مقدمة لبشارة متّى

الكاتب


كتب هذه البشارة رجل يهودي من الجليل اسمه متّى، وهو لاوي بن حلفي (مرقس ٢: ١٤) استوطن كفرناحوم وكان عشاراً، أي جامع الضرائب للرومان. دعاه المسيح وهو يمارس وظيفته (متّى ٩: ٩) وقصته بعد يوم الخمسين غير أكيدة، تعتمد على التقليد التاريخي فقط.

زمن الكتابة


زمن كتابة بشارة متّى غير معروف بالتحقيق، ويُرجح أنه بين سنة ٦٠ و٦٦م. وبما أنها لا تذكر خراب أورشليم سنة ٦٦ (وهي سنة ٧٠ على الحساب المشهور) فقد استنتج المفسرون أنها كُتبت قبل وقوع تلك الحادثة. وفي قوله «إلى هذا اليوم» (ص ٢٧: ٨ و٣٨: ١٥) إشارة إلى أن التاريخ كُتب بعد حدوث الأمور المذكورة بمدة طويلة.

لغتها الأصلية


بشارة متّى التي عندنا اليوم كُتبت أصلاً باليونانية، ومنها جاءت الترجمة العربية وسائر الترجمات المعروفة. لكن لنا أدلة كثيرة على وجود نسخة عبرانية قديمة فُقدت منذ عهد طويل. ولا مانع من الظن أن هذا البشير كتب بشارته في لغتين. فثبوت النسخة العبرانية لا يناقض قانونية النسخة اليونانية التي عندنا. ولا دليل على أن تلك النسخة اليونانية تُرجمت من نسخة أخرى.

خواصها


كُتبت هذه البشارة في اليهودية لليهود. وهي تُعلن أن يسوع هو أعظم الأنبياء والمشترعين، ومتممٌ بذاته كل نبوات العهد القديم من أنه هو المسيح ملك إسرائيل. وترتيب حوادثها ليس بحسب زمان حدوثها ولكن باعتبار مواضيعها. فإن الكاتب يجمع أعمال المسيح وأقواله المتشابهة، ويروي نبأ المسيح كجزء من تاريخ الأمة اليهودية، إتماماً للبركة التي وعد الله إبراهيم بها.
وتستحق هذه البشارة أن تُسجَّل قبل غيرها في العهد الجديد، لأنها توضح العلاقة بين العهدين القديم والجديد، أي بين الشريعة والإنجيل. وقد كُتبت لليهود لتبرهن لهم أن يسوع هو المسيح، بدليل:

  • أنها اقتبست من العهد القديم نحو خمس وسبعين آية.
  • أنها لا تتعرض لذكر عادات اليهود، بل تحسبها معروفة للقارئ.
  • أنها تعلن إرسالية يسوع الخاصة لليهود.


ومتّى هو الإنجيلي الوحيد الذي يذكر سلسلة نسب يوسف، ومجيء المجوس، وهروب يسوع مع عائلته إلى مصر، وقتل الأطفال في بيت لحم، ومَثل العشر العذارى، وحلم زوجة بيلاطس، وقيامة بعض القديسين، وارتشاء الحراس الرومان، وإرسال المسيح تلاميذه ليذهبوا ويُعمدوا كل من يؤمن بشهادتهم له.

كلمة تمهيدية


الإنجيل أو البشارة تتناول عادة إما عملاً أو حادثة جرت، وهي مفرحة لمن يقولها ولمن يسمعها على السواء. وأي خبر مفرح أكثر من هذه البشارة، لأن الله القدير يريد أن يفتدي شعبه من خطاياهم «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيد» (يوحنا ٣: ١٦). وهذه «بشارة متّى» أي أنه المسؤول عن تنسيق روايتها. وإن كُتبت بالروح القدس فالعامل البشري موجود أيضاً.
لا بد لمن يدخل على الإنجيل المقدس أن يشعر أنه داخل إلى حرمٍ مقدس، فيتساءَل: تُرى هل يحتاج الإنجيل إلى تفسير، وهو البشارة المفرِّحة المعلنة لكل البشر بأبسط عبارة وأوضح أسلوب؟! وهل بعد قصص المسيح وأمثاله الإلهية العجيبة زيادة لمستزيد، فيقف البيان البشري صامتاً أمام الحكمة الإلهية، ويتورع اللسان مهما بلغت فصاحته إلا أن يصت أمام «ابن الله ابن الإنسان» ليقول له: تكلم يا رب لأن عبيدك سامعون.
ولكن القصد من هذا التفسير هو جلاء بعض النقاط بالنسبة للترجمة أولاً، وبالنسبة لِما قد يطرأ على بعض العبارات من إيضاحات تتطلبها عوامل الزمان والمكان واختلاف البيئة والأشخاص عما كان في زمن المسيح. فيقتضي، والحالة هذه، أن نفسر بعض الأشياء، زيادة في روعة الرسالة المسيحية وقدسيتها.