المقدمة وفيها ستة فصول

الفصل الأول: في مدينة تسالونيكي


كانت تسالونيكي قصبة مكدونية في أيام المملكة الرومانية وكرسي الوالي الروماني وهي على طرف خليج ثرمائي وعلى أمد مئة ميل من فيلبي جنوباً غربياً. وكانت مبنية على حدب به تشرف كل بيوتها على البحر واسمها القديم ثرمي جدد بناءها كسندر أحد قواد اسكندر الكبير وحصّنها وسماها تسالونيكي إكراماً لزوجته تساليا أخت اسكندر. واشتهرت بعظمتها وغناها ومتجرها ولم تزل منذ ذلك الوقت إلى هذه الساعة عامرة واسمها اليوم سالونيك وسكانها ما بين سبعين ألفاً وتسعين ألفاً وقيل أن سُدس أهلها من اليهود قصدوها لجودة متجرها وأن فيها نحو عشرين مجمعاً يهودياً. وأبنيتها اليوم على النسق الجديد ولكن لم يزل فيها بعض الأبنية الرومانية القديمة.

الفصل الثاني: في كنيسة تسالونيكي


أنشأ كنيسة تسالونيكي بولس بمساعدة سيلا وتيموثاوس في سفره الثاني للتبشير سنة ٥٢ ب. م وهي الكنيسة الثانية التي أنشأها في أوربا (أعمال ١٧: ١ - ٩) أتى بولس إلى تسالونيكي وكان لم يزل متألماً مما قاساه في فيلبي من الجَلد والسجن. وشرع حسب عادته في تبشير اليهود بمجمعهم لكنهم لم يقبلوه فيه سوى ثلاثة سبوت فانصرف عنهم إلى الأمم. ولا نعلم كم من الزمان تقضى عليه في تسالونيكي لكن نعلم أنه بقي وقتاً كافياً لإنشاء كنيسة كبيرة بعضها من اليهود وأكثرها من الأمم بدليل قوله «فَٱقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ (أي من اليهود) وَٱنْحَازُوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلاَ، وَمِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ (أي الدخلاء) جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْمُتَقَدِّمَاتِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» (أعمال ١٧: ٤). ومما يؤيد أن أكثرها من الأمم هذه الرسالة نفسها إذ ليس فيها مقتبسات من العهد القديم أو حجج مبنية عليه ولا إشارة إلى شيء من تاريخ اليهود أو رسومهم أو عقائدهم بل فيها ما نصه «رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ» (ص ١: ٩) ولو كانوا من متنصري اليهود لكان المناسب أن يقول رجعتم «من الأعمال الميتة» (ص ١: ٩). وقيل أنهم قبلوا كلمة الله بسرور وثبتوا على الإيمان في شدائد واضطهادات كثيرة. ولم يرد بولس في مدة إقامته عندهم أن يكلمهم شيئاً من أسباب معاشه بل حصل تلك الأسباب بعمل يديه وبما أخذه من كنيسة فيلبي (ص ٢: ٩ و٢تسالونيكي ٣: ٨ وفيلبي ٤: ١٦). وأما اليهود فحسدوه على نجاحه بين الأمم والدخلاء فهيجوا عليه أوباش اليهود مدعين أن تبشيره بملكوت المسيح خيانة للأمبراطور كلوديوس قيصر رومية فاضطر الإخوة أن يرسلوه ليلاً إلى بيرية (أعمال ١٧: ٥ - ١٠). واجتهد بولس مرتين في أن يزورهم وهو في أثينا ولم يستطع والأرجح أنه زارهم أيضاً بعد ذلك وهو مار في مكدونية ولكن ليس لنا من نبإ خاص يتعلق بهذا الأمر.
وبقيت كنيسة تسالونيكي مشهورة قروناً عديدة واشتهرت بأتعابها في إرشاد أهل البلغار والسرب من الأوثان إلى المسيح. وسُميت تسالونيكي لشدة اجتهاد مؤمنيها في المحاماة عن الحق «بالمدينة الأرثوذكيسة».

الفصل الثالث: في كاتب هذه الرسالة


كاتب هذه الرسالة بولس الرسول (ص ١: ١) وهذا موافق لما قاله لوقا في سفر الأعمال في شأن بولس ورفاقه. وأسلوب الكلام فيها كالأسلوب الذي اعتاده بولس في سائر رسائله وهذا ما أجمعت عليه الكنيسة في كل العصور. وكتب بولس إلى سبع كنائس وهي كنائس رومية وكورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وكولوسي وتسالونيكي وما كتبه إلى تسالونيكي وضع بعد سائرها في كتاب العهد الجديد ولكنه كتبه قبل غيره بنحو خمس سنين.

الفصل الرابع: في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها


كتب بولس الرسول هذه الرسالة في كورنثوس حيث أقام نحو سنة ونصف سنة (أعمال ١٨: ٥) في ما بين سنة ٥٢ ب. م (حين أتى إلى كورنثوس) وربيع سنة ٥٤ حين ذهب منها فالأرجح أنه كتبها سنة ٥٣ ب. م وأدلة ذلك أن سلوانس وتيموثاوس كانا معه في كورنثوس حين كتبها ونعلم أنهما أتيا إليه وهو في تلك المدينة (أعمال ١٨: ٥). ولم نسمع أن سلوانس كان معه بعد ذهابه منها. وكان تيموثاوس قد وصل إليه من تسالونيكي قرب زمن كتابتها (ص ٣: ٦). فإذاً لم يكتبها في بدء وصوله ولم يكتبها في أثينا لأنه ذكر وجوده في أثينا أمراً قد مضى (ص ٣: ١). ومما يؤيد أنه لم يكتبها في أول وصوله إلى كورنثوس أنه كان للكنيسة فرصة كافية للمناجاة بالإنجيل في كل مكدونية وأخائية (ص ١: ٨) ولدخول بعض البدع والتشويش بينهم مما أضر بإيمانهم وطهارتهم (ص ٤: ٤ و٥: ١٤). وكانت فرصة لذهاب تيموثاوس من عنده إليهم ورجوعه إليه (ص ٣: ٢ و٦) وقد مات بعضهم (ص ٣: ١٣ - ١٨).

الفصل الخامس: في الدواعي إلى كتابة هذه الرسالة


إن الذي دعا بولس إلى كتابة هذه الرسالة كونه ترك تسالونيكي فجأة لسبب هياج اليهود عليه فلم يكن له من فرصة ليعلم المؤمنين شفاهاً ضروريات الدين المسيحي وتوقع أنه يرجع إليها سريعاً فلم يستطع (ص ٢: ١٨) فرأى أن يبلغهم بالكتابة ما فاتهم بالكلام وخاف أن شدة اضطهاد اليهود إياهم تحملهم على الارتداد وهم حديثو الإيمان فقصد أن يعزيهم ويشجعهم ليثبتوا. إنه كان قد أرسل تيموثاوس إليهم لفرط اهتمامه بهم لكي يأتيه بأنبائهم (أعمال ١٧: ١٦ وص ٣: ١). فرجع إليه بالخبر الذي أنعش روحه (ص ٣: ٦) فكتب إليهم ليعلن سروره بما سمعه من أنباء ثبوتهم وتقدمهم. والظاهر أن تيموثاوس أخبره أيضاً بما نشأ عندهم من النقائص فأخذ بولس يكتب إليهم بغية إصلاحهم. وحزن بعضهم حزناً مفرطاً على موتاهم ويئسوا من رؤيتهم أيضاً فعزاهم وأكد لهم أن الراقدين هم مع المسيح وأنهم سيجتمعون بهم أيضاً.

الفصل السادس: في مضمون هذه الرسالة


تنقسم هذه الرسالة إلى قسمين القسم الأول تاريخي وشخصي والقسم الثاني تعليمي. فذكّر الرسول في الأول مؤمني تسالونيكي بالحوادث التي حدثت وهو عندهم لكي يثبت إيمانهم بالإنجيل وصبرهم في الضيقات وشغل بذلك ثلاثة أصحاحات. ومضمون هذا القسم بعد التحية في (ص ١: ١ و٢) الشكر لله على نعمته وإعلان قوته لمؤمني تسالونيكي حتى قدرهم على أن ينموا في الإيمان والمحبة الأخوية والصبر في الشدائد (ص ١: ٣ - ١٠). وتذكيره إياهم بسيرته بينهم (ص ٢: ١ - ١٢). وإعلانه سروره بما بلغه من غيرتهم في سمع الإنجيل والطاعة له وثبوتهم في أثناء الاضطهاد (ص ٢: ١٣ - ١٦). وبيان اهتمامه بهم واجتهاده في أن يزورهم وإرساله تيموثاوس لينبئه بأحوالهم وختمه هذا القسم بالصلاة من أجلهم (ص ٢: ٢٧ - ٢٠ وص ٣: ١ - ١٣).
أما القسم التعليمي فشغل بقية الرسالة ومضمونه وجوب القداسة والامتناع عن الزناء (ص ٤: ١ - ٨). وإظهار المحبة الأخوية والهدوء والدأب والاستقامة أمام الناس (ص ٤: ٩ - ١٢). وتعليم القيامة ومجيء المسيح ثانية (ص ٤: ١٣ - ١٨). وبيان جهلنا وقت مجيء المسيح ثانية ووجوب سهرنا أبداً استعداداً له (ص ٥: ١ - ١١) وبيان واجباتهم لخدم الدين وواجباتهم الأدبية في معاملة بعضهم لبعض (ص ٥: ١٢ - ١٥). ونصائح ووصايا يتعلق أكثرها بالعبادة الجمهورية (ص ٥: ١٦ - ٢٢). وصلاة الرسول من أجلهم (ص ٥: ٢٣ و٢٤). وتوصية وبركة (ص ٥: ٢٥ - ٢٨).

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ


في هذا الأصحاح سلام لكنيسة تسالونيكي (ع ١) وشكر الرسول (ع ٢ - ٥). وبيان أنه كيف دخل الإنجيل إليهم ومدحه إيمانهم وسلوكهم (ع ٦ - ١٠).
سلام ع ١


١ «بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
٢كورنثوس ١: ١٩ و٢تسالونيكي ١: ١ و١بطرس ٥: ١٢ أفسس ١: ٢
بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ لم ينعت نفسه بالرسول كما في بعض رسائله لأنه لم يكن أحد في تسالونيكي ينكر أنه رسول بل كانوا جميعاً يعتقدون صحة رسوليته ويحبونه ويكرمونه. وذكر سلوانس وتيموثاوس معه في السلام لأنهما ساعداه على تأسيس كنيسة تسالونيكي (أعمال ١٦: ١ - ٣ و١٧: ١ و١٤).
أما سلوانس فهو سيلا على ما في أعمال الرسل وإنما سُمي سلوانس في رسائل بولس وهو من متنصري اليهود وعضو كنيسة أورشليم قيل أنه من المتقدمين في الإخوة هناك (أعمال ١٥: ٢٢). وأنه كان نبياً (أعمال ١٥: ٣٢). والظاهر أنه كان له حقوق رجل روماني (أعمال ١٦: ٣٧). عيّنه المجمع الأورشليمي رفيقاً لبرنابا وبولس عند رجوعهما إلى أنطاكية حاملين حكم المجمع إلى الكنائس (أعمال ١٥: ٢٢ و٣: ٢٣). ذهب من أنطاكية إلى أورشليم (أعمال ١٥: ٣٣) لكنه رجع إليها سريعاً ورافق بولس في سفره الثاني للتبشير (أعمال ١٥: ٤٠ و١٦: ١٩ و١٧: ٤). ولما ذهب بولس من بيرية تركه فيها مع تيموثاوس ولا نعلم ما فعل بعد ذلك حتى التقى ببولس في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥ و٢كورنثوس ١: ١٩ وع ١). والمرجح أنه رجع إلى أورشليم مع بولس ولم يُذكر بعد ذلك أنه رافق بولس. ولعله هو سلوانس نفسه الذي ذكره بطرس في رسالته الأولى إلى كنائس أسيا الصغرى (١بطرس ٧: ١٢) لكن ذلك غير محقق.
وأما تيموثاوس فانظر الكلام عليه في (أعمال ١٦: ١). وذُكر هنا بعد سلوانس لكونه أصغر منه سناً وخدمةً في الكنيسة. ومشاركتهما للرسول في هذه الرسالة مقصورة على ما في المقدمة.
كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ (انظر المقدمة صفحة ١١٥).
فِي ٱللّٰهِ إن بقية أهل تسالونيكي كانوا «في العالم» و «في الظلمة» و «في خطاياهم» لكن مؤمنيهم كانوا «في الله» لاتحادهم بالمسيح ولإيمانهم به.
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ الخ هذا مثل ما في مقدمات أكثر رسائله فارجع إلى تفسيره فيها.

شكر ع ٢ إلى ٥


٢ «نَشْكُرُ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا».
رومية ١: ٨ وأفسس ١: ١٦ وفليمون ٤
إن محبة بولس لكنيسة تسالونيكي ورغبته في تقدمها جعلتاه يسر ويشكر الله عند بلوغه أنباؤها بواسطة تيموثاوس وأنها ثابتة في الإيمان ونامية في التقوى. والأرجح أنه شارك الرسول في هذا الفكر سلوانس وتيموثاوس.
مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ أفراداً وإجمالاً.
ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا أي كلما صلينا لله من أجلكم شكرناه على ما وهبه لكم من النعمة.
٣ «مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، أَمَامَ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا».
ص ٢: ١٣ ويوحنا ٦: ٢٩ وغلاطية ٥: ٦ وص ٣: ٦ و٢تسالونيكي ١: ٣ ويعقوب ٢: ١٧ رومية ١٦: ٦ وعبرانيين ٦: ١٠
مُتَذَكِّرِينَ بلا انقطاع أو كلما صلينا وشكرنا.
عَمَلَ إِيمَانِكُمْ الخ ذكر الرسول في هذه الرسالة التي هي أول رسائله الفضائل الثلاث العظيمة وهي «الإيمان والمحبة والرجاء» التي اعتبرها المبادئ الجوهرية الأساسية الدائمة للحياة المسيحية بدليل قوله «أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ، هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةُ» (١كورنثوس ١٣: ١٣). ولم يشر الرسول هنا إلى عمل خاص عملوه بل إلى ما أظهره من الاجتهاد الديني في سلوكهم كل يوم. وهذا العمل ثمرة إيمانهم وبرهانه.
ومراده «بتعب محبتهم» ما أظهروه من المحبة للمسيح باحتمالهم الاضطهاد والشدائد من أجله ومن ذلك ما احتمله ياسون وهو واحد منهم (أعمال ١٧: ٦). وما احتمله بعضهم من أجل بعض في وقت المرض والفقر والاضطهاد. فمن خواص المحبة أن صاحبها لا يستثقل الخدمة مهما كانت ثقيلة.
ومراده «بصبر رجائهم» ما أظهروه من الأمل لأنهم بقوا مسرورين وهم يحملون صلبان الاضطهاد وكان ذلك منهم لأنهم كانوا يتوقعون المجد المزمع أن يُعلن بعد المشقات (رومية ٨: ١٨ و٢كورنثوس ٤: ١٧ وعبرانيين ١١: ٢٦ و١٢: ٢). وكان أعظم موضوع رجائهم المسيح نفسه وذلك على وفق قوله «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيطس ٢: ١٣). وقوله «ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي ١: ٢٧). فإنهم اتكلوا عليه وانتظروا مجيئه ثانية (ع ١٠) واستعلان ملكوته الذي يحقق التمتع بالمجد الذي كانوا يرجونه ولم ينظروه.
أَمَامَ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا أي أمام الله الذي هو أبونا. وقال ذلك تشجيعاً لهم فإن الناس لا يدركون عمل إيمانهم وتعب محبتهم وصبر رجائهم لكن ذلك ظاهر لله وسيجازي عليه. ورأى بعض المفسرين أن هذه العبارة متعلقة بقوله «متذكرين» في أول الآية فكأنه قال إننا نذكركم في الصلاة.
٤ «عَالِمِينَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱللّٰهِ ٱخْتِيَارَكُمْ».
كولوسي ٣: ١٢ و٢تسالونيكي ٢: ١٣
عَالِمِينَ أنتم ونحن. والمعلوم الاختيار. ووسائط هذا العلم في الآيتين الخامسة والسادسة.
ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱللّٰهِ منذ الأزل كما يدل عليه الاختيار ومواهب النعمة التي حصلوا عليها في الحال.
ٱخْتِيَارَكُمْ للحياة الأبدية بالإيمان بالرب يسوع المسيح (أفسس ١: ٤ و٥ و١١).
٥ «أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِٱلْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِٱلْقُوَّةِ أَيْضاً، وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ».
مرقس ١٦: ٢٠ و١كورنثوس ٢: ٤ و٤: ٢٠ و٢كورنثوس ٦: ٦ كولوسي ٢: ٢ وعبرانيين ٢: ٣ ص ٢: ١ و٥ و١٠ و١١ و٢تسالونيكي ٣: ٧
أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِٱلْكَلاَمِ فَقَطْ أي لم يبلغكم بمجرد الكلام الفصيح لأنه أتاكم من الله بيدي وأيدي رفيقي. إن الروح القدس نهاه أن يبشر في أسيا وبثينية (أعمال ١٦: ٧) ودعاه في الرؤيا إلى أن يذهب إلى مكدونية فذهب بالإنجيل إلى تسالونيكي إجابة للدعوة السماوية. وكان ذلك واسطة إلى نيلهم البركات المذكورة في الآية الثالثة وأحد الأدلة على كونهم مختارين.
بِٱلْقُوَّةِ هذا دليل ثان على كونهم مختارين وليس في ذلك إشارة إلى المعجزات التي صنعها بولس بينهم بل إلى كون وعظه قد أثر في قلوبهم حتى أصغو إليه بفرح واقتنعوا بالحق الذي أعلنه لهم وقبلوه بالإيمان والتوبة.
وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مصدر تلك القوة فإنه هو الذي قدر بولس على التبشير (أعمال ١: ٨ و٤: ٣٣ و٦: ٥ و٨ و١كورنثوس ٢: ٤). فإنه حيث الروح القوة وحيث لا روح كلام فقط.
بِيَقِينٍ شَدِيدٍ أي «لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ ٱلْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ» (كولوسي ٢: ٢). فالذي قوّى بولس على التبشير فتح قلوبهم بكل ثقة. رأى بعضهم أن اليقين المذكور هو يقين الرسول في تبشيره.
كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ هذا متلعق «بعالمين» (ع ٤) فإن بولس كما عرف اختيارهم بأدلة واضحة علموا هم أمانته في التبشير باجتهاده في أن يجعل كلامه مقبولاً بواسطة سيرته لأنه أتى بما أمر غيره به بقوله «اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ» (كولوسي ٤: ٥).
مِنْ أَجْلِكُمْ أي لتخلصوا. لم يطلب بولس في شيء من أعماله شيئاً من المجد أو المنفعة لنفسه لكنه عمل بيديه لكي يعظ مجاناً. وقرن وعظه بسيرة مقدسة لكي يكون بلا عثرة في سبيل الإنجيل (ص ٢: ٨ - ١٠).
لا سبيل للمبشر إلى إثبات الحق الذي بشر به أحسن من السيرة الطاهرة وهي الواسطة التي يعتمدها اليوم المرسلون الذين يذهبون إلى الوثنيين ليردوهم من عبادة الأوثان إلى عبادة الإله الحق والإيمان بالمسيح لأنهم لا يقدرون أن يصنعوا معجزات كما صنع الرسل في تبشيرهم.

بيان دخول الإنجيل بينهم ومدحه إيمانهم وسلوكهم ع ٦ إلى ١٠


٦ «وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ ٱلْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».
١كورنثوس ٤: ١٦ و١١: ١ وفيلبي ٣: ١٧ وص ٢: ١٤ و٢تسالونيكي ٣: ٩ أعمال ٥: ٤١ وعبرانيين ١٠: ٣٤
صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا انظر تفسير (١كورنثوس ١١: ١). إن أهل تسالونيكي شاهدوا سيرة بولس وسيلا وتيموثاوس واتخذوها برهاناً على صدق الإنجيل الذي بشروا به فاجتهدوا أن يسيروا سيرتهم فبرهنوا بذلك قوة الكلمة على تغيير القلوب.
وَبِالرَّبِّ الرب هو المثال الأول الذي يجب الاقتداء به لكن الرسل بتمثلهم بالرب صاروا مثالاً لغيرهم. ويظهر من الكلام هنا أن سيرة المسيح المقدسة التي بلا عيب ولا دنس كانت من أهم مواضيع وعظ الرسل ووسيلة إلى تنوير السامعين وتقديسهم.
إِذْ قَبِلْتُمُ ٱلْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ من مقاومة الأعداء (أعمال ١٧: ٥ - ٨). إنهم آمنوا بالإنجيل في أيام اشتد فيها الاضطهاد وبذلك كانوا متمثلين بالمسيح بحملهم صليب إنكار النفس والألم (عبرانيين ١٢: ١ - ٤) وبالذين أتوا بالإنجيل إليهم.
بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي الفرح الذي أنشأه الروح القدس بشعورهم بأن خطاياهم غُفرت وأنهم صالحوا الله وصار لهم رجاء وطيد في نيل السماء وكان ذلك الفرح عظيماً إلى حد أنه غلب الحزن الذي أثاره أعداء الإنجيل.
٧ «حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ».
حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً في رغبتكم في قبول الحق وشدة تمسككم به في أثناء التجارب والغيرة في نشر الحق لغيركم فكنتم كالخميرة الصغيرة التي ذُكرت في مثل المسيح (متّى ١٣: ٣٣).
فِي مَكِدُونِيَّةَ البلاد المجاورة التي تسالونيكي قصبتها. وللكنيسة المسيحية الأمينة في مدينة كتسالونيكي وسائط لنشر البشرى السماوية ليست لغيرها فإنه كثيرون يقصدونها ليقتنوا الكنز الأرضي فيجدون الكنز المخفى السماوي.
وَفِي أَخَائِيَةَ هو القسم الثاني من بلاد اليونان جنوبي مكدونية قصبته كورنثوس وهذان القسمان كانا غالباً يعمان كل بلاد اليونان وكانت تسالونيكي فرضة فكان يجتمع فيها كثيرون من التجار والملاحين فكان لهم فرصة عظيمة في مجيئه وذهابهم ليسمعوا الإنجيل ويحملوه.
كانت غيرة مؤمني تسالونيكي الدينية عظيمة جداً حتى أثرت في الذين في بلادهم وفي غيرها ويظهر من ذلك أنه مرّ عليهم زمن ليس بقليل منذ زرع بولس الإنجيل في تلك المدينة الوثنية وأن الروح القدس عمل بقوة في قلوبهم كما عمل في قلوب اليهود في أورشليم يوم الخمسين (أعمال ص ٢).
٨ «لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِٱللّٰهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً».
رومية ١٠: ١٨ ورمية ١: ٨ و٢تسالونيكي ١: ٤
لأَنَّهُ ما في هذه الآية ثابت لما في الآية السابعة مع زيادة عليها.
مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ أي أن كنيستكم كانت المركز الذي منه انتشر النور في كل تلك الكورة وما جاورها.
فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً أي حيث كان يذهب الناس من مدينة تسالونيكي براً وبحراً كانوا يحملون نبأ الانتباه الديني العظيم الذي نشأ في تلك المدينة. وصل إلى كورنثوس من رومية في مثل زمن كتابة هذه الرسالة إكيلا وبريسكلا ولعلهما أخبرا بولس أنه بلغ رومية أنباء إيمان مؤمني تسالونيكي.
قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِٱللّٰهِ أي انتشر النبأ بشدة إيمانهم بالله. قال هذا مقابلة للأوثان المذكورة في الآية التالية.
حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً أي لم يبق من حاجة لبولس ورفقائه أن يخبروا بنجاحهم في المناداة بالإنجيل لأنها عُرفت للجميع بواسطة غيرة مؤمني تسالونيكي.
٩ «لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ».
ص ٢: ١ و١كورنثوس ١٢: ٢ وغلاطية ٤: ٨
لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ أي الناس عامة من كل من سمع أنباء مجيء بولس إلى تسالونيكي.
أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ أي الحوادث المقترنة بمجيئنا إلى تسالونيكي وحقيقة تعليمنا وجسارتنا في الكلام وطهارة سيرتنا وعظمة قوة الروح القدس التي صحبتنا. وذلك كله ذكره الرسول بالتفصيل في (ص ٢: ١ - ١٢) وأبان مسرتهم بقبول الإنجيل وتأثيره فيهم من تجديد وتقديس في أثناء الشدائد في (ص ٢: ١٣ - ٢٠ وص ٣: ١ - ١٣). وذُكر ذلك التأثير بالاختصار في باقي هذه الآية.
وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ الخ أي أنه كما شاع نبأ إتيان بولس بالبشرى إلى تسالونيكي شاع خبر نتائج ذلك الإتيان وهو أن بعض اليهود آمن ولكن أكثر الذين آمنوا كان من الوثنيين. فإن بولس اجتهد أولاً في أن يحملهم على ترك عبادة الأوثان البكم واتباع عبادة الإله الحي. ولو اقتصر على حملهم على ترك عبادة الأوثان لم يفدهم شيئاً فلزم أن يرشدهم إلى عبادته تعالى من كل قلوبهم.
١٠ «وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي».
رومية ٢: ٧ وفيلبي ٣: ٢٠ وتيطس ٢: ١٣ و٢بطرس ٣: ١٢ ورؤيا ١: ٧ أعمال ١: ١١ وص ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ٧ أعمال ٢: ٢٤ متّى ٣: ٧ ورومية ٥: ٩ وص ٥: ٩
وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كان موضوع بولس الثاني المناداة بالمسيح على أسلوب يحملهم على أن يتوقعوا رجوعه أي مجيئه ثانية. وهذا موافق لكل تعليم الإنجيل (لوقا ١٢: ٣٦ وتيطس ٢: ١٣ وفيلبي ٣: ٢٠ وعبرانيين ١٢: ٢٨) وبشرهم بمجيء المسيح ثانية تعزية لهم في ضيقاتهم (ص ٤: ١٣ - ١٨) وحملاً لهم على الاجتهاد والانتباه (ص ٥: ١ - ١١) وعلينا أن نذكر أن بولس لم يقل «تنتظروا الخلاص» بل «تنتظروا ابنه» لأن مجيء المسيح ثانية يؤكد لتابعيه كل البركات.
ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ بشّرهم الرسول بقيامة المسيح من الأموات إثباتاً لكونه ابن الله (رومية ١: ٤) وبياناً لعلة انتظار مجيئه من السماء. وبهذا بشر بطرس في أورشليم (أعمال ٢: ٢٤ - ٣٢) وبه بشر بولس أهل كورنثوس (١كورنثوس ٥: ٤ - ٩) وتعليلاً لانتظارهم قيامة أجسادهم.
يَسُوعَ هو الاسم الذي عُرف به المسيح على الأرض باعتبار أنه ابن الإنسان واسمه المجيد ابن الله المنقذ.
ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي هذا موضوع آخر من المواضيع المهمة التي نادى بولس بها وشاع خبر تبشيره «في كل مكان». والمراد «بالغضب الآتي» دينونة الله العادلة لكل فعلة الإثم (متّى ٣: ٧ و٢تسالونيكي ١: ٧ - ١٠). إن يوم مجيء الرب لإثابة الأبرار هو نفسه يوم مجيئه لدينونة الأشرار فكان يوم الغضب لكل إنسان لو لم يكن موت المسيح على الصليب كفارة لخطايا الناس قد جعل من الحق والعدل أن يُنقذ المؤمنون به من العقاب على خطاياهم إنقاذاً تاماً أبدياً (يوحنا ٣: ١٨ و٥: ٢٤).


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي


تذكير الرسول مؤمني تسالونيكي بتصرفه بينهم عند مجيئه إليهم (ع ١ - ١٢) وكان هذا على أثر سجنه في فيلبي (ع ١ و٢) وبيان أن وعظه كان عن خلوص وصدق (ع ٣ و٤). وأنهم لم يطلبوا مجداً من الناس بل طلبوا مجد الله (ع ٥ و٦). وأنهم كانوا مترفقين وودعاء بينهم (ع ٧ و٨). وأنهم كانوا شهود بطهارة سيرته وحسن سلوكه بينهم (ع ١٠ - ١٢). ثم تذكيره إياهم قبولهم إياه عند إتيانه إليهم (ع ١٣ - ٢٠) وتفصيل ذلك أنهم قبلوا كلامه لا بمنزلة كلام الناس بل بمنزلة كلام الله (ع ١٣) وأنهم كانوا عرضة لاضطهاد اليهود كما كانت كنائس اليهودية (ع ١٤ - ٢٦). وأنه قصد أن يزورهم ولكن منعه من ذلك موانع وأنه لم يزل يشتهي أن يزورهم لأنهم مجده وفرحه (ع ١٧ - ٢٠).
تذكير الرسول إياهم بتصرفه عند مجيئه إليهم ع ١ إلى ١٢


١ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً».
ص ١: ٥ و٩
تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ هذا تفصيل قوله «أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ» (ص ١: ٩). وكان ذلك منقولاً عن الغير والذي هنا مبني على ما عهدوه. فسألهم أن يذكروا الماضي ويشهدون للمتجددين بينهم لكي يقوى إيمانهم ولكي يصير الجميع أكثر اجتهاداً وأمانة.
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً أي لم ندخل إليكم بلا اكتراث أو غاية ذات شأن بل لشوق في نفعكم شديد. فلم يشر هنا إلى نتائج ذلك الدخول فإنه أخذ يبينها في (ع ١٣).
٢ «بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلٰهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ».
أعمال ١٦: ٢٢ ص ١: ٥ أعمال ١٧: ٢ فيلبي ١: ٣٠ وكولوسي ٢: ١
بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً في فيلبي كما جاء في (أعمال ١٦: ٢٢ - ٢٤). وكان من شأن ذلك التألم أن يمنعه من المناداة بالإنجيل ثانية.
وَبُغِيَ عَلَيْنَا أي ظُلمنا وأُهنّا لأنهم ضربونا كما يضربون العبيد ونحن رومانيون في الحقوق وسجنونا وقيّدونا بلا محاكمة وهذا مخالف للشريعة الرومانية.
جَاهَرْنَا فِي إِلٰهِنَا أي لم يحملنا الظلم والألم على السكوت بل وثقنا بالله وأيقنا أنه هو أرسلنا واتحد بنا وعمل بنا فتشجعنا حتى تكلمنا بمجاهرة وحرارة.
فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ بسبب مقاومة اليهود الشديدة والذين هيّجهم اليهود علينا (أعمال ص ١٦ و١٧).
٣ «لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَلٍ، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ».
٢كورنثوس ٧: ٢ وع ٥ و٢بطرس ١: ١٦
لأَنَّ اللام هنا للتعليل فإن الرسول قصد أن يبين علة قدرته على الثبات وهي شعوره بخلوص نيته وجودة قصده.
وَعْظَنَا لإثبات عقائد الإنجيل وحمل الناس على التسليم بصحتها وقبول المسيح رباً ومخلصاً لهم.
لَيْسَ عَنْ ضَلاَلٍ أي ليس ناتجاً عن أوهام أو سفسطة بغية أن نخدع السامعين. وهذا مثل قول بطرس «لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ» (٢بطرس ١: ١٦).
وَلاَ عَنْ دَنَسٍ لغايات دنيوية فاسدة كطمع أو شهوة.
بِمَكْرٍ إن كل أعمال بولس وأقواله كانت بإخلاص واستقامة فلم يستعمل الحيلة ليصيد الناس ويجعلهم مسيحيين وذلك لأن الإنجيل لا يحتاج إلى الغش والخداع لإثبات دعاويه فإنه مستند على عمل الروح القدس ويستحيل أن ذلك الروح يواطئ على الكذب ولا يمكن أن يجري الوسائط الرديئة لحسن الغاية.
٤ «بَلْ كَمَا ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى ٱلإِنْجِيلِ هٰكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا».
١كورنثوس ٧: ٢٥ و١تيموثاوس ١: ١١ و١٢ و١كورنثوس ٩: ١٧ وغلاطية ٢: ٧ وتيطس ١: ٣ غلاطية ١: ١٠ أمثال ١٧: ٣ ورومية ٨: ٢٧
ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللّٰهِ هذا مثل قوله «حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْمُبَارَكِ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ. وَأَنَا أَشْكُرُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا ٱلَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ» (١تيموثاوس ١: ١١ و١٢). فكان بولس يعتبر نفسه دائماً وكيل إله الحق والقداسة في المناداة بالإنجيل وذلك منعه من أن يتكلم بشيء خلاف الواقع.
هٰكَذَا نَتَكَلَّمُ أي كما يليق بوكلاء الله الذين استؤمنوا على كلامه وكما يليق بالمناداة بالإنجيل الذي يُعلن للناس طريق الخلاص.
لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ كما يفعل الخادعون ليحصلوا على تلاميذ فلم نختر التعاليم التي تحمل الناس على الرضى عن أنفسهم والاتكال على برهم لنيل السعادة السماوية ونترك التعاليم التي تبكتهم على خطاياهم وتبين لهم افتقارهم إلى التوبة عن الخطية وطهارة الحياة والسيرة وهذا على وفق قوله «أَفَأَسْتَعْطِفُ ٱلآنَ ٱلنَّاسَ أَمِ ٱللّٰهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ ٱلنَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي ٱلنَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١٠ انظر ١كورنثوس ٤: ٣).
يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا من أول يوم ابتدأنا نبشر بالإنجيل إلى ساعة كتابة هذه الآية. واختبار القلوب من الأمور المختصة بالله (إرميا ١١: ٢٠ و١٧: ١٠ ومزمور ١١: ٤ ورومية ٨: ٢٧). فاجتهاد الرسول في أن يرضي الله مبني على تيقنه أنه يختبره دائماً.
٥ فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّقٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللّٰهُ شَاهِدٌ».
أعمال ٢٠: ٢٣ و٢كورنثوس ٢: ١٧ و٧: ٢ و١٢: ١٧ رومية ١: ٩
أثبت الرسول في هذه الآية ما قاله في التي قبلها.
لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّقٍ لم نتملق قط لنخدع الناس ونستميلهم إلى قبول تعليمنا. والمعنى أنه لم يأت التملق يوم كان في تسالونيكي ولا في وقت آخر.
كَمَا تَعْلَمُونَ استشهدهم على قدر ما اختبروه.
وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ أي لم نقصد أن نغنى بأموالكم ونحن نبشركم كما يفعل بعضهم يحثونكم على إنكار الذات وبذل المال لخدمة المسيح والكنيسة لكي يأخذوه لأنفسهم. والأرجح أن بعض اعدائه اتهمه أنه أتى مثل ذلك ولهذا أبى أن يأخذ شيئاً منهم لينفقه على نفسه في الضروريات.
اَللّٰهُ شَاهِدٌ استشهد الله ليثقوا بقوله في ما لم يختبروه.
٦ «وَلاَ طَلَبْنَا مَجْداً مِنَ ٱلنَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ ٱلْمَسِيحِ».
يوحنا ٥: ٤١ و٤٤ و١٢: ٤٣ و١تيموثاوس ٥: ١٧ و١كورنثوس ٩: ٤ و٦ و١٢ و١٨ و٢كورنثوس ١٠: ١ و٢ و١٠ و١١ و١٣: ١٠ و٢تسالونيكي ٣: ٩ وفليمون ٨ و٩ و٢كورنثوس ١١: ٩ و١٢: ١٣ و١٤ و٢تسالونيكي ٣: ٨ و١كورنثوس ٩: ١ و٢ و٥
وَلاَ طَلَبْنَا مَجْداً مِنَ ٱلنَّاسِ تعذر على الدنيويين أن يدركوا الأسباب التي حملت الرسول على المناداة بالديانة المسيحية لكنهم نسبوا إليه غايات من شأنها أن تحملهم هم على العمل وهي حب المال أو حب المجد الشخصي والسلطة والمقام بين الناس فاضطر بولس أن يدفع عن نفسه مثل هذه التهم.
لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ لم يطلب بولس الشهرة بأنه فيلسوف محترم ولا بكونه رسولاً من الله صانعاً معجزات وأنه فاق غيره من الرسل بالأتعاب في سبيل تأسيس الكنيسة المسيحية.
مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ الخ كان يمكنه أن يطلب منهم أن يظهروا له علامات الاعتبار اللائقة برسول المسيح وإقرارهم بأن سلطانه من الله وأن يقدموا له عطايا تدل على توقيرهم إياه واعترافهم بسلطانه. وهذا مثل قوله لأهل كورنثوس «أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ... كَبَاقِي ٱلرُّسُلِ وَإِخْوَةِ ٱلرَّبِّ وَصَفَا؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟ مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْماً وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ» (١كورنثوس ٩: ٥ - ٧).
٧ «بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا».
١كورنثوس ٢: ٣ و٩: ٢٢ و٢كورنثوس ١٣: ٤ و٢تيموثاوس ٢: ٢٤
ما صرّح به الرسول على وجه السلب في الآية السادسة في شأن معاملته إياهم صرّح به على وجه الإيجاب في هذه الآية.
مُتَرَفِّقِينَ أي استعملنا وسائط اللطف والحلم لنأتي بكم إلى الإنجيل محتملين ضعفكم ونقصانكم بطول الأناة.
فِي وَسَطِكُمْ كأني واحد منكم أي أني على غاية القرب منكم.
كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا أي إنه اهتم بهم اهتمام الوالدة بأولادها بحنوها ورقة قلبها وهذا على وفق ما قيل في (إشعياء ٤٩: ١٥ و٦٦: ١٣ وغلاطية ٤: ١٩).
٨ «هٰكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضاً، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا».
تكوين ٤٣: ٣٠ ورمية ١: ١١ و١٥: ٢٩ و٢كورنثوس ١٢: ١٥
هٰكَذَا أي بحنو الأم وحبها وهذا توكيد لقوله في (ع ٧).
إِذْ كُنَّا حَانِّينَ لكون حبنا شديد ورغبتنا في نفعكم وافرة.
نَرْضَى أي نُسر.
أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ فَقَطْ اعتبر بولس الإنجيل أعظم البركات (رومية ١: ١٦) وأنهم في غاية الافتقار إليه فرغبته في خلاصهم حملته أن يأتي إليهم بتلك البركة العظمى وأن يلح عليهم بأن يقبلوه لكنه لم يكتف بإظهار محبته لهم بمنح هذه التقدمة إياهم.
بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضاً كان مستعداً إن اقتضت الحال أن يموت من أجلهم على منهج قول يوحنا الرسول «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (١يوحنا ٣: ١٦) وقال ذلك لكي يؤكد لهم خلوص حبه إياهم وأنه لم يتركهم حين أرسله بل ليمنع وقوع الشغب في المدينة الذي من شأنه أن يجلب الضرر عليهم ويمنع تقدم الإنجيل بينهم.
لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا والدليل على ذلك كونه مستعداً أن يبذل نفسه عنهم على حد قول المسيح «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا ١٥: ١٣).
٩ «فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً وَنَهَاراً كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ».
أعمال ٢٠: ٣٤ و١كورنثوس ٤: ١٢ و٢كورنثوس ١١: ٩ و٢تسالونيكي ٣: ٨ و٢كورنثوس ١٢: ١٣ و١٤
أشار إلى ما فعله من أجلهم دليلاً على عظمة محبته لهم وخلوصها فضلاً عما قاله بياناً لذلك فإنه أنكر نفسه وحمل التعب والمشقات من أجلهم وهم أنفسهم شهود بذلك وقادرون على أن يذكروه إذا أرادوا.
فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ إذا رجعتم.
تَعَبَنَا وَكَدَّنَا أشار بذلك إلى ما قاساه من التعب الشديد بعمل يديه في صنع الخيام. وكانت تلك الخيام مما يستعمله المسافرون والعسكر (أعمال ١٨: ٣) وتُصنع من شعر المعزى. وكان ذلك العمل يقتضي تعباً كثيراً لكي يحصل به العامل على ما يقوم بنفقة نفسه وغيره. ويدل على ذلك قوله «وَلاَ أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ» (٢تسالونيكي ٣: ٨).
إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ لم يقصر شيئاً في ما يجب عليه باعتبار كونه مبشراً ورسولاً مع أنه كان كأحد الصناع. وأتى ذلك لكي لا يعرض نفسه للتهمة أنه كان يبشر للطمع في أسباب المعاش والمال ولكي يرغب السامعين في تعليمه لتحققهم إخلاص نيته في التبشير.
لَيْلاً وَنَهَاراً لعله كان يشغل أكثر النهار بالتعليم والوعظ ويشغل بعض النهار والليل بالعمل في صناعته فحرّم نفسه راحة النوم التي تمتع بها غيره وكان هو شديد الحاجة إليه.
كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ بأخذ أسباب المعاش منه.
١٠ «أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَٱللّٰهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ».
ص ١: ٥ و٢كورنثوس ٧: ٢ و٢تسالونيكي ٣: ٧
استشهد الله واستشهدهم في الآية الخامسة على طهارة سيرته بينهم في أمور خاصة ودعاهم هنا إلى الشهادة بذلك في عموم تصرفه بينهم.
بِطَهَارَةٍ أمام الله الذي هو قدوس ويطلب القداسة من عباده (١بطرس ١: ١٦).
وَبِبِرٍّ أمام الناس بإعطاء كل إنسان حقه.
بِلاَ لَوْمٍ أمام الله والناس. فإنه لم يفعل شيئاً يوجب اللوم عليه. وهو لم يدّع أنه كامل بل أنه بذل كل الجهد في أن يكون أميناً في القيام بكل ما يجب عليه وطلب النعمة من الله ليقدره على ذلك فوجدها.
بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ كان لهم فرصة أن يعرفوا أسلوب حياته وأن يحكموا في أمر أمانته مما ليس للخارجين.
١١ «كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَٱلأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ».
هذه الآية إثبات وإيضاح لما سبق.
كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ أي أنتم تعلمون أننا سلكنا بمقتضى وعظنا خلافاً لمن أشار إليهم المسيح بقوله «يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ ٱلْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ ٱلنَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ» (متّى ٢٣: ٣ و٤). فإن بولس وعظهم بالإيمان بالمسيح وقداسة الحياة وكان سلوكه مطابقاً لكلامه.
كَٱلأَبِ لأَوْلاَدِهِ شبه نفسه قبلاً «بالوالدة المرضعة» (ع ٧) وشبهها هنا «بالأب» الذي يشجع أولاده بأقواله وأعماله.
نُشَجِّعُكُمْ وأنتم عرضة للتجارب والمشاق. فكان ينشطهم لكي لا يخافوا ويرتدوا عن المسيح.
١٢ «وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ».
أفسس ٤: ١ وفيلبي ١: ٢٧ وكولوسي ١: ١٠ وص ٤: ١ و١كورنثوس ١: ٩ وص ٥: ٢٤ و٢تسالونيكي ٢: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٩
وَنُشْهِدُكُمْ هذا أقوى من قوله «نعظ» على قدر ما يكون الكلام في المحكمة الشرعية أقوى من الكلام المعتاد.
لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ سبق مثل هذا في (أفسس ٤: ١ وكولوسي ١: ١٠) فراجع التفسير في الموضعين. لم يكتف بولس أن يحث هؤلاء الناس على الاعتراف بالمسيح والإيمان به وأنهم قبلوا دعوة الله وهم يعيشون كما كانوا يعيشون قبلاً بل رغب في أن يُظهروا جودة إيمانهم بقداسة سيرتهم التي هي مما يتمجد الله به.
ٱلَّذِي دَعَاكُمْ (انظر تفسير ١كورنثوس ١: ٩).
إِلَى مَلَكُوتِهِ لكي تكونوا أتباع ملكوت الرب يسوع المسيح الذي سيعلن كل الإعلان عند مجيئه.
وَمَجْدِهِ أي ليشتركوا في «مجده الذي كان له قبل كون العالم» (يوحنا ١٧: ٥ و٢٤). ومما يدل على ذلك قوله «نفتخر على رجاء مجد الله» (رومية ٥: ٢).

تذكير الرسول التسالونيكيين كيف قبلوا الإنجيل بواسطته ع ١٣ إلى ٢٠


١٣ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ».
ص ١: ٣ رومية ١: ١٦ و١٧ متّى ١٠: ٤٠ وغلاطية ٤: ١٤ و٢بطرس ٣: ٢
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي إما بسبب ما ذُكر من أتعابه في سبيل الإنجيل وتيقنه أن عمله لم يكن باطلاً وإما بسبب ما سيذكر من كونهم قبلوا كلمة الحق.
نَحْنُ أَيْضاً أي أنا تيموثاوس وسيلا والمؤمنون في مكدونية وأخائية.
نَشْكُرُ ٱللّٰهَ على أن الله فتح بنعمته قلوبهم لقبول كلمته.
إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا بخلاف ما فعله أكثر اليهود الذين في تسالونيكي وهم الذين لم يقبلوا الإنجيل وهيجوا عليهم رعاع الأمم.
كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ أبان بولس أنه ورفيقاه لم يكونوا سوى دعاة إلى الإنجيل فإن مصدره الأول هو الله وأنه بهذا يختلف عن كل تعاليم الحكمة الدنيوية أو الفلسفة التي مصدرها عقول الناس.
كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ لم يكتف بإعلان أن التسالونيكيين اعتبروا الإنجيل كلمة الله بل زاد على ذلك التصريح بأنه كذلك حقاً وهذا إثبات للوحي عظيم.
ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أي صارت مؤثرة في قلوبكم بقوة الروح القدس حتى أنها جددت قلوبهم وسيرتهم. وهذا كقول إشعياء النبي «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ ٱلْمَطَرُ وَٱلثَّلْجُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ ٱلأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هٰكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء ٥٥: ١٠ و١١). وقول إرميا «أَلَيْسَتْ هٰكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ ٱلصَّخْرَ» (إرميا ٢٣: ٢٩). وقول الرسول «لأَنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين ٤: ١٢).
أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ كان تأثير الإنجيل فيهم برهاناً على أنه من الله.
١٤ « فَإِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي هِيَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ ٱلآلاَمَ عَيْنَهَا كَمَا هُمْ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَهُودِ».
غلاطية ١: ٢٢ أعمال ١٧: ٥ و١٣ عبرانيين ١٠: ٣٣ و٣٤
في هذه الآية برهان ثان على كون الإنجيل كلمة الله لأنه قدرهم على أن يتمثلوا بكنائس اليهودية في احتمال الاضطهادات من أجله وهذا دليل على أنهم شعب المسيح وهو كقوله «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (يوحنا ١٥: ١٩).
صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ هذا لا يفيد أنهم قصدوا التمثل بتلك الكنائس بل أن شدائدهم كانت مثل شدائدها فإنهم أظهروا كما أظهرت من الشجاعة والصبر والثبات والاتكال على الله. وهذا كقوله لمؤمني فيلبي «إِذْ لَكُمُ ٱلْجِهَادُ عَيْنُهُ ٱلَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَٱلآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ» (فيلبي ١: ٣٠). ومما يؤكد صدق الإنجيل هو أن أثماره واحدة في كل مكان وزمان وأن المقاومة له واحدة واختبار الذين قبلوه كذلك. وبعض ما أصاب كنائس اليهودية من الآلام لأجل الإنجيل ذُكر في (أعمال ١١: ٢٩ و٢٤: ١٧ ورومية ١٥: ٢٦). ويظهر من الكلام هنا أنه بلغ أهل تسالونيكي نبأ تلك الآلام.
لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ أي من أهل مدينتكم تسالونيكي يهوداً وأمماً لأن اليهود هيجوا الأمم عليهم بما أتوه من الدسائس والنمائم (أعمال ١٧: ٥).
كَمَا هُمْ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَهُودِ أي كما جرى على كنائس اليهودية إذ ليس من يقاومهم هنالك سوى اليهود.
١٥ «ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ».
أعمال ٢: ٢٣ و٣: ١٥ و٥: ٣٠ و٧: ٥٢ متّى ٥: ١٢ و٢٣: ٣٤ و٣٧ ولوقا ١٣: ٣٣ و٣٤ وأعمال ٧: ٥٢ أستير ٣: ٨
ذكر ما في هذه الآية ليبين أنه لا عجب من أن اليهود هيجوا عليهم الاضطهاد حين آمنوا لأن ذلك كان من دأب أمة اليهود.
قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ كما أوضح بطرس في سفر الأعمال (أعمال ٢: ٢٣).
وَأَنْبِيَاءَهُمْ كما في (متّى ٢١: ٣٣ - ٤٠ و٢٣: ٢٩ - ٣٧) وكما أوضحه استفانوس بقوله «أَيُّ ٱلأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا ٱلَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ ٱلْبَارِّ» (أعمال ٧: ٥٢).
وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ أي أنا بولس وسيلا في إيقونية (أعمال ١٤: ٥) ودربة ولسترة (أعمال ١٤: ١٩) فإنهم طردونا من بينكم ومن بيرية (أعمال ١٧: ٥ و١٣).
وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ ادعوا حين اضطهدوا الرسل أنهم أتوا ذلك ليرضوا الله لكن شهادة الله للرسل أبانت أنه راض بفعلهم ومغتاظ من مضطهديهم بدليل قوله لشاول المضطهد «شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي» (أعمال ٩: ٤).
وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ اعتبر اليهود أنفسهم شعب الله الخاص. وأنهم ممتازون برضاه عنهم وبكونهم أهل الدين الحق فانفصلوا عن سائر الناس واعتقدوا أنهم نجسون واحتقروهم وأبغضوهم. فزادوا كرهاً وبغضاً للأجانب منذ استولى الرومانيون عليهم. وشهد مؤرخو الرومانيين في عصر بولس مثل تاسيتوس وجوفينال بصحة ذلك.
١٦ «يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلٰكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ».
لوقا ١١: ٥٢ وأعمال ٣: ٥ و١٤: ٥ و١٩ و١٧: ٥ و١٣ و١٨: ١٢ و١٩: ٩ و٢٢: ٢١ و٢٢ تكوين ١٥: ١٦ ومتّى ٢٣: ٣٢ متّى ٢٤: ٦ و١٤
يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلأُمَمَ (أعمال ١٥: ٥ و٢٢: ٢١ و٢٢). علة مقاومة اليهود إياهم أنهم لم يوجبوا على مؤمني الأمم أن يحفظوا ناموس موسى لزعمهم ضرورية ذلك.
لِكَيْ يَخْلُصُوا يلزم من ذلك أن منعهم الرسل من تبشيرهم الأمم منع الأمم من الخلاص لأنهم بالبشرى يقبلون المسيح ويتوبون.
حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ هذا نتيجة ثانية وقعت على غير قصدهم لأنه بمنعهم الذين أرسلهم الله للتبشير قاوموه تعالى وأغاظوه وكان ذلك من وسائط ملهم مكيال خطاياهم إلى الحد الذي عيّنه الله لاحتماله إياهم وامتحانه لهم وبداءة دينونة لهم وسكبه غضبه عليهم من أجل خطاياهم. كان اليهود معاندين دائماً منذ أول أمرهم فأغاظوا الله بأعمالهم ولما زادوا على قتل الأنبياء أنهم قتلوا ابنه ومنعوا رسله من التبشير أغاظوه إلى غاية ما يمكن.
كُلَّ حِينٍ أي أن اليهود شرعوا من أول أمرهم يملأون مكيال خطاياهم وكانوا كذلك في كل قرن واستمروا عليه على توالي الأيام.
وَلٰكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ الذي قضى الله بأن يعلنه حين يمتلئ مكيال خطاياهم. رأى بولس أنه قد ابتدأ حينئذ روح الله يفارق أمة اليهود وأن دينونتهم ابتدأت وهي التي تمت سنة ٧٠ للميلاد أي بعد كتابة هذه الرسالة بنحو ثماني عشرة سنة بهدم الهكيل وخراب مدينتهم أورشليم وقتل رجالهم وسبي أحيائهم وتشتتهم في كل العالم.
إِلَى ٱلنِّهَايَةِ أي نهاية ما قضى الله به عليهم من الدينونة وذلك بأنه لم يترك لهم مملكة ولا مدينة ولا هيكلاً ولا كهنة ولا راحة.
١٧ «وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، فَإِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِٱلْوَجْهِ لاَ بِٱلْقَلْبِ، ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ بِٱشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ».
١كورنثوس ٥: ٣ وكولوسي ٢: ٥ ص ٣: ١٠
أبان هنا الرسول شوقه إليهم والبراهين على ذلك.
وَأَمَّا نَحْنُ بخلاف اليهود المذكورين في (ع ١٥ و١٦).
إِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ شبه حزن قلبه لفراقهم بما ينشأ عند انفصال الأولاد عن والديهم بياناً لفرط حزنه لذلك الفراق وشوقه إلى مشاهدتهم. شبه إحساسه إليهم قبلاً بإحساس الوالدة إلى أولادها (ع ٧) والوالد إلى أولاده (ع ١١).
زَمَانَ سَاعَةٍ أشار بذلك إلى ما حدث حين أرسله الإخوة إلى بيرية خشية من وقوع سجس (أعمال ١٧: ٥ و١٠) وظن بولس حينئذ أن الفراق يكون قصيراً جداً وأنه سيرجع إليهم سريعاً ولكن كانت النتيجة خلاف المنتظر فكان الفراق طويلاً مؤلماً.
بِٱلْوَجْهِ لاَ بِٱلْقَلْبِ أي فارقناكم بالجسد وبقينا عندكم بالأفكار والعواطف.
ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ أي أن ألم الفراق جعل الرسول يختبر شدة محبته لهم إذ حركه على بذلك المجهود في الرجوع إليهم.
١٨ «لِذٰلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ».
رومية ١: ١٣ و١٥: ٢٢
لِذٰلِكَ أي لشدة شوقنا إلى مشاهدتكم.
أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ خص نفسه بالذكر بياناً لأنه قصد هو الإتيان إليهم لكنه لم يستطع لأن ذلك لا يصدق على رفيقيه تيموثاوس وسيلا لأن تيموثاوس بقي في تسالونيكي حين ذهب بولس إلى بيرية (أعمال ١٧: ١٠) ولما ذهب بولس من بيرية إلى أثينا ترك سيلا وتيموثاوس فيها (أعمال ١٧: ١٤).
مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أبان أنه لم يقصد أن يأتي إليهم مرة واحدة فقط بل مرتين وتفصيل ذلك لا نعلمه من سفر الأعمال ولا من هذه الرسالة.
عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ المرجح أن الذين عاقوه ظاهراً الناس الأشرار ولكنه تحقق أن الشيطان حملهم على ذلك. وأُشير إلى فعله في (١كورنثوس ٧: ٥ و١تيموثاوس ٣: ٧ ورؤيا ١٢: ٩ و١٠).
١٩ «لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟».
٢كورنثوس ١: ١٤ وفيلبي ٢: ١٦ و٤: ١ أمثال ١٦: ٣١ و١كورنثوس ١٥: ٢٣ وص ٣: ١٣ ورؤيا ١: ٧ و٢٢: ١٢ و٢٠
الاستفهام هنا للتقرير ولبيان عظمة اعتباره لهم وشدة رغبته في مشاهدتهم.
مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا أي موضوع رجائنا. والمعنى أن كل أنواع السرور الذي يتوقعه عند مجيء المسيح من أعظمها الاجتماع بهم وفي ذلك مدح عظيم لهم وبرهان قوي على حبه إياهم.
وَفَرَحُنَا إن حضورهم معه في السماء من أعظم أفراحه هنالك لكونهم أعزاء عليه ولأنهم خلصوا بتبشيره.
وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا كان المنتصرون في الألعاب اليونانية يُكللون بأكاليل ظاهرة ويكرمهم كل المشاهدين لهم أما بولس فلم يبتغ مجازاة على كل أتعابه وآلامه في المناداة بالإنجيل سوى أن يجد في السماء رفقاء مجده الذين أرشدهم من الظلمة الوثنية إلى نور الإنجيل لأن هذا دليل قاطع على أنه لم يتعب باطلاً. وقوله هنا موافق لقوله في (١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢كورنثوس ١: ١٤ وفيلبي ٢: ١٦).
أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أي أن رجاءنا وفرحنا أنتم وسائر المؤمنين الذين مثلكم في أنهم أتوا إلى المسيح بواسطتي (فيلبي ٤: ١).
أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ لأنه يوم يجيء المسيح يتحقق من هم المسيحيون الحقيقيون ويعترف بهم المسيح ويفرح كل المفتدين معاً. وفي هذا برهان على أن المؤمنين الذين عرف بعضهم بعضاً على الأرض سيعرف بعضهم بعضاً في السماء وإنهم يجتمعون هنالك وأن ذلك الاجتماع يكون من أعظم أسباب سعادتهم.
٢٠ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا».
خلاصة هذه الآية إثبات كون مؤمني تسالونيكي مجد الرسول وفرحه في يوم مجيء المسيح العظيم لأنهم كذلك دائماً وهم على الأرض.
مَجْدُنَا كخزائن الذهب والجواهر للملوك. والأولاد الصالحين للوالدين (أمثال ١٧: ٦) والمرأة الفاضلة لرجلها (١كورنثوس ١١: ٧) وأمناء المؤمنين للمسيح (٢كورنثوس ٨: ٢٣).
وَفَرَحُنَا لأنهم للمسيح وقد خلصوا به.


اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ


إن غاية هذا الأصحاح كغاية الأصحاح الذي سبقه وهي دفع أوهام بعض التسالونيكيين وشكاية غيرهم بأنه لا يبالي بهم وأنه فارقهم لغير ضرورة كافية وأنه تركهم يحتملون الشدائد ولم يرجع ليعزيهم ويؤكد حقيقة عنايته بهم وشدة محبته لهم وأقام برهاناً على ذلك أنه أرسل تيموثاوس إليهم وهو في حاجة إليه (ع ١ - ٥) وتعزيته بالخبر الذي بلغه من جهتهم (ع ٦ - ٨). والشكر لله من أجلهم وبيان شوقه إلى رؤيتهم وأنه كان يطلب ذلك دائماً في الصلاة (ع ٩ - ١١) وصلاة لأجل نموهم بالمحبة الأخوية والقداسة (ع ١٢ و١٣).
سبب إرساله تيموثاوس إليهم ع ١ إلى ٥


١ «لِذٰلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضاً ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا».
ع ٥ أعمال ١٧: ١٥
لِذٰلِكَ أي لما ذُكر في الأصحاح السابق من شوقه إليهم.
إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضاً أي لم نستطع أن نصبر لاضطراب أفكارنا بألم الفراق والرغبة في مسمع أخباركم بدون أن نأتي ما نلقي به ذلك الثقل لأن ذلك الاضطراب كحمل ثقيل علينا. قال بولس ذلك على نفسه لأنه حين أرسل تيموثاوس بقي وحده (أعمال ١٧: ١٥ و١٨: ٥).
ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا يظهر من نبإ لوقا أن بولس بعد ما طُرد من تسالونيكي وبيرية أتى إلى أثينا تاركاً سيلا وتيموثاوس أن يأتيا إليه سريعاً (أعمال ١٧: ١٥) والمرجح أنهما أتيا بمقتضى طلبه. ثم أرسل بولس تيموثاوس إلى تسالونيكي وسيلا إما إلى بيرية وإما إلى فيلبي ومما يثبت ذلك قول لوقا أنهما أتيا من مكدونية إلى كورنثوس على أثر وصول بولس إليها (أعمال ١٨: ٥) وكلام بولس في الآية يدل على أن وحدته بين الغرباء في أثينا كانت ثقلاً عليه لكنه فضل أن يحمل هذا الثقل لكي يرسل تيموثاوس لأجل بنيانهم في الإيمان وإظهار محبته لهم وإتيانه بأخبارهم.
٢ «فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ ٱللّٰهِ، وَٱلْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ».
رومية ١٦: ٢١ و١كورنثوس ١٦: ١٠ و٢كورونثوس ١: ١١
فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ هذا يدل على أنه وصل من تسالونيكي إلى أثينا مع أن لوقا لم ينبئ بذلك في سفر الأعمال.
أَخَانَا في المسيح ولذلك كان عزيزاً إليه فأراد الرسول أن تتخذ كنيسة تسالونيكي إرساله إياه إليهم دليلاً على محبته لها ورغبته في أن ينكر نفسه في سبيل نفعهم.
خَادِمَ ٱللّٰهِ أراد أن يعلن لهم إكرامه له مع كونه شاباً ويحقق لهم أنه قادر على إفادتهم في الروحيات.
وَٱلْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ فإذاً كان محتاجاً ويزيدهم شجاعة ورجاء.
حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ في تعاليم الإنجيل بما يقوي إيمانهم بالمسيح ويزيدهم شجاعة ورجاء.
يَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ أي لأجل توطيد إيمانكم. يفيد الوعظ في الأصل اليوناني «التعزية» وكانوا في حاجة إليها لوقوع الاضطهاد عليهم. وكانت غاية ذلك بيان أن إيمانهم ليس باطلاً وأن المسيح معتن بهم وأنه سوف ينقذهم من ضيقهم ويثيبهم على كل ما احتملوه.
٣ «كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا».
أفسس ٣: ١٣ أعمال ٩: ١٦ و١٤: ٢٢ و٢٠: ٢٣ و٢١: ١١ و١كورنثوس ٤: ٩ و٢تيموثاوس ٣: ١٢ و١بطرس ٢: ٢١
كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ ممن اعترفوا بإيمانهم لكي لا يرتد خيفة من الاضطهاد بل يكونوا راسخين.
فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ المشار إليها في (ص ٢: ١٤) والموضحة في (أعمال ١٧: ٥).
فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مما علمتكم سابقاً.
أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا أي أننا نحن وكل أتباع المسيح موضوعون للضيقات بقضاء الله تعالى لامتحان إيماننا وإعدادنا للملكوت السماوي (متّى ٥: ١٠ - ١٢ و١٠: ٢١ و٢٢ و٣٤ ويوحنا ١٥: ١٨ و١٦: ٢ وأعمال ١٤: ٢٢ و١كورنثوس ٤: ٩ و٢تيموثاوس ٣: ١٢). وقال هذا لئلا يحسبوا أنه أصابهم أمر غريب على حد قول بطرس الرسول «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا ٱلْبَلْوَى ٱلْمُحْرِقَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ ٱمْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ» (١بطرس ٤: ١٢).
٤ «لأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ، كَمَا حَصَلَ أَيْضاً، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
أعمال ٢٠: ٢٤
لأَنَّنَا هذا تعليل لعدم أن يتزعزعوا.
سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ فإذاً كانت تلك الضيقات مما أنبأهم بها فتوقعوها. ومن ذلك إخباره إياهم بما أصابه في فيلبي وما أنبأ المسيح به كل تلاميذه فتوقعوه (متّى ١٠: ١٥ - ٢٥) وما أصاب المسيحيين في أماكن كثيرة. ولم يحاول أن يجعلهم أن يؤمنوا بالمسيح بإخفائه عنهم المخاطر والمصائب المقترنة بذلك فاختار أن يحسبوا النفقة قبل أن يشرعوا في اتباع المسيح. فتمثل بولس بهذا بما أتاه المسيح يوم قال له الكاتب «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» (متّى ٨: ١٩).
كَمَا حَصَلَ الخ وذكر ذلك لوقا في (أعمال ١٧: ٥ - ٨).
٥ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضاً، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً».
ع ١ و١كورنثوس ٧: ٥ و٢كورنثوس ١١: ٣ غلاطية ٢: ٢ و٤: ١١ وفيلبي ٢: ١٦
مِنْ أَجْلِ هٰذَا أي لأني علمت أنه لا بد من أن تصيبكم المصائب وكنت مهتماً بأمر احتمالكم إياها بشجاعة وثبات.
لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضاً كما قيل في (ع ١) والمعنى أني لم أحتمل أن أبقى صابراً على انقطاع أخباركم.
أَرْسَلْتُ تيموثاوس (ع ٢).
لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ أي لأتحقق أنكم لا تزالون غير متزعزعين في الإيمان.
لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ أي للشيطان (متّى ٤: ٣ وص ٢: ١٨).
يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ أي اتخذ التجارب التي أثارها عليكم وسيلة إلى أن يلقي في قلوبكم الشك في قوة المسيح على وقايتكم والعناية بكم ولتخويفكم حتى تنكروا إيمانكم.
فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً علم بولس بوقوع التجارب عليهم وعلم أن الشيطان يجربهم بها لكنه لم يعلم ماذا تكون نتيجة ذلك أيرتدون أم يثبتون فإن ارتدوا كانت خسارتهم أعظم من خسارته لكن لطفه لم يسمح له أن يذكر خسارتهم. ومحبته لهم حملته على حسبان خسارتهم خسارة له. فاقتصر على ذكر خسارته والذي يخسره احتماله من المشاق في التبشير بالإنجيل بينهم وما يتوقعه من الفرح بخلاصهم. ولا بد من أن الله يثيبه على أمانته بالشهادة للحق قبلها الناس أم لم يقبلوها.

تعزيته بالخبر الذي بُلّغه من جهتهم ع ٦ إلى ٨


٦ «وَأَمَّا ٱلآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْراً لَنَا حَسَناً كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَرَاكُمْ».
أعمال ١٨: ١ و٥ فيلبي ١: ٨
في هذه الآية أنباء بأن كل همومه قد زالت بمجيء تيموثاوس.
إِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ ذُكر إرساله من أثينا إلى تسالونيكي في (ع ٢) وذُكر مجيئه منها إلى كورنثوس في (أعمال ١٨: ٥). فالمرجح أن هذه الرسالة كُتبت على أثر إتيانه إلى بولس بدليل قوله «الآن» في هذه الأية.
وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ تعزى بولس من أمرين الأول أن ضيقاتهم لم تحملهم على أن يشكوا في الله ورحمته ولا أن يقصروا عن مواساة إخوتهم المتضايقين معهم والمساعدة لهم.
وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْراً لَنَا حَسَناً هذا الأمر الثاني الذي تعزى بولس منه وهو أنهم لا يزالون يعتبرونه الاعتبار الأول فإن ذكرهم الحسن له واشتيقاهم إلى رؤيته من الأدلة على أنهم ثابتون في التعليم الذي علمهم إياه لأنه من أول أدلة انحراف الناس عن الإيمان هو كرههم مشاهدة الذي علمهم حقائق ذلك الإيمان.
وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا تحقق من ذلك أنهم لم يصغوا إلى من لاموه على تركه إياهم واتهموه أنه أبطأ في الرجوع بلا علة وأنهم اعتبروه معلماً وصديقاً لهم كما أنه اعتبرهم أصدقاء أعزاء له.
٧ «فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا تَعَزَّيْنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا بِإِيمَانِكُمْ».
٢كورنثوس ١: ٤ و٧: ٦ و٧ و١٣
فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا أي بناء على ما سبق في (ع ٦).
تَعَزَّيْنَا... مِنْ جِهَتِكُمْ كما تعزّى قبلاً من جهة أهل كورنثوس بمجيء تيطس من عندكم (٢كورنثوس ١: ٣ - ٧ و٧: ٦) وأصل هذه التعزية استمرار التسالونيكيين على إيمانهم بالمسيح.
فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا الخ أي في أثنائهما. لم يذكر ما علة تلك الضيقة وتلك الضرورة ولكن نعلم أنها ليست همومه في شأن التسالونيكيين وحدها لأنه لو كانت كذلك لزالت عند مجيء تيموثاوس بالبشارة.
٨ «لأَنَّنَا ٱلآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي ٱلرَّبِّ».
فيلبي ٤: ١
لأَنَّنَا ٱلآنَ نَعِيشُ أي نشغر بأننا نعيش. اعتبر بولس الضيقات والضرورات التي أحاطت به نوعاً من الموت لأنها قطعت عنه وسائل فرح الحياة واعتبر أنه انتعش بالبشارة بثباتهم حتى تجددت قوته فلم يشعر بعد بالحزن الناشئ عما أحاط به من الرزايا. إن الرسول لم يجعل ثباتهم في الإيمان إلى ذلك الوقت شرط انتعاشه لكنه حسبه استمرارهم على ذلك بدليل قوله «نعيش بأن ثبتم» لا لأنكم ثبتم.

شكره لله من أجلهم ووصفه اشتياقه إليهم ١١


٩ «لأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِكُمْ عَنْ كُلِّ ٱلْفَرَحِ ٱلَّذِي نَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ قُدَّامَ إِلٰهِنَا؟».
ص ١: ٢
أبان الرسول وفرة فرحه بالبشارة التي أتاه بها تيموثاوس بعدم استطاعته أن يشكر الله شكراً كافياً.
أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى ٱللّٰهِ حسب تقديم الشكر لله تعويضاً واجباً عن إحسانه تعالى كما حسبه داود بقوله «مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ ٱلْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ» (مزمور ١١٦: ١٢ - ١٤).
قُدَّامَ إِلٰهِنَا فرحه بإيمانهم حمله أن يشكر الله الذي هو أعطاهم نعمة الثبات وأوصله تقديم الشكر إلى حضرته تعالى كأنه واقف عند قدميه.
١٠ «طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً أَوْفَرَ طَلَبٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ».
رومية ١: ١٠ و١١ و١٥: ٣٢ أعمال ٢٦: ٧ و٢تيموثاوس ١: ٣ ص ٢: ١٧ و٢كورنثوس ١٣: ٩ و١١ وكولوسي ٤: ١٢
طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً... أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ إن إرساله تيموثاوس إليهم نائباً عنه ورجوعه إليه بالبشارة لم يرويا عطشه إلى رؤيتهم بل شوّقه أكثر إلى ذلك حتى أنه اضطر إلى الصلاة لله حتى يسهل طريقه للرجوع إليهم. والذي رغبه في تلك الصلاة هو تيقنه أن المانع من رجوعه إليهم الشيطان لا إرادة الله.
وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ تيقن بولس حقيقة إيمانهم وفرحهم باستمرارهم عليه لكنه أعلن أن إيمانهم ليس كاملاً لأنهم حديثو الإيمان ومطالعة كلام الله وأنه يمكنهم أن ينمو في تلك الفضيلة وأن الوسيلة إلى ذلك النمو زيادة تعاليم الأمور الروحية مما يكون في طاقته أن يقدمه لهم أن سمح الله بإتيانه إليهم.
١١ «وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ».
أمثال ٣: ٥ و٦ ومرقس ١: ٣
وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أي الأقنوم الأول في اللاهوت عينه ولا يخفى ما في العبارة من التوكيد وبيان الثقة بأن الله قادر على أن يبطل مقاومة الشيطان التي لم يستطع بولس إبطالها لأنه يقدر أن يجري كل مقاصده في أمور الناس على وفق مشيئته.
وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ وجّه صلاته إلى المسيح كما وجهها إلى الآب وهذا برهان على أنه اعتقد أن المسيح الله وأنه موضوع الصلاة ورب العناية كالآب لأنه يستحيل أن يشارك المخلوق الخالق في المعبودية.
يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ أي يهدينا الطريق الموصلة إليكم ويسهلها علينا. كان لله مقاصد أُخر أراد إنفاذها بواسطة بولس فبعد ما أنفذها استجاب هذه الطلبة ولكن المرجح أنه تقضت ثلاث سنين أو أربع سنين قبل أن استجابها (أعمال ٢: ١ و٣). وقوله في هذه الآية «يهدي» والضمير مفرد يرجع إلى اثنين الآب والابن دليل قاطع على كونهما جوهراً واحداً.

صلاة لأجل نموهم بالمحبة الأخوية والقداسة ع ١٢ و١٣


١٢ «وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ».
ص ٤: ١٠ متّى ٧: ١٢ ورويمة ١٣: ٨ و١كورنثوس ١٣ كله وص ٤: ٩ و٥: ١٥ و٢بطرس ١: ٧
وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ هذا طلب مستمر أجاب الله طلبته تسهيل مجيئه إليهم أولاً. والمراد «بالرب» هنا إما الروح القدس كما في (٢كورنثوس ٣: ١٧) أو الأقانيم الثلاثة. وغاية هذه الطلبة أن الله من وفرة نعمته يزيد مؤمني تسالونيكي أعظم مقدار من المحبة الأخوية.
وَلِلْجَمِيعِ لم يكتف بطلب أن يحب بعض المؤمنين بعضاً فرغب في أنهم يحبون الذين هم خارج الكنيسة محبة الشفقة والإفادة. فالمحبة الأخوية والمحبة العامة هما ثمر الروح (غلاطية ٥: ٢٢).
كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ أي كما أظهرنا لكم حين كنتم بلا مسيح ولا إنجيل لأن تلك المحبة حملتنا أن نبادركم ببشارة الخلاص. ولولا ذلك لم يكونوا بحسب الظاهر مسيحيين أصلاً.
١٣ «لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ، أَمَامَ ٱللّٰهِ أَبِينَا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ».
١كورنثوس ١: ٨ وفيلبي ١: ١٠ وص ٥: ٢٣ و٢تسالونيكي ٢: ١٧ و١يوحنا ٣: ٢٠ و٢١ زكريا ١٤: ٥ ويهوذا ١٤
لِكَيْ هذا بيان لغاية طلب الرسول نموهم وزيادتهم في المحبة (ع ١٢).
يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ هذا أيضاً من أفعال الروح القدس بدليل قول بطرس «كَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلآنَ ٱشْتَهَوْا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ» (١بطرس ٢: ٢).
أَمَامَ ٱللّٰهِ إنه أمر وجيز أن يكونوا بلا لوم أمام الناس الذين لا يرون إلا الظاهر فسأل أن يكونوا كذلك أمام الله الذي يفحص القلوب.
فِي مَجِيءِ رَبِّنَا أي في اليوم الأخير حين يدين المسيح جميع الناس قدام الله. نعم إن الآب «قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ» (يوحنا ٥: ٢٢). ولكن هذا لا يمنع أن الله يدين العالم بواسطة المسيح لأنه «أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ، بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أعمال ١٧: ٣١).
مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ أي بمرافقة جميع المفديين (متّى ٢٤: ٣١ ولوقا ٢٢: ٣٠ ويوحنا ٥: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٣ وص ٤: ١٦ و١٧). وهذا لا يمنع حضور الملائكة أيضاً فإن ذلك أعلن في (متّى ٢٥: ٣١ و١٣: ٤١ و١٦: ٢٧ و٢تسالونيكي ١: ٧). ولعل الرسول قصد «بقديسيه» مفديي الناس والملائكة معاً.


اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ


هذا الأصحاح بداءة القسم الثاني وهو القسم العملي في نصائح وتعاليم تتعلق بالتقوى وطهارة السيرة (ع ١ - ٨). ووجوب المحبة الأخوية (ع ٨ و١٠) والهدوء والاجتهاد في الأعمال (ع ١١ و١٢). وتعزية الحزانى من جهة الراقدين (ع ١٣ - ١٨).
حث الرسول التسالونيكيين على الازدياد في التقوى وفي العيشة الطاهرة ع ١ إلى ٨


١ «فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا ٱللّٰهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ».
فيلبي ١: ٢٧ وكولوسي ٢: ٦ ص ٢: ١٢ كولوسي ١: ١٠
فَمِنْ ثَمَّ أي بناء على ما سبق في القسم الأول.
نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ تكرير المعنى بجملتين دليل على كون الأمر ذا شأن عظيم.
فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي باسمه وبسلطانه وبناء على الاتحاد به.
كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا يوم كنا بينكم وعلمناكم الواجبات المسيحية.
كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا مثل الحياة المسيحية بالسير في الطريق وهذا مثل في (رومية ٦: ٤ و٨: ١ و١كورنثوس ٥: ٧ وغلاطية ٦: ١٦ وأفسس ٥: ١).
وَتُرْضُوا ٱللّٰهَ هذا يجب أن يكون غاية الإنسان العظمى في صغار الأمور وكبارها في كل يوم ساعة في القيام بالواجبات وحمل الصليب وهذا أول شروط السعادة في الدنيا وفي الآخرة.
تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ هذا خبر أنّ والمعنى نسألكم أن تبذلوا الجهد في جعل سلوككم على وفق نصائحنا أكثر من ذي قبل.
٢ «لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا أَعْطَيْنَاكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ».
لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا كان بولس عندهم منذ زمن قصير فكانوا قادرين على أن يذكروا بسهولة ما قاله في شأن الواجبات المتعلقة بسلوك المسيحيين. والمرجّح أنه كرر بعض ذلك القول في ما يأتي.
بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي بوحيه وإرشاده وأمره.
٣ «لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلزِّنَا».
رومية ١٢: ٢ وأفسس ٥: ١٧ ورمية ٦: ١٩ وأفسس ٥: ٢٧ و١كورنثوس ٦: ١٥ و١٨ وأفسس ٥: ٣ وكولوسي ٣: ٥
لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ المعلنة في كلمته بالأوامر والمواعيد والإنذارات.
قَدَاسَتُكُمْ هذا بدل من «إرادة الله» أو عطف بيان لها. ومعنى «القداسة» هنا طهارة القلب والسيرة وهي إرادة الله وقصده من عبيده على الأرض كما هي بين جنود السماء بدليل أنهم مختارون للقداسة وأن هذا غاية عمل الفداء وهو حال أورشليم الجديدة وكل من يدخلها (رومية ٦: ١٩ وأفسس ١: ٤ وكولوسي ١: ٢٢ و٣: ١٢ وعبرانيين ١٢: ١٤ ورؤيا ٢١: ٢٤ و٢٧). وهي كلها على وفق قول بطرس «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (١بطرس ١: ١٥ و١٦).
أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلزِّنَا هذا أخص ما أمرهم به من القداسة وخلاصته الامتناع عن الشهوات المحرمة. إن مؤمني تسالونيكي كانوا من الأمم معرضين للتجربة مما اعتادوه منذ الصغر ومما شاهدوه ممن حولهم لأنه كان الزناء عندهم من أصغر الخطايا.
٤ «أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ».
لوقا ١٨: ١٢ رومية ٦: ١٩ و١كورنثوس ٦: ١٥ و١٨
أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أي أن يعتاد ضبط نفسه حتى يسلط عقله على شهواته.
أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ معنى هذه العبارة بمقتضى اصطلاح الناس في عصر الرسول أمران الأول أن الإنسان لكي لا يتعدى سنن العفاف يجب أن يتزوج على وفق قوله «لِسَبَبِ ٱلزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (١كورنثوس ٧: ٢). والثاني أنه يجب على المتزوجين أن يجتنبوا القبائح التي اعتادها بعض الأمم بدليل قوله في (رومية ١: ٢٤ - ٢٧).
إن الله رسم الزيجة في عدن لنفع الإنسان (تكوين ٢: ١٨ و٢١ - ٢٤) وحكم بكتابه بأن «لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عبرانيين ١٣: ٤) والتصرف بموجب نظام الله هو الوسيلة إلى التحفظ من التجربة والخطيئة في ما ذُكر. فإذاً المتزوجون زيجة شرعية «يقتنون آنيتهم بقداسة وكرامة».
ذهب بعض المفسرين على أن المراد «بالإناء» هنا «الجسد» لكن هذا لا يترك معنى لقوله «يقتني» لأن الإنسان لا يقتني ما هو له. وذهب أكثرهم أن المراد به «الزوجة» بدليل قول بطرس «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ ٱلْفِطْنَةِ مَعَ ٱلإِنَاءِ ٱلنِّسَائِيِّ» (١بطرس ٣: ٧). وليس من الضرورة أن نجد معنىً خاصاً لكل كلمة في الآية بل أن نعتبر المراد الواضح من الآية كلها.
وليس في قول الرسول هنا ما يوجب الزيجة على كل إنسان بل فيه تسليم بوجود شهوة طبيعية في الإنسان ليست إثماً بالذات وبأنها تعرض غير المتزوج للتجربة التي هي تعدي سنة العفة وبيان طريق أمينة شريفة قدسها الله وصدقتها شرائع الناس وبأنه يحترس بها من التجربة والخطيئة.
٥ «لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ».
رومية ١: ٢٤ و٢٦ وكولوسي ٣: ٥ أفسس ٤: ١٧ و١٨ و١كورنثوس ٥: ٣٤ وغلاطية ٤: ٨ وأفسس ٢: ١٢ و٤: ١٨ و٢تسالونيكي ١: ٨
لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ أي بخضوع لشهواته كالبهيمة بدون التفات إلى حكم ضميره أو عقله.
كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ إن الذين كتب بولس لهم من مؤمني الأمم عرفوا الله ورجعوا عن السلوك في هوى شهوة فآلهة الأمم ليسوا إلا شهوات الّهوها ونُسب إليها أفظع الرذائل والمؤمنون تعلموا من تبشير بولس إن الله قدوس وأنه يطلب القداسة من كل تابعيه. وكُتب القدماء والمحدثين تشهد على الأمم مثل شهادة بولس عليهم وما صدق على عبدة الأوثان في عصره يصدق عليهم في هذا العصر.
٦ «أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا كَمَا قُلْنَا لَكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا».
ع ٤ و٢تسالونيكي ١: ٨
هذه الآية تفسير لما قاله في الآية الثالثة من أن إرادة الله القداسة.
لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ أي لا يطلق عنان شهواته ويتعدى على أخيه في حقوقه كما يفعل كل زان. وهذا ما قصد الله أن ينهي عنه بقوله «لا تزن» (خروج ٢٠: ١٤). وعلى هذه الخطيئة وبخ ناثان النبي داود الملك ويوحنا المعمدان هيرودس أنتيباس.
فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ أي في حقوق الزوج.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا لمثل هذه الخطيئة. والمعنى أنه إذا كان الزوج جاهلاً التعدي عليه أو غير قادر أن ينتقم لنفسه أو يعاقب المعتدي بواسطة الحاكم فالله ليس بغافل ولا عاجز ولا يترك المعتدي بلا عقاب. وبذا صرّح ناثان لداود مع أن داود تاب توبة قبلها الله (٢صموئيل ١٢: ٧ - ١٤). وفي هذا الأمر قال الله بلسان موسى «لا تشته امرأة قريبك» (خروج ٢٠: ١٧). وقال بلسان الرسول «أَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ» (عبرانيين ١٣: ٤).
كَمَا قُلْنَا الخ ونحن بينكم.
٧ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي ٱلْقَدَاسَةِ».
لاويين ١١: ٤٤ و١٩: ٢ و١كورنثوس ١: ٢ وعبرانيين ١٢: ١٤ و١بطرس ١: ١٤ و١٥
لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ حين دعانا لنكون عبيداً له. إن الله لم يرد أن يعيش خدمه خدمة النجاسة بل عيشة الطهارة فيليق بكل إنسان أن يعيش بمقتضى دعوته الإلهية. وقد أوضح ما قصده «بالنجاسة» في (رومية ١: ٢٤ و٦: ١٩ و٢كورثنوس ١٢: ٢١ وغلاطية ٥: ١٩ وكولوسي ٣: ٥).
٨ «إِذاً مَنْ يَرْذُلُ لاَ يَرْذُلُ إِنْسَاناً، بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً رُوحَهُ ٱلْقُدُّوسَ».
لوقا ١٠: ١٦ و١كورنثوس ٢: ١٠ و٧: ٤٠ و١يوحنا ٣: ٢٤
مَنْ يَرْذُلُ أي من استهان بالأوامر المبينة وجوب القداسة في السيرة والامتناع عن النجاسة.
لاَ يَرْذُلُ إِنْسَاناً، بَلِ ٱللّٰهَ أي يعصي أوامر الله ويرفض سلطانه لأن تلك الوصايا وإن كانت بلسان بولس ليست بوصايا بشرية لا فرق إن حفظناها أو لم نحفظها بل هي أوامر إلهية أُعلنت لبولس بالروح القدس فالذي يرذلها يعرّض نفسه لشديد العقاب.
ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً رُوحَهُ ٱلْقُدُّوسَ إنه قال «إن جسد المؤمن هيكل الروح القدس» ولذلك هو يغتاظ من تدنيس هيكله بتعدي شريعة العفاف (١كورنثوس ٣: ١٦ و١٧).

وجوب المحبة الأخوية وتعاطي الأعمال بهدوء واجتهاد ع ٩ إلى ١٢


٩ «وَأَمَّا ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
ص ٥: ١ إرميا ٣١: ٣٤ ويوحنا ٦: ٤٥ و١٤: ٢٦ عبرانيين ٨: ١١١ و١يوحنا ٢: ٢٠ و٢٧ متّى ٢٢: ٣٩ ويوحنا ١٣: ٣٤ و١٥: ١٢ وأفسس ٥: ٢ و١بطرس ٤: ٨ و١يوحنا ٣: ١١ و٢٣ و٤: ٢١
وَأَمَّا ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ أي نوع المحبة الذي يجب على كل مؤمن للآخر (انظر تفسير يوحنا ١٣: ٢٤) وهم مكلفون بها لأنهم أولاد الله بالتبني (غلاطية ٤: ٢٦) وأهل بيت الإيمان (غلاطية ٦: ١٠). والظاهر أن قصد بولس مما قيل هنا أن يحثهم على إظهار محبتهم الأخوبة بجمع الصدقات لفقراء الكنيسة بدليل قوله «تفعلون ذلك» في الآية الآتية وهذا يشير إلى أعمال لا مجرد انفعال فقط.
فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا كما كتبت على أمور أُخر بالتفصيل. اتخذ بولس وسيلة لطيفة ليحثهم على زيادة السخاء إذ مدحهم أولاً على ما أظهروه من معرفة ما يجب عليهم. ولمح لهم إن عملهم غير موازن لعلومهم. وأتى الرسول مثل ذلك في كورنثوس (٢كورنثوس ٩: ١ وفليمون ١٩ وص ٥: ١).
مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ بواسطة روحه القدوس (١يوحنا ٢: ٢٧). عندما تحقق الرسول أن الله كان يعلمهم بروحه رأى أنه من اللائق أن يسكت. إن تعليم الله يقنع العقل وينير الضمير ويرشد الإرادة ويحث اليد على العمل.
١٠ «فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ أَيْضاً لِجَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي مَكِدُونِيَّةَ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ».
ص ١: ٧ ص ٣: ١٢
فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ أي تظهرون بأعمالكم محبتكم لإخوتكم في فيلبي وبيرية وغيرهما من بلادكم والمواساة لهم ومشاركتهم في ضيقاتهم واحتياجاتهم وبذلك تثبتون صحة قولي أنكم «متعلمون من الله الخ».
إِنَّمَا أَطْلُبُ.... أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ بإظهار تلك المحبة (ص ٣: ١٢ و١يوحنا ٣: ٤).
١١ «وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ».
٢تسالونيكي ٣: ١١ و١بطرس ٤: ١٥ أعمال ٢: ٣٥ وأفسس ٤: ٢٨ و٢تسالونيكي ٣: ٧ و٨ و١٢
أَنْ تَحْرِصُوا أي أن تجتهدوا اجتهاداً خاصاً لإدراك الغاية. وهذا يشير إلى أنهم كانوا عرضة للقلق والاضطراب وهذا موافق لقوله لهم «ثُمَّ نُوصِيكُمْ... أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا... لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ، لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ» (٢تسالونيكي ٣: ٦ و١١). ويتبين من هذا أن المكدونيين الذين هم منهم مائلون إلى الاضطراب والكسل وبهذا شهد مؤرخو ذلك العصر.
أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ كما أوجب بطرس بمدحه «ٱلرُّوحِ ٱلْوَدِيعِ ٱلْهَادِئِ، ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ ٱللّٰهِ كَثِيرُ ٱلثَّمَنِ» (١بطرس ٣: ٤).
تُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ بلا مداخلة لغيركم في أموره (١بطرس ٤: ١٢٥ وانظر تفسير فيلبي ٢٤).
تَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ هذا أفضل وسائط الاحتراس من التجارب وتقدير الإنسان على فعل الخير لغيره فيكون مثالاً حسنا له. ولنا من ذلك أن أكثر مؤمني تسالونيكي كانوا من الصناع لا الأغنياء. إن الأمر بعمل ستة أيام في الأسبوع من الله كالأمر بالراحة في اليوم السابع (خروج ٢٠: ٩ وأعمال ٢٠: ٢٤ و٣٥ وأفسس ٤: ٢٨).
كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ مدة كنا بينكم. إن ما شاهده الرسول يومئذ حمله على أن يرى الحاجة إلى مثل ذلك النصح والمرجّح أن ما سمعه من تيموثاوس جعله يوصيه ثانية هنا بأن يشتغلوا بأيديهم.
١٢ «لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ».
رومية ١٣: ١٣ و٢كورنثوس ٨: ٢١ وكولوسي ٤: ٥ و١بطرس ٢: ١٢
لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ هذا كقوله في (رومية ١٣: ١٣ و١كورنثوس ١٤: ٤٠). وهو يوجب عليهم السلوك بالاستقامة والأمانة في وعودهم والرفق واللطف في أقوالهم وأعمالهم.
ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ أي غير أهل الكنيسة (كولوسي ٤: ٥).
وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ أي اشتغلوا بأيدكم لكي لا تكونوا عرضة للسلوك بعدم لياقة لشدة الفاقة أو عرضة للتسول لأنه إذا احتاج الإنسان إلى مساعدة غيره لمرض أو مصيبة من الله لا من ذنبه لم يُلم على التسول. ولكنه إذا احتاج إلى ذلك لكسل أو لإسراف أو لعدم التفاته إلى عمله أو لمداخلته لغيره في أموره كان عاراً عليه وعلى الدين المسيحي أن يتسول فإن الله قال في كتابه «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ» (جامعة ٩: ١٠) و «غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي ٱلاجْتِهَادِ» (رومية ١٢: ١١).

تعاليم وتعزيات في شأن موتى المؤمنين ع ١٣ إلى ١٨


١٣ «ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ».
لاويين ١٩: ٢٨ وتثنية ١٤: ١ و٢ و٢صموئيل ١٢: ٢٠ أفسس ٢: ١٢
بشّرهم بولس وهو بينهم بمجيء المسيح ثانية لكي يملك (أعمال ١٧: ٣ و٧). والظاهر أنه كان قد دخل بينهم ضلالات في شأن أحوال الذين توفوا منهم فنشأ عنها حزن شديد لا داعي إليه وأن تيموثاوس أنبأه على أثر رجوعه بذلك (ص ٣: ٦). ومما كتبه بولس هنا لدفع تلك الأوهام نستنتج أنهم حسبوا أن الذين ماتوا والذين سيموتون قبل مجيء المسيح ثانية ليملك ويدين لا يشاهدونه كالأحياء يومئذ ولا يشتركون معهم في الأمجاد التي يتمتعون بها. ومن المحتمل أنه كان في الكنيسة جماعة يشكّون في القيامة كما كان في كنيسة كورنثوس (١كورنثوس ١٥: ١٢). ولا عجب من أن ينشأ بينهم ضلالات في ذلك الأمر لأنهم كانوا أمماً قبل ذلك بزمن وجيز ولم يسمعوا وعظ بولس إلا وقتاً قصيراً. ولم يكن بين أيديهم من كتب الدين الصحيحة في ذلك الموضوع سوى قليل. وكان الوثنيون المحيطون بهم حتى فلاسفتهم ينكرون القيامة ويسخرون بمن يعتقدها وينادي بها كما نرى من جيرانهم في أثينا (أعمال ١٧: ١٨ و٣٢).
لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا لأن الجهل في هذا الأمر ينشئ حزناً وضلالاً.
مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ أي الموتى على الإيمان شبههم «بالراقدين» كما في (يوحنا ١١: ١١ و١كورنثوس ١١: ٣٠ و١٥: ٥ انظر أيضاً تفسير ما ذُكر وانظر أيضاً رؤيا ١٤: ١١). ووجوه الشبه المقصودة بين النوم وموت المؤمن ثلاثة:

  • الأول: إن كلاً منهما وقتي لا أبدي.
  • الثاني: إن الحال في كل منهما حال الراحة بعد التعب.
  • الثالث: إنه يلي كلاً منهما اليقظة مع تجدد القوة والسرور.


لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ الخ لم ينهَ الأحياء عن كل حزن على خسارتهم بالموت إنما نهى عن الإفراط في الحزن عليها لأنه في غير محله ولأنه نشأ عن سوء فهم في أمر الموتى. ولا يليق بالمؤمنين أن يحزنوا هذا الحزن لأنه من شأن الأمم الذين لا رجاء لهم من جهة موتاهم. ومراده «بالباقين» غير المسيحيين. ومعنى قوله «الذين لا رجاء لهم» الأحياء من أهل الموتى وأصدقائهم الذين لا تعزية لهم بتحقق أن أرواح أمواتهم باقية في سعادة وسيستيقظون من رقاد الموت ويلبسون أجسادهم وأنهم يشاهدونهم أيضاً. وتدل كتب الوثنيين حتى كتب أكابر علمائهم أن أفكارهم وآمالهم من جهة الموتى مبهمة تائهة في ظلمات الريب.
إن الديانة المسيحية لا تأمر بإماتة الانفعالات الطبيعية ولا بتصلب القلب كتعليم فلاسفة اليونان الرواقيين الذين قالوا بأن الحزن على ما قدر على جميع الناس عبث لكنها تخفف أحزان الثاكلين وتعزيهم بمواعيدها وآمالها التي تنزع مرارة الفراق.
١٤ «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذٰلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَهُ».
١كورنثوس ١٥: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ١٨ و٢٣ وص ٣: ١٣
لأَنَّهُ هذا تعليل وبيان أن التسالونيكيين لو عرفوا الحق من جهة موتاهم وصدقوه لم يحزنوا كما حزنوا.
إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أي لأننا نؤمن كشأن كل المسيحيين حقاً.
أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ لم يتكفل بولس هنا أن يبرهن صحة موت المسيح وقيامته بل ذكرهما باعتبار أنهما أمران مسلم بهما كل التسليم وبنى على ذلك تيقن قيامة من ماتوا من الأصدقاء (وبرهان الأمرين في ١كورنثوس ص ١٥). والمبدأ الذي بنى كلامه عليه هنا هو أن المسيح هو رأس شعبه ونائبه وأنه يستحيل أن ينفصل الأعضاء عن الرأس في أمر جوهري كهذا فالذين رقدوا في يسوع لا بد من أن يقوموا.
فَكَذٰلِكَ أي كما أننا نؤمن بقيامة المسيح يجب أن نؤمن بقيامة شعبه.
ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ أي الذين ماتوا وهم مؤمنون به واستودعوا أرواحهم في يديه. فهؤلاء الآن في راحة متوقعين القيامة وبناء على موعد المسيح ولم يزالوا وهم راقدون متحدين به. كانوا مؤمنين به في حياتهم (أعمال ٣: ١٦) وشاكرين لله به (رومية ٥: ١) وكثيري التعزية به (٢كورنثوس ١: ٥) وصاروا بالموت راقدين به رقاداً كرقاده في قبر يوسف الرامي. والذي يستحق الملاحظة هنا أمران:
الأول أنه عبّر عن انفصال روح المسيح عن جسده «بالموت» وعن انفصال أرواح تابعيه «بالرقاد» لأن المسيح ذاق لعنة الموت الذي هو أجرة الخطيئة عن كل مؤمن (عبرانيين ٢: ٩). وأما المؤمنون فاعتراهم الموت منزوع الشوكة ونزلوا القبر مسلوب الغلبة (١كورنثوس ١٥: ٥٥).
الثاني: إن الرسول لما أراد أن يتكلم على موت مخلصنا استعمل اسم يسوع الذي سُمي به باعتبار ناسوته القابل الموت لا اسم الذي يشير إلى لاهوته أكثر من إشارة اسم يسوع إليه.
سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَه أي مع يسوع عند مجيئه لكي يشتركوا في أمجاد استعلانه. إذاً لا داعي إلى توهم التسالونيكيين عدم اشتراك موتاهم في تلك الأمجاد.
إن إحضار الله أصدقاء التسالونيكيين مع يسوع يستلزم قيامتهم أولاً أي الإتيان بأرواحهم من الفردوس الذي كانوا فيه مع المسيح والإتيان بأجسادهم من القبور التي قامت منها ولذلك أخذ بولس يتكلم بالتفصيل على ترتيب الحوادث التي ستحدث عند مجيء المسيح ثانية.
١٥ «فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ».
١ملوك ١٣: ١٧ و١٨ و٢٠: ٣٥ و١كورنثوس ١٥: ٥١
فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ لم يرد بولس أن يظن التسالونيكيين في أمر ذي شأن كهذا أنه يتكلم بمقتضى آرائه ولذلك صرّح لهم أن ما يكتبه هنا إنما كتبه بإعلان يسوع المسيح نفسه. وهذا مثل ما في (١كورنثوس ١١: ٢٣ و٢كورنثوس ١٢: ٤ وغلاطية ١: ١٢ وأفسس ٣: ٣).
نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ قصد «بالأحياء» كل المؤمنين بالمسيح الذين يكونون في الجسد عند مجيء المسيح للدينونة (انظر تفسير ١كورنثوس ١٥: ٥١). و «الأحياء» في هذه الآية الأحياء من المؤمنين كما أن «الراقدين» فيها الموتى منهم. ولا يلزم من العبارة أن بولس توقع أنه يبقى حياً مع بعض التسالونيكيين إلى مجيء المسيح لأنه قصد أن يترك وقت ذلك المجيء غير معين كما تركه المسيح نفسه بغية أن نكون مستعدين أبداً لقبوله. وذكر في العبارة القسمين العظيمين اللذين يُقسم إليهما كل البشر أي الأحياء والأموات فلزم بالطبع أن يذكر أنه واحد من أفراد الأحياء. لكن إيراد كلامه على هذا الأسلوب جعل التسالونيكيين يخطئون معناه وظنوا أنه يتوقع مجيء الرب بسرعة فاضطر أن يكتب الرسالة الثانية لردهم عن خطاياهم فقال فيها «لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ» (٢تسالونيكي ٢: ٢).
لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ أي لا ندخل حضرة الرب ونتمتع ببركات مجيئه وأمجادها قبل الموتى. وقال ذلك ليزيل توهم التسالونيكيين أن موتاهم يخسرون بعض الفوائد التي يحصل عليها الأحياء.
١٦ «لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً».
متّى ٢٤: ٣٠ و٣١ وأعمال ١: ١١ و٢تسالونيكي ١: ٧ و١كورنثوس ١٥: ٥٢ و١كورنثوس ١٥: ٢٣ و٥٢
في هذه الآية برهان على أن الأحياء لا يسبقون الراقدين.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ أي إن أول نبإ بمجيء المسيح يُعلن للراقدين كما يُعلن للأحياء. قال المسيح لا يجتمعون إليه حيث هو بل هو ينزل إليهم حيث هم (رؤيا ١٩: ١١ - ١٦). و «الهتاف» هنا صوت كالصوت الذي اعتاد القائد أن يدعو به جيشه. ولا نعلم ما معنى ذلك الهتاف ومن الذي يهتفه فهل هو الرب نفسه حين يدعو الأحياء والأموات إلى الحضور أمامه. كما نستنتج من قوله «تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا ٥: ٢٥) ومما يؤيد هذا ما في (خروج ١٩: ١٦ - ١٩ و٢٠: ١٨ و١٩ وتثنية ٤: ١٢ و١٥ و٣٣ و٥: ٤ و٢٢ - ٢٦ ويوحنا ٥: ٢٨ و٢٩ وعبرانيين ١٢: ١٩ و٢٦) أو هو رئيس الملائكة المرافق للرب. وذهب بعضهم أن تفسير ذلك كالهتاف في باقي الآية وهو قوله «بصوت رئيس ملائكة وبوق الله».
بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ أي قائد الجند السماوي الذي يحيط بالمسيح عند مجيئه بدليل قوله «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ» (متّى ٢٥: ٣١). وغاية هذا الصوت إما دعوة سائر الملائكة الذين شاهدوا خليقة العالم (أيوب ٣٨: ٧) واشتركوا في إعطاء الشريعة (أعمال ٧: ٥٣ وغلاطية ٣: ١٠) ولهم خدمة في إجراء الدينونة (متّى ١٣: ٤١ و٢٤: ٣١). وإما دعوة الأحياء والأموات إلى الامتثال في حضرة المسيح.
بُوقِ ٱللّٰه أي البوق المختص بالله في العالم الروحي أو البوق الذي يأمر الله أن يبوق به. اعتاد اليهود استعمال الأبواق لدعوة الشعب إلى الاحتفالات العظمى وإلى الحرب (عدد ١٠: ٩ و١٠ و٣١: ٦ ويؤيل ٢: ١) وذُكر البوق مع بعض الإعلانات الإلهية كإعطاء الشريعة على طور سينا (خروج ١٩: ١٦ ومزمور ٤٧: ٥ وإشعياء ٢٧: ١٣ وزكريا ٩: ١٤ ومتّى ٢٤: ٣١ و١كورنثوس ١٥: ٢٥ ورؤيا ص ٨).
سَوْفَ يَنْزِلُ كما جاء في (أعمال ١: ١١) وهذا النزول يكون ظاهراً ومجيداً (رؤيا ١: ٧).
ٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ أي الذين ماتوا مؤمنين بالمسيح وبقوا متحدين به اتحاداً روحياً.
سَيَقُومُونَ أَوَّلاً أي قبل أن يتغير المؤمنون الأحياء ويُخطفوا في السحب. وهذا على ترتيب الواقعات المذكورة في (١كورنثوس ١٥: ٥٢). وكلام الرسول هنا على مجرد قيامة المؤمنين كالكلام في بشارة لوقا على قيامة الأبرار (لوقا ١٤: ١٤). وقول بولس نفسه «الذين للمسيح عند مجيئه» (١كورنثوس ١٥: ٢٣). وقول يوحنا في الذين يموتون في الرب (رومية ١٤: ١٣). ولم يتعرض للكلام على قيامة غير المؤمنين شيئاً لأن ذلك ذُكر في أماكن أُخر (يوحنا ٥: ٢٩). وليس في العبارة من إشارة إلى «القيامة الأولى» المذكورة في (رؤيا ٢٠: ٥ و٦).
١٧ «ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ».
١كورنثوس ١٥: ٥١ أعمال ١: ٩ رؤيا ١١: ١٢ يوحنا ١٢: ٢٦ و١٤: ٣ و١٧: ٢٤
ثُمَّ أي بعد قيامة الموتى من المؤمنين.
نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ المذكورين في (ع ١٥).
سَنُخْطَفُ بقوة الله. وقال «سنُخطف» إشارة إلى سرعة النقل الموافقة لرغبة المشتاقين إلى أن يكونوا مع المسيح.
جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ أي الأحياء والأموات جماعة واحدة فالأحياء يتغيرون بلا موت ويلبسون جسداً روحياً بدل الجسد الطبيعي (١كورنثوس ١٥: ٥١ و٥٢ و٢كورنثوس ٥: ١ وفيلبي ٣: ٢١). ويصيرون بذلك التغيير قابلين أن يصعدوا مع المقامين من الموت وأن تحملهم السحب والهواء. وقوله «سنُخطف في السحب» مثل ما قيل في المسيح يوم صعوده (أعمال ١: ٩) ومثل ما قيل في رجوعه (متّى ٢٤: ٣٠ ورؤيا ١: ٧) وما قيل في مركبات الله (مزمور ١٠٤: ٣ ودانيال ٧: ١٣ قابل بهذا ما في متّى ٢٦: ٦٤ ورؤيا ١١: ١٢ و١٤: ١٤).
لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ وهو نازل من السماء كما اعتاد شرفاء المدينة أن يلاقوا ملكهم وهو راجع من الحرب منتصراً ويرحبوا به. وعبر في غير هذا الموضع عن «ملاقاة الرب» بالاجتماع إليه (٢تسالونيكي ٢: ١).
فِي ٱلْهَوَاءِ أي فوق الأرض لا في سماء المجد. وهو محل للاجتماع مع المسيح استعداداً للذهاب إلى حيث يشاء.
وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ لم يعيّن الرسول محل الكون مع الرب دائماً لكن يعبر عنه غالباً «بالسماء» وعبر عنه بالمنازل الكثيرة في بيت الآب (يوحنا ١٤: ٢ و٣) و «بملكوت السماء» (متّى ٢٥: ٣٤ و١تيموثاوس ٣: ١٨). و «بوليمة العرس» (رؤيا ١٩: ٧ - ٩). والذي يحققه الرسول في العبارة شدة الاتحاد بين المسيح وشعبه والحياة الخالدة والسعادة التامة وعدم الافتراق أبداً. والوجود مع الرب أعظم مسرّات السماء فمسرّة الأصحاب الأرضيين المجتمعين في السماء تكاد لا تكون شيئاً إلا باجتماع الرب معهم وتمتعهم معاً بمشاهدتهم ومخالطتهم إياه. ولم يتعرض بولس هنا للكلام على أحوال النفوس بين الموت والقيامة ولا لكل الحوادث المتعلقة بمجيء المسيح إذ لا غاية له هنا إلى أن يعزي المؤمنين من جهة موتاهم بأنهم ليسوا بأقل من غيرهم سعادة يوم مجيء المسيح. وترك ذكر قيامة الأموات والدينونة نفسها ومشاركة المؤمنين المسيح فيها كما ذُكر في (١كورنثوس ٦: ٢ و٣) وتوزيع الجزاء وملك المسيح وتمجيده مع المفديين.
١٨ «لِذٰلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ».
ص ٥: ١١
لِذٰلِكَ أي بناء على ما سبق.
عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً في ما أنتم في ريب وحزن منه (ع ١٣). فإنهم كانوا يتوهمون أن موتاهم خسروا كثيراً بموتهم قبل مجيء المسيح. ولكي يزيل عنهم هذا الوهم ويقوي رجاءهم ورجاء سائر المؤمنين في شأن أنفسهم وموتاهم قال ما قاله هنا في شأن موت المسيح وقيامته وأن اتحاد المسيح بالموتى المؤمنين مثله بالأحياء منهم وأن الموتى لا يبقون في القبر إلى الأبد بل يقومون للحياة الأبدية ليشاركوا المسيح وسائر شعبه في المجد.
بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ الذي كلمتكم به بمقتضى إعلان الله. إن كل أقوال الله في هذا الشأن تعزية لهم ولكل مؤمن ولا سيما ما ورد هنا في أمر مجيء المسيح ثانية وطريق اشتراكهم فيه وفي المجد المقترن به. وفي قوله «عزوا بعضكم بعضاً» إشارة إلى أن الذين ثكلوا أصحابهم لا يستطيعون بشدة حزنهم أن يتعزوا من أنفسهم بهذا الكلام بل بمساعدة غيرهم لهم بأن يدلوهم على ما فيه من التعزية.
ولنا مما قيل هنا أن الله أعد لقديسيه الذين يدعوهم إلى ترك هذا العالم والحضور أمامه كل ما يحتاجون إليه لراحتهم وسعادتهم ولا حاجة لهم إلى الاهتمام بمستقبلهم ولا إلى أن يهتم الأحياء بهم الاهتمام الزائد أو يفعلوا شيئاً من أجلهم. فلم يقل الإنجيل شيئاً من أمر الصلاة من أجل الموتى ولا في تقديم القداديس عنهم ولا شيئاً من التطهير في موضع للعذاب. وقول الرسول إن الموتى المؤمنين «راقدون في المسيح» يبطل كل ذلك.
وما قيل في شأن اجتماع الأصدقاء في السماء وكونهم مع المسيح إلى الأبد مقيّد بكونهم مؤمنين متحدين بالمسيح قبل موتهم أو تغيرهم. فيجب أن نكون مستعدين لكي نثبت صحة إيماننا وأن تكون سيرتنا كما يليق بالمؤمنين.


اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ


وجوب انتظاركم مجيء المسيح والاستعداد له بصحو وسهر بناء على أنه يكون بغتة وعلى كونهم أولاد نور (ع ١ - ١١). توصية من جهة مرشديهم ومعلميهم الروحيين (ع ١٢ و١٣). نصائح في الاتحاد والصلاة والقداسة (ع ١٤ - ٢٢). خاتمة الرسالة (ع ٢٣ - ٢٨).
وجوب انتظار مجيء المسيح والاستعداد له ع ١ إلى ١١


ما ذُكر في عنوان هذا الفصل هو الأمر الرابع مما ذُكر في القسم العملي وكان الأول الطهارة والثاني إظهار المحبة الأخوية بالأعمال والثالث ترك الاهتمام بالموتى بالنظر إلى ما يحدث عند مجيء المسيح.
١ «وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا».
متّى ٢٤: ٣ و٣٦ وأعمال ١: ٧ ص ٤: ٩
وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ المتعلقة بمجيء المسيح ثانية. حسب الرسول أن التسالونيكيين بعد ما قرأوا ما كتبه في شأن ذلك المجيء يسألونه متى يكون ذلك كما سأل التلاميذ المسيح حين تكلم ابن الإنسان بقولهم «متى يكون هذا» (متّى ٢٤: ٣). وقولهم له بعد قيامته «هَلْ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ» (أعمال ١: ٦).
فَلاَ حَاجَةَ... أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا لأنه أنبأهم بها شفاهاً يوم كان عندهم وهو أنها مكتومة.
٢ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ».
متّى ٢٤: ٤٣ و٢٥: ١٣ ولوقا ١٢: ٣٩ و٤٠ و٢بطرس ٣: ١٠ ورؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥
لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ مما عرفتم منا إذا ذكرتم ذلك. والمعنى أنكم عرفتم مما قلته لكم قبلاً أن يوم الرب من أسرار الله الخفية.
يَوْمَ ٱلرَّبِّ أي وقت استعلان المسيح (ص ٤: ١٥) وهو اليوم الذي أنبأ به النبي يوئيل (يؤيل ٢: ٢٨ - ٣٢). والذي أشار إليه بطرس في خطابه يوم الخمسين (أعمال ٢: ٢٠) وأنبأ به المسيح نفسه وتكلم عليه بولس (متّى ٢٤: ٣٨ - ٤٣ ولوقا ١٢: ٣٩ و٤٠ و٢تسالونيكي ٢: ٢ و١كورنثوس ١: ٨ وفيلبي ١: ٦ و١٠ و٢: ١٦). وليس المقصود به هنا وقت موت أحد ولا وقت خراب أورشليم. وأراد قدماء الأنبياء «بيوم الرب» الوقت الذي عيّنه الله ليجري النقمات الشديدة على الأشرار وتسميته «يوماً» لا يعين مقداره.
كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ أي أسلوب مجيئه كذلك. وهذا يُراد به ما يحدث بغتة أي بلا تنبيه ولا انتظار (لوقا ١٢: ٣٩ ورؤيا ٣: ٣) فسيكون مدهشاً لكل أهل العالم وسيكون للدنيويين كلص أيضاً في كونه مخيفاً. وفيه تُسلب منهم كل كنوزهم. ويتضح من ذلك أن الذين يتصدون لتعيين يوم مجيئه أو سنته أو قرنه يتعبون عبثاً لأنه من قصد الله أن يكون مكتوماً على البشر.
٣ «لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ» حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ».
إشعياء ١٣: ٦ إلى ٩ ولوقا ١٧: ٢٦ إلى ٣٠ و٢١: ٣٤ و٣٥ و٢تسالونيكي ١: ٩ إرميا ١٣: ٢١ وهوشع ١٣: ١٣
حِينَمَا يَقُولُونَ أي الدنيويون وغير المؤمنين لا شعب المسيح.
سَلاَمٌ وَأَمَانٌ بدعوى أن لا داعي إلى الخوف ولا دليل على سرعة مجيء المسيح (انظر متّى ٢٤: ٣٦ - ٤٢ وتفسيره) ويتضح من ذلك أنه لا يكون كل الناس متجددين أبراراً في يوم مجيء الرب.
يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً كما قيل في (٢بطرس ٣: ٣ و٤). فإذا يكون أهل العالم حينئذ غير مستعدين كما كانوا في أيام الطوفان وفي أيام انقلاب سدوم وعمورة ويوم فتح بابل ووقت خراب أورشليم وكما يغلب أن يكون موت الشرير بالنظر إليه. ويظهر أن هذا الهلاك يكون أهول من الموت لأنه يكون بعد مجيء المسيح للدينونة ولا يكون ملاشاة بل انفصالاً عن كل مشاركة في خلاص شعب الله واحتمال غضبه على الخطايا.
كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى في مجيء الطلق بغتة وإنشائه الاضطراب ووجه الشبه هذا فقط. وكثيراً ما جاء في الكتاب المقدس بهذا المعنى ومنه ما في (مزمور ٤٨: ٦ وإشعياء ٥٣: ١١ وإرميا ٤: ٣١ و٦: ٢٤ و١٣: ٢١ وميخا ٤: ٩ و١٠ ويوحنا ١٦: ٢١).
فَلاَ يَنْجُونَ من الهلاك وهم ينتظرون السلام والأمان.
٤ «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلِصٍّ».
رومية ١٣: ١٢ و١٣ و١يوحنا ٢: ٨
وَأَمَّا أَنْتُمْ أي التسالونيكيون وسائر المؤمنين بالمسيح.
فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ أي في جهل وغفلة كأهل العالم الذين لا يعرفون الله.
حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلِصٍّ أي حتى يدرككم يوم الرب كلص. إن يوم مجيء الرب مخيف لأهل العالم لأنه يأتيهم بغتة غير مستعدين له كإتيان اللص لكنه يأتي الذين ينتظرونه ويشتاقونه رسول بهجة كضوء الفجر لمنتظري الصباح.
٥ «جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلاَ ظُلْمَةٍ».
أفسس ٥: ٨
جَمِيعُكُمْ مؤمنو تسالونيكي وغيرهم.
أَبْنَاءُ نُورٍ أي ذو معرفة وانتباه بخلاف أهل العالم. فإنهم قد آمنوا بالمسيح واستناروا منه وهو نور العالم حتى صح أن يقال فيهم أنهم «أبناء نور» فهم تعلموا منه وساروا في نور وصاياه وسيرته.
وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ أي مستيقظون متوقعون مجيء الرب فهم كأنهم في ضوء النهار أبداً. فيرون الحق جلياً من جهة الله والخطيئة والمستقبل فلا يكون مجيء المسيح مخيفاً ولا مدهشاً.
٦ «فَلاَ نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ».
متّى ٢٥: ٥ متّى ٢٤: ٤٢ و٢٥: ١٣ ورومية ١٣: ١١ إلى ١٣ و١بطرس ٥: ٨
فَلاَ نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ غير المؤمنين فإنهم ينامون نوم الخطيئة والغفلة عن الأمور المتعلقة بخلاص نفوسهم.
بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ أي لنتوقع مجيء الرب بانتباه لأن الرب لا بد من أن يجيء ولأن وقت مجيئه مجهول فيمكن أن يجيء اليوم أو غداً فلنصح لئلا نقع في التجربة. على حد قوله لتيموثاوس «وَأَمَّا أَنْتَ فَٱصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (٢تيموثاوس ٤: ٥). وقول بطرس «إِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» ١بطرس ٤: ٧) وقول المسيح «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متّى ٢٦: ٤١). ومعنى الصحو الحقيقي ضد السكر فاستعير للفطنة والحذر. وفي هذه الآية إشارة إلى أن الاشرار غافلون كالنيام ليلاً وقد أخذ السكر منهم كل مأخذ فسلموا أنفسهم للدعارة. وأفضل تفسير لهذه الآية قول المسيح «ٱحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ ٱلْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَٱلْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذاً وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هٰذَا ٱلْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ» (لوقا ٢١: ٣٤ - ٣٦).
٧ «لأَنَّ ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَنَامُونَ، وَٱلَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَسْكَرُونَ».
لوقا ٢١: ٣٤ و٣٦ ورومية ١٣: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ٣٤ وأفسس ٥: ١٤ أعمال ٢: ١٥
ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَنَامُونَ أي أن ذلك ما اعتاده الناس لأن الليل وقت مناسب للنوم قال هذا إثباتاً لقوله في «الباقين» (ع ٦). فالذين ينامون في الليل معذورون بخلاف الذين ينامون في النهار لأن النهار وقت الانتباه والعمل. وأهل العالم كالنيام في الليل في الغفلة والأمن وأما المؤمنون فهم أبناء النهار فلا يحسن بهم أن ينفقوا الوقت في الكسل والغفلة وقد أعطاهم الله إياه لليقظة والعمل.
ٱلَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَسْكَرُونَ قال هذا بناء على عادة الناس يومئذ. ويؤيد ذلك قول بطرس لنفي السكر عن التلاميذ. «إنه الساعة الثالثة من النهار» (أعمال ٢: ١٥). ولعل أهل تسالونيكي غير المؤمنين كانوا معتادين أن يشغلوا الليالي بالسكر والخلاعة. وكون المسيحيين «أبناء النهار» يستلزم أن يعتزلوا كل الأعمال المختصة بأهل العالم السائرين في الظلمة المرتكبين ما يحتاج أن يُستر بحجب الظلام. وفي هذا تحذير من السكر الحقيقي وكل ما يشابهه في الأمور الروحية وأنهم لا يفعلون شيئاً يستحيون من أن يشاهده الناس.
٨ «وَأَمَّا نَحْنُ ٱلَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاَصِ».
إشعياء ٥٩: ١٧ وأفسس ٦: ١٤ و١٦ و١٧
فَلْنَصْحُ (كما قيل في ع ٦) لكي نكون مستعدين لمجيء الرب.
لاَبِسِينَ لأنه لنا أعداء يكمنون لإضرارنا فعلينا فضلاً عن أن ننتبه لمجيء الرب (مرقس ١٣: ٣٤ ولوقا ١٢: ٣٦) أن نتسلح لندفع عنا هجمات الأعداء.
دِرْعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ تكلم بولس هنا على الأسلحة الضرورية للدفاع ولم يذكر الضرورية للهجوم كالتي في (أفسس ٦: ١١ - ١٧) والدرع الحقيقي ثوب منسوج من زرد معدني يُلبس على الصدر ليحمي لابسه من النصال. وأُضيف إلى «الإيمان» الذي هو الثقة بالله وعنايته. وأُضيف إلى «المحبة» لله وللناس. وكلا «الإيمان» و «المحبة» فضيلتان من الفضائل الثلاث العظمى المذكورة في (ص ١: ٣ و١كورنثوس ١٣: ١٣).
وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاَصِ «الخوذة» ما يلبسه الجندي على الرأس ليقيه من الخطر فاستعيرت للرجاء الذي هو فضيلة من الفضائل الثلاث المذكورة. وأضاف «الرجاء» إلى «الخلاص» لأن الخلاص هو المرجو وحقيقته توقع النجاة التامة من الخطيئة والهلاك.
٩ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لاقْتِنَاءِ ٱلْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
رومية ٩: ٢٢ وص ١: ١٠ و١بطرس ٢: ٨ ويهوذا ٤ و٢تسالونيكي ٢: ١٣ و١٤
في هذه الآية علة أن نرجو الخلاص لا أن نصحو وهي إرادة الله وقصده.
لَمْ يَجْعَلْنَا أي لم يعيننا حين قضى منذ الأزل.
لِلْغَضَبِ لمقاساة نتائج غضبه الذي قيل أنه يأتي على كل أبناء المعصية (ص ١: ١٠ و٢: ١٦ انظر ١بطرس ٢: ٨).
بَلْ لاقْتِنَاءِ ٱلْخَلاَصِ باستعمال الوسائط المعينة لنال ذلك كقوله «تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» (فيلبي ٢: ١٢) وأخص تلك الوسائط الإيمان بالمسيح والاتحاد به.
بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ الذي هو الوسيط الوحيد لخلاص كل الخطأة لأنه لا يمكن أحداً أن يفدي نفسه قال المسيح «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا ١٥: ٥). فإنه هو أدى كل فدية الإنسان الخاطئ فالذي يتحد به بالإيمان لا ريب في خلاصه.
١٠ «ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعاً مَعَهُ».
رومية ١٤: ٨ و٩ و٢كورنثوس ٥: ١٥
ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا هذا هو الطريق الذي فيه يخلصنا المسيح وهو موته كفارة لخطايانا وهو ثمن لا يقدر وأساس كل رجائنا. وذكر الرسول موت المسيح ساقه إلى ذكر نتائج ذلك الموت المقترنة بمجيئه الذي تكلم عليه في الأصحاح السابق.
إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا أي كنا أحياء أو أمواتاً عند مجيئه كما جاء في (رومية ١٤: ٨).
نَحْيَا جَمِيعاً مَعَهُ أي نكون متحدين بالمسيح إلى حد أن تكون حياته حياتنا على وفق قوله تعالى «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا ١٤: ١٩). فإذاً لا فرق في شأن مشاركتنا في الحياة الأبدية للمسيح بين أن نكون من جملة الأحياء الباقين وجملة الراقدين في القبور. وهذا نتيجة اقتناء المسيح إيّانا بدمه (أعمال ٢٠: ٢٨) وإبادته الموت (عبرانيين ٢: ١٤) وإيفائه عنا كل مطاليب العدل (غلاطية ٣: ١٣). ومثل ما ذُكر قوله «الجميع عنده أحياء» (لوقا ٢٠: ٣٨) وقول الرسول «إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رومية ١٤: ٨).
١١ «لِذٰلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَٱبْنُوا أَحَدُكُمُ ٱلآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضاً».
ص ٤: ١٨
لِذٰلِكَ أي لأن لنا تلك الأسباب للتعزية والرجاء في شأن الذين ماتوا على الإيمان.
عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بالتكلم على هذه الأمور لكي تكون واسطة لتسكين همومكم وتثبيت إيمانكم وتقواكم.
كَمَا تَفْعَلُونَ مدحهم على ما فعلوا بغية التعزية والبنيان إنهاضاً لغيرتهم باستمرارهم على ذلك العمل الخيري.

واجباتهم لمرشديهم ومدبريهم الروحيين ع ١٢ و١٣


١٢ «ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي ٱلرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ».
١كورنثوس ١٦: ١٨ وفيلبي ٢: ٢٩ و١تيموثاوس ٥: ١٧ وعبرانيين ١٣: ٧ و١٧
أَنْ تَعْرِفُوا أي أن تظهروا بأعمالكم أنكم تعرفون قيمة الذين يخدمونكم في الرب وواجباتكم لهم فلا تغفلون عما يستحقونه ويحتاجون إليه بل تكرمونهم وتثيبونهم بالبركات الزمنية على البركات الروحية (١كورنثوس ٩: ١١).
ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ... وَيُنْذِرُونَكُمْ أي شيوخ الكنيسة أو رعاتها الذين يقومون بما ذُكر. إننا إذا نظرنا إلى الرعاة رأينا عملهم متعباً وإذا نظرنا إلى الكنيسة رأينا غاية خدمتهم سياستها وتدبير أمورها وإصلاح شؤونها. وإذا نظرنا إلى من بينهم من الجهلاء والضالين رأينا أن عملهم الإنذار. وقوله «يدبرونكم في الرب» أي في الأمور المختصة بالرب أي الأمور الإلهية.
١٣ «وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
مرقس ٩: ٥٠
وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ أي أن تكرموهم وأن تخضعوا لهم وأن تحبوهم. ولعل علة هذه التوصية استخفافهم بخدم الدين.
مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ بنى توصيته لهم بخدم الدين على أهمية خدمتهم وهذا مثل قوله «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ...أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» (عبرانيين ١٣: ٧ و١٧). وعلى تعبهم بالقيام بها كما شهد الرسول لأحدهم وهو أبفرودتس بقوله «إِنَّهُ مِنْ أَجْلِ عَمَلِ ٱلْمَسِيحِ قَارَبَ ٱلْمَوْتَ، مُخَاطِراً بِنَفْسِهِ، لِكَيْ يَجْبُرَ نُقْصَانَ خِدْمَتِكُمْ لِي» (فيلبي ٢: ٣٠).
ًسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضا تكلم بعد كلامه في واجباتهم لخدم الدين على واجبات بعضهم لبعض في الكنيسة واقتصر على الأمر بالمسالمة فإنهم لحداثتهم في الإيمان وقصورهم في معرفة الواجبات المسيحية لم يخلوا من أن تقع بينهم أسباب للاختلاف والمخاصمات فاقتضت الحال أن يأمرهم الرسول بالصبر والاحتمال.

حث الرسول إياهم على القيام بواجبات مسيحية مختلفة ع ١٤ إلى ٢٢


١٤ «وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ، أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ».
٢تسالونيكي ٣: ١١ و١٢ عبرانيين ١٢: ١٢ رومية ١٤: ١ و١٥: ١ وغلاطية ٦: ١ و٢ وغلاطية ٥: ٢٢ وأفسس ٤: ٢ وكولوسي ٣: ١٢ و٢تيموثاوس ٤: ٢
أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ قوله «بلا ترتيب» تستعمل على ما في الأصل اليوناني للجنود الذين لا يسيرون في صفوف سائر العساكر وفي ذلك إشارة إلى أنه كان في كنيسة تسالونيكي جماعة لا يسلكون سبل الطاعة لكلمة الله ونصح مرشديهم ونظام الكنيسة ولعله أشار بذلك إلى الذين أنذرهم في (ص ٤: ٦ و٧ و١١) ممن انتظروا مجيء المسيح في الحال وامتنعوا عن العمل للقيام بما يحتاجون إليه.
شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ وهم الذين خافوا من الاضطهاد وحزنوا على موت أصحابهم (ص ٤: ١٣) أو كانوا قليلي الإيمان والشجاعة طبعاً أو كانوا مضطربين لشكوك ضمائرهم كبعض أهل كورنثوس الذين ظنوا أن أكل اللحم من المحرمات. ولا تخلو كنيسة من مثل هؤلاء يحتاجون إلى النصح والتعزية والمعاملة بالرفق واللطف.
أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ أي الضعفاء في الروحيات لقلة معرفتهم وضعف إيمانهم وقلة صلواتهم.
تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ داخل الكنيسة وخارجها. وأبان في الآية الآتية أسلوب التأني.
١٥ «ٱنْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا ٱلْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ».
لاويين ١٩: ١٨ وأمثال ٢٠: ٢٢ و٢٤: ٢٩ ومتّى ٥: ٣٩ و٤٤ ورومية ١٢: ١٧ و١كورنثوس ٦: ٧ و١بطرس ٣: ٩ غلاطية ٦: ١٠ وص ٣: ١٢ و٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٤: ٤
ٱنْظُرُوا هذا تنبيه جاء به الرسول لأن ما أمر به بعده ليس من الطبيعة البشرية وهو مما يصعب عليها جداً.
لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ من عادة الناس أن يفتخروا بأنهم لا يدعون أحداً ينتصر عليهم بالمعروف ولا بالانتقام. ولكن قانون الديانة المسيحية هو المذكور في هذه الآية على حد قول المسيح «لا تقاوموا الشر بالشر الخ» (متّى ٥: ٣٩ - ٤٢). وقول الحكيم «لاَ تَقُلْ: إِنِّي أُجَازِي شَرّاً... لاَ تَقُلْ: كَمَا فَعَلَ بِي هٰكَذَا أَفْعَلُ بِهِ. أَرُدُّ عَلَى ٱلإِنْسَانِ مِثْلَ عَمَلِهِ» (أمثال ٢٠: ٢٢ و٢٤: ٢٩). وقول بولس «لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ» (رومية ١٢: ١٧). وقول بطرس «غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ» (١بطرس ٣: ٩). وإذا حُظر أن نجازي عن الشر بالشر حُظر بالأولى أن نجازي على خير بشر. قيل أن المجازي عن شر بشر بشري والمجازي عن خير بشر شيطاني والمجازي عن شر بخير إلهي. وكان مؤمنو تسالونيكي يُضطهدون لديانتهم فكانوا عرضة لشديد الرغبة في أن ينتقموا من مضطهديهم.
بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا ٱلْخَيْرَ الخ أي الصالح واللائق أمام الله والنافع للبشر في الزمنيات والروحيات. وقوله «اتبعوا الخير» يستلزم إنكار النفس وبذل الجهد وأنه ليس من شأن الإنسان بالنظر إلى طبيعته. قال الرسول «كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ... لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ٩ و٢١). وقوله «بعضكم لبعض» يوجب على كل مؤمن أن يظهر الحب لإخوته (ص ٤: ٩ و١٠). وقوله «للجميع» يوجب عليهم اتباع الخير لجميع الناس داخل الكنيسة وخارجها كلما سمحت الفرصة (ص ٣: ١٢).
١٦ «ٱفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ».
٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٤: ٤
جاء بمعنى هذا ما في (٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٣: ١ و٤: ٤) فارجع إلى تفسير كل ذلك في موضعه. وقوله «كل حين» يستلزم وجوب الفرح ولو في وقت الضيقات والمصائب وهذا على يقين أن «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ» (رومية ٨: ٢٨). ووجود هذا الأمر في الإنجيل يستلزم أن إطاعته ممكنة لكنها لا تمكن إلا من لهم الإيمان والرجاء المسيحيان وعدم القيام به دليل على الشك في قوة الله ومغفرته لخطايانا.
١٧ «صَلُّوا بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ».
لوقا ١٨: ١ و٢١: ٣٦ ورومية ١٢: ١٢ وأفسس ٦: ١٨ وكولوسي ٤: ٢ و١بطرس ٤: ٧
إطاعة هذا الأمر أفضل وسيلة إلى إطاعة الأمر السابق وهو يوجب علينا أن نجعل كل ما يحدث علة للشكر أو التضرع أو الدعاء أو الاعتراف أو طلب الوقاية من الخطر والتجربة ويوجب أيضاً أن يكون لنا أوقات معينة للصلاة الانفرادية والعائلية والجمهورية وأن لا ننفك عن ذلك في أوقاته.
١٨ «ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ».
أفسس ٥: ٢٠ وكولوسي ٣: ١٧
ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ الذي يعتقد أن الله يعتني به دائماً ويستجيب صلواته ويجعل كل الأمور تعمل معاً لخيره يشكره في كل شيء. وكثيراً ما اقترن الشكر والصلاة في الإنجيل ومن ذلك ما في (٤: ٦ وكولوسي ٤: ٢).
ِلأَنَّ هٰذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰه أي أنه تعالى يسر بسرور شعبه وإظهارهم ذلك السرور بالشكر له لأنهم بذلك يعترفون بأن بركاتهم من يده.
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ إنه وسيطنا في تقديم طلباتنا وشكرنا. وأعظم الدواعي إلى الشكر لله هي عطية ابنه التي لا يعبر عنها فعلينا أن نشكره على حياته وموته وقيامته وشفاعته لأن كل بركاتنا تأتي بواسطته وبه نثبت آمالنا وبه «كل الأشياء لنا» (١كورنثوس ٣: ٢١). وهو يقدرنا على أن نكون شاكرين وأن نظهر شكرنا بأقوالنا وأعمالنا (أعمال ٢٨: ١٥ و٢كورنثوس ١: ١١ وأفسس ٥: ٣٠).
مِنْ جِهَتِكُمْ أي أن الله قصد منكم أن تقدموا الشكر له فإنه لا يكتفي بشكر الجنود السماوية بل يطلب الشكر من كل إنسان اختاره وفداه.
١٩ «لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ».
١كورنثوس ١٤: ٣٠ وأفسس ٤: ٣٠ و١تيموثاوس ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦
لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ أي الروح القدس الذي هو الأقنوم الثالث. فإن الرسول اعتبر فعل الروح في قلوب المؤمنين كفعل النار في المواد للتنقية وكفعل النور للإنارة والإرشاد والأنس. واعتبره في موضع آحر صديقاً محباً إذ قال «لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ» (أفسس ٤: ٣٠). ومن علل إطفاء الروح عدم الانتباه لصوته في القلوب وفي الكتاب المقدس وفي شفاه المبشرين وترك الصلاة (ع ١٧) وترك العبادة الجمهورية (عبرانيين ١٠: ٢٥) واليأس (ع ١٦) وهموم العالم (متّى ١٣: ٢٧). ولعل في قوله «لا تطفئوا الروح» إشارة إلى النار التي كانت على المذبح في معبد الإسرائيليين التي أمر الله بأن لا تطفأ (لاويين ٦: ١٣) فكانت رمزاً إلى روح العبادة والصلاة والغيرة الروحية التي ينشئها الروح ويجب على الإنسان إحياؤها في قلبه أبداً.
ونستنتج من الآية الآتية أن بولس قصد «بالروح» هنا موهبة الروح الخاصة التي وُهبت للمؤمنين في عصر الرسل فجعلتهم يتكلمون بألسنة غريبة ويتنبأون وعلى هذا يكون إطفاء الروح أن صاحب تلك الموهبة لا يستعملها لنفع الكنيسة أو أن الكنيسة لا تلتفت إلى نبواته. وتكلم بولس على المواهب الروحية في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (١كورنثوس ص ١٢).
٢٠ «لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ».
١كورنثوس ١٤: ١ و٣٩
لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ لأنها من مواهب الروح القدس لنفع الكنيسة (١كورنثوس ١٢: ٢٨ و١٤: ١ و٥ و٣٩). فإن الرسول قال بأن النبوّة أفضل من سائر المواهب كالتكلم بالألسنة وسائر المعجزات (١كورنثوس ١٤: ٥ و٣٩) والوعظ اليوم قام مقام النبوّة في العصر الرسولي فوجب أن نظهر احترامنا له بحضورنا في بيت الله لسمعه والإصغاء إليه والقيام بنفقة الواعظ والإتيان إلى الكنيسة أو محل الوعظ بأولادنا وضيوفنا وجيراننا وأن نعتبره مما عينه الله أعظم وسيلة إلى إرشاد الخطاة إلى الخلاص وتعزية المؤمنين وبنيانهم لتمجيد الله.
٢١ «ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ».
١كورنثوس ٢: ١١ و١٥ و١يوحنا ٤: ١ فيلبي ٤: ٨
ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ من النبوات وغيرها من المواهب الروحية. وهذا كقول يوحنا «لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ١) وكان في كنيسة تسالونيكي ما حمل بولس على هذا التنبيه (٢تسالونيكي ٢: ٢). ومع أن القرينة تدل على أن أهم مقاصد الرسول من الأمر «بامتحان كل شيء» هو امتحان الذين ادعوا المواهب الروحية الخاصة يصح أن نتخذ الامتحان قانوناً في تحقيق كل ما يُعرض علينا من الأمور الدينية في العقائد والأعمال. وآلة الامتحان الصحيحة هي كلمة الله بدليل قول النبي «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ» (إشعياء ٨: ٢٠) فلنا أن نمتحن التعاليم بنتائجها كما قال المسيح في الأنبياء الكذبة «من ثمارهم تعرفونهم» (متّى ٧: ٢٠). إن قدم التعليم ليس برهاناً على صدقه وكذلك كثرة تابعيه وغناهم وسلطتهم وغيرتهم في نشره. فإن الله وهب لنا عقولاً وضمائر نمتحن بها التعاليم وأن نزن كل الأشياء بميزان الحق عن الباطل (يعقوب ١: ٥). والأمر بالامتحان غير مقصور على جماعة من الناس دون غيرهم أي أنه غير مختص بخدم الدين فلا يليق بأحد أن يسمح لمخلوق أن يكون رب ضميره وهو يكون أسير تعليمه بل عليه أن يطالع الكتاب لنفسه ويسأل إرشاد الروح القدس الذي يرشد إلى جميع الحق (يوحنا ١٦: ١٣). وغاية هذا الامتحان الاختيار بين ما يجب التمسك به وما يجب رفضه كما يتبين مما يأتي.
تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ أي ما ثبت بالامتحان أنه صالح وحقيقي. وهذا واجب على كل إنسان في أمور الدين الجوهرية مهما وقع عليه من الاستهزاء والمقاومة والاضطهاد حتى يضطر أن يموت متمسكاً بالحق.
٢٢ «ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ».
ص ٤: ١٢
ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ كان يجب أن توصل هذه العبارة بالعبارة الأخيرة من الآية التي قبلها لأن كلاً من العبارتين يبين النتيجة التي قصدها الرسول من قوله «امتحنوا كل شيء». والأصل اليوناني والقرينة يطلبان أن نبدل كلمة «شبه» بشكل أي نوع كما وضعه المترجم في حاشية الإنجيل ذي الشواهد. أمرهم الرسول بالامتحان بالتدقيق لكي يستطيعوا أن يحكموا بين الخير والشر في الحقائق لا الأشياء فحذرهم من كل أنواع الشر لا من التي تشبه الشر.

خاتمة الرسالة ع ٢٣ إلى ٢٨


٢٣ «وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
فيلبي ٤: ٩ ص ٣: ١٣ و١كورنثوس ١: ٨
هذه الآية دعاء.
إِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ أي مصدره ومنشئه (رومية ١: ٧ و١٥: ٣٣ و١٦: ٢٠). وتسمية الله «بإله السلام» تشير إلى أن الله يحب أن يكون السلام بينه وبين المؤمن وبين الكنيسة وبين عضو آخر من أعضائها.
كما في (يوحنا ١٧: ١٧). رغب بولس في أن لا يكونوا ناقصين شيئاً من القداسة أو من سائر الفضائل ظاهراً وباطناً فيما يجب عليهم لله وللناس.
وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ أي جملة كل إنسان منكم. وكلام الرسول جاء على مصطلح الناس فيشير إلى طبيعة الإنسان كلها. ولم يرد بيان أن الإنسان مركب من الأمور الثلاثة. وكثيراً ما عبر في الإنجيل عن طبيعة الإنسان بالنفس والجسد فقط أو الروح والجسد فقط (متّى ١٠: ٢٨ و١كورنثوس ٥: ٨ و٧: ٣٤). ويعسر أن نميز بين الروح والنفس وهما واحدة ولعل الفرق بينهما نسبي وهو أن الروح ما به حياة الإنسان بالنسبة إلى الله وأن النفس ما به ذلك بالنسبة إلى الحيوان.
عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ للفحص النهائي والحكم القاطع وحينئذ تنتهي كل التجارب فلا يبقى خطر من السقوط إذ يكون الخلاص يقينياً.
٢٤ «أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً».
١كورنثوس ١: ٩ و١٠: ١٣ و٢تسالونيكي ٣: ٣ غلاطية ٥: ٨
بنى الرسول في هذه الآية رجاء إجابة صلاته وحفظهم كاملين إلى اليوم الآخر على أمانة الله في أنه يتمم تقديس قلوبهم الذي ابتدأه (فيلبي ١: ٦ و١كورنثوس ١: ٩). وكون الله هو الذي دعاهم يؤكد أن الدعوة ليست بباطلة لأنه «ٱلَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهٰؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَٱلَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهٰؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً» (رومية ٨: ٣٠).
٢٥ «أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا».
كولوسي ٤: ٣ و٢تسالونيكي ٣: ١
سأل مثل هذا في رسالته الثانية وفي الرسالة إلى رومية والرسالة الثانية إلى كورنثوس والرسالة إلى أفسس والرسالة إلى فيلبي والرسالة إلى كولوسي والرسالة إلى فليمون. وطلب ذلك لكونه من جملة البشر عرضة للتجارب كغيره داخلاً وخارجاً. فكان عليه أعمال ثقيلة ومسؤولية عظيمة ومقاومة شديدة وكان عرضة للخطر والعوز فافتقر كثيراً إلى مساعدة شعب الله إياه بالصلاة.
٢٦ «سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ».
رومية ٦: ١٦
ارجع إلى تفسير هذه الآية في (رومية ١٦: ١٦).
٢٧ «أُنَاشِدُكُمْ بِٱلرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ».
كولوسي ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ٣: ١٨
أظهر بولس شديد رغبته في قراءة هذه الرسالة على الجميع واعتباره أهمية ما كُتب فيها من إعلان إرادة الله بقوله «أناشدكم» الخ وهو قسم استعطافي. والذي طلبه بولس في شأن هذه الرسالة منهم يطلبه في شأن كل كتابة من كل المؤمنين (يوحنا ٥: ٣٩ وإشعياء ٨: ٢٠ ورؤيا ١: ٣). ولا ريب أن الله يشدد الدينونة على كل الذين يمنعون من قراءة الأسفار المقدسة أو يهملون قراءتها ويبارك الذين يبذلون الجهد في توزيعها وتلاوتها.
٢٨ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٠ و٢٤ و٢تسالونيكي ٣: ١٨
انظر تفسير ذلك في تفسير (رومية ١٦: ٢٠).

Call of Hope
P.O.Box 10 08 27
D - 70007
Stuttgart
Germany