأحد سبيلاً بقوله أو سيرته إلى أن ينسب إليه عدم البلوغ في المعرفة والاختبار فيستخف بتعليمه أو سلطته وأن لا يستصغر نفسه حتى يخشى من أن يطلب من الناس أن يعتبروا تعليمه ويطيعوه. إن كثيراً من نصائح بولس لتيموثاوس تشير إلى أن شجاعة تيموثاوس كانت أقل مما اقتضته الواجبات عليه (٢تيموثاوس ١: ٨ و٢: ١ و٣ و٤: ٥).
لم يكن تيموثاوس حديث السن إلا بالنسبة إلى بولس وسائر الرسول ولعله أصغر من مشائخ كنيسة أفسس فإن قدّرنا أنه كان ابن خمس وعشرين سنة حين اختاره بولس رفيقاً في التبشير وكان مشهوداً له من الإخوة (أعمال ١٦: ٢) سنة ٥٢ ب. م قد مرّ عليه خمس عشرة سنة مبشراً فإذاً لم يكن سنّه يومئذ أقل من أربعين سنة.
بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أي كن أهلاً لأن يقتدي المؤمنون بك بجودة سيرتك في ما يأتي فهذا يحمل الناس على احترامك وعدم استهانتهم بحداثتك (انظر تفسير فيلبي ٣: ١١ و١تسالونيكي ١: ٧). وما كان واجباً على تيموثاوس في ذلك واجب على جميع المبشرين والرعاة فإن هذا مما أوجبه بولس عينه على نفسه (أعمال ٢٠: ١٨ و١٩ وفيلبي ٣: ١٧ و٤: ٩).
فِي ٱلْكَلاَمِ أي في التبشير أمام الجمهور وفي المخاطبات الشخصية.
فِي ٱلتَّصَرُّفِ أي السيرة الظاهرة التي بها يحكم الناس بما في الباطن فالذي يوجبه على الناس من التقوى بالكلام يجب أن يعلنه لهم بالفعل.
وإنك إذ ما تأتِ ما أنت آمرٌ به تُلفِ من إيّاه تأمر آتيا
وإن تصرّف الإنسان كما يوجبه الدين شهادة يومية بأن المسيح يحيا فيه. ويوافق ما ذُكر نصح بولس لتيطس بقوله «مُقَدِّماً نَفْسَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ ٱلْحَسَنَةِ» (تيطس ٢: ٧).
فِي ٱلْمَحَبَّةِ للإخوة وللجميع. وذكر الكلام على مظاهر المحبة بالتفصيل في (١كورنثوس ص ١٣).
فِي ٱلرُّوحِ أي في بساطة الروح وتواضعها وهدوئها ومسامحتها وبطوء غضبها. وعبارة «في الروح» خلا منها بعض النسخ القديمة.
فِي ٱلإِيمَان «ٱلإِيمَانُ ٱلْعَامِلُ بِٱلْمَحَبَّةِ» (غلاطية ٥: ٦). فتيموثاوس بإظهار ثقته بالله في كل الأحوال حمل غيره على الإيمان به تعالى. والإيمان والمحبة هما أسّ سائر الفضائل. وكلام الإنسان وأعماله دلالة على إيمانه ومحبته.
فِي ٱلطَّهَارَةِ أي القداسة التي تليق بالمؤمنين وكرر النصح لتيموثاوس بهذه الفضيلة في (ص ٥: ٢ و٢٢) وأمر بها مؤمني كورنثوس (٢كورنثوس ٧: ٦). وجرى بطرس على سننه في التوصية بها (١بطرس ٢: ٢٢). وهذه الفضيلة ضرورية جداً للراعي لكي تحترمه الرعية وتثق به.
١٣ «إِلَى أَنْ أَجِيءَ ٱعْكُفْ عَلَى ٱلْقِرَاءَةِ وَٱلْوَعْظِ وَٱلتَّعْلِيمِ».
إِلَى أَنْ أَجِيءَ هذا دليل على أن خدمة تيموثاوس في أفسس كانت وقتية وأنه كان نائباً فيها عن بولس. فإن بولس كان يتوقع الرجوع إلى تلك المدينة سريعاً وتنتهي حينئذ خدمة تيموثاوس فيها فيقوم بولس بها أو يكِلها إلى المشائخ (انظر ص ٣: ١٤ و١٥) ورأى أنه من الضروري في مدة غيبته أن يوصيه خصوصاً بثلاثة أمور تتعلق بخدمته للكنيسة.
ٱعْكُفْ عَلَى ٱلْقِرَاءَةِ القرينة تدل على أنه أراد «بالقراءة» تلاوة كلام الله على الجمهور في الاجتماعات الدينية. وكانت مما اعتادها اليهود في مجامعهم فإنهم كانوا يقرأون فيها كتب الناموس والأنبياء (لوقا ٤: ١٦ وأعمال ١٣: ١٥٩ ولا ريب في أنه أراد بها قراءة أسفار العهد القديم. وأمر بها لأن النفس تحتاج إلى القوت الروحي كما يحتاج الجسد إلى القوت المادي لكي تنمو في المعرفة وتستطيع أن تفيد غيرها. ويحتمل أنهم كانوا يقرأون يومئذ (أي سنة ٦٦ و٦٧ ب. م) بعض البشائر مع الناموس والأنبياء في الاجتماعات المسيحية فإننا نعلم مما كتبه يوستيانس الشهيد أنه كانت قراءة البشائر وبعض الرسائل من فروض العبادة الجمهورية في نصف القرن الثاني للميلاد. ويشير إلى أن المسيحيين كانوا يقرأون الرسائل في الكنيسة أيام بولس مما في (كولوسي ٤: ١٦ و٢بطرس ٣: ١٦).
وما قاله في شأن القراءة الجمهورية لا يمنع أنه يجب عليه أن يقرأ لنفسه ما يعينه على عمله الروحي من الكتب المقدسة وغيرها من الكتب الدينية المفيدة. وذكر بولس في رسائله ما أخذه من أقوال شعراء اليونان يدل على كونه قد ألفَ المطالعة للعلوم اليونانية وأنه أتى ذلك ليثبت تعاليمه الإنجيلية (أعمال ٢٧: ٢٨ وتيطس ١: ١٢).
وَٱلْوَعْظِ (انظر تفسير رومية ١٢: ٨). والمراد «بالوعظ» هنا مخاطبته ضمائر الناس ليحثهم على القيام بما يجب عليهم في الدين وأن يعملوا بمقتضى ما علموا.
وَٱلتَّعْلِيمِ (انظر تفسير رومية ١٢: ٧). «التعليم» هنا هو الخطاب الموجه إلى العقل والاحتجاج لإثبات العقائد المسيحية. ولعل الفرق بين الوعظ والتعليم إن الوعظ خاص ببعض الواجبات والتعليم عامٌّ كلها. وما يأتي يدل على أن الرسول قصد أن يكون كلاهما مبنيين على كلام الله.
١٤ «لاَ تُهْمِلِ ٱلْمَوْهِبَةَ ٱلَّتِي فِيكَ ٱلْمُعْطَاةَ لَكَ بِٱلنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي ٱلْمَشْيَخَةِ».
٢تيموثاوس ١: ٦ وص ١: ١٨ وأعمال ٦: ٦ و٨: ١٧ و١٣: ٣ و١٩: ٦ وص ٥: ٢٢ و٢تيموثاوس ١: ٦
لاَ تُهْمِلِ ٱلْمَوْهِبَةَ ٱلَّتِي فِيكَ نستنتج من هذا النهي ومن قوله له «أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِيكَ» (٢تيموثاوس ١: ٦). إن تيموثاوس كان مائلاً إلى التأمل والانفراد وتجنب مخالطة الشعب وحثّه إياه بأقواله ونصائحه. فقوله له «لا تهمل» الخ بمعنى لا تدع تلك الموهبة تضعف بعدم استعمالك إياها. والمراد «بالموهبة» هنا قوة روحية ونعمة خارقة العادة كالتي كانت تعطاها الأنبياء في أعصار الكنيسة الأولى (رومية ١٢: ٦ و١كورنثوس ١٢: ٤ و٩ و٢٨ و٣٠ و٣١ و١بطرس ٤: ١٠). وأُعطيها تيموثاوس يوم رُسم مبشراً (٢تيموثاوس ١: ٦) وتلك موهبة أهلته للتعليم وسياسة الكنيسة وغير ذلك مما يتعلق بالخدمة الرعوية.
ٱلْمُعْطَاةَ لَكَ بِٱلنُّبُوَّةِ أي بمقتضى نبوءة من الله (١كورنثوس ١٢: ٤ - ٦) فالمرجّح أن الروح القدس ألهم بعض المشائخ أو الأنبياء الذين حضروا رسامته أن يُعلن إرادة الروح القدس أن يهب لتيموثاوس نعمة خاصة إجابة لصلوات الحاضرين وإعداداً له للخدمة التي عُيّن لها كما فعل الروح القدس ببولس وبرنابا حين عُيّنا للخدمة الخاصة بمقتضى القصد الإلهي (أعمال ١٣: ٢).
مَعَ وَضْعِ أَيْدِي ٱلْمَشْيَخَةِ أي جمهور مشائخ الكنيسة إما في لسترة حين أتخذه بولس أولاً معيناً له (أعمال ١٦: ١ - ٣) وأما في أفسس بعد ذلك أو غيرها. وكان وضع الأيدي مقترناً بالصلاة وهو علامة التعيين للخدمة وبيان أن الذين وضعوا أيديهم اعتبروا الذي وضعوها عليه أهلاً لتلك الخدمة وأنهم صدقوا دعوة الله إياه إليها. وهكذا رسم الشمامسة (أعمال ٦: ٦). وتلك عادة أخذت عن الكنيسة اليهودية حين تعيين اللاويين وغيرهم من خدم الدين (ع ٨: ١٠ و٢٧: ١٨ وتثنية ٣٤: ٩). ولنا مما قيل في (٢تيموثاوس ١: ٦) أن بولس كان من الذين وضعوا أيديهم على تيموثاوس. ولا منافاة بين قوله هناك «الموهبة التي فيك بوضع يدي» وقوله هنا «بوضع أيدي المشيخة» لأن وضع يد بولس لا تمنع من أن المشائخ وضعوا أيديهم أيضاً. وكان وضع الأيدي شائعاً في طلب البركة على أحد الناس (تكوين ٤٨: ١٧ ومتّى ٢٩: ٨) فالظاهر مما هنا أن الكنيسة المسيحية اتخذت عادة اليهود بإقامة مجمع من شيوخ يرأسهم الرباني كما يظهر من (لوقا ٢٢: ٦٦ وأعمال ٢٢: ٥) لسياسة الكنيسة. والدليل على أن الكنيسة المسيحية اعتادت ذلك ما في (أعمال ٦: ٦).
١٥ «ٱهْتَمَّ بِهٰذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيْءٍ».
ٱهْتَمَّ بِهٰذَا أي بما ذُكر في (ع ١٣ و١٤) من الواجبات وسبب أنه طلب التفاته الخاص إليها القيام بما عليه وأن لا يستهين أحد بحداثته (ع ١٢).
كُنْ فِيهِ أي كن مواظباً عليه ومبتهجاً به متخذاً إياه عملاً خاصاً وليكن القيام به غاية حياتك.
لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيْءٍ ليثق كل الإخوة في الكنيسة بأنك تنمو في المعرفة والاختبار والتقوى. وفي هذا بيان أنه لا يمكنه أن يهتم بهذه الأمور ويواظب عليها وهو ينمو النمو الضروري له باعتبار كونه مسيحياً وراعياً وفي هذا تلويح إلى أنه لا يكون التقدم الواجب باطناً ما لم تكن علاماته ظاهرة.
١٦ «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَٱلتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذٰلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هٰذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضاً».
أعمال ٢٠: ٢٨ وحزقيال ٣٣: ٩ ورومية ١١: ١٤ و١كورنثوس ٩: ٢٢ ويعقوب ٥: ٢٠
لاَحِظْ نَفْسَكَ أي اعتن بصحة جسدك وعقلك واجتهد في أن تكون سيرتك على وفق تعليمك لكي لا تكون عثرة لأحد بل معيناً للجميع. وما قاله هنا يقوم بإطاعته لما جاء في (ع ١٢).
وَٱلتَّعْلِيمَ وهذا يتوقف على إطاعته ما ذُكر في (ع ١٣). فكان عليه ليقنع الناس بصحة تعليمه وينفعهم به أن يعتني بذلك التعليم ويكون أميناً فيه حتى لا يتأخر أن يخبرهم بكل مشورة الله (أعمال ٢٠: ٢٧).
إن ملاحظة المبشر سيرته وتعليمه ضرورية لنجاحه في عمله فلا يكفي أن يكون سلوكه مستقيماً ما لم يكن تعليمه صحيحاً ولا نفع من تعليمه ما لم تكن سيرته على وفق هذا التعليم.
دَاوِمْ عَلَى ذٰلِكَ أي على ما سبق في هذه الآية فعلى الراعي أن لا يكلّ ولا ييأس وأن يزاول مطالعة كتاب الله والعمل بمقتضاه ما دام حياً. وهذا موافق لما قاله في (٢تيموثاس ٣: ١٤).
إِذَا فَعَلْتَ هٰذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ في يوم الرب أي تنال الحياة الأبدية. وليس المراد بهذا أن خلاصه متوقف على عمله بل إن أمانته لربه تكون برهاناً على أنه قد نال الخلاص (انظر حزقيال ٣٣: ٩ ويعقوب ٥: ٢٠).
ًوَٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضا بإرشادك إياهم إلى الإيمان بالمسيح والطاعة له بسيرتك وبتعليمك إياهم كلام الله. وليس المراد أن يكون هو واسطة خلاص كل من يسمعه بل خلاص كثيرين منهم. فأعظم ثواب للمبشر بعد مدح المسيح إيّاه أن يكون واسطة خلاص الناس من جهنم وبلوغهم الأفراح السماوية. فكل من طلب خلاص غيره يعتني بخلاص نفسه ومن لا يطلب إلى المسيح خلاص نفسه أولاً فهو عاجز عن أن يخلص غيره.


اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ


وصايا تتعلق بسياسة الكنيسة. منها ما يتعلق بمعاملة الشيوخ والأحداث من المؤمنين رجالاً ونساء (ع ١ و٢). وما يتعلق بالأرامل (ع ٣ - ١٦). ووجوب أن يقوم أعضاء الكنيسة بنفقات مدبريها (ع ١٧ و١٨). وما يتعلق بقبول دعوى على شيخ (ع ١٩). وأن يوبخ المجرمون جهاراً بلا استثناء (ع ٢٠). وحثّ شديد على مراعاة ذلك (ع ٢١). وتحذير تيموثاوس من أن يرسم أحداً لخدمة الكنيسة بعجلةٍ (ع ٢٢) ووجوب مداراته صحته واتخاذ الوسائل إلى ذلك (ع ٢٣) والتمييز بين الخطايا بأن بعضها ظاهر منذ ارتكابه وغيره مخفي إلى يوم الدين. وأنه يجب أن لا يسرع إلى الحكم على الناس بمقتضى الظاهر بل أن يحترس على الحكم بلا تروٍ (ع ٢٤ و٢٥).
ما يتعلق بمعاملة الناس بالنظر إلى السن ع ١ و٢


١ «لاَ تَزْجُرْ شَيْخاً بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ، وَٱلأَحْدَاثَ كَإِخْوَةٍ».
لاويين ١٩: ٣٢
لاَ تَزْجُرْ شَيْخاً أي لا تخاطبه بجفاء. والمراد «بالشيخ» هنا الطاعن في السن لا ذي الرتبة في الكنيسة فإن ذوي الرتبة تكلم عليهم في (ع ١٧). والدليل على أن مراده كبير السن مقابلته بالأحداث في الآية نفسها.
بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ أي أنه إذا ارتكب المتقدم في السن ذنباً أو قصّر في ما يجب عليه فلا تسمح أن تدفعك غيرتك للحق إلى شدة التوبيخ له ولا تعاتبه على ذنبه جهاراً بل تكلم معه على انفراد بغية إصلاحه كابن ٍيتكلم مع أبيه.
وَٱلأَحْدَاثَ كَإِخْوَةٍ المراد «بالأحداث» صغار السن من مؤمني كنيسة أفسس والمعنى عظ يا تيموثاوس الأحداث الخ ولا توبخهم باعتبار كونك رئيسهم الروحي وأعلى منهم مقاماً وسناً بل خاطبهم بالحنو واللطف كالأخ لإخوته في البيت المساوي له في المقام.
٢ «وَٱلْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ، وَٱلْحَدَثَاتِ كَأَخَوَاتٍ، بِكُلِّ طَهَارَةٍ».
وَٱلْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ أي وعظ المتقدمات في السن كما تعظ الشيوخ في إظهار اللطف والحنو في الخطاب كما يخاطب الابن أمه.
وَٱلْحَدَثَاتِ كَأَخَوَاتٍ الخ أي وعظ صغيرات السن وأنت تتلطف بهن كما يتلطف الأخ بأخته. وكونه حديث السن جعله عرضة للتجربة ولذلك أوصاه بولس بالطهارة أي أن لا يترك سبباً لظن السوء فيه. فعدم العفة بين الوثنيين وغيرهم في أفسس يومئذ لوجب عليه زيادة الاحتراس من أسباب ذلك الظن. و «الطهارة» الواجبة هنا طهارة الفكر والقول والعمل فإن بداءة تجاوز العفة الفكر الرديء كما علم المسيح في (متّى ٥: ٢٣).

معاملة الأرامل ع ٣ إلى ٨


٣ «أَكْرِمِ ٱلأَرَامِلَ ٱللَّوَاتِي هُنَّ بِٱلْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ».
ع ٥ و١٦
أَكْرِمِ ٱلأَرَامِلَ إكراماً خاصاً غير الإكرام المعتاد للأرامل اللاواتي لهن أقرباء وغير محتاجات. والقرينة تدل على أن المراد بإكرامهن كتابة أسمائهن في دفاتر صدقات الكنيسة للنفقة عليهم بدليل قوله «لتكتتب الأرملة» الخ (ع ٩).
ٱللَّوَاتِي هُنَّ بِٱلْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ فسر معنى هذا في (ع ١٤) وبيّن أنه أراد بهن اللواتي في حاجة إلى النفقة وليس لهن من يعتني بهن تمييزاً لهن عن اللواتي مات بعولتهن وأقرباؤهن قادرون على النفقة عليهن لكنهم أرادوا أن يلقوا عنهم أثقالهن على الكنيسة كما يظهر من (ع ٤). وذُكر في هذا الفصل ثلاثة أنواع من الأرامل:

  • الأول: اللواتي يجب على الكنيسة أن تقوم بحاجاتهن لكونهن بائسات بلا مساعد (ع ٤ - ٨).
  • الثاني: الأرامل المحتاجات القادر أقرباؤهنّ على القيام بنفقاتهن.
  • الثالث: الأرامل اللواتي يجب على الكنيسة أن تقوم بنفقاتهنّ بناء على خدمتهنّ لها وأهليتهنّ لتلك الخدمة فضلاً عن كونهنّ محتاجات تمييزاً لهنّ عن اللواتي لسن أهلاً لذلك.


٤ «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَتْ أَرْمَلَةٌ لَهَا أَوْلاَدٌ أَوْ حَفَدَةٌ، فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلاً أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ ٱلْمُكَافَأَةَ، لأَنَّ هٰذَا صَالِحٌ وَمَقْبُولٌ أَمَامَ ٱللّٰهِ».
تكوين ٤٥: ١٠ و١١ ومتّى ١٥: ٤ وأفسس ٦: ١ و٢ وكولوسي ٣: ٢٠ ص ٢: ٣
يظهر من أعمال ١٦ و٢ أن الكنيسة الأولى كانت تعتني بالأرامل اعتناء خاصاً وتنفق عليهنّ واعتاد ذلك المؤمنون في كل مكان وزمان. ولكن كان في كنيسة أفسس أرامل لهنّ أقرباء قادرون على إعالتهنّ فبدلاً من أن يعولوهنّ كلفوا الكنيسة بنفقاتهنّ. فأمر الرسول بما أمر به هنا منعاً من أن تكون أثقال الكنيسة أعظم مما تستطيع حمله ومما أوجب عليها.
لَهَا أَوْلاَدٌ أَوْ حَفَدَةٌ، فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلاً أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ المراد «بأهل البيت» هنا كل سكانه من الطفل إلى الجدة العجوز. والمراد «بتوقير أهل البيت» تقديم الإكرام الذي أمر الله به لهم في الوصية الخامسة وذلك لا يكون إلا بالقيام بنفقتهم. وقال «أولاً» إما لأن ذلك أول الواجبات وإما لأنه يجب أن يؤتى قبل طلب مساعدة الكنيسة.
وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ ٱلْمُكَافَأَةَ أي أن ينفقوا على والديهم العاجزين مقابلة لما أنفقه الوالدون عليهم وهم صغار عاجزون.
لأَنَّ هٰذَا صَالِحٌ أي لائق بالطبع وبشهادة كل عقلاء الناس.
مَقْبُولٌ أَمَامَ ٱللّٰهِ الذي أمر الأولاد بقوله «أكرم أباك وأمك» (تكوين ٢٠: ١٢). وقرن هذا الأمر بوعد خاص لمطيعيه (أفسس ٦: ١٢ ومرقس ٧: ١٠ و١٣). ولا شك أنه في تلك الأيام إذ لم يكن دين المسيح قد أثر كثيراً في العالم ترك كثيرون من الأولاد والديهم العاجزين يموتون جوعاً وبلا عزاء.
٥ «وَلٰكِنَّ ٱلَّتِي هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ أَرْمَلَةٌ وَوَحِيدَةٌ، فَقَدْ أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى ٱللّٰهِ، وَهِيَ تُواظِبُ عَلَى ٱلطِّلْبَاتِ وَٱلصَّلَوَاتِ لَيْلاً وَنَهَاراً».
١كورنثوس ٧: ٣٢ ولوقا ٢: ٣٧ و١٨: ١ وأعمال ٢٦: ٧
بِٱلْحَقِيقَةِ أَرْمَلَةٌ وَوَحِيدَةٌ أي ليس لها من ولد ولا حفيد فضلاً عن موت زوجها وفقرها. وهذا وصف أحوالها الظاهرة لا وصف سجاياها. وأراد بولس أن الكنيسة تعول مثل هذه شفقة عليها وإكراماً لله كما يوضح الجزء الأخير من (ع ١٦).
أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى ٱللّٰهِ هذا وصف سجاياها أو صفاتها الخاصة. وذكر أرملة واحدة مثالاً لسائر الأرامل التي يجب على تيموثاوس أن يعتني بها اعتناء خاصاً. فإن مثل هذه الأرملة المؤمنة ليس لها من أقرباء يعتنون بها فتلقي رجاءها على صديقها الأزلي وتتوقع مساعدته بواسطة كنيسته.
وَهِيَ تُواظِبُ عَلَى ٱلطِّلْبَاتِ الخ كما قيل في حنة بنت فنوئيل (لوقا ٢: ٣٦ و٣٧) فتظهر كل أفكارها واحتياجها لله كالصديق مع الصديق وهي تستحق مساعدة الكنيسة لأن الكنيسة تستفيد بصلواتها أحسن الفوائد.
٦ «وَأَمَّا ٱلْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ».
يعقوب ٥: ٥
وَأَمَّا ٱلْمُتَنَعِّمَةُ كالمذكورين في (يعقوب ٥: ٥). التي بدلاً من أن تكون ممتازة بتقواها وصلواتها تعتني بتحصيل الخيرات الأرضية واللذات الدنيوية.
فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ على وفق قوله «إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رومية ٨: ١٣). وقول المسيح لملاك كنيسة ساردس «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ» (رؤيا ٣: ١). فأما الأرملة الحيّة فقد ماتت عن العالم وشهواته وحييت لله وأما المتنعمة فقد ماتت عن واجباتها لله وأفراح السماء. فلا علاقة بين هذه والكنيسة، والكنيسة غير مكلفة بالنفقة عليها باعتبار كونها عضواً منها.
٧ «فَأَوْصِ بِهٰذَا لِكَيْ يَكُنَّ بِلاَ لَوْمٍ».
ص ١: ٣ و٤: ١١ و٦: ١٧
فَأَوْصِ بِهٰذَا يمكن أن يكون هذا متلعقاً بالآية الثالثة فيكون مختصاً بواجبات الأرامل وأن يكون متعلقاً بالآية الرابعة والآية الخامسة فيكون مختصاً بواجبات الأولاد والحفدة. والأولى أن تُعلق بالآية الثالثة إذ تكلم كلاماً خاصاً في أمر الأولاد والحفدة في الآية الثامنة فيكون المعنى أوص بما يجب على الأرامل.
لِكَيْ يَكُنَّ بِلاَ لَوْمٍ أي ليكن ممتازات بإنكار النفس وإتمام الواجبات الدينية وسيرة التقوى والإيمان والصلاح.
٨ «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ ٱلإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِ».
إشعياء ٥٨: ٧ وغلاطية ٦: ١٠ ٢تيموثاوس ٣: ٥ وتيطس ١: ١٦ متّى ١٨: ١٧
هذا الكلام موجّه إلى من يدّعون أنهم مؤمنون ويعترفون بقبولهم قواعد الإنجيل ولكنهم يتوقعون الخلاص بدون إنكار النفس والأعمال الحسنة فيتركون أقرباءهم البائسين وهم قادرون على مساعدتهم ومن هؤلاء الأولاد والحفدة المذكورون في (ع ٣) ومن أشبههم.
بِخَاصَّتِهِ أي أقربائه عموماً.
وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ كالوالدين والجدة والإخوة والأخوات وهم فقراء عاجزون.
فَقَدْ أَنْكَرَ ٱلإِيمَانَ أي الدين المسيحي الذي أمر بالعقائد التي يعتقدها والأعمال التي يجب أن يعملها ولا يقوم ذلك الدين إلا بالأمرين لأن الإيمان الحق هو «ٱلإِيمَانُ ٱلْعَامِلُ بِٱلْمَحَبَّةِ» (غلاطية ٥: ٦). «إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ ٱلْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَـهُمَا أَحَدُكُمُ: «ٱمْضِيَا بِسَلاَمٍ، ٱسْتَدْفِئَا وَٱشْبَعَا» وَلٰكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ ٱلْجَسَدِ، فَمَا ٱلْمَنْفَعَةُ؟ هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ» (يعقوب ٥: ١٥ - ١٧ انظر أيضاً ١يوحنا ٣: ١٧ و٤: ٢١).
وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِ لأن الوثنيين أوجبوا في كتبهم الأدبية الاعتناء بفقراء الأقرباء فالذي يدعي أنه تلميذ المسيح الذي ترك السماء ونزل إلى الأرض لخدمة البائسين إذا ترك ما يجب عليه من الشفقة على الفقراء والمحبة لهم والإحسان إليهم فخطيئته أعظم من خطيئة الوثني الذي يترك ذلك.

وصايا تتعلق بالأرامل اللواتي هنّ شماسات ع ٩ إلى ١٦


٩ «لِتُكْتَتَبْ أَرْمَلَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، ٱمْرَأَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ».
لوقا ٢: ٣٦ وص ٣: ٢
لِتُكْتَتَبْ أَرْمَلَةٌ في دفتر الكنيسة إنها مستحقة أن تنفق عليها إما لفقرها وإما لكونها خادمة الكنيسة كفيبي وغيرها من الشماسات ولعل منهم برسكلاّ زوجة أكيلا وليديا المؤمنة الأولى في فيلبي. والذي يرجح أن علة اكتتابها كونها شماسة لا بائسة أن الشرط المذكور في الآية يوافق أنها شماسة لأن الأرملة التي سنها أقل من سن الستين وهي بائسة وليس لها قريب يعتني بها تحتاج إلى المساعدة كالتي في سن أكثر من ستين. والشرط المذكور عليها من أنها ربت أولاداً وأضافت الغرباء وغسلت أرجل القديسين وساعدت المتضايقين. إذا لم تمكنها الأحوال من القيام به لا يقتضي أن يحرمها الإحسان إذا كانت بائسة. ويعسر علينا أن نفهم كيف اشتُرط عليها أن تكون امرأة رجل واحد حتى تستحق الإحسان إذا كانت بائسة لا شماسة. ولكن إذا حكمنا بأن الأرملة هنا الأرملة التي عُينت لخدمة الكنيسة رأينا أسباب كل الشروط المذكورة هنا لأنها هي التي تؤهلها لأن تعلم النساء وتعتني بالمرضى واليتامى. ومن الواضع أن أحوال الكنيسة في العصر الأول أو بعد نحو ثلاثين سنة من تأسيسها في البلاد الشرقية استلزمت نوع خدمة لا يستلزمها عصر آخر في غير تلك البلاد.
إِنْ لَمْ يَكُنْ عُمْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ لئلا تكون عرضة للظنة في جولانها من بيت إلى آخر بغية التبشير أو فعل الخير. ومن كانت في سن الستين أو ما فوقه يحترمها من تعلمه وتكون أفكارها موجهة إلى القيام بخدمتها الدينية غير موجهة إلى الزيجة فتكون قادرة على أن تنفع بسبب اختبارها.
ٱمْرَأَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كما شُرط على الأسقف «أن يكون بعل امراة واحدة» (فارجع إلى تفسير ص ٣: ٢). وفائدتها أن تخدم الكنيسة وتبشر النساء وهي تستلزم أن يكون اسمها وزوجها حي حسناً بلا لوم. ولكنها إذا كانت قبل أن تؤمن قد تصرّفت تصرّف نساء ذلك العصر في أمر الزيجة والطلاق لم يوافق أن تكون شماسة. ولا شيء في هذا يمنع المرأة من الزيجة ثانية لأن بولس نصح فتيّات الأرامل أن تتزوج.
١٠ «مَشْهُوداً لَهَا فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، إِنْ تَكُنْ قَدْ رَبَّتِ ٱلأَوْلاَدَ، أَضَافَتِ ٱلْغُرَبَاءَ، غَسَّلَتْ أَرْجُلَ ٱلْقِدِّيسِينَ، سَاعَدَتِ ٱلْمُتَضَايِقِينَ، ٱتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ».
أعمال ١٦: ١٥ وعبرانيين ١٣: ٢ و١بطرس ٤: ٩ وتكوين ١٨: ٤ و١٩: ٢ ولوقا ٧: ٣٨ و٤٤ ويوحنا ١٣: ٥ و١٤
مَشْهُوداً لَهَا فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ (انظر تفسير ص ٣: ٧) وهذا شرط ضروري للنفع فإنه يجب عليها فضلاً عن كونها بلا لوم ممن هم خارج الكنيسة أن تكون مشهورة بمساعدتها للمصابين والمتعبين حولها.
قَدْ رَبَّتِ ٱلأَوْلاَدَ على أحسن أسلوب أولادها كانوا أم أولاد غيرها ممن وُكل إليها تهذيبهم. لأنه من واجبات الشماسات أن يعتنين بالأولاد اليتامى فيلبق أن تكون محبة للأولاد وأن تُسر بقيامها بالواجبات التي تقتضيها تربيتهم.
أَضَافَتِ ٱلْغُرَبَاءَ هذا مما عدّه الكتاب فضيلة (انظر تفسير ص ٣: ٢ ورومية ١٢: ١٣ وتيطس ١: ٨ وعبرانيين ١٣: ٢).
غَسَّلَتْ أَرْجُلَ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا مما يتعلق بإضافة الغرباء اقتضته عوائد العصور الخالية (تكوين ١٨: ٤) وهو علامة التواضع (لوقا ٧: ٤٤ ويوحنا ١٣: ١ - ١٠ انظر تفسيرهما).
ولا دليل على أن ذلك كان من الفروض الدينية. ولا يليق بالمرأة المسيحية أن تحسبه إهانة لها إذا اقتضته الحال في كل زمان ومكان.
سَاعَدَتِ ٱلْمُتَضَايِقِينَ بلطفها وحنّوها ونصائحها علاوة على مساعدتها إياهم بالمال إذا اقتضتها الحال. فإن من قامت بما ذُكر تكون قد بينت أنها أهل لأن تَكِل إليها الكنيسة الاعتناء بالفقراء والمرضى.
ٱتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ هذا خلاصة الصفات المطلوبة في الشماسات فعليها أن تكون مستعدة لإنكار نفسها وإظهار لطفها لكل من يحتاج إليه بأعمال وعطايا وصلوات. فيجب أن يسأل عن سيرتها الماضية قبل أن تُعيّن شماسة حتى يتحقق أنها تكون نافعة في المستقبل.
١١ «أَمَّا ٱلأَرَامِلُ ٱلْحَدَثَاتُ فَٱرْفُضْهُنَّ، لأَنَّهُنَّ مَتَى بَطِرْنَ عَلَى ٱلْمَسِيحِ يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ».
أَمَّا ٱلأَرَامِلُ ٱلْحَدَثَاتُ فَٱرْفُضْهُنَّ أي لا ترض أن تكتبهن في دفتر الشماسات إذا طلبن ذلك. فليس المراد أن ينهاه الإحسان إليهن إذا كن محتاجات. ومراده «بالحدثات» من كنّ في سن أقل من الستين (ع ٩).
بَطِرْنَ عَلَى ٱلْمَسِيحِ هذا علة أمره برفض كتابتهن في دفتر الشماسات لأنه خاف أن تغلبهن التجارب الدنيوية فتفتر محبتهم للمسيح وتوقع عليهن اللوم الذي وقع على ملاك كنيسة أفسس وهو قول المسيح «لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ ٱلأُولَى» (رؤيا ٢: ٤).
يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ فإنهم يقابلن أحوالهن بأحوال المتزوجات فيذكرن راحتهن السابقة فيستثقلن الخدمة الكنسية فيفضلن الزيجة عليها وهذا لا يستلزم أن زيجتهن خطيئة أو أنهن نذرن العزوبة ولكن قبولهن تلك الخدمة يتضمن أنهم يبقين ممارسات لها فلا تسمح لهن أن يتزوجن ويخدمن بيوتهن أيضاً.
١٢ «وَلَـهُنَّ دَيْنُونَةٌ لأَنَّهُنَّ رَفَضْنَ ٱلإِيمَانَ ٱلأَوَّلَ».
وَلَـهُنَّ دَيْنُونَةٌ أي يعرضن أنفسهن للوم بأنهن «وضعن أيديهن على المحراث والتفتن إلى الوراء» (لوقا ٩: ٦٢).
لأَنَّهُنَّ رَفَضْنَ ٱلإِيمَانَ ٱلأَوَّلَ أي رجعن عما كان لهن من بساطة الإيمان وشدته عندما ترمّلن فإنهن كن حينئذ غير مباليات بالأمور العالمية ولم يفتكرن في الزيجة فدخلن في خدمة مبنية على الإيمان ووقفن أنفسهن لخدمة الكنيسة فإذا تركن تلك الخدمة وطلبن الزيجة والرجوع إلى الخدمة البيتية صحّ عليهن قوله «رفضن الإيمان الأول». قال الرسول «لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ» (عبرانيين ١٣: ٤). ويستثنى من ذلك من وقفوا أنفسهم لخدمة تمنعهم من الزواج.
١٣ «وَمَعَ ذٰلِكَ أَيْضاً يَتَعَلَّمْنَ أَنْ يَكُنَّ بَطَّالاَتٍ، يَطُفْنَ فِي ٱلْبُيُوتِ. وَلَسْنَ بَطَّالاَتٍ فَقَطْ بَلْ مِهْذَارَاتٌ أَيْضاً، وَفُضُولِيَّاتٌ، يَتَكَلَّمْنَ بِمَا لاَ يَجِبُ».
٢تسالونيكي ٣: ١١
في هذه الآية علة أخرى لعدم كتابة حدثات الأرامل شماسات.
يَتَعَلَّمْنَ أَنْ يَكُنَّ بَطَّالاَتٍ خاف من أنهن يكسلن عن الأعمال الشاقة التي تقتضيها خدمة الكنيسة لحداثتهن واتكالهن على نفقتها.
يَطُفْنَ فِي ٱلْبُيُوتِ لغير الخدمة الواجبة. فإنهن قبل أن ترملن كانت خدمتهن لأزواجهن وبيوتهن تمنعهن عن الطواف ولكنهنّ إذا عيّنت الكنيسة لهن نفقة وهنّ غير مكلفات بالأعمال اليدوية خاف أن يشغلن الوقت بالطواف في البيوت بلا نفع.
بَلْ مِهْذَارَاتٌ كثيرات الكلام غير النافع فإنه من الطمع أن عمل اللسان يزيد على قدر قلة عمل اليد. فإنهنّ بذلك ينقلنّ الأحاديث الفارغة والأمور البيتية من بيت إلى آخر في طوافهنّ.
فُضُولِيَّاتٌ (انظر تفسير ٢تسالونيكي ٣: ١١).
يَتَكَلَّمْنَ بِمَا لاَ يَجِبُ أي بدلاً من أن يعلّمنَ الأمور الدينية يتعرّضن لإشاعة أمور الناس السرّية والغلو في الكلام والنمائم وما يهيج الخصومات والرّيب الضارة للسلام.
١٤ «فَأُرِيدُ أَنَّ ٱلْحَدَثَاتِ يَتَزَوَّجْنَ وَيَلِدْنَ ٱلأَوْلاَدَ وَيُدَبِّرْنَ ٱلْبُيُوتَ، وَلاَ يُعْطِينَ عِلَّةً لِلْمُقَاوِمِ مِنْ أَجْلِ ٱلشَّتْمِ».
١كورنثوس ٧: ٩ وص ٦: ١ وتيطس ٢: ٨
من الواضح أن التي عُرضت لمثل هذه التجارب لا يليق بالكنيسة أن تكل إليها خدمة الإنجيل بين النساء والأولاد وتقوم بنفقتها.
فَأُرِيدُ بمقتضى وحي الروح القدس. وهذه النصيحة مبنية على اختبار الرسول الطبع البشري فضلاً عن كونها من وحي الله.
أَنَّ ٱلْحَدَثَاتِ يَتَزَوَّجْنَ أي أنه يريد أن حدثات الأرامل يتزوجن ثانية حين تكون الأحوال مناسبة بدلاً من أن يُكتبن شماسات يعشن من نفقات الكنيسة بشرط أن يتزوجن في الرب كما في (١كورنثوس ٧: ٣٩) وهذا نصح لا أمر. وعلة تقديمه هذا النصح هي دفع أن يكنّ عرضة لتجارب أحوالهن.
وَيَلِدْنَ ٱلأَوْلاَدَ فيشتغلن بأمور بيوتهن وتربية أولادهن.
وَيُدَبِّرْنَ ٱلْبُيُوتَ كما تقتضيه أحوال المتزوجات كخدمة أزواجهن وبذلك يكرمن دين المسيح بدلاً من أن يعبنه. ولا منافاة بين ما قيل هنا وما قيل في (١كورنثوس ٧: ٣٩) لأن الكلام هناك مبني على أحوال محلية وقتية.
وَلاَ يُعْطِينَ عِلَّةً بكلامهنّ وأعالهنّ.
لِلْمُقَاوِمِ للمسيح ودينه كالملحد والوثني بإرشاد الشيطان الذي هو أول المقاومين. فإنه لا يخلو عصر من أناس يترقبون الفرص ليعيبوا الدين المسيحيي وأهله فإذا رأوا سقوط مسيحيّة اتخذوا ذلك برهاناً على فساد دين المسيح فلا يقبلونه. فيجب على كل مسيحي أن يحترس دائماً من أن يترك سبيلاً لإهانة اسم المسيح.
مِنْ أَجْلِ ٱلشَّتْمِ للمسيح وكنيسته وهذا «الشتم» هو بغية المقاوم.
١٥ «فَإِنَّ بَعْضَهُنَّ قَدِ ٱنْحَرَفْنَ وَرَاءَ ٱلشَّيْطَانِ».
فَإِنَّ بَعْضَهُنَّ أي بعض حدثات الأرامل. وهذا القول مبني على اختباره وهو في أفسس أو على نبإ بلغه بعد أن برحها.
ٱنْحَرَفْنَ وَرَاءَ ٱلشَّيْطَانِ بدلاً من أن يتبعنّ المسيح ويسرن في طريق إنكار الذات والطريق الضيقة التي أوصى بالسير فيها. والمعنى أنهنّ وقعن إما في التجارب المذكورة آنفاً أو أنهن تزوجن وثنيين واعتزلن الكنيسة. وذكر سقوطهنّ تحذيراً لتيموثاوس من أن يعيّن أمثالهنّ لخدمة الكنيسة. ولم يذكر أسماء أولئك الأرامل اعتماداً على معرفة تيموثاوس إياهنّ.
١٦ «إِنْ كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ أَرَامِلُ فَلْيُسَاعِدْهُنَّ وَلاَ يُثَقَّلْ عَلَى ٱلْكَنِيسَةِ، لِكَيْ تُسَاعِدَ هِيَ ٱللَّوَاتِي هُنَّ بِٱلْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ».
ع ٣ و٥
إِنْ كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ أَرَامِلُ من أخوات أو نساء إخوة أو بنات عمّ أو خال الخ ممن يجب أن ينفق عليهنّ. وقوله هنا أعمّ من قوله في (ع ٤ و٨) وهو مقصور على حدثات الأرامل.
فَلْيُسَاعِدْهُنَّ بأن يقوم بنفقاتهن بدلاً من أن يلقيها على الكنيسة.
لِكَيْ تُسَاعِدَ... هُنَّ بِٱلْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ أي المحتاجات حقيقة ولا معين لهنّ. وقال هذا بناء على المسلّم من أنه لا تخلو الكنيسة من مثل هؤلاء الأرامل أبداً وعلى أن تقوم الكنيسة مقتدية بالمسيح بنفقاتهن والاعتناء بهن. وكان القيام بهذه الواجبات شرف الكنيسة المسيحية في كل عصورها.

ما يجب على الكنيسة لشيوخها ع ١٧ و١٨


١٧ «أَمَّا ٱلشُّيُوخُ ٱلْمُدَبِّرُونَ حَسَناً فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي ٱلْكَلِمَةِ وَٱلتَّعْلِيمِ».
رومية ١٢: ٨ و١كورنثوس ٩: ١٠ و١٤ وغلاطية ٦: ٦ وفيلبي ٢: ٢٩ و١تسالونيكي ٥: ١٢ و١٣ وعبرانيين ١٣: ٧ و١٧ وأعمال ٢٨: ١٠
أبان الرسول ما يجب على الشيوخ في (ص ٣: ١ - ٧). وما يجب على الشمامسة في (ص ٣: ٨ - ١٣). وما يجب على الشماسات في (ص ٥: ٣ - ١٦). وأخذ هنا يتكلم في ما يجب على الكنيسة للشيوخ الذين هم رفقاء تيموثاوس في خدمة كنيسة أفسس.
ٱلشُّيُوخُ وسمّوا أيضاً أساقفة وقسوساً وهم رؤساء الكنيسة الروحيون وهذا الاسم مأخوذ من اسم رؤسا مجامع اليهود (متّى ١٥: ٢ وأعمال ١١: ٣٠ و١٥: ٢). والمرجح أنهم سموا أولاً شيوخاً مراعاة لسنهم ثم سموا كذلك باعتبار مقامهم وأعمالهم. وكانت سلطة تيموثاوس كسلطة الرسول وقتئذ لأنه نائبه.
ٱلْمُدَبِّرُونَ حَسَناً الذين تبرهن من أعمالهم أنهم أهل لأن يراعوا كنيسة المسيح بالتعليم والتبشير والترتيب والسياسة وإجراء كل أمورها على مقتضى حاجاتها. ونعت الشيوخ «بالمدبرين» هنا وفي (تيطس ١: ٥ و٧ و١بطرس ٥: ١) إشارة إلى القيام بما يجب عليهم.
والمرجّح أن كنيسة أفسس وسائر الكنائس بين الأمم نُظمت على صورة الكنيسة المسيحية في أورشليم وهي على هيئة مجمع اليهود.
فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ أي إلى حد بعيد من الإكرام والاحترام كما يحق لهم بالنظر إلى سنهم ومقامهم وعملهم (١تسالونيكي ٥: ١٢ و١٣). ويشتمل هذا الإكرام على الاستعداد للقيام بنفقاتهم كما يتبين من الآية التالية. ومن المعلوم البيّن أن الذين بذلوا أوقاتهم وقواهم في خدمة الكنيسة معتزلين أعمالهم الشخصية الوافية بأسباب المعاش يستحقون أن تعوّض الكنيسة عليهم على قدر أتعابهم فيها وما تركوه لأجلها. فإذا وقفوا كل أوقاتهم لخدمة الكنيسة عليهم على قدر أتعابهم فيها استحقوا النفقة الكاملة وإذا وقفوا لها بعض أوقاتهم استحقوا بعض النفقة (١كورنثوس ٩: ١٣ و١٤).
وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ الخ نستنتج من ذلك أن الشيوخ صنفان أحدهما الرعاة والمبشرون بالكلمة ومعلموها الذين يبينون الواجبات ويحثون على القيام بها ويمارسون سرَّي الكنيسة فهؤلاء غلب أن يقفوا كل أوقاتهم لخدمة الكنيسة وكانوا يستحقون الاعتبار الخاص والنفقة الكافية. والآخر هم الذين لم يكونوا مبشرين بالكلمة ومعلميها بل كانوا معينين للرعاة على سياسة الكنيسة وعلى الحكم للمستحقين الشركة فيها وعلى توزيع الخبز والخمر في العشاء الرباني وسمع الدعاوي بين الإخوة وتبرئة البريء والحكم على المذنب وتعيين التأديب الذي يستحقه ويغلب أن تكون واجباتهم للكنيسة غير كافية لتمنعهم عن تحصيل أسباب المعاش لهم ولبيوتهم (١تيموثاوس ٤: ١٧ ورومية ١٢: ٧ و٨ و١كورنثوس ١٢: ٢٨). وهذه الآية من الآيات التي بُنيت عليها الكنيسة المشيخية في أميركا وسورية وغيرها لها شيوخ واعظون ويسمون قسوساً ورعاة أيضاً وشيوخ مدبرون وشمامسة.
١٨ «لأَنَّ ٱلْكِتَابَ يَقُولُ: لاَ تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً، وَٱلْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ».
تثنية ٢٥: ٤ و١كورنثوس ٩: ٩ ولاويين ١٩: ١٣ وتثنية ٢٤: ١٤ و١٥ ومتّى ١٠: ١٠ ولوقا ١٠: ٧
أبان الرسول في هذه الآية وجوب أن تقوم الكنيسة بنفقة رعاتها بإيراد قول الكتاب المقدس في أمر البهائم التي تدرس الحبوب بالنورج الذي تجره فإن الله اعتنى بتغذيتها بأمر أصحابه بتركها تشترك في نتائج أتعابها وأوضح أنه إذا كان الله اعتنى بالبهائم فبالأولى أنه يعتني بالبشر الذين يتعبون بأمانة وغيرة بغية نفع إخوتهم فيجب على الكنيسة أن تسخو عليهم وتكرمهم على قدر استحقاهم. وما أورده هنا من العهد القديم في (تثنية ٢٥: ٤) وفسرّه الرسول في (١كورنثوس ٩: ٨ - ١٠).
ٱلْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ هذا مقتبس من (تثنية ١٧: ٦ و١٩: ١٥) وكان قانون الكنيسة اليهودية وهو قانون الكنيسة المسيحية أيضاً. والغرض منه المنع من الظلم وتأييد العدل. واقتُبس أيضاً في (يوحنا ٨: ١٧ و٢كورنثوس ١٣: ١ ويعقوب ٤: ١). ولا يستلزم النهي هنا أن تيموثاوس وحده الحكم في ذلك فالمرجّح أن الحاكم مجمع الشيوخ وأن تيموثاوس رئيسه وأن لرأيه قبولاً عظيماً فيه حتى يستطيع أن يبطل الشكاية الناشئة عن الحسد ولا إثبات لها.

الشكاية على شيخ ع ١٩


١٩ «لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ».
تثنية ١٩: ١٥
لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ المراد «بالشيخ» هنا الرئيس الروحي المسمى أيضاً بالقسيس والأسقف. أراد بولس أن يوصي نائبه بوجوب حفظ كرامة القسوس والرعاة بعدما أوصى بقيام الكنيسة في أسيا بنفقاتهم ولذلك أمر بأن العدل إذا شُكي عليهم بسوء تعليم أو عمل ونهي أن يُحكم عليه حكماً ناشئاً عن حسد أو تحزب أو سوء فهم كما كان في كنائس ذلك العصر (١كورنثوس ١: ١١ و١٢).
إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ هذا مقتبس منه (تثنية ١٧: ٦ و١٩: ١٥). وكان قانون الكنيسة اليهودية وهو قانون الكنيسة المسيحية أيضاً. والغرض منه المنع من الظلم وتأييد العدل. واقتُبس أيضاً في (يوحنا ٨: ١٧ و٢كورنثوس ١٣: ١ ويعقوب ٤: ١). ولا يستلزم النهي هنا أن تيموثاوس وحده الحكم في ذلك فالمرجّح أن الحاكم مجمع الشيوخ وأن تيموثاوس رئيسه وأن لرأيه قبولاً عظيماً فيه حتى يستطيع أن يبطل الشكاية الناشئة عن الحسد ولا إثبات لها.

وجوب توبيخ المجرمين جهاراً بدون استثناء ع ٢٠


٢٠ «اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ ٱلْبَاقِينَ خَوْفٌ».
غلاطية ٢: ١١ و١٤ وتيطس ١: ١٣ وتثنية ١٣: ١١
اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ المرجّح أن الكلام هنا على الشيخ كما سبق. أراد الرسول أولاً أن يُعاملوا بالإكرام اللائق والعدل حتى لا يحكم عليهم حكماً عن حسد. وأراد هنا أنه إذا ثبت بعد الفحص بلا محاباة بشهود كافية أنهم مذنبون بتعليم أو عمل وجب أن يؤدبوا.
وَبِّخْهُمْ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ أي جميع الشيوخ أو جميع الإخوة المجتمعين في الكنيسة كما تقتضي الأحوال وأمر بأن يكون قصاصهم جهاراً لأن فسادهم تعليماً وعملاً أضرّ لطهارة الكنيسة أكثر من فساد غيرهم من الرعية كذلك. والأرجح أن بولس أشار إلى هنا إلى الذين أخطأوا بالتعليم الفاسد وأنه رأى وجوب التأديب ويؤيد ذلك ما قاله لشيوخ هذه الكنيسة حين اجتماعه بهم في ميليتس فإنه قاله لهم «مِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال ٢٠: ٣٠). وقول المسيح لهذه الكنيسة عيتها «أَنَا عَارِفٌ... أَنَّكَ قَدْ جَرَّبْتَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ... فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلأَعْمَالَ ٱلأُولَى الخ» (رؤيا ٢: ٢ و٥). وقوله «وبّخ» يدل أنه ليس للكنيسة أن تعاقب إلا عقاباً أدبياً. ولا منافاة بين هذا القول وقوله «لا تزجر شيخاً» لأن قوله «لا تزجر الخ» مختص بالمحادثة الشخصية وقوله «وبّخ» مختص بالمحاكمة باعتبار كون تيموثاوس قاضياً بأمر شرعي يتكلم فيه باسم المسيح.
لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ ٱلْبَاقِينَ خَوْفٌ ولهذا جعل التوبيخ جهاراً فإنه بذلك يمتنع انتشار الضلال لسمع سائر الكنائس نبأ ما جرى في كنيسة أفسس.

توصيته تيموثاوس بإجرائه الأوامر وأن لا يرسم أحداً بالعجلة ع ٢١ و٢٢


٢١ «أُنَاشِدُكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْمُخْتَارِينَ أَنْ تَحْفَظَ هٰذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئاً بِمُحَابَاةٍ».
ص ٦: ١٣ و٢تيموثاوس ٢: ١٤ و٤: ١
بعدما فرغ الرسول من الكلام على محاكمة الشيوخ وتوبيخ من ثبت أنهم ضلوا أنبأ تيموثاوس (وهو شيخ أيضاً) بوجود شهود كثيرين غير منظورين يشهدون بسيرته. وهذا يشبه قول الكتاب «لِذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ ٱلشُّهُودِ مِقْدَارُ هٰذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا» (عبرانيين ١٢: ١). وأتى ذلك بالنظر إلى أهمية واجبات تيموثاوس لأنه نائبه في المدينة التي بشّر فيها ثلاث سنين وكانت كنيستها ثانية كنيسة أورشليم ما لم تكن كنيسة أنطاكية هي الثانية. فحثّه على الأمانة في القيام بكل ما يجب عليه بناء على كثرة من يشهدون بعمله على الأرض وعلى أن يحسب أنه واقف أمام عرش الله في حضرة المسيح على يمين الآب محاطاً بالملائكة القديسين. والحلف الذي حلفه إياه كالحلف في (٢تيموثاوس ٤: ١).
أُنَاشِدُكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ أي أحلفك الخ فاعتبر أنك واقف بين كل المذكورين في هذه الآية الذين يشاهدون عملك ويحكمون فيه وأول أولئك الشهود الله الآب.
وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كأنك تنظره على يمين الآب مراقباً سيرتك.
وَٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْمُخْتَارِينَ الأطهار. ونعتوا بأنهم «مختارون» لطهارتهم ولأن الله اختارهم خدماً كقول أحدهم «أَنَا جِبْرَائِيلُ ٱلْوَاقِفُ قُدَّامَ ٱللّٰهِ، وَأُرْسِلْتُ الخ» (لوقا ١: ١٩) وكان بولس يحب ذكر الملائكة على كثرتهم وترتيب درجاتهم توكيداً لكلامه (رومية ٨: ٣٨ وأفسس ١: ٢١ وكولوسي ١: ١٦) ولعله دعاهم «مختارين» تمييزاً بينهم وبين الملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم (٢بطرس ٢: ٤ ويهوذا ٦). فالملائكة على ما في الإنجيل يهتمون بأمور الناس (لوقا ١٥: ١٠ و١كورنثوس ٤: ٩ وعبرانيين ١٢: ١) وهم يشاهدون الدينونة في اليوم الأخير ويشاركون في إجرائها (متّى ٢٥: ٣١).
أَنْ تَحْفَظَ هٰذَا أي كل ما أوصاه به آنفاً ولا سيما ما يتعلق بتعيين رؤساء الدين ومعاملتهم بناء على أن حياة رعاياهم الروحية متوقفة كثيراً على تعاليمهم وسيرتهم.
بِدُونِ غَرَضٍ أي بلا التفات إلى هوى نفسك ولا اعتبار الأحزاب التي قُسمت إليها الكنيسة.
وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئاً بِمُحَابَاةٍ في المحاكمة فلا تمل أبداً إلى تبرئة المذنب ولا إلى تخطئة البريء ولا تنظر إلا إلى الحق.
٢٢ «لاَ تَضَعْ يَداً عَلَى أَحَدٍ بِٱلْعَجَلَةِ، وَلاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا ٱلآخَرِينَ. اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِراً».
أعمال ٦: ٦ وص ٤: ١٤ و١٣: ٣ و٢تيموثاوس ١: ٦ و٢يوحنا ١١
حذّر بولس تيموثاوس من تعيين غير المستحقين لخدمة الكنيسة الروحية لئلا يكون داعٍ إلى الحكم على أحد منهم أو توبيخه.
لاَ تَضَعْ يَداً عَلَى أَحَدٍ بِٱلْعَجَلَةِ لتعيينه شيخاً أو شماساً. وذكر وضع اليد بناء على العادة المألوفة يومئذ وهي أن يضع الشيوخ أيديهم على الذين يريدون تعيينهم لخدمة الكنيسة (ص ٤: ١٤ وأعمال ٦: ٦ و٨: ١٧). وأمره قبل أن يرسم أحداً أن يتأمل وقتاً كافياً لتحقق تقواه وأن له الصفات الضرورية للأسقفية أو الشماسية وأهمية هذا الأمر تمنع من العجلة لأن خير نفوس الناس الأبدي متوقف عليه.
ونهى الرسول لتيموثاوس عن رسم أحد بالعجلة لا يستلزم أنه يرسمه وحده لأن رسم خادم الدين كان يتم باتفاق المجمع المشيخي.
وَلاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا ٱلآخَرِينَ بسكوتك عنها أو فعلك إياها. ونفهم من القرينة أنه أراد بهذه الخطايا رسم من ليسوا أهلاً للقسيّة أو الشماسية. وارتكب هذه الخطايا من رسموا من لم يفحصوا عنهم الفحص الواجب. فمن رسم مثل هؤلاء فهو مشترك في الخطايا التي يرتكبها مرسوموه وفي ما يسببونه من أذى الكنيسة لأنهم إذا ضلوا في التعليم أو العمل أضروا بالكنيسة إضراراً أكثر من إضرار غير المرسومين. وما صدق في شأن رسم خدم الدين يصدق في غيره فلا يجوز للمسيحي أن يشترك في العمل الذي يجبره هو ورفقاءه على تدنيس يوم الرب ولا في صنع المسكرات وبيعها ولا في المقامرة أو في الاتجار بالعبيد. وعلى الجملة يجب عليه أن يعتزل كل عمل يدعو عامله إلى الخداع والكذب والظلم.
اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِراً زاد هذا الأمر على نهيه إياه عن رسم غير الطاهرين فأوجب عليه طهارة الفكر والقول والعمل ويتم ذلك باعتزال خطايا غيره وكل التجارب والإصغاء إلى الأساطير العشقية والأغاني الباطلة والنظر إلى الصور المهيجة الشهوات الرديئة ومشاهدة تمثيل الملاعب العاري من الحشمة.

وجوب مداراة صحته واتخاذ الوسائل إلى ذلك ع ٢٣


٢٣ «لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ ٱسْتَعْمِلْ خَمْراً قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ ٱلْكَثِيرَةِ».
مزمور ١٠٤: ١٥
لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ ٱسْتَعْمِلْ خَمْراً قَلِيلاً كتب بولس بحرّية ومحبة أب لابنه ومعلم لتلميذه. فكما كان مهتماً بأمور تيموثاوس الأدبية ونصح النصائح الموافقة كذلك اهتم بصحة جسده فإنه إذ عرف كثرة أتعابه وضعف بدنه أشار عليه باستعمال مقوٍ. والعبارة تدل على أن تيموثاوس كان مقتصراً على شرب الماء دون سائر المشروبات فرأى لزيادة اختباره إياه ومعرفة أحوال صحته أنه يحتاج إلى ما هو أقوى من الماء فأشار عليه باستعمال قليل من الخمر.
مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ ٱلْكَثِيرَةِ هذا دليل على أن تيموثاوس كان ضعيف البنية وعرضة لأوجاع وأمراض كثيرة. ووصف بولس له استعمال الخمر دواء لا يستلزم جواز رشف المسكرات لمجرد اللذة لأنه نصح لا أمر وكان الموصوف قليلاً لمن لم يعتد شربه وكان ذا أسقام كثيرة فهو لا يمنع من وجوب امتناع الإنسان عن المسكرات حين يكون شربه إياها حاملاً غيره على الإكثار منها. ولا نعلم علة هذا النصح في هذه الرسالة فذهب بعضهم أن بولس ذكر ذلك دفعاً لتوهم تيموثاوس من أنه أراد بقوله له «احفظ نفسك طاهراً» أن يعتزل شرب الخمر بناء على كونه محظوراً على كهنة العهد القديم وهم يمارسون التكهين (لاويين ١٠: ٩ و١٠). وكان خدم الدين مأمورين خصوصاً بالطهارة بدليل قوله «تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ٥٢: ١١).

التمييز بين الخطايا بأن بعضها ظاهر منذ ارتكابه وغيره مخفي إلى القضاء. ووجوب أن لا يسرع إلى الحكم بمقتضى الظاهر وأن يحترس من الحكم بلا تروٍ ع ٢٤ و٢٥


٢٤ «خَطَايَا بَعْضِ ٱلنَّاسِ وَاضِحَةٌ تَتَقَدَّمُ إِلَى ٱلْقَضَاءِ، وَأَمَّا ٱلْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ».
غلاطية ٥: ١٩
كتب بولس هذه الآية وما بعدها مساعدة لتيموثاوس على معرفة من يجب أن يعيّن لخدمة الكنيسة ومن يجب أن يرفض وجوب كل الاعتناء والحكمة في الحكم. ولذلك صرّح بأنه يوجد نوعان من الأشرار ونوعان من الصالحين يعرضون أنفسهم للخدمة الدينية فان عليه أن ينتبه إلى الغاية للتمييز بين نوعي كل من الفريقين لئلا يُخدع.
خَطَايَا بَعْضِ ٱلنَّاسِ وَاضِحَةٌ تَتَقَدَّمُ إِلَى ٱلْقَضَاءِ هذا النوع الثاني من غير اللائقين بخدمة الكنيسة وسهل عليه أن يعرف ذنوبهم فلا خطر عليه من أن يُخدع إذ خطاياهم غير مستورة فتشهد على صفاتهم أقوالهم وأعمالهم وقد اشتهروا كثيراً وحكم العامة عليهم سبق فحص الكنيسة ونوابها فمن الواضح أن لا يُعين مثل هؤلاء لخدمة الكنيسة مهما اشتهروا بالفصاحة والمقام والغنى. والمراد «بالقضاء» هنا حكم الكنيسة باللياقة أو عدمها أو المراد به قضاء الله يوم الدين.
وَأَمَّا ٱلْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ هذا هو النوع الثاني من غير المستحقين أنهم لا يظهرون للناس ما في قلوبهم وهم محتالون يخدعون الناس بأنهم صالحون لكن بعد قليل تشهد عليهم أعمالهم الشريرة وتظهر الحقيقة حتى لا يبقى شك في أمرهم وهم يُعاقبون أمام منبر الله الذي «يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ ٱلْقَلْبِ» (مزمور ٤٤: ٢١). وقصد الرسول من ذلك تحذير تيموثاوس من أن يُخدع بظواهر الناس واعترافهم وعدم طعن الناس فيهم فيجعل الأشرار المرائين رعاة للكنيسة.
٢٥ «كَذٰلِكَ أَيْضاً ٱلأَعْمَالُ ٱلصَّالِحَةُ وَاضِحَةٌ، وَٱلَّتِي هِيَ خِلاَفُ ذٰلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى».
إن تيموثاوس كما كان عرضة للخطإ في الحكم على الأشرار بأنهم أبرار كان كذلك في الحكم على الأبرار بأنهم أشرار.
كَذٰلِكَ أَيْضاً ٱلأَعْمَالُ ٱلصَّالِحَةُ وَاضِحَةٌ تتقدم إلى القضاء وتشهد شهادة صريحة بفضل الذين يعملونها فلا خوف من أن يُحسبوا أشراراً فلا داعي إلى تأخير رسمهم معلمين ومبشرين في الكنيسة لسبق صيتهم الحسن إلى القضاء وشهادته بصلاحهم.
وَٱلَّتِي هِيَ خِلاَفُ ذٰلِكَ الخ أي الأعمال الصالحة التي غير واضحة في أول الأمر لا بد من أن تظهر بعد على وفق قول المسيح «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متّى ٧: ١٦). وكذلك أعمال الأشرار لا تخفى دائماً فإن الله سيعلن فضائل الصالحين في الوقت الذي يريده والطريق التي يستحسنها. فكان على تيموثاوس أن يصلي ويطلب إرشاد الرب قبل أن يعتمد رفض المتقدمين لخدمة الكنيسة فإنه إذا لم يكن مثل هؤلاء معروفين على الأرض ونائلين ما يستحقونه من الناس يثيبهم الله في السماء. وخلاصة هاتين الآيتين أن يحترس تيموثاوس من العجلة في الحكم لئلا يحسب الشرير صالحاً والصالح شريراً.


اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ


في هذا الأصحاح خسمة مواضيع:

  • الأول: ما يجب أن يُعلّمه العبيد وتحذير تيموثاوس من المعلمين الذين يهيجونهم على الفتنة والتذمر والتعنت (ع ١ - ٥).
  • الثاني: بيان منافع التقوى والقناعة وأضرار الرغبة في الغنى (ع ٦ - ١٠).
  • الثالث: حثّ تيموثاوس على ما يجب أن يعتزله وما يجب أن يأتيه وتأكيده له أن الله يثيبه أخيراً (ع ١١ - ١٦).
  • الرابع: ما يجب أن ينصح للأغنياء به (ع ١٦ - ١٩).
  • الخامس: التشديد على تيموثاوس بأن يحفظ كل ما أوصاه به وأن لا ينحرف عن الحق مع المنحرفين (ع ٢٠ - ٢٢).


بيان ما يجب أن يعلمه العبيد وتحذير من الذين يعلمونهم تعليماً آخر ع ١ إلى ٥


١ «جَمِيعُ ٱلَّذِينَ هُمْ عَبِيدٌ تَحْتَ نِيرٍ فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ، لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى ٱسْمِ ٱللّٰهِ وَتَعْلِيمِهِ».
أفسس ٦: ٥ وكولوسي ٣: ٢٢ وتيطس ٢: ٩ و١بطرس ٢: ١٨ وإشعياء ٥٢: ٥ ورومية ٢: ٢٤ وتيطس ٢: ٥ و٨
بعد أن أوصى بولس تيموثاوس بما يتعلّق بخدم الكنيسة أخذ يوصيه بما يتعلق بأعضاء الكنيسة وابتدأ الكلام في أمور العبيد المؤمنين الذين لا ريب في أنهم كانوا كثيرين فيها. وقد سبق الكلام في ما يجب على كل من العبيد وسادتهم في تفسير (أفسس ٦: ٥).
تَحْتَ نِيرٍ أي نير العبودية والمقصود هنا المؤمنون من الأرقاء لأن غير المؤمنين منهم لا يعتبرون نصح تيموثاوس ولا نصح بولس.
فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ أي ليعتبرهم ويطيعوهم على قدر النسبة بينهم.
لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى ٱسْمِ ٱللّٰهِ الخ إذا كان العبيد يأبون الخدمة ويعصون ويعاندون نُسب ذلك إلى دينهم فطُعن فيه. وإذا كانوا حين آمنوا أكثر غيرة وأمانة في الخدمة مما كانوا قبلاً أُكرم اسم معبودهم ومدح دينهم. ومن الواضح أن السادة المذكورين هنا ليسوا بمؤمنين فلا يعلمون من أمر المسيح إلا أنه معبود عبيدهم ولا من أمر دينه إلا أنه دين أولئك العبيد. والكلام في واجبات السادة المؤمنين في الآية التالية. ولعل كثيرين من الرومانين كانوا يومئذ يخافون من أن تكون نتيجة دخول الدين المسيحي بين عبيدهم هياجهم عليهم لأن عدد العبيد في تلك الأيام كان يزيد على عدد السادة كثيراً. ولا شيء في هذه الآية يمنع العبد من اتخاذ الوسائل إلى أن يتحرر شرعاً (١كورنثوس ٧: ٢١).
٢ «وَٱلَّذِينَ لَـهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لأَنَّ ٱلَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي ٱلْفَائِدَةِ هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ. عَلِّمْ وَعِظْ بِهٰذَا».
كولوسي ٤: ١ ص ٤: ١١
ٱلَّذِينَ لَـهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ لا ريب في أن هؤلاء كانوا قليلين جداً بالنسبة إلى من سادتهم وثنيون.
لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ أي لا يأبوا أن يكرموهم ويطيعوهم إطاعة العبيد للسادة عموماً. نعم كونهم مؤمنين جعلهم إخوة لسادتهم المؤمنين وشركاءهم في الحياة الأبدية بمقتضى تعليم المسيح والإنجيل لأنه بالإيمان اتحدوا معاً بالمسيح واتحد كل منهم بالآخر كأهل بيت واحد لكن ذلك لا يستلزم أنهم مساوون لسادتهم في كل شيء. وربما قال عبد مؤمن له سيّد مؤمن إذا كان سيدي أخي لماذا أخدمه بمنزلة رقيق فأغراه بعض الناس وهيجه على العصيان. فنهى بولس العبيد عن الاستهانة بسادتهم دفعاً لأمثال ما ذكر. وقول الكتاب أن «لَيْسَ عِنْدَ ٱللّٰهِ مُحَابَاةٌ» (رومية ٢: ١١). يختص بنسبتنا إلى الله لا نسبة بعض الناس إلى بعض. وليس ما يصح في السماء من المساواة يصح على الأرض دائماً وليس الناس مكلفين بإجرائه في الوقت الذي يختارونه والطريق التي يستحسنونها.
بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ أي يجب عليهم بدلاً من أن يستهينوا بسادتهم أن يجتهدوا أن يرضوهم وينفعونهم لكونهم إخوة علاوة على إتيانهم ذلك لكونهم سادة. فعليهم أن يعتبروا خدمتهم لإخوتهم خدمة للمسيح سيد الفريقين.
ٱلَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي ٱلْفَائِدَةِ أي ينتفعون بخدمتكم واجتهادكم الدائم فيهم ليسوا بغرباء وثنيين.
هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ إن الله وهب لهم نعمة الإيمان فصاروا أحباء لله بالمسيح والذين أحبهم الله يجب عليهم أن يحبوه ويكرموه.
٣ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى».
ص ١: ٣ وص ١: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ١٣ و٤: ٣ وتيطس ١: ٩ تيطس ١: ١
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ استطرد بولس من الكلام في ما يتعلق بالعبيد إلى الكلام على المعلمين المفسدين الذين قلقت أفكار العبيد بتعليمهم إياهم إباءة إرضاء سادتهم. والمراد «بالتعليم الآخر» غير تعليمه أنه يجب على العبيد أن يكرموا السادة ويطيعوهم.
لاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ التي في البشائر. ولم يقصد «بكلمات ربنا» كلمات معيّنة بل كل جواهر تعليمه. ومما يوافق هذا من أقوال المسيح قوله «أعطوا ما لقيصر لقيصر» وقوله «طوبى للودعاء» وقوله «لا تقاوموا الشر» وكل مضمون وعظ المسيح على الجبل (متّى ص ٥ و٦ و٧).
ٱلصَّحِيحَةَ المؤدية إلى بنيان الكنيسة وصلاحها وإرشاد أهلها إلى القناعة والصبر والاجتهاد. ويمكن أن الرسول أشار إلى تعليم المسيح في ما يتعلق بالعبيد مما لم يُكتب وبقي مشهوراً بين الناس كالذي ذكره في (ص ٥: ١٨ وأعمال ٢٠: ٣٥).
حَسَبَ ٱلتَّقْوَى أي حسب الدين الحق اعتقاداً وعملاً وهذا نتيجة سمع كلمات ربنا يسوع المسيح.
٤ «فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ».
١كورنثوس ٨: ٢ وص ١: ٧ وص ١: ٤ و٢تيموثاوس ٢: ٢٣ وتيطس ٣: ٩
تَصَلَّفَ أي ادعى فوق ما عنده إعجاباً وتكبراً فأعمته الكبرياء (أفسس ٤: ١٨).
وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً أي توهم أنه يعرف كل أمور الإنجيل وتعاليمه في واجبات السادة والعبيد خصوصاً والواقع خلاف ذلك.
بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ أي لا يعلم أنه جاهل فيسكت لكنه يجب أن يسأل ويجادل في أمور لا طائل تحتها ولا تُعلم وأن عُلمت فلا فائدة من علمها. والمرجّح أن هذا موجه إلى أحد معلمي اليهود لأن المدارس اليهودية تسر بالمماحكات. وما حدث في كنيسة أفسس يحدث في كنائس كثيرة اليوم فلا يفتأ الناس الآن يسألون كيف يكون الله وهو واحد ثلاثة أقانيم وكيف دخلت الخطيئة إلى العالم وكيف تتفق حرية الإنسان مع القضاء الأزلي وغير ذلك من مسائل الاختيار والوحي والقيامة وما شكالها. والدليل على أن هذه المماحكات باطلة ومضرة ما يأتي.
ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ أي حسد الإنسان غيره على أنه يعرف أكثر منه أو لأنه لم يستطع أن يغلبه في الجدال.
وَٱلْخِصَامُ لمن لا يلم بآرائه وأحكامه (رومية ١: ٢٩).
وَٱلافْتِرَاءُ أي الطعن في الذين يغلبونه.
وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ في مقاصد المخالفين فنسب إليهم الهوى وبغض الحق والحسد لمن يخالفهم والخوف من الخسارة واللوم والاضطهاد.
٥ «وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ وَعَادِمِي ٱلْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ».
١كورنثوس ١١: ١٦ وص ١: ٦ و٢تيموثاوس ٣: ٨ وتيطس ١: ١١ و٢بطرس ٢: ٣ رومية ١٦: ١٧ و٢تيموثاوس ٣: ٥
وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ مخاصماتهم الطويلة فإن موضوع النزاع وإن كان طفيفاً نتائجه عظيمة ينشأ عنها البغض وانشقاق الكنيسة وانفصال بعض الأصدقاء عن بعض.
فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ في هذا سبب المنازعات وهو شر قلوب المعلمين الكاذبين فضلاً عن جهلهم.
عَادِمِي ٱلْحَقِّ إن الناس إذا أحبوا الحق طلبوه وإذا وجدوه رحبوا به وأكرموه ونموا في معرفته وإذا لم يحبوا هذا الكنز ولم يسلموا لأهله أُخذ منهم ما لهم منه عقاباً وصاروا «عادمي الحق» وعبيداً للضلال على اختلاف أنواعه فأشبهوا البيت الذي ذكر المسيح أنه خرج منه الشيطان ثم رجع ووجده فارغاً مكنوساً مزيناً فذهب وأخذ معه سبعة أرواح أُخر شراً منه ودخلوه وسكنوه (متّى ١٢: ٤٤ و٤٥).
والمرجح أن الرسول عنى «بالحق» هنا تعليم الإنجيل وسمى جاهليه «عادمي الحق».
يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ هذا دليل على أنهم «فاسدوا الذهن» و «عادمو الحق» فيحسبون التقوى ما يفيدهم ربحاً عالمياً وما ليس كذلك ليس بتقوى. ومنهم من «يَقْلِبُونَ بُيُوتاً بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ ٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ» (تيطس ١: ١١) فلا يمكن أن المتعلم من الروح يظن ظنهم. وهو ظن الذين قاوموا بولس قديماً وحذر تيموثاوس منهم يومئذ فهؤلاء لا يأتون شيئاً من أعمال التقى إلا للتظاهر بأنهم أتقياء ولحمل الناس على الثقة بهم. ولهذه الغاية أطال الفريسيون الصلاة كما أبان المسيح (متّى ٢٣: ١٤). ولا خطيئة أفظع من أن نتخذ الدين المسيحي وسيلة إلى الربح الدنيوي مع أن المسيح لم يكن له «أين يسند رأسه» (متّى ٨: ٢٠) «فافتقر لأجلنا وهو الغني». فالذين تقواهم تجارة إلههم المال وهم يقبلون الدين المسيحي وينادون به كما قبله سيمون الساحر (أعمال ٨: ١٩ و٢٠).
لا شك أنه في سبيل التقوى ربح حقيقي بدليل قوله «التقوى لها موعد الحياة الحاضرة» (ص ٤: ٨) لكنها ليست كذلك لمن لا يتخذونها إلا وسيلة إلى الربح الدنيوي. قال المسيح في هذا المعنى «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ» (متّى ١٦: ٢٥ و٢٦).
تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ كره بولس هذا التعليم لمنافاته لتعليم الإنجيل الآمر بإنكار النفس وحذّر تيموثاوس منه ومن مصاحبة أتباعه وهذه العبارة ليست في بعض النسخ القديمة.

منافع القناعة وأضرار الطمع ع ٦ إلى ١٠


٦ «وَأَمَّا ٱلتَّقْوَى مَعَ ٱلْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ».
مزمور ٣٧: ١٦ وأمثال ١٥: ١٦ و١٦: ٨ وعبرانيين ١٣: ٥
ذكر الرسول القاعدة الصحيحة في ربح التقوى بعدما أبطل الرأي الفاسد فيه دفعاً لتوهم أن التقوى بمنع صاحبها من كل ربح فإنها تحمل صاحبها على القناعة بما له فهو غني حقيقة ومسرور بغناه إذ لا يشتهي سوى ما حصل عليه وكل غنى العالم لا يسر شيئاً بلا قناعة. قال بعض الحكماء «القناعة غنى» وقال الشاعر:
جزى الله القناعة كل خير فلا شيء أعزّ من القناعة
فصيّرها لنفسك رأس مالٍ ومعها صيّر التقوى بضاعة



٧ «لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ ٱلْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ».
أيوب ١: ٢١ ومزمور ٤٩: ١٧ وأمثال ٢٧: ٢٤ وجامعة ٥: ١٥
هذه الآية كقول أيوب «عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ» (أيوب ١: ٢١). وقول الجامعة «كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَاناً يَرْجِعُ ذَاهِباً كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئاً مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ» (جامعة ٥: ١٥). فالتأمل الذي قال الرسول أنه واضح يجب أن يحمل التقي على أن يكون راضياً بما قسم الله له. وكيف لا يقتنع الإنسان بالقسمة الإلهية إذا تأمل في أنه لم يأت بشيء من المال والجواهر والملابس حين دخل هذا العالم وفي أنه لا يأخذ شيئاً من ذلك حين يخرج منه. فالذين له هنا دين عليه لله مدة حياته القصيرة فإذا كان ما له هنا قليلاً فهو أعظم مما أتى به ومما يذهب به. قابل هذا بما في (مزمور ٤٩: ١٧).
٨ «فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا».
تكوين ٢٨: ٢٠ وعبرانيين ١٣: ٥
قُوتٌ وَكِسْوَةٌ جمع في هاتين الكلمتين أكثر حاجات الحياة هنا فيجب على من له قوت وكسوة أن يقتنع ولا يتذمر على الله ولا يحسد من له أكثر منهما ولا يشتهي مقتناه. ووجوب الاكتفاء بما يهب الله من القوة والكسوة لا يمنع من أن نفرح بغير ذلك من هباته تعالى إذا سمح لنا به وأن نشكره عليه وننفع به المحتاجين إليه (ص ٥: ٤ وفيلبي ٤: ١١ و١٢).
٩ «وَأَمَّا ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلاَكِ».
أمثال ١٥: ٢٧ و٢٠: ٢١ و٢٨: ٢٠ ومتّى ١٣: ٢٢ ويعقوب ٥: ١ وص ٣: ٨ وص ١: ١٩
ما في هذه الآية يوجب على المؤمن القناعة.
ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ أي يشتهون الغنى ويجدون في طلبه خلافاً لمقتضى القناعة.
فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ بأنهم يتخذون بغية الغنى وسائل محرمة فيخالفون أحكام ضمائرهم وشريعة الله فشهوة الغنى تنافي الطلبة «لا تدخلنا في تجربة».
وَفَخٍّ شهوة الغنى للإنسان كالفخ للطيور والشبكة للسمك يمسك بها ليُقتل ويعمى حتى لا يميز بين الحلال والحرام ويحسب الرذائل فضائل ويحسب بخله اقتصاداً واجتهاداً وحكمة في النظر إلى العواقب وسعياً واجباً لنفع أهل بيته واستعداداً لعجز الشيخوخة مما ظاهره أنه فضيلة فيخدع نفسه ويجعلها فريسة للشيطان.
شَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ أي صاحبها غبي لأنه لا يقدر أن يحصل عليها كلها وإن حصل عليها لم يكتف بها ولم يحصل منها على اللذة التي توقعها.
مُضِرَّةٍ كما أبان في (ع ١٠) فشهوة المال مضرة لانها تمنع صاحبها من طلب الخير الأعظم وتصغر نفسه وتجعله محباً لذاته قاسياً ظالماً. فالغني مائل إلى الكبرياء أكثر من غيره وإلى التمتع باللذات المحرمة أكثر ممن لا وسائل له إليها.
تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلاَكِ «العطب والهلاك» بمعنى واحد ولعله قصد بالأول ضرر الجسد وبالثاني ضرر النفس. فإن شهوة الغنى تضر جسد الإنسان بحملها إياه على مشقات أشد مما يحتمل وتعريض نفسه للأخطار وامتناعه عن القدر الكافي من الراحة والنوم. وتضر النفس بما في الآية التالية. والغنى ليس تجربة لمن ناله فقط بل لكل من يعزم على نيله بقطع النظر عن الوسائل. ويمكن الإنسان أن يغرق في البركة كما يغرق في الأوقيانس فيمكن أن يكون الفقير بخيلاً محباً للمال ككريسوس الملك المشهور.
١٠ «لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ، ٱلَّذِي إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ ٱلإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ».
خروج ٢٣: ٨ وتثنية ١٦: ١٩
لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ أي يمكن أن ينشأ عنها كل أنواع الشر لأن من تسلط عليه حب المال لا يمتنع عن شيء من الشرور يكون وسيلة إلى الربح فيحمله على مخالفة ضميره والكذب والخداع والسرقة وكل الرذائل حتى القتل. ويسمى الطماع «عابد الأثوان» (كولوسي ٣: ٦). وأكثر التعديات والذنوب في العالم أصلها حب المال. إن الرسول لم يقل إن المال أو اقتناءه أصل الشرور ولم يقل إنه شر البتة بل قال إن محبته كذلك.
إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ أي طلبوه بحب شديد.
ضَلُّوا عَنِ ٱلإِيمَانِ فظهر من ذلك إن محبة المال أصل الشر لأنها تنزع الإيمان الذين هو أصل كل الفضائل. والمراد «بالإيمان» الدين المسيحي على ما هو معلن في الإنجيل وجوهره الإيمان (ص ١: ١٩ و٤: ١). ولعل الرسول أشار بهذا إلى جماعة من أهل كنيسة أفسس تركت محبتها الأولى للمسيح بغية المال. ومثل هؤلاء ديماس في رومية فإنه شغل مدة بمساعدة بولس على التبشير لكنه بعد ذلك كتب فيه الرسول ما نصه «دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ» (٢تيموثاوس ٤: ١٠).
وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ منها تأنيبات الضمير فإنه كأشواك الأثمار الشهية تجرح يد جانيها. ومنها الندم على ترك المسيح والرجاء والسماء لأجل المال ولعل الله أرسل هذه الأوجاع علهيم لأنهم فضلوا المال عليه تعالى.

تبيين الرسول لتيموثاوس ما يجب عليه أن يعتزله وما يجب عليه أن يطلبه وتحقيقه له أن الله يثيبه ع ١١ إلى ١٦


١١ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلتَّقْوَى وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ».
تثنية ٣٣: ١ و٢تيموثاوس ٣: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ٢٢
وَأَمَّا أَنْتَ المخالف لأولئك القوم (ع ١٠).
يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ الذي اختار الله نصيبه لا المال. دُعي «برجال الله» في العهد القديم بعض الأنبياء الذين أرسلهم الله. فمنهم موسى (تثنية ٣٣: ١) وصموئيل (١صموئيل ٩: ٦) وإيليا (٢ملوك ١: ٩) وأليشع (٢ملوك ٤: ٤٢ و٨: ٧). ويصح أن يُدعى «رجل الله» كل مسيحي حقيقي لأنه مولود من الله وليس برجل هذا العالم (يعقوب ١: ١٨ و١يوحنا ٥: ١).
فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا أي من محبة المال (ع ١٠) ونتائجها الضارة. شهد بولس بأن تيموثاوس نظير نفسه وبأنه كولد مع أبٍ خدمه لأجل الإنجيل (فيلبي ٢: ٢٠ و٢٢) ولكنه إذ علم التجارب المحيطة بتيموثاوس في أفسس المدينة الغنية الشريرة وأنه يجب على تيموثاوس وهو معلم ومبشر فيها أن يكون بلا لوم استحسن أن ينذره بهذه العبارة.
وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ أي الاستقامة أمام الناس (٢تيموثاوس ٢: ٢٢).
وَٱلتَّقْوَى أي الاستقامة أمام الله.
وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ هاتان الفضيلتان أفضل الفضائل.
وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ أي الاستقامة أمام أعداء الحق. انظر الكلام على هذه الفضائل في تفسير (غلاطية ٥: ٢٢ و٢٣). فما أوصى بولس تيموثاوس بأن يتبعه هو ما ينافي الشرور التي أمره أن يهرب منها.
١٢ «جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضاً، وَٱعْتَرَفْتَ ٱلاعْتِرَافَ ٱلْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ».
١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢٦ وص ١: ١٨ و٢تيموثاوس ٤: ٧ وفيلبي ٣: ١٢ و١٤ وع ١٩ وعبرانيين ١٣: ٢٣
جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ (١كورنثوس ٤: ٢٤ وفيلبي ٣: ١٢ و١تيموثاوس ١: ١٥ و٢تيموثاوس ٤: ٧) وصف بهذا الحياة التي يجب على المسيحي أن يحياها ولا سيما المبشر فتلك الحياة كالجهاد وهو «جهاد الإيمان» و «الجهاد الحسن» وغايتها الحياة الأبدية وقائد جيش المجاهدين هو الرب يسوع المسيح. وبنى بولس هذا التشبيه على ما شاهده في الملاعب الأولمبية والبرزخية وقد مر الكلام على ذلك في تفسير (أفسس ٦: ١٠ - ١٧ و١كورنثوس ٩: ٢٦ و٢٧). وأضاف «الجهاد» إلى «الإيمان» لأنه يحمل الجندي الروحي على الجهاد ضد العالم والشهوة والشيطان ولأن المجاهد لأجله هو الإيمان. والقوة على الثبوت فيه ناشئ عن الإيمان ونعت «الإيمان بالحسن» لسمو غايته خلافاً لأكثر غايات الحروب العالمية.
وَأَمْسِكْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ هذا الغرض هو الذي يجب على «رجل الله» أن يضعه أمام عينيه بدلاً من الأكاليل الفانية التي كان المجاهدون في الملاعب اليونانية يجاهدون للحصول عليها.
ٱلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ والذي دعاه إليها هو الرب يسوع المسيح قائد جيش المجاهدين.
وَٱعْتَرَفْتَ ٱلاعْتِرَافَ ٱلْحَسَنَ ذكر هذا موجباً له على ثبوته في ما تمسك به. وهذا «الاعتراف» ما يعترف به كل مسيحي حقيقي حين يكتب اسمه في دفتر الجندية الروحية وهو يكون إما بالإقرار لفظاً أو بالأعمال كالمعمودية أو بالثبات في أثناء الاضطهاد.
أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ لم يبيّن الرسول من أراد بهؤلاء الشهود ولعله أراد الذين شاهدوا معمودية تيموثاوس أو رسامته (ص ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦) أو الذين شاهدوا ما احتمله من الاضطهاد الشديد الذي تعرض له في أسفاره وأتعابه وهو ينادي بالإنجيل. وما يرجح الاحتمال الأخير هو مقابلته باعتراف المسيح أمام بيلاطس (ع ١٣).
١٣ «أُوصِيكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْكُلَّ وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ بِٱلاعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ».
ص ٥: ٢١ وتثنية ٣٢: ٣٩ و١صموئيل ٢: ٦ ويوحنا ٥: ٢١ ومتّى ٢٧: ١١ ويوحنا ١٨: ٣٧ ورؤيا ١: ٥ و٣: ١٤
شدة رغبة بولس في أن يكون تلميذه تيموثاوس أميناً للمسيح وإنجيله حملته على أنه يوصيه بأقوى العبارات والأسباب بأن يحفظ وصاياه كل الحفظ.
أُوصِيكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ هذا نوع من القسم (ص ١: ٣). فكأنه أراد أن يعتبر تيموثاوس نفسه أنه واقف كل حين في حضرة الله تعالى الذي يراقبه في كل طرقه.
ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْكُلَّ أي الذي هو مصدر الحياة الروحية والتقوية لعبيده وهو الذي أحيا المسيح بعد موته فهو قادر على أن يجدد حياة تيموثاوس إذا بذلها على الأرض في سبيل خدمته وجهاده الروحي.
وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أراد أن تيموثاوس يتصور أن المسيح سيده الإلهي يراقبه دائماً.
ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ ذكره اعتراف تيموثاوس أمام شهود كثرة حمله على ذكر اعتراف المسيح علناً بجراءة أمام الوالي الروماني في محكمته وأدى تلك الشهادة بموته اختياراً إثباتاً لها (متّى ٢٧: ١١ ويوحنا ١٨: ٣٦ و٣٧). وأشار الرسول بذكر اعتراف المسيح هنا إلى أنه يوجب على تيموثاوس أن يكون أميناً وجسوراً بشهادته لحقائق الإنجيل قدام الناس فيكون اعترافه كاعتراف المسيح في أنه لإثبات الحق والإتيان به في موقف الخطر وأن يكون مستعداً لأن يثبته بموته كما فعل المسيح.
١٤ «أَنْ تَحْفَظَ ٱلْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
فيلبي ١: ٦ و١٠ و١تسالونيكي ٣: ١٣ و٥: ٢٣
أَنْ تَحْفَظَ ٱلْوَصِيَّةَ هذا متعلق بقوله «أوصيك» في الآية الثالثة عشرة. والمراد «بالوصية» هنا كل ما يتضمنه قوله «جاهد جهاد الإيمان الحسن» وأمره إياه بأن يعترف الاعتراف الذي اعترفه المسيح.
بِلاَ دَنَسٍ (ص ٥: ٢٢ وأفسس ٥: ٢٧ ويعقوب ١: ٢٧ و٢بطرس ٣: ١٤) فلا يكفي أن يكون تعليمه خالياً من التضليل بل يجب فوق ذلك أن تكون سيرته على وفق وعظه.
وَلاَ لَوْمٍ بخلاف ما فعل المعلمون الكاذبون مما يجلب العار على اسم المسيح.
إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي مجيئه بالجسد ثانية ليدين العالم (١تسالونيكي ٤: ١٥ - ١٨ و٢تسالونيكي ٢: ٨ و٢تيموثاوس ٤: ١ وتيطس ٢: ١٣) ويثبت عبيده ويعاقب الأشرار وهذا يكون نهاية الامتحان يوم الدين. والمسيح لم يعيّن لنا يوم الجزاء حين أنبأ به لكي تكون الكنيسة متوقعة ذلك دائماً.
١٥ «ٱلَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ ٱلْمُبَارَكُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ، مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ».
ص ١: ١١ و١٧ ورؤيا ١٧: ١٤ و١٩: ١٦
ٱلَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ أي سيبينه الآب في الأوقات التي عيّنها في نفسه بقضائه الأزلي السري لاستعلان المسيح في كل مجده (ص ٢: ٦ وأعمال ١: ٧ وغلاطية ٤: ٤ و٢تيموثاوس ١: ٩ وتيطس ١: ٣ وعبرانيين ١: ١).
ٱلْمُبَارَكُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ هذه نعوت لله الآب كما يظهر من الجملة السابقة ومن قوله «لم يره أحد» في (ع ١٦). ونعته «بالمبارك» لأنه مصدر كل بركة ونعمة وسعادة لخليقته. ونعته «بالعزيز الوحيد» إظهاراً لمخالفته آلهة الوثنيين وملوك الأرض العاجزين عن مقاومة مقاصده فكأنهم بالنسبة إليه تعالى عدم ونسب ذلك إليه تعالى ليشجع المؤمنين لكي لا يخافوا ملوك الأرض الذين يهددونهم بالموت.
مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ أي المتسلط عليهم جميعاً. والذي وُصف الله الآب به هنا وُصف المسيح به في (رؤيا ١٧: ١٤ و١٩: ١٦) وهو دليل قاطع على كون المسيح مساوياً للآب.
١٦ «ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ ٱلأَبَدِيَّةُ. آمِينَ».
ص ١: ١٧ وخروج ٢٣: ٢٠ ويوحنا ٦: ٤٦ وأفسس ٣: ٢١ وفيلبي ٤: ٢٠ ويهوذا ٢٥ ورؤيا ١: ٦ و٤: ١١ و٧: ١٢
ِٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْت هذا دليل على عظمة سمو الله وامتيازه عن كل من هو سواه فحياته من خواص جوهره وحياة غيره تقوم بهبته الحياة له. والله حي منذ الأزل واجب الوجود وقادر أن يهب الحياة الأبدية لتابعيه.
سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ لعظمة مجده وقد قيل أنه «نور» (١يوحنا ١: ٥) وأنه «ٱللاَّبِسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ» (مزمور ١٠٤: ٢). وأنه «عِنْدَهُ يَسْكُنُ ٱلنُّورُ» (دانيال ٢: ٢٢). وأشار بقوله «لا يُنوى منه» إلى منع الله شعب إسرائيل من الاقتراب إلى طور سيناء وثم ظهر لهم بمجده حين أعطاهم الشريعة (خروج ١٩: ١٢) وإلى حجب الملائكة أوجههم أمام الله (إشعياء ٦: ٢) وإلى الحجاب الحاجز بين القدس وقدس الأقداس ومنع دخول الناس إلى ما وراءه إلا رئيس الكهنة مرة في السنة (لاويين ١٦: ١٧ وعبرانيين ٩: ٧).
لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ على وفق قول الله لموسى «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ١٩: ٢٠). وقول موسى للشعب «فَكَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ، وَلٰكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً» (تثنية ٤: ١٢) وقول يوحنا «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يوحنا ١: ١٨ انظر أيضاً رومية ١١: ٣٢ - ٣٦ وكولوسي ١: ١٤ وعبرانيين ١١: ٢٧). فمع أن الإنسان لا يقدر أن يرى جوهر الله ولا أن يدركه تماماً يُعطى قديسوه النعمة أن يروا بعض مجده (متّى ٥: ٨ و١كورنثوس ١٣: ١٢ ويوحنا ٣: ٢ ورؤيا ٢٢: ٤).
ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ الخ لأنه يستحقها من كل خلائقه (ص ١: ١٧). ذهب بعضهم إلى أن (ع ١٥) جزء من ترنيمة استعملها المسيحيون الأولون في اجتماعاتهم العامة تسبيحاً لله.

تعليم الرسول لتيموثاوس كيف يحذّر الأغنياء ع ١٧ إلى ١٩


١٧ « أَوْصِ ٱلأَغْنِيَاءَ فِي ٱلدَّهْرِ ٱلْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ ٱلْغِنَى، بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنىً لِلتَّمَتُّعِ».
مزمور ٥٢: ٧ و٦٢: ١٠ ومرقس ١٠: ٢٤ ولوقا ١٢: ٢١ وأمثال ٢٣: ٥ و١تسالونيكي ١: ٩ وص ٣: ١٥ و٤: ١٠ وأعمال ١٤: ١٧ و١٧: ٢٥
كان من الموافق أن تكون الآية السادسة عشرة نهاية هذا الأصحاح لو لم يكن الرسول قد رجع هنا إلى ما يتعلق بالموضوع الذي كان يتكلم عليه وهو خطر محبة المال وهو تحذير الأغنياء الذين في كنيسة أفسس فأمر تيموثاوس أن يعلمهم كيف يجب أن يتصرفوا بأموالهم.
أَوْصِ ٱلأَغْنِيَاءَ لا بد من أنه كان في كنيسة أفسس كثيرون من الأغنياء حصلوا على وفرة المال إما بالميراث أو بالاجتهاد.
فِي ٱلدَّهْرِ ٱلْحَاضِرِ لأن أموالهم مختصة بهذا الدهر وهو يفنى بفنائه. وهذا لا يستلزم أنهم غير أغنياء في الإيمان لأن القرينة تدل على أنه قصد المؤمنين فيمكن أن يكونوا قد حصلوا على نوعي الغنى وأنهم يمكنهم أن يستعملوا الغنى الأرضي وسيلة إلى كسب الغنى السماوي.
أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا لأن أصحاب الغنى عرضة لهذه التجربة بدليل قول الني «لاَ يَفْتَخِرِ ٱلْغَنِيُّ بِغِنَاهُ» (إرميا ٩: ٢٣). لا يمكن أن يتكبر إنسان بلا غنى ولكن يصعب أن يكون غنياً بلا كبرياء. ومما يحفظه من السقوط في هذه التجربة التأمل في أن الغنى هبة من الله وأنه كلما زاد المال زادت المسؤولية على صاحبه فإن ماله لا يميزه على سواه في الحكمة والعلم والصلاح وأنه متى فارق العالم لم يبق فرق بينه وبين أشد الناس فقراً.
وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ ٱلْغِنَى كون الغنى غير يقيني يستلزم عدم الاتكال عليه. وهذا يوافق قول الحكيم «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيّاً... هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَٱلنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ» (أمثال ٢٣: ٤ و٥).
بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ الخ بدلاً من الاتكال «على غير يقينة الغنى» فإن الله موضوع الاتكال الراسخ الدائم وهو مصدر كل خير زمني وأبدي وقادر أن يقوم بكل احتياجات الإنسان ولا يتغير والمال بعجز عن ذلك. وقوله «للتمتع» يدل على أن الله يريد أن يمتّع الناس بما يهب لهم من النّعم.
١٨ «وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحاً، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ كُرَمَاءَ فِي ٱلتَّوْزِيعِ».
لوقا ١٢: ٢١ وص ٥: ١٠ وتيطس ٣: ٨ ويعقوب ٢: ٥ رومية ١٢: ١٣ غلاطية ٦: ٦ وعبرانيين ١٣: ١٦
وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحاً بأموالهم فلا يخزنوها بل ينفقوها في طريق تؤدي إلى أن ينفعوا بها أنفسهم وقريبهم. وخازنوا المال كثيراً ما يصير ما لهم لعنة عليهم وعلى أولادهم بعد موتهم. وأبان يعقوب الرسول ذلك بالتفصيل (يعقوب ٥: ٢ و٣ انظر أيضاً غلاطية ٦: ١٦ وتفسيره وعبرانيين ١٣: ١٦).
وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ أن يزيد عملهم الصلاح بزيادة أموالهم. والمراد «بالأعمال الصالحة» هنا ما هو حسن وممدوح أمام الله والناس.
وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ للمحتاجين. فالذين يجعلون الفقراء شركاءهم في خيراتهمم يزيدون أنفسهم سعادة فوق تعزيتهم ومساعدتهم الفقراء.
كُرَمَاءَ فِي ٱلتَّوْزِيعِ الظاهر أن الفرق قليل بين هذه العبارة والعبارة السابقة ولعل الأولى تشير إلى الانفعال القلبي والثانية إلى العمل (لوقا ٣: ١١ و٢كورنثوس ٨: ١٣ - ١٥ وغلاطية ٦: ٦ وأفسس ٤: ٢٨ وعبرانيين ١٣: ٦).
١٩ «مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ».
متّى ٦: ٢٠ و١٩: ٢١ ولوقا ١٢: ٣٣ و١٦: ٩ ع ١٢
مُدَّخِرِينَ أي مذخرين بمراعاة السخاء والكرم لا في الصناديق والأكياس والمقتنيات كما فعل الغني الذي «أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هٰذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي» (لوقا ١٢: ١٦ - ١٨). وقول الرسول هنا يوافق قول المسيح «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى ٱلأَرْضِ... بَلِ ٱكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٦: ١٩ و٢٠) وقوله «ٱصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ ٱلظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي ٱلْمَظَالِّ ٱلأَبَدِيَّةِ» (لوقا ١٦: ٩).
أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ أي غنىً روحياً كالأساس في الرسوخ والثبات بخلاف الغنى الأرضي المتقلقل السريع الزوال. فمن وزع كنوزه الأرضية بالإيمان والمحبة تحقق أنه يجمع في السماء غنىً روحياً.
لِكَيْ يُمْسِكُوا بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وهي الحقيقة الدائمة التي عربونها الكنز في السماوات. فالذي يمسك بخيرات هذا العالم لا يقدر أن يحفظها قنية أبدية مبهجة. والطريق الفضلى إلى أنفاق المال الفاني هي اتخاذه وسيلة إلى اقتناء الحياة الأبدية. وهذا لا يمنع كون تلك الحياة هبة مجانية وأن أساسها نعمة الله ولا يزال الغني والفقير كلاهما يخلصان بدم المسيح. ولكن الذين يخلصون بدم المسيح يمكنهم أن يزيدوا سعادتهم الأبدية بأعمال المحبة وإنكار الذات والطاعة لأوامر الله المذكورة هنا بموجب ما وعد الله به تنازلاً منه تعالى. ولكن إن أنفق الإنسان ماله على الفقراء أو بناء الكنائس متوقعاً بذلك الحصول على معفرة الخطايا والسعادة السماوية خدع نفسه لأن كرمه في ذلك ناشئ عن حب ذاته طمعاً بالمجازاة وهذا يفرق كل الفرق عن كرم المؤمن المصالح لله المغفورة له خطاياه المنفق ماله حباً لله ولأجساد الناس ونفوسهم.

خطاب خصوصي لتيموثاوس في حفظ ما أوصاه به في هذه الرسالة والاحتراس من كل ما حذّره منه ع ٢٠ إلى ٢٢


٢٠ «يَا تِيمُوثَاوُسُ، ٱحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ، مُعْرِضاً عَنِ ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ».
٢تيموثاوس ١: ١٤ وتيطس ١: ٩ ورؤيا ٣: ٣ و١: ٤ و٦ و٤: ٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٤ و١٦ و٢٣ وتيطس ١: ١٤ و٣: ٩
لعل الرسول كتب هذا الفصل بيده كعادته في ختم بعض رسائله.
ٱحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ المذكورة في (ص ١: ١٨) وهي دعوة الله إياه إلى التبشير بالإنجيل. ويصح أن يُقال أن تلك «الوديعة» هي الإنجيل نفسه. وعبّر عنها «بالوصية» في (ع ١٤). و «بالوديعة الصالحة» في (٢تيموثاوس ١: ١٤). وهذه «الوديعة» أخذها تيموثاوس من المسيح أصلاً ومن بولس وبعض المشيخة بوضع أيديهم عليه (١تيموثاوس ٤: ١٤).
وعلى من أخذ الوديعة أن يسلمها لمن هي له لأنها ليست ملكه وأن يؤديها إليه غير ناقصة ولا متغيرة. و «الوديعة» نفسها ثمنية جداً لأنها حق الله المنزل من السماء بواسطة الروح القدس. فيجب على كل مؤمن ولا سيما كل مبشر أن يكون أميناً في حفظ هذه الوديعة وتسليمها بدون تغيّر لمن يخلفونه.
مُعْرِضاً عَنِ ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ سبق الكلام على ذلك في (ص ٤: ٧) فارجع إليه وانظر أيضاً (٢تيموثاوس ٢: ١٦). وهذا وصف تعليم المعلمين الكاذبين المذكورين آنفاً في (ع ٤ و٥ وص ١: ٤ و٤: ١). وتجنب «الكلام الباطل» ضروري «كحفظ الوديعة» ووصف «كلامهم بالباطل» يستلزم أنه خال من المنفعة. ووصفه «بالدنس» يشير إلى تأثيره في الذين يقبلونه.
وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ أي المسائل الجدلية في ما لا طائل تحته والسفسطيات التي أولع بها فلاسفة أولئك العصر ومناطقته وسمّوها علماً وهي ليست بعلم. وادعوا مخالفة بعض الحقائق لبعض كما يدّعي بعض الناس اليوم منافاة بعض الحقائق لبعض كاختيار الإنسان وقضاء الله وقداسة الله ووجود الخطيئة والناموس والإنجيل والإيمان والأعمال. وقيّد ذلك «العلم» «بالكاذب الاسم» إشارة إلى الأضاليل التي أنشأها الغنوسيين (كولوسي ٢: ٨) وأدخلوها في قواعد الدين المسيحي وسموا تعليمهم غنوسياً (γνωσις) أي «علماً» وهو ليس بعلم. فالعلم الحقيقي الروحي من أفضل المواهب التي منحها الروح القدس الكنيسة وأما «العلم الكاذب الاسم» فأضر الكنيسة كثيراً في عصورهاً الأولى. نعم إن تلك الأضاليل لم تبلغ عظمتها إلا في القرن الثاني لكن بولس رأى مبادئها في عصره وحذّر تلميذه منها.
٢١ «ٱلَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ».
ص ١: ٦ و١٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٨
ٱلَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ أي اعترفوا «بالعلم الكاذب» وهم ممن ادّعوا أنهم مسيحيون أو كانوا ممن اعترفوا بالدين المسيحي ثم تمسكوا بالفلسفة الكاذبة ولم يذكرهم بأسمائهم لأن تيموثاوس كان يعرفهم.
زَاغُوا مِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ أي تركوا التعليم الصحيح المتلعق بالمسيح. ومعنى قوله «زاغوا من جهة الإيمان» كمعنى قوله «ضلوا عن الإيمان» (ع ١٠) فباتكالهم على علمهم أخطأوا غرض الإيمان وهذا يشبه قوله «قوم انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان» (ص ١: ١٩).
أبان الرسول لتيموثاوس خطر الإصغاء إلى التعليم الفاسد والتسليم بمبادئه الأولى وأمره بالإعراض عن كل ذلك وأعلن له وجوب الإيمان بالمسيح مصلوباً. ولم يبين الرسول هل بقي أولئك القوم الذين زاعوا في كنيسة أفسس أو انفصلوا عنها.
٢٢ «اَلنِّعْمَةُ مَعَكَ. آمِينَ».
اَلنِّعْمَةُ مَعَكَ ختم بولس رسالته بالبركة الرسولية. و «النعمة» تشتمل على كل البركات فكل المؤمنين يتوقعونها ويثبتون بها. وهذا الدعاء لتيموثاوس وحده ودعاؤه في الرسالة الثانية كان له ولسائر أعضاء الكنيسة.

Call of Hope
P.O.Box 10 08 27
D - 70007
Stuttgart
Germany